الدروس
course cover
تفسير سورة النساء [ من الآية (110) إلى الآية (112) ]
18 Nov 2018
18 Nov 2018

3079

0

0

course cover
تفسير سورة النساء

القسم التاسع

تفسير سورة النساء [ من الآية (110) إلى الآية (112) ]
18 Nov 2018
18 Nov 2018

18 Nov 2018

3079

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110) وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112)}



تفسير قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أن التوبة مبذولة في كل ذنب دون الشرك فقال جلّ ثناؤه: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما (110)
أي يسأله المغفرة مع إقلاع، لأنه إذا كان مقيما على الإصرار فليس بتائب). [معاني القرآن: 2/102-103]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ولما تمكن هذا الوعيد وقضت العقول بأن لا مجادل لله ولا وكيل يقوم بأمور العصاة عنده، عقب ذلك هذا الرجاء العظيم، والمهل المنفسح بقوله تعالى: ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه الآية. منحى من عمل السوء، وهما بمعنى واحد تكرر باختلاف لفظ مبالغة، واستغفار الله تعالى مع التحقيق في ذلك توبة وقوله تعالى: يجد اللّه استعارة، لما كانت الرحمة والغفران معدة للمستغفرين التائبين، كانوا كالواجدين لمطلوب، وكأن التوبة ورود على رحمة الله وقرب من الله، وقال عبد الله بن مسعود يوما في مجلسه: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنبا أصبح قد كتبت كفارة ذلك الذنب على بابه، وإذا أصاب البول شيئا من ثيابه قرضه بالمقراضين، فقال رجل من القوم: لقد آتى الله بني إسرائيل خيرا، فقال عبد الله: ما آتاكم الله خير مما آتاهم، جعل لكم الماء طهورا، وقال ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه الآية وهذه آية وعد بشرط المشيئة على ما تقتضيه عقيدة أهل السنة، وفضل الله مرجو وهو المستعان). [المحرر الوجيز: 3/20]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا (110) ومن يكسب إثمًا فإنّما يكسبه على نفسه وكان اللّه عليمًا حكيمًا (111) ومن يكسب خطيئةً أو إثمًا ثمّ يرم به بريئًا فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا (112) ولولا فضل اللّه عليك ورحمته لهمّت طائفةٌ منهم أن يضلّوك وما يضلّون إلا أنفسهم وما يضرّونك من شيءٍ وأنزل اللّه عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل اللّه عليك عظيمًا (113)}
يخبر، تعالى، عن كرمه وجوده: أنّ كلّ من تاب إليه تاب عليه من أيّ ذنبٍ كان.
فقال تعالى: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا}
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال في هذه الآية: أخبر اللّه عباده بحلمه وعفوه وكرمه وسعة رحمته، ومغفرته، فمن أذنب ذنبًا صغيرًا كان أو كبيرًا {ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال. رواه ابن جريرٍ.
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا محمّد بن مثنّى، حدّثنا محمّد بن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ قال: قال عبد اللّه: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنبًا أصبح قد كتب كفّارة ذلك الذّنب على بابه، وإذا أصاب البول شيئًا منه قرضه بالمقراض فقال رجلٌ: لقد آتى اللّه بني إسرائيل خيرًا -فقال عبد اللّه: ما آتاكم اللّه خيرًا ممّا آتاهم، جعل الماء لكم طهورًا، وقال: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم} [آل عمران: 135] وقال {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا}
