الدروس
course cover
الدرس الرابع: دلالة منطوق الآيات
13 Oct 2019
13 Oct 2019

884

0

0

course cover
أصول تدبر القرآن

القسم الأول

الدرس الرابع: دلالة منطوق الآيات
13 Oct 2019
13 Oct 2019

13 Oct 2019

884

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الرابع: دلالة منطوق الآيات

دلالة منطوق الآية هي الأصل في تفسيرها، وهي من أظهر الدلائل وأقربها مأخذاً، وتدبّر منطوق الآية يعين المفسّر على استخراج الفوائد منها استخراجاً حسناً ثم ينتقل لما بعدها من الدلالات.

والمنطوق ينقسم إلى قسمين: نصّ وظاهر

فالنصّ: هو ما يدلّ على معناه دلالة بيّنة لا تحتمل غيره.

مثال ذلك: قول الله تعالى: {كتب عليكم الصيام} نص في وجوب الصيام.

والظاهر: ما دلّ على معنى أرجح من غيره؛ فقد يدلّ منطوق اللفظ على أكثر من معنى، ويكون في أحدها أرجح من غيره.

مثال ذلك: قول الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}

ظاهر اللفظ يدل على أنّ مرجع الضمير في قوله تعالى: {له} إلى القرآن، وهو قول الجمهور.

وذهب بعض المفسرين إلى أنه راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خلاف ظاهر الآية، وإن كان معنى معتبراً وصحيحاً في نفسه.

وللمنطوق ثلاثة أنواع من الدلالات: المطابقة والتضمّن والالتزام.

أ: فأما دلالة المطابقة: فهي دلالة اللفظ على تمام المعنى الذي وضع له، وهي أظهر الدلائل.

ومن أمثلة ذلك:

- دلالة قول الله تعالى: {الله لا إله إلا هو} هي نفي وجود إله على الحقيقة غير الله جلّ وعلا.

- ودلالة قول الله تعالى: {ولا تشركوا بالله شيئاً} على تحريم جميع أنواع الشرك هي دلالة مطابقة لأن جميع أنواع الشرك بالله واقعة في موقع النهي.

ب: وأما دلالة التضمّن فهي دلالة اللفظ على جزء معناه.

مثال ذلك: دلالة قول الله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} على تحريم الزنا، لأنه من الفواحش، وليس هو جميع الفواحش.

فالآية دالّة على تحريم الزنا بدلالة التضمّن.

ودلالة قول الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} على الأمر بستر العورة.

ج: وأما دلالة الالتزام فهو دلالة اللفظ على لازم معناه، وهذا اللازم خارج عن الدلالة المباشرة للفظ لكنّه لازم لها.

ودلالة الالتزام دلالة عقلية، لأن المخاطَب يستدلّ بثبوت معنى اللفظ على ثبوت لوازمه. وهذا عمل ذهني يُدرك بالعقل.

ولازم الحقّ حقّ؛ فإذا صحّ تفسير معنى الآية فما يلزم من معناها فهو صحيح أيضاً.

ومن أمثلتها:

- دلالة قول الله تعالى: {أحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} على جواز أن يصبح الصائم جنباً؛ وذلك لدلالة منطوق الآية على إباحة إتيان الأهل إلى آخر وقت من الليل بما لا يتّسع معه وقت للغسل؛ فيلزم من ذلك جواز أن يصبح يطلع الفجر والمرء جنباً لم يغتسل بعد.

- ودلالة قول الله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} على أنّ الإيمان ينقص؛ لأن ما يزيد بأسباب فيلزم من زيادته بها أنه ينقص بضعفها أو انتفائها.

ودلالة المطابقة والتضمن دلالتان صريحتان، ودلالة الالتزام غير صريحة لأنها تدلّ على معنى آخر غير المعنى المتبادر من اللفظ.

ودلالة الالتزام على درجات بحسب قوة اللزوم، منها:

1: دلالة الاقتضاء، وهي دلالة اللفظ على معنى لازمٍ لمعناه الأصلي لزوماً تتوقف عليه صحّة المعنى الأصلي كدلالة الفعل على وجود فاعل؛ فإذا انتفى الفاعل انتفى الفعل ضرورة.

