الدروس
course cover
المحفوظ والشاذ، والمعروف والمنكر
25 Oct 2008
25 Oct 2008

10942

0

0

course cover
شرح نخبة الفكر

القسم الثاني

المحفوظ والشاذ، والمعروف والمنكر
25 Oct 2008
25 Oct 2008

25 Oct 2008

10942

0

0


0

0

0

0

0

المحفوظ والشاذ، والمعروف والمنكر

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (وَزِيَادَةُ رَاوِيهِمَا مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ تَقَعْ مُنَافِيَةً لِمَنْ هُوَ أَوْثَقُ.

- فَإِنْ خُولِفَ بِأَرْجَحَ؛ فَالرَّاجِحُ المَحْفُوظُ.

- وَمُقَابِلُهُ: الشَّاذُّ.

- وَمَعَ الضَّعْفِ؛ فَالرَّاجِحُ المَعْرُوفُ.

وَمُقَابِلُهُ: المُنْكَرُ).

هيئة الإشراف

#2

28 Oct 2008

نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (وَزِيَادَةُ راويهمَا)

أي:الصَّحِيحِ، والحَسَنِ.

(2) (مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ تَقَعْ مُنَافِيَةً لِمَنْ هُوَ أوثَقُ)

رِوَايةً، (مَنْ هُوَ أوثَقُ) ممَّن لمْ يَذْكُرْ تلكَ الزِّيادةَ؛ لأنَّ الزّيادةَ:

إمَّا أنْ تكونَ لا تَنَافِيَ بَيْنَها وبَيْنَ روايةِ مَن لمْ يذكُرْها؛

فهَذِهِ تُقْبَلُ مُطْلَقًا؛ لأنَّها في حُكْمِ الحَدِيثِ المستقِلِّ الذي ينفرِدُ به الثِّقَةُ ولا يَرْوِيه عَن شيخِهِ غيرُه.

- وإمَّا أنْ تكونَ مُنَافِيَةً بحيثُ يَلْزَمُ من قَبُولِهَا رَدُّ الرِّوايةِ الأُخرى؛

فهَذِهِ التي يقعُ التَّرجيحُ بَيْنَها وبَيْنَ مُعارِضِهَا، فَيُقْبَلُ الرَّاجحُ وَيُرَدُّ المَرْجُوحُ.

وَاشْتُهِرَ عَن جمْعٍ من العُلماءِ القولُ بقَبُولِ الزِّيادةِ مُطْلَقًا من غيرِ تَفْصِيلٍ،

ولا يَتَأَتَّى ذَلِكَ على طريقِ المُحَدِّثِينَ الذين يشترِطونَ في الصَّحِيحِ أن لا يكونَ شَاذًّا، ثم يُفَسِّرونَ الشُّذوذَ: بمُخالَفَةِ الثِّقةِ مَنْ هُوَ أوثَقُ منه، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ منهم مع اعْتِرَافِهِ باشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الشُّذوذِ في حدِّ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وكذا الحَسَنُ، والْمَنْقُولُ عَن أَئِمَّةِ الحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِينَ، كعبْدِ الرَّحمنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، ويَحْيَى القَطَّانِ، وأحمدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ويَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، والْبُخَارِيِّ، وأَبِي زُرْعَةَ، وأَبِي حَاتِمٍ، والنَّسَائِيِّ، والدَّارَقُطْنِيِّ وغيرِهِم- اعْتِبَارُ التَّرجِيحِ فيما يتعلَّقُ بالزِّيادَةِ وغيرِها، ولا يُعرَفُ عَن أحدٍ منهم إِطْلاَقُ قَبُولِ الزِّيادةِ.

وَأَعْجَبُ من ذَلِكَ إطلاقُ كثيرٍ من الشَّافِعيَّةِ القولَ بِقَبُولِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ، مع أنَّ نَصَّ الشَّافعيِّ يدلُّ على غيْرِ ذَلِكَ؛ فإنَّه قال في أثناءِ كَلاَمِهِ على ما يُعْتَبَرُ به حالُ الرَّاوي في الضَبْطِ ما نَصُّهُ: (ويكونُ إذا أشْركَ أَحَدًا من الْحُفَّاظِ لم يُخَالِفْهُ، فإنْ خالَفَهُ فَوُجِدَ حَدِيثُهُ أَنْقَصَ كان في ذَلِكَ دليلٌ على صِحَّةِ مَخْرَجِ حَدِيثِهِ، وَمَتَى خَالَفَ ما وَصَفْتُ أَضَرَّ ذَلِكَ بحَدِيثِه) انْتَهَى كَلامُهُ.

وَمُقْتَضَاهُ أنَّه إذا خَالَفَ فَوَجَدَ حَدِيثَهُ أَزْيَدَ أَضَرَّ ذَلِكَ بحَدِيثِه؛ فدَلَّ على أنَّ زِيَادَةَ العَدْلِ عندَه لا يَلْزَمُ قَبُولُهَا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ مِنَ الْحَافِظِ فإنَّه اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ هَذَا الْمُخَالِفِ أَنْقَصَ من حَدِيثِ مَن خَالَفَهُ من الْحُفَّاظِ، وَجَعَلَ نُقْصَانَ هَذَا الرَّاوي من الحَدِيثِ دليلاً على صِحَّتِه؛ لأنَّه يدلُّ على تَحَرِّيهِ، وَجَعَلَ مَا عَدَا ذَلِكَ مُضِرًّا بحَدِيثِه؛ فَدَخَلَتْ فيه الزِّيَادَةُ، فلوْ كانت عندَه مَقْبُولَةً مُطْلَقًا لم تكنْ مُضِرَّةً بحَدِيثِ صاحِبِهَا، واللهُ أعلمُ.

