24 Aug 2015
مقدمات تفسير سورة المنافقون
من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر
أسماء السورة
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة المنافقون).[تفسير القرآن العظيم: 8/125]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (آخر تفسير سورة "المنافقون" ولله الحمد والمنة).[تفسير القرآن العظيم: 8/134]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (تفسيرُ سورةِ المُنافقِينَ). [تيسير الكريم الرحمن: 864]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (تَمَّ تَفسيرُ سُورةِ المُنافقِينَ، ولِلَّهِ الحمْدُ). [تيسير الكريم الرحمن: 866]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (سُورةُ المنافقونَ). [زبدة التفسير: 554]
نزول السورة
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وهي مدنيّةٌ).[تفسير القرآن العظيم: 8/125]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (وهي مَدَنِيَّةٌ). [تيسير الكريم الرحمن: 864]
* للاستزادة ينظر: هنا
تفسير قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) }
تفسير قوله تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ
إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إذا
جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول اللّه واللّه يعلم إنّك لرسوله
واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون (1) اتّخذوا أيمانهم جنّةً فصدّوا عن
سبيل اللّه إنّهم ساء ما كانوا يعملون (2) ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا فطبع
على قلوبهم فهم لا يفقهون (3) وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع
لقولهم كأنّهم خشبٌ مسنّدةٌ يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم هم العدوّ فاحذرهم
قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون (4) }
يقول تعالى مخبرًا عن المنافقين: إنّهم إنّما يتفوّهون بالإسلام إذا جاءوا
النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأمّا في باطن الأمر فليسوا كذلك، بل على
الضّدّ من ذلك؛ ولهذا قال تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول اللّه} أي: إذا حضروا عندك واجهوك بذلك، وأظهروا لك ذلك، وليسوا كما يقولون: ولهذا اعترض بجملةٍ مخبرةٍ أنّه رسول اللّه، فقال: {اللّه واللّه يعلم إنّك لرسوله}
ثمّ قال: {واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون}
أي: فيما أخبروا به، وإن كان مطابقًا للخارج؛ لأنّهم لم يكونوا يعتقدون
صحّة ما يقولون ولا صدقه؛ ولهذا كذّبهم بالنّسبة إلى اعتقادهم).[تفسير القرآن العظيم: 8/125]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
(1) لَمَّا قَدِمَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ المدينةَ،
وكَثُرَ الإسلامُ فيها وعَزَّ, صارَ أُناسٌ مِن أهْلِها مِن الأَوْسِ
والْخَزْرَجِ يُظْهِرونَ الإيمانَ ويُبْطِنُونَ الكُفْرَ، ليَبْقَى جاهُهُم
وتُحْقَنَ دِماؤُهم وتَسلَمَ أموالُهم.
فذَكَرَ اللَّهُ مِن أَوْصَافِهم ما به يُعْرَفُونَ؛ لِكَيْ يَحْذَرَ العبادُ منهم ويَكونوا منهم على بَصيرةٍ، فقالَ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا} على وَجْهِ الكَذِبِ: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}. وهذهِ الشَّهادةُ مِن المنافقِينَ على وَجْهِ الكذِبِ والنفاقِ، معَ أنَّه لا حاجةَ لشَهادتِهم في تَأييدِ رسولِه؛ فإنَّ اللَّهَ {يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} في قولِهم ودَعْواهم، وأنَّ ذلكَ ليسَ بحقيقةٍ مِنهم). [تيسير الكريم الرحمن: 864]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (1- {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} أيْ: إذا وَصَلُوا إليك وحَضَرُوا مَجلِسَكَ.
{قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}: أكَّدُوا شَهادَتَهم؛ للإشعارِ بأنها صادِرَةٌ مِن صَميمِ قُلوبِهم مع خُلوصِ اعتقادِهم.
ومعنى نَشْهَدُ: نَعلمُ ونَحْلِفُ.
{وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}
تَصديقٌ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ لِمَا تَضَمَّنَه كلامُهم مِن الشهادةِ
لمحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالرسالةِ؛ ولئلاَّ يُفْهَمَ عَوْدُ
التكذيبِ الآتي إلى ذلك.
{وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}
أيْ: في دَعواهُم أنَّ شَهادَتَهُم للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
بالرسالةِ هي مِن صميمِ القلْبِ وخُلوصِ الاعتقادِ، لا إلى مَنطوقِ كلامِهم
وهو الشَّهادةُ بالرسالةِ, فإنه حَقٌّ). [زبدة التفسير: 554]
تفسير قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {اتّخذوا أيمانهم جنّةً فصدّوا عن سبيل اللّه}
أي: اتّقوا النّاس بالأيمان الكاذبة والحلفات الآثمة، ليصدّقوا فيما
يقولون، فاغترّ بهم من لا يعرف جليّة أمرهم، فاعتقدوا أنّهم مسلمون فربّما
اقتدى بهم فيما يفعلون وصدّقهم فيما يقولون، وهم من شأنهم أنّهم كانوا في
الباطن لا يألون الإسلام وأهله خبلا فحصل بهذا القدر ضررٌ كبيرٌ على كثيرٍ
من النّاس ولهذا قال تعالى: {فصدّوا عن سبيل اللّه إنّهم ساء ما كانوا يعملون}
ولهذا كان الضّحّاك بن مزاحم يقرؤها: "اتّخذوا إيمانهم جنّةً" أي: تصديقهم
الظّاهر جنّة، أي: تقيّةً يتّقون به القتل. والجمهور يقرؤها: {أيمانهم} جمع يمينٍ).[تفسير القرآن العظيم: 8/125]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (2) {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}؛
أيْ: تُرْساً يَتَتَرَّسُونَ بها مِن نِسْبتِهم إلى النِّفاقِ، فَصَدُّوا
عن سبيلِه بأنْفُسِهم، وصَدُّوا غيرَهم مِمَّن يَخْفَى عليه حالُهم.
{إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ حيثُ أَظْهَرُوا الإيمانَ وأَبْطَنُوا الكُفْرَ, وأقْسَمُوا على ذلكَ وأَوْهَمُوا صِدْقَهم). [تيسير الكريم الرحمن: 864]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (2- {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} أيْ: جَعَلُوا حَلِفَهم الذي حَلَفُوا لكم به وقايةً تَقِيهِم مِنكم، وسُتْرَةً يَسْتَتِرونَ بها مِن القتْلِ والأسْرِ.
{فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ} أيْ: مَنَعُوا الناسَ عن الإيمانِ والجهادِ وأعمالِ الطاعةِ بسَببِ ما يَصْدُرُ مِنهم مِن التشكيكِ والقدْحِ في النُّبُوَّةِ.
{إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} مِن النِّفاقِ والصدِّ). [زبدة التفسير: 554]
تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( [وقوله:] {ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} أي: إنما قدّر عليهم النّفاق لرجوعهم عن الإيمان إلى الكفران، واستبدالهم الضّلالة بالهدى {فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} أي: فلا يصل إلى قلوبهم هدًى، ولا يخلص إليها خيرٌ، فلا تعي ولا تهتدي).[تفسير القرآن العظيم: 8/125-126]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (3) {ذَلِكَ}: الذي زَيَّنَ لهم النِّفاقَ {بـ}: سببِ {أَنَّهُمْ} لا يَثْبُتونَ على الإيمانِ، بل {آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ}؛ بحيثُ لا يَدْخُلُها الخيرُ أَبداً.
{فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} ما يَنْفَعُهم ولا يَعُونَ ما يَعودُ بِمَصَالِحِهم). [تيسير الكريم الرحمن: 864]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (3- {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا} أيْ نِفاقاً.
{ثُمَّ كَفَرُوا} في الباطِنِ، وقيلَ: نَزلتِ الآيةُفي قومٍ آمَنوا ثم ارْتَدُّوا.
{فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أيْ: خُتِمَ عليها بسبَبِ كُفْرِهم فلا يَدْخُلُها إيمانٌ بعدَ ذلكَ.
{فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} ما فيه صَلاحُهم ورَشَادُهم). [زبدة التفسير: 554]
تفسير
قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ
يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ
يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ
قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم}
أي: كانوا أشكالًا حسنةً وذوي فصاحةٍ وألسنةٍ، إذا سمعهم السّامع يصغي إلى
قولهم لبلاغتهم، وهم مع ذلك في غاية الضّعف والخور والهلع والجزع والجبن؛
ولهذا قال: {يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم} أي: كلّما وقع أمرٌ أو كائنةٌ أو خوفٌ، يعتقدون، لجبنهم، أنّه نازلٌ بهم، كما قال تعالى: {أشحّةً
عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من
الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ أشحّةً على الخير أولئك لم
يؤمنوا فأحبط اللّه أعمالهم وكان ذلك على اللّه يسيرًا} [الأحزاب: 19] فهم جهامات وصورٌ بلا معاني. ولهذا قال: {هم العدوّ فاحذرهم قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون} أي: كيف يصرفون عن الهدى إلى الضّلال.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، حدّثنا عبد الملك بن قدامة الجمحي، عن
إسحاق بن بكر بن أبي الفرات، عن سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ. عن أبيه، عن
أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ
للمنافقين علاماتٍ يعرفون بها: تحيّتهم لعنةٌ، وطعامهم نهبة، وغنيمتهم
غلولٌ، ولا يقربون المساجد إلّا هجرا ولا يأتون الصّلاة إلّا دبرا،
مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون، خشبٌ باللّيل، صخب بالنّهار". وقال يزيد
مرةً: سخبٌ بالنهار).[تفسير القرآن العظيم: 8/126]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (4) {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ}: مِن رُوَائِها ونَضارَتِها.
{وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}؛ أيْ: مِن حُسْنِ مَنْطِقِهم تَستَلِذُّ لاستماعِه؛ فأجسامُهم وأقوالُهم مُعْجِبَةٌ.
ولكنْ ليسَ وَراءَ ذلكَ مِن الأخلاقِ الفاضِلةِ والهَدْيِ الصالحِ شَيءٌ؛ ولهذا قالَ: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}: لا مَنفعةَ فيها، ولا يُنالُ منها إلاَّ الضَّرَرُ الْمَحْضُ.
{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}؛ وذلك لِجُبْنِهم وفَزَعِهم وضَعْفِ قُلوبِهم ورَيْبِها، يَخافُونَ أنْ يُطَّلَعَ عليها.
فهؤلاءِ {هُمُ الْعَدُوُّ}
على الحقيقةِ؛ لأنَّ العدُوَّ البارِزَ المُتمِيِّزَ أَهونُ مِن العَدُوِّ
الذي لا يُشْعَرُ به، وهو مُخادِعٌ ماكِرٌ، يَزعُمُ أنَّه وَلِيٌّ وهو
العدُوُّ الْمُبِينُ.
{فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}؛
أيْ: كيفَ يُصْرَفُونَ عن الدِّينِ الإسلاميِّ بعدَما تَبَيَّنَتْ
أدِلَّتُه واتَّضَحَتْ مَعالِمُه إلى الكُفْرِ الذي لا يُفِيدُهم إلاَّ
الْخَسارَ والشَّقَاءَ). [تيسير الكريم الرحمن: 864]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (4- {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ}: هَيئاتُهم ومَناظِرُهم، تُعْجِبُ مَن يَراها؛ لِمَا فِيها مِن النَّضَارَةِ والرَّوْنَقِ.
{وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}
فتَحْسَبُ أنَّ قولَهم حَقٌّ وصِدْقٌ؛ لفَصاحَتِهم وذَلاَقَةِ
أَلْسِنَتِهم، وقد كانَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ رأسُ المنافقينَ فَصِيحاً
جَسيماً جَميلاً.
{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ}
شُبِّهُوا في جُلُوسِهم في مَجالِسِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ مُستندينَ بها بالْخُشُبِ المنصوبةِ الْمُسنَّدَةِ إلى الحائطِ،
التي لا تَفْهَمُ ولا تَعْلَمُ؛ لِخُلُوِّهِم عن الفَهْمِ النافِعِ،
والعلْمِ الذي يَنتفِعُ به صاحبُه.
{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} قيلَ: كانَ المنافقونَ على وَجَلٍ مِن أنْ يَنْزِلَ فيهم ما يَهْتِكُ أستارَهم ويُبيحُ دِماءَهم وأموالَهم.
{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} أنْ يَتمَكَّنُوا مِن فُرصةٍ مِنك أو يَطَّلِعُوا على شيءٍ مِن أَسرارِك؛ لأنهم عُيونٌ لأعدائِكَ مِن الكُفَّارِ.
{قَاتَلَهُمُ اللهُ} أيْ: لَعَنهم, أو هو تَعليمٌ للمؤمنينَ أنْ يَقولوا ذلك.
{أَنَّى يُؤْفَكُونَ}: كيف يُصْرَفونَعن الحقِّ ويَميلونَ عنه إلى الكفْرِ؟!). [زبدة التفسير: 554-555]
* للاستزادة ينظر: هنا