24 Feb 2016
فضل تلاوة القرآن
من دلائل فضل القرآن ما جعل الله لتاليه من الثواب العظيم والفضل الكبير، وما فتح له به من أبواب الخيرات والبركات، والتجارة العظيمة الرابحة.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)} لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) }
وقال تعالى: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)}
معنى تلاوة القرآن
وتلاوة القرآن يُرادُ بها معنيان متلازمان:
المعنى الأول: قراءته.
والمعنى الثاني: اتّباعه.
قال عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {يتلونه حقّ تلاوته}: (والّذي نفسي بيده إنّ حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه، ويقرأه كما أنزله اللّه، ولا يحرّف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوّل منه شيئًا على غير تأويله). رواه ابن جرير.
وقال عبد الله بن عباس: «يتبعونه حق اتباعه». رواه أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو داوود في الزهد وزاد: (ألا ترى إلى قوله: {والقمر إذا تلاها}).
وقال مجاهد: (يعملون به حقّ عمله). رواه سعيد بن منصور وابن جرير.
وقال الحسن البصري: (يعملون بمُحْكَمِه، ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال قتادة: (يتّبعونه حقّ اتّباعه يحلّون حلاله، ويحرّمون حرامه، ويقرؤونه كما أُنزل). رواه ابن جرير.
فتلاوة القرآن جامعة بين معنيَي قراءته واتّباعه.
قال الله تعالى: {واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك}
وقال تعالى: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة...}
وقال تعالى في مواضع أخرى: {اتّبع ما أوحي إليك من ربك}.
وقال تعالى: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)}
وقال تعالى: { المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)}
وقال تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}
فورد الأمر بالقراءة، وورد الأمر بالاتباع، وورد الأمر بالتلاوة الجامعة بين المعنيين.
والتلاوة المعتبرة هي التلاوة التي يحبّها الله ويقبلها، وهي التلاوة التي تكون بإيمان واتّباع؛ أما القراءة من غير اتّباع فإنها لا تنفع صاحبها، بل هي حجّة عليه.
مراتب تلاوة القرآن
وتلاوة القرآن على مراتب:
- فأعلاها مرتبة أهل الإحسان في تلاوة القرآن، وهم الذين جمعوا بين المهارة في قراءة القرآن، وحسن اتّباع هداه؛ فهؤلاء بأفضل المنازل، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)} لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) }
فوعدهم الله التجارةَ الرابحة التي ضمن لهم أنها لن تبور؛ فهي تجارة يجدون من ثوابها وبركاتها والرفعة بها ما تقرّ به أعينهم، وتطيب به حياتهم، وتحسن به عاقبتهم.
ووعدهم مع توفيتهم أجورهم أن يزيدهم من فضله زيادة كريمة من عنده جلّ وعلا؛ وأضاف الفضل إليه إضافة تشريف وتنبيه على أنّه فضل عظيم.
{إنه غفور شكور} وفي هذا تنبيه على وعد بمغفرة ذنوبهم، وعلى أنّ الله تعالى يحبّ هذه الأعمال، ويشكر من يتقرّب بها إليه؛ فيثيبهم ثواباً وافياً، ويزيدهم عليه زيادة كريمة.
قال قتادة: (كان مطرّف بن عبد الله إذا مرّ بهذه الآية: {إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه} يقول: هذه آية القرّاء). رواه ابن جرير.
وذلك لما فيها من الشرف والفضل العظيم لهم.
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتَعُ فيه، وهو عليه شاقّ، له أجران». رواه مسلم.
الماهر: الحاذق الذي يقرأ بإتقان من غير تردد.
فلما جمعوا مهارة القراءة وبرّ العمل به نالوا إكرام الله تعالى لهم.
قال ابن حجر: (والمراد بالمهارة بالقرآن جودة الحفظ وجودة التلاوة من غير تردد فيه، لكونه يسَّره الله تعالى عليه كما يسَّره على الملائكة؛ فكان مثلها في الحفظ والدرجة).
ويشهد لما قاله ابن حجر رواية البخاري رحمه الله لهذا الحديث في صحيحه بلفظ: «مثل الذي يقرأ القرآن، وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ، وهو يتعاهده، وهو عليه شديد فله أجران».
وحفظ القرآن هنا يشمل حفظ تلاوته وحفظ رعايته بالعمل به وما يوجبه الإيمان به.
وقوله: (مع السفرة الكرام البررة) إشارة إلى قول الله تعالى: {في صحف مكرّمة . مرفوعة مطهّرة . بأيدي سفرة . كرام بررة}.
