24 Oct 2017
تخريج أقوال المفسّرين
عناصر الدرس:
1. تمهيد
2. المراد بتخريج أقوال المفسّرين
3. مراتب تخريج أقوال المفسّرين
4. مخرج الحديث ومخرج الأثر
5. درجات التحقق من صحّة النسبة
6. أنواع نسبة الأقوال
7. فوائد تخريج أقوال المفسّرين
8. أصول معينة على التحقق من صحّة النسبة
9. الأمثلة
10. التطبيقات
تمهيد:
تخريج أقوال المفسّرين من المهارات التي تشتد إليها
حاجة المفسّر؛ لكثرة الأقوال المنسوبة إلى السلف وإلى علماء اللغة في
التفسير؛ فيحتاج المفسّر إلى معرفة أصل تلك النسبة ومصدرها، ولتخريج أقوال
المفسّرين مراجع وطرق ومراتب إذا أحسن الباحث معرفتها تيسّر له أمر التخريج
وتمهّر فيه بإذن الله تعالى.
فإذا ما عرض له قول منسوب إلى أحد من السلف أمكنه الفحص عنه، ومعرفة أصل نسبته إليه، وهذا
التخريج مرقاة إلى أمر مهمّ وهو التحقق من صحة نسبة الأقوال المنسوبة إلى
السلف، وذلك بالحكم على الأسانيد، وأسانيد التفسير على ثلاثة أصناف:
1. أسانيد متفق على صحّتها.
2. وأسانيد متفق على ضعفها.
3. وأسانيد مختلف فيها.
وفي كلّ صنف أسانيد مشتهرة تكثر مروياتها في كتب التفسير المسندة؛
وللاختلاف فيها أسبابه وآثاره، ومعرفة المفسّر بأقوال الأئمة النقّاد في
تلك الأسانيد، ومعرفة مناهج الأئمة في ما يروى من تلك الطرق تفيدانه في
استجلاء أحكام كثير من مرويات تلك الأسانيد.
وأرجو أن ييسر الله تعالى بسط الحديث عن "أسانيد التفسير" في كتاب مستقلّ.
والمقصود أن تخريج أقوال المفسّرين من المعارف المهمّة للمفسّر وطالب علم التفسير، وإهمال التخريج يفضي إلى إهمال التحقق من صحة نسبة الأقوال، فيقع الباحث في أخطاء قادحة في جودة بحثه.
وما يحتاج فيه إلى التخريج والتحقق من صحّة النسبة يشمل:
1. المرويات من الأحاديث النبوية وأقوال السلف في التفسير.
2. وأقوال علماء اللغة المتقدمين.
3. والشواهد اللغوية من الأبيات الشعرية وغيرها مما يستشهد به في كتب التفسير، فيحتاج إلى تخريجها، وتمييز صحيحها من منحولها.
المراد بتخريج أقوال المفسّرين:
تخريج أقوال المفسّرين يطلق على معنيين:
أحدهما: تخريج أقوال المفسّرين من جهة الرواية، وذلك بذكر مخرجها الأصلي، وكيف نسبت لهم تلك الأقوال، وهو المراد هنا.
والمعنى الثاني: تخريج أقوال المفسّرين من جهة
الدراية، وهو ما يسمّى بالتوجيه، وأكثر ما يستعمل في التخريج اللغوي لأقوال
السلف في التفسير.
وهو المراد في درس توجيه أقوال المفسّرين.
مراتب تخريج أقوال المفسّرين:
تخريج أقوال المفسّرين له مراتب:
المرتبة الأولى: ذكر
الكتب المسندة التي روت ذلك القول بالإسناد، وهذه الكتب المسندة على أنواع
سبق تفصيل الحديث عنها، وهذه المرتبة متى تيسّرت لم يعدل عنها إلى غيرها.
والمرتبة الثانية: الرجوع إلى المصادر البديلة للمراجع الأصلية المفقودة، والمصادر البديلة على درجتين:
- الدرجة الأولى: مصادر تنقل القول بإسناده؛ فهذه تحلّ محلّ المصدر الأصلي عند فقده لإمكان النظر في رجال الإسناد وأحوالهم وطرق روايتهم.
- والدرجة الثانية: مصادر
تنقل القول مجرّداً عن الأسانيد ، فهذه تفيد أن لذلك القول أصلاً في تلك
الكتب المسندة المفقودة، وإن لم يقف على إسناده، لكنّها لا تُعتمد في
التحقق من صحّة النسبة والحكم على الأسانيد.
وهذه المرتبة رديفة للمرتبة الأولى وقد تشتد الحاجة إليها أحيانا.
