30 Dec 2015
الدرس الأول: بيان أنواع فهم القرآن
التمهيد
الحمد لله الذي نزل القرآن وكرَّمه، وبيّنه وأحكَمه، ويسّره للذكر وعلّمه، وشرّف من شاء من عباده ففقّهه فيه وفهّمه، والصلاة والسلام على خير من فهم القرآن حقّ الفهم، وعمل به أحسن العمل، وبلّغه البلاغ المبين، وعلّمه أجودَ التعليم، نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتّبع هداه إلى يوم الدين أما بعد:
فإنّ فهم القرآن منّة عظيمة، وطِلبة كريمة، من أوتيه فقد أوتي خيراً عظيماً، وفضلاً مبيناً، فبه يعرف المؤمن هدى الله تعالى في شؤون دينه وحياته، ويستفتح به أبواب فضله وبركاته، ويستدلّ به على سبيل النجاة من سخطه وعقوباته، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنّ لهم أجراً كبيرا}، فحذف متعلّق أفعل التفضيل "أقوم" ليعمّ جميع ما يُحتاج إلى الهدى فيه.
والمؤمنون يتفاضلون في فهم القرآن تفاضلاً عظيماً، كما يتفاضلون في اتباع هداه، وهذا التفاضل راجع إلى جملة من الأسباب فمنها ما يتعلّق بأعمال القلوب وزكاة النفوس، ومنها ما يتعلّق بالذكاء وحسن الإدراك لمعاني الألفاظ وأنواع دلالاتها، ومنها ما يتعلّق بالتوفيق والخذلان.
وهذه الدورة العلمية غرضها بيان السبيل إلى فهم القرآن، وذلك يتحقق بأمور:
أولها: بيان أنواع فهم القرآن، وما يتطلَّبه كلّ نوع.
والثاني: شرح الأدوات العلمية التي يستخرج بها العلماءُ معاني الآيات القرآنية، ويستنبطون بها الفوائد والأحكام، وتمرين الطالب عليها بالأمثلة والتطبيقات.
والثالث: تلخيص الأبواب المعينة على الجمع بين الأدلة والترجيح بين الدلائل.
وحري بطالب علم التفسير وطلاب العلم عموماً أن يكونوا حريصين على تحصيل ما يعينهم على فهم القرآن، وأن يجتهدوا في دراسة الأمثلة وأداء التطبيقات حتى تحصل لهم الملَكَةُ الحسنة في استعمال الأدوات العلمية التي يُستعان بها على تدبر القرآن وفهم معانيه، واستنباط الأحكام والفوائد والأوجه التفسيرية.
والله المستعان على حسن البيان، وصلاح القصد، وعليه التوكلّ، وبه التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فَهْمُ القرآن على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الفهم الذي تقوم به الحجّة على المكلّفين
وهو مقتضى البلاغ المبين الذي أوجبه الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وشهد له به، وذلك أنّ البلاغ المبين يقتضي أداء اللفظ على وجه يُعرف به معناه، ويٌفهم به مراد قائله؛ فيدلّه على الهدى ويرشده إليه.
وعامّة ما دعا الله تعالى إليه في القرآن، وما أمر به، وما نهى عنه هو من قبيل المحكم البيّن الذي يكفي في فهمه لتقوم به الحجّة على المكلَّف أن يبلّغ إليه بلاغاً مبيناً.
ومن ذلك: أصول الدين من التوحيد، والنبوة، والبعث، والحساب والجزاء، والجنّة والنار، ووجوب طاعة الله ورسوله، والكفر بالطاغوت، وغير ذلك من الأصول العظيمة التي بيّنها الله في كتابه أحسن البيان؛ فصرّف الآيات في بيانها وفصّلها، وأقام الحجج، وضرب الأمثال، ووعظ وذكّر، ورغّب ورهّب، وبشّر وأنذر، حتى جعله فرقانا بين الناس يفرقهم بين متّبع له ومعرض عنه.
وقد بيّن الله ما توعّد به المعرضين عن دعوته، المنابذين لدينه؛ من العقاب الشديد والعذاب الأليم، ومن ذلك ما يجعل على قلوبهم من الأكنّة التي تحول بينهم وبينه فقهه كما قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)}.
