18 Nov 2018
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا (169) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم
أخبر تعالى عن الكافرين الظالمين في أن وضعوا الشيء في غير موضعه، وهو
الكفر بالله، والله تعالى يستوجب منهم غير ذلك لنعمه الظاهرة والباطنة أنهم
بحيث لم يكن ليغفر لهم، وهذه العبارة أقوى من الإخبار المجرد أنه لا
يغفر، ومثال ذلك أنك إذا قلت: أنا لا أبيع هذا الشيء فهم منك الاغتباط به،
فإذا قلت: أنا ما كنت لأبيع هذا الشيء، فالاغتباط منك أكثر، هذا هو
المفهوم من هذه العبارة). [المحرر الوجيز: 3/71] قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله
تعالى: ولا ليهديهم طريقاً إلّا طريق جهنّم هذه هداية الطرق وليست
بالإرشاد على الإطلاق. وباقي الآية بيّن يتضمن تحقير أمر الكفار، وأنهم لا
يباليهم الله بالة كما ورد في الحديث، يذهب الصالحون الأول فالأول، حتى
تبقى حثالة كحثالة التمر لا يباليهم الله بالة، المعنى: إذ هم كفار في آخر
الزمان وعليهم تقوم الساعة). [المحرر الوجيز: 3/71] قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله
تعالى: يا أيّها النّاس قد جاءكم الرّسول بالحقّ من ربّكم فآمنوا خيراً
لكم وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات والأرض وكان اللّه عليماً حكيماً
(170) يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على اللّه إلاّ الحقّ
إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه
فآمنوا باللّه ورسله ولا تقولوا ثلاثةٌ انتهوا خيراً لكم المخاطبة بقوله يا أيّها النّاس مخاطبة لجميع الناس، والسورة مدنية، فهذا مما خوطب به جميع الناس
بعد الهجرة، لأن الآية دعاء إلى الشرع، ولو كانت في أمر من أوامر الأحكام
ونحوها لكانت «يا أيها الذين آمنوا» والرّسول في هذه الآية محمد صلى الله
عليه وسلم، وبالحقّ في شرعه، وقوله تعالى: خيراً
لكم منصوب بفعل مضمر تقديره، إيتوا خيرا لكم، أو حوزوا خيرا لكم، وقوله
فآمنوا وقوله انتهوا بعد ذلك، أمر بترك الشيء والدخول في غيره، فلذلك حسنت
صفة التفضيل التي هي خير، هذا مذهب سيبويه في نصب خير، ونظيره من الشعر
قول عمر بن أبي ربيعة: فواعديه سرحتي مالك = أو الربى بينهما أسهلا أي
يأت أسهل، وقال أبو عبيدة التقدير يكن الإيمان خيرا والانتهاء خيرا،
فنصبه على خبر كان، وقال الفراء: التقدير فآمنوا إيمانا خيرا لكم، فنصبه
على النعت لمصدر محذوف ثم قال تعالى وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات
والأرض وهذا خبر بالاستغناء، وأن ضرر الكفر إنما هو نازل بهم، ولله تعالى
العلم والحكمة. ثم
خاطب تعالى أهل الكتاب من النصارى بأن يدعوا «الغلو»، وهو تجاوز الحد،
ومنه غلاء السعر، ومنه غلوة السهم، وقوله تعالى: في دينكم إنما معناه، في
الدين الذي أنتم مطلوبون به، فكأنه اسم جنس، وأضافه إليهم بيانا أنهم
مأخوذون به، وليست الإشارة إلى دينهم المضلل، ولا أمروا بالثبوت عليه دون
غلو، وإنما أمروا بترك الغلو في دين الله على الإطلاق، وأن يوحدوا ولا
«يقولوا على الله إلا الحق»، وإذا سلكوا ما أمروا به، فذلك سائقهم إلى
الإسلام، ثم بين تعالى أمر المسيح وأنه رسول اللّه وكلمته، أي مكون عن
كلمته التي هي «كن» وقوله ألقاها عبارة عن إيجاد هذا الحادث في مريم، وقال
الطبري وكلمته ألقاها يريد جملة مخلوقاته، ف «من» لابتداء الغاية إذا حقق
النظر فيها، وقال البشارة التي بعث الملك بها إليها، وقوله تعالى: وروحٌ
منه أي من الله وقال الطبري وروحٌ منه أي نفخة منه، إذ هي من جبريل بأمره،
وأنشد قول ذي الرمة: فقلت له اضممها إليك وأحيها = بروحك واقتته لها قيتة قدرا يصف
سقط النار، وقال أبيّ بن كعب: روح عيسى من أرواح الله التي خلقها
واستنطقها بقوله ألست بربّكم قالوا بلى [الأعراف: 172] فبعثه الله إلى مريم
فدخل فيها، ثم أمرهم بالإيمان بالله ورسله، أي الذين من جملتهم عيسى
ومحمد عليهما السلام، وقوله تعالى: ولا تقولوا ثلاثةٌ المعنى: الله
ثالث ثلاثة، فحذف الابتداء والمضاف، كذا قدر أبو علي، ويحتمل أن يكون
المقدر: المعبود ثلاثة، أو الإله ثلاثة، أو الآلهة ثلاثة، أو الأقانيم
ثلاثة، وكيف ما تشعب اختلاف عبارات النصارى فإنه يختلف بحسب ذلك التقدير،
وقد تقدم القول في معنى انتهوا خيراً لكم). [المحرر الوجيز: 3/72-73]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (167)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:
(يا أيّها النّاس قد جاءكم الرّسول بالحقّ من ربّكم فآمنوا خيرا لكم
وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات والأرض وكان اللّه عليما حكيما
(170)
(فآمنوا خيرا لكم).