والمرتبة الثالثة: نقل
تخريج العلماء لهذا القول وحكمهم على نسبته إن وجد، وهذا قد يوجد في بعض
كلام المحققين من أهل التفسير ولا سيما في الرسائل التفسيرية المفردة.
والمرتبة الرابعة: عزو
نسبة القول إلى أقدم مصدر ذكره؛ فيقال: ذكره فلان من غير إسناد، وإذا كان
لذلك القول ذكر في بعض كتب المحققين من أهل العلم فيضاف العزو إليهم.
وهذه المرتبة لا يصار إليها إلا إذا لم يمكن التخريج بما قبلها من المراتب.
والمعتمد من هذه المراتب ما أمكن الوقوف بدلالته على الإسناد، وما سواه فهو معتبر في إثبات أصل ذكر القول من غير اعتماد.
مخرج الحديث ومخرج الأثر
والمخرَج هو الراوي
الذي تدور عليه أسانيد الرواية ثم تتفق من لدنه إلى منتهى الإسناد، والقدر
الذي تتفق فيه الأسانيد يسمّى أصل الإسناد.
مثال ذلك: تخريج حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً: ( ألا أخبرك بأفضل القرآن )).
هذا الحديث بحثت عنه في كتب أهل الحديث فوجدت النقول التالية:
قال أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي(ت:303هـ): (أخبرنا عبيد الله بن عبد الكريم، قال: ثنا علي بن عبد الحميد المعني،
قال: ثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى
الله عليه وسلم في مسيرٍ له فنزل ونزل رجل إلى جانبه فالتفت إليه النبي صلى
الله عليه وسلم فقال: « ألا أخبرك بأفضل القرآن؟! »
قال: فتلا عليه "الحمد لله رب العالمين") [ السنن الكبرى: 5 / 11 ]
قال أبو حاتم محمد بن حبان البستي(ت:354هـ): (أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا أحمد بن آدم غندر، حدثنا علي بن عبد الحميد المعني،
حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: كان النبي
صلى الله عليه وسلم في مسير فنزل فمشى رجل من أصحابه إلى جانبه فالتفت
إليه فقال: « ألا أخبرك بأفضل القرآن؟! »
قال: فتلا عليه { الحمد لله رب العالمين }). [صحيح ابن حبان: 3 / 51 ]
قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري(ت:405هـ): (أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب، ثنا أبو حاتم الرازي، ثنا علي بن عبد الحميد المعني،
ثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان
النبي صلى الله عليه و سلم في مسير فنزل ونزل رجل إلى جانبه قال: فالتفت
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « ألا أخبرك بأفضل القرآن؟! »
قال: فتلا عليه "الحمد لله رب العالمين".
هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه). [ المستدرك: 1 / 560 ]
قال أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي(ت:458هـ): (أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أنا أبو علي الصفار هو إسماعيل بن محمد، ثنا موسى بن الحسن الشبلي، ثنا علي بن عبد الحميد المعني،
ثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله
عليه و سلم في مسير فنزل يمشي رجل من أصحابه إلى جانبه؛ فالتفت إليه النبي
صلى الله عليه وسلم فقال: « ألا أخبرك بأفضل القرآن؟! »
قال: فتلا عليه "الحمد لله رب العالمين"). [شعب الإيمان: 2 / 444 ]
قال ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي(ت:643هـ): (أخبرنا
أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصيدلاني رحمه الله بأصبهان أن الحسن بن
أحمد الحداد أخبرهم وهو حاضر، أنبأ أحمد بن عبد الله، أنبا عبد الله بن
جعفر بن فارس، أنبا إسماعيل بن عبد الله، ثنا علي بن عبد الحميد،
ثنا سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في مسير
فنزل من أصحابه رجل يمشي إلى جانبه؛ فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: « ألا أخبرك بأفضل القرآن؟! »
فتلا "الحمد لله رب العالمين"). [الأحاديث المختارة: 5 / 98 ]
التخريج: رواه
النسائي في السنن الكبرى وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك والبيهقي
في شعب الإيمان وضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة كلهم من طريق
علي بن عبد الحميد المعني قال: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني،
عن أنس بن مالك به.
توضيحات:
- مخرج الحديث: هذا الحديث تدور أسانيده على علي بن عبد الحميد المعني ثم تتفق فيما بعده؛ فيكون مخرج الحديث علي بن عبد الحميد.
- وأصل الإسناد: الجزء الذي تشترك فيه الأسانيد، وهو هنا علي بن عبد الحميد قال: حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس.
- ومنتهى الإسناد: النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخر رجل في سلسلة الإسناد.
مثال آخر: تخريج قول مجاهد بن جبر في تفسير قول الله تعالى: {وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربيون كثيرٌ} قال: (جموع كثيرة).