وكذلك حدود الله عزّ وجلّ التي بيّنها في كتابه بيانا تقوم به الحجّة فمن عصى من بعد ما تبيّن له الحكم استحقّ العقاب؛ وقد قال الله تعالى: {وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا}، وقال تعالى: {وما كان الله ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتقون}، وقال تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
وكثير من هذه الأحكام قد استفاض العلمُ بها حتى عُدّت من المعلوم من الدين بالضرورة، كتحريم الربا والزنا والسرقة، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والإفساد في الأرض، وأكل مال اليتيم، والسحر، والقذف، والغيبة، والنميمة، والكذب، والبهتان، وقول الزور، وغيرها مما استقرّ العلم بتحريمه واستفاض؛ ولم يبق على المكلّف إلا الطاعة باجتناب ما نهى الله عنه أو العصيان بارتكاب هذه المحرّمات وقد عَلِم أن الله تعالى حرّمها وتوعدّ مرتكبها بالعقوبة الشديدة.
ويقال نظير ذلك في الواجبات التي أمر الله بها؛ كالصلاة والزكاة والصوم والحجّ وقراءة ما تيسّر من القرآن، وذكر الله عزّ وجل، ودعائه، والاستعانة به، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخوف من عقابه، والحذر من سخطه، والتوبة، والاستغفار، وبرّ الوالدين، وصلة الأرحام، وأداء الأمانات إلى أهلها، وحفظ العهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغيرها من الواجبات.
فهذه الأوامر والنواهي التي استقرّ العلم بها وبترتّب الثواب والعقاب عليها يكفي المكلّف فيها أن يبلغه النصّ الدالّ على الوجوب أو التحريم بلاغاً بيّناً، فإذا بلغه وعرف معناه؛ فقد قامت عليه الحجة:
- فإنِ اتّقى الله تعالى وعمل بما علم زاده الله علما وفَهْما في كتابه.
- وإن عصى الله تعالى عوقب بما يحرمه قدراً من فهم القرآن والانتفاع به.
وذلك أنّه تنكت في قلبه نكتة سوداء كلما عصى الله تعالى؛ وهذه النكتة يُحرم بسببها نصيباً من الخير والفضل والفقه، فإذا تمادى في عصيانه ازدادت تلك النُّكَت السُّود حتى ترين على قلبه فيقسو، ويسمع آيات الله تتلى عليه فلا يفقهها من شدّة نفور نفسه عن القرآن، وإعراض قلبه عن التفكّر فيه؛ وهذا نوع من الكِبْر؛ يحمل صاحبه على الفساد والإفساد، وقد قال الله تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}
- قال سفيان بن عيينة: (يقول: أنزع عنهم فهم القرآن، وأصرفهم عن آياتي). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ الأصبهاني.
- وقال السدّي: (سأصرفهم أن يتفكّروا في آياتي).
وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنَّ العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}).
قال ابن تيمية في التعليق على هذا الحديث: (الذنوب تَرِيْنُ على القلوب حتى تَمنعها فهمَ القرآن).
ومن كان متمادياً في العصيان والإعراض عن هدى الله تعالى؛ فهو على خطر من الانسلاخ من الدين، والطبع على قلبه، والعياذ بالله، ومن أراد الله به خيراً هيّأ له سبباً إلى التوبة والاستغفار، ومحو تلك الذنوب وآثارها التي حجبت عنه فهم القرآن والانتفاع به.
والمقصود أن هذا النوع من فهم القرآن، وهو الفهم الذي تقوم به الحجّة لا يقتضي مدح صاحبه، حتى يعمل بموجبه، ثمّ منهم من يحرم هذا الفهم أو ينساه بسبب إعراضه عن تدبّر القرآن ونفوره منه، وبسبب ما عوقب به من قسوة القلب التي قد تصل إلى الطبع والختم، كما قال الله تعالى في الكفار: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)}وقال تعالى: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً}وقال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)}
فبيّن الله تعالى أنّه أعلم بالحال التي يستمعون بها، ومقاصدهم من الاستماع، فإنّهم لمّا كان استماعهم للقرآن ليس استماع طالب للهدى وإنما استماع مبتغٍ ما يطعن فيه ويعيب به من بلّغه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم عوقبوا بأن جُعل بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم حجابٌ مستور لا يبصرونه، يمنعهم من الانتفاع برسالته، وجُعل بينهم وبين فهم القرآن غطاء يمنعهم من التفكر فيه والانتفاع به.
