الدروس
course cover
بيان أوجه فضل طلب العلم
11 Jul 2016
11 Jul 2016

8044

0

2

course cover
بيان فضل طلب العلم

القسم الأول

بيان أوجه فضل طلب العلم
11 Jul 2016
11 Jul 2016

11 Jul 2016

8044

0

2


1

0

0

0

1

بسم الله الرحمن الرحيم


بيان فضل طلب العلم

الحمد لله الذي شرّف العلم وأهله، وأظهر بين العالمين فضله، نحمده على فضله وإحسانه ونشكره، ونستعينه على ذكره وشكره ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، منّ به علينا؛ فعلَّمنا الكتاب والحكمة، وزكانا وهدانا، وبيّن لنا ما أنزل الله إليه، حتى أكمل الله به الدين، وأتمّ به النعمة، وأقام به الحجّة.

أما بعد:

فإنّ الله تعالى قد جعل العلماء ورثة الأنبياء، وأقامهم على معالم دينه أدلاء، يقتبسون من مشكاة النبوّة، وينهلون من معين الوحي، ويأتسون بسلفهم الصالح؛ فَيَعْمَلون ويُعَلّمون، ويَنصحون ويُصلحون، حتى أقام الله بهم عمود الدين، ورفع بهم لواءَه، وشرّفهم بالرفعة والتمكين، فجعلهم أئمة يُهتدى بهم، ومناراً يعرف بهم الطريق، يهدون السائر، ويرشدون الحائر، ويفتون المستفتي، ويعلّمون الناس الخير، ويحذّرونهم من الشرّ، ويبشّرونهم وينذرونهم؛ فكم هدى الله بهم من ضالّ، وأصلح بهم من حال، وأحيا بهم من سنّة، ونجّى بهم من فتنة، وردّ بهم من ضلالة.

والحمد الله الذي جعل العلم حبلاً ممدوداً، وميراثاً مشهوداً، لا يُحجب عنه طالبه، ولا يخيب راغبه، يحمله من كلّ قرن خيرة أهله، فيتحمّلون أمانته، ويرعونه حقّ رعايته، ليقوموا فيه مقام سلفهم، فيعلّمونه كما تعلّموه، ويؤدّونه كما تحمّلوه، ولا يزال أهل العلم والإيمان في كلّ قرن ظاهرين منصورين، وهادين مهديين حتى يأتي الله بأمره.

وقد جرت عادة أهل العلم على التذكير بفضله، والترغيب في طلبه، وبيان محاسنه وفضائله، وما ورد في شأنه من الأحاديث والآثار، والوصايا والأخبار، ليستنهضوا همم طلاب العلم، حتى يعرفوا قَدْرَه ويجدّوا في طلبه، بصدق وإخلاص، وعزيمة وثبات.

وقد اطّلعت على جملة مما كتبه أهل العلم في هذا الباب؛ مما تفرّق في كتبهم، ومما أفردوه فيه فضلَ العلم بالتأليف والتصنيف، فأحببت أن ألخّص لنفسي وإخواني من طلاب العلم في ذلك مختصراً يجمع كثيراً مما تفرّق في تلك الكتب، ويقرّب مباحثها، ويعين على فِقْهِ مقاصدِها، وتحصيلِ فوائدِها، والله المسؤول أن يتقبّل هذا العمل بقبوله الحسن، وينفع به كاتبه وقارئه وناشره، وأن يبارك فيه بركة من عنده إنه هو الحميد المجيد.

وقد تضمّن هذا البيانُ الموجزُ الفصولَ التالية:

● بيان أوجه فضل العلم

● الأدلّة على فضل العلم وأهله

● الآثار المروية عن السلف الصالح في فضل العلم

● المؤلفات في فضل العلم

● الفرق بين العلم النافع والعلم غير النافع

● أقسام العلوم الشرعية

● بيان حكم طلب العلم

● وجوب الإخلاص في طلب العلم

● وجوب العمل بالعلم

● معالم المنهج الصحيح لطلب العلم


بيان أوجه فضل العلم

فضل العلم يتبيَّن من وجوه كثيرة:

منها: أن العلم أصل معرفة الهدى؛ وبالهدى ينجو العبد من الضلال والشقاء في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}، فبالعلم يتعرف العبد على أسباب رضوان الله تعالى وفضله وثوابه العظيم في الدنيا والآخرة، ويتعرف على ما يسلم به من سخط الله وعقابه.

