الدروس
course cover
تفسير سورة النساء [ من الآية (127) إلى الآية (128) ]
18 Nov 2018
18 Nov 2018

2732

0

0

course cover
تفسير سورة النساء

القسم العاشر

تفسير سورة النساء [ من الآية (127) إلى الآية (128) ]
18 Nov 2018
18 Nov 2018

18 Nov 2018

2732

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)}


تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النّساء اللّاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ وترغبون أن تنكحوهنّ والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإنّ اللّه كان به عليما (127)
(ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم)
موضع " ما " رفع.
المعنى اللّه يفتيكم فيهن، وما يتلى عليكم في الكتاب.
أيضا يفتيكم فيهن. ويجوز أن يكون " ما " في موضع جر، وهو بعيد جدا، لأن الظاهر لا يعطف على المضمر، فلذلك اختير الرفع، ولأن معنى الرفع أيضا أبين، لأن ما يتلى في الكتاب هو الذي بين ما سألوا.
فالمعنى: (قل الله يفتيكم فيهن)، وكتابه يفتيكم فيهن.
وقوله: (وترغبون أن تنكحوهنّ).
المعنى وترغبون عن أن تنكحوهنّ.
وقوله: (والمستضعفين من الولدان).
يعني اليتامى، وموضع " المستضعفين " جر، عطف على قوله: (وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء) المعنى وفي المستضعفين من الولدان والذي يفتيهم من القرآن قوله عزّ وجلّ: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) والذي تلي عليهم في التزويج هو قوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع).
فالمعنى قل الله يفتيكم فيهنّ، وهذه الأشياء التي في الكتاب يفتيكم فيهن.
وقوله: (وأن تقوموا لليتامى بالقسط)
" أن " في موضع جر: المعنى وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط). [معاني القرآن: 2/114-115]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النّساء اللاّتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ وترغبون أن تنكحوهنّ والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خيرٍ فإنّ اللّه كان به عليماً (127)

وقوله تعالى: ويستفتونك الآية، نزلت بسبب سؤال قوم من الصحابة عن أمر النساء وأحكامهن

في المواريث وغير ذلك، فأمر الله نبيه أن يقول لهم اللّه يفتيكم فيهنّ أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه.

وقوله تعالى وما يتلى عليكم يحتمل ما أن تكون في موضع خفض عطفا على الضمير في قوله فيهنّ، أي: «ويفتيكم فيما يتلى عليكم»، قاله محمد بن أبي موسى، وقال: أفتاهم الله فيما سألوا عنه وفيما لم يسألوا عنه، ويضعف هذا التأويل ما فيه من العطف على الضمير المخفوض بغير إعادة حرف الخفض، ويحتمل أن تكون ما في موضع رفع عطفا على اسم الله عز وجل، أي و «يفتيكم ما يتلى عليكم في الكتاب»، يعني القرآن، والإشارة بهذا إلى ما تقدم من الآيات في أمر النساء، وهو قوله تعالى في صدر السورة وإن خفتم ألّا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النّساء [النساء: 3]. قالت عائشة: نزلت هذه الآية أولا، ثم سأل ناس بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر النساء فنزلت: ويستفتونك في النّساء، قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم وقوله تعالى في يتامى النّساء اللّاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ معناه: النهي عما كانت العرب تفعله من ضم اليتيمة الجميلة الغنية بدون ما تستحقه من المهر، ومن عضل الدميمة الفقيرة أبدا، والدميمة الغنية حتى تموت فيرثها العاضل، ونحو هذا مما يقصد به الولي منفعة نفسه لا نفع اليتيمة، والذي كتب الله لهن هو توفية ما تستحقه من مهر، وإلحاقها بأقرانها، وقرأ أبو عبد الله المدني- «في ييامى النساء» بياءين، قال أبو الفتح: والقول في هذه القراءة أنه أراد أيامى فقلبت الهمزة ياء، كما قلبت في قولهم: باهلة بن يعصر، وإنما هو ابن أعصر لأنه إنما يسمى بقوله: [الكامل].