ولذلك قال بعض الأصوليين في تعريفها: (دلالة اللفظ على ما يتوقف عليه صدق المتكلّم).

ودلالة الاقتضاء تُبحث في الدلائل اللفظية كما في هذا المبحث، وتُبحث فيما هو أعمّ من ذلك، ويُقسّم الاقتضاء إلى اقتضاء ضروري، واقتضاء نظري.

فالاقتضاء الضروري كدلالة المخلوق على الخالق، ودلالة الأثر المترتب على السبب ترتّباً ضرورياً، كدلالة الإبصار على النظر.

والاقتضاء النظري هو ما يقتضي الوجوب وتلزم به الحجة وإن كان قد لا يكون في الواقع، كاقتضاء العلم للعمل، واقتضاء النهي الجازم للترك، فهو اقتضاء لازم بالنظر والاستدلال لا بالضرورة التي هي واقعة عادة.

لكن ما نبحثه هنا ما يتعلق بالدلالات اللفظية، وهو ما يعني المفسّر عند تفسيره للقرآن.

فدلالة الاقتضاء هي أعلى درجات اللزوم؛ لأنّ المعنى الأصلي لا يصحّ إذا لم يصحّ المقتَضى.

ومن أمثلتها:

- اقتضاء الأمر بالتوحيد النهيَ عن الشرك.

- ودلالة قول الله تعالى: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} على وجوب الإيمان بالرسول، ووجوب الإيمان بصفة الرحمة لله تعالى بالاقتضاء.

- وقال ابن جزي في تفسيره: ({فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} هذا خطاب لقريش وغيرهم من الكفار دون المؤمنين {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً} أي سوف يكون العذاب لزاماً ثابتاً، وأضمر العذاب، وهو اسم كان لأنه جزاء التكذيب المتقدم)

- ودلالة قول الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} على أنّهم بدّلوا في كتابتهم وحرّفوا كتاب الله عما أنزل عليه.

ومن أهل العلم من يسمّيها دلالة الإضمار لأنهم يرون أن الاقتضاء لا يكون إلا على محذوف دلّ عليه المقام؛ فكأنّ المتكلّم أضمر كلاماً يقتضيه ما تكلّم به.

ومن أمثلة دلالة الإضمار:

- دلالة قول الله تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} على إضمار (فأفطر) لأنّ القضاء لا يجب على من أدّى الصيام.

- ودلالة قول الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} على إضمار المراجعة قبل الطلقة الثالثة.

- وقد يكون الإضمار لجمل متعددة كما في قول الله تعالى: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)}

وفي هذه الآيات من إضمار الجمل المتعددة ما لا يخفى.

وذهب جماعة من الأصوليين إلى التفريق بين دلالة الاقتضاء ودلالة الإضمار، واختلفوا في التفريق بينها على أقوال ذكرها الزركشي في "البحر المحيط في أصول الفقه" ، وبعض الفروق لا تسلم من الاعتراضات.

والتحقيق أن الإضمار على درجات؛ فإن كان الإضمار دالاً على محذوف يقتضيه المذكور فهو من دلالة الاقتضاء، وإن كان غير لازم فليس من الاقتضاء.

فدلالة الاقتضاء أعمّ من الإضمار من وجه، وأخصّ منه من وجه آخر.

وبعض ما ادُّعي فيه الإضمار لا يُسلَّم.

2: دلالة الإيماء، وهي أن يدلّ اللفظ على معنى لازم يفهمه المخاطب من غير تصريح.

وهو على نوعين: إيماء جليّ، وإيماء خفيّ.

- فالإيماء الجلي مثل دلالة قول الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)} على أنّ التقوى سبب لدخول الجنة.

ودلالة قول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} على أنّ علّة القطع هي السرقة.

- والإيماء الخفيّ – والخفاء فيه نسبي – مثل دلالة سورة النصر على قرب أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ودلالة قول الله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم يجعل كيدهم في تضليل} على أن الذي حفظ بيته سيحفظ رسوله وأولياءه ودينه الحق.

وكذلك ما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (( إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده؛ فاختار ما عند الله ))

فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

قال أبو سعيد: فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ؟!! إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله.

قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا بكر لا تبكِ، إنَّ أمنَّ الناسِ عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنتُ متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقينَّ في المسجدِ باب إلا سُدَّ، إلا باب أبي بكر)).

ودلالة الإيماء من العلماء من يسمّيها دلالة التنبيه، ومنهم من يسمّيها فحوى الخطاب.

ومن الأصوليين من يعرّف دلالة الإيماء بأنّها اقتران الحكم بوصف على وجه لو لم يكن ذلك الوصف علّة للحكم لكان الكلام معيباً.

والصواب أنّ هذا نوع من أنواع دلالة الإيماء، وهي أوسع من ذلك.

3: دلالة الإشارة، وهي أن يدلّ معنى اللفظ على معنى آخر صحيح قد يكون مراداً للمتكلّم، وإن كان المتبادر إلى الذهن أن الكلام لم يُسق لأجله ابتداء.

ومن أمثلته:

- دلالة قول الله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهنّ نحلة} على تحريم نكاح الشغار.

- ودلالة قول الله تعالى: { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} مع قوله تعالى: { وفصاله في عامين} على أنّ أقلّ الحمل ستة أشهر.

- ودلالة قول الله تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)} على تبشير النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة بالفتح، وأن ما سيرزقه الله من الخراج الذي يأتيه من البلدان التي يفتحها خير، وهذه الآية مكية فيها تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم، وتبكيت للكفار، ولم يكن بين نزولها وتحققها إلا سنوات يسيرة، وقد اتسع الخراج في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم حتى جعلوا ديوانا سمّوه ديوان الخراج.

- ومن ذلك ما تقدّم من قول البخاري رحمه الله في صحيحه: ({لا يمسه}: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن، ولا يحمله بحقه إلا الموقن لقوله تعالى: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين}).

قال ابن القيّم رحمه الله: (دلَّت الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلب المتلوث بنجاسة البدع والمخالفات أن ينال معانيه وأن يفهمه كما ينبغي).

دلالة الإيماء استفادها من عموم وصف الطهارة، ودلالة الإشارة من التناسب بين المسّ الحسّي والمسّ المعنوي.

وقد يقع الاشتباه بين دلالة الإشارة ودلالة الإيماء إذ يجمعهما جامع إفهام المراد من غير تصريح، والأمر فيهما قريب.

ومن الأصوليين من عرّف دلالة الإشارة بأنها دلالة اللفظ على معنى لازم غير مقصود من اللفظ، لا يتوقف عليه صدق الكلام ولا صحته.

وقد انتقد الأمير الصنعاني في كتابه "إجابة السائل شرح بغية الآمل"؛ التقييد بعدم قصد المتكلم؛ فقال: (واعلم أن جعلهم اللازم في دلالة الإشارة غير مقصود للمتكلم محل نظر، وكيف يحكم على شيء يؤخذ من كلام الله أنه لم يقصده تعالى، وتثبت به أحكام شرعية؟!! ومن أين الاطلاع على مقاصد علام الغيوب؟!!).

ودلالة الإشارة على مراتب في الوضوح والصحة، فما استخرج بها من معنى صحيح بيّن ودلالة الآية عليه صحيحة فهو تفسير مقبول.

وما كان صحيحاً في نفسه ودلالة الآية عليه غير متحققة فلا يجزم به.

وما كان فيه تكلّف في الاستدلال أو تمحّل فهو مردود.

وإذا كان المعنى المستخرج بتوهّم دلالة الإشارة معارضاً لدليل صحيح فهو باطل مردود.

وقد يدخل الخطأ على المجتهد في توّهم صحة المعنى أو صحة دلالة الآية عليه.

ومما ينبغي التنبّه له أنّ دلالة الإشارة غير ما يعرف عن الصوفية مما يُسمّى بالتفسير الإشاري، فكثير من كلامهم في هذا الباب ليس له زمام ولا خطام، وإنما هي معانٍ تتفق لهم فتجري على ألسنتهم تعبيراً عن معارفهم ومواجيدهم، وبعضها يُستسمج ذكره، وهو في حقيقته تحريف لمعاني القرآن.