وقال أيضًا: حدّثني يعقوب، حدّثنا هشيم، حدّثنا ابن عون، عن حبيب بن أبي ثابتٍ قال: جاءت امرأةٌ إلى عبد اللّه بن مغفّل فسألته عن امرأةٍ فجرت فحبلت، فلمّا ولدت قتلت ولدها؟ قال عبد اللّه بن مغفّلٍ: ما لها؟ لها النّار! فانصرفت وهي تبكي، فدعاها ثمّ قال: ما أرى أمرك إلّا أحد أمرين: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} قال: فمسحت عينها، ثمّ مضت.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا شعبة، عن عثمان بن المغيرة قال: سمعت عليّ بن ربيعة من بني أسدٍ، يحدّث عن أسماء -أو ابن أسماء من بني فزارة -قال: قال عليٌّ، رضي اللّه عنه: كنت إذا سمعت من رسول اللّه شيئًا نفعني اللّه بما شاء أن ينفعني منه. وحدّثني أبو بكرٍ -وصدق أبو بكرٍ -قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما من مسلمٍ يذنب ذنبًا ثمّ يتوضّأ فيصلّي ركعتين، ثمّ يستغفر اللّه لذلك الذّنب إلّا غفر له". وقرأ هاتين الآيتين: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه [ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا]} {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم} الآية.
وقد تكلما على هذا الحديث، وعزيناه إلى من رواه من أصحاب السّنن، وذكرنا ما في سنده من مقالٍ في مسند أبي بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنه. وقد تقدّم بعض ذلك في سورة آل عمران أيضًا.
وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من وجهٍ آخر عن عليٍّ فقال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن زيادٍ، حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الحربيّ، حدّثنا داود بن مهران الدّبّاغ، حدّثنا عمر بن يزيد، عن أبي إسحاق، عن عبد خيرٍ، عن عليٍّ قال: سمعت أبا بكرٍ -هو الصّدّيق - يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "ما من عبدٍ أذنب فقام فتوضّأ فأحسن وضوءه، ثمّ قام فصلّى واستغفر من ذنبه، إلّا كان حقًّا على اللّه أن يغفر له؛ لأنّه يقول: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه [ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا]}.
ثمّ رواه من طريق أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أبي إسحاق السّبيعي، عن الحارث، عن عليٍّ، عن الصّدّيق -بنحوه. وهذا إسنادٌ لا يصحّ.
وقال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن عليّ بن دحيم حدّثنا أحمد بن حازمٍ، حدّثنا موسى بن مروان الرّقّي، حدّثنا مبشّر بن إسماعيل الحلبيّ، عن تمّام بن نجيح، حدّثني كعب بن ذهل الأزديّ قال: سمعت أبا الدّرداء يحدّث قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا جلسنا حوله، وكانت له حاجةٌ فقام إليها وأراد الرّجوع، ترك نعليه في مجلسه أو بعض ما عليه، وإنّه قام فترك نعليه. قال أبو الدّرداء: فأخذ ركوة من ماءٍ فاتّبعته، فمضى ساعةً، ثمّ رجع ولم يقض حاجته، فقال: "إنّه أتاني آتٍ من ربّي فقال: إنّه: {من يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} فأردت أن أبشّر أصحابي". قال أبو الدّرداء: وكانت قد شقّت على النّاس الآية الّتي قبلها: {من يعمل سوءًا يجز به} فقلت: يا رسول اللّه، وإنّ زنى وإن سرق، ثمّ استغفر ربّه، غفر له؟ قال: "نعم" قلت الثّانية، قال: "نعم"، ثمّ قلت الثّالثة، قال: "نعم، وإنّ زنى وإن سرق، ثمّ استغفر اللّه غفر له على رغم أنف عويمرٍ". قال: فرأيت أبا الدّرداء يضرب أنف نفسه بأصبعه.
هذا حديثٌ غريبٌ جدًّا من هذا الوجه بهذا السّياق، وفي إسناده ضعفٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/408-410]



تفسير قوله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ومن يكسب إثما فإنّما يكسبه على نفسه وكان اللّه عليما حكيما (111)
ولا يؤخذ الإثم بالإثم). [معاني القرآن: 2/103]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ومن يكسب إثماً فإنّما يكسبه على نفسه وكان اللّه عليماً حكيماً (111) ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً (112) ولولا فضل اللّه عليك ورحمته لهمّت طائفةٌ منهم أن يضلّوك وما يضلّون إلاّ أنفسهم وما يضرّونك من شيءٍ وأنزل اللّه عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل اللّه عليك عظيماً (113)

