19 Jan 2015
تفسير
قوله تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ
أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ
الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ
وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ
أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
(16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ
فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)}
تفسير قوله تعالى: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال تعالى ها هنا: {فإذا برق البصر} قال أبو عمرو بن العلاء: {برق} بكسر الرّاء، أي: حار. وهذا الّذي قاله شبيهٌ بقوله تعالى: {لا يرتدّ إليهم طرفهم} [إبراهيم: 43]، بل ينظرون من الفزع هكذا وهكذا، لا يستقرّ لهم بصرٌ على شيءٍ؛ من شدّة الرّعب.
وقرأ آخرون: "برق" بالفتح، وهو قريبٌ في المعنى من الأوّل. والمقصود أنّ الأبصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذلّ من شدّة الأهوال، ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور). [تفسير القرآن العظيم: 8/277]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (ثم ذَكَرَ أحوالَ القيامةِ فقالَ:
(7 -15) {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلاَّ لاَ وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ *}؛ أي: إذا كانَتِ القيامةُ بَرِقَتِ الأبصارُ مِن الْهَوْلِ العظيمِ، وشَخَصَتْ فلا تَطْرِفُ؛ كما قالَ تعالى: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (7-{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} فزِعَ وبَهُتَ وتَحَيَّرَ مِن شِدَّةِ شُخوصِه للموتِ، أو للبَعْثِ). [زبدة التفسير: 577]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وخسف القمر} أي: ذهب ضوءه). [تفسير القرآن العظيم: 8/277]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَخَسَفَ الْقَمَرُ}؛ أي: ذَهَبَ نُورُه وسُلطانُه). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (8-{وَخَسَفَ الْقَمَرُ} ذهَبَ ضَوْءُه كلُّه ولا يَعودُ كما يَعودُ إذا خَسَفَ في الدنيا). [زبدة التفسير: 577]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وجمع الشّمس والقمر} قال مجاهدٌ: كوّرا. وقرأ ابن زيدٍ عند تفسير هذه الآية: {إذا الشّمس كوّرت وإذا النّجوم انكدرت} [التّكوير: 1، 2] وروي عن ابن مسعودٍ أنّه قرأ: "وجمع بين الشّمس والقمر"). [تفسير القرآن العظيم: 8/277]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} وهما لم يَجْتَمِعَا منذُ خَلَقَهما اللَّهُ تعالى، فيَجْمَعُ اللَّهُ بينَهما يومَ القيامةِ، ويَخْسِفُ القَمَرُ وتُكَوَّرُ الشمسُ ثم يُقذفانِ في النارِ؛ ليَرَى العبادُ أنَّهما عَبدانِ مُسَخَّرانِ، ولِيَرَى مَن عَبَدَهما أنَّهم كانوا كاذِبِينَ). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (9-{وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} أيْ: ذَهَبَ ضَوْءُهما جَميعاً، فتُجمَعُ الشمْسُ والقمَرُ، فلا يكونُ هناك تَعاقُبُ ليلٍ ونَهارٍ). [زبدة التفسير: 577]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يقول الإنسان يومئذٍ أين المفرّ} أي: إذا عاين ابن آدم هذه الأهوال يوم القيامة، حينئذٍ يريد أن يفرّ ويقول: أين المفرّ؟ أي: هل من ملجأٍ أو موئلٍ؟). [تفسير القرآن العظيم: 8/277]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({يَقُولُ الإِنْسَانُ} حِينَ يَرَى تلكَ القَلاقِلَ الْمُزْعِجاتِ: {أَيْنَ الْمَفَرُّ}؛ أي: أينَ الخلاصُ والفِرارُ مِمَّا طَرَقَنا وأَصَابَنا؟). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (10-{يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} أَيْنَ الْمَفَرُّ مِن اللهِ سُبحانَه ومِن حسابِه وعذابِه). [زبدة التفسير: 577]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه تعالى: {كلا لا وزر (11) إلى ربّك يومئذٍ المستقرّ} قال ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبير، وغير واحدٍ من السّلف: أي لا نجاة.
