الدروس
course cover
مدخل لقراءة كتاب "معاني القرآن وإعرابه"
23 Apr 2015
23 Apr 2015

8409

0

0

course cover
المدخل إلى معاني القرآن للزجاج

القسم الأول

مدخل لقراءة كتاب "معاني القرآن وإعرابه"
23 Apr 2015
23 Apr 2015

23 Apr 2015

8409

0

0


0

0

0

0

0

مدخل لقراءة كتاب "معاني القرآن وإعرابه"
لأبي إسحاق الزجاج | أبو مالك العوضي


للاستماع للمحاضرة أو تنزيلها


تفريغ المحاضرة:


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

معاني القرآن تعبير جميل كان العلماء رحمهم الله موفقين في اختياره ، معاني القرآن ، القرآن الذي هو محور حياة المسلمين عامّة والعلماء خاصّة ، والعمل بالقرآن هو المقصود الأعظم من إنزاله، وهذا العمل لا يمكن أن يحصل إلا بفهم معاني القرآن ، لذلك كان اهتمام العلماء بهذا الجانب واضحا ، ولذلك كثرت المؤلفات فيه ، والقرآن الكريم كتاب عربي وهذا المعنى مقرّر في القرآن نفسه في عدد كثير من الآيات ، حتى إن لبعض المعاصرين كتابا مفردا في حصر هذه الآيات والكلام عنها ، ولا خلاف بين العلماء في الجملة أن القرآن عربي ، وقد قرّر غير واحد من العلماء ذلك كالشاطبي في الموافقات ، وهذا يعني أن أول وسيلة من وسائل فهم الشريعة معرفة علوم العربية ، والناس في هذه المسألة طرفان ووسط ، فالطرف الغالي يرى أن فهم القرآن ممكن عن طريق اللغة العربية فقط ولا نحتاج معها إلى شيء آخر، والطرف الجافي يرى أننا لسنا في حاجة إلى علوم العربية في فهم القرآن ، ولذلك ترى أن بعض المعاصرين يقول أنا مفسّر متخصص في التفسير ليس لي في النحو ، أو أنا مفّسر لا علم لي بالبلاغة ، أو أنا متخصّص في التفسير لا أحتاج إلى علم الصرف وهكذا .

وأما الوسط فهو أن علوم العربية مهمّ جدا لفهم القرآن الكريم لكنها لا تكفي في ذلك بل لابد من الرجوع إلى السنة وإلى كلام السلف أيضا ، لأن علوم العربية قد تعطيك الاحتمالات الممكنة في فهم النصوص لكنها لا يلزم أن تعيّن احتمالا واحدا منها ، والسلف كانوا عربا ولم يفسروا القرآن بما يخالف العربية من كل الوجوه ، بل لابد أن يكون لكلامهم وجه في العربية يعرفه من يعرفه ويخفى على من يجهله .

فالمقصود أن علوم العربية من أهمّ العلوم التي ينبغي للمفسّر تحصيلها، وقديما كان بعض العلماء يفتي بمنع من يتكلم في القرآن وهو جاهل بالعربية ، ولكن هذه العلوم ليست في مرتبة واحدة من حيث الأهمية ، فأهمّ هذه العلوم العربية علم النحو وعلم البلاغة ، ثم يلي ذلك علم اللغة وعلم الاشتقاق ، ثم يلي ذلك علم الصرف ، وأخر ما يحتاج إليه المفسّر علم العَروض.

وجميع هذه العلوم تجدها مبثوثة في كتب معاني القرآن ، ولذلك لا يصحّ أن يُقال إن علماء اللغة عندما وضعوا هذه الكتب في معاني القرآن قد تكلموا فيما لا يحسنون ، نعم قد يقع الخطأ من بعضهم كما يقع من غيرهم ، لكن هذا قليل إذا قيس إلى ما أصابوا فيه.

وعندنا أساسان من جملة أسس انطلق منها العلماء رحمهم الله عندما تكلموا في معاني القرآن:

الأساس الأول : أن القرآن عربي وهذه قضية كلّية صحيحة لكنها تزداد جلاء وتقريرًا بالأدلّة التفصيليّة ، فنحن نعلم أن القرآن عربيّ علما إجماليا ، لكننا إذا سئلنا عن كل كلمة في القرآن هل تعرفها العرب؟ فربما لا نستطيع الجواب، ولهذا قد يشككّ السامع أو السائل في القاعدة الكلّية ، لذلك كان همّ العلماء أن يستدلّوا على كل ما في القرآن من كلام العرب .

الأساس الثاني : أن بعض الملاحدة طعن في عربية القرآن ، واستدلّ على ذلك بوجود ألفاظ أعجمية فيه ، أو وجود كلمات لا تعرفها العرب فيما يزعم ، فكان من همّ العلماء أن يجيبوا على هذه الطعون إجابات مفصّلة كما ترى ذلك واضحا في كتب ابن قتيبة وغيره .

والكتاب الذي معنا اليوم هو أحد أهمّ وأشهر الكتب في معاني القرآن ، كتاب الإمام الزجّاج رحمه الله ، معاني القرآن وإعرابه ، ويمكننا أن نقول إن هذا الكتاب يمثّل أول قمّة للنضج في هذا العلم ، ولذلك اعتنى به العلماء من بعده عناية فائقة .


والإمام الزجّاج كنيته أبو إسحاق ، واسمه إبراهيم بن السرّي، ولقبه الزجّاج لأنه كان يخلط الزجاج ، وقد حكى ذلك بنفسه عن نفسه قال : "كنت أخلط الزجاج فاشتهيت النحو فلزمت المبرّد لتعلّمه ، وكان لا يُعلِّم مجانا ، فقال لي : أي شيء صناعتك ، قلت : أخلط الزجاج وكسبي في كل يوم درهم ونصف ، وأريدك أن تبالغ في تعليمي وأنا أعطيك كل يوم درهما - يعني أنه يعطيه ثلثي دخله اليومي! - وأنا أعطيك كل يوم درهما وأشرط لك أني أعطيك إيّاه أبدا إلى أن يفرق الموت بيننا استغنيت عن التعليم أو احتجت إليه - يعني لا يقتصر ذلك على مدة التعليم وإنما يمتد إلى حياة الزجاج إلى وفاته .