تقدم القول في معنى «الكسب»، «والإثم» الحكم اللاحق عن المعصية، ونسبة المرء إلى العقوبة فيها، وقوله: فإنّما يكسبه على نفسه أي إياها يردي وبها يحل المكروه). [المحرر الوجيز: 3/21]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ومن يكسب إثمًا فإنّما يكسبه على نفسه [وكان اللّه عليمًا حكيمًا]} كقوله تعالى: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى [وإن تدع مثقلةٌ إلى حملها لا يحمل منه شيءٌ ولو كان ذا قربى]} الآية: [فاطرٍ: 18] يعني أنّه لا يجني أحدٌ على أحدٍ، وإنّما على كلّ نفسٍ ما عملت، لا يحمل عنها غيرها؛ ولهذا قال تعالى: {وكان اللّه عليمًا حكيمًا} أي: من علمه وحكمته، وعدله ورحمته كان ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/410]


تفسير قوله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا).
قيل (إثما) لأن اللّه قد سمّى بعض المعاصي خطايا، وسمى بعضها آثاما.
فأعلم الله جلّ وعزّ أن من كسب خطيئة، ويقع عليها اسم الإثم أو اسم الخطيئة، ثم رمى به من لم يعلمه وهو منه بريء..
(فقد احتمل بهتانا).
و" البهتان " الكذب الذي يتحير من عظمه وبيانه، يقال قد بهت فلان فلانا إذا كذب عليه، وقد بهت الرجل يبهت إذا تحيّر قال اللّه عزّ وجلّ: (فبهت الّذي كفر).
ويجوز أن يكون - والله أعلم - (ومن يكسب خطيئة أو إثما) أي من يقع عليه خطأ نحو قتل الخطأ الذي يقع فيه القوم ولا إثم فيه.
فيكون أن يرمي بذلك غيره فقد احتمل بهتانا). [معاني القرآن: 2/103]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: خطيئةً أو إثماً ذهب بعض الناس إلى أنهما لفظان بمعنى كرر لاختلاف اللفظ، وقال الطبري: إنما فرق بين «الخطيئة والإثم» أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد، والإثم لا يكون إلا عن عمد، وهذه الآية لفظها عام، ويندرج تحت ذلك العموم وتوبيخه أهل النازلة المذكورة، «وبريء» النازلة قيل: هو لبيد بن سهل، وقيل: هو زيد بن السمين اليهودي، وقيل: أبو مليل الأنصاري، وقوله تعالى: فقد احتمل تشبيه، إذ الذنوب ثقل ووزر، فهي كالمحمولات، وبهتاناً معناه: كذبا على البريء، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قلت في أخيك ما فيه مما يكره سماعه فقد اغتبته، فإن قلت ما ليس فيه فقد بهته، فرمي البريء بهت له ونفس الخطيئة والإثم إثم مبين، ومعصية هذا الرامي معصيتان). [المحرر الوجيز: 3/21]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {ومن يكسب خطيئةً أو إثمًا ثمّ يرم به بريئًا [فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا]} يعني: كما اتّهم بنو أبيرق بصنيعهم القبيح ذلك الرّجل الصّالح، وهو لبيد بن سهلٍ، كما تقدّم في الحديث، أو زيد بن السّمين اليهوديّ على ما قاله الآخرون، وقد كان بريئًا وهم الظّلمة الخونة، كما أطلع اللّه على ذلك رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم. ثمّ هذا التّقريع وهذا التّوبيخ عامٌّ فيهم وفي غيرهم ممّن اتّصف مثل صفتهم وارتكب مثل خطيئتهم، فعليه مثل عقوبتهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/410]



* للاستزادة ينظر: هنا