أبنيّ إن أباك غيّر لونه = كرّ الليالي واختلاف الأعصر

وكما قلبت الياء همزة في قولهم: قطع الله أده، يريدون يده، وأيامى: جمع أيم أصله: أيايم، قلبت اللام موضع العين، فجاء أيامى، ثم أبدلت من الكسرة فتحة ومن الياء ألف.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يشبه أن الداعي إلى هذا استثقال الضمة على الياء، قال أبو الفتح: ولو قال قائل كسر أيم على أيمى على وزن سكرى وقتلى من حيث الأيومة بلية تدخل كرها، ثم كسر أيمى على أيامى لكان وجها حسنا، وقوله تعالى وترغبون أن تنكحوهنّ إن كانت الجارية غنية جميلة فالرغبة في نكاحها، وإن كانت بالعكس فالرغبة عن نكاحها، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ الناس بالدرجة الفضلى في هذا المعنى، فكان إذا سأل الولي عن وليته فقيل: هي غنية جميلة، قال له: أطلب لها من هو خير منك وأعود عليها بالنفع، وإذا قيل له: هي دميمة فقيرة، قال له: أنت أولى بها وبالستر عليها من غيرك، وقوله تعالى والمستضعفين من الولدان عطف على يتامى النّساء، والذي تلي في المستضعفين من الولدان هو قوله تعالى: يوصيكم اللّه في أولادكم [النساء: 11]، وذلك: أن العرب كانت لا تورث الصبية ولا الصبي الصغير، وكان الكبير ينفرد بالمال، وكانوا يقولون: إنما يرث المال من يحمي الحوزة، ويرد الغنيمة، ويقاتل عن الحريم، ففرض الله لكل أحد حقه، وقوله تعالى: وأن تقوموا لليتامى بالقسط عطف أيضا على ما تقدم، والذي تلي في هذا المعنى هو قوله تعالى: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم [النساء: 2] إلى غير ذلك مما ذكر في مال اليتيم، والقسط العدل، وباقي الآية وعد على فعل الخير بالجزاء الجميل، بيّن). [المحرر الوجيز: 3/32-34]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النّساء اللاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ وترغبون أن تنكحوهنّ والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خيرٍ فإنّ اللّه كان به عليمًا (127)}
قال البخاريّ: حدّثنا عبيد بن إسماعيل، حدّثنا أبو أسامة قال: حدّثنا هشام بن عروة، أخبرني أبي عن عائشة: {ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ} إلى قوله: {وترغبون أن تنكحوهنّ} قالت: هو الرّجل تكون عنده اليتيمة، هو وليّها ووارثها قد شركته في ماله، حتّى في العذق، فيرغب أن ينكحها، ويكره أن يزوّجها رجلًا فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها، فنزلت هذه الآية.
وكذلك رواه مسلمٌ، عن أبي كريب، وعن أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن أبي أسامة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: قرأت على محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، أخبرني عروة بن الزّبير، قالت عائشة: ثمّ إنّ النّاس استفتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بعد هذه الآية فيهنّ، فأنزل اللّه: {ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم في الكتاب} الآية، قالت: والّذي ذكر اللّه أنّه يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى الّتي قال اللّه [تعالى] {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النّساء} [النّساء: 3].
وبهذا الإسناد، عن عائشة قالت: وقول اللّه عزّ وجلّ: {وترغبون أن تنكحوهنّ} رغبة أحدكم عن يتيمته الّتي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النّساء إلّا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهنّ.
وأصله ثابتٌ في الصّحيحين، من طريق يونس بن يزيد الأيلي، به.
والمقصود أنّ الرّجل إذا كان في حجره يتيمةٌ يحلّ له تزويجها، فتارةً يرغب في أن يتزوّجها، فأمره اللّه عزّ وجلّ أن يمهرها أسوة أمثالها من النّساء، فإن لم يفعل فليعدل إلى غيرها من النّساء، فقد وسّع اللّه عزّ وجلّ. وهذا المعنى في الآية الأولى الّتي في أوّل السّورة. وتارةً لا يكون للرّجل فيها رغبةٌ لدمامتها عنده، أو في نفس الأمر، فنهاه اللّه عزّ وجلّ أن يعضلها عن الأزواج خشية أن يشركوه في ماله الّذي بينه وبينها، كما قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {في يتامى النّساء [اللّاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ وترغبون أن تنكحوهنّ]} الآية، فكان الرّجل في الجاهليّة تكون عنده اليتيمة، فيلقي عليها ثوبه، فإذا فعل ذلك [بها] لم يقدر أحدٌ أن يتزوّجها أبدًا، فإن كانت جميلةً وهويها تزوّجها وأكل مالها، وإن كانت دميمةً منعها الرّجال أبدًا حتّى تموت، فإذا ماتت ورثها. فحرّم اللّه ذلك ونهى عنه.
وقال في قوله: {والمستضعفين من الولدان} كانوا في الجاهليّة لا يورثون الصّغار ولا البنات، وذلك قوله: {لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ} فنهى اللّه عن ذلك، وبيّن لكلّ ذي سهمٍ سهمه، فقال: {للذّكر مثل حظّ الأنثيين} [النّساء: 11] صغيرًا أو كبيرًا.
وكذا قال سعيد بن جبيرٍ وغيره، قال سعيد بن جبيرٍ في قوله: {وأن تقوموا لليتامى بالقسط} كما إذا كانت ذات جمالٍ ومالٍ نكحتها واستأثرت بها، كذلك إذا لم تكن ذات جمالٍ ولا مالٍ فانكحها واستأثر بها.
وقوله: {وما تفعلوا من خيرٍ فإنّ اللّه كان به عليمًا} تهييجًا على فعل الخيرات وامتثال الأمر وأنّ اللّه عزّ وجلّ عالمٌ بجميع ذلك، وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه). [تفسير القرآن العظيم: 2/424-425]


