18 Nov 2018
تفسير قوله تعالى: {وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (132) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133) مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله
تعالى: وللّه ما في السّماوات وما في الأرض تنبيه على موضع الرجاء لهذين
المفترقين، ثم جاء بعد ذلك قوله وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات وما
في الأرض تنبيها على استغنائه عن العباد، ومقدمة للخبر بكونه غنيا حميدا. وقوله
تعالى ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم لفظ عام لكل من أوتي
كتابا، فإن وصية الله تعالى عباده بالتقوى لم تزل منذ أوجدهم). [المحرر الوجيز: 3/40-41] قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ([المحرر الوجيز: 3/41] ثم
جاء بعد ذلك قوله وللّه ما في السّماوات وما في الأرض، وكفى باللّه
وكيلًا مقدمة للوعيد، فهذه وجوه تكرار هذا الخبر الواحد ثلاث مرات
متقاربة. قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: أيّها النّاس مخاطبة للحاضرين من العرب، وتوقيف للسامعين لتحضر أذهانهم. وقوله
بآخرين يريد من نوعكم، وروي عن أبي هريرة أنه لما نزلت هذه الآية ضرب
رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على كتف سلمان الفارسي وقال: هم قوم
هذا، وتحتمل ألفاظ الآية أن تكون وعيدا لجميع بني آدم، ويكون الآخرون من
غير نوعهم، كما قد روي: أنه كان في الأرض ملائكة يعبدون الله قبل بني آدم،
وقدرة الله تعالى على ما ذكر تقضي بها العقول ببدائها، وقال الطبري هذا
الوعيد والتوبيخ هو للقوم الذين شفعوا في طعمة بن أبيرق وخاصموا عنه في أمر
خيانته في الدرع والدقيق. قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: وهذا تأويل بعيد واللفظ إنما يظهر حسن رصفه بعمومه وانسحابه على العالم جملة أو العالم الحاضر). [المحرر الوجيز: 3/41] قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله
تعالى: من كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة وكان
اللّه سميعاً بصيراً (134) يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط
شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيراً
فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ
اللّه كان بما تعملون خبيراً (135) أي:
من كان لا مراد له إلا في ثواب الدنيا ولا يعتقد أن ثم سواه، فليس هو كما
ظن، بل عند الله تعالى ثواب الدارين، فمن قصد الآخرة أعطاه الله من ثواب
الدنيا وأعطاه قصده، ومن قصد الدنيا فقط أعطاه من الدنيا ما قدر له وكان
له في الآخرة العذاب، والله تعالى «سميع» للأقوال، «بصير» بالأعمال
والنيات). [المحرر الوجيز: 3/41-42]
تفسير
قوله تعالى: {وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ
وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ
أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)}
يخبر تعالى أنّه مالك السّماوات والأرض،
وأنّه الحاكم فيهما؛ ولهذا قال: {ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من
قبلكم وإيّاكم} أي: وصّيناكم بما وصّيناهم به، من تقوى اللّه، عزّ وجلّ،
بعبادته وحده لا شريك له.
ثمّ قال: {وإن تكفروا فإنّ لله ما في
السّماوات وما في الأرض [وكان اللّه غنيًّا حميدًا]} كما قال تعالى إخبارًا
عن موسى أنّه قال لقومه: {إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعًا فإنّ اللّه
لغنيٌّ حميدٌ} [إبراهيم: 8]، وقال {فكفروا وتولّوا واستغنى اللّه واللّه
غنيٌّ حميدٌ} [التّغابن: 6] أي: غنيٌّ عن عباده، {حميدٌ} أي: محمودٌ في
جميع ما يقدّره ويشرعه). [تفسير القرآن العظيم: 2/431]
تفسير قوله تعالى: {وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (132)}
...
و «الوكيل»: القائم بالأمور المنفذ فيها ما رآه). [المحرر الوجيز: 3/41]
تفسير قوله تعالى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)}
تفسير قوله تعالى: {مَّن كَانَ
يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (من كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة وكان اللّه سميعا بصيرا (134)
كان مشركو العرب لا يؤمنون بالبعث، وكانوا مقرين بأن اللّه خالقهم.
فكان تقربهم إلى الله عزّ وجلّ إنما هو ليعطيهم من خير الدنيا، ويصرف عنهم شرها، فأعلم الله عزّ وجلّ أن خير الدنيا والآخرة عنده). [معاني القرآن: 2/117]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{من كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة} أي: يا من
ليس همّه إلّا الدّنيا، اعلم أنّ عند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة، وإذا
سألته من هذه وهذه أعطاك وأغناك وأقناك، كما قال تعالى: {فمن النّاس من
يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ. ومنهم من يقول
ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار. أولئك لهم
نصيبٌ ممّا كسبوا [واللّه سريع الحساب]} [البقرة: 200-202]، وقال تعالى:
{من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه [ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته
منها وما له في الآخرة من نصيبٍ]} [الشّورى:20]، وقال تعالى: {من كان يريد
العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها
مذمومًا مدحورًا. ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان
سعيهم مشكورًا. كلا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك
محظورًا. انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعضٍ [وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبر
تفضيلا]} [الإسراء: 18-21].
وقد زعم ابن جريرٍ أنّ المعنى في هذه
الآية: {من كان يريد ثواب الدّنيا} أي: من المنافقين الّذين أظهروا الإيمان
لأجل ذلك، {فعند اللّه ثواب الدّنيا} وهو ما حصل لهم من المغانم وغيرها
مع المسلمين. وقوله: {والآخرة} أي: وعند اللّه ثواب الآخرة، وهو ما ادّخره
لهم من العقوبة في نار جهنّم. وجعلها كقوله: {من كان يريد الحياة الدّنيا
وزينتها [نوفّ إليهم أعمالهم فيها] وهم فيها لا يبخسون. أولئك الّذين ليس
لهم في الآخرة إلا النّار وحبط ما صنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون}
[هودٍ: 15، 16].
ولا شكّ أنّ هذه الآية معناها ظاهرٌ،
وأمّا تفسيره الآية الأولى بهذا ففيه نظرٌ؛ فإنّ قوله {فعند اللّه ثواب
الدّنيا والآخرة} ظاهرٌ في حضور الخير في الدّنيا والآخرة، أي: بيده هذا
وهذا، فلا يقتصرنّ قاصر الهمّة على السّعي للدّنيا فقط، بل لتكن همّته
ساميةٌ إلى نيل المطالب العالية في الدّنيا والآخرة، فإنّ مرجع ذلك كلّه
إلى الّذي بيده الضّرّ والنّفع، وهو اللّه الّذي لا إله إلّا هو، الّذي قد
قسّم السّعادة والشّقاوة في الدّنيا والآخرة بين النّاس، وعدل بينهم فيما
علمه فيهم، ممّن يستحقّ هذا، وممّن يستحقّ هذا؛ ولهذا قال: {وكان اللّه
سميعًا بصيرًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/432]
* للاستزادة ينظر: هنا