(3) (فَإِنْ خُولِفَ)

-أي: الرَّاوي- (بِأَرْجَحَ) منه لِمَزِيدِ ضَبْطٍ، أو كَثْرَةِ عَدَدٍ، أو غيرِ ذَلِكَ من وُجوهِ التَّرْجِيحَاتِ؛ (فَالرَّاجِحُ) يُقالُ له: (الْمَحْفُوظُ، وَمُقَابِلُهُ) وهو المَرْجُوحُ يُقالُ لَهُ: (الشَّاذُّ).

مِثَالُ ذَلِكَ:ما رواه التِّرْمِذِيُّ، والنَّسَائِيُّ، وابْنُ مَاجَهْ، مِن طريقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَن عمرِو بْنِ دِينَارٍ، عَن عَوْسَجَةَ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: ((أنَّ رجُلاً تُوُفِّيَ في عهدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يَدَعْ وَارِثًا إِلاَّ مَوْلًى هُوَ أَعْتَقَهُ)). الحَدِيث.

وَتَابَعَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، على وَصْلِهِ ابْنُ جُرَيْجٍ وغيرُه، وخَالَفَهُمْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ؛ فَرَوَاهُ عَن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَن عَوْسَجَةَ، ولم يذكرِ ابْنَ عَبَّاسٍ.

قال أَبُو حَاتِمٍ: الْمَحْفُوظُ حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ا.هـ كَلاَمُه.

فَحَمَّادُ بْنُ زيْدٍ مِنْ أهلِ العَدَالةِ، والضَّبْطِ، ومع ذَلِكَ رَجَّحَ أَبُو حَاتِمٍ روايةَ مَن هُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا منه.

وعُرِفَ من هَذَا التَّقريرِ أنَّ الشَّاذَّ: ما رَوَاهُ المقبولُ مُخَالِفًا لمَن هو أَوْلَى منه، وهَذَا هو الْمُعْتَمَدُ في تعريفِ الشَّاذِّ بِحَسَبِ الاصْطِلاَحِ.

(4) (وَ)إنْ وَقَعَت الْمُخَالَفَةُ له (مع الضَّعْفِ فَالرَّاجِحُ) يُقالُ لَهُ: (الْمَعْرُوفُ ومُقَابِلُهُ) يُقالُ لَهُ: (الْمُنْكَرُ)

مِثَالُهُ: ما رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، من طريقِ حُبَيِّبِ بْنِ حَبِيبٍ، -وهو أخو حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ الْمُقْرِئ،ِ- عَن أَبِي إِسْحَاقَ، عَن الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((مَنْ أَقَامَ الصَّلاَةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ، وَحَجَّ البَيْتَ، وَصَامَ، وَقَرَى الضَّيْفَ دَخَلَ الجَنَّةَ)).

قال أَبُو حَاتِمٍ: هو مُنْكَرٌ؛ لأنَّ غيرَه من الثِّقاتِ رَوَاهُ عَن أَبِي إِسْحَاقَ مَوْقُوفًا وهو الْمَعْرُوفُ.

وعُرِفَ بهَذَا أنَّ بَيْنَ الشَّاذِّ، والْمُنْكَرِ عُمُومًا وَخُصُوصًا من وجْهٍ؛ لأنَّ بَيْنَهما اجْتِماعًا في اشْتِرَاطِ الْمُخَالَفَةِ.

وَافْتِرَاقًا في أنَّ الشَّاذَّ: راويه ثِقَةٌ، أو صَدُوقٌ.

وَالْمُنْكَرَ:راويه ضَعِيفٌ، وَقَدْ غَفَلَ مَن سَوَّى بَيْنَهما، واللهُ أعلمُ).

هيئة الإشراف

#3

28 Oct 2008

نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم

قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (3- زياداتُ الثقاتِ:

(1)المقصودُ بزياداتِ الثِّقَاتِ: ما يَأْتِي بهِ بعضُ الثقاتِ مِن زيادةٍ في إسنادِ الحديثِ أو في مَتْنِهِ على ما يَأْتِي بهِ الرُّوَاةُ الآخرُونَ، وكلامُ الحافظِ هنا يَنْصَبُّ أَكْثَرَ ما يَنْصَبُّ على الزيادةِ في مَتْنِ الحديثِ.

مثالٌ:رَوَى عَاصِمُ بنُ أبي النَّجُودِ، عن زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، عن صَفْوَانَ بنِ عَسَّالٍ قالَ: ((أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كُنَّا في سَفَرٍ ألاَّ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ نَوْمٍ))، هذا الحديثُ رَوَاهُ جَمْعٌ كبيرٌ جِدًّا عن عاصمٍ، ما يَقْرَبُ مِن عشرينَ شَخْصًا عن عاصمٍ بنحوِ هذا اللفظِ.

وجاءَ عن مَعْمَرٍ - أَحَدِ الأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ -؛ فَرَوَى عن عاصمٍ، وزادَ في هذا الحديثِ بعدَ قولِهِ ((أَلاَّ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ))زَادَ: ((إِذَا أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ))، أو قال: ((طَاهِرَتَيْنِ)) ؛ فهذا اللفظُ لمْ يَأْتِ بهِ عن عاصمٍ من الثِّقَاتِ إلا مَعْمَرٌ؛ فَنُسَمِّي هذا اللفظَ زيادةَ ثِقَةٍ في مَتْنِ الحديثِ.وسَيَذْكُرُ الحافِظُ فيمَا بَعْدُ أمثلةً لزيادةِ الثقاتِ في إسنادِ الحديثِ.

