الدروس
course cover
تفسير سورة البقرة [من الآية (111) إلى الآية (113) ]
1 Sep 2014
1 Sep 2014

4436

0

0

course cover
تفسير سورة البقرة

القسم التاسع

تفسير سورة البقرة [من الآية (111) إلى الآية (113) ]
1 Sep 2014
1 Sep 2014

1 Sep 2014

4436

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) }



تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}
الإخبار في هذا عن أهل الكتاب، وعقد النصارى معهم في قوله: {وقالوا}؛ لأن الفريقين يقرآن التوراة، ويختلفان في تثبيت رسالة موسى وعيسى، فلذلك قال اللّه عزّ وجلّ: {وقالوا} فأجملوا.
فالمعنى: أن اليهود قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، والنصارى قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، وجاز أن يلفظ بلفظ جمع؛ لأن معنى {من} معنى جماعة, فحمل الخبر على المعنى.
والمعنى: إلا الذين كانوا هوداً, وكانوا نصارى,
وهو جمع هائد, وهود، مثل: حائل, وحول، وبازل, وبزل, وقد فسّرنا واحد النصارى, وجمعه فيما مضى من الكتاب.
وقوله عزّ وجلّ: {تلك أمانيّهم} هذا كما يقال للذي يدعي ما لا يبرهن حقيقته: إنما أنت متمن.
و{أمانيّهم} مشددة، ويجوز في العربية: (تلك أَمَانِيهِمْ), ولكن القراءة بالتشديد لا غير، للإجماع عليه، ولأنه أجود في العربية.
وقوله عزّ وجلّ: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}أي: إن كنتم عند أنفسكم صادقين, فبينوا ما الذي دلكم على ثبوت الجنة لكم).[معاني القرآن: 1/194]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنّة} معناه: قال اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقال النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فجمع قولهم، ودل تفريق نوعيهم على تفرق قوليهم، وهذا هو الإيجاز واللف، وهود جمع هائد، مثل عائد وعود، ومعناه التائب الراجع، ومثله في الجمع بازل وبزل وحائل وحول وبائر وبور، وقيل هو مصدر يوصف به الواحد والجمع كفطر وعدل ورضا، وقال الفراء: أصله يهودي حذفت ياءاه على غير قياس.
وقرأ أبي بن كعب «إلا من كان يهوديا»، وكذبهم الله تعالى وجعل قولهم أمنية، وقد قطعوا قبل بقوله فتمنّوا الموت [البقرة: 94، الجمعة: 6]، وأمر محمد صلى الله عليه وسلم بدعائهم إلى إظهار البرهان، وقيل: إن الهاء في هاتوا أصلية من هاتا يهاتي، وأميت تصريف هذه اللفظة كله إلا الأمر منه وقيل: هي عوض من همزة آتى، وقيل: ها تنبيه، وألزمت همزة آتى الحذف، والبرهان الدليل الذي يوقع اليقين، قال الطبري: طلب الدليل هنا يقضي بإثبات النظر ويرد على من ينفيه، وقول اليهود {لن} نفي حسنت بعده {بلى}، إذ هي رد بالإيجاب في جواب النفي، حرف مرتجل لذلك، وقيل: هي «بل» زيدت عليها الياء لتزيلها على حد النسق الذي في «بل»). [المحرر الوجيز: 1/322-323]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقالوا لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى تلك أمانيّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111) بلى من أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ فله أجره عند ربّه ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (112) وقالت اليهود ليست النّصارى على شيءٍ وقالت النّصارى ليست اليهود على شيءٍ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الّذين لا يعلمون مثل قولهم فاللّه يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (113)}
يبيّن تعالى اغترار اليهود والنّصارى بما هم فيه، حيث ادّعت كلّ طائفةٍ من اليهود والنّصارى أنّه لن يدخل الجنّة إلّا من كان على ملّتها، كما أخبر اللّه عنهم في سورة المائدة أنّهم قالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه} [المائدة: 18]. فأكذبهم اللّه تعالى بما أخبرهم أنّه معذّبهم بذنوبهم، ولو كانوا كما ادّعوا لما كان الأمر كذلك، وكما تقدّم من دعواهم أنّه لن تمسّهم النّار إلّا أيّامًا معدودةً، ثمّ ينتقلون إلى الجنّة. وردّ عليهم تعالى في ذلك، وهكذا قال لهم في هذه الدّعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بيّنةٍ، فقال {تلك أمانيّهم}
