الدروس
course cover
رسالة في تفسير المثل الأعلى
11 Apr 2015
11 Apr 2015

7734

0

0

course cover
الرسائل التفسيرية للمبتدئين

القسم الأول

رسالة في تفسير المثل الأعلى
11 Apr 2015
11 Apr 2015

11 Apr 2015

7734

0

0


0

0

0

0

0

رسالة في تفسير المثل الأعلى


الحمد لله الذي له المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم، والصلاة والسلام على الرسول النبي الكريم نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد ورد ذكر المثل الأعلى – بهذا اللفظ - في آيتين من القرآن العظيم:

-إحداهما في سورة النحل وهي قوله تعالى: {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم}

-والأخرى في سورة الروم وهي قوله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}

وقد تنوعت عبارات السلف في بيان معنى المثل الأعلى ومن رويت عنهم آثار من الصحابة والتابعين في بيان معنى المثل الأعلى ثلاثة:


الأول: ابن عباس رضي الله عنه

فروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عز وجل : {ولله المثل الأعلى} قال : ( يقول: ليس كمثله شيء). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في كتاب الاعتقاد وفي كتاب الأسماء والصفات.

وهذا تفسير بعض المعنى باللازم؛ فكونه تعالى له المثل الأعلى يقتضي أنه ليس كمثله شيء.

- قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الصواعق المرسلة: (يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى اثنان لأنهما إن تكافآ لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافآ فالموصوف بالمثل الأعلى أحدهما وحدَه، يستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل أو نظير).

وقد استدل رحمه الله بهذه الآية على تفرد الله تعالى بصفات الكمال.


الثاني: قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله

روى عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {ولله المثل الأعلى}؛ قال: (شهادة أن لا إله إلا الله)

ورواه أيضاً ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الدعاء.

وروى ابن جرير من طريق يزيد عن سعيد عن قتادة أن المراد بالمثل الأعلى الإخلاص والتوحيد، وفي لفظ عنده: (مثله أنه لا إله إلا هو ولا رب غيره).

وقد نسبه أبو المظفر السمعاني لمجاهد وتبعه على ذلك القرطبي والشوكاني وهو خطأ.


الثالث: محمد بن المنكدر

قال ابن كثير: (وعن مالك في تفسيره المروي عنه، عن محمد بن المنْكَدِر، في قوله تعالى: { وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى } قال: لا إله إلا الله).

فهذا ما علمته أُثر عن الصحابة والتابعين في تفسير المثل الأعلى.


وأكثر المفسرين على أن المثل الأعلى الصفات العليا التي تستوجب إخلاص العبادة له وحده لا شريك له، واعتقاد الكمال المطلق له جل وعلا ، وأنه لا يساميه في ذلك أحد.

- قال ابن جرير (ت:310 هـ): ( {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى} يقول: ولله المثل الأعلى، وهو الأفضل والأطيب، والأحسن، والأجمل، وذلك التوحيد والإذعان له بأنه لا إله غيره).

وقال في تفسير آية الروم: (وقوله: {وَلَهُ المَثَلُ الأعْلَى} يقول: ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض، وهو أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ليس كمثله شيء، فذلك المثل الأعلى، تعالى ربنا وتقدّس).

- وقال أبو جعفر النحاس (ت:338هـ): ( {وله المثل الأعلى في السموات والأرض}، روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (يقول: ليس كمثله شيء).

وقيل: يعني لا إله إلا الله

وحقيقته في اللغة: وله الوصف الأعلى).

- وقال أبو الليث السمرقندي (ت:375هـ): ({ وَلِلَّهِ المثل الاعلى } أي: الصفة العليا ، وهي شهادة أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له).

- وقال الثعلبي (ت:427هـ): ({ولله المثل الأعلى} الصفة العليا وهي التوحيد والإخلاص).

- وقال أبو المظفر السمعاني (ت: 489هـ): (وقوله : {ولله المثل الأعلى}أي: الصفة العليا، وذلك مثل قولهم : عالم وقادر ورازق وحي، وغير هذا).

