2 Oct 2022
بيان بعض التفاسير الباطلة ومن أخطأوا في التفسير في الدليل لا المدلول
[التفسير الباطني]
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت:
728هـ) : (ثُمَّ إنَّهُ بِسَبَبِ
تَطَرُّفِ هَؤُلاَءِ وَضَلالِهِم دَخَلَتِ الرَّافضةُ الإماميَّةُ ثُمَّ
الفَلاَسِفَةُ ثُمَّ القَرَامِطَةُ وَغَيْرُهُم فِيمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذلِكَ ،
وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ في الفَلاَسِفَةِ وَالقَرَامِطَةِ وَالرَّافضةِ ؛ فَإِنَّهُم
فَسَّرُوا القُرْآنَ بِأَنْواعٍ لاَ يَقْضِي مِنْهَا العَالِمُ عَجَبه
. فَتَفْسِيرُ الرَّافِضَةِ كَقَوْلِهِم : {تَبَّتْ
يَدَا أَبِي لَهَب ٍ}[سُورَةُ الْمَسَدِ :1] وَهُمَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
! و : {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُك} [سُورَةُ الزُّمَرِ :
65] أَيْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي الْخِلاَفَةِ
! و {إِِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ
بَقَرَةً } [ سُورَةُ البَقَرَةِ :
67] هِيَ عَائِشَةُ ! وَ : {فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [ سُورَةُ التوبة : 12] طَلْحَةُ وَالزُّبيرُ
. و : {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } [ سُورَةُ الرَّحْمَنِ : 19] عَلِيٌّ
وَفَاطِمَةُ . وَ : {اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ }
[ سُورَةُ الرَّحْمَنِِِِ : 22]
الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ . {
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ } [ سُورَةُ يس :12] فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ . و : {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ *
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [ سُورَةُ النَّبَإِ : 1-2]
عليُّ بنُ أبي طالبٍ . و : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}
[سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 55] ، هُوَ عَلِيٌّ ،
وَيَذْكُرُونَ الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَهُوَ
تَصَدُّقُه بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلاةِ . وكذلك قولُهُ : {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِن رَّبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ}[سُورَةُ البَقَرَةِ :
157] ، نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ لمَّا أُصِيبَ بِحَمْزَةََ . ومِمَّا يُقارِبُ هَذَا مِنْ بَعْضِ الوُجُوهِ مَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ
مِن الْمُفسِّرِينَ في مِثْلِ قولِهِ : {الصَّابِرِينَ
وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ
بِالأَسْحَارِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ :
17] : إنَّ الصَّابرين رَسُولُ اللهِ ، وَالصَّادِقِينَ أَبُو بَكْرٍ
، وَالقَانِتِينَ عُمَرُ ، وَالْمُنفِقِينَ عُثْمَانُ ، وَالْمُسْتَغْفِرِينَ عليٌّ
. وَفِي مِثْلِ قَولِهِ : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ
وَالَّذِينَ مَعَهُ } : أَبُو بَكْرٍ . {أَشِدَّاءُ عَلَى
الْكُفَّارِ}: عُمَرُ . {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}:
عُثمانُ . {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّدًا }: عليٌّ [سُورَةُ الفَتْحِ :29]. وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِِهِم :
{وَالتِّينِ } أَبُو بَكْرٍ ، {وَالزَّيْتُونِ }
عُمَرُ ، {وَطُورِ سِينِينَ}عُثْمَانُ {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ } عليٌّ
. وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ تَارَةً
تَفْسِيرَ اللَّفْظِ بِمَا لاَ يَدُلُّ عَليْهِ بِحَالٍ ، فَإِنَّ هَذِهِ
الأَلْفَاظََ لاَ تَدُلُّ عَلَى هَؤُلاَءِ الأَشْخَاصِ ِبحالٍ
. وَقَوْلُُهُ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ مَعَهُ
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا }.
كُلُّ ذَلِكَ نَعْتٌ لِلَّذِينَ مَعَهُ ، وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيها
النُّحَاةُ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا أنَّهَا كُلَّهَا صِفَاتٌ
لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍٍٍِ وَهُم الَّذِين مَعَهُ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ
مِنْهَا مُرَادًا بِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ . وَتَتَضَمَّنُ تَارَةً
جَعْلَ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ العَامِّ مُنْحَصِرًا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِم
: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} أُرِيدَ بِهَا عَلِيٌّ وَحْدَهُ . وَقَوْلُ بَعْضِهِم : إِنَّ قَوْلَهُ : { وَالَّذِي
جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } أُرِيدَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ وَحْدَهُ . وَقَوْلُهُ : { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ
مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ } أُرِيدَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ وَحْدَهُ ،
وَنَحْوُ ذَلِكَ).