وهذه كقوله: {ما لكم من ملجإٍ يومئذٍ وما لكم من نكيرٍ} [الشّورى: 47] أي: ليس لكم مكانٌ تتنكّرون فيه، وكذا قال هاهنا {لا وزر} أي: ليس لكم مكانٌ تعتصمون فيه؛ ولهذا قال: {إلى ربّك يومئذٍ المستقرّ}). [تفسير القرآن العظيم: 8/277]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({كَلاَّ لاَ وَزَرَ}؛ أي: لاَ مَلْجَأَ لأَحَدٍ دُونَ اللَّهِ). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (11-{كَلاَّ لاَ وَزَرَ} أيْ: لا جَبلَ ولا حِصْنَ ولا مَلجأَ مِن اللهِ يَعْصِمُكم يومئذٍ). [زبدة التفسير: 577]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إلى ربّك يومئذٍ المستقرّ} أي: المرجع والمصير). [تفسير القرآن العظيم: 8/277]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} لسائرِ العبادِ، فليسَ في إمكانِ أحَدٍ أنْ يَسْتَتِرَ أو يَهْرُبَ عن ذلك الْمَوضِعِ، بل لا بُدَّ مِن إيقافِه لِيُجْزَى بعملِه.
ولهذا قالَ: {يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (12-{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} أيْ: الْمَرْجِعُ والْمُنْتَهَى والْمَصيرُ). [زبدة التفسير: 577]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ينبّأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر} أي: يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها، أوّلها وآخرها، صغيرها وكبيرها، كما قال تعالى: {ووجدوا ما عملوا حاضرًا ولا يظلم ربّك أحدًا} [الكهف: 49] وهكذا قال هاهنا: {بل الإنسان على نفسه بصيرةٌ ولو ألقى معاذيره}). [تفسير القرآن العظيم: 8/277]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}؛ أي: بجَميعِ عمَلِه الحسَنِ والسيِّئِ، في أوَّلِ وقتِه وآخِرِه، ويُنَبَّأُ بخَبَرٍ لا يُنْكِرُه). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({بل الإنسان على نفسه بصيرةٌ (14) ولو ألقى معاذيره} أي: هو شهيدٌ على نفسه، عالمٌ بما فعله ولو اعتذر وأنكر، كما قال تعالى: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} [الإسراء: 14].
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {بل الإنسان على نفسه بصيرةٌ} يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه.
وقال قتادة: شاهدٌ على نفسه. وفي روايةٍ قال: إذا شئت -واللّه-رأيته بصيرًا بعيوب النّاس وذنوبهم غافلًا عن ذنوبه، وكان يقال: إنّ في الإنجيل مكتوبًا: يا ابن آدم، تبصر القذاة في عين أخيك، وتترك الجذل في عينك لا تبصره). [تفسير القرآن العظيم: 8/277]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}؛ أي: شاهداً ومُحَاسِباً). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (14-{بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} يَعرفُ حقيقةَ ما هو عليه مِن إيمانٍ أو كُفْرٍ، وطاعةٍ أو مَعصيةٍ، واستقامَةٍ أو اعوجاجٍ. وقيلَ: المعنى: بل جَوارِحُ الإنسانِ عليه شاهِدةٌ). [زبدة التفسير: 577]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال مجاهدٌ: {ولو ألقى معاذيره} ولو جادل عنها فهو بصيرٌ عليها. وقال قتادة: {ولو ألقى معاذيره} ولو اعتذر يومئذٍ بباطلٍ لا يقبل منه. وقال السّدّيّ: {ولو ألقى معاذيره} حجّته. وكذا قال ابن زيدٍ، والحسن البصريّ، وغيرهم. واختاره ابن جريرٍ.
وقال قتادة، عن زرارة، عن ابن عبّاسٍ: {ولو ألقى معاذيره} يقول: لو ألقى ثيابه.
وقال الضّحّاك: ولو أرخى ستوره، وأهل اليمن يسمّون السّتر: المعذار.
والصّحيح قول مجاهدٍ وأصحابه، كقوله: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23] وكقوله {يوم يبعثهم اللّه جميعًا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنّهم على شيءٍ ألا إنّهم هم الكاذبون} [المجادلة: 18].
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {ولو ألقى معاذيره} هي الاعتذار ألم تسمع أنّه قال: {لا ينفع الظّالمين معذرتهم} [غافرٍ: 52] وقال {وألقوا إلى اللّه يومئذٍ السّلم} [النّحل: 87] {فألقوا السّلم ما كنّا نعمل من سوءٍ} [النّحل: 28] وقولهم {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} ). [تفسير القرآن العظيم: 8/278]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}؛ فإِنَّها مَعاذيرُ لا تُقْبَلُ، ولا تُقابِلُ ما يُقَرَّرُ به العبْدُ فيُقِرُّ به؛ كما قالَ تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}.