وقال أبو العالية: أمانيّ تمنّوها على اللّه بغير حقٍّ. وكذا قال قتادة والرّبيع بن أنسٍ.
ثمّ قال: {قل} أي: يا محمّد، {هاتوا برهانكم}
وقال أبو العالية ومجاهدٌ والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ: حجّتكم. وقال قتادة: بيّنتكم على ذلك. {إن كنتم صادقين} كما تدّعونه). [تفسير ابن كثير: 1/384-385]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {بلى من أسلم وجهه للّه وهو محسن فله أجره عند ربّه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أي: فهذا يدخل الجنة، فإن قال قائل: فما برهان من آمن في قولكم؟
قيل: ما بيناه من الاحتجاج للنبي صلى الله عليه وسلم , ومن إظهار البراهين بأنبائهم ما لا يعلم إلا من كتاب, أو وحي، وبما قيل لهم في تمني الموت، وما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات الدالة على تثبيت الرسالة، فهذا برهان من أسلم وجهه للّه). [معاني القرآن: 1/195]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قال الطبري: طلب الدليل هنا يقضي بإثبات النظر ويرد على من ينفيه، وقول اليهود {لن} نفي حسنت بعده {بلى}، إذ هي رد بالإيجاب في جواب النفي، حرف مرتجل لذلك، وقيل: هي «بل» زيدت عليها الياء لتزيلها على حد النسق الذي في «بل»، وأسلم معناه استسلم وخضع ودان، ومنه قول زيد ابن عمرو بن نفيل: [المتقارب].
وأسلمت وجهي لمن أسلمت = له المزن تحمل عذبا زلالا
وخص الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى من الإنسان وموضع الحواس وفيه يظهر العز والذل، ولذلك يقال وجه الأمر أي معظمه وأشرفه، قال الأعشى: [السريع]:
وأول الحكم على وجهه = ليس قضائي بالهوى الجائر
ويصح أن يكون الوجه في هذه الآية المقصد، {وهو محسنٌ} جملة في موضع الحال، وعاد الضمير في «له» على لفظ من، وكذلك في قوله أجره، وعاد في عليهم على المعنى، وكذلك في يحزنون، وقرأ ابن محيصن «فلا خوف» دون تنوين في الفاء المرفوعة، فقيل: ذلك تخفيف، وقيل:
المراد فلا الخوف فحذفت الألف واللام، والخوف هو لما يتوقع، والحزن هو لما قد وقع). [المحرر الوجيز: 1/323-324]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {بلى من أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ} أي: من أخلص العمل للّه وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن} الآية [آل عمران: 20].
وقال أبو العالية والرّبيع: {بلى من أسلم وجهه للّه} يقول: من أخلص للّه.
وقال سعيد بن جبيرٍ: {بلى من أسلم} أخلص، {وجهه} قال: دينه، {وهو محسنٌ} أي: متّبعٌ فيه الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم. فإنّ للعمل المتقبّل شرطين، أحدهما: أن يكون خالصًا للّه وحده والآخر: أن يكون صوابًا موافقًا للشّريعة. فمتى كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يتقبّل؛ ولهذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ". رواه مسلمٌ من حديث عائشة، عنه، عليه السّلام.
فعمل الرّهبان ومن شابههم -وإن فرض أنّهم مخلصون فيه للّه-فإنّه لا يتقبّل منهم، حتّى يكون ذلك متابعًا للرّسول [محمّدٍ] صلّى اللّه عليه وسلّم المبعوث إليهم وإلى النّاس كافّةً، وفيهم وأمثالهم، قال اللّه تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا} [الفرقان: 23]، وقال تعالى: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظّمآن ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا} [النّور: 39].
وروي عن أمير المؤمنين عمر أنّه تأوّلها في الرّهبان كما سيأتي.
