12 Jan 2015
تفسير قوله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) }
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (13-{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ}
المعنى: إنْ أَخْفَيْتُمْ كلامَكُم أو جَهَرْتُمْ به في أمْرِ رسولِ اللهِ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكلُّ ذلك يَعلَمُه اللهُ، لا يَخفَى عليه منه
خَافيةٌ.
{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} هي مُضْمَرَاتُ القلوبِ). [زبدة التفسير: 562] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (14-{أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}
ألاَ يَعلمُ السرَّ ومُضْمَراتِ القلوبِ مَن خَلَقَ ذلك وأَوْجَدَهُ؟ فهو
تعالى الذي خَلَقَ الإنسانَ بيدِه، وأَعْلَمُ شيءٍ بالمصنوعِ صانِعُه.
{وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الذي لَطُفَ علْمُه بما في القلوبِ، الخبيرُ بما تُسِرُّه وتُضْمِرُه مِن الأمورِ، لا تَخْفَى عليه مِن ذلك خافيةٌ). [زبدة التفسير: 562] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ
ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليله إيّاها لهم، بأن جعلها
قارّةً ساكنةً لا تمتدّ ولا تضطرب بما جعل فيها من الجبال، وأنبع فيها من
العيون، وسلك فيها من السّبل، وهيّأها فيها من المنافع ومواضع الزّروع
والثّمار، فقال: {هو الّذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها} أي:
فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وتردّدوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع
المكاسب والتّجارات، واعلموا أنّ سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا، إلّا أن
ييسّره اللّه لكم؛ ولهذا قال: {وكلوا من رزقه} فالسّعي في السّبب لا ينافي
التّوكّل، كما قال الإمام أحمد:
حدّثنا أبو عبد الرّحمن، حدّثنا حيوة، أخبرني بكر بن عمرٍو، أنّه سمع عبد
اللّه بن هبيرة يقول: إنّه سمع أبا تميمٍ الجيشاني يقول: إنّه سمع عمر بن
الخطّاب يقول: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "لو أنّكم
تتوكّلون على اللّه حقّ توكّله، لرزقكم كما يرزق الطّير، تغدو خماصًا وتروح
بطانًا".
رواه التّرمذيّ والنّسائيّ وابن ماجه من حديث ابن هبيرة وقال التّرمذيّ:
حسنٌ صحيحٌ. فأثبت لها رواحًا وغدوًّا لطلب الرّزق، مع توكّلها على اللّه،
عزّ وجلّ، وهو المسخّر المسيّر المسبّب. {وإليه النّشور} أي: المرجع يوم
القيامة.
قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وقتادة والسّدّيّ: {مناكبها} أطرافها وفجاجها ونواحيها. وقال ابن عبّاسٍ وقتادة: {مناكبها} الجبال.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو بن حكّامٍ الأزديّ، حدّثنا
شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبيرٍ، عن بشير بن كعبٍ: أنّه قرأ هذه الآية:
{فامشوا في مناكبها} فقال لأمّ ولدٍ له: إن علمت {مناكبها} فأنت عتيقةٌ.
فقالت: هي الجبال. فسأل أبا الدّرداء فقال: هي الجبال). [تفسير القرآن العظيم: 8/179-180] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (15-{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً} أيْ: سَهلةً لَيِّنَةً تَستَقِرُّونَ عليها، ولم يَجْعَلْها خَشِنَةً بحيثُ يَمتنِعُ عليكم السكونُ فيها والمشْيُ عليها.
{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} طُرُقِها وأَطْرَافِها وجَوانِبِها.
{وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ}
أي: مما رَزَقَكم وخَلَقَه لكم في الأرضِ يَمْتَنُّ اللهُ على بَنِي آدمَ
بتَمْكِينِهم مِن هذه الأرضِ، وإعطائِهم القُدُرَاتِ لتحصيلِ خَيْرَاتِها.
ولكن عليهم أنْ يَعْلَمُوا أنهم إليه صائرونَ، ولذلك قالَ: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} أيْ: البعْثُ مِن قُبُورِكم، لا إلى غيرِه). [زبدة التفسير: 562] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أأمنتم من في السّماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} وهذا
أيضًا من لطفه ورحمته بخلقه أنّه قادرٌ على تعذيبهم، بسبب كفر بعضهم به
وعبادتهم معه غيره وهو مع هذا يحلم ويصفح، ويؤجّل ولا يعجّل، كما قال: {ولو
يؤاخذ اللّه النّاس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّةٍ ولكن يؤخّرهم
إلى أجلٍ مسمًّى فإذا جاء أجلهم فإنّ اللّه كان بعباده بصيرًا} [فاطرٍ:
45].