وهذه العقوبة التي جُعلت عليهم كانت بسبب خبث قلوبهم، وسوء طويّتهم، وفساد مقاصدهم، وشدّة معاداتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وبغضهم لما جاء به.
وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)}.
قال ابن تيمية: (أي لأسمعهم فهم القرآن).
وقد حذّر الله عباده المؤمنين من التشبّه بأولئك الكفار في تلك الحالة، وبيَّن أنّهم شرّ الناس عنده، وأنّهم بمثابة من عطّل جوارحه عما فيه نفعه وحياته الحياة الحقيقية؛ فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)}
وفي هذه الآيات من البيان والتنبيه على أسباب فهم القرآن، وأسباب الحرمان منه ما هو جدير بالتأمّل والتفكّر والاعتبار؛ فإن المعرض عن ذكر الله قد يُفتَن بتبدّل إرادته، وتغيّر قصده، وتُحجب عنه البصيرة بأنواع من الحجُب، فيزيغ قلبُه عقوبةً له كما زاغ عما وجب عليه من حسن الاستماع والاتباع.
والنوع الثاني: الفهم الخاصّ
وهو الفهم الذي اختصّ الله به أهل الخشية والإنابة من عباده؛ فإنّهم لمّا أقبلوا على الله بقلوب منيبة تعظمه وتخشاه، وتفرح بهداه، وتشكره على ما أولاه؛ أقبل الله عليهم بخطابه الخاص؛ فجعل لهم في القرآن خطاباً خاصّاً؛ فالناس يقرأون القرآن، وهؤلاء يقرأونه، ولكن شتان بين القراءتين!
قال الله تعالى: {فذكر إن نفعت الذكرى .سيذكر من يخشى}
وقال تعالى: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ}
وقال تعالى: {إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب}.
وقال تعالى: {إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة}.
بل بلغ من إكرام الله لهم أن عاتب الله نبيّه الكريم على إعراضه عن واحد منهم لتصديه لصناديد قريش يدعوهم إلى الله؛ فقال تعالى: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)}
وهذا من دلائل محبّة الله تعالى لأهل الخشية والإنابة، وإكرامه لهم؛ ومحبّته لإسماعهم ما أنزل إليه، فكيف يكون الظنّ بتفهيم الله لهم آياته، وتوفيقهم لليقين، والبصيرة في الدين، حتى يعرفوا الحقائق على وجهها، وينكشف لهم زيف الباطل؛ وكيد الشيطان، وحيل المضلين، فلا ينخدعوا بها.
وقد جعل الله لإنزال القرآن مقصداً عاماً وهو بيان الهدى للناس، وإقامة الحجّة عليهم؛ وجعل له قصداً خاصا وهو خطاب أهل خشيته والإنابة إليه، وتذكيرهم وتبصيرهم به، كما قال الله تعالى: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)}
".. فأهل الخشية والإنابة هم أهل العلم الخاص الخالص؛ لأنهم يدركون ما لا يدركُه غيرهم، ويفهمون ما لا يفهمه غيرهم، ويعرفون معرفةً لا تحصل لغيرهم، معرفةً لها شأنها وبركاتها وفضائلها.
قد يكون أحدهم أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ولم يشتغل بما اشتغل به كثير من المتفقهة، لكنه عند الله من أهل العلم، وفي ميزان الشريعة من أهل العلم، وعند الرعيل الأول والسلف الصالح هو العالِمُ الموفَّق.
وهم بما يُوفَّقُون إليه من حسن التذكر والتفكر والفهم والتبصر يعلمون علماً عظيماً يُفني بعض المتفقهة والأذكياء من غيرهم أعمارَهم ولمَّا يحصّلوا عُشرَه.
ذلك بأنهم يرون ببصائرهم ما يحاول غيرهم استنتاجه، ويصيبون كبد الحقيقة، وغيرهم يحوم حولها، ويأخذون صفو العلم وخلاصته، وغيرهم يفني وقته ويضني نفسه في البحث والتنقيب؛ فيبعد ويقترب من الهدى بحسب ما معه من أصل الخشية والإنابة.
