24 Aug 2015
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) }
تفسير
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ
أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا
أيّها الّذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه ومن يفعل
ذلك فأولئك هم الخاسرون (9) وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم
الموت فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق وأكن من الصّالحين
(10) ولن يؤخّر اللّه نفسًا إذا جاء أجلها واللّه خبيرٌ بما تعملون (11) }
يقول تعالى آمرًا لعباده المؤمنين بكثرة ذكره وناهيًا لهم عن أن تشغلهم
الأموال والأولاد عن ذلك ومخبرًا لهم بأنّه من التهى بمتاع الحياة الدّنيا
وزينتها عمّا خلق له من طاعة ربّه وذكره، فإنّه من الخاسرين الّذين يخسرون
أنفسهم وأهليهم يوم القيامة).[تفسير القرآن العظيم: 8/132-133]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
(9) يَأْمُرُ تعالى عِبادَه المُؤْمنِينَ بالإكثارِ مِن ذِكْرِه؛ فإنَّ في
ذلكَ الرِّبْحَ والفَلاحَ والخيراتِ الكثيرةَ، ويَنهاهُم أنْ تَشْغَلَهم
أموالُهم وأولادُهم عن ذِكْرِه؛ فإنَّ مَحَبَّةَ المالِ والأولادِ
مَجْبولةٌ عليها أكثَرُ النفوسِ، فتُقَدِّمُها على مَحبَّةِ اللَّهِ، وفي
ذلكَ الْخَسارةُ العظيمةُ.
ولهذا قالَ تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ}؛ أيْ: يُلْهِهِ مالُه ووَلَدُه عن ذِكْرِ اللَّهِ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} للسعادةِ الأَبديَّةِ والنَّعيمِ الْمُقيمِ؛ لأنَّهم آثَرُوا ما يَفْنَى على ما يَبْقَى؛ قالَ تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} ). [تيسير الكريم الرحمن: 865]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (9- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}
يُحَذِّرُ اللهُ المؤمنينَ عن أخْلاقِ المنافقينَ الذين ألْهَتْهُمْ
أموالُهم وأولادُهم عن ذِكْرِ اللهِ، وهو فرائضُ الإسلامِ، وقيلَ: قِراءةُ
القرآنِ.
{وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ} أيْ: يَلتَهِي بالدنيا عن الدِّينِ.
{فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} أي: الكاملونَ في الْخُسرانِ). [زبدة التفسير: 555]
تفسير
قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى
أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ حثّهم على الإنفاق في طاعته فقال: {وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق وأكن من الصّالحين}
فكلّ مفرّط يندم عند الاحتضار، ويسأل طول المدّة ولو شيئًا يسيرًا، يستعتب
ويستدرك ما فاته، وهيهات! كان ما كان، وأتى ما هو آتٍ، وكلٌّ بحسب تفريطه،
أمّا الكفّار فكما قال [اللّه] تعالى: {وأنذر
النّاس يوم يأتيهم العذاب فيقول الّذين ظلموا ربّنا أخّرنا إلى أجلٍ قريبٍ
نجب دعوتك ونتّبع الرّسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوالٍ} [إبراهيم: 44] وقال تعالى: {حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنّها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون} [المؤمنون: 99، 100] ).[تفسير القرآن العظيم: 8/133]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (10) وقولُه: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ}:
يَدخُلُ في هذهِ النَّفقاتُ الواجبةُ؛ مِن الزَّكاةِ والكَفَّاراتِ
ونَفقةِ الزوجاتِ والمماليكِ، ونحوِ ذلك، والنفقاتُ المُسْتحبَّةُ؛ كبَذْلِ
المالِ في جميعِ الْمَصالحِ.
وقالَ: {مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ}؛
لِيَدُلَّ ذلك على أنَّه تعالى لم يُكَلِّفِ العِبادَ مِن النَّفَقةِ ما
يُعَنِّتُهُم ويَشُقُّ عليهم، بل أمَرَهم بإخراجِ جُزْءٍ مِمَّا رَزَقَهم
ويَسَّرَه ويَسَّرَ أسبابَه.
(10) فلْيَشْكُرُوا
الذي أَعطاهم بِمُواساةِ إخوانِهم الْمُحتاجِينَ، ولْيُبَادِرُوا بذلكَ
الموتَ, الذي إذا جاءَ لم يُمَكِّنِ العبدَ أنْ يَأتِيَ بِمِثقالِ ذَرَّةٍ
مِن الخيرِ.