وقال هاهنا: {أأمنتم من في السّماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} أي: تذهب وتجيء وتضطرب). [تفسير القرآن العظيم: 8/180] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (16-{أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ} هو اللهُ تعالى.
{أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} يَقْلَعُها بكم كما فَعَلَ بقارونَ، بعدما جَعَلَها لكم ذَلولاً وتَمْشُونَ في مَنَاكِبِها.
{فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} أيْ: تَضْطَرِبُ وتَتحرَّكُ على خِلافِ ما كانتْ عليه مِن السكونِ والتذليلِ). [زبدة التفسير: 562] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أم
أمنتم من في السّماء أن يرسل عليكم حاصبًا} أي: ريحًا فيها حصباء تدمغكم،
كما قال: {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البرّ أو يرسل عليكم حاصبًا ثمّ لا
تجدوا لكم وكيلا} [الإسراء: 68]. وهكذا توعّدهم هاهنا بقوله: {فستعلمون كيف
نذير} أي: كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلّف عنه وكذّب به). [تفسير القرآن العظيم: 8/180] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (17-{أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} حِجارةً مِن السماءِ، كما أَرْسَلَها على قومِ لُوطٍ وأصحابِ الفيلِ، وقِيلَ: رِيحٌ فيها حِجارةٌ.
{فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} أي: إِنذارِي إذا عايَنْتُمُ العذابَ، ولا يَنفعُكُم هذا العِلْمُ). [زبدة التفسير: 562] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ
قال: {ولقد كذّب الّذين من قبلهم} أي: من الأمم السّالفة والقرون الخالية،
{فكيف كان نكير} أي: فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم؟ أي: عظيمًا
شديدًا أليمًا). [تفسير القرآن العظيم: 8/180] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (18-{فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أيْ: فكيف كان إِنكارِي عليهم بما أَصَبْتُهم به مِن العذابِ الفَظيعِ؟). [زبدة التفسير: 562] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ
قال تعالى: {أولم يروا إلى الطّير فوقهم صافّاتٍ ويقبضن} أي: تارةً يصفّفن
أجنحتهنّ في الهواء، وتارةً تجمع جناحًا وتنشر جناحًا {ما يمسكهنّ} أي: في
الجوّ {إلا الرّحمن} أي: بما سخّر لهنّ من الهواء، من رحمته ولطفه، {إنّه
بكلّ شيءٍ بصيرٌ} أي: بما يصلح كلّ شيءٍ من مخلوقاته. وهذه كقوله: {ألم
يروا إلى الطّير مسخّراتٍ في جوّ السّماء ما يمسكهنّ إلا اللّه إنّ في ذلك
لآياتٍ لقومٍ يؤمنون} [النّحل: 79] ). [تفسير القرآن العظيم: 8/180] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (19-{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} صافَّةً لأَجْنِحَتِها في الهواءِ وتَبْسُطُها عندَ طَيَرَانِها، {وَيَقْبِضْنَ} أيْ: يَضْمُمْنَ أجْنِحَتَهُنَّ.
{مَا يُمْسِكُهُنَّ} في الهواءِ عندَ الطيرانِ والقبْضِ والبَسْطِ.
{إِلاَّ الرَّحْمَنُ}
القادرُ على كلِّ شيءٍ، أيْ: بما جَعَلَ في الطَّيْرِ مِن دِقَّةِ
الصَّنْعَةِ، في خِفَّةِ أجسامِها، وكِسْوَتِها بالريشِ ونَشْرِه بطريقةٍ
مُعَيَّنَةٍ، إذا ضَرَبَ بها الهواءَ ارتفَعَ في الجوِّ، وتَقَدَّمَ إلى
الأمامِ، فسُبحانَ خالِقِها.
{إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} لا يَخفَى عليه شَيءٌ). [زبدة التفسير: 562-563] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (يقول
تعالى للمشركين الّذين عبدوا غيره، يبتغون عندهم نصرًا ورزقًا، منكرًا
عليهم فيما اعتقدوه، ومخبرا لهم أنّه لا يحصل لهم ما أمّلوه، فقال: {أمّن
هذا الّذي هو جندٌ لكم ينصركم من دون الرّحمن} أي: ليس لكم من دونه من
وليٍّ ولا واقٍ، ولا ناصر لكم غيره؛ ولهذا قال: {إن الكافرون إلا في
غرورٍ}). [تفسير القرآن العظيم: 8/181] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (20-{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ}
المعنى:أنه لا جُنْدَ لكم يَمْنَعُكم مِن عذابِ اللهِ، بل مِن هذا
الْحَقيرِ الذي هو في زَعْمِكم جُنْدٌ لكم يَتَوَلَّى نَصْرَكم إنْ لم
يَنْصُرْكم اللهُ برَحمتِه وعَوْنِه.
{إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ} عظيمٍ مِن جِهةِ الشيطانِ، يَغُرُّهُم به). [زبدة التفسير: 563] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ
قال: {أمّن هذا الّذي يرزقكم إن أمسك رزقه}؟! أي: من هذا الّذي إذا قطع
اللّه رزقه عنكم يرزقكم بعده؟! أي: لا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق، وينصر
إلّا اللّه، عزّ وجلّ، وحده لا شريك له، أي: وهم يعلمون ذلك، ومع هذا
يعبدون غيره؛ ولهذا قال: {بل لجّوا} أي: استمرّوا في طغيانهم وإفكهم
وضلالهم {في عتوٍّ ونفورٍ} أي: في معاندةً واستكبارًا ونفورًا على أدبارهم
عن الحقّ، [أي] لا يسمعون له ولا يتّبعونه). [تفسير القرآن العظيم: 8/181] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (21-{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} أي: مَن الذي يُدِرُّ عليكم الأرزاقَ، مِن الْمَطَرِ وغيرِه، إنْ أَمْسَكَ اللهُ ذلك ومَنَعَه عنكم؟
{بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} تَمَادَوْا في عِنادٍ واستكبارٍ عن الحقِّ، ونفورٍ عنه، ولم يَعْتَبِرُوا ولا تَفَكَّرُوا). [زبدة التفسير: 563] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ
قال: {أفمن يمشي مكبًّا على وجهه أهدى أمّن يمشي سويًّا على صراطٍ
مستقيمٍ}؟: وهذا مثلٌ ضربه اللّه للمؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه
كمثل من يمشي مكبّا على وجهه، أي: يمشي منحنيًا لا مستويًا على وجهه، أي:
لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب؟ بل تائهٌ حائرٌ ضالٌّ، أهذا أهدى {أمّن
يمشي سويًّا} أي: منتصب القامة {على صراطٍ مستقيمٍ} أي: على طريقٍ واضحٍ
بيّنٍ، وهو في نفسه مستقيمٌ، وطريقه مستقيمةٌ. هذا مثلهم في الدّنيا، وكذلك
يكونون في الآخرة. فالمؤمن يحشر يمشي سويًّا على صراط مستقيم، مفض به إلى
الجنّة الفيحاء، وأمّا الكافر فإنّه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنّم،
{احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون اللّه فاهدوهم إلى
صراط الجحيم وقفوهم إنّهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون}
قال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا ابن نمير، حدّثنا إسماعيل، عن نفيع
قال: سمعت أنس بن مالكٍ يقول: قيل: يا رسول اللّه، كيف يحشر النّاس على
وجوههم؟ فقال: "أليس الّذي أمشاهم على أرجلهم قادرًا على أن يمشيهم على
وجوههم".
