2 Oct 2022
الحض على العلم بتفسير القرآن وبيان أحوال بعض المفسرين
ذكر بعض الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن، ومن كان يفسره من الصحابة
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (- حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي، قال سمعت أبي يقول: حدثنا الحسين بن واقد، قال: حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن.
- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.
- وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته.
- وحدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: كان عبد الله يقرأ علينا السورة، ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار.
- حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، قال: استعمل علي ابن عباس على الحج، قال: فخطب الناس خطبة لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ عليهم سورة النور، فجعل يفسرها.
- وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة، فجعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت.
- حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان: عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، قال: من قرأ القرآن ثم لم يفسره، كان كالأعجمي أو كالأعرابي.
- حدثنا أبو كريب، قال: ذكر أبو بكر بن عياش: الأعمش، قال: قال أبو وائل: ولي ابن عباس الموسم؛ فخطبهم، فقرأ على المنبر سورة النور، والله لو سمعها الترك لأسلموا. فقيل له: حدثنا به عن عاصم؟ فسكت.
- وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت الأعمش، عن شقيق، قال: شهدت ابن عباس وولى الموسم، فقرأ سورة النور على المنبر، وفسرها، لو سمعت الروم لأسلمت !
قال أبو جعفر: وفي حث الله عز وجل عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبينات - بقوله جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29] وقوله: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} [الزمر: 27، 28] وما أشبه ذلك من آي القرآن، التي أمر الله عباده وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه- ما يدل على أن عليهم معرفة تأويل ما لم يحجب عنهم تأويله من آيه.
لأنه محال أن يقال لمن لا يفهم ما يقال له ولا يعقل تأويله: "اعتبر بما لا فهم لك به ولا معرفة من القيل والبيان والكلام"- إلا على معنى الأمر بأن يفهمه ويفقهه، ثم يتدبره ويعتبر به. فأما قبل ذلك، فمستحيل أمره بتدبره وهو بمعناه جاهل. كما محال أن يقال لبعض أصناف الأمم الذين لا يعقلون كلام العرب ولا يفهمونه، لو أنشد قصيدة شعر من أشعار بعض العرب ذات أمثال ومواعظ وحكم: "اعتبر بما فيها من الأمثال، وادكر بما فيها من المواعظ"- إلا بمعنى الأمر له بفهم كلام العرب ومعرفته، ثم الاعتبار بما نبهها عليه ما فيها من الحكم. فأما وهي جاهلة بمعاني ما فيها من الكلام والمنطق، فمحال أمرها بما دلت عليه معاني ما حوته من الأمثال والعبر. بل سواء أمرها بذلك وأمر بعض البهائم به، إلا بعد العلم بمعاني المنطق والبيان الذي فيها.
فكذلك ما في آي كتاب الله من العبر والحكم والأمثال والمواعظ، لا يجوز أن يقال: "اعتبر بها" إلا لمن كان بمعاني بيانه عالما، وبكلام العرب عارفا؛ وإلا بمعنى الأمر -لمن كان بذلك منه جاهلا- أن يعلم معاني كلام العرب، ثم يتدبره بعد، ويتعظ بحكمه وصنوف عبره.
فإذ كان ذلك كذلك -وكان الله جل ثناؤه قد أمر عباده بتدبره وحثهم على الاعتبار بأمثاله- كان معلوما أنه لم يأمر بذلك من كان بما يدل عليه آيه جاهلا. وإذ لم يجز أن يأمرهم بذلك إلا وهم بما يدلهم عليه عالمون، صح أنهم -بتأويل ما لم يحجب عنهم علمه من آيه الذي استأثر الله بعلمه منه دون خلقه، الذي قدمنا صفته آنفا- عارفون. وإذ صح ذلك فسد قول من أنكر تفسير المفسرين -من كتاب الله وتنزيله- ما لم يحجب عن خلقه تأويله).
ذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (فإن قال لنا قائل: فما أنت قائل فيما حدثكم
به العباس بن عبد العظيم، قال: حدثنا محمد بن خالد ابن عثمة، قال: حدثني جعفر بن
محمد الزبيري، قال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما كان النبي صلى
الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد، علمهن إياه
جبريل. - حدثنا أبو
بكر محمد بن يزيد الطرسوسي، قال: أخبرنا معن بن عيسى، عن جعفر بن خالد، عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من
القرآن، إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل عليه السلام. - وحدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: حدثنا
حماد بن زيد، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم
ليعظمون القول في التفسير منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن
المسيب، ونافع. -
وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا بشر بن عمر، قال: حدثنا مالك بن أنس، عن يحيى بن
سعيد، قال: سمعت رجلا يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا أقول في
القرآن شيئا. -
حدثنا يونس، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن
المسيب: أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: إنا لا نقول في القرآن
شيئا. - حدثنا
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت الليث يحدث، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب:
أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن. - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، قال:
حدثنا سفيان، عن هشام، عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن آية، قال: عليك
بالسداد، فقد ذهب الذين علموا فيم أنزل القرآن. - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن
أيوب وابن عون، عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: ذهب
الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك
بالسداد. - حدثني
يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو
سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها. - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن
مهدي بن ميمون، عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله،
فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال:
أن تجالسني. -
حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن شوذب، قال: حدثني
يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم
الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم
يسمع. - حدثنا محمد
بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سأل
رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل من يزعم أنه
لا يخفى عليه شيء منه- يعني عكرمة. - وحدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا سعيد بن
عامر، عن شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، قال: قال الشعبي: والله ما من آية إلا قد
سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله تعالى. - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن
علية، عن صالح -يعني ابن مسلم- قال: حدثني رجل، عن الشعبي، قال: ثلاث لا أقول فيهن
حتى أموت: القرآن، والروح، والرأي. وما أشبه ذلك من
الأخبار؟. قيل له:
أما الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يفسر من القرآن
شيئا إلا آيا بعدد، فإن ذلك مصحح ما قلنا من القول في الباب الماضي قبل، وهو: أن من
تأويل القرآن ما لا يدرك علمه إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك تفصيل جمل
ما في آيه من أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع
دينه، الذي هو مجمل في ظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة - لا يدرك علم
تأويله إلا ببيان من عند الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أشبه ذلك
مما تحويه آي القرآن، من سائر حكمه الذي جعل الله بيانه لخلقه إلى رسوله صلى الله
عليه وسلم. فلا يعلم أحد من خلق الله تأويل ذلك إلا ببيان الرسول صلى الله عليه
وسلم، ولا يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بتعليم الله ذلك إياه بوحيه
إليه، إما مع جبريل، أو مع من شاء من رسله إليه. فذلك هو الآي التي كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يفسرها لأصحابه بتعليم جبريل إياه، وهن لا شك آي ذوات
عدد. ومن آي القرآن
ما قد ذكرنا أن الله جل ثناؤه استأثر بعلم تأويله، فلم يطلع على علمه ملكا مقربا
ولا نبيا مرسلا ولكنهم يؤمنون بأنه من عنده، وأنه لا يعلم تأويله إلا
الله. فأما ما لا
بد للعباد من علم تأويله، فقد بين لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ببيان الله ذلك له
بوحيه مع جبريل. وذلك هو المعنى الذي أمره الله ببيانه لهم فقال له جل ذكره:
{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل:
44]. ولو كان تأويل
الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -أنه كان لا يفسر من القرآن شيئا إلا آيا
بعدد- هو ما يسبق إليه أوهام أهل الغباء، من أنه لم يكن يفسر من القرآن إلا القليل
من آيه واليسير من حروفه، كان إنما أنزل إليه صلى الله عليه وسلم الذكر ليترك للناس
بيان ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما نزل إليهم. وفي أمر الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه
وسلم ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين للناس ما
نزل إليهم، وقيام الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ وأدى ما أمره الله
ببلاغه وأدائه على ما أمره به، وصحة الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله: كان الرجل
منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن - ما ينبئ عن جهل من
ظن أو توهم أن معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله
إلا اليسير القليل منه. هذا مع ما في الخبر الذي روي عن عائشة من العلة التي في إسناده، التي لا
يجوز معها الاحتجاج به لأحد ممن علم صحيح سند الآثار وفاسدها في الدين. لأن راويه
ممن لا يعرف في أهل الآثار، وهو: جعفر بن محمد الزبيري. وأما الأخبار التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه
من التابعين، بإحجامه عن التأويل، فإن فعل من فعل ذلك منهم، كفعل من أحجم منهم عن
الفتيا في النوازل والحوادث، مع إقراره بأن الله جل ثناؤه لم يقبض نبيه إليه، إلا
بعد إكمال الدين به لعباده، وعلمه بأن لله في كل نازلة وحادثة حكما موجودا بنص أو
دلالة. فلم يكن إحجامه عن القول في ذلك إحجام جاحد أن يكون لله فيه حكم موجود بين
أظهر عباده، ولكن إحجام خائف أن لا يبلغ باجتهاده ما كلف الله العلماء من عباده
فيه. فكذلك معنى
إحجام من أحجم عن القيل في تأويل القرآن وتفسيره من العلماء السلف، إنما كان إحجامه
عنه حذارا أن لا يبلغ أداء ما كلف من إصابة صواب القول فيه، لا على أن تأويل ذلك
محجوب عن علماء الأمة، غير موجود بين أظهرهم).
ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير ومن كان منهم مذموما علمه به
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310ه): (- حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن سليمان، عن مسلم، قال: قال عبد الله: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
- حدثني يحيى بن داود الواسطي، قال: حدثنا إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قال: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
- وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال:
حدثنا الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق عن عبد الله، بنحوه. - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا طلق بن غنام، عن عثمان
المكي، عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه
ألواحه، فيقول له ابن عباس: "اكتب"، قال: حتى سأله عن التفسير كله. - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا المحاربي، ويونس بن بكير
قالا: حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن
عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله
عنها. - حدثني عبيد الله بن يوسف
الجبيري، عن أبي بكر الحنفي، قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن
مجاهد فحسبك به. - حدثنا محمد بن
المثنى، قال: حدثنا سليمان أبو داود، عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، قال: لم يلق
الضحاك ابن عباس، وإنما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير. - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن
مشاش، قال: قلت للضحاك: سمعت من ابن عباس شيئا؟ قال: لا. - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال حدثنا
زكريا، قال: كان الشعبي يمر بأبي صالح باذان، فيأخذ بأذنه فيعركها ويقول: تفسر
القرآن وأنت لا تقرأ القرآن! - حدثنا
عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد، قال: حدثني أبي،
قال: حدثنا الأعمش، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {والله يقضي بالحق}
[غافر: 20] قال: قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة {إن الله هو
السميع البصير} [غافر: 20]، قال الحسين: فقلت للأعمش: حدثني به الكلبي، إلا أنه
قال: إن الله قادر أن يجزى بالسيئة السيئة وبالحسنة عشرا، فقال الأعمش: لو أن الذي
عند الكلبي عندي ما خرج مني إلا بخفير. - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا علي بن حكيم
الأودي، قال: حدثنا عبد الله بن بكير، عن صالح بن مسلم، قال: مر الشعبي على السدي
وهو يفسر، فقال: لأن يضرب على استك بالطبل، خير لك من مجلسك هذا. - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثني علي بن حكيم،
قال: حدثنا شريك، عن سلم بن عبد الرحمن النخعي، قال: كنت مع إبراهيم، فرأى السدي،
فقال: أما إنه يفسر تفسير القوم. -
حدثنا ابن البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سمعت سعيد بن بشير، يقول عن
قتادة، قال: ما بقي أحدا يجري مع الكلبي في التفسير في عنان. قال أبو جعفر: قد قلنا فيما مضى من كتابنا هذا في وجوه
تأويل القرآن، وأن تأويل جميع القرآن على أوجه ثلاثة: أحدها لا سبيل إلى الوصول إليه، وهو الذي استأثر الله
بعلمه، وحجب علمه عن جميع خلقه، وهو أوقات ما كان من آجال الأمور الحادثة، التي
أخبر الله في كتابه أنها كائنة، مثل: وقت قيام الساعة، ووقت نزول عيسى بن مريم،
ووقت طلوع الشمس من مغربها، والنفخ في الصور، وما أشبه ذلك. والوجه الثاني: ما خص الله بعلم تأويله نبيه صلى الله
عليه وسلم دون سائر أمته، وهو ما فيه مما بعباده إلى علم تأويله الحاجة، فلا سبيل
لهم إلى علم ذلك إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لهم تأويله. والثالث منها: ما كان علمه عند أهل اللسان الذي نزل به
القرآن، وذلك علم تأويل غريبه وإعرابه، لا يوصل إلى علم ذلك إلا من
قبلهم. فإذ كان ذلك كذلك، فأحق المفسرين
بإصابة الحق -في تأويل القرآن الذي إلى علم تأويله للعباد السبيل- أوضحهم حجة فيما
تأول وفسر، مما كان تأويله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته من
أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه: إما من جهة النقل المستفيض، فيما
وجد فيه من ذلك عنه النقل المستفيض، وإما من جهة نقل العدول الأثبات، فيما لم يكن
عنه فيه النقل المستفيض، أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته؛ وأوضحهم برهانا
-فيما ترجم وبين من ذلك- مما كان مدركا علمه من جهة اللسان: إما بالشواهد من
أشعارهم السائرة، وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة، كائنا من كان ذلك
المتأول والمفسر، بعد أن لا يكون خارجا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك، عن
أقوال السلف من الصحابة والأئمة، والخلف من التابعين وعلماء الأمة).