تَكَلَّمَ الحافظُ على قَبُولِ هذه الزيادةِ، فَهَلْ نَقْبَلُ هذهِ الزيادةَ مِن هذا الثِّقَةِ كَمَا قَبِلْنَا سَائِرَ حَدِيثِهِ؟

أو نقولُ: إنَّ تَرْكَ هؤلاءِ الرُّوَاةِ الكثيرينَ لهذهِ الزيادةِ يَدُلُّ على ضَعْفِهَا فَتُرَدُّ؟

هذا المَبْحَثُ جَرَى فيهِ كلامٌ كثيرٌ لِلأَئِمَّةِ، وفي كُتُبِ المصطلحِ اضْطِرَابٌ كثيرٌ بِشَأْنِهِ شَيْءٌ من التناقُضِ في الكلامِ نَفْسِهِ أحيانًا، وَأحيانًا تَنَاقُضٌ بينَ القولِ وتطبيقِهِ، هذه الزياداتُ في الأحاديثِ كثيرةٌ جِدًّا والبحثُ فيها مِن الأمورِ المُهِمَّةِ، وكما مَرَّ أَنَّ مِن مُهِمَّاتِ عِلْمِ المصطلحِ تصحيحَ الحديثِ وتضعيفَهُ.فمثلاً:

حديثُ: ((إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا)) ، هذا الحديثُ زادَ بعضُهُم فيهِ: ((ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ)) ، وهذه الزيادةُ مُهِمَّةٌ جِدًّا.وفيها:دَلاَلَةٌ عَلَى المَسْحِ على الخُفَّيْنِ.

وفيها: دَلاَلَةٌ على أَنَّهُ مَسَحَ فِي الحَضَرِ؛ لأَنَّهُ بالَ عندَ سُبَاطَةِ قومٍ وهي مكانُ الزُّبَالَةِ، فَيُرَدُّ بِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لاَ مَسْحَ فِي الحَضَرِ.ومثلَ: حديثِ عمرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ: ((بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ))، زادَ الأَوْزَاعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: ((وَعَلَى عِمَامَتِهِ))؛ فَيُسْتَدَلُّ بِالزيادةِ على جَوَازِ المَسْحِ على العِمَامَةِ.

- وحديثِ المغيرةِ بنِ شُعْبَةَ، المشهورِ في المَسْحِ على الخُفَّيْنِ زادَ فيهِ بعضُ الرُّوَاةِ: ((ثُمَّ مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَبِنَاصِيَتِهِ)).

فهناكَ أحاديثُ مشهورةٌ نَتَدَاوَلُهَا دَائِمًا مع أَنَّ بَعْضَهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ؛ فَهَذَا الموضوعُ مُهِمٌّ جِدًّا، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ قَلَّمَا حَديثٌ إلاَّ وَيَزِيدُ فيهِ بعضُ الرُّوَاةِ على بَعْضٍ؛ فلهذا اهْتَمَّ بها المُحَدِّثونَ.

وَتَكَلَّمَ عليها الحافظُ هُنَا مُخَالِفًا تَرْتِيبُهُ تَرْتِيبَ ابنِ الصلاحِ، فَبَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِن الصحيحِ والحَسَنِ، تَكَلَّمَ عن موضوعاتٍ تَتَعَلَّقُ بِرِوَايَةِ الثِّقَةِ أو مَن خَفَّ ضَبْطُهُ، فَتَكَلَّمَ هنا عن زِيَادَةِ الثِّقَةِ، وَسَيَتَكَلَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الشَّاذِّ وَغَيْرِهِ، مع أَنَّ مكانَ الشَّاذِّ في الحديثِ الضَّعِيفِ.

قَسَّمَ الحافظُ الزيادةَ إلى قِسْمَيْنِ:

1-زيادةٌ ليسَ فيها مُنَافَاةٌ لِمَا رَوَاهُ مَن زِيدَ عَلَيْهِمْ، ومَعْنَى عَدَمِ المُنَافَاةِ: أَنْ لا يَلْزَمَ مِن قَبُولِهَا رَدُّ اللفْظِ الآخَرِ، وَالأَمْثِلَةُ التي ذَكَرْتُهَا في زياداتِ الثِّقَةِ لا يَلْزَمُ مِن قَبُولِهَا رَدُّ الرِّوَايَاتِ الأُخْرَى، إذًا فَكُلُّ هذهِ الزيادَاتِ مَقْبُولَةٌ، وَحُكِي الاتِّفَاقُ عَلَى ذلكَ.

2-زيادةٌ فيها مُنَافَاةٌ، وَيَلْزَمُ مِن قَبُولِهَا رَدُّ الرِّوَايَةِ الأُخْرَى؛ فَذَكَرَ أَنَّ العِبْرَةَ في قَبُولِ الزيادةِ وَرَدِّهَا الترجيحُ؛ فإذا تَرَجَّحَت الزيادةُ قُبِلَتْ، ولو أَدَّى ذلكَ إلى رَدِّ الرِّوَايةِ الأُخْرَى، وَإِذَا تَرَجَّحَت الروَايَةُ الأُخْرَى رُدَّت الزيادةُ.

