قال محمد بن صالح العثيمين (ت:1421هـ): ( التفسير
التفسير لغة: من الفسر، وهو: الكشف عن المغطى.
وفي الاصطلاح: بيان معاني القرآن الكريم.
وتعلم التفسير واجب لقوله تعالى: {كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدّبّروا آياته وليتذكّر أولو الألباب } [ص:29] ولقوله تعالى: {أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها} [محمد: 24].
وجه الدلالة من الآية الأولى أن الله تعالى بين أن الحكمة من إنزال هذا القرآن المبارك؛ أن يتدبر الناس آياته، ويتعظوا بما فيها. والتدبر هو التأمل في الألفاظ للوصول إلى معانيها، فإذا لم يكن ذلك، فاتت الحكمة من إنزال القرآن، وصار مجرد ألفاظ لا تأثير لها. ولأنه لا يمكن الاتعاظ بما في القرآن بدون فهم معانيه. المرجع في تفسير القرآن ولذلك أمثلة منها: 2- قوله تعالى: {وما أدراك ما الطّارق} [الطارق: 2] فقد فسر الطارق بقوله في الآية الثانية: {النّجم الثّاقب} [الطارق: 3]. 2- قوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} [لأنفال: الآية 60] فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم القوة بالرمي. رواه مسلم، وغيره من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
ووجه
الدلالة من الآية الثانية أن الله تعالى وبخ أولئك الذين لا يتدبرون
القرآن، وأشار إلى أن ذلك من الإقفال على قلوبهم، وعدم وصول الخير إليها.
وكان
سلف الأمة على تلك الطريقة الواجبة، يتعلمون القرآن ألفاظه ومعانيه؛ لأنهم
بذلك يتمكنون من العمل بالقرآن على مراد الله به فإن العمل بما لا يعرف
معناه غير ممكن.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا
الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما،
أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات، لم
يجاوزوها، حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا.
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية: والعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم
كالطب والحساب، ولا يستشرحوه فكيف بكلام الله تعالى الذي هو عصمتهم، وبه
نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم. ويجب على أهل العلم أن يبينوه للناس
عن طريق الكتابة أو المشافهة لقوله تعالى: {وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه} [آل عمران: الآية 187] وتبيين الكتاب للناس شامل لتبيين ألفاظه ومعانيه، فيكون تفسير القرآن، مما أخذ الله العهد على أهل العلم ببيانه.
والغرض
من تعلم التفسير هو الوصول إلى الغايات الحميدة والثمرات الجليلة، وهي
التصديق بأخباره والانتفاع بها وتطبيق أحكامه على الوجه الذي أراده الله؛
ليعبد الله بها على بصيرة.
الواجب على المسلم في تفسير القرآن
الواجب
على المسلم في تفسير القرآن أن يشعر نفسه حين يفسر القرآن بأنه مترجم عن
الله تعالى، شاهد عليه بما أراد من كلامه فيكون معظما لهذه الشهادة خائفا
من أن يقول على الله بلا علم، فيقع فيما حرم الله، فيخزى بذلك يوم القيامة،
قال الله تعالى: {إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر
منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به
سلطاناً وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون}[الأعراف: 33] وقال تعالى: {ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودّةٌ أليس في جهنّم مثوىً للمتكبّرين} [الزمر: 60].
يرجع في تفسير القرآن إلى ما يأتي:
أ- كلام الله تعالى: فيفسر القرآن بالقرآن، لأن الله تعالى هو الذي أنزله، وهو أعلم بما أراد به.
1-قوله تعالى: {ألا إنّ أولياء اللّه لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} [يونس: 62] فقد فسر أولياء الله بقوله في الآية التي تليها: {الّذين آمنوا وكانوا يتّقون} [يونس: 63]
3- قوله تعالى: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30] فقد فسر دحاها بقوله في الآيتين بعدها: {أخرج منها ماءها ومرعاها}، [النازعات: 31] {والجبال أرساها}[النازعات: 32].
ب -
كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيفسر القرآن بالسنة، لأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله تعالى، فهو أعلم الناس بمراد الله تعالى
كلامه.
ولذلك أمثلة منها:
1- قوله تعالى: {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ} [يونس: الآية 26] ففسر النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى، فيما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم صريحا من حديث أبي موسى
وأبي بن كعب. ورواه جرير من حديث كعب بن عجرة في صحيح مسلم عن صهيب بن سنان عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث قال فيه: " فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل "، ثم تلا هذه الآية {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ} [يونس: 26].
