20 Oct 2012
تفسير قول الله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}
عناصر الدرس:
• المراد بالحاسد في الآية
• معنى الحسد وبيان أنواعه
• الفرق بين الحسد والغبطة
• معنى التقييد بالظرف في قوله تعالى: {إذا حسد}
• أنواع الحاسدين
• ما هو شر الحاسد؟
• حكم الحسد
• الأسباب التي تحمل الحاسد على الحسد
• أصل معنى الحسد في اللغة
• أصول مهمّة في علاج الحسد
- الحسد عمل قلبي.
- الحسد فيه شرّ متعدّ ولذلك أمرنا بالاستعاذة منه
- الحسد داء من الأدواء يمكن أن يتعافى منه الحاسد والمحسود بإذن الله
- وقوع الحسد على العبد دائر بين العقوبة والابتلاء
- الحسد من البلاء الذي يبتلي الله به من يشاء من عباده ولا يكشفه إلا الله جل وعلا
- على المؤمن أن يكون وسطا في شأن الحسد بين الغالي والمفرّط
- تأثير الحسد روحيّ في الأصل ويؤثّر في الأجساد تبعا
- لقوّة الروح وضعفها أثر في مقدار تأثير الحسد على المحسود
• لطائف لغوية في سورة الفلق
المراد بالحاسد في الآية
في المراد بالحاسد في هذه الآية أقوال:
القول الأول: المراد كلُّ حاسد، وهذا مفهوم قول قتادة وعطاء الخراساني، ونص عليه ابن جرير.
قال ابن جرير: (أُمِرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر كل حاسد إذا حسد).
وهذا هو الصواب إن شاء الله، وقد قال به جمهور المفسرين.
القول الثاني:
المراد بالحاسد هنا اليهود، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد ومقاتل بن
سليمان، واختاره البغوي في تفسيره، وأما في شرح السنة فاختار القول الأول.
القول الثالث: المراد به لبيد بن الأعصم، لأنه هو الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم حسداً وبغياً، وهذا قول الفراء، وذكره بعض المفسرين بعده.
والقول الأول هو الأولى بالصواب؛ فقوله تعالى: {ومن شر حاسدٍ إذا حسد}؛ {حاسدٍ} هنا نكرة، والتنكير فيه لإرادة العموم، أي: ومن شر كل حاسدٍ.
معنى الحسد وبيان أنواعه
والحاسد هو الذي يتمنّى
زوال النعمة عن المحسود أو دوام البلاء عليه؛ فيحسده على النعمة الحادثة أو
يحسده على النعمة التي يحتاجها، وكل ذلك من الحسد.
ولذلك فإن الحسد على نوعين:
أحدهما: تمنّي زوال النعمة الموجودة.
والنوع الآخر: تمنّي دوام البلاء.
قال ابن القيم في صاحب هذا
النوع من الحسد: (فهو يكره أن يحدث الله لعبده نعمة، بل يحبّ أن يبقى على
حاله من جهله أو فقره أو ضعفه أو شتات قلبه عن الله، أو قلّة دينه، فهو
يتمنّى دوام ما هو فيه من نقص وعيب) ا.هـ.
الفرق بين الحسد والغبطة
أهل العلم فرقوا بين الحسد والغبطة في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكم فهو يقضي بها ويعلّمها)). متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
فهذا الحسد هو الغبطة وهو أن يتمنّى مثل النعمة التي أعطيها أخوه المسلم من غير أن يتمنى زوالها عنه.
معنى التقييد بالظرف في قوله تعالى: {إذا حسد}
والحسد أصله صفة كامنة في كثير من النفوس، وإذا بقي الحسد كامنا فإنه لا يضر، لكن {إذا حسد} أي: إذا فَعل هذا الفعل وهو الحسد؛ فإنه يضر بإذن الله تعالى.
ولذلك أمرنا بالاستعاذة من شر الحاسد إذا حسد.
ولتقريب هذا المعنى أمثله بمثال:
يقال في شأن المرأة: هي مرضع؛ أي إذا كان لها ولد في سِنّ الرَّضاع ، ولها ما ترضعه به.
ويقال: هي مرضعة، إذا كانت تُرضِع بالفعل، فالصفة الأولى للقدرة على الفعل وقابلية الاتصاف به، والصفة الثانية للفعل نفسه.
ولذلك تسمّى المرأة مرضعاً وإن لم تكن مرضعة في الحال.