هذا القول بحثت عن مصادر نسبته إلى مجاهد في الكتب المسندة فوجدت النقول التالية:
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربيون كثيرٌ} قال: جموعٌ كثيرةٌ).[جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 79]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: جموعٌ كثيرةٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله). [جامع البيان: 6 / 109]
قال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري(ت:318هـ): (حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا مسلم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {قاتل معه ربيون كثير} قال " جموع كثيرة). [ تفسير القرآن: 1 / 420 ]
التخريج: رواه مسلم بن خالد الزنجي وابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
توضيحات:
- تدور أسانيد هذا
الأثر على ابن أبي نجيح ثم تتفق فيما بعده؛ فكلها تتفق على أن ابن أبي نجيح
روى هذا الأثر عن شيخه مجاهد باللفظ المذكور "جموع كثيرة".
مخرج الأثر: ابن أبي نجيح.
وأصل الإسناد: ابن أبي نجيح عن مجاهد.
ومنتهى الإسناد: مجاهد، وهو آخر رجل في سلسلة الإسناد.
والمتون متفقة وهي الألفاظ التي قالها من انتهى إليه الإسناد.
حالات أخرى:
1. إذا دارت
الأسانيد على رجل ثم اختلفت فيما بعده فهذا اختلاف في الأسانيد فينظر في
الرواة عن ذلك الشيخ ويصنف الاختلاف، ويعامل كل صنف كأنه مخرَج مستقل.
2. المتون التي تروى بأصل السند لها أربع حالات:
أ: أن تتفق على لفظ واحد؛ وهذا هو الأصل.
ب: أن تكون الألفاظ متقاربة والمعنى واحد؛ فيقال: رووه بألفاظ متقاربة.
ج: أن تكون الألفاظ متقاربة لكن يقع في بعض الروايات زيادات أو نقص؛ فيشار إلى تلك الزيادات أو إلى ذلك النقص ومن رواه.
د: أن تختلف المتون، وهذا يقتضي النظر في أحوال الرواة وترجيح رواية الأوثق.
أحدهما: أن يذكر الإسناد تاماً من المصنّف إلى منتهى الإسناد.
والآخر: أن يقتصر على ما يقوم مقام أصل الإسناد، وهو إسناد النسخة
التفسيرية التي يروي منها المفسّر المُسنِد، وهذا إذا كان للباحث معرفة
بالنسخ التفسيرية التي يروي منها أصحاب التفاسير المسندة، وسيأتي تفصيلها
في دورة "أسانيد التفسير" إن شاء الله تعالى.
التحقق من صحة النسبة على درجتين:
الدرجة الأولى: التحقق من وجود نسبة القول إلى المفسّر من السلف في مصدر أصيل أو بديل، وهو ما يعرف بتخريج القول من جهة الرواية.
الدرجة الثانية: التحقق من صحّة إسناد ذلك القول إليه، وصحّة الاستخراج إن كان القول مستخرجاً له، لم يقل بنصّه.
والدرجة الأولى من التحقق ممكنة لأكثر الباحثين، ولو
لم يكونوا على دراية بالحكم على الأسانيد؛ لأنها لا تتطلّب النظر في
الأسانيد وأحوال الرواة وطرق الرواية، وإنما تتطلّب التحقق من وجود نسبة
القول إلى ذلك العالم في مصدر أصيل أو بديل.
- مثال ذلك: قد يجد الباحث قولاً منسوباً إلى ابن
عباس في تفسير ابن عطية أو تفسير الماوردي أو تفسير ابن الجوزي أو غيرها من
التفاسير التي تعدّ مصادر ناقلة، وهؤلاء
العلماء لم يرووا ذلك القول بالإسناد إلى ابن عباس، وإنّما نقلوه عنه
اعتماداً على ما وجدوه في مصادر أصيلة أو مصادر ناقلة عن المصادر الأصيلة؛
وحذفوا الإسناد اختصاراً؛ فالتحقق على الدرجة
الأولى هو تخريج ذلك القول بالرجوع إلى المصادر التي ذكرته بالإسناد،
وعرفنا نصّ القول وسياقه، وسبب نسبته إليه؛ وهل هو قول منصوص أو مستخرج.
أنواع نسبة الأقوال في التفسير:
من المهمّ التنبّه إلى أن الأقوال المنسوبة إلى المفسّرين على نوعين:
النوع الأول: أقوال
منصوصة، وهي الأقوال التي هي نصّ كلامهم، وهذه الأقوال من المهمّ للباحث أن
يجمع طرقها ليتعرّف على سياقاتها؛ لأن من الأقوال المنصوصة ما يُجتزأ من
سياقه، ويورد في غير بابه؛ فيفيد معنى غير مرادٍ لقائله.