وأمّا إن كان العمل موافقًا للشّريعة في الصّورة الظّاهرة، ولكن لم يخلص عامله القصد للّه فهو أيضًا مردودٌ على فاعله وهذا حال المنافقين والمرائين، كما قال تعالى: {إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراءون النّاس ولا يذكرون اللّه إلا قليلا} [النّساء: 142]، وقال تعالى: {فويلٌ للمصلّين* الّذين هم عن صلاتهم ساهون* الّذين هم يراءون* ويمنعون الماعون} [الماعون: 4 -7]، ولهذا قال تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدًا} [الكهف: 110]. وقال في هذه الآية الكريمة: {بلى من أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ}
وقوله: {فله أجره عند ربّه ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور، وآمنهم ممّا يخافونه من المحذور فـ {لا خوفٌ عليهم} فيما يستقبلونه، {ولا هم يحزنون} على ما مضى ممّا يتركونه، كما قال سعيد بن جبيرٍ: فـ {لا خوفٌ عليهم} يعني: في الآخرة {ولا هم يحزنون} [يعني: لا يحزنون] للموت). [تفسير ابن كثير: 1/385-386]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالت اليهود ليست النّصارى على شيء وقالت النّصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الّذين لا يعلمون مثل قولهم فاللّه يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}
يعني به: أن الفريقين يتلوان التوراة، وقد وقع بينهم هذا الاختلاف, وكتابهم واحد، فدل بهذا على ضلالتهم، وحذر بهذا وقوع الاختلاف في القرآن، لأن اختلاف الفريقين أخرجهما إلى الكفر, فتفهموا هذا المكان, فإن فيه حجة عظيمة, وعظة في القرآن.
وقوله عزّ وجلّ: {كذلك قال الّذين لا يعلمون مثل قولهم} يعني به الذين ليسوا بأصحاب كتاب نحو: مشركي العرب, والمجوس.
المعنى: أن هؤلاء أيضاً قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا.
وقوله عزّ وجلّ: {فاللّه يحكم بينهم يوم القيامة} المعنى: يريهم من يدخل الجنة عياناً, ويدخل النار عياناً.
وهذا هو حكم الفصل فيما تصير إليه كل فرقة، فأما الحكم بينهم في العقيدة فقد بينه اللّه عزّ وجلّ فيما أظهر من حجج المسلمين، وفي عجز الخلق عن أن يأتوا بمثل القرآن). [معاني القرآن: 1/195]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وقالت اليهود الآية، معناه ادعى كل فريق أنه أحق برحمة الله من الآخر.
وسبب الآية أن نصارى نجران اجتمعوا مع يهود المدينة عند النبي صلى الله عليه وسلم فتسابوا، وكفر اليهود بعيسى وبملته وبالإنجيل، وكفر النصارى بموسى وبالتوراة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا من فعلهم كفر كل طائفة بكتابها، لأن الإنجيل يتضمن صدق موسى وتقرير التوراة، والتوراة تتضمن التبشير بعيسى وصحة نبوته، وكلاهما تضمن صدق محمد صلى الله عليه وسلم، فعنفهم الله تعالى على كذبهم، وفي كتبهم خلاف ما قالوا.
وفي قوله تعالى: وهم يتلون الكتاب تنبيه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم على ملازمة القرآن والوقوف عند حدوده، كما قال الحر بن قيس في عمر بن الخطاب، وكان وقافا عند كتاب الله، والكتاب الذي يتلونه قيل: التوراة والإنجيل، فالألف واللام للجنس، وقيل: التوراة لأن النصارى تمتثلها، فالألف واللام للعهد.
اختلف من المراد بقوله لا يعلمون، فقال الجمهور: عنى بذلك كفار العرب، لأنهم لا كتاب لهم، وقال عطاء: المراد أمم كانت قبل اليهود والنصارى، وقال قوم: المراد اليهود، وكأنه أعيد قولهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، وأخبر تعالى بأنه يحكم بينهم، والمعنى بأن يثيب من كان على شيء، أي شيء حق، ويعاقب من كان على غير شيء، وقال الزجاج: المعنى يريهم عيانا من يدخل الجنة ومن يدخل النار، و{يوم القيامة} سمي بقيام الناس من القبور، إذ ذلك مبدأ لجميع ما في اليوم وفي الاستمرار بعده، وقوله {كانوا} بصيغة الماضي حسن على مراعاة الحكم، وليس هذا من وضع الماضي موضع