الدروس
course cover
تفسير سورة النساء [ من الآية (64) إلى الآية (65) ]
18 Nov 2018
18 Nov 2018

4534

0

0

course cover
تفسير سورة النساء

القسم السادس

تفسير سورة النساء [ من الآية (64) إلى الآية (65) ]
18 Nov 2018
18 Nov 2018

18 Nov 2018

4534

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65)}


تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وما أرسلنا من رسول إلّا ليطاع بإذن اللّه ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابا رحيما}
إي، أذن في ذلك.
و " من " دخلت للتوكيد. المعنى وما أرسلنا رسولا إلّا ليطاع بإذن اللّه.
وقوله:
{ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه}
" أن " في موضع رفع، المعنى: لو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم أنفسهم مع استغفارهم {لوجدوا اللّه توّابا رحيما} ). [معاني القرآن: 2/70]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وما أرسلنا من رسولٍ إلّا ليطاع بإذن اللّه تنبيه على جلالة الرسل، أي: فأنت يا محمد منهم، تجب طاعتك وتتعين إجابة الدعوة إليك، وليطاع، نصب بلام كي، وبإذن اللّه معناه بأمر الله، وحسنت العبارة بالإذن، إذ بنفس الإرسال تجب طاعته وإن لم ينص أمر بذلك، ويصح تعلق الباء من قوله بإذن ب أرسلنا، والمعنى وما أرسلنا بأمر الله أي بشريعته وعبادته من رسول إلا ليطاع، والأظهر تعلقها ب «يطاع» والمعنى: وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بأمر الله بطاعته.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى التعليقين فالكلام عام اللفظ خاص المعنى، لأنا نقطع أن الله تبارك وتعالى قد أراد من بعض خلقه ألا يطيعوا، ولذلك خرجت طائفة معنى الإذن إلى العلم، وطائفة خرجته إلى الإرشاد لقوم دون قوم، وهذا تخريج حسن، لأن الله إذا علم من أحد أنه يؤمن ووفقه لذلك فكأنه أذن له فيه، وحقيقة الإذن: التمكين مع العلم بقدر ما مكن منه، وقوله تعالى: ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم الآية، معناه: بالمعصية والنفاق، ونقصها حظها من الإيمان و «استغفروا الله» معناه: طلبوا مغفرته، وتابوا إليه رجعوا، وتوّاباً: معناه راجعا بعباده). [المحرر الوجيز: 2/593-594]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذن اللّه ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا (64) فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما (65)}
يقول تعالى: {وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع} أي: فرضت طاعته على من أرسله إليهم وقوله: {بإذن اللّه} قال مجاهدٌ: أي لا يطيع أحدٌ إلّا بإذني. يعني: لا يطيعهم إلّا من وفّقته لذلك، كقوله: {ولقد صدقكم اللّه وعده إذ تحسّونهم بإذنه} [آل عمران:52] أي: عن أمره وقدره ومشيئته، وتسليطه إيّاكم عليهم.
وقوله: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا} يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم فيستغفروا اللّه عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنّهم إذا فعلوا ذلك تاب اللّه عليهم ورحمهم وغفر لهم، ولهذا قال: {لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا}
وقد ذكر جماعةٌ منهم: الشّيخ أبو نصر بن الصّبّاغ في كتابه "الشّامل" الحكاية المشهورة عن العتبي، قال: كنت جالسًا عند قبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فجاء أعرابيٌّ فقال: السّلام عليك يا رسول اللّه، سمعت اللّه يقول: {ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا} وقد جئتك مستغفرًا لذنبي مستشفعًا بك إلى ربّي ثمّ أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه = فطاب من طيبهنّ القاع والأكم
نفسي الفداء لقبرٍ أنت ساكنه = فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثمّ انصرف الأعرابيّ فغلبتني عيني، فرأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في النّوم فقال: يا عتبى، الحق الأعرابيّ فبشّره أنّ اللّه قد غفر له). [تفسير القرآن العظيم: 2/347-348]



تفسير قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما} يعنى به: المنافقون.
{حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} أي: فيما وقع من الاختلاف بينهم.
{ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت} أي: لا تضيق صدورهم من قضيتيك.
{ويسلّموا تسليما} أي: يسلمون لما يأتي به من حكمك، لا يعارضونه بشيء، و{تسليما} مصدر مؤكد، والمصادر المؤكدة بمنزلة ذكر الفعل ثانيا، كأنك إذا قلت سلمت تسليما فقد قلت: سلّمت سلّمت.