والنوع الثاني: أقوال
مستخرجة على أصحابها؛ لم يقولوا بنصّها؛ لكنّها فُهمت من قصّة وقعت لهم، أو
من نصّ آخر على مسألة أخرى ففهم من ذلك النص أنه يلزم منه أن يقول في هذه
المسألة بكذا وكذا، أو بطرق أخرى من طرق الاستخراج.
واستخراج الأقوال منه ما هو استخراج ظاهر؛ لظهور
الدلالة عليه ولزومه لقول صاحبه مع ظهور التزامه به، فهذا النوع قد جرى عمل
العلماء على نسبته، ومع هذا فيفضّل عند السعة والبسط أن يبيّن أنه قول
مستخرج.
ومنه استخراج غير ظاهر؛ إما لخفاء وجه الدلالة، أو
عدم ظهور وجه اللزوم، أو عدم ظهور التزامه؛ وهذا الاستخراج لا يصحّ أن ينسب
إلى العالم القول بموجبه؛ وقد تساهل في ذلك بعض المفسّرين، ومنهم من
يَستخرج القول؛ فينُقل عنه ويشيع.
فوائد تخريج أقوال المفسّرين:
تخريج أقوال المفسّرين له فوائد جليلة:
منها: أنّه يعرّف المفسّر بأصل حكاية هذا القول وسبب نسبته.
ومنها: أنّه يكشف له كثيراً من أخطاء نسبة الأقوال.
ومنها: أنّه يعرّفه بسياق ذلك القول الأصلي.
ومنها: أنّه ينقله إلى مرتبة الاستعداد للحكم على الإسناد والتحقق من صحّة النسبة.
ومنها: أنّه يبيّن له علل حكاية الأقوال بالاختصار والنقل بالمعنى والاجتزاء.
ومنها: أنّه يوسّع مداركه ويعرّفه بالمصادر الأصلية والبديلة ومراتبها، ومناهج العلماء في حكاية الأقوال.
ومنها: أنّه يبصّره بطرق استخراج الأقوال وأسبابه.
ومنها: أنّه يكشف له خطأ بعض دعاوى الإجماع والاتفاق والنسبة إلى جمهور المفسّرين.
ومنها: يوقفه على بعض حجج المفسّرين التي لم تذكر في المصادر الناقلة.
أمثلة على فوائد تخريج أقوال المفسّرين:
المثال الأول: أقوال العلماء في المراد بالسبع الطوال.
1. قال الماوردي (ت:450هـ) في تفسير قول الله تعالى
{ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} : (الثاني: أنها السبع الطوَل: البقرة وآل
عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس، قاله ابن مسعود وابن عباس
وسعيد بن جبير ومجاهد).
2. قال ابن عطية (ت:541هـ) في تفسير قول الله تعالى:
{ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}: (قال ابن عباس رضي الله
عنهما وابن عمر وابن مسعود ومجاهد وابن جبير: «السبع» هنا هي السبع الطوال:
البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والمص والأنفال مع براءة،
وقال ابن جبير: بل السابعة يونس وليست الأنفال وبراءة منها).
3. قال العيني (ت:855هـ): (وقال قوم: إن السّبع
المثاني هي السّبع الطوال، وهي: البقرة وآل عمران والنّساء والمائدة
والأنعام والأعراف والأنفال والتّوبة معًا، وهما سورة واحدة، ولهذا لم تكتب
بينهما بسملة، وهو قول ابن عمر وابن عبّاس وسعيد بن جبير والضّحّاك).
الدراسة والتخريج:
- في هذه النقول تعيين السبع الطوال ونسبة ذلك إلى عدد من الصحابة على قولين مختلفين.
- هذه المصادر مصادر ناقلة وليست أصيلة في حكاية
الأقوال ونسبتها؛ فينبغي أن نبحث عن أصول هذه الأقوال في كتب التفسير
المسندة وفي دواوين السنة، ويمكن الاستعانة بجمهرة التفاسير ( هنا ).
- بعد البحث ظهر لنا ما يلي:
1. ابن عمر وابن مسعود لم يفصّلا ما هي سور السبع الطوال، وإنما روى عنهما ابن جرير قولهما بأن السبع المثاني هي السبع الطوال.
قالَ ابن جرير (ت: 310هـ) : (حدّثنا
أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن يونس، عن ابن سيرين، عن
ابن مسعودٍ، في قوله: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني} قال: " السّبع الطّول
".
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن سعيدٍ الجريريّ، عن رجلٍ، عن ابن عمر، قال: " السّبع الطّول ").