قال الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها}
فالمرضعة هي التي ترضع ولدها بالفعل فهو يلتقم ثديها، إذا رأت الساعة ذهلت عن رضيعها.
وهكذا الحاسد، حسده كامن
في نفسه، فإذا رأى النعمة على غيره ظهر هذا الحسد، وخرج من نفسه وعينه سهام
مسمومة على المحسود فتؤثر فيه بإذن الله، ومنهم من يحمله الحسد على الكيد
والبغي.
وأما من يكون في نفسه
وطبعه حسد كامن وإذا رأى ما يعجبه من النعمة على غيره دعا للمنعم عليه
بالبركة واستعاذ بالله من شر نفسه، فإن حسده لا يضره ولا يضر صاحب النعمة،
ومن كان كذلك في معاملة نفسه بكفّها عن الحسد، بالدعاء بالبركة وسؤال الله
من فضله فإن صفة الحسد تضعف عنده حتى تضمحلّ ويحلّ محلها إرادة الخير
للناس ومحبة نفعهم ، فيكون سليم الصدر طيب القلب ، لا يحسد ولا يحقد.
ويثاب على ذلك بأنواع من
الفضل العظيم؛ والله تعالى يحبّ من عبده أن لا يحسد أحداً على فضل آتاه
الله إياه؛ ولذلك فإن العبد قد يُبتلى بما يرى على غيره من النعم، فإن
حسدهم فقد كره قسمة الله تعالى وتصريفه الرزق بين عباده. (ق)
وبذلك تعلم أن الحسد من أعظم الذنوب ، وأنه مما يقدح في التوحيد.
والمؤمن الصالح إذا رأى نعمة على غيره وهو يحب مثلها لنفسه دعا لأخيه بالبركة وسأل الله من فضله، فكان حريّاً بأن يستجاب له.
وقد قال الله تعالى: {واسألوا الله من فضله}.
وأما من أطلق لنفسه العنان
في الحسد، وإذا رأى ما يعجبه من النعم حسد أصحابها، فإن هذه القوة
الحاسدة تنمو لديه وتعظم ويعظم أثرها حتى يكون حسوداً كثير الحسد شديد
الأذى.
وبهذا تعلم أن الحاسدين
على درجات، وأن من أهل الحسد من يكون حسده كثيراً شديداً، ومنهم من يكون
حسده دون ذلك، ومنهم من يحسد أحياناً.
فقد يكون الحسد في طبع المرء، ويعرف من نفسه الحسد، لكنه لا يحسد كثيراً من الناس وإنما يقع حسده على فئة بعينها أو شخص بعينه.
فأظهر الأقوال في معنى التقييد بالظرف في الآية في قوله تعالى: {إذا حسد} هو ما تقدم من العمل بالحسد سواء أكان العمل قلبياً أم بالجوارح.
وقد عبّر عنه ابن القيم
تعبيراً حسناً فقال: (قد يكون الرجل في طبعه الحسد، وهو غافل عن المحسود
لاهٍ عنه، فإذا خطر على ذكره وقلبه انبعثت نار الحسد من قلبه إليه، ووَجّهت
إليه سهامَ الحسد من قِبَله، فيتأذى المحسود بمجرّد ذلك) ا.هـ.
وبنحو هذا القول قال جماعة من المفسرين.
وبما تقدم نعرف جواب السؤال الذي أثاره بعض المفسرين عن معنى التقييد بالظرف في قوله تعالى: {ومن شر غاسق إذا وقب} وقوله: {ومن شر حاسد إذا حسد} دون أن يكون هذا التقييد في النفاثات.
وقد اختلفت أجوبة المفسرين
على هذا السؤال ، وأقرب الأقوال أن الغاسق يكون شره عند وقوبه فإذا كفي
العبد شرّه عند وقوبه فقد سلم منه.
وكذلك الحاسد فإن حسده كامن في نفسه لا يضر أحداً إلا {إذا حسد}،
ولذلك قد يَرى الحاسد صاحب نعمة ولا يحسده ، إما لأن نفسه لا تتعلق بتلك
النعمة أو لأنه لا عداوة بينه وبين ذلك المنعم عليه، فلا يضره.
وأما النفاثات في العقد فإن النفث في العقد هو عين فعل للسحر فيضر ، فهو نظير فعل الحسد ووقوب الغاسق.
أنواع الحاسدين
والحاسدون كثيرون، وقد أخبرنا الله بحسد بعضهم في كتابه الكريم، وحذرنا منهم .