وحقّ التوكيد: أن يكون محقّقا لما تذكره في صدر كلامك، فإذا قلت ضربت ضربا، فكأنك قلت أحدثت ضربا أحقه ولا أشك فيه، وكذلك {ويسلّموا تسليما} أي: يسلمون لحكمك تسليما، لا يدخلون على أنفسهم فيه شكا). [معاني القرآن: 2/70-71]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً (65) ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلاّ قليلٌ منهم ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشدّ تثبيتاً (66) وإذاً لآتيناهم من لدنّا أجراً عظيماً (67) ولهديناهم صراطاً مستقيماً (68)

قال الطبري: قوله: فلا رد على ما تقدم، تقديره: فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، ثم استأنف القسم بقوله، وربّك لا يؤمنون.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقال غيره: إنما قدم «لا» على القسم اهتماما بالنفي، وإظهارا لقوته، ثم كررها بعده تأكيدا للتهمم بالنفي، وكان يصح إسقاط لا الثانية، ويبقى أكثر الاهتمام بتقديم الأولى، وكان يصح إسقاط الأولى ويبقى معنى النفي، ويذهب معنى الاهتمام، وشجر معناه: اختلط والتف من أمورهم، وهو من الشجر، شبيه بالتفاف الأغصان، وكذلك الشجير الذي امتزجت مودته بمودة صاحبه، وقرأ أبو السمال «شجر» بإسكان الجيم.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأظنه فر من توالي الحركات، وليس بالقوي، لخفة الفتحة، ويحكّموك نصب بحتى، لأنها هاهنا غاية مجردة، ويجدوا عطف عليه، والحرج: الضيق والتكلف والمشقة، قال مجاهد: حرجاً، شكا، وقوله: تسليماً مصدر مؤكد، منبئ على التحقيق في التسليم، لأن العرب إنما تردف الفعل بالمصدر إذا أرادت أن الفعل وقع حقيقة، كما قال تعالى: وكلّم اللّه موسى تكليماً [النساء: 164] وقد تجيء به مبالغة وإن لم يقع، ومنه: «وعجت عجيجا من جدام المطارف».