وقال: إنَّ هناك قولاً ضعيفًا بِقَبُولِ زياداتِ الثقاتِ مُطْلَقًا، وَرَدَّ ذلك الحافظُ وقال: (إنَّ المَنْقُولَ عن أَئِمَّةِ الحديثِ مثلَ: يحيى بنِ مَعِينٍ، وأحمدَ، والقطَّانِ … إلخ أنَّهُم لا يَحْكُمُونَ على زِيَادَةِ الثِّقَةِ بِحُكْمٍ مُطَّرِدٍ، بلْ يُدِيرُونَ ذلك مع القرائنِ، إنْ تَرَجَّحَتِ الزيادةُ قَبِلُوهَا، وإنْ دَلَّت القَرَائِنُ على رَدِّهَا رَدُّوهَا)، ثم عَطَفَ على ذلكَ بِأَنْ قالَ: (العَجَبُ مِن بعضِ الشَّافِعِيَّةِ الذين يُطْلِقُونَ قَبُولَ الزيادةِ مع أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ يُخَالِفُ ذلكَ، ويَدُلُّ على أَنَّ بعضَ الزياداتِ لا تُقْبَلُ).

ويلاحظُ في كلامِ الحافظِ شيءٌ مُهِمٌّ في قولِهِ: (والمَنْقُولُ عن أَئِمَّةِ الحديثِ المُتَقَدِّمِينَ كعبدِ الرحمنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى القطَّانِ، وأحمدَ بنِ حَنْبَلٍ، ويحيى بنِ مَعِينٍ، وعَلِيِّ بنِ المَدِينِيِّ، والبخاريِّ، وأبي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، والنَّسَائِيِّ، والدَّارَقُطْنِيِّ وغيرِهِم اعْتِبَارُ الترجيحِ فيما يَتَعَلَّقُ بالزيادةِ وَغَيْرِهَا، ولا يُعْرَفُ عن أَحَدٍ منهم إطلاقُ قَبُولِ الزِّيَادَةِ).

فإذا قَارَنْتَهُ بِمَا قَبْلَهُ حينَ قَسَّمَ الزيادةَ إلى قِسْمَيْن وَجَدْتَ تَعَارُضًا؛ فهذا النَّقْلُ عن هؤلاءِ الأَئِمَّةِ يَدُلُّ على أَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُقَسَّمَةٍ، فهو يَنْقُضُ ما قَبْلَهُ، مِن أَنَّ الزيادةَ تَنْقَسِمُ إلى قِسْمَيْنِ:

-قِسْمٍ مَقْبُولٍ بالاتِّفَاقِ.

-وَقِسْمٍ دَائِرٍ مع التَّرْجِيحِ بالقَرَائِنِ.

فَحِينَئِذٍ نقولُ: المنقولُ عن أَئِمَّةِ الحديثِ المُتَقَدِّمِينَ اعْتِبَارُ التَّرْجِيحِ في قَبُولِ الزيادةِ مُطْلَقًا، سواءٌ كانتْ تُنَافِي، أو لاَ تُنَافِي.

وَأَمْثِلَةُ الزياداتِ التي مَرَّتْ قَبْلَ قليلٍ ليسَ فيها مُنَافَاةٌ، ومِن ذلك أيضًا زيادةٌ في حديثِ أبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ في مُتَابَعَةِ المَأْمُومِ للإمامِ، زادَ سليمانُ التَّيْمِيُّ، في هذا الحديثِ: ((وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا))، هذه الزيادةُ لا يَلْزَمُ مِن قَبُولِهَا رَدُّ بَاقِي الحديثِ، ومَعَ هذا فالمُحَدِّثونَ مُخْتَلِفُونَ في قَبُولِ هذهِ الزِّيَادَةِ، والحافظُ يقولُ: إنَّ الزيادةَ إذا وَقَعَتْ غيرَ مُنَافِيَةٍ فَحُكْمُهَا القَبُولُ بِالاتِّفَاقِ.

فالذي نَسْتَفِيدُهُ مِن نَقْلِ الحافظِ قولَ أَئِمَّةِ الحديثِ ما يلي:

1-إلغاءُ التَّقْسِيمِ الذي ذَكَرَهُ الحافظُ.

2-وَضْعُ قاعدةٍ في زياداتِ الثقاتِ، وهي النَّصُّ الذي تَقَدَّمَ آنِفًا في نَقْلِ الحافظِ لِرَأْيِ أَئِمَّةِ الحديثِ.

فَزُبْدَةُ الموضوعِ في زياداتِ الثقاتِ يَكْمُنُ في قولِهِ:

(المَنْقُولِ عن الأَئِمَّةِ، وأنَّ الاعتبارَ بالترجيحِ في قَبُولِ الزيادةِ أَوْ رَدِّهَا سواءً كانتْ مُنَافِيَةً أو غيرَ مُنَافِيَةٍ).

مع أَنَّ هناكَ قِسْمًا ثالثًا ذَكَرَهُ ابنُ الصَّلاحِ، وهو: ما إذا كانت الزيادةُ فيها نَوْعٌ مِن المُنَافَاةِ، وَشَرَحَهُ بأَنَّهُ ما فيهِ تَقْييدُ مُطْلَقٍ، أو تخصيصُ عامٍّ ونحوَ ذلكَ؛ فهو ليس رَدًّا تامًّا وإِنَّمَا هو رَدٌّ جُزْئِيٌّ، وذَكَرَ أَنَّ الأَئِمَّةَ مُخْتَلِفُونَ في قَبُولِ هذا النَّوْعِ مِن الزيادةِ أو رَدِّهِ.

وَكُلُّ هذا التقسيمِ لا نَسْتَفِيدُ منهُ شيئًا بالنسبةِ لِتَطْبيقَاتِ أَئِمَّةِ الحديثِ، وإِنَّمَا عندَهم طَرْدُ بابِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ؛ فإنْ تَرَجَّحَ قَبُولُهَا قَبِلُوهَا، وإنْ تَرَجَّحَ غيرُ ذلكَ رَدُّوهَا، ولا فَرْقَ بينَ مُنَافَاةٍ أو غَيْرِ مُنَافَاةٍ.