2. ابن عباس روي عنه ذكر ستّ سور من السبع الطوال
ونسي أحد الرواة السورة السابعة؛ فقد روى ابن جرير من طريق عن إسرائيل بن
يونس، عن أبي إسحاق، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في
قوله: {سبعًا من المثاني} قال: " البقرة، وآل عمران، والنّساء، والمائدة،
والأنعام، والأعراف " قال إسرائيل: وذكر السّابعة فنسيتها). وقد رواه
النسائي في السنن الكبرى بنحوه من دون قول إسرائيل واقتصر على ذكر السور
الست على اختلاف في الترتيب.
3. مجاهد بن جبر روى عنه ابن جرير في تفسير قول
اللّه تعالى: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم} قال: " من
القرآن السّبع الطّول، السّبع الأُوَل ".، ولم يعدّد هذه السور، وهذا قد
يُحمل على ما استقرّ من ترتيب السور على جمع عثمان رضي الله عنه، وهو قول
مخالف لما ذكر في المصادر السابقة.
4. وأما سعيد بن جبير فقد روى عنه أبو عبيد وابن
جرير وابن أبي حاتم والبيهقي أن السبع الطوال هي البقرة وآل عمران والنساء
والمائدة والأنعام والأعراف ويونس.
وقال بمثل قول سعيد بن جبير من قراء الأمصار
الأوائل: عطية بن قيس، وشداد بن عبيد الله، ويحيى بن الحارث الذماري، وقد
أسند ذلك عنهم أبو عبيد القاسم بن سلام.
وهذا التعداد موافق لما نقله الماوردي وابن عطية، ومخالف لما نقله العيني.
5. وأما الضحّاك فروى عنه ابن جرير بإسناد فيه مجهول
حيث قال ابن جرير: (حُدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا
عبيدٌ، قال سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {سبعًا من المثاني} " يعني السّبع
الطّول). فهذه الرواية على ما فيها من الانقطاع لم يسمّ فيها الضحاك أسماء
السور السبع الطوال.
6. فتلخّص مما سبق ما يلي:
أ: أنّ القدر الذي يسوغ أن يُقال: إنه رُوي عن هؤلاء الصحابة والتابعين هو قولهم بأن المراد بالسبع من المثاني هي السبع الطوال.
ب: خطأ ما نسبه العيني إلى سعيد بن جبير.
ج: خطأ القول الذي نسبه ابن عطية والعيني إلى ابن مسعود وابن عمر وابن عباس ومجاهد في تعداد سور السبع الطوال.
د. أنه لا يصحّ أن ينسب تعداد سور السبع الطوال إلى ابن مسعود وابن عمر والضحاك؛ وأما البقية فقد رويت عنهم آثار في تعدادها.
هـ: أن نسبة هذا القول إلى مجاهد فيها مخالفة لظاهر
لفظه؛ ونحتاج إلى الوقوف على رواية ابن أبي حاتم لهذا الأثر عن مجاهد فهي
من الجزء المفقود من تفسيره.
تنبيه: يُمكن أن
يستخرج لابن عباس قول في هذه المسألة من قصته المشتهرة مع عثمان وقوله له:
(ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من
المئين، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم،
فوضعتموها في السبع الطوال؟). وقد رواها الإمام أحمد وأبو داوود والترمذي
والنسائي وغيرهم من طريق عوف بن أبي جميلة عن يزيد الفارسي عن ابن عباس،
ويزيد مختلف فيه.
فهذا الأثر عن ابن عباس يوافق ما روي عن سعيد بن جبير.
المثال الثاني: أقوال السلف في المراد بالنفاثات في العقد.
قال ابن كثير: (وقوله: {ومن شر النفاثات في العقد}
قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك: "يعني السواحر"، قال مجاهد: "إذا
رقين ونفثن في العقد").
الدراسة والتخريج:
- هذا الكلام إذا قرأه طالب العلم لأول وهلة قد
يفهمُ منه إجماعَ المفسرين على أن المراد بالنفاثات: النساء السواحر، لأنه
نقل هذا التفسير عن هؤلاء الأئمة ولم يذكر قولاً غيره.
- وهذا الكلام اختصره ابن كثير من تفسير ابن جرير
لكنه كان اختصاراً غير دقيق، ولعل مما يعتذر له به أن ابن جرير صدّر تفسيره
للنفاثات بأنهن السواحر ثم قال: (وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
التأويل).
ثم أورد آثاراً عن هؤلاء الأئمة، لكن هذه الآثار ليس
فيها نص على أن المراد بالنفاثات السواحر إلا ما رواه عن عبد الرحمن بن
زيد بن أسلم. [ينظر هنا لمعرفة أقوال السلف في تفسير هذه الآية]
1. فالحسن البصري قال: (السواحر والسحرة).