ومنها: أن العلم أصل كلّ عبادة؛ وبيان ذلك أن كل عبادة يؤديها العابد لا تُقبل إلا إذا كانت خالصةً لله تعالى، وصوابًا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفة ذلك تستدعي قدرًا من العلم، وكذلك معرفة ما يحبه الله وما يكرهه إجمالًا وتفصيلًا لا تكون إلا بالعلم.

فتبين أن العبد لا يمكن أن يتقرب إلى الله عزَّ وجل إلا أن يكون أصلُ تقرّبه هو العلم.

ومنها: أن العلم يُعَرِّف العبد بما يدفع به كيد الشيطان، وما يدفع به كيد أعدائه، ويٌعرِّفه بما ينجو به من الفتن التي تأتيه في يومه وليلته، والفتن التي قد يضل بها من يضل إذا لم يعتصم بما بيّنه الله عز وجل من الهدى الذي لا يُعرف إلا بالعلم؛ وهو كما يعرّف العبد فهو يعرّف الأمّة بسبيل رفعتها وعزتها وسبيل سلامتها من كيد أعدائها.

ومنها: أن الله تعالى يحب العلم والعلماء؛ وقد مدح الله العلماء وأثنى عليهم ورفع شأنهم، وهذه المحبة لها آثارها ولوازمها.

ومنها: أن العلم يُعرِّف العبد بربه جل وعلا، وبأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وآثارها في الخلق والأمر؛ وهذه أعز المعارف وأعلاها وأعظمها شأنًا، ولا تحصل للعبد إلا بالعلم النافع؛ فكان هذا العلم سببًا لأن يتعرف العبد على أسماء الله وصفاته وأحكامه، ويعرف جزاءه على الأعمال في الدنيا والآخرة بما بيَّنه الله تعالى، وسبيل ذلك لا يكون إلا بالعلم.

ومنها: أنه رفعة للعبد في دينه ودنياه وتشريفٌ له وتكريم؛ ومن أحسنَ التعلم ارتفع شأنه، وعلا قدره؛ كما قال الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}.

ومنها: أنه يدل المرء على شريف الخصال ومحاسن الآداب، ويُعرِّفه أيضًا بسيئها؛ فيحرص على اكتساب الخصال الحميدة بما يعرفه من فضلها وثمراتها وآثارها، ويحرص أيضًا على اجتناب الخصال السيئة الذميمة بما يعرفه من سوء آثارها وقُبح عاقبتها، ويُعرِّفه أيضًا بالعظات والعِبر التي حلت بالسابقين، وكل ذلك لا يحصل إلا بالعلم.

ومنها: أنه من أفضل القربات إلى الله تعالى؛ ويدل لذلك ما رتبه الله تعالى على العلم من الأجور العظيمة، والفضائل الجليلة، حتى كان ما يُعلِّمه المرء لغيره يصيبه ثوابه وإن تسلسل إلى أزمان كثيرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا)). رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

فكل من دعا إلى الهدى - ولا يُدعى إلى الهدى إلا بالعلم- فله مثل أجر من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، وإن تسلسل ذلك الأمر إلى أن تقوم الساعة، فما يُحدّثه العلماء من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما يعلمونه من العلوم النافعة يجري لهم به أجرهم ما بقي الانتفاع بعلمهم النافع الذي تركوه.

وقد ذكر الإمام السعدي -رحمه الله- في فتاواه؛ أن عالماً كان في بلدة يُعلّم العلم فمات فرآه أحد تلاميذه في المنام، فقال له: (أرأيت الفتوى التي أفتيت بها في مسألة كذا وكذا، لقد وصلني أجرها)، وهذه فتوى أفتى بها، أو قضية حكم بها تلميذه من بعده، فوصل أجرها شيخَه بعد موته.

فالعلم النافع من أسباب الحصول على الأجور العظيمة، والحسنات المتسلسلة التي لا تنقضي بإذن الله عز وجل، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن العلم النافع من الأعمال التي لا تنقطع كما في الحديث الصحيح: ((إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ))، وذكر من ذلك: ((عِـلْـمٌ يُـنْـتَـفَــعُ بِــهِ)).