وفي المراد بالسفرة أربعة أقوال:
القول الأول: هم الملائكة، واحدهم سافر، والجمع سَفَرة، وهذا القول رُوي عن ابن عباس بإسناد ضعيف، وقال به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والفراء والبخاري في صحيحه، ورجّحه ابن جرير وابن عطية وابن كثير.
قال الفراء: (فَجُعِلَت الملائكة إذا نزلت بوحي الله تبارك وتعالى وتأديبه كالسفير الذي يصلح بين القوم، قال الشاعر:
ومــا أدع السّـفـارة بـيـن قـومـي ... وما أمشي بغشٍّ إن مشيت)ا.ه.
والقول الثاني: هم الكَتَبة؛ وهو قول ابن عبّاس، ورواية معمر عن قتادة، وقال به من علماء اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنّى.
والقول الثالث: هم القرّاء، وهو رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أخرجها ابن جرير الطبري.
والقول الرابع: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا قول وهب بن منبّه؛ رواه عنه عبد بن حميد وابن المنذر كما في الدر المنثور.
وجمع الخليل بن أحمد وابن قتيبة والزجاج بين القولين الأولين؛ فذهبوا إلى أن معنى "السفرة" أي الكَتَبة، وأنّ المراد بهم الملائكة، وهو جمع حسن.
والمقصود أن قول النبي صلى الله عليه وسلم في الماهر بقراءة القرآن (مع السفرة الكرام البررة) تشريف عظيم للماهر بالقرآن، وقد اختلف في كونه معهم على أقوال:
القول الأول: المعيّة في المكانة والمنزلة.
والقول الثاني: هي معيّةُ مصاحَبة في الدنيا؛ فلكثرة تلاوته وتنزّل الملائكة لاستماع الذكر والتلاوة كان مصاحباً لهم.
والقول الثالث: هي معيّة مشاكلة ومشابهة؛ فهو بطاعته وكثرة ذكره قد شابه الملائكة وسلك مسلكهم.
وعلى كلّ هذه الأقوال فوصفه بأنه مع السفرة دون ذكر عين الجزاء دليل على إبهامه لتعظيمه، وأنّه أجر عظيم يكفي في وصفه أن يعدّ صاحبه مع السفرة الكرام البررة، ونظيره ما في الحديث الصحيح: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)؛ فتذهب الآمال كل مذهب في رجاء عِظَمِ هذا الثواب، فيثابون بما لم يخطر على قلوبهم، ولم يبلغه علمهم، ولم تدركه أمانيهم من عظيم الفضل وجزيل الثواب.
ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى أن مضاعفة الثواب للماهر بالقرآن لا تُحصَر، وأنّ الله تعالى يضاعف له الأجر أضعافاً كثيرة؛ فكما يضاعف الحسنات لبعض عباده إلى سبعمائة ضعف وإلى أضعاف كثيرة؛ فكذلك يكون في خير ما يُتقرَّب به إليه – جلّ وعلا - وهو تلاوة كلامه واتّباع هداه.
والمقصود أنّ ثواب تلاوة القرآن يتفاضل بتفاضل القراء في معنيي التلاوة؛ وهما القراءة والاتباع؛ فمن بلغ فيهما مرتبة الإحسان فهو بأفضل المنازل.
ومن قصّر فيهما حصل له من النقص بحسب تقصيره وتفريطه.
وأما من كان يحسن القراءة ويخالف هدى الله تعالى فإنّ قراءته لا تنفعه عند الله، بل هي حجّة عليه.
أنواع ثواب تلاوة القرآن
ومن أحسن تلاوة القرآن فإنّه يُثاب بأنواع من الثواب العظيم في الدنيا والآخرة فضلاً من الله تعالى، وإكراماً منه لصاحب القرآن:
أ: فمما يثاب به في الدنيا:
1: أن تلاوته للقرآن طمأنينة للقلب وسكينة للنفس ونور للصدر، وجلاء للحزن وذهاب للهَمّ؛ كما قال الله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب} ، وقد فسّر الذكر هنا بالقرآن، ولا شكّ أن القرآن من الذكر، وهو يدخل في معنى هذه الآية دخولاً أوّلياً؛ وتلاوته والاستماع له بقلب منيب يحصل بهما من الطمأنينة والسكينة ما يدفع عن المؤمن انزعاجه من المقلقات والأحداث العارضة والإيذاءات الشيطانية؛ ويثبّته في مواضع الفتن؛ وهذا الثواب النفسي الذي يجده قارئ القرآن بركته على روحه وجسده حتى كأنّ كلَّ عضو من أعضائه تناله بركة تلاوته، من أعظم الثواب المعجّل لقارئ القرآن.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما قال أحد قط إذا أصابه هم أو حزن: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه، وأبدله مكان حزنه فرحا ".