تفسير قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصّلح خير وأحضرت الأنفس الشّحّ وإن تحسنوا وتتّقوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا (128)
النشوز من بعل المرأة أن يسيء عشرتها وأن يمنعها نفسه ونفقته واللّه عز وجلّ قال في النساء: (وعاشروهنّ بالمعروف)، وقال: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، وقال: (ولا تمسكوهنّ ضرارا لتعتدوا). فشدد الله في العدل في أمر النساء فلو لم يعلم عزّ وجلّ أن رضا المرأة من زوجها بالإقامة على منعها - في كثير من الأوقات - نفسه ومنعها بعض ما يحتاج إليه لما جاز الإمساك إلا على غاية العدل والمعروف، فجعل الله عزّ وجلّ الصلح جائزا بين الرجل وامرأته إذا رضيت منه بإيثار غيرها عليه.
فقال: " لا إثم عليهما في أن يتصالحا بينهما صلحا.
والصلح خير من الفرقة ".
وقوله: (وأحضرت الأنفس الشّحّ).
وهو أن المرأة تشح على مكانها من زوجها، والرجل يشح على المرة بنفسه إن كان غيرها أحب إليه منها.
وقوله: (وإن تحسنوا وتتّقوا).
أي إن تحسنوا إليهن، وتحملوا عشرتهن.
(فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا).
أي يخبر ذلك فيجازيكم عليه.
فإن قال قائل إنما قيل: (وإن امرأة خافت)، ولم يقل وإن نشز رجل على المرأة لأن الخائف للشيء ليس بمتيقن له؟
فالجواب في هذا إن خافت الإقامة منه على النشوز والإعراض، وليس أن تخاف الإقامة إلا وقد بدا منه شيء، فأما التفرقة بين (إن) الجزاء والفعل الماضي فجيد. ولكن " إن " وقعت التفرقة بين " إن " والفعل المستقبل فذلك قبيح.
إن قلت: إن امرأة تخاف - فهو قبيح، لأن " إن " لا يفصل بينها وبين ما يجزم، وذلك في الشعر جائز في (إن) وغيرها.
قال عدي بن زيد.
فمتى واغل ينبهم يحيّوه... وتعطف عليه كأس الساقي
فأما الماضي فـ "إن " غير عاملة في لفظه، و " إن " أمّ حروف الجزم.
فجاز أن تفرق بينها وبين الفعل، وامرأة ارتفعت بفعل مضمر يدل عليه ما بعد الاسم، المعنى إن خافت امرأة خافت فأمّا غير " إن " فالفصل يقبح فيه مع الماضي والمستقبل جميعا، لو قلت: " متى زيد جاءني أكرمته " كان قبيحا.
ولو قلت إن اللّه أمكنني فعلت كان حسنا جميلا). [معاني القرآن: 2/115-117]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصّلح خيرٌ وأحضرت الأنفس الشّحّ وإن تحسنوا وتتّقوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيراً (128) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النّساء ولو حرصتم فلا تميلوا كلّ الميل فتذروها كالمعلّقة وإن تصلحوا وتتّقوا فإنّ اللّه كان غفوراً رحيماً (129)