ج-
كلام الصحابة رضي الله عنهم لا سيما ذوو العلم منهم والعناية بالتفسير،
لأن القرآن نزل بلغتهم وفي عصرهم، ولأنهم بعد الأنبياء أصدق الناس في طلب
الحق، وأسلمهم من الأهواء، وأطهرهم من المخالفة التي تحول بين المرء وبين
التوفيق للصواب.
ولذلك أمثلة كثيرة جدا منها:
1- قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء} [النساء: الآية 43] فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه فسر الملامسة بالجماع.
د-
كلام التابعين الذين اعتنوا بأخذ التفسير عن الصحابة رضي الله عنهم، لأن
التابعين خير الناس بعد الصحابة، وأسلم من الأهواء ممن بعدهم. ولم تكن
اللغة العربية تغيرت كثيرا في عصرهم، فكانوا أقرب إلى الصواب في فهم القرآن
ممن بعدهم.
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا أجمعوا - يعني التابعين - على الشيء فلا يرتاب
في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من
بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنة، أو عموم لغة العرب، أو
أقوال الصحابة في ذلك.
وقال
أيضا: من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك، كان
مخطئا في ذلك، بل مبتدعا، وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه، ثم قال: فمن خالف
قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم، فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعا.
هـ - ما تقتضيه الكلمات من المعاني الشرعية أو اللغوية حسب السياق لقوله تعالى: {إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين النّاس بما أراك اللّه} [النساء: الآية 105] وقوله: {إنّا جعلناه قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون} [الزخرف: 3] وقوله: {وما أرسلنا من رسولٍ إلّا بلسان قومه ليبيّن لهم} [إبراهيم: الآية 4]. فإن
اختلف المعنى الشرعي واللغوي، أخذ بما يقتضيه الشرعي، لأن القرآن نزل
لبيان الشرع، لا لبيان اللغة إلا أن يكون هناك دليل يترجح به المعنى اللغوي
فيؤخذ به.
مثال ما اختلف فيه المعنيان، وقدم الشرعي: قوله تعالى في المنافقين: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبداً} [التوبة: الآية 84]
فالصلاة في اللغة الدعاء، وفي الشرع هنا الوقوف على الميت للدعاء له بصفة
مخصوصة فيقدم المعنى الشرعي، لأنه المقصود للمتكلم المعهود للمخاطب، وأما
منع الدعاء لهم على وجه الإطلاق فمن دليل آخر.
ومثال ما اختلف فيه المعنيان، وقدم فيه اللغوي بالدليل: قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم} [التوبة: الآية 103]
فالمراد بالصلاة هنا الدعاء، وبدليل ما رواه مسلم عن عبد الله بن أبي
أوفي، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بصدقة قوم، صلى عليهم،
فأتاه أبي بصدقته فقال: " اللهم صل على آل أبي أوفي ".
وأمثلة ما اتفق فيه المعنيان الشرعي واللغوي كثيرة: كالسماء والأرض والصدق والكذب والحجر والإنسان.
الاختلاف الوارد في التفسير المأثور
الاختلاف الوارد في التفسير المأثور على ثلاثة أقسام:
الأول: اختلاف في اللفظ دون المعنى، فهذا لا تأثير له في معنى الآية، مثاله قوله تعالى: {وقضى ربّك ألا تعبدوا إلّا إيّاه} [الإسراء: 23] قال ابن عباس: قضي: أمر، وقال مجاهد: وصي، وقال الربيع بن انس: أوجب، وهذه التفسيرات معناها واحد، او متقارب فلا تأثير لهذا الاختلاف في معنى الآية.
الثاني:
اختلاف في اللفظ والمعنى، والآية تحتمل المعنيين لعدم التضاد بينهما،
فتحمل الآية عليهما، وتفسر بهما، ويكون الجمع بين هذا الاختلاف أن كل واحد
من القولين ذكر على وجه التمثيل، لما تعنيه الآية أو التنويع، مثاله قوله
تعالى: {واتل عليهم نبأ الّذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشّيطان فكان من الغاوين} [الأعراف: 175] {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنّه أخلد إلى الأرض واتّبع هواه } [الأعراف: 176] قال ابن مسعود: هو رجل من بني إسرائيل، وعن ابن عباس أنه: رجل من أهل اليمن، وقيل: رجل من أهل البلقاء.
والجمع بين هذه الأقوال: أن تحمل الآية عليها كلها، لأنها تحتملها من غير تضاد، ويكون كل قول ذكر على وجه التمثيل.
