الدروس
course cover
تفسير سورة النساء [ من الآية (80) إلى الآية (82) ]
18 Nov 2018
18 Nov 2018

3225

0

0

course cover
تفسير سورة النساء

القسم السابع

تفسير سورة النساء [ من الآية (80) إلى الآية (82) ]
18 Nov 2018
18 Nov 2018

18 Nov 2018

3225

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (81) أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)}



تفسير قوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا} أي: من قبل ما أتى به الرسول فإنما قبل ما أمر الله به.
وقوله: {ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا} تأويله - واللّه أعلم -: أنك لا تعلم غيبهم إنما لك ما ظهر منهم، والدليل على ذلك: ما يتلوه وهو قوله {ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الّذي تقول واللّه يكتب ما يبيّتون فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا}). [معاني القرآن: 2/80]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وتولّى معناه أعرض، وأصل تولّى في المعنى أن يتعدى بحرف، فنقول تولى فلان عن الإيمان، وتولى إلى الإيمان، لأن اللفظة تتضمن إقبالا وإدبارا، لكن الاستعمال غلب عليها في كلام العرب على الإعراض والإدبار، حتى استغني فيها عن ذكر الحرف الذي يتضمنه، وحفيظاً يحتمل معنيين، أي ليحفظهم حتى لا يقعوا في الكفر والمعاصي ونحوه، أو ليحفظ مساوئهم وذنوبهم ويحسبها عليهم، وهذه الآية تقتضي الإعراض عن من تولى والترك له، وهي قبل نزول القتال وإنما كانت توطئة ورفقا من الله تعالى حتى يستحكم أمر الإسلام). [المحرر الوجيز: 2/610]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظًا (80) ويقولون طاعةٌ فإذا برزوا من عندك بيّت طائفةٌ منهم غير الّذي تقول واللّه يكتب ما يبيّتون فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا (81)}
يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّه من أطاعه فقد أطاع اللّه، ومن عصاه فقد عصى اللّه، وما ذاك إلّا لأنّه ما ينطق عن الهوى، إن هو إلّا وحيٌ يوحى.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنان، حدّثنا أبو معاوية حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من أطاعني فقد أطاع اللّه، ومن عصاني فقد عصى اللّه ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني".
وهذا الحديث ثابتٌ في الصّحيحين، عن الأعمش به
وقوله: {ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظًا} أي: لا عليك منه، إن عليك إلّا البلاغ فمن تبعك سعد ونجا، وكان لك من الأجر نظير ما حصل له، ومن تولّى عنك خاب وخسر، وليس عليك من أمره شيءٌ، كما جاء في الحديث: "من يطع اللّه ورسوله فقد رشد، ومن يعص اللّه ورسوله فإنّه لا يضرّ إلّا نفسه"). [تفسير القرآن العظيم: 2/363-364]


تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (81)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الّذي تقول واللّه يكتب ما يبيّتون فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا}
قال النحويون تقديره: أمرنا طاعة.

وقال بعضهم منّا طاعة.
والمعنى واحد، إلا أن إضمار أمرنا أجمع في القصة وأحسن.
وقوله:
{فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الّذي تقول}يقال لكل أمر قد قضي بليل قد بيّت.
قال الشاعر:
أتوني فلم أدر ما بيّتوا... وكانوا أتوني لأمر نكر
أي: فلست حفيظا عليهم تعلم ما يغيب عنك من شأنهم، وهذا ونظائره في كتاب اللّه من أبين آيات النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنهم ما كانوا يخفون عنه أمرا إلا أظهره اللّه عليه.

وقوله جلّ وعزّ:
{واللّه يكتب ما يبيّتون} فيه وجهان:
1- يجوز أن يكون - واللّه أعلم - ينزله إليك في كتابه.
2- وجائز أن يكون يكتب ما يبيتون يحفظه عليهم ليجازوا به.
وقوله:
{فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه} أي: لا تسمّ هؤلاء بأعيانهم لما أحب الله من ستر أمر المنافقين إلى أن يستقيم أمر الإسلام.
فأما قوله:
{بيّت طائفة منهم} فذكّر ولم يقل بيتت، فلأن كل تأنيث غير حقيقي فتعبيره بلفظ التذكير جائز تقول: قالت طائفة من أهل الكتاب، وقال طائفة من المسلمين لأن طائفة وفريقا في معنى واحد، فكذلك قوله عزّ وجلّ: (فمن جاءه موعظة من ربّه}
وقوله:
{يا أيها النّاس قد جاءتكم موعظة من ربّكم} يعني: الوعظ إذا قلت فمن جاءه موعظة.
وقرأ القراء
{بيت طائفة} على إسكان التاء وإدغامها في الطاء.
وروي عن الكسائي أن ذلك إذا كان في فعل فهو قبيح، ولا فرق في الإدغام ههنا في فعل كان أو في اسم لو قلت بيّت طائفة وهذا بيت طائفة - وأنت تريد بيت طائفة كان واحدا.
وإنما جاز الإدغام لأن التاء والطاء من مخرج واحد). [معاني القرآن: 2/80-82]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ويقولون طاعةٌ الآية نزلت في المنافقين باتفاق من المفسرين، المعنى يقولون لك يا محمد: أمرنا طاعة، فإذا خرجوا من عندك اجتمعوا ليلا وقالوا غير ما أظهروا لك. وبيّت معناه فعل ليلا، فإما أخذ من بات، وإما من البيت لأنه ملتزم بالليل وفي الأسرار التي يخاف شياعها، ومن ذلك قول الشاعر [الأسود بن يعفر]: [المتقارب]