2. وقتادة لما تلا قوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} قال: (إياكم وما خالط السحر من هذه الرقى).
ومجاهد قال في تفسير النفاثات: (الرقى في عقد الخيط).
وعكرمة قال: (الأُخَذُ في عُقَد الخيط) الأُخَذ جمع أُخذة ، وهي أخذة السحر.
فهؤلاء كلهم لم ينصوا على أن النفاثات السواحر.
على أن الإسناد إلى مجاهد وعكرمة فيه جابر بن يزيد الجعفي وهو رافضي متهم بالكذب.
بل قول الحسن البصري (النفاثات: السواحر والسحرة)، خارج عن هذا القول.
ومجاهد وعكرمة وقتادة لا يصح أن يُنسب إليهم هذا القول.
وقول ابن كثير عن مجاهد أنه قال: (إذا رقين ونفثن في
العقد) هذا نقل بالمعنى ، وفيه تجوّز أداه إليه اختياره للقول ثم اعتماده
وحكايته عن هؤلاء الأئمة ثم تغيير الضمير لأجل أن يتناسب مع ذلك.
ونص كلام مجاهد فيما رواه ابن جرير في تفسير النفاثات: (الرقى في عقد الخيط).
وابن جرير استدل بأقوالهم على أن هذه الآيات في الاستعاذة من شر السحر، وهذا القدر مجمع عليه لا خلاف فيه.
ولعل هذا هو ما فهمه ابن كثير أيضاً، وبذلك يعتذر له
فيه، فتكون مسألة شمول لفظ الآية للسحرة من الرجال مسألةً أخرى زائدة على
القدر الذي وقع عليه الإجماع.
فابن جرير استدل بأقوال من نقل أقوالهم على أن
المراد بالآية الاستعاذة من شر السحرة، وهذا يُخرِج قول المعتزلة الذين
ينكرون حقيقة السحر.
وأما مسألة المراد بالنفاثات وهل هنّ النساء السواحر فقط؟ وهل يشمل اللفظ السواحر والسحرة؟ فهذه مسألة أخرى.
[وينظر لمزيد البحث في هذه المسألة: تفسير قول الله تعالى: {ومن شرّ النفاثات في العقد} ]
تنبيهات:
1. هذا التحقق بالدرجة الأولى لم نحتج معه إلى النظر
في الأسانيد وأحوال الرجال، وإنما كان الغرض منه التحقق من وجود هذا القول
مروياً عن أولئك الصحابة والتابعين في مصادر أصيلة؛ وقد أفادت هذه الطريقة
في تمييز بعض ما لا يصح أن يُنسب إلى بعض الصحابة والتابعين، وهذا القدر
من التحقق ينبغي أن لا يغفله الباحث في مسائل التفسير، وهو سهل ميسور لكنّه
بحاجة إلى دربة ومِرَان.
2. ينبغي لطالب العلم أن يوسع العذر للعلماء إذا وجد
خطأ في نسبة بعض الأقوال؛ فقد يكون نظرهم إلى مسألة غير المسألة التي تبحث
عنها؛ كما في هذا المثال؛ فإنّهم كانوا يبحثون في مسألة المراد بالسبع من
المثاني؛ وأن من الصحابة والتابعين من قال بأنها السبع الطوال، وهذا القدر
مروي عن أولئك الصحابة والتابعين فعلاً، لكن حصل الخطأ بتعداد تلك السور في
معرض نسبة القول إليهم.
أصول معينة على التحقق من صحة النسبة:
- الدرجة الثانية من التحقق من صحة نسبة القول المروي عن أحد من السلف تعتمد على تحقق الدرجة الأولى.
- إذا لم توجد نسبة القول إلى أحد من السلف في مصدر أصيل أو بديل فهو قول لا أصل له.
- إذا وجدت تلك النسبة في مصدر أصيل أو بديل فيأتي هنا دور دراسة الإسناد والتحقق من صحّة النسبة.
- التحقق هنا على نوعين: تحقق من صحّة الإسناد في
الأقوال المروية بالإسناد، وتحقق من صحة الاستخراج في الأقوال المستخرجة
غير المنصوصة.
- إذا كان للقول وجه صحيح في الدلالة وتناقله
المفسّرون من غير إنكار ولا اعتراض؛ فعامّة أهل العلم على التساهل في نسبة
ذلك القول، وعدم التدقيق في صحّة الإسناد.
- إذا كان القول مستغرباً أو فيه نكارة أو يعارض ظاهره دليلاً صحيحاً ؛ فهنا لا بدّ من التدقيق في الإسناد.