قال فلزمته وكنت أخدمه في أموره مع ذلك وأعطيه الدرهم فينصحني في العلم حتى استقليت" ، ثم ذكر الزجاج بعد ذلك أن بعض الناس طلب من المبرّد معلما لأولادهم ، فذكره المبرّد لهم يعنى ذكر الزجّاج لهؤلاء فكان هذا سببا في تحسّن أحوال الزجّاج المالية ، ثم بعد ذلك طلب الوزير عبيد الله بن سليمان وهو وزير المعتضد طلب من المبرّد معلما لولده القاسم ، فذكر المبرّد الزجّاج له أيضا فكان هذا سبب غنى الزجّاج .

هذه نبذة سريعة عن نشأة الإمام الزجاج رحمه الله .

وأما شيوخه فقد كان وافر الحظ من الشيوخ مع أنه يبدو أنه لم يخرج من بغداد ، فمن شيوخه إمام الكوفيين أبو العباس ثعلب ، وكان الزجاج في أول حياته يأخذ عنه وتعلم منه كثيرا ، ومن شيوخ الزجاج أيضا الإمام إسماعيل بن إسحاق المالكي القاضي صاحب كتاب أحكام القرآن ، وقد كان مع سعة علمه بالفقه واسع العلم باللغة والأدب أيضا .

ومن شيوخ الزجاج أيضا الإمام المبرد محمد بن يزيد أبو العباس وهو الذي كان صاحب الأثر الأكبر على الزجاج علميا وماليا أيضا كما سبقت الإشارة .

وأما تلاميذ الزجاج :

فمنهم ابن درستويه صاحب كتاب "تصحيح الفصيح" ، ومنهم أبو جعفر النحّاس صاحب كتاب "معاني القرآن" أيضا ، وهو ينقل عن الزجّاج كثيرا في كتابه ، ومنهم أبو القاسم الزجّاجي النحويّ المشهور صاحب كتاب "الجمل" وسُمي الزجّاجي نسبة إلى شيخه الزجّاج ، ومن تلاميذ الزجّاج أيضا الإمام أبو علي الفارسيّ النحويّ المشهور الذي وضع كتابا مفردا في نقد معاني القرآن للزجاج وسمّى كتابه "الإغفال" ، ومن تلاميذ الزجاج أيضا الإمام أبو منصور الأزهري صاحب كتاب "تهذيب اللغة" .

وأما حياة الإمام الزجاج :

فقد قيل أنه ولد سنة إحدى وأربعين ومائتين وهي السنة التي تُوفي فيها الإمام أحمد ، لكن يبدو أن هذا فيه نظر لأنهم ذكروا في ترجمته أنه عاش فوق الثمانين وأما وفاته فالمشهور أنه توفي سنة إحدى عشر وثلاثمائة ، وقيل ستة عشر وثلاثمائة ، ومن المشهور في ترجمة الزجّاج أنه كان يدعو الله في آخر حياته أن يحشره على مذهب الإمام أحمد، لكني لم أقف على أي كتاب ذكره في تراجم الحنابلة أو طبقاتهم .

وهذا ظاهر من كتابه "معاني القرآن" ، فقد تجد فيه أحيانا ذكر مذهب الإمام أبي حنيفة أو مذهب الشافعي أو مذهب الإمام مالك ، لكنه لم يذكر مذهب الإمام أحمد فيما وقفت عليه .

والمقصود أن مجرّد انتساب الزجّاج للإمام أحمد لا يجعله حنبليا ، ولا يجعل كلامه موافقا لمذهب أحمد دائما .
وأما نشأة الزجاج :

فقد نشأ نشأة كوفيّه دارسا على شيخه ثعلب كما ذكرنا ، ثم انتقل إلى المدرسة البصريّة دارسا على شيخه المبرّد ، وكلاهما -المبرد وثعلب- كانا في بغداد ، وقد درج كثير من المعاصرين على تسمية المدرسة الناشئة من اختلاط المدرستين بالمدرسة البغدادية التي لا هي كوفيّه خالصة ، ولا بصريّة خالصة ، وينسبون الزجّاج وغيره إلى هذه المدرسة ، وهذا الإطلاق فيه نظر ، لأن وجود العلماء معا في بلد واحد لا يستلزم ذهاب المدرستين ولا يستلزم نشأة مدرسة جديدة تُعد خليطا من المدرستين ، والصواب أن الزجّاج وغيره ينتمون للمدرسة البصرية لكنهم كغيرهم من العلماء قد يكون لهم اجتهادات في مسائل تخالف البصريين ولا يخفى أن العالم الذي له اجتهادات قليلة تخالف المذهب ، فإن هذا لا يخرجه عن المذهب المعروف لا سيما إذا كان ينتسب هو نفسه إليه ، ومثال ذلك الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة ، لا يختلف اثنان أنه بصري المذهب ومع ذلك فله مسائل كثيرة وافق فيها الكوفيين ، ومثال ذلك أيضا الإمام الفرّاء إمام الكوفيين لا يختلف اثنان في أنه كوفي ومع ذلك فله مسائل كثيرة وافق فيها البصريين .


وللزجّاج مؤلفات كثيرة ولكن أشهرها هو هذا الكتاب "معاني القرآن" ، وله كتاب بعنوان "فعلتُ وأفعلت" والمقصود بهذا العنوان الأفعال التي وردت عن العرب ثلاثية ورباعية سواء أكان ذلك باتّفاق المعنى أم لم يكن ، وله كتاب في العَروض وكتاب في تفسير أسماء الله وغير ذلك من الكتب وكثير منها لم يصلنا ، أقصد الكتب غير هذه المذكورة الكتب التى ذكرت كلها وصلت إلينا.


وأما ثقافة الزجاج فالذي يظهر من كتابه معاني القرآن أنه كان متنوّع المعارف واسع الاطّلاع.
وأما علمه بالنحو والصرف فأوضح من أن يُستدل عليه ، وقد وصفه ابن جنّي بشدة الفحص والاستنباط.

وأما علمه باللغة فكذلك واضح في أثناء كتابه ولذلك اعتنى الإمام الأزهري بنقل كلامه في تهذيب اللغة ، ولا يبعد أن يُقال إن الزجّاج هو أكثر النحويين ذكرا في كتب اللغة .

وأما ما جاء في ترجمته في بعض المواضع من أنه كان ضعيف العلم باللغة فالمقصود أنه لم يكن متوسعا في معرفة الغريب وهذا لا يضرّه كما لا يخفى .

وأما علمه بالبلاغة فهو واضح أيضًا في أثناء تفسيره ، ولبعض المعاصرين رسالة علمية في جهوده البلاغية.