أتوني فلم أرض ما بيّتوا = وكانوا أتوني بأمر نكر

ومنه قول النمر بن تولب:

هبّت لتعذلني بليل اسمعي = سفها تبيتك للملامة فاهجعي

المعنى وتقول لي: اسمع، وزيدت الياء إشباعا لتصريع القافية واتباعا للياء، كقول امرئ القيس:

ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي وقوله بأمثل، وقرأ جمهور القراء بيّت بتحريك التاء، وقرأ أبو عمرو وحمزة بإدغامها في الطاء، وقرأ ابن مسعود «بيت مبيت منهم يا محمد» وقوله: تقول يحتمل أن يكون معناه تقول أنت يا محمد، ويحتمل، تقول هي لك، ويكتب معناه على وجهين، إما يكتبه عنده حسب كتب الحفظة حتى يقع الجزاء، وإما يكتبه في كتابه إليك، أي ينزله في القرآن ويعلم بها، قال هذا القول الزجّاج، والأمر بالإعراض إنما هو عن معاقبتهم ومجازاتهم، وأما استمرار دعوتهم وعظتهم فلازم. قال الضحاك: معنى «أعرض عنهم» لا تخبر بأسمائهم، وهذا أيضا قبل نزول القتال على ما تقدم. ثم أمر الله تعالى بالتوكل عليه والتمسك بعروته الوثقى ثقة بإنجاز وعده في النصر، و «الوكيل» القائم بالأمور المصلح لما يخاف من فسادها، وليس ما غلب الاستعمال في الوكيل في عصرنا بأصل في كلام العرب، وهي لفظة رفيعة وضعها الاستعمال العامي، كالعريف والنقيب وغيره). [المحرر الوجيز: 2/610-611]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ويقولون طاعةٌ} يخبر تعالى عن المنافقين بأنّهم يظهرون الموافقة والطّاعة {فإذا برزوا من عندك} أي: خرجوا وتواروا عنك {بيّت طائفةٌ منهم غير الّذي تقول} أي: استسرّوا ليلًا فيما بينهم بغير ما أظهروه. فقال تعالى: {واللّه يكتب ما يبيّتون} أي: يعلمه ويكتبه عليهم بما يأمر به حفظته الكاتبين، الّذين هم موكّلون بالعباد. يعلمون ما يفعلون. والمعنى في هذا التّهديد، أنّه تعالى أخبر بأنّه عالمٌ بما يضمرونه ويسرّونه فيما بينهم، وما يتّفقون عليه ليلًا من مخالفة الرّسول وعصيانه، وإن كانوا قد أظهروا له الطّاعة والموافقة، وسيجزيهم على ذلك. كما قال تعالى: {ويقولون آمنّا بالله وبالرّسول وأطعنا [ثمّ يتولّى فريقٌ منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين]} [النّور: 47].
وقوله: {فأعرض عنهم} أي: اصفح عنهم واحلم عليهم ولا تؤاخذهم، ولا تكشف أمورهم للنّاس، ولا تخف منهم أيضًا {وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا} أي: كفى به وليًّا وناصرًا ومعينًا لمن توكّل عليه وأناب إليه). [تفسير القرآن العظيم: 2/364]


تفسير قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} يعنى به: المنافقون، أي: لو كان ما يخبرون به مما بيتوا، وما يسرون ويوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.. لولا أنه من عند الله لما كان الإخبار به غير مختلف، لأن الغيب لا يعلمه إلا اللهن وهذا من آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - البينة.
ومعنى تدبرت الشيء: نظرت في عاقبته، وقولهم في الخبر: لا تدابروا، أي: لا تكونوا أعداء، أي: لا يولى بعضكم دبره، يقال: قد دبر القوم يدبرون دبارا إذا هلكوا، وأدبروا إذا ولّى أمرهم، وإنما تأويله أنه تقضى أنهم إلى آخره فلم يبق منهم باقية، والدبر النحل سمّي دبرا لأنه يعقب ما ينتفع به.