فمنهم إبليس وذريته من الشياطين.
ومنهم الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم : قال الله تعالى: {ود
كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند
أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن
الله على كل شيء قدير}.
وقال تعالى: {مَا
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ
أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
(105)}.
وقد روى البخاري في الأدب في المفرد وإسحاق ابن راهوية من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما حسدكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين)).
وفي رواية لابن خزيمة: ((إن اليهود قوم حُسُد وهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على السلام وعلى آمين)).
وبذلك تعلم أن الحسد منه حسد عام وحسد خاص.
فالحسد العام: هو حسد الكفار للمؤمنين، وحسد الشياطين لبني آدم، وحسد المنافقين، وحسد السحرة.
والحسد الخاص: هو الحسد الذي يكون على الشخص نفسه أو على طائفة بخصوصها.
وكلا النوعين فيهما شر يُستعاذ منه، لذلك ينبغي أن يستحضر المستعيذ الاستعاذة من الحسد كله عامّه وخاصه.
ما هو شر الحاسد؟
وههنا مسألة مهمة تتعلق بتفسير الآية: وهي ما هو شر الحاسد؟
والخلاصة: أن شر الحاسد على نوعين:
النوع الأول: شر نفسه وشر عينه، قال قتادة في تفسير قول الله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} قال: (من شرّ عينه ونفسه).
والفرق بين النفس والعين هنا أن العين: ما كان عن معاينة وحضور، فيصيبه بعينه بإذن الله فيؤثر فيه ذلك.
والنفس: هي تعلّق نفس الحاسد بالنعمة التي لدى المحسود فيؤثر فيها ذلك بإذن الله.
النوع الثاني: ما
ينشأ عن الحسد من الكيد والبغي وقول السوء بل ربما يصل الأمر ببعض الحسدة
إلى استعمال السحر والعياذ بالله للإضرار بالمحسود؛ فهذا كله من شر
الحاسد.
وهذا الشر قد يكون في حَجْب ما ينفع المحسود، وقد يكون في جَلْب ما يضرّه، وكل ذلك من الحسد.
فبعض الحسدة إذا ذكر عنده
من يراد نفعه بشيء اجتهد في صرف ذلك النفع عنه حسداً وبغياً، وهو قد لا
يسعى في الأذية والنكاية المباشرة وجلب الضرر، لكنه لا يودّ أن ينال هذا
المحسود ما استحسنه من الخير.
وبعض الحسدة يجاوز هذا إلى إرادة الإضرار والاجتهاد في إيقاع الأذى بما يستطيع من الوسائل والعياذ بالله.
وأنت إذا تأملت هذا وجدت أن الحُسَّادَ على درجات وأنواع كثيرة في حسدهم.
والاستعاذة بالله من شر
الحاسد تشتمل على هذه الأنواع كلها: من شر نفسه وعينه، ومن شر بغيه وكيده،
ومن شر سعيه في صرف الخير أو جلب الضر.
وإذا كانت استعاذة العبد
بالله من شر الحاسد استعاذة صحيحة فإن الله يعيذه، ولا بدّ، لأن الله قد
أمر بالاستعاذة به من شر الحاسد إذا حسد، وهذا يتضمن وعده جلّ وعلا
بالإعاذة، والله تعالى لا يُخلف الميعاد، وإنما يؤتى العبد من قبل نفسه،
ولذلك كان بعض السلف يقولون: (إنا لا نحمل همّ الإجابة، وإنما نحمل همّ الدعاء).
نسأل الله تعالى أن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا، ومن شرور أهل الحسد.
قال ابن جرير: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر كل حاسد إذا حسد؛ فعانه أو سحره، أو بغاه سوءاً).
وبعض المعتزلة خرجوا بقولين في هذه المسألة وهي مسألة المراد بشر الحاسد:
القول الأول: شر كيده وبغيه.
والقول الثاني: شر إثمه وسماجة حاله ورأيه، وقبح ما أظهر من الحسد.
وهذان القولان ذكرهما الزمخشري في تفسيره، وسبب ذلك أن المعتزلة ينكرون الإصابة بالعين والنفس.
فقولهم الأول حقّ وهو جزء من المعنى المراد، لكن لا يُقصر عليه.
وأما قولهم الثاني فإنا
وإن كنا لا ننكر أن الحاسد آثم وأنَّ عمله قبيح وحالَه سمجة بالحسد إلا
أننا نرى أن هذا شر قاصر على الحاسد لا يتعدّى لغيره؛ والمناسب في هذه
الحال هو سؤال العافية مما ابتلي به لا الاستعاذة منه.