- فهذا التقسيمُ أوَّلُ مَن وَضَعَهُ:

هو ابنُ الصَّلاحِ، ثم تَتَابَعَ المُؤَلِّفُونَ في علومِ الحديثِ عليهِ.

لكنْ إذا دَارَت الأمورُ على اعتبارِ الترجيحِ فما الذي يُتَوَقَّعُ في قَبُولِ زيادةِ الثِّقَةِ؟

هلْ يَقْبَلُ البخاريُّ مثلاً جميعَ زياداتِ الثقاتِ؟

الجوابُ ظاهرٌ، وهو أَنَّهُ لا يَقْبَلُهَا كُلَّهَا، وإِنَّمَا يَقْبَلُ بَعْضَهَا مِمَّا قَامَت القرائنُ على صِحَّتِهِ، وكذلكَ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَمَعْنَى هذا أَنَّ الزيادةَ الواحدةَ قدْ يَقْبَلُهَا إِمَامٌ وَيَرُدُّهَا آخَرُ، مِثْلَمَا مَرَّ معنا في قَضِيَّةِ تصحيحِ الحديثِ، وأنَّ بعضَ الأَئِمَّةِ يُصَحِّحُ الحديثَ وبعضَهُم لا يُصَحِّحُهُ، بِنَاءً على اجتهادِهِ ونظرِهِ في تَوَافُرِ الشروطِ، فكذلِكَ الحالُ في الزيادةِ.

فمثلاً زِيَادَةُ:((إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا)) ، أخْرَجَهَا مسلمٌ في (صحيحِهِ) ، وقيلَ لهُ: هل هذه الزيادةُ صحيحَةٌ؟

فقالَ: وهلْ تُرِيدُ أَحْفَظَ مِن سليمانَ؟يعني الذي أَتَى بهذه الزيادةِ وهو سليمانُ التَّيْمِيُّ، ومعروفٌ عن البخاريِّ، والبَيْهَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ أنَّهُمْ يُضَعِّفُونَ هذه الزيادةَ لِقَرَائِنَ قَامَتْ عِنْدَهُمْ، بَيْنَمَا مسلمٌ، وابنُ تَيْمِيَّةَ، وغيرُهُما يَرَوْنَهَا مُوَافِقَةً لقولِهِ تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}، حتى قالَ الإمامُ أحمدُ: (الإجماعُ قائمٌ على أَنَّ هذه الآيةَ نَزَلَتْ في الصلاةِ، إذًا فَهَذِهِ قرينةٌ على قَبُولِهَا).

أمَّا البخاريُّ وَغَيْرُهُ فيقولونَ: هي مُعَارِضَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)).

وَعُمُومًا فنحن نَتَمَسَّكُ بما نَقَلَهُ الحافظُ عن الأَئِمَّةِ ونَجْعَلُهُ قاعدةً في زياداتِ الثِّقَاتِ، ومِمَّنْ نَقَلَ هذا الكلامَ أيضًا: العَلاَئِيُّ، وابنُ عبدِ الهادِي، وابنُ المُلَقِّنِ، وجماعةٌ مِمَّنْ كَتَبُوا في هذا الموضوعِ، وَنَقَلَهُ عنهم الحافظُ في بعضِ كُتُبِهِ.

وقدْ اهْتَمَّ هؤلاءِ بِنَقْلِ رَأْيِ كِبَارِ المُحَدِّثينَ؛ لأَنَّهُ الصحيحُ المُنْضَبِطُ، ولأَنَّهُ شاعَ في العصورِ المُتَأَخِّرَةِ عبارةٌ يَتَدَاوَلَهَا الفقهاءُ كثيرًا في كُتُبِ الفِقْهِ وهي: زيادةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَيُكْثِرُ منها: النَّوَوِيُّ، وابنُ الجَوْزِيِّ، والْمَجْدُ ابنُ تَيْمِيَّةَ في (المُنْتَقَى)، وَيَطْرُدُونَ هذا البابَ في المَتْنِ وفي الزياداتِ في إسنادِ الحديثِ؛ فإذا جاءَ راوٍ رَفَعَ الحديثَ وخالفَهُ جماعةٌ وَوَقَفُوا الحديثَ على صحابِيِّهِ، يقولُ الفقهاءُ: الرَّفْعُ زيادةٌ، والزيادةُ مِن الثِّقَةِ مقبولةٌ.وهذا المنهجُ اشْتَهَرَ به الأُصُولِيُّونَ والفُقَهَاءُ وَصَارَ مَذْهَبًا لهم عُرِفُوا بهِ، حتى إِنَّهُمْ يَرُدُّونَ كثيرًا من عِلَلِ المُحَدِّثِينَ بهذهِ القاعدةِ، وبعضُ المُحَدِّثينَ قد يكونُ منهجُهُ قريبًا مِن منهجِ هؤلاءِ الأُصُولِيِّينَ والفقهاءِ مثلَ: ابنِ حِبَّانَ، والنَّوَوِيِّ.

ونحنُ نقولُ: المَرْجِعُ في كُلِّ فَنٍّ إلى أهلِهِ، فقولُ الفقهاءِ هنا لا يُعَرَّجُ عليهِ بالنسبةِ لِعِلَلِ الأحاديثِ وزياداتِ الثقاتِ وما يَتَعَلَّقُ بها، مع أَنَّ كثيرًا مِن الفقهاءِ والأُصُولِيِّينَ يأخذونُ بِعِلَلِ الأحاديثِ إذا اسْتُدِلَّ عليهم بها، فيقولون: هذا الحديثُ لا يَصِحُّ، أَعَلَّهُ البخاريُّ بكذا وكذا.أو هذه الزيادةُ ضَعَّفَهَا فلانٌ وفلانٌ؛ فالذي مَنْهَجُهُ مُنْضَبِطٌ هُمْ كِبَارُ المُحَدِّثِينَ، لأَنَّهُمْ جَاءُوا قبلَ استقرارِ المذاهبِ الفِقْهِيَّةِ؛ فالمُحَدِّثُ يبحثُ في اللفْظَةِ بِتَجَرُّدٍ، وبالنَظَرِ إلى القَرَائِنِ الإِسْنَادِيَّةِ وَقَرَائِنِ المَتْنِ كذلكَ.