وهذا الحديث مخرّجٌ في الصّحيحين من طريق [يونس بن محمّدٍ، عن شيبان، عن قتادة، عن أنسٍ، به نحوه] ). [تفسير القرآن العظيم: 8/181-182] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (22) {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *}؛
أي: أيُّ الرَّجُلَيْنِ أَهْدَى؟ مَن كانَ تائِهاً في الضلالِ غارقاً في
الكفْرِ قدِ انْتَكَسَ قلبُه فَصارَ الحقُّ عندَه باطلاً، والباطلُ حقًّا؟
ومَن كانَ عالِماً بالْحَقِّ، مُؤْثِراً له، عامِلاً به، يَمشِي على
الصراطِ المستقيمِ في أقوالِه وأعمالِه وجميعِ أحوالِه؟
فبِمُجَرَّدِ النَّظَرِ إلى حالِ هذينِ
الرجُلينِ، يُعْلَمُ الفرْقُ بينَهما، والمُهْتَدِي مِن الضالِّ منهما،
والأحوالُ أكْبَرُ شاهِدٍ مِن الأقوالِ). [تيسير الكريم الرحمن: 877] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (22-{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى} هو الكافرُ، يَكُبُّ على مَعاصِي اللهِ في الدنيا، فيَحْشُرُه اللهُ يومَ القِيامةِ على وَجْهِه.
{أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا} مُعْتَدِلاً ناظِراً إلى ما بينَ يَدَيْهِ.
{عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
أي: على طريقٍ مُسْتَوٍ لا اعوجاجَ به ولا انحرافَ فيه. وهذا هو المؤمنُ
الذي سارَ على مَنهجِ اللهِ في الدنيا على هُدًى وبَصيرةٍ، فيُحشَرُ في
الآخِرةِ سَوِيًّا على صراطٍ مُستقيمٍ يُؤَدِّي به إلى الْجَنَّةِ). [زبدة التفسير: 563]
تفسير قوله تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ
قال تعالى منبّهًا على أنّه مطّلعٌ على الضّمائر والسّرائر: {وأسرّوا
قولكم أو اجهروا به إنّه عليمٌ بذات الصّدور} أي: بما خطر في القلوب). [تفسير القرآن العظيم: 8/179]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (13 -14) {وَأَسِرُّوا
قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ *
أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ *} هذا إخبارٌ مِن اللَّهِ بسَعَةِ عِلْمِه وشُمولِ لُطْفِه، فقالَ: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ}؛ أي: كُلُّهَا سواءٌ لَدَيْهِ، لا يَخْفَى عليهِ منها خَافيةٌ، فـ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}؛ أي: بما فيها مِن النيَّاتِ والإراداتِ، فكيفَ بالأقوالِ والأفعالِ التي تُسْمَعُ وتُرَى؟). [تيسير الكريم الرحمن: 876]
تفسير قوله تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ألا يعلم من خلق}؟ أي: ألا يعلم الخالق. وقيل: معناه ألا يعلم اللّه مخلوقه؟ والأوّل أولى، لقوله: {وهو اللّطيف الخبير}). [تفسير القرآن العظيم: 8/179]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (ثم قالَ مُسْتَدِلاًّ بدليلٍ عقْلِيٍّ على علْمِه: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} فمَن خَلَقَ الخلْقَ وأَتْقَنَه وأَحْسَنَه، كيف لا يَعْلَمُه، {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الذي لَطُفَ عِلْمُه وخَبَرُه، حتى أَدْرَكَ السرائرَ والضمائرَ، والْخَبايَا والخفايَا والعُيوبَ، وهو الذي {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}.
ومِن مَعانِي
اللطيفِ: أنه الذي يَلْطُفُ بعَبْدِه ووَلِيِّهِ، فيَسُوقُ إليه الْبِرَّ
والإحسانَ مِن حيثُ لا يَشْعُرُ، ويَعْصِمُه مِن الشَّرِّ مِن حيثُ لا
يَحْتَسِبُ، ويُرَقِّيهِ إلى أعْلَى الْمَراتبِ بأسبابٍ لا تكونُ مِن
العَبْدِ على بالٍ، حتى إنَّه يُذِيقُه الْمَكارِهَ لِيَتَوَصَّلَ بها إلى
الْمَحَابِّ الجليلةِ، والمقاماتِ النَّبيلةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 876-877]
تفسير قوله تعالى: (هُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا
وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) )
أي: هو الذي سَخَّرَ
لكم الأرضَ وذَلَّلَها؛ لتُدْرِكوا منها كُلَّ ما تَعَلَّقَتْ به حاجَتُكم
مِن غَرْسٍ وبِناءٍ وحَرْثٍ، وطُرُقٍ يُتَوَصَّلُ بها إلى الأقطارِ
النائيةِ، والبُلدانِ الشاسعةِ، {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}؛ أي: لِطَلَبِ الرزْقِ والمكاسِبِ.
{وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}؛
أي: بعدَ أنْ تَنْتَقِلُوا مِن هذه الدارِ التي جَعَلَها اللَّهُ
امتحاناً، وبُلْغَةً يُتَبَلَّغُ بها إلى الدارِ الآخرةِ، تُبْعَثُونَ بعدَ
مَوتِكم وتُحْشَرُونَ إلى اللَّهِ، ليُجَازِيَكم بأعمالِكم الْحَسَنَةِ
والسيِّئَةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 877]
تفسير قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) )
هذا تَهديدٌ ووَعيدٌ لِمَنِ استَمَرَّ في طُغيانِه وتَعَدِّيهِ، وعِصيانِه الْمُوجِبِ للنَّكَالِ، وحُلولِ العُقوبةِ، فقالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وهو اللَّهُ تعالى العالِي على خَلْقِه.
{أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} بكم وتَضْطَرِبُ، حتى تُتْلِفَكُمْ وتُهْلِكَكُم). [تيسير الكريم الرحمن: 877]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) )
فلا تَحْسَبُوا أنَّ
أَمْنَكُم مِن اللَّهِ أنْ يُعاقِبَكم بعِقابٍ مِن الأرضِ ومِن السماءِ
يَنْفَعُكم، فسَتَجِدُونَ عاقبةَ أمْرِكم، سواءٌ طالَ عليكم الزمانُ أو
قَصُرَ). [تيسير الكريم الرحمن: 877]
تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) )
تفسير
قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ
وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
بَصِيرٌ (19) )
{مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ}؛
فإِنَّه الذي سَخَّرَ لَهُنَّ الجوَّ، وجَعَلَ أجسادَهُنَّ وخِلْقَتَهُنَّ
في حالةٍ مُسْتَعِدَّةٍ للطيرانِ، فمَن نَظَرَ في حالةِ الطيرِ واعْتَبَرَ
فيها دَلَّتْه على قُدرةِ البارِي وعِنايتِه الرَّبَّانِيَّةِ، وأنَّه
الواحدُ الأَحَدُ، الذي لا تَنْبَغِي العِبادةُ إلاَّ له.
{إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} فهو الْمُدَبِّرُ لعِبادِه بما يَلِيقُ بهم، وتَقْتَضِيهِ حِكْمَتُه). [تيسير الكريم الرحمن: 877]
تفسير
قوله تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ
دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) )
يقولُ تعالى للعُتاةِ النافِرِينَ عن أمْرِه، الْمُعْرِضِينَ عن الحقِّ: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ}؛ أي: يَنْصُرُكم إذَا أَرادَ بكم الرحمنُ سُوءاً فيَدْفَعُه عنكم؛ أي: مَن الذي يَنصُرُكم على أَعدائِكم غيرُ الرحمنِ؟!
فإنَّه تعالى هو
الناصرُ الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ، وغيرُه مِن الْخَلْقِ لوِ اجْتَمَعُوا على
نصْرِ عبدٍ، لم يَنْفَعُوه مِثقالَ ذَرَّةٍ، على أيِّ عَدُوٍّ كانَ.
فاستمرارُ الكافرِينَ على كُفْرِهم، بعدَ أنْ عَلِمُوا أنَّه لا يَنْصُرُهم أحَدٌ مِن دونِ الرحمنِ ـ غُرورٌ وسَفَهٌ). [تيسير الكريم الرحمن: 877]
تفسير قوله تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) )
فإنَّ الخلْقَ لا يَقْدِرُونَ على رِزْقِ أنفُسِهم فكيفَ بغَيْرِهم؟!
فالرازقُ المُنْعِمُ، الذي لا يُصيبُ العِبادَ نِعمةٌ إلاَّ منه، هو الذي يَسْتَحِقُّ أنْ يُفْرَدَ بالعِبادةِ.
ولكنِ الكافرونُ {لَجُّوا}؛ أي: اسْتَمَرُّوا {فِي عُتُوٍّ}؛ أي: قَسوةٍ وعَدَمِ لِينٍ للْحَقِّ، {وَنُفُورٍ}؛ أي: شُرودٍ عن الْحَقِّ). [تيسير الكريم الرحمن: 877]
تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) )
* للاستزادة يُنظر: هنا