وأما علم الزجاج بالقراءات فهو واضح أيضًا في كتابه معاني القرآن لأنه كثيرا ما يحكي القراءات ويتكلم عن صحيحها ومقبولها ومنكرها ، وقد كرر مرات كثيرة قوله بلزوم اتّباع رسم المصحف ، وعدم مخالفته ، وكرر أيضا أن القراءة المجمع عليها أولى بالاتّباع ، وبعض المعاصرين أنكر عليه ما حكاه من بعض القراءات ، ثم علّل ذلك بأنه لم يكن عالما بالقراءات ، وهذا بعيد ، ولا يصحّ أن يُجهّل العالم من أجل أخطاء يسيرة لا يخلو منها أحد ، وقد ذكر الزجّاج أنه استمد أكثر ما ذكره من القراءات من كتاب أبي عبيد في القراءات ، وكتاب أبي عبيد مفقود لذلك لا نستطيع أن نجزم بأن الخطأ من الزجّاج إن ثبت أنه خطأ .

وأما علم الزجّاج بالتفسير فقد ذكر بعض المعاصرين أنه لم يكن له عناية بالتفسير المأثور وأنه كان يفسّر القرآن بمحض اللغة، وهذا الكلام قد ينطبق على بعض العلماء الذين صنّفوا في معاني القرآن ولكنه لا ينطبق على الزجّاج، ولا تلازم بين كونه يفسّر القرآن باللغة وبين كونه كان جاهلًا بالتفسير المأثور، فقد يكون عالما به لكنه يراه مرجوحا وهذا واضح في كتابه لأنه أحيانا ينقل القول المأثور ثم يرجّح خلافه، وقد جاء كثيرًا في كتابه قوله: "وجاء في التفسير"، "وأوّل في التفسير" ونحو ذلك، والمقصود بهذه العبارة: جاء في التفاسير المأثورة عن السلف أو جاء عن المفسّرين السابقين أو نحو ذلك، ولذلك تجده أحيانا يردّ على بعض العلماء في كلامهم بقوله: "هذا كلام من لم يعرف الرواية"، فهو يردّ على من يفسّر القرآن بمحض اللغة فكيف يُقال أنه هو نفسه يفسّر القرآن بمحض اللغة؟!!

وأما علمه بالفقه فلا يظهر كثيرًا في كتابه مع أن له في معاني القرآن اشارات جيدة إلى بعض المسائل منها :
- قوله عن صلاة الخوف: "وقد اختلف الناس في صلاة الخوف زعم مالك بن أنس أنه حسب ما روي فيها إليه كذا وكذا" ثم تكلم عن تفاصيل صلاة الخوف .

- وفي مسألة أخرى قال : "ونحن نبيّن في هذه الآية ما قاله جمهور الفقهاء وما توجبه اللغة إن شاء الله"، ولذلك فهو أحيانا يتوسّع في الكلام عن بعض الآيات المتعلّقة بالأحكام الفقهية ككلامه عن قوله تعالى: { واعلموا أنما غنمتم }، وكلامه عن آية الجزية، وكلامه عن قوله تعالى: { فطلقوهن لعدتهن }.

وأما علم الزجاج بالعقيدة فأكثر ما يظهر في الكتاب في جوابه عن الاعتراضات الواردة عن الآيات وحلّه للإشكالات فيها بالجمع بين ما يظهر من التعارض الظاهري بين آيتين، وقد أنكر عليه بعض العلماء كلامه عن العقيدة في بعض الآيات كقوله في قوله تعالى: { ولو شاء لهداكم أجمعين } أي لو شاء لأنزل آية تضطر الخلق إلى الإيمان به ولكنه عز وجل يهدي من يشاء ويدعو إلى صراط مستقيم .

فقد تعقّبه ابن عطية فقال : "هذا قول سوء لأهل البدع الذين يرون أن الله لا يخلق أفعال العباد لم يحصّله الزجّاج ووقع فيه رحمه الله عن غير قصد" .
وقال أبو حيّان تعقيبًا على كلام ابن عطية : "لم يعرف ابن عطية أن الزجاج معتزليّ ولذلك تأوّل أنه لم يحصّله وأنه وقع فيه من غير قصد" .

ولا يظهر أن الزجّاج معتزليّ كما قال أبو حيّان ، وللزجّاج نصوص كثيرة تدلّ على قوله بخلق أفعال العباد، وحتى لو افترضنا أن الزجّاج قد وافق المعتزلة في بعض المسائل فإنه قد خالفهم في كثير من المسائل، وكثيرًا ما يقول وهذا قول أهل السنة ويرجّحه .

وحتى في هذه الآية لا يظهر أن فهم ابن عطية لقوله: "تضطر" صحيح، وإنما جرى الزجّاج في هذه الكلمة على المعنى اللغوي كما جاء عن بعض السلف في هذه الآية : "لو شاء الله لأراهم أمرًا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده بمعصية".

وأما علم الزجاج بالحديث فلا يظهر واضحاً في كتابه أيضًا لكن فيه نصوص قليلة تدلّ على عنايته به كقوله : "هذا هو الذي ضبطه أصحاب الحديث".
وعندما تكلم عن انشقاق القمر قال : "فقد روينا فيه أحاديث" ثم ذكر عدة أحاديث بسنده.

وأما مقدار عقل الزجاج وفهمه فيظهر واضحًا من خلال ردوده على العلماء السابقين، ويظهر أيضًا من خلال عرضه للاحتمالات الممكنة في تفسير الآية وتقديم بعضها على بعض وتلمّسه الأوجه لما لم يرجّحه من الأقوال ، فهو مثلًا يقول : "هذا القول هو الصواب أو الراجح لكن القول الآخر لا ينكر أو له وجه من الصحة".


وقد كان لكثير من اللغويين من قبل الزجّاج وبعده عناية بالقرآن الكريم ومعانيه بل لا نبعد إن قلنا إن أكثر من اشتهر من علماء اللغة إنما اشتهر بسبب كلامه عن معاني القرآن فمن هذه الكتب :

- كتاب "مجاز القرآن" لأبي عبيدة مَعمر بن مثنى .

- وكتاب "معاني القرآن" للأخفش الأوسط سعيد بن مسعده .
- وكتاب "معاني القرآن" للفرّاء يحيى بن زياد .