وقال مجاهد وغيره: المراد بهذه الآية من تقدم ذكره، ممن أراد التحاكم إلى الطاغوت، وفيهم نزلت، ورجح الطبري هذا، لأنه أشبه بنسق الآية وقالت طائفة: نزلت في رجل خاصم الزبير بن العوام في السقي بماء الحرة، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب ذلك الرجل وقال آن كان ابن عمتك؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستوعب للزبير حقه، فقال: احبس يا زبير الماء حتى يبلغ الجدر، ثم أرسل الماء، فنزلت الآية، واختلف أهل هذا القول في الرجل، فقال قوم: هو رجل من الأنصار من أهل بدر، وقال مكي وغيره: هو حاطب بن أبي بلتعة.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والصحيح الذي وقع في البخاري أنه رجل من الأنصار، وأن الزبير قال: فما أحسب أن هذه الآية نزلت إلا في ذلك، وقالت طائفة: لما قتل عمر الرجل المنافق الذي لم يرض بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، بلغ ذلك النبي وعظم عليه، وقال: ما كنت أظن أن عمر يجترئ على قتل رجل مؤمن، فنزلت الآية نافية لإيمان ذلك الرجل الراد لحكم النبي، مقيمة عذر عمر بن الخطاب في قتله). [المحرر الوجيز: 2/594-596]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدّسة: أنّه لا يؤمن أحدٌ حتّى يحكم الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحقّ الّذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا؛ ولهذا قال: {ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا} أي: إذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجًا ممّا حكمت به، وينقادون له في الظّاهر والباطن فيسلّمون لذلك تسليمًا كلّيًّا من غير ممانعةٍ ولا مدافعةٍ ولا منازعةٍ، كما ورد في الحديث: "والّذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعًا لما جئت به".
وقال البخاريّ: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، عن عروة قال: خاصم الزّبير رجلًا في شريج من الحرّة، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "اسق يا زبير ثمّ أرسل الماء إلى جارك" فقال الأنصاريّ: يا رسول اللّه، أن كان ابن عمّتك؟ فتلوّن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: "اسق يا زبير، ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر، ثمّ أرسل الماء إلى جارك" واستوعى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير حقّه في صريح الحكم، حين أحفظه الأنصاريّ، وكان أشار عليهما بأمرٍ لهما فيه سعةٌ. قال الزّبير: فما أحسب هذه الآية إلّا نزلت في ذلك: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} الآية.
وهكذا رواه البخاريّ هاهنا أعني في كتاب: "التّفسير" من صحيحه من حديث معمرٍ: وفي كتاب: "الشّرب" من حديث ابن جريج ومعمرٍ أيضًا، وفي كتاب: "الصّلح" من حديث شعيب بن أبي حمزة، ثلاثتهم عن الزّهريّ عن عروة، فذكره وصورته صورة الإرسال، وهو متّصلٌ في المعنى.
وقد رواه الإمام أحمد من هذا الوجه فصرّح بالإرسال فقال: حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ، أخبرني عروة بن الزّبير: أنّ الزّبير كان يحدّث: أنّه كان يخاصم رجلًا من الأنصار قد شهد بدرًا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في شراج الحرّة، كانا يسقيان بها كلاهما، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير: "اسق ثمّ أرسل إلى جارك" فغضب الأنصاريّ وقال: يا رسول اللّه، أن كان ابن عمّتك؟ فتلوّن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: "اسق يا زبير ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر" فاستوعى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير حقّه وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير برأيٍ أراد فيه سعةً له وللأنصاريّ، فلمّا أحفظ الأنصاريّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استوعى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير حقّه في صريح الحكم، قال عروة: فقال الزّبير: واللّه ما أحسب هذه الآية نزلت إلّا في ذلك: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا}
هكذا رواه الإمام أحمد وهو منقطعٌ بين عروة وبين أبيه الزّبير؛ فإنّه لم يسمع منه، والّذي يقطع به أنّه سمعه من أخيه عبد اللّه، فإنّ أبا محمّدٍ عبد الرّحمن بن أبي حاتمٍ رواه كذلك في تفسيره فقال:
حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهبٍ، حدّثنا اللّيث ويونس، عن ابن شهابٍ، أنّ عروة بن الزّبير حدّثه أنّ عبد اللّه بن الزّبير حدّثه عن الزّبير بن العوّام: أنّه خاصم رجلًا من الأنصار قد شهد بدرًا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراجٍ في الحرة، كانا يسقيان به كلاهما النّخل، فقال الأنصاريّ: سرّح الماء يمر. فأبى عليه الزّبير، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اسق يا زبير ثمّ أرسل إلى جارك" فغضب الأنصاريّ وقال: يا رسول اللّه، أن كان ابن عمّتك؟ فتلوّن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: "اسق يا زبير ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر" واستوعى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير حقّه وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير برأيٍ أراد فيه السّعة له وللأنصاريّ، فلمّا أحفظ الأنصاريّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استوعى للزّبير حقّه في صريح الحكم فقال الزّبير: ما أحسب هذه الآية إلّا في ذلك: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا}
وهكذا رواه النّسائيّ من حديث ابن وهبٍ، به ورواه أحمد والجماعة كلّهم من حديث اللّيث، به وجعله أصحاب الأطراف في مسند عبد اللّه بن الزّبير، وكذا ساقه الإمام أحمد في مسند عبد اللّه بن الزّبير، واللّه أعلم. والعجب كلّ العجب من الحاكم أبي عبد اللّه النّيسابوريّ، فإنّه روى هذا الحديث من طريق ابن أخي ابن شهابٍ، عن عمّه، عن عروة، عن عبد اللّه بن الزّبير، عن الزّبير فذكره، ثمّ قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فإنّي لا أعلم أحدًا قام بهذا الإسناد عن الزّهريّ يذكر عبد اللّه بن الزّبير، غير ابن أخيه، وهو عنه ضعيفٌ.
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن عليٍّ أبو دحيم، حدّثنا أحمد بن حازمٍ، حدّثنا الفضل بن دكين، حدّثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن سلمة -رجلٍ من آل أبي سلمة-قال: خاصم الزّبير رجلًا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقضى للزّبير، فقال الرّجل: إنّما قضى له لأنّه ابن عمّته. فنزلت: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت} الآية.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو بن عثمان، حدّثنا أبو حيوة، حدّثنا سعيد بن عبد العزيز، عن الزّهري، عن سعيد بن المسيّب في قوله: {فلا وربّك لا يؤمنون [حتّى يحكّموك]} [الآية] قال: نزلت في الزّبير بن العوّام، وحاطب بن أبي بلتعة. اختصما في ماءٍ، فقضى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يسقي الأعلى ثمّ الأسفل. هذا مرسلٌ ولكن فيه فائدة تسمية الأنصاريّ.
ذكر سببٍ آخر غريبٍ جدًّا:
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عبد اللّه بن لهيعة، عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما، فقال الّذي قضي عليه: ردّنا إلى عمر بن الخطّاب فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "انطلقا إليه" فلمّا أتيا إليه قال الرّجل: يا ابن الخطّاب، قضى لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على هذا، فقال: ردّنا إلى عمر. فردّنا إليك. فقال: أكذاك؟ فقال: نعم فقال عمر: مكانكما حتّى أخرج إليكما فأقضي بينكما. فخرج إليهما مشتملًا على سيفه، فضرب الّذي قال ردّنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فارًّا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه قتل عمر واللّه صاحبي، ولولا أنّي أعجزته لقتلني، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما كنت أظنّ أن يجترئ عمر على قتل مؤمنٍ" فأنزل اللّه: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك} الآية، فهدر دم ذلك الرّجل، وبرئ عمر من قتله، فكره اللّه أن يسنّ ذلك بعد، فقال: {ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا} [النّساء: 66].
وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود به.
وهو أثرٌ غريبٌ، وهو مرسلٌ، وابن لهيعة ضعيفٌ واللّه أعلم.
طريقٌ أخرى: قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرّحمن بن إبراهيم بن دحيم في تفسيره: حدّثنا شعيب بن شعيبٍ حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا عتبة بن ضمرة، حدّثني أبي: أنّ رجلين اختصما إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقضى للمحقّ على المبطل، فقال المقضيّ عليه: لا أرضى. فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكرٍ الصّدّيق، فذهبا إليه، فقال الّذي قضي له: قد اختصمنا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقضى لي فقال أبو بكرٍ: فأنتما على ما قضى به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأبى صاحبه أن يرضى، قال: نأتي عمر بن الخطّاب، فأتياه، فقال المقضيّ له: قد اختصمنا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقضى لي عليه، فأبى أن يرضى، [ثمّ أتينا أبا بكرٍ، فقال: أنتما على ما قضى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأبى أن يرضى] فسأله عمر، فقال: كذلك، فدخل عمر منزله وخرج والسّيف في يده قد سلّه، فضرب به رأس الّذي أبى أن يرضى، فقتله، فأنزل اللّه: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} [إلى آخر] الآية). [تفسير القرآن العظيم: 2/349-352]



* للاستزادة ينظر: هنا