والآية دلت على أن شر الحاسد متعدٍّ غيرِ قاصر.
حكم الحسد
ونحن قد نهينا عن الحسد، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لاَ
تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ
تَقَاطَعُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَاناً ، وَلاَ يَحِلُّ
لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ)). رواه البخاري ومسلم، ولهما من حديث أبي هريرة نحوه.
قال الإمام مالك: (لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك).
وفي مسند الإمام أحمد
ومصنف عبد الرزاق وجامع الترمذي وغيرها من حديث الزبير بن العوام رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دب
إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول:
تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى
تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبّت ذلك لكم، أفشوا
السلام بينكم)).
وفي رواية: ((أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).
وفي سنن النسائي وصحيح ابن حبان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد)).
الإيمان المنفي هنا: هو الإيمان الواجب، وليس أصل الإيمان.
وفي النهي عن الحسد
والتحذير أحاديث في بعضها مقال كحديث: (إياكم والحسد فإن الحسد يأكل
الحسنات كما تأكل النار الحطب). رواه البخاري في التاريخ الكبير وأبو داوود
في سننه.
قال البخاري: لا يصح.
وضعفه الألباني.
وحديث: (الحسد يطفئ نور الحسنات). في سنن أبي داوود، وفيه ضعف.
وما تقدم من الأحاديث الصحيحة في النهي عن الحسد والتحذير منه فيه كفاية وغنية.
وقد نقل النووي إجماع الأمة على تحريم الحسد.
الأسباب التي تحمل على الحسد
قال البيهقي في شعب
الإيمان: (الحاسد يعتبر إحسان الله تعالى إلى أخيه المسلم إساءة إليه، وهذا
جهل منه لأن الإحسان الواقع بمكان أخيه لا يضره شيئاً، فإن ما عند الله
واسع).
وقد تكلّم بعض أهل العلم في الأسباب التي تحمل الحاسد على الحسد ؛ فقال الشيخ عطية سالم: (الحامل على الحسد أصله أمران:
الأول: ازدراء المحسود.
والثاني: إعجاب الحاسد بنفسه) ا.هـ.
ولذلك ينبغي للمسلم أن لا
يحقر مسلماً ولا يزدريه ولا يفخر عليه، وليعلم أن لبعض الناس خبايا من
الأعمال الصالحة قد لا يدركها كثير من الناس، وإن لم يكن يُعرف عنهم كثرة
عبادة وصلاة ، ولا كثرة علم ولا ذكاء ؛ فإن الأسباب التي يوفق الله تعالى
بها عباده قد تكون خفية على كثير من الناس.
فمن أبصر هذا حقيقة لم
يحقر مسلماً ولم يزدريه، وبذلك يقضي على نصف الحسد، ويبقى عليه النصف
الآخر، وهو الإعجاب بنفسه واعتقاد فضيلتها وأنها تستحق أن تُكرم بما يرى
أنه يليق بها، فيبتغي بذلك الشرف عند عامة الناس أو عند أهل العلم والدين،
وإذا استؤثر عليه بشيء من التكريم أو كُرِّم مكانه غيره انبعثت نار الحسد
من قلبه، وكرِه ذلك جداً، وتمنّى انتقال ذلك التكريم إليه وحرمانه من
يحسده.
فهذا ينبغي له أن يُعالج قلبه، ويعرف قدر نفسه، وأن فضل الله تعالى لا يُدرك بمعصية الله، وإنما يُطلب من الله بما هدى الله إليه.
فإذا ذهب عنه إعجابه بنفسه واعتقاده فضيلتها ولم يحتقر غيره، لم يحسد لذهاب دوافع الحسد وأسبابه التي تثيره وتحمل عليه.
لكن هذه الدرجة لا يبلغها
إلا من وفقه الله ، وكان بصيراً بعيب نفسه مشتغلاً به عن عيوب الناس،
مقبلا على ما ينفعه ويقربه من الله، يعتقد أن الفضل لله وحده يؤتيه من
يشاء.
• أصل معنى الحسد في اللغة
وقد ذكر بعض علماء اللغة أن أصل لفظ الحسد مشتقٌّ من القَشْرِ؛ وذكروا أن القُراد سمّي حِسْدِلاً لهذا المعنى.