اختلف أهل العربية في تفسير نصب " خير "، فقال الكسائي: انتصب لخروجه من
الكلام، قال: وهذا تقوله العرب في الكلام التام نحو قولك لتقومنّ خيرا
لك، فإذا كان الكلام ناقصا رفعوا فقالوا: إن تنته خير لك. وقال
الفراء: انتصب هذا وقوله (خيرا لكم) لأنه متصل بالأمر وهو من صفته،
ألا ترى أنك تقول انته هو خير لك فلما سقطت هو اتصل بما قبله، وهو
معرفة فانتصب، ولم يقل هو ولا الكسائي من أي المنصوبات هو، ولا شرحوه
بأكثر من هذا.
وقال الخليل وجميع البصريين: إنّ هذا محمول على معنا؛ لأنك إذا قلت: انته
خيرا فأنت تدفعه عن أمر وتدخله في غيره، كأنك قلت: انته وائت خير لك
وادخل فيما هو خير لك.
وأنشد الخليل وسيبويه قول عمر بن أبي ربيعة:
فواعديه سرحتي مالك=أو الرّبى بينهما أسهلا
كأنه قال إيتي مكانا أسهلا). [معاني القرآن: 2/135]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{إنّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه قد ضلّوا ضلالا بعيدًا} أي:
كفّروا في أنفسهم فلم يتّبعوا الحقّ، وسعوا في صدّ النّاس عن اتّباعه
والاقتداء به، قد خرجوا عن الحقّ وضلّوا عنه، وبعدوا منه بعدًا عظيمًا
شاسعًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/476]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ
لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168)}
تفسير قوله تعالى: {إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا (169)}
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ
خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:
(يا أيّها النّاس قد جاءكم الرّسول بالحقّ من ربّكم فآمنوا خيرا لكم
وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات والأرض وكان اللّه عليما حكيما
(170)
(فآمنوا خيرا لكم).
اختلف أهل العربية في تفسير نصب " خير "، فقال الكسائي: انتصب لخروجه من
الكلام، قال: وهذا تقوله العرب في الكلام التام نحو قولك لتقومنّ خيرا
لك، فإذا كان الكلام ناقصا رفعوا فقالوا: إن تنته خير لك. وقال
الفراء: انتصب هذا وقوله (خيرا لكم) لأنه متصل بالأمر وهو من صفته،
ألا ترى أنك تقول انته هو خير لك فلما سقطت هو اتصل بما قبله، وهو
معرفة فانتصب، ولم يقل هو ولا الكسائي من أي المنصوبات هو، ولا شرحوه
بأكثر من هذا.
وقال الخليل وجميع البصريين: إنّ هذا محمول على معنا؛ لأنك إذا قلت: انته
خيرا فأنت تدفعه عن أمر وتدخله في غيره، كأنك قلت: انته وائت خير لك
وادخل فيما هو خير لك.
وأنشد الخليل وسيبويه قول عمر بن أبي ربيعة:
فواعديه سرحتي مالك=أو الرّبى بينهما أسهلا
كأنه قال إيتي مكانا أسهلا). [معاني القرآن: 2/135]
ثمّ قال: {وإن تكفروا فإنّ للّه ما في
السّماوات والأرض} أي: فهو غنيٌّ عنكم وعن إيمانكم، ولا يتضرّر بكفرانكم،
كما قال تعالى: {وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعًا فإنّ اللّه
لغنيٌّ حميدٌ} [إبراهيم: 8] وقال هاهنا: {وكان اللّه عليمًا حكيمًا} أي:
بمن يستحقّ منكم الهداية فيهديه، وبمن يستحقّ الغواية فيغويه {حكيمًا} أي:
في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره). [تفسير القرآن العظيم: 2/476]
* للاستزادة ينظر: هنا