قال: فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلمها؟
فقال: " بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها " رواه أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وغيرهم.
2. ومن ثواب تلاوة القرآن: محبة الله تعالى لمن يتلو كتابه مؤمنا به؛ معظّما لهداه؛ فرحاً بفضله ورحمته؛ وهذه المحبة العظيمة لها آثار مباركة على حياة المؤمن، وكلما كان أحسن تلاوة للقرآن كان نصيبه من هذه المحبة وآثارها أعظم.
ومن دلائل محبّة الله تعالى لمن يتلو كتابه مؤمنا به ثناؤه عليهم في مواضع من كتابه الكريم، ثناء يشرّفهم به ويرغّب به عباده في تلاوة كتابه، والتقرّب به إليه.
وتزداد محبّة الله تعالى بازدياد صدق العبد في التقرّب إلى الله تعالى بتلاوة كتابه وتقديمه إيّاه على ما تشتهيه نفسه كما دلّ عليه الحديث الذي رواه منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة:
- يبغض الشيخ الزاني، والفقير المختال، والمكثر البخيل.
- ويحب ثلاثة: رجل كان في كتيبة؛ فكَرَّ يحميهم حتى قُتِل أو فتح الله عليه، ورجل كان في قوم فأدلجوا فنزلوا من آخر الليل، وكان النومُ أحبَّ إليهم مما يُعدل به، فناموا وقام يتلو آياتي ويتملَّقني، ورجل كان في قوم فأتاهم رجل يسألهم بقرابة بينهم وبينه فبخلوا عنه، وخلف بأعقابهم فأعطاه حيث لا يراه إلا الله ومن أعطاه). رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي بإسناد صحيح.
وقال فروة بن نوفل الأشجعي: كنت جاراً لخباب بن الأرتّ؛ فخرجنا مرة من المسجد، فأخذ بيدي فقال: « يا هناه، تقرب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تَقَرَّب إليه بشيء أحبَّ إليه من كلامه » رواه الحاكم والبيهقي واللالكائي، واحتجّ به الإمام أحمد.
وقد فقه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فَضْلَ هذا العمل الجليل فكانوا أحسن الأمّة عناية به.
- قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: « لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لأكره أن يأتي عليَّ يوم لا أنظر في المصحف ». رواه البيهقي في كتاب الاعتقاد.
- وقال عبد الله بن مسعود: « لو أن رجلا بات يحمل على الجياد في سبيل الله، وبات رجل يتلو كتاب الله لكان ذاكرُ الله أفضلَهما» رواه ابن أبي شيبة
- وقال عبد الله بن عمر: « لو بات رجل ينفق دينارا دينارا، ودرهما درهما، ويحمل على الجياد في سبيل الله، وبات رجل يتلو كتاب الله حتى يصبح متقبَّلا منه، وبتُّ أتلو كتاب الله حتى أصبح متقبلا مني، لم أحبَّ أن لي عملَه بعملي » رواه ابن أبي شيبة.
- وروى سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي أنه قال: «لو بات رجل يعطي البِيضَ القِيَان، وبات آخر يتلو كتاب الله عز وجل ويذكر الله تعالى» قال سليمان التيمي: (كأنه يرى أن الذي يذكر الله أفضل). رواه أبو نعيم الأصبهاني.
البيض القيان: الجواري ذوات الحسن في الصوت والصورة، وذكرها لأنّها من أَنفَسِ ما يُهدى؛ لمظنّة الشحّ بها.
3: ومن ثواب تلاوته: أن القارئ يتبصّر به ويعتبر فيهديه إلى معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، ويذكّره بآلائه ونعمائه، ويبصّره بالصراط المستقيم والهدي القويم في جميع شؤونه، ويفقّهه في أحكام دينه وسلوكه وتعامله، ويعلّمه الاعتبار والتفكّر، والتبصّر والتذكر، والحكمة والسداد؛ فيستفيد من القرآن علماً كثيراً مباركاً بما تضمّنه من الآيات البيّنات، والأمثال التي صرّفها الله عزّ وجل عن علم وحكمة وحسن تقدير، وما فيه من القصص الكثيرة المباركة بما حوته من الدروس والمواعظ والعبر، إلى غير ذلك من أنواع البصائر والبيّنات التي تحصل لمن أحسن تلاوة القرآن؛ كما قال الله تعالى: { لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)} ،
- وقال تعالى: { هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9)}
- وقال تعالى: { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} .