[فمثل الفريقين كمثل الذي يرى منار الطريق ومن يوصف له!! ومثل من يرى الشخص ومَن يقصّ أثره!!]
فكانوا بما عرفوه وتيقنوه وانتفعوا به أهلَ علم نافع، كما قال الله تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}
فجعلهم أهلَ العلم، وغيرُهم قسيمُهم الذين لا يعلمون؛ ونَفْي العلم هنا فيه وجهان: نفي حقيقته ونفي فائدته.
قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه – وهو من أهل هذا العلم - لجبير بن نفير:(إن شئت لأحدثنَّك بأوَّل علم يرفع من الناس! الخشوع، يوشك أن تدخل مسجدَ جماعةٍ فلا ترى فيه رجلا خاشعا) رواه الدارمي والترمذي وغيرهما.
فسمَّى الخشوع علماً، وهو كذلك، لأن الخاشع مقبل بقلبه على كلام ربه معظم له، كثير التفكر فيه والتدبر له؛ فيوفق لفهمه والانتفاع به انتفاعاً لا يحصّله من يقرأ مئات الكتب، وهو هاجر لكتاب ربه، ولا من يقرأ القرآن وصدره ضائق بقراءته يصبّر نفسه عليه، ويفرح ببلوغ آخر السورة لينصرف إلى دنياه.
قال عبد الله بن مسعود: (كفَى بخشية اللهِ علماً، وَكفى بالاغْتِرارِ به جهلًا). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان.." (1)
والفهم أخصّ من مجرّد العلم؛ فإنّه توفيق خاصّ لمعرفة المراد معرفة بيّنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(الفهم أخص من العلم والحكم، قال الله تعالى: {ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رب مبلغ أوعى من سامع))، وقال: ((بلغوا عني ولو آية )))ا.هـ.
وقال ابن القيّم: (الفهم قدر زائد على معرفة موضوع اللفظ وعمومه أو خصوصه، فإن هذا قدر مشترك بين سائر من يعرف لغة العرب، وإنما هذا فهم لوازم المعنى ونظائره، ومراد المتكلم بكلامه، ومعرفة حدود كلامه، بحيث لا يدخل فيها غير المراد، ولا يخرج منها شيء من المراد)ا.هـ.
وقد نبّه البخاري رحمه الله في صحيحه على سبب التوفيق لفهم القرآن؛ فقال:({لا يمسه}: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن، ولا يحمله بحقه إلا الموقن لقوله تعالى: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين}).
وهذا القول ربما استغربه من لم يتفطّن لحسن مأخذه، ولطافة دلالته، وظنّ أنه بعيد عن معنى الآية، وهو عند التدبر الصحيح من أظهر مقاصد الآية، وبديع تنبيهها.
قال ابن القيّم رحمه الله شارحاً هذا المعنى:(أنت إذا تأملت قوله تعالى: {إنه لقرآن كريم .في كتاب مكنون .لا يمسه إلا المطهرون}وجدت الآية من أظهر الأدلة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا القرآن جاء من عند الله، وأن الذي جاء به روح مطهَّر، فما للأرواح الخبيثة عليه سبيل؛ ووجدت الآية أخت قوله: {وما تنزلت به الشياطين .وما ينبغي لهم وما يستطيعون}ووجدتها دالة بأحسن الدلالة على أنه لا يمس المصحف إلا طاهر، ووجدتها دالة أيضا بألطف الدلالة على أنه لا يجد حلاوته وطعمه إلا من آمن به وعمل به، كما فهمه البخاري من الآية فقال في صحيحه في باب: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها}لا يمسه " لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن ولا يحمله بحقه إلا المؤمن لقوله تعالى: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا}، وتجد تحته أيضا أنه لا ينال معانيه ويفهمه كما ينبغي إلا القلوب الطاهرة، وأن القلوب النجسة ممنوعة من فهمه، مصروفة عنه، فتأمل هذا النسب القريب، وعَقْدَ هذه الأخوة بين هذه المعاني وبين المعنى الظاهر من الآية، واستنباط هذه المعاني كلها من الآية بأحسن وجه وأبينه)ا.هـ.