- وقولُ الحافظِ في القسمِ الثاني من الزيادةِ كما قَسَّمَهَا هو: (وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُنَافِيَةً بحيثُ يَلْزَمُ مِن قَبُولِهَا رَدُّ الروايةِ الأُخْرَى) معناهُ: أَنَّ هناكَ زياداتٍ للثقاتِ إذا قَبِلْنَاهَا رَدَدْنَا الرواياتِ الأُخْرَى، أي: باقيَ الحديثِ.

وأَنَا أقولُ، واللهُ أعلمُ: مثلَ هذا القِسْمِ إنْ لم يَكُنْ غيرَ موجودٍ فهو نادِرٌ جِدًّا، نعمْ قد يكونُ هناكَ نوعُ مُنَافَاةٍ، لكنْ أَنْ تَجِدَ زيادةَ ثِقَةٍ لَزِمَ مِن قَبُولِهَا رَدُّ الروايةِ الأُخْرَى فهذا نادِرُ الوجودِ، وحينئذٍ فَلاَ يَصِحُّ تَطْبِيقُ مَنْهَجِ كِبَارِ المُحَدِّثِينَ على هذا القِسْمِ النادِرِ.

وَقَبْلَ أَنْ نَتْرُكَ مَوْضُوعَ (زياداتِ الثِّقَاتِ)، هناكَ مسائلُ أَوَدُّ الإشارةَ إليها:

الأُولَى:إذا قِيلَ إِنَّ الأمْرَ يدورُ مع القرائنِ، فما المرادُ بالقرائِنِ؟

القرينةُ أمْرٌ خارجيٌّ يَحُفُّ بالموضوعِ، فمثلاً من الأمورِ التي تُدْرَسُ في مسألةِ قَبُولِ زيادةِ الثقةِ أو رَدِّهَا:

1-أنْ يُنْظَرَ مَن الذي زَادَهَا، والمقصودُ درجتُهُ في العدالةِ والضبطِ لا شَخْصُه.

2-أَنْ يُنْظَرَ مَن الذي زِيدَتْ عليهِ أي: مَن الذي تَرَكَهَا.

3- أنْ يُنْظَرَ مَن هو الشيخُ الذي نُقِلَ عنهُ ذلكَ وَجَرَى عليه الاختلافُ في هذهِ الزيادَةِ.

4- أَنْ يُنْظَرَ في الطُّرُقِ الأُخْرَى

، فالأَعْمَشُ قد يَرْوِيهِ عن أبي وَائِلٍ والذي جَرَى بينهم الاختلافُ أصحابُ الأَعْمَشِ، فَيَنْظُرُ المُحَدِّثُ في أقرانِ الأعمشِ الذين يَرْوُونَ الحديثَ عن أبي وائلٍ، هل أحدٌ منهم ذَكَرَ هذه الزيادةَ؟

مثلاً: منصورٌ، عن أبي وائلٍ، هل ذَكَرَ هذه الزيادةَ، كما جاءتْ في حديثِ الأعمَشِ؟ ثم هذا الذي زادَ هل هو يَرْوِي حديثَ منصورٍ أيضًا؟ إذا كانَ يَرْوِيهِ قد يَعْرِفُ المُحَدِّثُ أَنَّ هذا الذي زادَ نَقَلَ هذه الزيادةَ مِن حديثِ منصورٍ إلى حديثِ الأعمشِ؛ فكلُّهَا قرائنُ يَبْحَثُ فيها المُحَدِّثُ لِيَنْظُرَ في هذهِ الزيادَةِ.

الثانيةُ:يَهْتَمُّ المُحَدِّثونَ كما ذَكَرْتُ بزياداتِ الثقاتِ، وعندَهُم دَقَائِقُ فيهِ.

مثلاً: هذا اللفظُ قد يَحْكُمُ عليه الإمامُ بالضَّعْفِ في حديثِ عائشةَ، لكنْ ليس مَعْنَى ذلكَ أَنَّ هذهِ الزيادةَ ضعيفةٌ عن غيرِ عائشةَ، فقد تكونُ صحيحةً في حديثِ صحابيٍّ آخَر؛ فالضعفُ الآنَ بالنسبةِ لحديثِ عائشةَ، ولا يَلْزَمُ مِن مَجِيئِهَا في حديثِ صحابيٍّ آخَرَ أَنْ تَكُونَ صحيحةً في حديثِ عائشةَ، وهكذا في الرُّوَاةِ المتأخرينَ.

كونُ منصورٍ أَتَى بها عن أبي وائلٍ - مثلاً - وصَّحَ ذلكَ، لا يَدُلُّ على أَنَّ واحدًا من أصحابِ الأعمشِ قد حفظَ عندما أَتَى بها عن الأعمشِ عن أبي وائلٍ وقد تَرَكَهَا بقيةُ أصحابِ الأعمشِ، فالعلماءُ يَبْحَثُونَ في صِحَّتِهَا عن ذلكَ الراوي بِعَيْنِهِ، ويَهْتَمُّونَ بذلكَ لأمورٍ كثيرةٍ يَحْتَاجُونَ إليها، فَيَبْحَثُونَ في هذه الزياداتِ ابْتِدَاءً من المُؤَلِّفِ وحتى صحابيِّ الحديثِ.