قال ابن الأعرابي (الحِسْدِلُ: القُرَادُ). قال: (ومنه أُخذ الحَسَد لأنه يَقْشِرُ القَلْب كما يَقْشر القُراد الجلد فيمتص دمه).
وهذا ذكره أبو منصور الأزهري وغيره.
وقال البغوي في شرح السنة: (الحسد يقشر القلب، كما يقشر القراد الجلد، فيمص الدم) ا.هـ.
فكأن الحسد يلصق بقلب
صاحبه كما يلصق القراد بالجلد، حتى يكاد يفعل به كما يفعل القراد بالجلد،
فيمتص دم صاحبه ويودعه من الحُرَق والضيق ما تضيق به حاله ويتنكّد به عيشه.
فهذا وجه.
ووجه آخر أن الحاسد تتعلق
نفسه بصاحب النعمة كتعلّق القُراد بالجلد فهو دائم التفكير فيه والتذكر
له، ونفسه نهمة شرهة تريد أن يُسلب هذه النعمة، وأن تُستخرج من صاحبها،
كما يَستخرج القُراد الدم ويمتصه.
أصول مهمة في علاج الحسد
وقد عرفنا بما تقدّم معنى الحسد لغة، وتعريف العلماء للحسد، وأنه تمنّي زوال النعمة عن المحسود، وعرفنا أنواع الحسد. فبيت ابنِ قحطانَ خير البيوتْ ..... على حسد الأنفس الكاشحة
وأما حقيقة الحسد ومصدر
انبعاثه، وكيفية خروجه ووصوله إلى المحسود وتأثيره فيه، وما هو مبلغ أثره،
وما الذي يصحّ أن يكون من أثره، وما الذي لا يصح.
فهذه المسائل كلها فيها مواضع معلومة لا يُختلف فيها غالباً، وفيه مواضع اختلف فيها أهل العلم.
حتى قال الشيخ عطية سالم في تتمة أضواء البيان: (وأما حقيقة الحسد فيتعذر تعريفه منطقياً).
وذكر قولَ بعضهم في بيان حقيقته: أنه إشعاع غير مرئي ينتقل من قلب الحاسد إلى المحسود. إلخ ما ذكر رحمه الله.
لكن ينبغي لطالب العلم أن
يعرف أصولاً صحيحة في هذا الباب حتى يستقيم له فهم كثير من النصوص والآثار
الواردة فيه، ويفهم مسائل الحالات التي تعرض له في الواقع فهماً سليماً
مبنيّاً على أصول صحيحة بإذن الله.
ويسلم بذلك من كثيرٍ من الأخطاء الشائعة في هذا الباب.
وما عدا ذلك من الأمور والتفصيلات الدقيقة فلا يضره الجهل بها بإذن الله، وبعضها من علم الغيب الذي لا يدركه الناس.
ونحن إنما علينا اتباع هدى الله جلّ وعلا، وما نحتاج إلى معرفته من ذلك فإن الله تعالى قد تكفل ببيانه، كما قال تعالى: {إن علينا للهدى}.
فإذا اتبعنا هدى الله أنجز
الله لنا ما وعدنا به من السلامة من الضلال والشقاء والخوف والحزن، وهدانا
سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور.
فلذلك ينبغي أن يكون عملنا
هو في طلب هذا الهدى من الله جلّ وعلا، بما فصّله في كتابه ، وبما بينه
عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي هديه أحسن الهدي، وبما أوضحه أهل
العلم والإيمان الذين هم ورثة الأنبياء والمؤتمنون على هذا العلم رواية
ودراية ورعاية.
وبيان هذه الأصول يستدعي بسطاً وتفصيلاً لا يحتمله هذا المقام، ولعل الله يوفق لحسن بيانه في مقام آخر.
لكن من خلاصة ما ينبغي علمه في هذا الباب هذه الأصول التي أذكرها بإيجاز:
الأصل الأول: أن الحسد عَملٌ قلبيّ، لاتفاق العلماء على أنه تمنّي زوال النعمة عن المحسود، والتمنّي عملٌ قلبي.
وبعضهم ينسبه إلى النفس، فيقول الحسد من عمل النفس.
كما قال الطَّرِمَّاح:
والقلب الميّت ليس له عمل، وإنما الذي يحسد قلب الحي لا قلب الميّت؛ فانبعاث الحسد هو من قلب الحاسد الحيّ.