- دراسة أسانيد التفسير ستعقد لها دورة مخصصة بإذن الله تعالى، لكن سأذكر هنا خلاصة يتبلّغ بها الباحث بإذن الله تعالى.
- الأقوال المروية عن بعض السلف وفيها نكارة لا تكاد
تخلو من بيان العلماء المفضي إلى ردّها وكشف خطئها أو توجيهها بما تصحّ به
في حال صحة الإسناد وصحّة الدلالة على ذلك المعنى؛ وفي هذه الحالة يحتاج
الدارس إلى البحث في كتب العلماء المعتنين بالتحرير العلمي ونقد الأقوال
وقد سبقت الإشارة إلى كتبهم، ويضيف إليها النظر في كتب مشكل القرآن.
- إذا ظفر الباحث بنقد أولئك العلماء وبيانهم فقد كفي أكثر المؤونة، ويمكنه أن يبني دراسته على ذلك البيان.
- إذا لم يظفر الدارس بهذا البيان أو كان الإشكال
حديث النشأة فيحتاج إلى سؤال أهل العلم عن تلك الرواية، ويعتني بجوابهم؛
ليستفيد منه في نظائره.
- أسانيد التفسير منها أسانيد صحيحة باتّفاق، ومنها أسانيد ضعيفة باتّفاق، ومنها أسانيد مختلف فيها.
- صحّة الإسناد لا تقتضي صحّة القول؛ لأن العلة قد
تكون في المتن، وقد تكون في سياق القول في موضع يحيل المعنى، وقد تكون
الرواية مختصرة اختصاراً مخلاً، فهذه العلل ونحوها مما يقدح في صحة القول
ولو كان الإسناد صحيحاً.
- من أهمّ الوسائل المعينة على اكتشاف العلة جمع الطرق، وقد قال علي بن المديني: (الحديث إذا لم تجمع طرقه لم يتبيّن خطؤه).
- الأسانيد المتّفق على ضعفها كثيرة ويمكن للباحث أن
يعرفها بمداومته على البحث، وأن يتحفّظها؛ فإذا وردت رواية منكرة بإسناد
من تلك الأسانيد سهل عليه ردّه ببطلان ثبوته إذا لم يرو إلا من تلك
الأسانيد الباطلة.
- هذا القدر من التحقق فيه بلغة للباحث بإذن الله تعالى، ويمكنه أن يردّ به كثيراً من الأقوال الواهية المروية بأسانيد باطلة.
- بقيت مسألة مهمّة وهي الأقوال المستخرجة لأحد من
السلف ؛ فهذه بالإضافة إلى ما تقدّم؛ ينظر في صحّة الاستخراج وطريقته؛ فإذا
كان أصل الرواية صحيحاً لكن طريقة الاستخراج فيها خطأ فإنّه يبيّن أن هذا
القول ليس منصوصاً وإنما هو مستخرج، وأن طريقة الاستخراج فيها خطأ، ولا
تُسلّم.
مثال على تخريج أقوال المفسّرين:
قال الماودي(ت:450هـ): (قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً} فيه تأويلان:
أحدهما: معناه دين
الله، وهذا قول قتادة. وسبب ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في ماء
لهم , ويقولون هذا تطهير لهم كالختان , فرد الله تعالى ذلك عليهم بأن قال:
{صِبْغَةَ اللهِ} أي صبغة الله أحسن صبغة، وهي الإسلام.
والثاني: أن صبغة الله هي خِلقة الله، وهذا قول مجاهد.
فإن كانت الصبغة هي
الدين؛ فإنما سُمِّيَ الدين صبغة لظهوره على صاحبه كظهور الصِّبْغِ عَلَى
الثوبِ، وإن كانت هي الخلقة فلإحداثه كإحداث اللون على الثوب).
النقول:[تنبيه:
إيراد النقول ليس من التخريج لكنّي ذكرتها ليتّضح الأمر للدارس ولتوثيق
مصدر التخريج، وهي مطلوبة في التطبيقات لأجل تسهيل التصحيح]
أولاً: قول قتادة:
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر، عن قتادة في قوله: {صبغة الله} قال: «دين الله» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: «{صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً}إنّ
اليهود تصبغ أبناءها يهود، والنّصارى تصبغ أبناءها نصارى، وإنّ صبغة
اللّه الإسلام، فلا صبغة أحسن من الإسلام ولا أطهر، وهو دين اللّه بعث به
نوحًا والأنبياء بعده»). [جامع البيان: 2/ ؟؟]
ثانياً: قول مجاهد:
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة أن مجاهدا قال: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة} قال: «هي الفطرة، فطرة الإسلام التي فطر الناس عليها» ). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 7]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {صبغة اللّه} قال: «فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا محمّد بن حربٍ، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن مجاهدٍ: {ومن أحسن من اللّه صبغةً}، قال: «الصّبغة: الفطرة».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ قال: «{صبغة اللّه}الإسلام، فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها»). [جامع البيان: 2/ ؟؟]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {صبغة اللّه} قال: «دين اللّه ، {ومن أحسن من اللّه صبغةً}ومن أحسن من اللّه دينًا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله). [جامع البيان: 2/ 606]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ومن أحسن من اللّه صبغةً ونحن له عابدون}:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن نميرٍ عن أبي جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية: {ومن أحسن من اللّه صبغةً} قال: «ومن أحسن من اللّه دينًا».