كما قال الثعلبي في تفسيره: ( وقال بعض أهل الإشارة: {ياأيتها النفس المطمئنة}إلى الدنيا {ارجعي} إلى الله بتركها).

وهذا كما ترى لا صلة له بدلالة الإشارة المتقدّم ذكرها.

وقد يقع في بعض كلامهم مما هو من قبيل الاعتبار بالأقيسة والأمثال؛ فيكون منه ما هو مقبول، ومنه ما هو محلّ نظر.

والتفسير الإشاري يقبل إذا توافرت فيه الشروط التي ذكرها ابن القيم رحمه الله: (أن لا يناقض معنى الآية، وأن يكون معنى صحيحاً في نفسه، وأن يكون في اللفظ إشعار به، وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم؛ فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطا حسنا)ا.هـ.

لأنه حينئذ يشمله معنى الاعتبار بالأمثال والأخذ بالأشباه والنظائر.

وتأمُّل دلالات منطوق الآية يعين على التوصّل إلى مقصدها:

مثال ذلك: قول الله تعالى: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم}

دلّت هذه الآية بمنطوقها على أن كل نعمة فخزائنها عند الله، هو المتصرّف فيها جلّ وعلا، ينزّل منها ما يشاء.

ودلّت بلازم المنطوق على سعة ملك الله عزّ وجلّ وعلى حكمته وتقديره وعلمه.

فتبيّن بذلك أنّ مقصد الآية الحثّ على سؤال الله تعالى مما في خزائنه، والرضا بما يقسمه، وقطع التعلّق بغير الله تعالى.

أمثلة من أقوال المفسرين:

1: قال الله تعالى: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا (73)}

- قال محمد الأمين الشنقيطي: (ولا يخفى أن لهذه الآية الكريمة دلالتين: دلالة بالمنطوق، ودلالة بالمفهوم، فقد دلت بمنطوقها على أن من صفات عباد الرحمن، أنهم إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها، لم يكبوا عليها في حال كونهم صما عن سماع ما فيها من الحق، وعميانا عن إبصاره، بل هم يكبون عليها سامعين ما فيها من الحق مبصرين له).

2: قال الله تعالى: {قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين (26) فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم (27)}

- قال محمد الأمين الشنقيطي: (وقد ذكر جلَّ وعلا أنَّ الإشفاقَ من عذاب الله من أسباب دخول الجنة والنجاة من العذاب يوم القيامة، كما دل عليه منطوق آية الطور هذه، قال تعالى في المعارج: {والذين هم من عذاب ربهم مشفقون . إن عذاب ربهم غير مأمون} إلى قوله: {أولئك في جنات مكرمون} الآيات).

3. قال الله تعالى:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}.

- قال محمد الأمين الشنقيطي: (الآية تبين معنى الكلالة بيانا شافيا، لأنها أوضحت أنها: ما دون الولد والوالد.

فبينت نفي الولد بدلالة المطابقة في قوله تعالى: {إن امرؤ هلك ليس له ولد}، وبينت نفي الوالد بدلالة الالتزام في قوله تعالى: {وله أخت فلها نصف ما ترك} لأن ميراث الأخت يستلزم نفي الوالد}.

4. قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}

- قال ابن عاشور: (والمراد من السؤال عن المحيض السؤال عن قربان النساء في المحيض بدلالة الاقتضاء، وقد علم السائلون ما سألوا عنه والجواب أدلّ شيء عليه).

5: قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)}

- قال محمد الأمين الشنقيطي: (وقد يؤخذ بدلالة الإيماء: الوعدُ بفتوحات شاملة، لمناطق شاسعة من قوله تعالى: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}

لأن الإتيان من كل فج عميق، يدل على الإتيان إلى الحج من بعيد، والإتيان إلى الحج يدلّ على الإسلام، وبالتالي يدلّ على مجيء المسلمين من بعيد، وهو محل الاستدلال، والله تعالى أعلم).

تطبيقات:

استخرج ما تعرف بدلالات المنطوق من الآيات التاليات:

(1) قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)}

(2) قول الله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}

(3) قول الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)}

(4) قول الله تعالى: { وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)}

(5) قول الله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)}