الأصل الثاني: أن
الحسد فيه شرّ متعدٍ، ولذلك أُمرنا بالاستعاذة من شرّ الحاسد إذا حسد،
وهذا الحسد شرّ في نفسه، وقد ينتج عنه شرور متعددة ذات أنواع كثيرة لا يحيط
بها إلا الله جلّ وعلا.
وهذا يدفع قول من يُنكر أن الحسد فيه شرّ متعدي.
الأصل الثالث:
أن الحسد داء من الأدواء، وآفة من الآفات ، يمكن أن يتعافى منه الحاسد
والمحسود إذا اتبعا هدى الله جل وعلا؛ فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل
له دواء علمه من علمه وجهله من جهله.
الأصل الرابع:
أن من يُبتلى بالحسد ، ويؤثر فيه شيئاً من الأذى في جسده أو روحه أو أهله
أو ماله ؛ فإن هذا البلاء في حقه دائر بين العقوبة والابتلاء، والعقوبة
فيها تكفير للمسلم، فقد يكون حسد غيرَه؛ فسُلِّط عليه من يحسده، وقد يكون
آذى أو ظلم فسُلّطت عليه آفات في نفسه وما يحبه؛ ولو تخلّص العبد من تزكيته
لنفسه ومبالغته في إحسان الظنّ بها ، وتأمّل كم حَسد من مرة، وكم تسبب في
أذية مسلم ونكده، وكم تسبب في صرف نفع عن إخوان له بغياً وعدواناً وحسداً؛
لعلم أنه لو عوقب بكلّ ذلك ، لكان في ذلك هلاكه وشقاؤه.
وقد روى البخاري في الأدب
المفرد عن أبي راشد الحبراني قال: أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت له
: حدّثنا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقى إلي صحيفة،
فقال: (هذا ما كتب لي النبي صلى الله عليه وسلم).
فنظرت فيها فإذا فيها : إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله! علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت). فقال: ((يا
أبا بكر! قل: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء
ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي
سوءاً، أو أجره إلى مسلم)). هذا لفظ البخاري في الأدب المفرد، والحديث رواه الإمام أحمد والترمذي.
صححه الألباني، وفسّر قول
الرواي كتب لي النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أمر بالكتابة لأن النبي صلى
الله عليه وسلم كان لا يكتب كما هو ثابت.
فمما ينبغي أن يحرص عليه المؤمنُ تزكيةَ نفسه وتطهيرَ قلبه من الحسد والغل والحقد، وأن يكفّ أذاه عن المسلمين.
لأنه إن لم يفعل ذلك فلا يأمن أن يُعاقب على أذيته بما لا يحتمله.
وكثرة الاستغفار وتكرار التوبة وفعل الخير من الأسباب التي يدفع الله عز وجلّ بها هذه العقوبات.
فهذا في شأن من يكون هذا
البلاء في حقهم عقوبة؛ هو شرّ من جهة، ومن جهة أخرى فتنة وابتلاء لهم لأنهم
إذا أنابوا إلى الله وتضرعوا إليه وتابوا توبة صحيحة من الظلم والعدوان
رُفعت عنهم العقوبة لزوال موجبها.
ويكون ما أصابهم من ذلك تكفيراً لسيئاتهم.
وأما من استمرأ الحسد
والأذى وهو يُعاقَب، فيحسد ويؤذي ويعرض عن ذكر الله واتباع هداه فإنه على
خطر أن يُطبع على قلبه فلا يهتدي للتوبة.
لكن ما دام المرء باقيا
على الإسلام فإن ما يصيبه من العقوبات في الدنيا على ذنوبه تكفير لسيئاته،
وما يعفو الله عنه أكثر، وقد يبقى عليه من العقوبات بعد موته عذاب لا يطيقه
في قبره أو يوم القيامة أو في النار والعياذ بالله، حتى لا يدخل الجنة إلا
وقد تطهّر قلبه وذهب ما فيه من الحسد والبغضاء للمسلمين.
ومن المؤمنين المتقين من
يصيبه شيء من ذلك ابتلاء واختباراً فإن اتبع هدى الله كان ذلك رفعة لدرجاته
وإحساناً من الله إليه أن جعل له بذلك سبباً يحلّ عليه رضوانه.
وأصل هذا كله أن يكون
العبد راضياً بالله جل وعلا ربّا، وأن يحسن الظن بربه، فيما أصابه من
البلاء، وأن يحرص على الصبر والتقوى فيكون بذلك من المحسنين الذين كتب الله
لهم العاقبة الحسنة.
