2 May 2020
الدرس السابع: دلالات تراكيب الجمل
المبحث الأول: دلالات الجمل الاسمية والجمل الفعلية
عناصر الدرس:
● تمهيد.
● دلالات الجمل الاسمية والفعلية.
● أمثلة من أقوال المفسرين:
- المثال الأول: تفسير قول الله تعالى: {فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ}.
- المثال الثاني: تفسير قول الله تعالى: {ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم}.
- المثال الثالث: تفسير قول الله تعالى: {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}.
- المثال الرابع: تفسير قول الله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن}.
● تطبيقات.
تمهيد:
من أصول التفسير
البياني المعينة على فهم القرآن معرفة دلائل تراكيب الجمل؛ فتراكيب الجمل
الاسمية والفعلية وما فيها من إضافة وقلب، وتقديم وتأخير، وتعريف وتنكير،
وذكر وحذف، وفصل ووصل، وإضمار وإظهار، وإيجاز وإطناب، والتفات وإضراب،
وحمل على اللفظ وحمل على المعنى، وغير ذلك من مباحث تراكيب الجمل في
القرآن لها دلائلها البديعة الباهرة، التي تدلّ مَن وقف عليها وتفطّن لها
على عظمة هذا القرآن وإعجاز بيانه.
وهذه المباحث مع ما تقدّم من
دلائل المفردات وما يأتي من دلالات الأساليب هي قطب رحى التفسير البياني،
وميدان فرسانه، يصولون فيه ويجولون، ويبحثون وينقّبون، ويُعيدون ويُبدئون
ليستخرجوا من كنوز القرآن وبدائع معانيه ولطائف دلائله ما لا ينقضي كثرة،
ولا يخلق بالتكرار، ولا تزيده المدارسة إلا تجدداً واستنارة.
وإحكام طالب العلم معرفةَ أصول
هذه المباحث، واطّلاعه على قدر كافٍ من أقوال أهل العلم فيها، وتدرّبه
على بحث مسائلها، ومحاكاة أمثلتها بإشراف علمي من أعظم ما يعينه على سلوك
سبيل التمكّن في هذا العلم الجليل، وهو
باب واسع لاستخراج الفوائد القرآنية، والأوجه التفسيرية، ومن فُتح له في
هذا الباب أمكنه أن يستخرج من الآية الواحدة جملة من الفوائد العجيبة.
وسأذكر – بعون الله تعالى - خلاصات نافعة لبعض هذه
المباحث مقرونة بأمثلتها يكتسبُ بها الطالب تصوّرَ المراد، وتُطَرِّقُ له
السبيل إلى محاكاة تلك الأمثلة، والله المستعان، وبه التوفيق.
المبحث الأول: دلالات الجمل الاسمية والجمل الفعلية
أول دلالات تراكيب الجمل؛ تنوّعها إلى جمل اسمية، وجمل
فعلية؛ واختلاف دلالاتهما بأنفسهما وبما يلحقهما من لواحق، وتفصيل ذلك في
كتب النحو والبلاغة، ولكن مما يحتاج المفسّر إلى معرفته أن الأصل في الجملة
الاسمية أن تدلّ على الثبوت، ثم قد تدلّ على الدوام والتمكن لقرينة، وأنّ الجملة الفعلية تدلّ على حدوث الفعل؛ ثمّ تتنوّع دلالتها بتنوّع صيغة الفعل؛ كما تقدّم في درس الصيغ الصرفية.
فإذا قلت: زيد قائم ؛ أفدت السامع أنه مستمر في القيام.
وإذا قلت: قام زيد؛ أفدت حدوث فعل القيام منه.
وإذا قلت: زيد يقوم ويقعد، أفدت أمرين:
- تكرر القيام والقعود منه لدلالة الفعل المضارع على التجدد.
- واستمراره على هذا الحال لدلالة الجملة الاسمية على الثبات والدوام.
ولذلك إذا أريد البيان عن معاني الثبات والدوام والتمكّن أُتي بالجملة
الاسمية، وإذا أريد بيان حدوث الفعل أُتي بالجملة الفعلية، وإذا أريد
الجمع بينهما أتي بجملة اسمية تتضمن جملة فعلية.
والإتيان بالجملة الاسمية يفيد التقوية، وقد يُعدل عن المتبادر إلى
الذهن في الجمل لغرض بلاغي، ولكلّ ذلك أمثلة كثيرة في القرآن الكريم:
- قال الله تعالى: {ولو أنّهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون} عدل في الجواب عن جملة "لأثيبوا" وهي فعلية إلى جملة اسمية "لمثوبة من عند الله" لإفادة ثبوتها وتمكنها، ثم أكدّت بما يفيد الضمان التامّ بأنها من عند الله.
- وقال الله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} عُدل عن مقابلة الجملة الفعلية بمثلها إلى الجملة الاسمية لإفادة تمكنهم في عدم الإيمان.
- وقال الله تعالى: {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون (4)} فدلّت الجملة الاسمية في قوله تعالى: {فهم يعمهون} على تمكّن العمَه منهم ودوامهم عليه، ودلّ الفعل المضارع على تجدّد هذا العمَه، وتكرر حدوثه؛ فهو عمَه ثابتٌ متجدد.
وهذا المبحث من المباحث التي عني بها علماء التفسير البياني، وتتكرر أمثلته كثيراً في كتبهم، وسأذكر من ذلك ما يعرّف بعنايتهم به.
- قال ابن القيّم رحمه الله: (وقوله: {فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ} متضمّن
لمدح آخر لإبراهيم حيث رد عليهم السلام أحسن مما حيَّوه به؛ فإنَّ
تحيتهم باسم منصوب متضمن لجملة فعلية تقديره: "سلمنا عليك سلاماً"، وتحية
إبراهيم لهم باسم مرفوع متضمن لجملة اسمية تقديره سلام دائم أو ثابت أو
مستقر عليكم، ولا ريب أن الجملة الاسمية تقتضي الثبوت واللزوم، والفعلية
تقتضي التجدد والحدوث؛ فكانت تحية إبراهيم أكمل وأحسن). المثال الثاني: تفسير قول الله تعالى: {ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم}
تطبيقات الدرس السابع:
بيّن دلالات الجمل الاسمية والفعلية في الآيات التاليات:
(1) قول الله
تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً
فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ
اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ
النَّارِ (167)}
(2) قول الله
تعالى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ
بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ
الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ
رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا
مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ
(137)}
(3) قول الله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)}
(4) قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}
(5) قول الله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)}