8 Apr 2010
خيركم من تعلم القرآن وعلمه
حدثنا
حجاج بن منهال، حدثنا شعبة، أخبرني علقمة بن مرثد، سمعت سعد بن عبيدة، عن
أبي عبد الرحمن، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان، رضي الله عنه، حتى كان الحجاج قال:وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا.
وقد أخرج الجماعة هذا الحديث سوى مسلم من
رواية شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن وهو عبد
الله بن حبيب السلمي -رحمه الله.
وحدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)).
وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من
طرق عن سفيان، عن علقمة، عن أبي عبد الرحمن، من غير ذكر سعد بن عبيدة كما
رواه شعبة ولم يختلف عليه فيه، وهذا المقام مما حكم لسفيان الثوري فيه على
شعبة، وخطأ بندار يحيى بن سعيد في روايته ذلك عن سفيان، عن علقمة، عن سعد
بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن وقال: رواه الجماعة من أصحاب سفيان عنه،
بإسقاط سعد بن عبيدة، ورواية سفيان أصح في هذا المقام المتعلق بصناعة
الإسناد، وفي ذكره طول لولا الملالة لذكرناه، وفيما ذكر كفاية وإرشاد إلى
ما ترك، والله أعلم.
والغرض أنه، عليه الصلاة والسلام، قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))
وهذه من صفات المؤمنين المتبعين للرسل، وهم الكمل في أنفسهم، المكملون
لغيرهم، وذلك جمع النفع القاصر والمتعدي، وهذا بخلاف صفة الكفار الجبارين
الذين لا ينفعون، ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن ينتفع، كما قال تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب} [النحل: 88]، وكما قال تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} [الأنعام: 26]،
في أصح قولي المفسرين في هذا، وهو أنهم ينهون الناس عن اتباع القرآن مع
نأيهم وبعدهم عنه أيضا، فجمعوا بين التكذيب والصد، كما قال تعالى: {فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها} [الأنعام: 157]،
فهذا شأن الكفار، كما أن شأن خيار الأبرار أن يكمل في نفسه وأن يسعى في تكميل غيره كما قال عليه السلام: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وكما قال الله تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} [ فصلت: 33]،
فجمع بين الدعوة إلى الله سواء كان بالأذان أو بغيره من أنواع الدعوة إلى
الله تعالى من تعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك، مما يبتغى به وجه
الله، وعمل هو في نفسه صالحا، وقال قولا صالحا، فلا أحد أحسن حالا من هذا.
وقد كان أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي -أحد أئمة الإسلام ومشايخهم- من رغب
في هذا المقام، فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا: وكان مقدار ذلك الذي مكث فيه يعلم القرآن سبعين سنة، رحمه الله، وآتاه الله ما طلبه ودامه. آمين.
قال البخاري، رحمه الله: حدثنا عمرو بن
عون، حدثنا حماد عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: أتت النبي صلى الله عليه
وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ورسوله، فقال: ((ما لي في النساء من حاجة)). فقال رجل: زوجنيها قال: ((أعطها ثوبا))، قال: لا أجد، قال: ((أعطها ولو خاتما من حديد))، فاعتل له، فقال: ((ما معك من القرآن؟)). قال: كذا وكذا. فقال: ((قد زوجتكها بما معك من القرآن)).
وهذا الحديث متفق على صحة إخراجه من طرق
عديدة، والغرض منه أن الذي قصده البخاري أن هذا الرجل تعلم الذي تعلمه من
القرآن، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه تلك المرأة، ويكون ذلك
صداقا لها على ذلك، وهذا فيه نزاع بين العلماء، وهل يجوز أن يجعل مثل هذا
صداقا؟ أو هل يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن؟ وهل هذا كان خاصا بذلك
الرجل؟ وما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((زوجتكها بما معك من القرآن))؟ أبسبب ما معك من القرآن؟ كما قاله أحمد بن حنبل:نكرمك بذلك أو بعوض ما معك، وهذا أقوى، لقوله في صحيح مسلم: ((فعلمها)) وهذا هو الذي أراده البخاري هاهنا وتحرير باقي الخلاف مذكور في كتاب النكاح والإجارات، والله المستعان.