قال الله تعالى: {والعاقبة للتقوى} وقال: {فاصبر إن العاقبة للمتقين} ، وقال: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} فجعل الإحسان لأهل البلاء هو الصبر والتقوى.
الأصل الخامس:
أن الحسد من البلاء ، والعبد لا اختيار له في نوع البلاء الذي يُبتلى به،
بل الله تعالى هو الذي يبتلي عباده بما يشاء ومتى يشاء وكيف يشاء، والعبد
لا يستطيع أن يدفع البلاء عن نفسه، ولا يكشف الضر عنها ، إنما مردّ ذلك إلى
الله جل وعلا.
قال الله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم}.
فمحاولات العبد وتكليفه
نفسه رفع البلاء نوع من العناء ومكابدة الشقاء، فإنه لا يرفع البلاء إلا
الله، وإنما يُطلب من العبد اتباع هدى الله.
فيرفع الله عنه البلاء متى شاء، وكيف يشاء، لا اختيار للعبد في كل ذلك.
فالعبد بما يبذله من
الأسباب إنما يتعرض لنفحات الله، فإن فعل ما يهدي الله إليه من الأسباب
النافعة كان موعوداً بأن تكون عاقبته خيراً.
فإذا ابتلي العبد ببلاء
فليكن أول ما يفكر فيه هو التعرف على هدى الله في هذا البلاء خاصة، وما
الذي يُحبّ الله من عبده أن يفعله؟، فلا تخلو حال من أحوال العبد من هدى
لله يحب أن يُتبع.
وهذا الهدى من طلبه بصدق وجده، وله طرق تدل عليه وتبيّنه، أهمها وأولها صدق الإنابة إلى الله تعالى قال الله تعالى: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} وقال: {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}.
فمتى أناب العبد إلى الله فهو موعود بالهداية.
وإذا حصل عند العبد يقين
أنه على طريق الهدى وكان لديه نور وفرقان يميز به بين ما يجب عليه أن يفعله
وما يجب عليه أن يجتنبه اضمحلَّ عنه كثير من كيد الشيطان وتثبيطه وتحزينه
وتيئيسه ، وحل محلَّ ذلك السكينة والطمأنينة والرضا بالله بل الفرح بفضله
والاستبشار بنعمته وهدايته .
{أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم}
{يا
أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبينا * فأما
الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه
صراطاً مستقيما}
قول الله تعالى: {فسيدخلهم في رحمة منه وفضل}
يدل على أن الرحمة والفضل يحيطان بهم من كل الجوانب حتى كأنهم منغمسون
فيها، ومن كان داخلاً في رحمة الله هذا الدخول فلن يستطيع أحد مهما كان أن
ينزع عنه رحمة الله وفضله.
وهذا وعد من الله متحقق لا يتخلف.
والآيات في هذا المعنى
كثيرة جداً، من تأملها وعقل معانيها، وفقه هداياتها، أثمر له ذلك من العلم
والإيمان وصفاء الحال خيراً عظيماً، ووجد بركات ذلك في شؤونه كلها.
وأحسن من وجدته تكلم في بيان الهدى للأسباب التي يدفع الله بها شر الحاسد : ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه بدائع الفوائد.
الأصل السادس:
أن يكون المؤمن على الحال الوسط بين الغلو والتفريط، فمن غلا وهوّل شأن
الحسد والعين حتى يغفل قلبه عن التوكل على الله والرضا به والثقة في حفظه
ووقايته وإعاذته لمن يستعيذ به ؛ فهذا على غير الهدى الصحيح، بل يُخشى عليه
أن يناله شرّ لمخالفته هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وضعف تعلق قلبه
بالله جل وعلا ، ورضاه به.
ومَن هوّن من شأن الحسد
والعين ، وفرّط في تحصين نفسه بما وصى الله به، وأرشد إليه، لم يأمن أن
يصيبه بسبب هذا التفريط ما يصيبه البلاء والشر.
وكلّ من الغالي والمفرّط
عاقبتهما سيئة إلا أن يعفو الله عنهما عفواً من عنده؛ فإن المسلم ما دام
باقياً على الإسلام فإنه تحت المشيئة إن شاء الله عذبه وإن شاء عاقبه.
لكن السعيد الموفّق من
يتبع هدى الله تعالى في عافيته وبلائه فهذا إن عوفي وإن ابتلي كانت عاقبته
حسنة، لأن له عهداً من الله لا ينقضه، ووعد لا يخلفه.