- وقال تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُإِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)}
- وقال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}
وفي القرآن من أنواع البصائر والبيّنات ما يفتح للعبد أبواب الإيمان واليقين والحكمة؛ فإنّه يرى الأمور بعين البصيرة، ويَنظر إلى الأحداث كما يحبُّ اللهُ أن يُنظر إليها، ولا تغرّه الظواهر التي تغرّ الجاهلين وتخدعهم، بل ينفذ بصره إلى حقيقة ما أراده الله، ويفقه سنن الابتلاء وعواقبه؛ ويعرف هدى الله فيما يعرض له؛ فيتّبع رضوان الله، ويفوز بمحبّته ومعيّته الخاصة، حتى ينال ما وعده الله من الكفاية وحسن العاقبة، وذلك أنّ عالم الغيب يختلف عن عالَم الشهادة، وأكثر الناس إنما ينظرون إلى ظواهر عالم الشهادة ويتخرّصون في عالم الغيب؛ فيغترون بما يرون في الحياة الدنيا، ويضلون عما تحصل لهم به العاقبة الحسنة في أمورهم، وصاحب القرآن يتّبع هدى الله الذي هو عالِمُ الغيب والشهادة، ومن بيده ملكوت كلّ شيء، وإليه عاقبة الأمور؛ فهو الذي يقدّر الأقدار ، ويدبّر الأمر، ويتولّى الجزاء، فتصديق وعده جلّ وعلا واتّباع ما بيّن من الهدى في كتابه الكريم يفضي بصاحبه إلى العاقبة الحسنة.
ولتفاصيل ذلك أمثلة كثيرة تبيّن تفاوت الناس في انتفاعهم من القرآن، فأوفرهم حظا وأحسنهم نصيباً من يحسن تلاوة القرآن بقلب منيب؛ لأنّ الله تعالى قد وعد أهل الإنابة بالهداية؛ كما قال تعالى: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} وقال تعالى: {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}.
ومن هدى الله قلبه، ونوّره بنور وحيه، وأحياه بروح أمره : آتاه فرقانا يميّز به بين الحقّ والباطل، ويثبت به في مواضع الفتن التي تزلّ فيها الأقدام، ويبصّره بالحقائق على ما هي عليه، وينظر إلى العواقب كأنه يراها رأي عين، لا يرتاب فيها، ولا يتردد في اتّباع هدى الله، وهذا علم يقيني خاصّ خالص لأهل الخشية والإنابة الذين ينتفعون بما أنزل الله تعالى في كتابه، ويعتبرون بما فيه من الآيات والعبر، ويعقلون أمثاله، ويصدّقون أخباره، ويؤمنون به ويعظّمونه؛ فلا يستوي هؤلاء الموفّقون المهديّون ومن كانوا في غفلة عن هدى القرآن متبعين لما تهواه أنفسهم، كما قال الله تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)}، وقال تعالى: { أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)}.
والمقصود أن من أعظم ما يثاب به قارئ القرآن بقلب منيب ما يحصل له من العلم اليقيني الخاصّ المبارك القائم على بصائر القرآن وبيّناته، وهذا العلم الجليل أصلٌ لهدايات عظيمة، وبركات كثيرة.
ولو ذهبنا نشرح كل نوع من أنواع ثواب القرآن لطال بنا المقام، وتشعّب الحديث شُعَباً كثيرة؛ ورأينا في كل شعبة ما يدعونا للوقوف عليها، والتفكّر فيها، وتأمّل آثارها المباركة، وتعرّف خلاصة ما ذكره أهل العلم فيها من الفوائد والتنبيهات؛ ولطائف الاستدلالات؛ فيفضي بنا ذلك إلى التطويل والإكثار من حيث أردنا التلخيص والاختصار، وحسبنا فيما بقي أن نوجز العبارة بما يكفي للدلالة والتنبيه على ما نَقْصُر عن تَقَصِّيه.
4: ومن أنواع ثواب تلاوة القرآن؛ زيادة الإيمان بتلاوته وبالاستماع إليه؛ كما قال الله تعالى: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا}، وقال تعالى: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} ، وأوجه زيادة الإيمان بتلاوة القرآن وبالاستماع إليه متعددة؛ فإنّ الإيمان يزيد بالطاعات؛ وتلاوة القرآن عبادة قولية يثاب عليها العبد ويزداد بها إيمانه، ودعاء العبد لربّه إذا مرّ بآية رحمة أو آية عذاب؛ عبادة قولية قلبية يثاب عليها.