وخلاصة بيان هذا المعنى أنّ الله تعالى لمّا أقسم بذلك القسم العظيم الذي قال فيه: {فلا أقسم بمواقع النجوم .وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم}وهذا فيه تنبيه للنفوس المؤمنة لتتلقّى نبأ هذا القسم والمقسم عليه بالتعظيم والإجلال، وحسن التفكّر والتدبر، واليقين بعظمة دلائل هذا القسم.
ثمّ بين جواب القسم بجملة من المؤكدات اللفظية والمعنوية فقال تعالى: {إنه لقرآن كريم .في كتاب مكنون .لا يمسّه إلا المطهرون}.
فتبيّن بدلالة منطوقه على عظمة قدره وكمال حفظه الظاهر بحفظ ألفاظه.
وتبيّن بدلالة تنبيهه على الحفظ الباطن لمعانيه وهداياته، وأنّ الله تعالى لم يكن ليعطي فهمه وحلاوته وبركته من لم يطهّر قلبه لتلقّيه.
فلا يوفّق لحسن فهمه إلا من أحسن القيام به ممن آمن به، واتّبع هداه، فجمع بين العلم والعمل، وهذا وجه استدلال البخاري بقوله: (ولا يحمله بحقه إلا المؤمن لقوله تعالى: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا}).
ولذلك قال سفيان بن عيينة: (ما في القرآن آية أشد عليَّ من: {لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}).
فرجعت أسباب التوفيق لحسن فهم القرآن إلى طهارة القلب، وهذه الطهارة يتفاضل فيها الناس؛ فأمّا الكفار والمنافقون فقلوبهم نجسة خبيثة، وأما المسلمون فعلى درجات في طهارة قلوبهم؛ وأكملهم طهارة من الشرك كبيره وصغيره، ومن البدع والمعاصي، ولا سيما الكبائر الباطنة؛ أقربهم إلى التوفيق لحسن فهم القرآن، وأعظمهم نصيبا من هدايته وحلاوته وبركاته.
قال سفيان بن عيينة: قال عثمان: (لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام الله عز وجل). رواه ابن المبارك في الزهد، وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على فضائل الصحابة لأبيه، وأبو نعيم الأصبهاني في الحلية.
ورواه البيهقي في الاعتقاد وابن عساكر في تاريخه من طريق سفيان بن عيينة قال: حدثنا إسرائيل بن موسى قال: سمعت الحسن يقول: قال عثمان رضي الله عنه: (لو أنَّ قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لأكره أن يأتي عليَّ يوم لا أنظر في المصحف).
والحسن البصري كان قد ناهز البلوغ يوم مقتل عثمان.
قال علي بن المديني: (سمع الحسن من عثمان بن عفان وهو غلام يخطب).
وأكثر أهل الحديث لا يثبتون من روايته عنه إلا ما صرّح فيه بالسماع.
وقال ابن تيمية: (لا ريب أن الله يفتح على قلوب أوليائه المتقين وعباده الصالحين بسبب طهارة قلوبهم مما يكرهه، واتباعهم ما يحبه؛ ما لا يفتح به على غيرهم، وهذا كما قال علي: "إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه" وفي الأثر: "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم")ا.هـ.
وأطهر المؤمنين قلوباً هم أهل الخشية والإنابة، وهم أهل هداية الله تعالى وتوفيقه، كما قال الله تعالى: {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}،وقال: {قل إن الله يضلّ من يشاء ويهدي إليه من أناب}.
والمقصود أنّ تفهيم الله تعالى لأهل خشيته والإنابة إليه في معاني القرآن تفهيم خاصّ؛ يقذفه الله في قلوبهم، ولا سيّما في مواضع الفتن التي تزلّ فيها أقدام الأذكياء وحذّاق المعرفة النظرية؛ فيكون لدى هؤلاء من اليقين والثبات وحسن المعرفة ما يبصرون به طريق الهدى إبصاراً بيّنا لا يلتبس عليهم، ويوفّقون لفهم مراد الله تعالى من كلامه في آية من الآيات قد يقرؤها غيرهم مراراً فلا يتفطّن لما فهموه منها؛ حتى إذا قرأها هؤلاء عليهم شعر الناس كأنّ تلك الآية لم تكن نزلت من قبل، لما يرون من وضوح دلالتها على الهدى في موضع الفتنة.