هذه الآية حكم من الله تعالى في أمر المرأة التي تكون ذات سن ودمامة، أو نحو ذلك مما يرغب زوجها عنها، فيذهب الزوج إلى طلاقها، أو إلى إيثار شابة عليها، ونحو هذا مما يقصد به صلاح نفسه ولا يضرها هي ضررا يلزمه إياها، بل يعرض عليها الفرقة أو الصبر على الأثرة، فتزيد هي بقاء العصمة، فهذه التي أباح الله تعالى بينهما الصلح، ورفع الجناح فيه، إذ الجناح في كل صلح يكون عن ضرر من الزوج يفعله حتى تعالجه، وأباح الله تعالى الصلح مع الخوف وظهور علامات النشوز أو الإعراض، وهو مع وقوعها مباح أيضا، و «النشوز»: الارتفاع بالنفس عن رتبة حسن العشرة، و «الإعراض»: أخف من النشوز، وأنواع الصلح كلها مباحة في هذه النازلة، أن يعطي الزوج على أن تصبر هي، أو تعطي هي على أن لا يؤثر الزوج، أو على أن يؤثر ويتمسك بالعصمة، أو يقع الصلح على الصبر على الاثرة، فهذا كله مباح، واختلف المفسرون في سبب الآية، فقال ابن عباس وجماعة معه: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وسودة بنت زمعة، حدث الطبري بسند عن ابن عباس قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تطلقني واحبسني مع نسائك، ولا تقسم لي، ففعل فنزلت وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً الآية، وفي المصنفات أن سودة لما كبرت وهبت يومها لعائشة وهذا نحو الأول، وقال سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعبيدة السلماني وغيرهم: نزلت الآية بسبب رافع بن خديج وخولة بنت محمد بن مسلمة، وذلك أنه خلا من سنها فتزوج عليها شابة، فآثر الشابة فلم تصبر هي فطلقها طلقة ثم تراجعا، فعاد فآثر الشابة فلم تصبر هي فطلقها أخرى، فلما بقي من العدة يسير قال لها: إن شئت راجعتك وصبرت على الاثرة، وإن شئت تركتك حتى يخلو أجلك، قالت: بل راجعني وأصبر، فراجعها فآثر الشابة فلم تصبر، فقال: إنما هي واحدة، فإما أن تقري على ما ترين من الإثرة، وإلا طلقتك، فقرت فهذا هو الصلح الذي أنزل الله فيه وإن امرأةٌ خافت الآية، وقال مجاهد: نزلت الآية بسبب أبي السنابل ابن بعكك وامرأته، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «يصّالحا» بفتح الياء وشد الصاد وألف بعدها، وأصلها يتصالحا، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم «يصلحا» بضم الياء وسكون الصاد دون ألف، وقرأ عبيدة السلماني «يصالحا» بضم الياء من المفاعلة، وقرأ الجحدري وعثمان البتي «يصلحا» بفتح الياء وشد الصاد أصلها يصطلحا، قال أبو الفتح: أبدل الطاء صادا ثم أدغم فيها الصاد التي هي فاء فصارت «يصلحا»، وقرأ الأعمش «إن اصالحا»، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود، وقوله صلحاً ليس الصلح مصدرا على واحد من هذه الأفعال التي قرئ بها، فالذي يحتمل أن يكون اسما كالعطاء مع أعطيت والكرامة مع أكرمت، فمن قرأ «يصلحا» كان تعديه إلى الصلح كتعديه إلى الأسماء، كما تقول: أصلحت ثوبا، ومن قرأ «يصالحا» من تفاعل وعرف تفاعل أنه لا يتعدى، فوجهه أن تفاعل قد جاء متعديا في نحو قول ذي الرمة:

ومن جردة غفل بساط تحاسنت = بها الوشي قرّات الرياح وخورها

ويجوز أن يكون الصلح مصدرا حذفت زوائده، كما قال:

... ... ... ... = وإن تهلك فذلك كان قدري

أي تقديري.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هذا كلام أبي علي على أن القدر مصدر جار على ان قدرت الأمر بالتخفيف بمعنى قدرت بالتشديد، وقوله تعالى والصّلح خيرٌ لفظ عام مطلق بمقتضى أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير على الإطلاق، ويندرج تحت هذا العموم أن صلح الزوجين على ما ذكرنا خير من الفرقة. وقوله تعالى وأحضرت الأنفس الشّحّ معذرة عن عبيده تعالى أي لا بد للإنسان بحكم خلقته وجبلته من أن يشح على إرادته حتى يحمل صاحبه على بعض ما يكره. وخصص المفسرون هذه اللفظة هنا فقال ابن جبير: هو شح المرأة بالنفقة من زوجها وبقسمه لها أيامها، وقال ابن زيد: الشح هنا منه ومنها.

قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: وهذا حسن، والشّحّ: الضبط على المعتقدات والإرادات والهمم والأموال ونحو ذلك، فما أفرط منها ففيه بعض المذمة، وهو الذي قال تعالى فيه ومن يوق شحّ نفسه [الحشر: 9] وما صار إلى حيز منع الحقوق الشرعية أو التي تقتضيها المروءة فهو البخل، وهي رذيلة لكنها قد تكون في المؤمن، ومنه الحديث «قيل يا رسول الله أيكون المؤمن بخيلا؟ قال نعم». وأما الشّحّ ففي كل أحد، وينبغي أن يكون، لكن لا يفرط إلا على الدين، ويدلك على أن الشح في كل أحد قوله تعالى: وأحضرت الأنفس الشّحّ وقوله شحّ نفسه فقد أثبت أن لكل نفس شحا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «أن تصدق وأنت صحيح شحيح» وهذا لم يرد به واحدا بعينه، وليس يجمل أن يقال هنا: أن تصدق وأنت صحيح بخيل، وقوله تعالى: وإن تحسنوا ندب إلى الإحسان في تحسين العشرة وحمل خلق الزوجة والصبر على ما يكره من حالها. وتمكن الندب إلى الإحسان من حيث للزوج أن يشح فلا يحسن وتتّقوا معناه: تتقوا الله في وصيته بالنساء، إذ هن عوان عند الأزواج حسبما فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم»). [المحرر الوجيز: 3/34-38]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا والصّلح خيرٌ وأحضرت الأنفس الشّحّ وإن تحسنوا وتتّقوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا (128) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النّساء ولو حرصتم فلا تميلوا كلّ الميل فتذروها كالمعلّقة وإن تصلحوا وتتّقوا فإنّ اللّه كان غفورًا رحيمًا (129) وإن يتفرّقا يغن اللّه كلا من سعته وكان اللّه واسعًا حكيمًا (130)}
يقول تعالى مخبرًا ومشرّعًا عن حال الزّوجين: تارةً في حال نفور الرّجل عن المرأة، وتارةً في حال اتّفاقه معها، وتارةً في حال فراقه لها.
فالحالة الأولى: ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها، أو يعرض عنها، فلها أن تسقط حقّها أو بعضه، من نفقةٍ أو كسوةٍ، أو مبيتٍ، أو غير ذلك من الحقوق عليه، وله أن يقبل ذلك منها فلا جناح عليها في بذلها ذلك له، ولا عليه في قبوله منها؛ ولهذا قال تعالى: {فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا} ثمّ قال {والصّلح خيرٌ} أي: من الفراق. وقوله: {وأحضرت الأنفس الشّحّ} أي الصّلح عند المشاحّة خيرٌ من الفراق؛ ولهذا لمّا كبرت سودة بنت زمعة عزم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على فراقها، فصالحته على أن يمسكها، وتترك يومها لعائشة، فقبل ذلك منها وأبقاها على ذلك.