المستقبل لأن اختلافهم ليس في ذلك اليوم، بل في الدنيا). [المحرر الوجيز: 1/324-325]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وقالت اليهود ليست النّصارى على شيءٍ وقالت النّصارى ليست اليهود على شيءٍ وهم يتلون الكتاب} يبيّن به تعالى تناقضهم وتباغضهم وتعاديهم وتعاندهم. كما قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لما قدم أهل نجران من النّصارى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أتتهم أحبار يهود، فتنازعوا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رافع بن حريملة ما أنتم على شيءٍ، وكفر بعيسى وبالإنجيل. وقال رجلٌ من أهل نجران من النّصارى لليهود: ما أنتم على شيءٍ. وجحد نبوّة موسى وكفر بالتّوراة. فأنزل اللّه في ذلك من قولهما {وقالت اليهود ليست النّصارى على شيءٍ وقالت النّصارى ليست اليهود على شيءٍ وهم يتلون الكتاب} قال: إنّ كلًّا يتلو في كتابه تصديق من كفر به، أي: يكفر اليهود بعيسى وعندهم التّوراة، فيها ما أخذ اللّه عليهم على لسان موسى بالتّصديق بعيسى، وفي الإنجيل ما جاء به عيسى بتصديق موسى، وما جاء من التّوراة من عند اللّه، وكلٌّ يكفر بما في يد صاحبه.
وقال مجاهدٌ في تفسير هذه الآية: قد كانت أوائل اليهود والنّصارى على شيءٍ.
وقال قتادة: {وقالت اليهود ليست النّصارى على شيءٍ} قال: بلى، قد كانت أوائل النّصارى على شيءٍ، ولكنّهم ابتدعوا وتفرّقوا. {وقالت النّصارى ليست اليهود على شيءٍ} قال: بلى قد كانت أوائل اليهود على شيءٍ، ولكنّهم ابتدعوا وتفرّقوا.
وعنه روايةٌ أخرى كقول أبي العالية، والرّبيع بن أنسٍ في تفسير هذه الآية: {وقالت اليهود ليست النّصارى على شيءٍ وقالت النّصارى ليست اليهود على شيءٍ} هؤلاء أهل الكتاب الّذين كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وهذا القول يقتضي أنّ كلًّا من الطّائفتين صدقت فيما رمت به الطّائفة الأخرى. ولكنّ ظاهر سياق الآية يقتضي ذمّهم فيما قالوه، مع علمهم بخلاف ذلك؛ ولهذا قال تعالى: {وهم يتلون الكتاب} أي: وهم يعلمون شريعة التّوراة والإنجيل، كلٌّ منهما قد كانت مشروعةً في وقتٍ، ولكن تجاحدوا فيما بينهم عنادًا وكفرًا ومقابلةً للفاسد بالفاسد، كما تقدّم عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وقتادة في الرّواية الأولى عنه في تفسيرها، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {كذلك قال الّذين لا يعلمون مثل قولهم} يبيّن بهذا جهل اليهود والنّصارى فيما تقابلوا من القول، وهذا من باب الإيماء والإشارة. وقد اختلف فيما عنى بقوله تعالى: {الّذين لا يعلمون} فقال الرّبيع بن أنسٍ وقتادة: {كذلك قال الّذين لا يعلمون} قالا وقالت النّصارى مثل قول اليهود وقيلهم. وقال ابن جريج: قلت لعطاءٍ: من هؤلاء الّذين لا يعلمون؟ قال: أممٌ كانت قبل اليهود والنّصارى وقبل التّوراة والإنجيل. وقال السّدّيّ: {كذلك قال الّذين لا يعلمون} فهم: العرب، قالوا: ليس محمّدٌ على شيءٍ.
واختار أبو جعفر بن جريرٍ أنّها عامّةٌ تصلح للجميع، وليس ثمّ دليلٌ قاطعٌ يعيّن واحدًا من هذه الأقوال، فالحمل على الجميع أولى، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {فاللّه يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} أي: أنّه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد، ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرّةٍ. وهذا كقوله تعالى في سورة الحجّ: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئين والنّصارى والمجوس والّذين أشركوا إنّ اللّه يفصل بينهم يوم القيامة إنّ اللّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ} [الحجّ: 17]، وكما قال تعالى: {قل يجمع بيننا ربّنا ثمّ يفتح بيننا بالحقّ وهو الفتّاح العليم} [سبأٍ:26] ). [تفسير ابن كثير: 1/386-387]



* للاستزادة ينظر: هنا