وبذلك تعلم أن من الناس من يكون مفرّطا في الأذكار وتحصين نفسه، وهو فيما يرى الناس معافى من البلاء.
ومنهم من يكون شديد المحافظة على الأذكار بلسانه، ويصيبه مع ذلك من البلاء ما يصيبه.
فسلامة المحسود لها أسباب
كثيرة، وذلك نظير الآفات الكثيرة في الهواء والطعام والشراب والزحام، وهي
آفات يسلم منها كثير من الناس، ويصيب بعضهم من ذلك ما يقدّر الله عليهم.
فمن استدلّ بسلامة بعض أصحاب النعم على تفريطهم في الأذكار فهو كمن يستدل بسلامة من يتعرض لتلك الآفات وهو غير متحصن على عدم وجودها.
كلاهما قد يسلم، لكنها
سلامة قد تغرّ، ومن يتعرضْ للبلاء ويغشَ مظانه فلا يأمن أن يصيبه منه شيء،
فليست سلامته دليلاً على عدم وجود البلاء.
كما أن عدم تحصّنه ليس موجباً لحصول البلاء والآفات.
الأصل السابع:
أن الحسد في الأصل من التأثيرات الروحية التي تنطلق من الأرواح فتصيب
الأرواح بالأصل وتؤثر في الأجساد تبعاً، ولها تعلّق بالقدر بتقدير البلاء،
وهذا له تقرير آخر.
وإنما المقصود هنا أن الحسد إذا إذا أصاب نفساً غير محصنة أثر فيها بإذن الله تعالى.
والنفس كالبدن في بعض
الأمور؛ فكما أن في الأجسام ما هو صحيح قويّ لا يتأثر بالآفات اليسيرة، بل
ربما لو يصيب بمرض ظاهر بقي في جسده قوة تقاوم وتدفع البلاء بإذن الله حتى
يُشفى منه.
ومن الناس من يكون جسمه
ضعيف تمرضه أدنى آفة تصيبه، وإذا أصابه مرض يسير أنهكه وربما أقعده طريح
الفراش أياماً معدودة، وذلك لضعف مناعة جسمه في مقابل ما أصابه من الداء.
فكذلك أرواح الناس، منها
أرواح قويّة وفيها عزيمة على المقاومة فلا تستلم لكثير من الآفات بل تبقى
فيها قوة تقاوم البلاء حتى تدفعه بإذن الله أو تخفف أثره.
ومن الناس من يكون في نفسه وهن وَضَعْف فإذا أصابته أدنى آفة تأثر بها وتأذى وتضرر، بل ربما سمع الكلمة تؤذيه فيمرض بسببها.
بل ربما رأى من أحد الناس تصرفاً ففهمه على غير وجهه فتأثر بذلك وتضرر.
فمثل هذا إذا أصابت نفسه آفات من العين والسحر والحسد والوسوسة كان أثرها فيه أسرع وأبلغ إلا أن يحصّن نفسه بالأذكار.
وسبب ذلك وهن نفسه وضعف احتمالها، فإن للروح قوة وطاقة كما للجسد، وفي الروح قوة تدافع البلاء وتمانع الآفات كما في الجسد.
ولعلنا نكتفي ببيان هذه
الأصول السبعة في هذا المقام، وعسى الله أن ييسر مقاماً آخر يبسط فيه بيان
هذه المسائل بسطاً حسناً لحاجة الناس لبيان الهدى في هذا الباب، وكثرة ما
يُلحظ من ازدياد هذه الآفات ومعاناة الناس منها ، وما يحصل من لبس وتخليط
في بعض المسائل من بعض من ينتسب للرقية الشرعية فيحدث بكلامه وهناً في
النفوس وضعفاً وتهويلاً للشياطين والجنّ وأمر العين والسحر والحسد ، ويعظّم
بعض الطرق العلاجية والأسباب المادية حتى تتعلق بها بعض القلوب وتغفل عن
الله جل وعلا.
لطائف لغويّة
من اللطائف اللغوية في سورة الفلق:
أن هذه الأفعال "غسق" و"نفث" و"حسد" يجوز في عين مضارعها الوجهان الكسر
والضم: غَسَقَ يَغْسِقُ وَيَغْسُقُ، وَنَفَثَ يَنْفِثُ وَيَنْفُثُ،
وَحَسَدَ يَحْسِدُ وَيَحْسُدُ.