فالعبدُ وإنْ أَنْكَرَ، أوِ اعْتَذَرَ عمَّا عَمِلَه، فإنكارُه واعتذارُه لا يُفِيدَانِه شيئاً؛ لأنَّه يَشْهَدُ عليهِ سَمْعُه وبَصَرُه وجميعُ جَوارحِه بما كانَ يَعْمَلُ، ولأنَّ اسْتِعْتَابَه قدْ ذهَبَ وقتُه وزالَ نفْعُه، {فَيَوْمَئِذٍ لاَ يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (15-{وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} أيْ: ولو اعْتَذَرَ وجَادَلَ عن نَفْسِه، لم يَنفعْه ذلك، فعليه مَن يُكَذِّبُ عُذْرَه). [زبدة التفسير: 577]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لا تحرّك به لسانك لتعجل به (16) إنّ علينا جمعه وقرآنه (17) فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه (18) ثمّ إنّ علينا بيانه (19)}
هذا تعليمٌ من اللّه عزّ وجلّ لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم في كيفيّة تلقّيه الوحي من الملك، فإنّه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته، فأمره اللّه عزّ وجلّ إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له، وتكفّل له أن يجمعه في صدره، وأن ييسّره لأدائه على الوجه الّذي ألقاه إليه، وأن يبيّنه له ويفسّره ويوضّحه. فالحالة الأولى جمعه في صدره، والثّانية تلاوته، والثّالثة تفسيره وإيضاح معناه؛ ولهذا قال: {لا تحرّك به لسانك لتعجل به} أي: بالقرآن، كما قال: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربّ زدني علمًا} [طه: 114] ). [تفسير القرآن العظيم: 8/278]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (16 -19) {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ *}.
كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ إذا جاءَهُ جِبْريلُ بالوحيِ، وشَرَعَ في تِلاوتِه عليه بادَرَه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ مِن الحِرْصِ قبلَ أنْ يَفْرُغَ، وتَلاَهُ معَ تِلاوةِ جِبْريلَ إيَّاهُ، فنَهاهُ اللَّهُ عن هذا، وقالَ: {وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}. وقالَ هنا: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (16-{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ ولِسانَه بالقرآنِ إذا أُنْزِلَ عليه قبلَ فَراغِ جِبريلَ مِن قِراءةِ الوحْيِ، حِرْصاً على أنْ يَحفظَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنَزلتْ هذه الآيةُ، أيْ: لا تُحَرِّكْ بالقرآنِ لِسانَك عندَ إِلقاءِ الوحيِ لتَأخذَه على عجَلٍ مَخافةَ أنْ يَتَفَلَّتَ منك). [زبدة التفسير: 577]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {إنّ علينا جمعه} أي: في صدرك، {وقرآنه} أي: أن تقرأه). [تفسير القرآن العظيم: 8/278]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (ثم ضَمِنَ له تعالى أنَّه لا بُدَّ أنْ يَحْفَظَه ويَقْرَأَهُ ويَجْمَعَه اللَّهُ في صَدْرِه، فقالَ: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}. فالحِرْصُ الذي في خاطِرِكَ، إِنَّما الداعي له حَذَرُ الفَواتِ والنِّسيانِ، فإذا ضَمِنَه اللَّهُ لكَ، فلا مُوجِبَ لذلك). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (17-{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} في صَدْرِكَ حتى لا يَذهبَ عليك منه شيءٌ، {وَقُرْآنَهُ} أيْ: إثباتَ قِراءتِه في لسانِكَ على الوجهِ القويمِ). [زبدة التفسير: 577-578]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فإذا قرأناه} أي: إذا تلاه عليك الملك عن اللّه عزّ وجلّ، {فاتّبع قرآنه} أي: فاستمع له، ثمّ اقرأه كما أقرأك). [تفسير القرآن العظيم: 8/278]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}؛ أي: إذا كَمَّلَ جِبْريلُ قِراءَةَ ما أَوْحَى اللَّهُ إليك، فحِينَئذٍ اتَّبِعْ ما قَرَأَهُ واقْرَأْهُ). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (18-{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} أيْ: أَتْمَمْنا قِراءتَه عليك بلسانِ جِبريلَ، {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فاستَمِعْ له وأَنْصِتْ إلى قِراءتِه). [زبدة التفسير: 578]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ثمّ إنّ علينا بيانه} أي: بعد حفظه وتلاوته نبيّنه لك ونوضّحه، ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن، عن أبي عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعالج من التّنزيل شدّةً، فكان يحرّك شفتيه -قال: فقال لي ابن عبّاسٍ: أنا أحرّك شفتيّ كما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحرّك شفتيه. وقال لي سيعد: وأنا أحرّك شفتيّ كما رأيت ابن عبّاسٍ يحرّك شفتيه-فأنزل اللّه عزّ وجلّ {لا تحرّك به لسانك لتعجل به إنّ علينا جمعه وقرآنه} قال: جمعه في صدرك، ثمّ تقرأه، {فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه} فاستمع له وأنصت، {ثمّ إنّ علينا بيانه} فكان بعد ذلك إذا انطلق جبريل قرأه كما أقرأه.