فهذه الكتب وغيرها استفاد الزجّاج منها في كتابه هذا وأخذ زبدتها وأضاف إليه من استنباطاته الكثير، وردّ علي ما رآه خطأ منها، وأحيانا ينصّ على الشخص المردود عليه وأحيانا لا ينصّ .


وقد صنّف الزجاج هذا الكتاب "معاني القرآن" وذكر أنه أراد منه أن يبين معانيه وإعرابه بالقصد الأول ومعرفة تفسيره بالقصد الثاني، لذلك تجد أكثر ما في الكتاب يتعلّق بالنحو واللغة والصرف مع الاستفادة مما ورد عن السلف في التفسير في ترجيح هذا القول أو ذاك .


وأما طبعة الكتاب فطبعته المشهورة هي طبعة عالم الكتب، وهي طبعة سيئة مع الأسف ومليئة بالأخطاء، وسوف أضرب مثالًا أو أكثر على ما فيه من أخطاء حتى يُنتبه لها ويقاس عليها غيرها:

من ذلك قول الزجاج في المجلد الأول صفحة أربعين :

"والأصل فيه -أى الاسم- كلمة "اسم": سَمَوٌ على وزن جَمَل ( هذا الذي مكتوب في الكتاب ) وجمعه "أسماء" مثل قِنوٍ وأقناء، وحَنوٍ وأحناء"، هكذا جاء في الكتاب مضبوطًا.

والصواب والأصل فيه: سِمْوٌ على وزن حِمل، مثل قِنوٍ وأقناء وحِنوٍ وأحناء .


ومثال ذلك من الأخطاء أيضًا أن الزجّاج في المجلد الأول صفحة ثلاث وسبعين ومائتين أورد هذا الشاهد:
تنوَّرتها من أذرعات وأهلها ... بيثربَ أدنى دارها نظرٌ عالي
قال الزجّاج: "وهذا أكثر الرواية وقد أُنشد بالكسر بغير تنوين وأما الفتح فخطأ لأن نصب الجمع وفتحه كسر".
فالمحقق ضبطها بالفتح، مع أن الزجّاج نصّ على أن الفتح خطأ وقال إن الصواب إما الكسر بالتنوين وإما بالكسر بغير تنوين.

ولبعض الأخوة الباحثين في ملتقى أهل الحديث موضوع بعنوان: " صحح نسختك من معاني القرآن للزجاج " ، لكنه اكتفى بمواضع قليلة، والكتاب الأخطاء فيه لا نُبعد إن قلنا بالألوف، فكثيرا ما تكون العبارة في الكتاب محرّفة أو مصحّفة وغير واضحة المعنى، فإذا أشكل عليك شىء من ذلك ولم يمكنك حلّه فيمكنك أن ترجع إلى " تهذيب اللغة" للأزهري، فلعلك تجد العبارة فيه على الصواب لأن الأزهري صحّح كثيرًا فيه من إشكالاته وكذلك يمكنك الرجوع إلى كتاب " الإغفال" لأبي علي الفارسي .

وأريد هنا أن أنبه على مسألة أراها مهمّة لطالب العلم وهي أهمية العناية بالطبعات السيئة لأن كثيرًا من الكتب المهمّة التى يحتاجها إليها طالب العلم ليس لها طبعة جيدة فلو انتظرنا حتى تخرج الطبعة الجيدة فسوف يفوتنا الكثير وحتى لو طبع الكتاب طبعة جيدة فهذا لا يعنى أنها معصومة من الخطأ لأن المقصود بقولنا طبعة جيدة أنها جيدة في الجملة .


وأما الطبعات السيئة فإن تعامل طالب العلم معها يدرّبه على الحسّ النقدي وينمّي عنده المهارة التحقيقية لأنه سيكون مضطرًا إلى تحقيق اللفظ والمعنى والسياق في كل ما يقرأ ، ولذلك أنصح طالب العلم الذي يريد أن يقرأ هذا الكتاب -معاني القرآن- أن يطبّق هذه الطريقة عليه لأنه ملىء بالأخطاء والتصحيفات، وليجعل من قراءته تدريبا له على المهارات التحقيقية وليدرّب نفسه على تصحيح السياق واستخراج الأخطاء ولو صفحة واحدة يوميه، ويسعدني التواصل مع من أراد ذلك عبر البريد أو عبر التويتر إن أراد المناقشة والمباحثة في ذلك .


ومن مزايا كتاب معاني القرآن للزجاج :

-حسن بيانه الذي يشبه طريقة الإمام الطبري ويشبه طريقة المبرّد، ويبدو أنه قد أخذ حسن البيان من شيخه المبرّد، ولذلك تجده يشرح المسائل العلمية شرحًا يثلج الصدور ويقرّب البعيد .

- ومن مزاياه أيضًا أنه مجتهد في التعبير عن الألفاظ اللغوية بطريقة حسنة السمت ولا يعتمد في ذلك فقط على المنقول المروي، وقد ساعده على ذلك مذهبه في علم الاشتقاق وتوسّعه في هذا العلم لأنه يرى أن تصاريف المادة كلها لا بد أن ترجع إلى معنى واحد مشترك يجمع بين هذه التصاريف .


وأما ردوده على العلماء السابقين فهو يردّ على أبي عبيدة صاحب "مجاز القرآن" كثيرًا لأن أبا عبيدة كثيرًا ما كان يعتمد على محض اللغة في التفسير.

ويردّ الزجاج أيضًا أحيانًا على الفرّاء ، ولبعض المعاصرين رسالة علمية في ردود الزجّاج على الفراء ولكنه كثيرًا ما يرد عليه من غير ذكر اسمه فيقول : "قال بعض النحويين".

ويرد أيضًا الزجاج على المازني من النحويين وغيره ولا سيما في الأقوال التى يتفردون بها عن غيرهم .


وأما مصادر الزجاج في هذا الكتاب فمنها كتب معاني القرآن السابقة ومنها ما أخذه عن شيوخه كما ذكرنا وهو أحيانا ينقل عن كتاب " العين " ويقول : "وفي كتاب الخليل كذا وكذا" ، ويروى عن الخليل بسند ومن غير سند.

واستفاد أيضًا من كتاب قطرب في التفسير وهو مفقود ، ومن كتاب أبي عبيدة في القراءات وغير ذلك .


وأما نقد العلماء للزجّاج :
فلا شك أنه كثير مشهور لأن كتاب الزجّاج كان مشهورًا واعتمد عليه كثير من العلماء ومثل هذا النوع من الكتب التى تشتهر لا يمكن أن يخلو من نقد .