الثالثةُ:لمَّا جاءَ ابنُ الصَّلاحِ إلى زياداتِ الثِّقاتِ في المَتْنِ، مَثَّلَ بأمثلةٍ بَعْضُهَا أَدَّى بالأَئِمَّةِ الذين جَاءُوا مِن بعدِهِ إلى نَقْدِهِ، ذلكَ أَنَّ زياداتِ الثقاتِ التي يَخْتَلِفُ فيها المُحَدِّثُونَ ويَبْحَثُونَ في القرائنِ والمُرَجِّحَاتِ إذا وَقَعَتْ مِن الرُّوَاةِ المتأخرينَ بعدَ الصحابةِ، أمَّا إذا كانت الزيادةُ مِن صحابيٍّ على صحابيٍّ آخَرَ فهي مَقْبُولَةٌ وَلاَ بَحْثَ فِيهَا.

مَثَّلَ ابنُ الصلاحِ بحديثِ: ((وجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا))، فالزيادةُ كلمةُ:((تُرْبَتُهَا))، فقدْ رُوِيَ هذا الحديثُ عن أبي هُرَيْرَةَ وغيرِهِ بلفظِ ((جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا))، فَمَثَّلَ ابنُ الصلاحِ لزياداتِ الثقاتِ بزيادَةِ: ((تُرْبَتُهَا))، وقال: إنَّ هذا اللفظَ تَفَرَّدَ بهِ سعدُ بنُ طارقٍ، عن رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ، عن حُذَيْفَةَ، فالذي يَقْتَضِيهِ قولُ ابنِ الصلاحِ: ((تَفَرَّدَ بهِسعدُ بنُ طارقٍ))، أَنَّ أصحابَ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ رَوَوُا الحديثَ دُونَ الزيادةِ؛ فيكونُ الذي زَادَهَا سعدُ بنُ طارقٍ، لكنْ إذا ذَهَبْتَ تَجْمَعُ طُرُقًا للحديثِ لا تَجِدُ للحديثِ أصْلاً إلاَّ هذا الطريقَ، إذًا هذه الزيادةُ هِيَ على أحاديثِ صحابةٍ آخرينَ؛ فَوَضَعَ ابنُ رجبٍ، والسَّخَاوِيُّ، وغيرُهما قاعدةً: (أَنَّ زيادةَ أحاديثِ الصحابةِ بعضِهم على بعضٍ مقبولةٌ مُطْلَقًا بالاتفاقِ، ومثلَ ذلكَ يُقَالُ في تَمْثِيلِهِ بزيادةِ ((ويومَ عَرَفَةَ)).

فَنَقْلُ ابنِ رجبٍ، والسَّخَاوِيِّ فيهِ اعتبارُ الزيادةِ حديثًا مُسْتَقِلاً؛ لأَنَّهُ ليس عندكَ رُوَاةٌ تُقَارِنُ بينهم فتقولُ: هذا زادَ وهذا نَقَصَ؛ فموضوعُ زيادةِ الثقاتِ إذا كانت الزيادةُ من الرُّوَاةِ الذين بعدَ الصحابيِّ، وكُلَّمَا نَزَلْتَ درجةً كُلَّمَا كانَ هذا الموضوعُ أَهَمَّ وَأَوْسَعَ، فإذا قُلْنَا: إنَّ زيادةَ الصحابيِّ مقبولةٌ بالاتفاقِ؛ فإنَّ زيادةَ التابعيِّ تَلِيهَا في القَبُولِ، حتى إنَّ الأَئِمَّةَ لا يُمَثِّلُونَ لزياداتِ الثقاتِ بزيادةِ التابِعِيِّ، فهذا الموضوعُ أَكْثَرُ ما يَجْرِي فيهِ البحثُ حينَ ضُبِطَت الأحاديثُ ودُوِّنَتْ وكَثُرَ الرُّوَاةُ، فَأَصْبَحَت الزيادةُ مَحَلَّ عِنَايَةٍ واهْتِمَامٍ.

4- المحفوظُ والشاذُّ.لمَّا كانَ الحافظُ بِصَدَدِ الكلامِ عن الحديثِ المقبولِ، وعن رَاوِيهِ، استعجلَ الحديثَ هُنَا عن الشاذِّ والمحفوظِ، وإلاَّ فَحَقُّ الشاذِّ أنْ يُذْكَرَ في أقسامِ الخبرِ المردودِ؛ فقَالَ الحافظُ:

(2)نَقَلَ ابنُ حَجَرٍ كلامَ أهلِ الاصطلاحِ في عصرِ النقدِ، فقال: إنَّ ما قَبِلْنَاهُ يُسَمَّى المحفوظَ، ونعني بالمحفوظِ: الذي ضُبِطَ ولم يَقَعْ فيه غَلَطٌ؛ فَيُسَمَّى هذا الذي قُبِلَ محفوظًا، أمَّا الذي رُدَّ فَيُسَمَّى الشاذَّ، وهذا هو المقصودُ في شروطِ الحديثِ الصحيحِ:

- أَنْ لا يكونَ شَاذًّا بأنْ يكونَ خَبَرَ ثِقَةٍ رَدَدْنَاهُ؛ لاضْطِرَارِنَا إلى قَبُولِ خبرِ مَن هو أَوْثَقُ منهُ؛ لِمَزِيدِ عددٍ أو نحوَ ذلكَ؛ فالراجحُ الذي يُرَجِّحُهُ الإمامُ عندَما يوازِنُ بينَ روايتَيْنِ يقولُ عنْهُ: المحفوظُ حديثُ فلانٍ، ومَعْنَاهُ أَنَّ غيرَهُ ليس بمحفوظٍ، وهذا الذي ليسَ بمحفوظٍ هو الذي يُطْلَقُ عليه الشَّاذُّ.