ولهذا قالَ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ} متَحَسِّراً على ما فَرَّطَ في وقتِ الإمكانِ، سائلاً الرَّجْعَةَ التي هي مُحالٌ: {رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}؛ أيْ: لأَتَدَارَكَ ما فَرَّطْتُ فيه,
{فَأَصَّدَّقَ} مِن مالِي ما به أَنْجُو مِن العذابِ، وأَسْتَحِقُّ بهِ جَزيلَ الثوابِ.
{وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ}؛ بأداءِ المأموراتِ كلِّها واجْتِنابِ الْمَنْهِيَّاتِ، ويَدْخُلُ في هذا الْحَجُّ وغيرُه). [تيسير الكريم الرحمن: 865]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (10- {وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} أيْ: أنْفِقُوا بعضَ ما رَزقناكُم في سبيلِ الخيرِ، وقيلَ: المرادُ الزكاةُ المفروضةُ.
{مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} بأنْ تَنْزِلَ به أسبابُه، أو يُشاهِدَ حضورَ عَلاماتِه.
{فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أيْ: هلاَّ أمْهَلْتَنِي وأَخَّرْتَ مَوْتِي إلى مُدَّةٍ أُخْرى قصيرةٍ.
{فَأَصَّدَّقَ} أيْ: فأَتَصَدَّقَ بمالِي, {وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} ). [زبدة التفسير: 555]
تفسير قوله تعالى: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ولن يؤخّر اللّه نفسًا إذا جاء أجلها واللّه خبيرٌ بما تعملون}
أي: لا ينظر أحدًا بعد حلول أجله، وهو أعلم وأخبر بمن يكون صادقًا في قوله
وسؤاله ممّن لو ردّ لعاد إلى شرٍّ ممّا كان عليه؛ ولهذا قال: {واللّه خبيرٌ بما تعملون}
وقال أبو عيسى التّرمذيّ: حدّثنا عبد بن حميدٍ، حدّثنا جعفر بن عونٍ،
حدّثنا أبو جناب الكلبيّ، عن الضّحّاك بن مزاحم، عن ابن عبّاسٍ قال: من كان
له مالٌ يبلّغه حجّ بيت ربّه، أو تجب عليه فيه زكاةٌ، فلم يفعل، سأل
الرّجعة عند الموت. فقال رجلٌ: يا ابن عبّاسٍ، اتّق اللّه، فإنّما يسأل
الرجعة الكفار. فقال سأتلوا عليك بذلك قرآنًا: {يا
أيّها الّذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه ومن يفعل
ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت
فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق [وأكن من الصّالحين ولن
يؤخّر اللّه نفسًا إذا جاء أجلها] واللّه خبيرٌ بما تعملون} قال: فما يوجب الزّكاة؟ قال: إذا بلغ المال مائتين فصاعدًا. قال: فما يوجب الحجّ؟ قال: الزّاد والبعير.
ثمّ قال: حدّثنا عبد بن حميد، حدّثنا عبد الرّزّاق، عن الثّوريّ، عن يحيى
بن أبي حيّة -وهو أبو جنابٍ الكلبيّ-عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، عن
النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه
ثمّ قال: وقد رواه سفيان بن عيينة وغيره، عن أبي جناب، عن ابن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، من قوله. وهو أصحّ، وضعّف أبا جنابٍ الكلبي.
قلت: رواية الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ فيها انقطاعٌ، واللّه أعلم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن نفيل، حدّثنا سليمان بن عطاءٍ،
عن مسلمة الجهنيّ، عن عمّه -يعني أبا مشجعة بن ربعي-عن أبي الدّرداء، رضي
اللّه عنه، قال: ذكرنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الزّيادة في
العمر فقال: " إنّ اللّه لا يؤخّر نفسًا إذا جاء أجلها، وإنّما الزّيادة في
العمر أن يرزق اللّه العبد ذرية صالحةً يدعون له، فيلحقه دعاؤهم في
قبره").[تفسير القرآن العظيم: 8/133-134]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (11) وهذا السؤالُ والتَّمَنِّي قدْ فاتَ وقتُه، ولا يُمْكِنُ تَدارُكُه؛ ولهذا قالَ: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} المَحْتومُ لها، {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} مِن خيرٍ وشَرٍّ؛ فيُجازِيكُم على ما عَلِمَه مِنكم مِن النِّيَّاتِ والأعمالِ). [تيسير الكريم الرحمن: 865-866]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (11- {وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} أيْ: إذا حَضَرَ أجَلُها وانْقَضَى عمْرُها.
{وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} لا يَخْفَى عليه شيءٌ منه، فهو مُجازِيكُمْ بأَعْمَالِكُم). [زبدة التفسير: 555]
* للاستزادة ينظر: هنا