- وقال البغوي (ت:516هـ): ({وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى } الصفة العليا، وهي التوحيد وأنه لا إله إلا هو، وقيل: جميع صفات الجلال والكمال، من العلم، والقدرة، والبقاء، وغيرها من الصفات).

- وقال ابن الجوزي(ت:597هـ): (قوله تعالى : { وله المَثَلُ الأعلى } قال المفسرون : أي : له الصِّفة العُليا { في السماوات والأرض } وهي أنَّه لا إِله غيره).


والمثَل في اللغة يطلق على معانٍ متعددة:

المعنى الأول: الصفة، وهذا المعنى كثير في الاستعمال، وله شواهد كثيرة، منها قوله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غيرآسن....} الآية؛ فوصَفَها وسمَّى ذلك الوصف مَثَلاً.

وروى أبو منصور الأزهري عن محمدبن سلام الجمحي قال: (أخبرني عمر بن أبي خليفة، قال: سمعت مقاتلا صاحب التفسير يسأل أبا عمرو بن العلاء عن قول الله تعالى: {مَثَلُ الجنّة التي وُعِد المُتّقون} ما مثلها؟

قال: {فيها أنهارٌ من ماء غير آسن}.

قال: فسألت يونس عنها، فقال: (مَثَلُها: صِفَتُها) ).

قال محمد بن سلام: (ومثل ذلك قوله تعالى: {ذَلِك مَثَلُهم في التَّوْرَاة ومَثَلُهم في الإنْجِيل} أي صِفتهم).

المعنى الثاني: الآية ، ومنه قوله تعالى: {وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل} أي آية لهم ، كما قال تعالى: {ولنجعله آية للناس}، وقال: {وجعلنا ابن مريم وأمه آية}، قال ابن جرير: ( {وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل} يقول: وجعلناه آية لبني إسرائيل). وروى مثله عن قتادة.

المعنى الثالث: العبرة والعظة، ومنه قوله تعالى: {فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين}

قال ابن جرير: (وقوله: {وَمَثَلا لِلآخِرِينَ} يقول: وعبرة وعظة يتعظ بهم مَنْ بعدهم من الأمم، فينتهوا عن الكفر بالله). وروى نحوه عن مجاهد وقتادة والسدي.

ومنه على أحد التفسيرين قوله تعالى: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل}

المعنى الرابع: القول السائر، وفيه يقال: (فأرسلها مثلاً) أي جعل كلمته قولاً سائراً يتمثل الناس به في نظائره.

المعنى الخامس: المثل المضروب ، ومنه قوله تعالى: {ضرب مثل فاستمعوا له}

وهذه المعاني الخمسة بينها تناسب واشتراك في قدر من المعنى، ولذلك تنوعت عبارات المفسرين في تفسير ما ورد فيه هذا اللفظ بما يدل على تقارب بين هذه المعاني.

قال ابن فارس: (والمَثَل: المِثْل أيضاً، كشَبَه وشِبْه. والمثَلُ المضروبُ مأخوذٌ من هذا، لأنَّه يُذكَر مورَّىً به عن مِثلِه في المعنى).


وكلام السلف في تفسير المثل الأعلى غير مخالف لما ذكره علماء اللغة من معنى المثل ، فإن الله تعالى هو الإله المتفرد بصفات الكمال المستحق لأن يعبد وحده لا شريك له، فكونه الإله الحق يتضمن اتصافه بصفات الكمال واستحقاقه لأعظم الحقوق.

قال ابن كثير (ت:774هـ): ({ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ } أي: النقص إنما ينسب إليهم،{ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى } أي: الكمال المطلق من كل وجه، وهو منسوب إليه، { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }).

وقال في تفسير آية الروم: (وقد أنشد بعض المُفَسرين عند ذكر هذه الآية لبعض أهل المعارف:

إذَا سَكَن الغَديرُ على صَفَاء ....... وَجُنبَ أنْ يُحَرّكَهُ النَّسيمُ

ترى فيه السَّمَاء بَلا امْترَاء ....... كَذَاكَ الشَّمْسُ تَبْدو وَالنّجُومُ

كَذاكَ قُلُوبُ أرْبَاب التَّجَلِّي ....... يُرَى في صَفْوها اللهُ العَظيمُ).