لكن ممن كان له عناية بنقده الإمام أبو علي الفارسي في كتابه " الإغفال " فقد جمع فيه أكثر من مائة مسألة انتقدها على الزجّاج، لكننا نلاحظ أن كثيرًا من هذه المسائل المنقودة هي مسائل خلافية وليست محض خطأ من الزجّاج .

وممن نقده أيضًا ابن جنّي في "الخصائص" وغيره من كتبه .


وممن استفاد من الزجاج : أبو جعفر النحاس، وهو تلميذ الزجّاج وله كتاب أيضًا في معاني القرآن واستفاد من شيخه فيه كثيرًا .
وممن أكثر من الاستفادة من الزجّاج الإمام أبو منصور الأزهري في كتابه " تهذيب اللغة " .

قال الأزهري : "وما وقع في كتابي له من تفسير القرآن فهو من كتابه - أي كتاب الزجّاج- ولم أتفرّغ ببغداد لسماعه منه ( يعنى عندما قرأ هذا الكتاب على الزجّاج لم يتفرغ الأزهري لسماع هذا الكتاب من الزجاج ) ووجدت النسخ التى حملت إلى خراسان غير صحيحة" ( يعنى أن بعض نسخ الكتاب حملت إلى خراسان والأزهري كان فيها ولكنه وجد نسخًا فيها تحريف فيها تصريف) فيقول: "فجمعت منها عدة نسخ مختلفة المخارج وصرفت عنايتي إلى معارضة بعضها ببعض حتى حصلت منها نسخة جيدة"، وهذا يعنى أن الأزهري سلك في كتاب الزجّاج طريقة التحقيق على منهج النصّ المختار أو النصّ الملفق ، وهي طريقة جيدة ومشهورة عند المحققين المعاصرين .

ولذلك تجد العبارة التى ينقلها الأزهري في "التهذيب" عن الزجّاج أفضل من النصّ الموجود في المطبوع، ولعل المحقّق اعتمد على بعض هذه النسخ التى وصفها الأزهري بأنها غير صحيحة .

وممن استفاد من الزجاج أيضًا الثعلبي في تفسيره ، والواحدي في تفسيره البسيط وغيره ، والبغوي في تفسيره ، وكذلك الزمخشري في الكشّاف استفاد منه كثيرًا وأحيانا يستفيد منه من غير عزو وهذا لا يلزم أن يسمى سرقه لأن كتاب الزجاج كان مشهورًا والعلماء لهم عناية به فالأخذ منه بغير عزو يشبه الأخذ بعزو.


والآن نأتي إلى الجزء المهم وهو كيف تقرأ هذا الكتاب وما أشبهه ؟

فأقول: كثيرٌ من عبارات هذا الكتاب واضحة لا لبس فيها، ويستطيع أن يفهمها الطالب المبتدئ والطالب المتوسط، لكن هناك أيضًا عبارات كثيرة في الكتاب غير واضحة، أو لا يفهمها إلا الطالب المتقدّم؛ والإشكال في هذه العبارات يأتي من جهتين:

الجهة الأولى: صعوبة المادة العلمية، لأن الزجّاج كثيرًا ما يتعرض لمسائلَ دقيقةِِ في النحو والصرف والعلل النحوية والقياس، وهذه المسائل لا يفقهها إلا من توسّع في دراسة النحو .

والسبب الثاني في صعوبة فهم هذا الكتاب: تقدّم عصر المؤلِف، واختلاف اصطلاحاته أحيانا عن المعهود عند المتأخرين.

لذلك ؛ ينبغي أن يُقرأ هذا الكتاب وأمثاله بطريقةِِ مختلفة، لأنه من الكتب الأصول التي اعتمد عليها جميع العلماء تقريبََا بعد الزجّاج، فينبغي أن يُعتنى بقراءته قراءة تدّبر وتفهّم وتأمّل للسياق.

وإذا وجد القارئ فيه إشكالًا فلا يكتفي بالنظرة السريعة وبادي الرأي، لأن بيننا وبين الزجّاج مسافة طويلة أكثر من ألف سنة ، فلا ينبغي أن نسارع إلى أول فهم يرد إلى الخاطر ،لأنه قد يكون بسبب ثقافتنا المعاصرة التي تختلف اختلافا كبيرا عن ثقافة المتقدّمين .


وإذا كان بعض العلماء الكبار يُخطِئ أحيانا في فهم مقصود الزجّاج؛ فنحن أولى بالوقوع في هذا الخطأ، لأن العلماء كثيرََا ما يختصرون العبارة اعتمادًا على فهم السامع، واعتمادًا على أنّ المعلومة معروفة، فيتكلّمون على مقدار علمهم، ويُشيرون إشارة مختصرة، ولا يُكثرون من ذكر الأمور الدالّة على المقصود، فيحتاج القارئ إلى إتقان المسألة أو الباب ومعرفته من الكتب الأخرى قبل أن يُحدّد المراد من كلامهم.


والآن نأتي إلى ذكر بعض النماذج من الكتاب للقراءة والمناقشة .
أم تريدون الأسئلة قبل ذلك ؟ إن كان هناك أسئلة .
من كان لديه سؤال فيما سبق فليتفضل..

طيب؛ سنأتي الآن إلى ذكر بعض النماذج من كتاب الزجّاج ، ونعلّق عليها تعليقا مختصرََا ،يُوضّح الإشكال إن وُجد، ومن كان لديه إشكال في العبارة المقروءة؛ فليكتبه مباشرة في أثناء القراءة.


يقول الزجّاج في المجلد الأول صفحة خمسة وثمانين بعد المائة :" وإنما نذكر مع الإعراب المعنى والتفسير، لأن كتاب الله ينبغي أن يُتبيّن، ألا ترى أن الله يقول: {أفلا يتدبرون القرآن}، فحُضِضنا على التدّبر والنّظر ،ولكن لا ينبغي لأحد أن يتكلم إلا على مذهب اللغة أو ما يوافق نقلة أهل العلم".

هذا النصّ نقله كثير من المعاصرين عن الزّجّاج، لأنه يُبيّن منهجه في هذا الكتاب،- صفحة خمسة وثمانين ومئة من المجلد الأول -.