وقد رواه البخاريّ ومسلمٌ، من غير وجهٍ، عن موسى بن أبي عائشة، به ولفظ البخاريّ: فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده اللّه عزّ وجلّ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو يحيى التّيميّ، حدّثنا موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أنزل عليه الوحي يلقى منه شدّةٌ، وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه، يتلقّى أوّله ويحرّك به شفتيه خشية أن ينسى أوّله قبل أن يفرغ من آخره، فأنزل اللّه: {لا تحرّك به لسانك لتعجل به}
وهكذا قال الشّعبيّ، والحسن البصريّ، وقتادة، ومجاهدٌ، والضّحّاك، وغير واحدٍ: إنّ هذه الآية نزلت في ذلك.
وقد روى ابن جريرٍ من طريق العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {لا تحرّك به لسانك لتعجل به} قال: كان لا يفتر من القراءة مخافة أن ينساه، فقال اللّه: {لا تحرّك به لسانك لتعجل به إنّ علينا} أن نجمعه لك {وقرآنه} أن نقرئك فلا تنسى.
وقال ابن عبّاسٍ وعطيّة العوفيّ: {ثمّ إنّ علينا بيانه} تبيين حلاله وحرامه. وكذا قال قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 8/278-279]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}؛ أي: بيانَ مَعانِيهِ، فوَعَدَه بحِفْظِ لفْظِه وحفْظِ مَعانِيهِ، وهذا أَعْلَى ما يكونُ، فامْتَثَلَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لأَدَبِ رَبِّه، فكانَ إذا تَلاَ عليهِ جِبْريلُ القرآنَ بعدَ هذا أَنْصَتَ له، فإذا فَرَغَ قَرَأَه.
وفي هذهِ الآيةِ أدَبٌ لأَخْذِ العلْمِ، أنْ لا يُبادِرَ المُتعَلِّمُ المُعَلِّمَ قبلَ أنْ يَفْرُغَ مِن المسألةِ التي شَرَعَ فيها، فإذا فَرَغَ منها سَأَلَه عمَّا أَشْكَلَ عليهِ.
وكذلكَ إذا كانَ في أوَّلِ الكلامِ ما يُوجِبُ الردَّ أو الاستحسانَ أنْ لا يُبادِرَ بِرَدِّه أو قَبُولِه، حتى يَفْرُغَ مِن ذلك الكلامِ؛ ليَتبَيَّنَ ما فيه مِن حَقٍّ أو باطِلٍ، ولِيَفْهَمَه فَهْماً يَتمَكَّنُ به مِن الكلامِ عليه.
وفيها: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ كما بَيَّنَ للأُمَّةِ ألفاظَ الوَحْيِ؛ فإنَّه قدْ بَيَّنَ لهم مَعانِيَهُ). [تيسير الكريم الرحمن: 899]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (19- {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أيْ: تفسيرَ ما فيه مِن الحلالِ والحرامِ وبيانَ ما أشْكَلَ منه، فكانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعدَ ذلك إذا أَتاهُ جِبريلُ أَنصَتَ، فإذا ذَهَبَ عنه قَرَأَ كما وَعَدَه اللهُ). [زبدة التفسير: 578]