ذكر الرّواية بذلك:
قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا سليمان بن معاذٍ، عن سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: خشيت سودة أن يطلّقها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللّه، لا تطلّقني واجعل يومي لعائشة. ففعل، ونزلت هذه الآية: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا} الآية، قال ابن عبّاسٍ: فما اصطلحا عليه من شيءٍ فهو جائزٌ.
ورواه التّرمذيّ، عن محمّد بن المثنّى، عن أبي داود الطّيالسيّ، به. وقال: حسنٌ غريبٌ
وقال الشّافعيّ أخبرنا مسلمٌ، عن ابن جريج، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم توفّي عن تسع نسوةٍ، وكان يقسم لثمانٍ.
وفي الصّحيحين، من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: لمّا كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقسم لها بيوم سودة.
وفي صحيح البخاريّ، من حديث الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، نحوه.
وقال سعيد بن منصورٍ: أنبأنا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن هشام، عن أبيه عروة قال: أنزل اللّه تعالى في سودة وأشباهها: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا} وذلك أن سودة كانت امرأةً قد أسنّت، ففزعت أن يفارقها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وضنّت بمكانها منه، وعرفت من حبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عائشة ومنزلتها منه، فوهبت يومها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعائشة، فقبل ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال البيهقيّ: وقد رواه أحمد بن يونس: عن ابن أبي الزّناد موصولًا. وهذه الطّريق رواها الحاكم في مستدركه فقال:
حدّثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أخبرنا الحسن بن عليّ بن زيادٍ، حدّثنا أحمد بن يونس، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنّها قالت له: يا ابن أختي، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يفضّل بعضنا على بعضٍ في مكثه عندنا، وكان قلّ يومٌ إلّا وهو يطوف علينا، فيدنو من كلّ امرأةٍ من غير مسيس، حتّى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة -حين أسنّت وفرقت أن يفارقها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم-: يا رسول اللّه، يومي هذا لعائشة. فقبل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قالت عائشة: ففي ذلك أنزل اللّه: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا}
وكذا رواه أبو داود، عن أحمد بن يونس، به. ثمّ قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.
وقد رواه [الحافظ أبو بكر] بن مردويه من طريق أبي بلالٍ الأشعريّ، عن عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، به نحوه. ومن رواية عبد العزيز بن محمّدٍ الدّراوردي، عن هشام بن عروة، بنحوه مختصرًا، واللّه أعلم.
وقال أبو العبّاس محمّد بن عبد الرّحمن الدّغولي في أوّل معجمه: حدّثنا محمّد بن يحيى، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا هشامٌ الدّستوائي، حدّثنا القاسم بن أبي بزّة قال: بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى سودة بنت زمعة بطلاقها، فلمّا أن أتاها جلست له على طريق عائشة، فلمّا رأته قالت له: أنشدك بالّذي أنزل عليك كلامه واصطفاك على خلقه لمّا راجعتني، فإنّي قد كبرت ولا حاجة لي في الرّجال، لكن أريد أن أبعث مع نسائك يوم القيامة. فراجعها فقالت: إنّي جعلت يومي وليلتي لحبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وهذا غريبٌ مرسلٌ.