وفي صفحة ثمانية وتسعين ومائة؛ عبارة للزّجّاج تدل على تحرّيه وهي قوله : "وإنما حكينا في هذا ما قال الناس، وليس عندنا قطع في هذا، والله عز وجل أعلم بحقيقته".

وفي صفحة إحدى ومائتين يقول :"ويُروى عن عاصم في كل مافي القرآن من (رضوان) الوجهان جميعا - يعني الضم والكسر- ، فأما ما يرويه عنه أبو عمرو، (فرضوان) بالكسر ، وأما ما يرويه أبو بكر بن عياش (فرُضوان) بالضّم ".

والسؤال الآن من المقصود بقوله: أبو عمرو؟

من يعرف فليتفضل بالجواب..
يقول الأخ ابن طاهر: أبو عمرو بن العلاء.

وهذا هو الصحيح، المقصود أبو عمرو بن العلاء مع أنه من القرّاء السبعة إلا أنه أيضا كان راوية لعاصم، ونلاحظ أن رواية حفص لم تكن معروفة عند الزجّاج، وكذلك لم تكن معروفة عند الإمام الطبري ، وإنما يذكر عن عاصم في جميع كتابه روايتين فقط : رواية أبي بكر بن عياش، ورواية أبي عمرو وهو ابن العلاء .


وفي الصفحة التي تليها؛ صفحة اثنتين ومائتين يقول الزجاج: " ومعنى (ملتهم) في اللغة: سنتهم، ومن هذا "الملَّه" أي الموضع الذي يُختبز فيه، لأنها تُؤثر في مكانها،كما يُؤثر في الطريق، وكلام العرب إذا اتفق لفظه فأكثره مشتق بعضه من بعض، وآخذ بعضه برقاب بعض".

وهذه قاعدة وفائدة نفيسة جدا من كلام الزجّاج نقلها العلماء عنه فيما بعد، وهي تلخص لنا مذهبه في هذا العلم، فهو سابق على ابن فارس وغيره في الكلام عن علم الاشتقاق، مع أن ابن فارس لا يبدو أنه قد أخذ شيئا عن الزجّاج في كتابه "مقاييس اللغة" إلا أن مذهبه متوافق تمام التوافق مع مذهب الزجّاج.

وفي الصفحة الخامسة بعد المائتين، يقول الزجاج: " وتلك القراءة جيدة إلا أني لا أقرأ بها ولا ينبغي أن يُقرأ بها؛ لأنها خلاف المصحف".

ماذا يقصد الزّجّاج بقوله : "جيدةٌ".. تلك القراءة جيدة؟
تقول إحدى الأخوات: من ناحية اللغة.

وهذا هو الصحيح، يقصد أن هذه القراءة جيدة من جهة اللغة ، يعني يجوز أن تتكلم بها خارج القرآن، وهذا ينبهنا على أصل مهمّ في التعامل مع كلام العلماء؛ وهو أننا ينبغي أن لا نضرب كلام بعضهم ببعض، وإنما نحمل كلامهم في مواضع على كلامهم الذي ذكروه في مواضع أخرى، فالزجّاج في كثير من المواضع في هذا الكتاب ينبّه على أهمية اتّباع القراءة الواردة، وأن القراءة سنة، وأنها لا يُؤخذ فيها بمجرد اللغة، وأنه لا يُخرج عن المصحف.


فإذا فرضنا أننا وجدنا له موضعا يُخالف هذا، فإننا نفسّره بما يدل على كلامه الواضح، ولا نتهمه بمجرد الاحتمال، وهذه منهجيّة ينبغي اتّباعها مع كلام العلماء جميعا، وليس الزجّاج فقط.

وفي صفحة ستة عشرة ومائتين من هذا المجلد أيضا؛ يقول الزّجّاج: "ورأيت مذهب المازنيّ وغيره ردّ هذه القراءة، وكذلك ردّ {فبم تبشرون}، قال الزّجّاج: "والإقدام على رد هذه القراءة غلط، لأن نافعا رحمه الله قرأ بها، وأخبرني اسماعيل بن إسحاق أنّ نافعا رحمه الله - اقلب الصفحة - لم يقرأ بحرف إلا وأقل ما قرأ به اثنان من قرّاء المدينة ، وله وجه في العربية فلا ينبغي أن يُرد".


هذا النص يبين لنا منهجية الزجّاج في التعامل مع القراءات، وأنه لم يكن يردّ القراءات بمجرد اللغة كما يزعم كثير من المعاصرين، فهو هنا يردّ على المازنيّ ردّه لهذه القراءة، واستدل على المازنيّ بأن نافعا قد قرأ بها، يعني أن هذه القراءة ثابتة .


فأما ما ردّه وما أنكره الزجّاج من القراءات الصحيحة، فهو مبني على أنه لم يعلم أنها ثابتة، فبهذا نجمع بين الموضعين؛ وإلا كان كلام الزجّاج متناقضا، والأصل في التعامل مع كلام العلماء أن لا يُحمل على التناقض، لأن الكلام حاضر وقريب وليس بعيدا حتى يُقال أنه قد نسيه.


معذرة، نسيت أن أقول: الشيخ ابن طاهر يقول عن قوله: "كلمة جيدة" بمعنى فصيحة، وهذا صحيح.. فصيحة .


في الصفحة التاسعة والعشرين بعد المائتين يقول الزجّاج : "وأجاز المازنيّ -في أول الصفحة- أن تكون صفة أي نصبا فأجاز : "يا أيها الرجلَ أقبل" وهذه الإجازة غير معروفة في كلام العرب ولم يُجز أحد من النحويين هذا المذهب قبله ولا تابعه عليه أحد بعده ، فهذا مطروح لمخالفته كلام العرب والقرآن وسائر الأخبار" .

وهذا الكلام يبين لنا منهجية الزجاج ومنهجية كثير من العلماء في أنهم لا يعتمدون فقط على مجرّد القياس في إثبات اللغة ولذلك أنكر على المازنيّ هذا الذي أجازه بناء على محض القياس من غير سماع ولا دلالة عليه من النصوص والأخبار ونحو ذلك .

وبهذا يعلم خطأ كثير من المعاصرين الذين ينسبون للنحويين الكلام لمجرد القياس العقلي فقط دون الاعتماد على كلام العرب .

هل لنكتفي بهذا القدر أو نذكر أمثلة أخرى؟
بعض الإخوة يطلب إعادة الكلام السابق لأنه الصوت كان فيه مشكلة ولعل الأخ الكريم يرجع إلى الدرس المسجل إن كان مسجل اللقاء
واحدى الأخوات تسأل فيما يخص القراءات الشاذة لم يتضح لي المقصود بالسؤال فيرجى توضيحه .