وروي عن مجاهدٍ وإبراهيم النّخعيّ والحسن والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ وعبد اللّه بن كثيرٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 245]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {صبغة الله} قال: «يعني فطرة الإسلام التي فطر الناس عليها»). [تفسير مجاهد: 89]
التخريج:
1. أما قول قتادة فرواه عبد الرزاق وابن جرير في تفسيريهما.
- فروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله {صبغة الله} قال: «دين الله».
- وروى ابن جرير من
طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: قوله: «{صبغة اللّه
ومن أحسن من اللّه صبغةً} إنّ اليهود تصبغ أبناءها يهود، والنّصارى تصبغ
أبناءها نصارى، وإنّ صبغة اللّه الإسلام، فلا صبغة أحسن من الإسلام ولا
أطهر، وهو دين اللّه بعث به نوحًا والأنبياء بعده»
2. وأمّا ما
ذكره عن مجاهد أنّ صبغة الله هي خلقة الله فلم أجده بهذا اللفظ في كتب
التفسير المسندة، ولعله وهْمٌ منه، وقد رُويت عن مجاهد روايتان في هذه
المسألة:
إحداهما: صبغة
الله هي فطرة الإسلام التي فطر الناس عليها، وهذه الرواية أخرجها ابن وهب
وابن جرير من طرق عنه، وأخرجها عبد الرحمن بن الحسن الهمذاني في تفسير آدم
ابن أبي إياس.
والأخرى: صبغة الله: دين الإسلام ، أخرجها ابن جرير، وأشار إليها ابن أبي حاتم في تفسيره.
والروايتان معناهما واحد
وأمّا القول بأنّ {صبغة الله } هي خِلْقة الله؛ فهو قول لبعض أهل اللغة، قال به أبو عبيدة وذكره الزجاج احتمالاً.
التطبيقات:
اختر تطبيقا واحداً من التطبيقات التالية، وخرّج أقوال المفسّرين المذكورة فيه:
1. قال ابن كثير: ({وله الدين واصبا} قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وميمون بن مهران، والسدي، وقتادة، وغير واحد: أي دائما.
وعن ابن عباس أيضا: واجبا.
وقال مجاهد: خالصا، أي: له العبادة وحده ممن في السماوات والأرض، كقوله:
{أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} هذا على
قول ابن عباس وعكرمة، فيكون من باب الخبر، وأما على قول مجاهد فإنه يكون
من باب الطلب، أي: ارهبوا أن تشركوا به شيئا، وأخلصوا له الطلب، كما في
قوله تعالى: {ألا لله الدين الخالص} ).
2. قال ابن عطية: (اختلفت عبارة المفسرين في
المراد في هذه الآية بِحَبْلِ اللَّهِ، فقال ابن مسعود: «حبل الله»
الجماعة، وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن بني
إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين
فرقة كلها في النار إلا واحدة قال فقيل يا رسول الله: وما هذه الواحدة؟ قال
فقبض يده وقال: الجماعة وقرأ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً،
وقال ابن مسعود في خطبة: عليكم جميعا بالطاعة والجماعة فإنها حبل الله الذي
أمر به، وقال قتادة رحمه الله: «حبل الله» الذي أمر بالاعتصام به هو
القرآن، وقال السدي: «حبل الله» كتاب الله، وقاله أيضا ابن مسعود والضحاك،
وروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كتاب الله هو
حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض، وقال أبو العالية: «حبل الله» في
هذه الآية هو الإخلاص في التوحيد وقال ابن زيد: «حبل الله» هو الإسلام).
3. قال ابن الجوزي: (قوله تعالى: {وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ} فيه سبعة أقوال:
أحدها: خافوا ربهم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أنابوا إلى ربهم، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثالث: ثابوا إِلى ربهم، قاله قتادة.
والرابع: اطمأنوا، قاله مجاهد.
والخامس: أخلصوا، قاله مقاتل.
والسادس: تخشَّعوا لربهم، قاله الفراء.
والسابع: تواضعوا لربهم، قاله ابن قتيبة).