وكثير من الناس إنما يحجبهم عن رؤية الحقّ تلك الغشاوة التي غطّت أبصارهم بسبب ذنوبهم، وما أطاف به الشيطان عليهم فضللهم عن طريق الهدى، فإذا زال أثر الذنب وكيد الشيطان، تذكّروا فأبصروا الحقّ، وعرفوا أنّهم كانوا في عماية عنه بسبب ذنوبهم، وهذا من تفهيم الله تعالى لهم أن بصّرهم بالحق فعرفوه، كما قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201)وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)}.
وقوله: {تذكروا فإذا هم مبصرون} (إذا) هذه هي التي يسمّيها العلماء بإذا الفجائية؛ وهي تدل على سرعة حصول الإبصار بعد التذكّر؛ فيستفيد بذلك المؤمن المتّقي معرفة قدر التذكّر، وأنّه يحصل به الإبصار المباشر للحق؛ فليس بين التذكر والإبصار رحلة طويلة كما يكون بين كثير من النظريّات وبراهينها، والاستنتاجات وتحقق نتائجها.
والغرض من ذكر هذا النوع الحثّ على أن يجتهد المؤمن في الازدياد من الخشية والإنابة لله تعالى ليزداد نصيبه من فهم القرآن والانتفاع به. (2)
والنوع الثالث: الفهم الذي يحصل بالتعلّم والتمرن واستعمال الأدوات العلمية
وهو من شأن المتعلّمين والمتفقهين في القرآن، ومن اجتهد فيه بنيّة حسنة رجي له أن يوفّقه الله تعالى لفهم القرآن، فيفهم من الآية الواحدة فوائد وأحكاماً كثيرةً يغفل عنها كثيرٌ ممن لا يقرأ القرآن بتدبّر، ولا يحسن استعمال تلك الأدوات العلمية، وقد روى الطبراني والخطيب البغدادي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحرَّ الخير يُعْطَه، ومن يتوقَّ الشرَّ يوقَهْ)).
فالتفهّم في القرآن يورث من أنواع الفهم بحسب مقاصد صاحبه وما يحسنه من الأدوات؛ فمن تفهّم فيه لطلب الهدى وجد فيه ما يهديه، ومن تفهّم فيه للتعرف على لطائفه وبدائعه وجد فيه من ذلك شيئاً كثيراً.
لكن ينبغي التنبه إلى أنّ هذا النوع هو من صنف الفهم النظري؛ الذي لا ينفع صاحبه إلا أن يصحّ فيه مقصده، ويُتبعه حسنَ العمل.
ومن دخله الفساد في مقاصده وأعماله؛ قد يُفتن بأنواع من الفتن تصرفه عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن، فربّما انصرفت همّته إلى تتبّع دقائق اللطائف البيانية التي يصيب في بعضها ويخطئ في بعضها، وتكبر في عينه حتى ربما ظنّ أنه مصيب فيها إصابة لم يُسبق إليها، وقد يعجبه ما يُرى من إصابته وما توصّل إليه، وهو في حقيقة الأمر مقيمٌ على بدعة عظيمة منكرة، أو كبيرة من الكبائر الباطنة التي حرم بسببها التوفيق لسلوك سبيل النجاة، فيقرأ القرآن وهو معرض عن طلب الشفاء من دائه الدويّ، متطلّب لما يعجب الناس ويبهرهم من دقائق الإشارات ولطائف العبارات؛ فهذا الصنف على خطر عظيم، وإن ظنّ أنه محسن؛ فإنّ مدار التوفيق على الإخلاص لله تعالى، واتّباع الهدى، ولذلك يكون فيمن يبتلي بهذا الداء كبائر باطنة من العجب والكِبْر، وطلب الجاه والرياسة، وغيرها من المقاصد السيئة التي هي خلاف مقاصد أهل الخشية والإنابة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (كثير من المنتسبين إلى العلم يُبتلى بالكِبْر كما يُبتلى كثيرٌ من أهل العبادة بالشرك، ولهذا فإن آفة العلم الكِبْر، وآفة العبادة الرياء، وهؤلاء يُحْرَمون حقيقة العلم؛ كما قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}).
قال أبو قِلابة: منع قلوبَهم فهم القرآن.