وقد قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن مقاتلٍ، أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا} قالت الرّجل تكون عنده المرأة، ليس بمستكثرٍ منها، يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حلٍّ. فنزلت هذه الآية.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا والصّلح خيرٌ} قالت: هذا في المرأة تكون عند الرّجل، فلعلّه ألّا يكون يستكثر منها، ولا يكون لها ولدٌ، ولها صحبةٌ فتقول: لا تطلّقني وأنت في حلٍّ من شأني.
حدّثني المثنّى، حدّثنا حجّاج بن منهال، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن هشام، عن عروة، عن عائشة في قوله: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا} قالت: هو الرّجل يكون له المرأتان: إحداهما قد كبرت، أو هي دميمة وهو لا يستكثر منها فتقول: لا تطلّقني، وأنت في حلٍّ من شأني.
وهذا الحديث ثابتٌ في الصّحيحين، من غير وجهٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة بنحو ما تقدّم، وللّه الحمد والمنّة.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميد وابن وكيعٍ قالا حدّثنا جريرٌ، عن أشعث، عن ابن سيرين قال: جاء رجلٌ إلى عمر، رضي اللّه عنه، فسأله عن آيةٍ، فكره ذلك وضربه بالدّرّة، فسأله آخر عن هذه الآية: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا} فقال: عن مثل هذا فسلوا. ثمّ قال: هذه المرأة تكون عند الرّجل، قد خلا من سنّها، فيتزوّج المرأة الشّابّة يلتمس ولدها، فما اصطلحا عليه من شيءٍ فهو جائزٌ. وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجاني، حدّثنا مسدّد، حدّثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حربٍ، عن خالد بن عرعرة قال: جاء رجلٌ إلى عليّ بن أبي طالبٍ [رضي اللّه عنه] فسأله عن قول الله عز وجل: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما} قال عليٌّ: يكون الرّجل عنده المرأة، فتنبو عيناه عنها من دمامتها، أو كبرها، أو سوء خلقها، أو قذذها، فتكره فراقه، فإن وضعت له من مهرها شيئًا حلّ له، وإن جعلت له من أيّامها فلا حرج.
وكذا رواه أبو داود الطّيالسيّ، عن شعبة، عن حمّاد بن سلمة وأبي الأحوص. ورواه ابن جريرٍ من طريق إسرائيل أربعتهم عن سماك، به وكذا فسّرها ابن عبّاسٍ، وعبيدة السّلماني، ومجاهد بن جبر، والشّعبي، وسعيد بن جبير، وعطاءٌ، وعطيّة العوفي ومكحولٌ، والحكم بن عتبة، والحسن، وقتادة، وغير واحدٍ من السّلف والأئمّة، ولا أعلم [في ذلك] خلافًا في أنّ المراد بهذه الآية هذا واللّه أعلم.
وقال الشّافعيّ: أنبأنا ابن عيينة، عن الزّهريّ، عن ابن المسيّب: أنّ ابنة محمّد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديجٍ فكره منها أمرًا إمّا كبرًا أو غيره فأراد طلاقها فقالت: لا تطلّقني واقسم لي ما بدا لك. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا} الآية.
وقد رواه الحاكم في مستدركه، من طريق عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب وسليمان بن يسارٍ بأطول من هذا السّياق.