وما يقوم بقلب قارئ القرآن من أنواع العبادات القلبية من التصديق وزيادة اليقين والخشية والإنابة والرغبة والرهبة والصدق والإخلاص والتوكل والاستعانة وتعظيم حرمات الله وشعائره وغير ذلك من العبادات القلبية العظيمة؛ كل ذلك مما يزداد به إيمان العبد إذا أحسن تلاوة القرآن؛ فإنَّ القرآن يخاطبُ القلبَ وينمِّي فيه هذه العبادات العظيمة ؛ التي إذا صحّت في القلب صلح القلب وصلح سائر الجسد.
ثمّ ما يقوم به قارئ القرآن من أنواع العبادات العملية التي أرشد الله إليها في كتابه الكريم كإقامة الصلاة وإحسان الإنفاق في سبيله، والاجتهاد في فعل الخيرات، والكفّ عن المحرمات، مما يزداد به العبد إيمانا وصلاحاً ؛ فإنّ القارئ الصادق إذا وقف على أمر لله تعالى حرص على أن يكون من أهل ذلك الأمر، وإذا وقف على نهي عن أمر من الأمور حرص على اجتنابه، ولا يزال كذلك حتى يحقق التقوى التي مبناها على فعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه.
والخلاصة أن زيادة الإيمان بتلاوة القرآن تكون بقراءته وبما يترتّب عليها من أنواع العبادات القولية والقلبية والعملية، وأنّ زيادة الإيمان من عاجل ثواب قارئ القرآن.
5: ومن أنواع ثواب قراءة القرآن ما جعل الله تعالى لقارئه من الحسنات الكثيرة المضاعفة، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة:
- منها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول "الم" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف». رواه الترمذي وصححه والبيهقيّ في شعب الإيمان وغيرهما، وقد رُوي عن ابن مسعود مرفوعاً وموقوفاً من طرق يشدّ بعضها بعضاً، وصححه الألباني وجماعة من أهل العلم.
- ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خَلِفَات عظام سمان؟» قلنا: نعم، قال: «فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته، خير له من ثلاث خلفات عظام سمان» رواه مسلم في صحيحه.
ورواه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، ولفظه: «هل يُحِبُّ أحدكم إذا أتى أهله أن يجد عندهم ثلاث خلفات عظاما سمانا» قلنا: نعم يا رسول الله؛ قال: «فثلاث آيات يقرأ بهن»
الخَلِفة: الناقة التي في بطنها ولدها.
- ومنها حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم، ولا قطع رحم؟»، فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيَعْلَمُ أو يقرأُ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل» رواه مسلم، وأحمد وأبو داوود ، وفي روايتهما (فيتعلم آيتين من كتاب الله..).
- الكوماء: الناقة العظيمة السنام.
أوجه تفاضل ثواب التلاوة
ومما ينبغي أن يعلم أن ثواب التلاوة يتفاضل من وجوه:
فمن ذلك: أن التلاوة بحضور قلب وتدبّر وخشوع أعظم أجراً من التلاوة التي يضعف فيها حضور القلب وعقل المعاني وتدبّر الآيات.
فإنّ العبد يثاب على ما يقوم في قلبه من العبادات القلبية عند تلاوته، وما يظهر من آثارها على جوارحه؛ كما قال الله تعالى: { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85)}
فهؤلاء بلغوا مرتبة الإحسان في استماع تلاوة القرآن؛ وأثنى الله عليهم بما يدل على محبّة عملهم؛ من معرفة الحقّ وظهور أثره عليهم وقولهم ما أحبّه الله تعالى؛ حتى نوّه بذكرهم في كتابه الكريم، وأعلى شأنهم وأحسن جزاءهم وأغرى بالاتّساء بهم.
- ومن أوجه التفاضل أن الإقبال على تلاوة القرآن في حال الفتن والعوارض والصوارف أعظم أجراً لصاحبها مع سلامته من تلك الفتن المثبّطة.
- ومن أوجه التفاضل في ثواب التلاوة: أن سور القرآن تتفاضل؛ وآياته تتفاضل كذلك، فتلاوة السور والآيات الفاضلة أعظم أجراً من تلاوة غيرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (حروف القرآن تتفاضل لتفاضل المعاني وغير ذلك؛ فحروف الفاتحة له بكل حرف منها حسنة أعظم من حسنات حروف من {تبت يدا أبي لهب}).
