2 Oct 2022
هـ: آداب تلاوة القرآن وأحكامها: (4) ترتيل القرآن وتجويد تلاوته
قالَ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (الترتيل في
القراءة
وقول الله عز وجل: {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل: 4]، وقوله: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} [الإسراء: 106]، يكره أن يهذ كهذ الشعر، يفرق: يفصل، قال ابن عباس: {فرقناه}: فصلناه.
حدثنا أبو النعمان، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا واصل وهو ابن حيان الأحدب عن أبي وائل، عن عبد الله قال: غدونا على عبد الله، فقال رجل: قرأت المفصل البارحة، فقال: هذا كهذ الشعر، إنا قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القراءات التي كان يقرأ بهن النبي صلى الله عليه وسلم ثمان عشرة سورة من المفصل، وسورتين من آل حم.
ورواه مسلم عن شيبان بن فروخ، عن مهدي بن ميمون، عن واصل -وهو ابن حيان الأحدب- عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن ابن مسعود به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن زياد بن نعيم، عن مسلم بن مخراق، عن عائشة أنه ذكر لها أن ناسا يقرؤون القرآن في الليل مرة أو مرتين، فقالت: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا، كنت أقوم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها تخوف إلا دعا الله واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ورغب إليه.
الحديث الثاني: حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} [القيامة: 16]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه. وذكر تمام الحديث كما سيأتي، وهو متفق عليه، وفيه وفي الذي قبله دليل على استحباب ترتيل القراءة والترسل فيها من غير هذرمة ولا سرعة مفرطة، بل بتأمل وتفكر، قال الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} [ص: 29].
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)).
وقال أبو عبيد: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله، فكأنه عجل، فقال عبد الله: فداك أبي وأمي، رتل فإنه زين القرآن. قال: وكان علقمة حسن الصوت بالقرآن.
وحدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن أبي جمرة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة وإني أقرأ القرآن في ثلاث فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ كما تقول.
وحدثنا حجاج، عن شعبة وحماد بن سلمة، عن أبي جمرة، عن ابن عباس نحو ذلك، إلا أن في حديث حماد: أحب إلي من أن أقرأ القرآن أجمع هذرمة).
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (ثم قال البخاري، رحمه
الله:
مد القراءة
حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا جرير بن حازم الأزدي، حدثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان يمد مدا.
وهكذا رواه أهل السنن، من حديث جرير بن حازم به وحدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا
همام، عن قتادة قال: سئل أنس بن مالك: كيف كانت قراءة النبي صلى
الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. يمد بسم الله،
ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم. انفرد به البخاري من هذا الوجه وفي معناه
الحديث الذي رواه الإمام أبو عبيد: حدثنا أحمد بن عثمان، عن عبد الله بن المبارك،
عن الليث بن سعد، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم سلمة: أنها نعتت قراءة
رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا. وهكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل، عن يحيى
بن إسحاق، وأبو داود عن يزيد بن خالد الرملي، والترمذي والنسائي، كلاهما عن قتيبة،
كلهم عن الليث بن سعد به. وقال الترمذي: حسن صحيح. ثم قال أبو عبيد: وحدثنا يحيى بن سعيد
الأموي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة قالت: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته؛ بسم الله الرحمن الرحيم {الحمد لله رب
العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} وهكذا. وهكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن
جريج. وقال الترمذي: غريب وليس إسناده بمتصل، يعني: أن عبد الله بن عبيد الله بن
أبي مليكة لم يسمعه من أم سلمة، وإنما رواه عن يعلى بن مملك، كما تقدم، والله أعلم.
الترجيع
حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة، حدثنا أبو إياس قال: سمعت عبد الله بن مغفل قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته -أو جمله- وهي تسير به، وهو يقرأ سورة الفتح قراءة لينة وهو يرجع.
وقد تقدم هذا
الحديث في القراءة على الدابة وأنه من المتفق عليه، وفيه أن ذلك كان يوم الفتح،
وأما الترجيع: فهو الترديد في الصوت كما جاء -أيضا- في البخاري أنه جعل يقول: (آ آ
آ)، وكأن ذلك صدر من حركة الدابة تحته، فدل على جواز التلاوة عليها، وإن أفضى إلى
ذلك ولا يكون ذلك من باب الزيادة في الحروف، بل ذلك مغتفر للحاجة، كما يصلي على
الدابة حيث توجهت به، مع إمكان تأخير ذلك والصلاة إلى القبلة، والله
أعلم).
حسن الصوت بالقراءة
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (حدثنا محمد بن خلف أبو بكر، حدثنا أبو يحيى الحماني،
حدثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا موسى، لقد أوتيت
مزمارا من مزامير آل داود)) وهكذا رواه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن
الكندي، عن أبي يحيى الحماني -واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن- وقال: حسن
صحيح.
وقد رواه مسلم من حديث طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة، عن أبي موسى
وفيه قصة، وقد تقدم الكلام على تحسين الصوت عند قول البخاري: من لم يتغن بالقرآن،
وذكرت هناك أحكاما كافية عن إعادتها هاهنا، والله أعلم).
من أحب أن يسمع القرآن من غيره
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم بن عبيدة، عن عبد الله قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي القرآن)). قلت: عليك أقرأ وعليك أنزل؟! قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري)) ".
وقد رواه
الجماعة إلا ابن ماجه، من طرق عن الأعمش وله طرق يطول ذكرها وبسطها، وقد تقدم فيما
رواه مسلم من حديث طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة، عن أبي موسى: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا أبا موسى، لو رأيتني وأنا أستمع
لقراءتك البارحة)). فقال: أما والله لو أعلم أنك تستمع قراءتي لحبرتها لك
تحبيرا. وقال الزهري، عن أبي
سلمة: كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى. فيقرأ
عنده. وقال أبو عثمان النهدي: كان أبو
موسى يصلي بنا، فلو قلت: إني لم أسمع صوت صنج قط ولا بربط قط، ولا شيئا قط أحسن من
صوته).
قول المقرئ للقارئ: حسبك
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (حدثنا محمد
بن يوسف، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله قال: "قال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)). فقلت: يا رسول الله،
آقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: ((نعم))، فقرأت عليه سورة النساء حتى أتيت إلى هذه
الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء
شهيدا} [النساء: 41]، قال: ((حسبك الآن)) فالتفت إليه فإذا عيناه
تذرفان.
أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه، من رواية الأعمش به ووجه الدلالة ظاهر، وكذا الحديث الآخر: ((اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا)) ).