ومثال آخر قوله تعالى: {وكأساً دهاقاً} [النبأ: 34] قال ابن عباس: دهاقاً مملوءة، وقال مجاهد: متتابعة، وقال عكرمة: صافية. ولا منافاة بين هذه الأقوال، والآية تحتملها فتحمل عليها جميعاً ويكون كل قول لنوع من المعنى.
القسم الثالث: اختلاف اللفظ والمعنى، والآية لا تحتمل المعنيين معا للتضاد بينهما، فتحمل الآية على الأرجح منهما بدلالة السياق أو غيره.
مثال ذلك: قوله تعالى: {إنّما
حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه فمن اضطرّ
غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} [البقرة: 173] قال ابن عباس: غير باغ في الميتة ولا عاد من أكله، وقيل: غير خارج على الإمام ولا عاص بسفره
والأرجح الأول لأنه لا دليل في الآية على الثاني، ولأن المقصود بحل ما ذكر
دفع الضرورة، وهي واقعة في حال الخروج على الإمام، وفي حال السفر المحرم
وغير ذلك.
ومثال آخر قوله تعالى: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح}[البقرة: الآية 237] قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الذي بيده عقدة النكاح: هو الزوج، وقال ابن عباس: هو الولي، والراجح الأول لدلالة المعنى عليه، ولأنه قد روي فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ترجمه القرآن
الترجمة لغة: تطلق على معانٍ ترجع إلى البيان والإيضاح.
وفي الاصطلاح: التعبير عن الكلام بلغة أخرى.
وترجمة القران: التعبير عن معناه بلغة أخرى
والترجمة نوعان:
أحدهما: ترجمة حرفية، وذلك بأن يوضع ترجمة كل كلمة بإزائها.
الثاني: ترجمة معنوية، أو تفسيرية، وذلك بأن يعبر عن معنى الكلام بلغة أخرى من غير مراعاة المفردات والترتيب.
مثال ذلك: قوله تعالى:{إنّا جعلناه قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون} [الزخرف: 3] فالترجمة الحرفية: أن يترجم كلمات هذه الآية كلمةً كلمة فيترجم {إنا} ثم {جعلناه} ثم {قرآنا} ثم {عربيا} وهكذا.
والترجمة المعنوية: أن يترجم معنى الآية كلها بقطع النظر عن معنى كل كلمة وترتيبها، وهي قريبة من معنى التفسير الإجمالي.
حكم ترجمة القرآن
الترجمة
الحرفية بالنسبة للقرآن الكريم مستحيلة عند كثير من أهل العلم، وذلك لأنه
يشترط في هذا النوع من الترجمة شروط لا يمكن تحققها معها وهي:
أ- وجود مفردات في اللغة المترجم إليها بازاء حروف اللغة المترجم منها.
ب- وجود أدوات للمعاني في اللغة المترجم إليها مساوية أو مشابهة للأدوات في اللغة المترجم منها.
ج-
تماثل اللغتين المترجم منها وإليها في ترتيب الكلمات حين تركيبها في الجمل
والصفات والإضافات وقال بعض العلماء: إن الترجمة الحرفية يمكن تحققها في
بعض آية، أو نحوها، ولكنها وإن أمكن تحققها في نحو ذلك - محرمة لأنها لا
يمكن أن تؤدي المعنى بكماله، ولا أن تؤثر في النفوس تأثير القرآن العربي
المبين، ولا ضرورة تدعو إليها؛ للاستغناء عنها بالترجمة المعنوية.
وعلى
هذا فالترجمة الحرفية إن أمكنت حسا في بعض الكلمات فهي ممنوعة شرعا، اللهم
إلا أن يترجم كلمة خاصة بلغة من يخاطبه ليفهمها، من غير أن يترجم التركيب
كله فلا بأس.
وأما
الترجمة المعنوية للقرآن فهي جائزة في الأصل لأنه لا محذور فيها، وقد تجب
حين تكون وسيلة إلى إبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين باللغة العربية،
لأن إبلاغ ذلك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
لكن يشترط لجواز ذلك شروط:
الأول:
أن لا تجعل بديلا عن القرآن بحيث يستغني بها عنه، وعلى هذا فلا بد أن يكتب
القرآن باللغة العربية وإلى جانبه هذه الترجمة، لتكون كالتفسير له.
الثاني: أن يكون المترجم عالما بمدلولات الألفاظ في اللغتين المترجم منها وإليها، وما تقتضيه حسب السياق.
الثالث:
أن يكون عالما بمعاني الألفاظ الشرعية في القرآن. ولا تقبل الترجمة للقرآن
الكريم إلا من مأمون عليها، بحيث يكون مسلما مستقيما في دينه ).[أصول في التفسير:28 - 37]