في صفحة اثنتين وستين بعد المائتين يقول الزجاج : "وجمع هلال أهلة لأدنى العدد وأكثره ، لأن "فعالا" يُجمع في أقل العدد على "أفعلة"، مثل مثال وأمثلة، وحمار وأحمِرة ، وإذا جاوز "أفعلة" جُمع على "فُعل" مثل حُمر ومُثل فكرهوا في التضعيف فُعل نحو هُلل وخُلل فقالوا: أهله وأخله فاقتصروا على جمع أدنى العدد كما اقتصروا في ذوات الواو والياء على ذلك نحو كِساء وأكسية ورِداء وأردية .

والسؤال الآن : ماذا يقصد الزجاج بقوله أدنى العدد؟

يقول الشيخ عبدالعزيز الداخل : المقصود جمع القلّة، وهذا صحيح ، ونستفيد من هذا مسألة في غاية الأهمية وهي كيفية التعامل مع كتب المتقدمين ، يعنى أحيانا يريد بعض الباحثين أن يبحث عن مسألة من المسائل في كتاب سيبويه أو في المقتضب للمبرّد أو نحو ذلك ولا يستطيع الوصول للمسألة التي يريد لأن المصطلح الذي يستعمله المتقدّم مختلف ، فإذا أردت أن تبحث عن مسألة جمع القلّة وبحثت بهذه الكلمة فلن تجد نتيجة لبحثك لأنهم لا يستعملون هذا المصطلح ، وإنما يستعملون مصطلحات أخرى كقولهم أدنى العدد أو أقل العدد .

فالمقصود أن دراسة كتب المتأخرين وإن كانت جيدة إلا إنها لا تكفي في معرفة مصطلحات المتقدمين .

يقول الزجّاج هنا : "وجمع "هلال" أهلّة، لأدنى العدد وأكثره" .
طيب "أهلّة" على وزن أفعلة، أفعلة هذا من أوزان جمع القلّة فكيف قال الزجّاج أنه لأدنى العدد وأكثره -يعني القلّة والكثرة- كيف ؟

احدى الأخوات تقول، تطلب ذكر رقم الآية لأنه يبدو أن الطبعة التى عندها تختلف وأنا مع الأسف لم أكتب رقم الآية يعنى يمكنكم الرجوع إليها فيما بعد وإن كان هناك إشكال في المعنى حتى من غير أن ترجعوا إلى الطبعة التى لديكم يمكنكم السؤال.

نرجع إلى كلام الزجّاج، يقول: "جمع "هلال" أهلة لأدنى العدد وأكثره" ، كيف يكون هذا لأدني العدد وأكثره يعنى الجمع القلة والكثرة مع أن "أفعلة" من أوزان جمع القلّة فقط ؟

من يعرف الجواب فليتفضل مشكورًا ..

يقول الأخ أو الشيخ يوسف الحسّاني: المقصود أنه اُستغني به عن جمع الكثرة ، وهذا صحيح ، ولكن ما السبب في هذا الاستغناء؟ لماذا استغني به عن جمع الكثرة ؟

إحدى الأخوات تقول : أريد أمثلة لاعتراضات الزجّاج في الشواذّ [أي القراءات الشواذّ]، وقد ذكرنا مثالا الآن وجميع المواضع التى قال فيها الزجّاج: "هذا جيد في اللغة إلا أني لا أقرأ به" ، فغالبًا يدخل في الشواذ .

يمكنكم أن تبحثوا بهذا اللفظ أو ما أشبهه .


يقول الشيخ يوسف الحساني : "لثقل جمع الكثرة في التضعيف"، وهذا صحيح .

يقول الزجّاج : "فكرهوا في التضعيف فُعُل لأنه إذا أردت أن تجمع "هلال" على وزن فُعُل يكون هُلُل، وهذا فيه ثقل لتوالي اللامين ، لذلك اقتصروا على وزن أفعلة فقط ".

طيب يقول الزجاج في الصفحة الرابعة والسبعين بعد المائتين يقول : "آتنا وقف لأنه دعاء " من يفسّر هذه العبارة ؟

يقول الزجاج :
"آتنا وقف لأنه دعاء " ما المعنى المقصود للزجاج بهذا الكلام ؟

يقول أحد الأخوة معناه أنه مبني على السكون لأنه فعل أمر والإجابة تقريبًا صحيحة لأن " آتنا " ليس مبنيا على السكون ولكنها مبنية على حذف حرف العلّة فقوله: "وقف" معناه مبني على الحذف يعنى حذف الياء لأن أصلها " آتينا " .


يقول الزجّاج في الصفحة التي تليها : ""معدودات" يستعمل كثيرًا في اللغة للشيء القليل وكل عدد قلّ أو كثر فهو معدود ولكن "معدودات" أدلّ على القلّة لأن كل قليل يجمع بالألف والتاء نحو دريهمات وجماعات وقد يجوز -وهو حسن كثير- أن تقع الألف والتاء للكثير ، وقد ذُكر أنه عِيب على القائل :

لنا الجَفناتُ الغُرُّ يلمعنَ بالضُّحَى ... وأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِن نَجْدَةٍ دَمَا
فقيل له: "لما قللت الجفنات ولم تقل الجفان؟"
وهذا الخبر عندي مصنوع لأن الألف والتاء قد تأتي للكثرة "
في هذا النص النفيس نلاحظ المنهج النقديّ للإمام الزجّاج في التعامل مع المسائل العلمية والأدلّة التي يوردها المختلفون فيها وكيفية الردّ والقبول لهذه الأدلّة .

فهو يقول أن الجمع السابق بالألف والتاء هو في الأصل يدلّ على القلّة ولكنه قد يستعمل للكثرة، واستدلّ بهذا على أن هذا الخبر المرويّ مصنوع ، واستدل على أصالة جمع القلّة لقولهم: "دريهمات"، دريهمات تصغير دراهم ، لو قيل لك كيف تصغّر الدراهم فكيف تقول ؟

لا يصحّ أن يصغّر على صيغته بل لا بد أن يعاد إلى مفرده ثم يصغّر ثم يجمع بالألف والتاء ، فهذا دليل واضح على أن الأصل في الجمع بالألف والتاء أنه للقلّة .