ولهذا كان الكِبْر كثيرًا في اليهود وأشباه اليهود الذين يعلمون الحقَّ ولا يتبعونه.والشرك كثير في النصارى وأشباه النصارى الذين يعملون ويعبدون بغير علم.والمهتدون هم الذين يعلمون الحق ويعملون به كما قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ})ا.هـ.
ومن تأمّل ما في تفاسير أهل الأهواء من اشتغال كثير منهم بدقائق اللطائف والفوائد، ومعارضتهم لبعض أصول الاعتقاد ببعض تلك الدقائق، وإعراضهم عن الأدلّة البيّنة الدالّة على بطلان ما أتوه من بدع عظيمة، وهم يقرأون القرآن ويفسّرونه، علم أنّهم حُرموا التوفيق لفهم القرآن في تلك المسائل العظيمة بسبب إعراضهم عن طلب الهدى في تلك المسائل، ولأنّ قلوبهم لم تكن متطهّرة من البدع.
فإذا أضيف إلى ذلك التعالم والتكلّف، والقول في القرآن بغير علم، إمعانا في رغبة الإبهار والإدهاش بما يستخرجه من دقائق اللطائف والبدائع، مع إعراضه عن الآيات البيّنات التي تحذّره من كبائر ما اقترف؛ علم أنّ هذا الصنف قد مُكر به، وأنّه حُرم فهم القرآن في أشدّ ما يحتاج إليه، وأنه ممن نسي الله فنسيه الله، وإن كان يقرأ القرآن ويفسّره، فإنّه إنما قرأه وفسّره ليبتغي به مراداته الدنيوية لا ليهتدي به إلى الله، ولا ليتّخذ به إليه سبيلا.
وإنما قدّمت هذه المقدّمة بين يدي الأدوات العلمية نصيحة لطلاب العلم لئلا يظنّ ظانٌّ أن معرفته بدقائق الفوائد واللطائف، واستخراجه إياها بالأدوات العلمية دليلٌ على صلاحه وكرامته وحسن عاقبته؛ ولِيُعلمَ أنّ الفهم النافع للقرآن هو الفهم الذي يهتدي به صاحبه إلى الله تعالى؛ فيخشاه ويتبّع رضوانه، فالخشية ثمرة الهداية وعلامة نفع العلم كما قال الله تعالى: {وأهديك إلى ربّك فتخشى}، وقال: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.
فإذا كان طالب العلم معتنيا بتصحيح مقاصده وتحسينها، مجتهداً في إصلاح قلبه وعمله؛ فإنّه يرجى له التوفيق لحسن فهم القرآن حتى يلتحق بأهل الخشية والإنابة بإذن الله تعالى.
وعوداً على بدء نقول في تلخيص ما تقدّم: إنَّ فهم القرآن على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الفهم الذي تقوم به الحجّة، وهو مقتضى البلاغ المبين، وهذا لا يقتضي مدح صاحبه ولا ذمّه، وإنما يجازى بموقفه من هذا البيان؛ فإن تلقاه بالإيمان والتسليم والخضوع لله تعالى واتّباع هداه؛ فهو من أهل الإيمان، وإن أعرض وتولّى فهو من أهل الكفر.
والنوع الثاني: الفهم الخاص الذي اختص الله به أهل خشيته والإنابة إليه.
والنوع الثالث: الفهم الذي يحصل لطالب العلم بالتدرب واستعمال الأدوات العلمية التي يستعملها العلماء لاستخراج المعاني والفوائد القرآنية.
وهذا التدرب إذا أحسن الطالب قصده فيه رجي له أن يفتح الله تعالى له من أبواب فهم القرآن ومعرفة هداه فتوحاً عظيمة حتى يلتحق بأصحاب النوع الثاني.ومن اغتر بتلك الأدوات العلمية وأعجب بما يستخرجه بها من الفوائد واللطائف وهو مقيم على سوء القصد وفساد العمل؛ فإنّها لا تنفعه عند الله، بل هي حجّة على صاحبها.
_______________________
(1) مقتبس من الحديث عن فضل الخشية والإنابة في كتابي ( أعمال القلوب).
(2) للاستزادة ينظر باب الخشية والإنابة من كتاب أعمال القلوب المتقدّم ذكره.