وقال ابن رجب في فتح الباري: (وحديث حارثة هو من هذا المعنى؛ فإنه قال : كأني أنظرإلى عرش ربي بارزًا ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وإلى أهل النار يتعاوون فيها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عرفت فالزم، عَبْدٌ نوَّر الله الإيمان في قلبه)) وهو حديث مرسل ، وقد روي مسندا بإسناد ضعيف.

وكذلك قول ابن عمر لعروة لما خطب إليه ابنته في الطواف فلم يرد عليه ثم لقيه فاعتذر إليه وقال: كنا في الطواف تتخايل الله بين أعيننا.

ومنه الأثر الذي ذكره الفضيل بن عياض: يقول الله : ما أنا مطلع على أحبائي إذا جنّهم الليل جعلت أبصارهم في قلوبهم ،ومثلت نفسي بين أعينهم فخاطبوني على المشاهدة وكلموني على حضوري.

وبهذا فسرالمثل الأعلى المذكور في قوله تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض}، ومثله قوله تعالى: {الله نور السموات والأرض مثل نوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَاكَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَّشَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} ، قال ابن كعب وغيره من السلف: مثل نوره في قلب المؤمن .

فمن وصل إلى هذا المقام فقد وصل إلى نهاية الإحسان وصار الإيمان لقلبه بمنزلة العيان فعرف ربه وأَنِسَ به في خلوته وتنعم بذكره ومناجاته ودعائه حتى ربما استوحش من خلقه، كما قال بعضهم: عجبت للخليقة كيف أنست بسواك؟!! بل عجبت للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواك؟!!).

إلى أن قال: (وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اعبد الله كأنك تراه)) إشارة إلى أن العابد يتخيل ذلك في عبادته ، لا أنه يراه حقيقة لا ببصره ولا بقلبه . وأما من زعم أن القلوب تصل في الدنيا إلى رؤية الله عيانا كما تراه الأبصار في الآخرة كما يزعم ذلك من يزعمه من الصوفية - فهو زعم باطل).


وهذا الذي ذكره هو ما يسمى بالمثال العلمي، وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية كثيراً في مواضع من كتبه، ومن أفضل من عبر عنه فيما اطلعت عليه ابن القيم رحمه الله تعالى إذ قال في كتابه شفاء العليل: (إذا شرح الله صدر عبده بنوره الذي يقذفه في قلبه أراه في ضوء ذلك النور حقائق الأسماء والصفات التي تضل فيها معرفة العبد إذ لا يمكن أن يعرفها العبد على ما هي عليه في نفس الأمر، وأراه في ضوء ذلك النور حقائق الإيمان وحقائق العبودية وما يصححها ومايفسدها وتفاوت معرفة الأسماء والصفات والإيمان والإخلاص وأحكام العبودية بحسب تفاوتهم في هذا النور.

قال تعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}

وقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به}

فيكشف لقلب المؤمن في ضوء ذلك النور عن حقيقة المثل الأعلى مستوياً على عرش الإيمان في قلب العبد المؤمن؛ فيشهد بقلبه ربًّا عظيمًا قاهرًا قادرًا أكبرَ من كل شيء في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، السماوات السبع قبضة إحدى يديه، والأرضون السبع قبضة اليد الأخرى، يمسك السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال على أصبع، والشجر علىأصبع، والثرى على أصبع، ثم يهزُّهن ثم يقول: أنا الملك.

فالسماوات السبع في كفِّه كخردلة في كف العبد، يحيط ولا يحاط به، ويحصر خلقه ولا يحصرونه، ويدركهم ولا يدركونه، لو أن الناس من لدن آدم إلى آخر الخلق قاموا صفًا واحدًا ما أحاطوا به سبحانه.

ثم يشهده في علمه فوق كل عليم، وفي قدرته فوق كل قدير، وفي جوده فوق كل جواد، وفي رحمته فوق كل رحيم، وفي جماله فوق كل جميل، حتى لو كان جمال الخلائق كلهم على شخص واحد منهم ثم أعطى الخلق كلهم مثل ذلك الجمال لكانت نسبته إلى جمال الرب سبحانه دون نسبة سراج ضعيف إلى ضوء الشمس.