انظر كيف جمع الإمام الزجّاج بين أمرين يشبه في الظاهر أنهما متناقضان وليس كذلك ، لأن الأصل لا يستلزم بطلان خلافه ، وإنما يستلزم فقط أنه أكثر استعمالا.. قد يستلزم أنه أكثر استعمالًا.


ونضرب مثالا على مذهب الزجاج في الاشتقاق عندما فسّر كلمة (أمّة) وذكر أنها تأتي في اللغة بعدة معانٍ، منها: "الدين" ومنها "القرن من الناس" ومنها "الرجل الذي لا نظير له" ، فقال الزجّاج تعقيبا على ذلك -في الصفحة الثالثة والثمانين بعد المائتين- : "وأصل هذا كله من "القصد" ، يقال أممتُ الشيء إذا قصدته ، فمعنى الأمّة في الدين أن مقصدهم مقصد واحد ، ومعنى الأمّة في الرجل المنفرد الذي لا نظير له أن قصده منفرد من قصد سائر الناس ، ومعنى الأمّة بمعنى القامة سائر مقصد الجسد فليس يخرج شيء عن هذا الباب عن معنى أممت أي قصدت"، وهذه الطريقة لو تأملنا نلاحظ أنها تقريبا مطابقة لمنهجية ابن فارس في "مقاييس اللغة" .

وفي الصفحة الثامنة والثمامنين بعد المائتين يقول الزجّاج : "وكل ما في كتاب الله عز وجل من "الكُره" فالفتح جائز فيه تقول : (الكُره والكَره) إلا هذا الحرف الذي في هذه الآية ذكر أبو عبيدة أن الناس مجموعون على ضمه" ، كذلك وقع في الكتاب (أبو عبيدة) وهذا خطأ والصواب (أبو عبيد) وهذا من الأخطاء الشائعة التى تقع كثيرًا في الكتب اختلاط أبي عبيدة بأبي عبيد ، حتى في النسخ المخطوطة يعنى قد يكون الخطأ من الأصول المخطوطة نفسها وليس من المحقّق .
ومن العبارات التي تتكرر كثيرا في كلام الزجّاج قوله : "وهذا جيد بالغ" ماذا يعني بقوله جيد بالغ ؟ ماذا يقصد الزجاج بقوله جيد بالغ ؟
تقول إحدى الأخوات: لعله قصده بجيد بالغ أي في غاية الصحة والقرب من المعنى المراد.
ويقول أحد الأخوة: المقصود أنه صحيح مرويّ.

والذي يقصده الزجاج بقوله "جيد بالغ" أي أن استعماله صحيح، لأنه يستعمل هذه العبارة ليس في موضع بعينه ولكن في قاعدة أو في تعبير أو استعمال لا يختص بآية بعينها فهو يقصد أن هذا الاستعمال أو هذا النطق أو هذا الوجه جيد بالغ في الجودة مبلغا وليس شاذّا ولا نادرا ولا قبيحا يعني ليس لغة ضعيفة ، وإن كان أحيانا يكون غيره أرجح منه يعنى لا يلزم من قوله "جيد بالغ" أن يكون أفضل من غيره .

طيب في موضع آخر يقول الزجاج -صفحة ثلاثمائة- : "ويجوز أن يكون موضع "أنْ" رفعا فيكون المعنى: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" انتهى الكلام.

أن تبروا وتتقوا وتصلحوا أولى- أي البر والتّقى أولى- ويكون "أولى" محذوفًا، كما جاء حذف أشياء في القرآن لأن في الكلام دليلا عليها ، ولا أعلم أحدا منهم ذكر هذا المذهب، ونحن نختار ما قالوه لأنه جيد ولأن الاتّباع أحب وإن كان غيره جائزا" .

وهذا من إنصاف الزجّاج أنه يرى هذا القول قويا وسائغا ولكنه لا يختاره، يختار خلافه لأن الاتّباع أحب إليه .

ويقول الزجاج في الصفحة الخامسة بعد الثلاثمائة : ""القرء" اجتماع الدم في البدن وذلك إنما يكون في الطهر ، وقد يكون اجتماعه في الرحم -يعني هذا في الحيض- ، وكلاهما حسن وليس بخارج عن مذاهب الفقهاء بل هو تحقيق المذهبين ".

وهذا من فوائد مذهب الزجاج في الاشتقاق وطريقته أنه يحاول الجمع بين القولين في القرء وغيره فالقرء اختلف العلماء فيه على قولين بعضهم قال معناه الحيض ، وبعضهم قال معناه الطهر، فجمع الزجّاج بين القولين بأن القرء هو الاجتماع اجتماع الدم في البدن ، هذا الاجتماع قد يكون في البدن وهذا وقت الطهر ، وقد يكون في الرحم وهذا وقت الحيض ، فلذلك أطلق لفظ القرء على الأمرين .

ومن تأمل كلام الزجّاج وطريقته المطّردة في الكتاب يستطيع أن يخرج بعشرات الأفكار للرسائل العلمية، الذين يبحثون عن أفكار للرسائل العلمية، ومع الأسف كثير منهم يبحث عن الأفكار السهلة ولا يريد أن يبذل جهدًا، يعني مثلا مسألة الاشتقاق فقط علم الاشتقاق فقط يمكن أن يوضع فيه عدة رسائل، الاشتقاق عند الزجاج ، ويمكن أن تكون الرسالة عن علم الاشتقاق عند الزجّاج وهذا في تخصص اللغويات ، ويمكن أن يكون: أثر علم الاشتقاق على التفسير عند الزجّاج وهذا في قسم التفسير ، ويمكن أن يكون علاقة علم الاشتقاق بالنحو عند الزجّاج وهذا يصلح في قسم النحو والصرف.

والمقصود أن الأفكار كثيرة جدًا ولكننا لا نقرأ .

طيب نكتفي بهذا القدر، وإن كان مثل الكتاب يحتاج إلى جلسات وجلسات لأنه مليئ بالفوائد والنفائس والمواضع التي تحتاج إلى تعليق، ومن كان لديه مسألة يريد أن يناقشها فأرحب بالتواصل على بريدي الإلكتروني أو على صفحتي في تويتر والبريد مكتوب على صفحتي في تويتر أيضًا وسوف أكتبه لكم الآن لمن أراد، وجزاكم الله خيرًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




قام بتفريغ المحاضرة الطالبات:

- هناء هلال محمد.

- الشيماء وهبة.

- هبة الديب.