المفاضلة بين تفسير ابن عطية وتفسير الزمخشري
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ) : (وَتَفْسيرُ ابْنِ عَطِيَّةَ وَأَمْثَالِهِ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَسْلَمُ مِن البِدْعَةِ مِن تَفْسِيرِ الزَّمَخْشَرِيِّ ، وَلَوْ ذَكَرَ كَلاَمَ السَّلَفِ الْمَوْجُودَ فِي التَّفَاسِيرِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُم عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ أحسَنَ وَأَجْمَلَ ، فَإنَّهُ كثيرًا مَا يَنْقُلُ مِن تَفْسِيرِ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَهُوَ مِن أَجَلِّ التَّفاسيرِ الْمَأْثُورَةِ وَأَعْظَمِهَا قَدْرًا ، ثُمَّ إِنَّهُ يَدَعُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَن السَّلفِ لاَ يَحْكِيهِ بِحَالٍ ، وَيَذْكُرُ مَا يَزْعُمُ أنَّهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ ، وَإنَّمَا يَعْنِي بِِهِم طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الكَلاَمِ الَّذِينَ قَرَّرُوا أُصُولَهُم بِطُرُقٍ مِنْ جِنْسِ مَا قَرَّرَتْ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ أُصُولََهمْ ، وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى السُّنَّةِ مِن الْمُعْتَزِلةِ ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، وَيُعْرَفَ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ التَّفْسِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ ؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالأَئِمَّةَ إِذَا كَانَ لَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الآيةِ قَوْلٌ ، وَجَاءَ قَوْمٌ وَفَسَّرُوا الآيَةَ بِقَوْلٍ آخَرَ لأَجْلِ مَذْهَبٍ اعْتَقَدُوه - وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَيْسَ مِنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ – [صَارُوا مُشَارِكِينَ] لِلْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِم مِنْ أَهْلِ البِدَعِ في مِثْلِ هَذَا .
وَفِي الْجُمْلَةِ مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِِ الصَّحَابةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِم إِلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ ؛ كانَ مُخْطِِئًا فِي ذَلِكَ بَلْ مُبْتَدِعًا ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ).
التفسير البدعي
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ) : (فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ طُرُقِ العِلْمِ وَأَدِلَّتِهِ وَطُرُقِ الصَّوابِ . وَنَحنُ نَعْلَمُ أَنَّ القرآنَ قَرَأَهُ الصَّحابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ ، وَأنَّهُم كَانُوا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ ، كَمَا أَنَّهُم أَعْلَمُ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ خَالَفَ قَوْلَهُم وَفَسَّرَ القُرآنَ بِخِلاَفِ تَفْسِيرِهِم فَقَدْ أَخْطَأَ فِي الدَّليلِ وَالْمَدْلُولِ جَمِيعًا .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلُّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ لَهُ شُبْهَةٌ يَذْكُرُهَا : إِمَّا عَقْلِيَّةٌ ، وَإِمَّا سَمْعِيَّةٌ ، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ .
وَالْمَقْصُودُ هُنا التَّنبيهُ عَلَى مَثَارِ الاخْتِلافِ فِي التَّفسيرِ ، وَأَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِهِ البِدَعَ البَاطِلَةَ الَّتِي دَعَتْ أَهْلَهَا إِلَى أَنْ حَرَّفُوا الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ . وَفَسَّرُوا كَلامَ اللهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْرِ مَا أُرِيدَ بِهِ ، وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ .
فَمِنْ أُصُولِ العِلْمِ بِذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ الإِنْسَانُ القَوْلَ الَّذِي خَالَفُوه وَأنَّهُ الْحَقُّ ، وَأَنْ يَعْرِفَ أنَّ تَفْسِيرَ السَّلفِ يُخَالِفُ تَفْسِيرَهُم ، وَأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ تَفْسيرَهُمْ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ ، ثُمَّ أَنْ يَعْرِفَ بِالطُّرُقِ الْمُفَصَّلَةِ فَسَادَ تَفْسِيرِهِمْ بِمَا نَصَبَهُ اللهُ مِن الأَدِلَّةِ عَلَى بَيَانِ الْحَقِّ .
وَكَذَلِكَ وَقَعَ مِن الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرِهِ مِن الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَ فِيمَا صَنَّفُوهُ مِنْ شَرْحِ القُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ).
الذين يخطئون في الدليل لا في المدلول
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ) : (وَأَمَّا الَّذِين يُخْطِئُونَ فِي الدَّليلِ لاَ فِي الْمَدْلُولِ : فَمِثْلُ كَثِيرٍ مِن الصُّوفيَّةِ وَالوُعَّاظِ وَالفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ ، يُفَسِّرُونَ القُرْآنَ بِمَعَانٍ صَحِيحَةٍ ، لَكِنَّ القُرْآنَ لاَ يَدُلُّ عَلَيْهَا ، مِثْلُ كَثِيرٍ مِمَّنْ ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي "حَقَائِقِ التَّفسيرِ" . وَإِنْ كَانَ فِيمَا ذَكَرُوهُ مَا هُو مَعَانٍ بَاطِلَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي القِسْمِ الأَوَّلِ ؛ وَهوَ الْخَطَأُ فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ جَمِيعًا ، حَيْثُ يَكُونُ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدُوهُ فَاسِدًا).