وهذا مبني على أصل تفاضل آيات القرآن وسوره؛ فإنّ تفاضل ثواب التلاوة من آثار تفاضل الآيات نفسها؛ فقراءة الآية الأعظم فضلاً ثوابها أعظم، لعظمة معانيها ودلائلها وما تقتضيه من عبادات تقوم في قلب التالي.
ومن أوجه التفاضل أيضاً: أنَّ التلاوة الحسنة التي يرتّل القارئ فيها ما يقرأ، ويحبّر قراءته ويزيّن صوته بها، أعظم أجراً من التلاوة التي لا تكون كذلك.
وقد اختلف العلماء في المفاضلة بين إكثار التلاوة مع الإسراع وبين ترتيلها وتحبيرها، ولكل أصحاب قول أدلّتهم.
وخلص ابن القيّم رحمه الله من بحث هذه المسألة إلى قوله: (والصواب في المسألة أن يقال: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرا، وثواب كثرة القراءة أكثر عددا
- فالأول: كمن تصدق بجوهرة عظيمة، أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا.
- والثاني: كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة)ا.هـ.
وقد يحتاج القارئ إلى التنويع في قراءته؛ فيقرأ أحيانا بتحبير وتجويد، وأحيانا يحدر في قراءته لتحقيق مقاصد أخرى كالتيسير على النفس بالتنويع، ومراجعة الحفظ، والاستكثار من الختمات في الأوقات الفاضلة والأماكن الفاضلة.
وهذه المسألة من مباحث آداب تلاوة القرآن، وإنما المراد هنا التنبيه على أسباب التفاضل في ثواب التلاوة.
وهذه الحسنات العظيمة التي جعلها الله للمؤمن الذي يقرأ القرآن؛ داخلة في جملة الفضل الكبير الذي بشّر الله به المؤمنين في قوله تعالى: {وبشّر المؤمنين بأنّ لهم من الله فضلاً كبيراً}.
فإن الحسنات تذهب السيئات، وترتفع بها الدرجات، وتقود إلى حسنات أخرى؛ فلا يزال المؤمن يستكثر من الحسنات بتلاوته حتى يكون القرآن ربيع قلبه ونور صدره، وجلاء حزنه، وذهاب غمّه، فإنّ الغم والحزن من جملة عقوبات السيئات؛ فإذا كفّرت السيئات بالحسنات؛ ذهب أثرها، واستقبل القلب أثر الحسنات وبركاتها وهو في عافية من آثار السيئات.
ثواب تلاوة القرآن في الآخرة
وإذا انتقل صاحب القرآن من هذه الحياة الدنيا إلى الدار الآخرة تبيّن له من ثواب تلاوته للقرآن ما يحمد به عاقبة إقباله على تلاوته في الدنيا وتمسّكه به، واتّباعه لهداه؛ فإنّه يظلّه في الموقف، ويشفع له، ويحاجّ عنه، ويقوده إلى الجنة، ويجد بسببه من الكرامة والرفعة ما لا يخطر له على بال.
وقد رُوي في الثواب الأخروي لتلاوة القرآن أحاديث جليلة القدر عظيمة النفع:
- منها: حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة».
قال معاوية بن سلام: بلغني أن البطلة: السحرة،. رواه مسلم في صحيحه.
- ومنها: حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما )). رواه مسلم.
- ومنها: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( القرآن شافع مشفَّع ومَاحِلٌ مصدَّق، مَن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار )). رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
- ومنها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» رواه أحمد وأبو داوود والترمذي والنسائي في الكبرى، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه ولفظه: (يقال لصاحب القرآن حين يدخل الجنة: اقرأ وارقه في الجنة، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك في الدرجات عند آخر ما تقرأ).
- ومنها: حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته، يقول: «تعلموا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة» ثم سكت ساعة، ثم قال: " تعلموا سورة البقرة وآل عمران، فإنهما الزهراوان، وإنهما تظلان صاحبهما يوم القيامة، كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فرقان من طير صواف، وإن القرآن يأتي صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك بالهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هذًّا كان أو ترتيلا)). رواه أحمد وابن أبي شيبة والدارمي ومحمد بن نصر والطبراني والبغوي كلهم من طريق: بشير بن المهاجر الغنوي، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه.
وهذا الحديث حسّنه الألباني رحمه الله في الصحيحة.