والدّبر: المال الكثير، سمّي دبرا: لكثرته، ولأنه يبقى للأعقاب والأدبار). [معاني القرآن: 2/82]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً (82) وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلاّ قليلاً (83)

المعنى: هؤلاء المنافقون الطاعنون عليك الرافعون بغير برهان في صدر نبوتك، ألا يرجعون إلى النصفة. وينظرون موضع الحجة ويتدبرون كلام الله تعالى؟ فتظهر لهم براهينه، وتلوح أدلته، «والتدبر»: النظر في أعقاب الأمور وتأويلات الأشياء، هذا كله يقتضيه قوله: أفلا يتدبّرون القرآن وهذا أمر بالنظر والاستدلال، ثم عرف تعالى بمواقع الحجة، أي لو كان من كلام البشر لدخله ما في كلام البشر من القصور، وظهر فيه التناقض والتنافي الذي لا يمكن جمعه، إذ ذلك موجود في كلام البشر، والقرآن منزه عنه، إذ هو كلام المحيط بكل شيء علما.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فإن عرضت لأحد شبهة وظن اختلافا في شيء من كتاب الله، فالواجب أن يتهم نظره ويسأل من هو أعلم منه، وذهب الزجّاج: إلى أن معنى الآية لوجدوا فيما نخبرك به

مما يبيتون اختلافا، أي: فإذ تخبرهم به على حد ما يقع، فذلك دليل أنه من عند الله غيب من الغيوب، هذا معنى قوله، وقد بينه ابن فورك والمهدوي). [المحرر الوجيز: 2/611-612]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا (82) وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلا قليلا (83)}
يقول تعالى آمرًا عباده بتدبّر القرآن، وناهيًا لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهّم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبرًا لهم أنّه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، ولا تضادّ ولا تعارض؛ لأنّه تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ، فهو حقٌّ من حقٍّ؛ ولهذا قال تعالى: {أفلا يتدبّرون القرآن [أم على قلوبٍ أقفالها]} [محمّدٍ: 24] ثمّ قال: {ولو كان من عند غير اللّه} أي: لو كان مفتعلًا مختلقًا، كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم {لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا} أي: اضطرابًا وتضادًّا كثيرًا. أي: وهذا سالمٌ من الاختلاف، فهو من عند اللّه. كما قال تعالى مخبرا عن الراسخين في العلم حيث قالوا: {آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا} [آل عمران:7] أي: محكمه ومتشابهه حقٌّ؛ فلهذا ردّوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا، والّذين في قلوبهم زيغٌ ردّوا المحكم إلى المتشابه فغووا؛ ولهذا مدح تعالى الرّاسخين وذمّ الزّائغين.
قال الإمام أحمد: حدّثنا أنس بن عياضٍ، حدّثنا أبو حازمٍ عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسًا ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم، أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخةٌ من صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على بابٍ من أبوابه، فكرهنا أن نفرّق بينهم، فجلسنا حجرة، إذ ذكروا آيةً من القرآن، فتماروا فيها حتّى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مغضبًا حتّى احمرّ وجهه، يرميهم بالتّراب، ويقول: "مهلًا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضًا، بل يصدّق بعضه بعضًا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه".
وهكذا رواه أيضًا عن أبي معاوية، عن داود بن أبي هندٍ، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يومٍ، والنّاس يتكلّمون في القدر، فكأنّما يفقأ في وجهه حبّ الرّمان من الغضب، فقال لهم: "ما لكم تضربون كتاب اللّه بعضه ببعضٍ؟ بهذا هلك من كان قبلكم". قال: فما غبطت نفسي بمجلسٍ فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم أشهده ما غبطت نفسي بذلك المجلس، أنّي لم أشهده.
ورواه ابن ماجه من حديث داود بن أبي هندٍ، به نحوه.
وقال أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أبي عمران الجوني قال: كتب إليّ عبد اللّه بن رباح، يحدّث عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: هجّرت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا، فإنّا لجلوسٌ إذ اختلف اثنان في آيةٍ، فارتفعت أصواتهما فقال: "إنّما هلكت الأمم قبلكم باختلافهم في الكتاب" ورواه مسلمٌ والنّسائيّ، من حديث حمّاد بن زيدٍ، به). [تفسير القرآن العظيم: 2/364-365]




* للاستزادة ينظر: هنا