ولو اجتمعت قوى الخلائق على شخص واحد منهم ثم أعطى كل منهم مثل تلك القوة لكانت نسبتها إلى قوته سبحانه دون نسبة قوة البعوضة إلى حملة العرش.

ولو كان جودهم على رجل واحد وكل الخلائق على ذلك الجود لكانت نسبته إلى جوده دون نسبة قطرة إلى البحر.

وكذلك علم الخلائق إذا نسبة إلى علمه كان كنقرة عصفور من البحر.

وكذلك سائر صفاته كحياته وسمعه وبصره وإرادته فلو فرض البحر المحيط بالأرض مداد تحيط به سبعة أبحر وجميع أشجار الأرض شيئا بعد شيء أقلام لفني ذلك المداد والأقلام ولا تفنى كلماته ولا تنفد.

فهو أكبر في علمه من كل عالم وفي قدرته من كل قادر، وفي جوده من كل جواد، وفي غناه من كل غني، وفي علوه من كل عالٍ، وفي رحمته من كل رحيم.

استوى على عرشه واستولى على خلقه، متفرد بتدبير مملكته فلا قبض ولا بسط ولا منع ولا ضلال ولا سعادة ولا شقاوة ولا موت ولا حياة ولا نفع ولا ضر إلا بيده، لا مالك غيره ولا مدبر سواه، لا يستقلأحد معه بملك مثقال ذرة في السماوات والأرض ولا له شركة في ملكها، ولا يحتاج إلى وزير ولا ظهير ولا معين، ولا يغيب فيخلفه غيره، ولا يعيَا فيعينه سواه، ولا يتقدم أحد بالشفاعة بين يديه إلا من بعد إذنه لمن شاء وفيمن شاء؛ فهو أول مشاهد المعرفة، ثم يترقى منه إلى مشهد فوقه لا يتم إلا به وهو مشهد الإلهية؛ فيشهده سبحانه متجلياً في كماله بأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وفضله في ثوابه فيشهد ربًّا قيومًا متكلمًا آمرًا ناهيًا، يحب ويبغض ويرضى ويغضب، قد أرسل رسله وأنزل كتبه وأقام على عباده الحجة البالغة، وأتم عليهم نعمته السابغة، يهدى من يشاء منه نعمة وفضلاً، ويضل من يشاء حكمة منه وعدلاً، يُنزل إليهم أوامره، وتعرض عليه أعمالهم، لم يخلقهم عبثاً، ولم يتركهم سدًى، بل أَمْره جارٍ عليهم في حركاتهم وسكناتهم وظواهرهم وبواطنهم؛ فلله عليهم حُكْمٌ وأمر في كل تحريكةٍ وتسكينةٍ ولحظةٍ ولفظةٍ.

وَينكشف له في هذا النور عدله وحكمته ورحمته ولطفه وإحسانه وبره في شرعه وأحكامه، وأنها أحكام رب رحيم محسن لطيف حكيم، قد بهرت حكمته العقول وأقرت بها الفِطَر، وشهدت لمنزلها بالوحدانية، ولمن جاء بها بالرسالة والنبوة، وينكشف له في ضوء ذلك النور إثبات صفات الكمال، وتنزيهه سبحانه عن النقص والمثال، وإن كل كمال في الوجود فمعطيه وخالقه أحق به وأولى، وكل نقص وعيب فهو سبحانه منزه متعالٍ عنه.

وينكشف له في ضوء هذا النور حقائق المعاد واليوم الآخر وما أخبر به الرسول عنه حتى كأنه يشاهده عيانًا، وكأنه يخبر عن الله وأسمائه وصفاته وأمره ونهيه ووعده ووعيده، إخبار من كأنه قد رأى وعاين وشاهد ما أخبر به؛ فمن أراد سبحانه هدايته شرح صدره لهذا فاتسع له وانفسح، ومن أراد ضلالته جعل صدره من ذلك في ضيق وحرج لا يجد فيه مسلكا ولا منفذًا، والله الموفق المعين.

وهذا الباب يكفي اللبيب في معرفة القدر والحكمة ويطلعه على العدل والتوحيد الذي تضمنهما قوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم * إن الدين عند الله الإسلام}).