وقال الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرٍو، حدّثنا أبو محمّدٍ أحمد بن عبد اللّه المزني، أنبأنا عليّ بن محمّد بن عيسى، حدّثنا أبو اليمان، أخبرني شعيب بن أبي حمزة، عن الزّهريّ، أخبرني سعيد بن المسيّب وسليمان بن يسار: أنّ السّنّة في هاتين الآيتين اللّتين ذكر اللّه فيهما نشوز المرء وإعراضه عن امرأته في قوله: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا} إلى تمام الآيتين، أنّ المرء إذا نشز عن امرأته وآثر عليها، فإنّ من الحقّ أن يعرض عليها أن يطلّقها أو تستقرّ عنده على ما كانت من أثرةٍ في القسم من ماله ونفسه، فإن استقرّت عنده على ذلك، وكرهت أن يطلّقها، فلا حرج عليه فيما آثر عليها من ذلك، فإن لم يعرض عليها الطّلاق، وصالحها على أن يعطيها من ماله ما ترضاه وتقرّ عنده على الأثرة في القسم من ماله ونفسه، صلح له ذلك، وجاز صلحها عليه، كذلك ذكر سعيد بن المسيّب وسليمان الصّلح الّذي قال اللّه عزّ وجلّ {فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا والصّلح خير}.
وقد ذكر لي أنّ رافع بن خديج الأنصاريّ -وكان من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم-كانت عنده امرأةٌ حتّى إذا كبرت تزوّج عليها فتاةً شابّةً، وآثر عليها الشّابّة، فناشدته الطّلاق فطلّقها تطليقةً، ثمّ أمهلها، حتّى إذا كادت تحل راجعها، ثم عاد فآثر الشابة عليها فناشدته الطّلاق فطلّقها تطليقةً أخرى، ثمّ أمهلها، حتى إذا كادت تحل راجعها، ثم عاد فآثر الشابة عليها، فناشدنه الطّلاق فقال لها: ما شئت، إنّما بقيت لك تطليقةٌ واحدةٌ، فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة، وإن شئت فارقتك، فقالت: لا بل أستقرّ على الأثرة. فأمسكها على ذلك، فكان ذلك صلحهما، ولم ير رافعٌ عليه إثمًا حين رضيت أن تستقرّ عنده على الأثرة فيما آثر به عليها.
وهذا رواه بتمامه عبد الرّحمن بن أبي حاتمٍ، عن أبيه، عن أبي اليمان، عن شعيبٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، وسليمان بن يسارٍ، فذكره بطوله، واللّه أعلم
وقوله: {والصّلح خيرٌ} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: يعني التّخيير، أن يخيّر الزّوج لها بين الإقامة والفراق، خيرٌ من تمادي الزّوج على أثرة غيرها عليها.
والظّاهر من الآية أنّ صلحهما على ترك بعض حقّها للزّوج، وقبول الزّوج ذلك، خيرٌ من المفارقة بالكلّيّة، كما أمسك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سودة بنت زمعة على أن تركت يومها لعائشة، رضي اللّه عنها، ولم يفارقها بل تركها من جملة نسائه، وفعله ذلك لتتأسّى به أمّته في مشروعيّةٍ ذلك وجوازه، فهو أفضل في حقّه عليه الصّلاة والسّلام. ولمّا كان الوفاق أحبّ إلى اللّه [عزّ وجلّ] من الفراق قال: {والصّلح خيرٌ} بل الطّلاق بغيضٌ إليه، سبحانه وتعالى؛ ولهذا جاء في الحديث الّذي رواه أبو داود وابن ماجه جميعًا، عن كثير بن عبيدٍ، عن محمّد بن خالدٍ، عن معرّف بن واصلٍ، عن محارب بن دثار، عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أبغض الحلال إلى اللّه الطّلاق".
ثمّ رواه أبو داود عن أحمد بن يونس، عن معرّف، بن محاربٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم = فذكر معناه مرسلًا.
وقوله: {وإن تحسنوا وتتّقوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا} [أي] وإن تتجشّموا مشقّة الصّبر على من تكرهون منهنّ، وتقسموا لهنّ أسوة أمثالهنّ، فإنّ اللّه عالمٌ بذلك وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء). [تفسير القرآن العظيم: 2/426-430]



* للاستزادة ينظر: هنا