مثالُ ذلكَ:ما رَوَاهُ سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن عمرِو بنِ دينارٍ، عن عَوْسَجَةَ، عن ابنِ عباسٍ:((أَنَّ رَجُلاً تُوُفِّيَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلاَّ مَوْلىً هُوَ أَعْتَقَهُ …))الحديثَ، هذا الحديثُ اخْتُلِفَ فيهِ على عمرِو بنِ دينارٍ، فَرَوَاهُ ابنُ عُيَيْنَةَ، وابنُ جُرَيْجٍ، موصولاً بِذِكْرِ ابنِ عبَّاسٍ، وقالَ الحافِظُ: (إنَّهُ قد رَوَاهُ غيرُهُما كذلكَ) ، وخالَفَ الجميعَ حمادُ بنُ زيدٍ، فَرَوَاهُ عن عَوْسَجَةَ ((أَنَّ رَجُلاً تُوُفِّيَ على عهدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَدَعْ … الحديثَ)) بِحَذْفِ ابنِ عبَّاسٍ، فأبو حاتمٍ أَحَدُ أَئِمَّةِ العِلَلِ قالَ: المحفوظُ رِوَايَةُ ابنِ عُيَيْنَةَ، يعني ذِكْرَ ابنِ عَبَّاسٍ.

فَلَعَلَّ هذا الكلامَ يكونُ الشاذُّ ما رَوَاهُ حمادُ بنُ زيدٍ، مع أَنَّ حمادًا يُعْتَبَرُ في القِمَّةِ في العدالةِ والضبْطِ، وهو مِن الرُّوَاةِ الذينَ يُقَالُ: إنَّ غَلَطَهُمْ نَادِرٌ جِدًّا، وَلَعَلَّهُ احْتَاطَ أو شَكَّ فِي ذِكْرِ ابنِ عبَّاسٍ فَأَسْقَطَهُ، وإِنَّمَا يكونُ الغَلَطُ ظاهِرًا فِيمَا لو كانَ المحفوظُ هو حَذْفَ ابنِ عبَّاسٍ، ويكونُ الراوِي الذي شَذَّ هو الذي زَادَ ابنَ عَبَّاسٍ.وَأَمْثِلَةُ الشاذِّ كثيرةٌ جِدًّا:

مِنْهَا:ما وَقَعَ في (مُصَنَّفِ ابنِ أَبِي شَيْبَةَ) من روايةِ عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرِ بنِ محمدِ بنِ عمرِو بنِ حَزْمٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((تَمَضْمَضُوا مِنَ اللَّبَنِ فَإِنَّ لَهُ دَسَمًا)) ، فهذا الحديثُ وَقَعَ فيهِ مُخَالَفَةٌ مِن عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرٍ في أمريْنِ:

1- أنَّ المحفوظَ في هذا الحديثِ هو ذِكْرُ ابنِ عبَّاسٍ، يَرْوِيهِ عنهُ عُبيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ.

2-أَنَّ المحفوظَ في هذا الحديثِ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي تَمَضْمَضَ وقال: ((إِنَّ لَهُ دَسَمًا))، ليس فيه الأمْرُ بالمَضْمَضَةِ.

وهذا الحديثُ وَقَعَ فيه شذوذٌ كذلكَ مِن راوٍ آخَرَ وهو الوليدُ بنُ مسلمٍ، فقد رَوَاهُ عن الأَوْزَاعِيِّ، عن الزُّهْرِيِّ، فذكرَ فيه ابنَ عبَّاسٍ لكنْ جَعَلَهُ مِن أمْرِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمحفوظُ عن الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ مِن فِعْلِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ومِن الأمثلةِ أيضًا:أَنَّ محمدَ بنَ فُضَيْلٍ - وهو الذي رَوَى عن عُمَارَةَ بنِ القَعْقَاعِ، عن أبي زُرْعَةَ بنِ عمرِو بنِ جريرٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنهُ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ …)) ، وعليهِ الاعتمادُ في هذا الحديثِ، وقدْ أَخْرَجَهُ الشيخانِ مِن طريقِهِ: رَوَى محمدُ بنُ فُضَيْلٍ هذا عن الأعمشِ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إِنَّ للصَّلاَةِ أَوَّلاً وَآخِرًا وإِنَّ أَوَّلَ وَقْتٍ الظُّهْرُ …))الحديث.

ويُعْرَفُ بحديثِ محمدِ بنِ فُضَيْلٍ، عن الأعمشِ في مواقيتِ الصلاةِ، هذا الحديثُ رَوَاهُ عن الأعمشِ جماعةٌ منهم أبو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وعَبْثَرُ بنُ القاسمِ، وَزَائِدَةُ، رَوَوْهُ عن الأعمشِ عن مجاهدٍ قال: كانَ يُقَالُ ((إنَّ لِلصَّلاَةِ أَوَّلاً وآخِرًا …)) ، فالمخالفةُ جاءتْ في تَغْيِيرِ محمدِ بنِ فُضَيْلٍ لشيخِ الأعمشِ، فَجَعَلَهُ أبا صالحٍ مكانَ مجاهدٍ، وزادَ فيهِ ذِكْرَ الصحابيِّ، فالأَئِمَّةُ يقولونَ: إنَّ المحفوظَ من حديثِ الأعمشِ، أَنَّهُ عن مجاهدٍ، وليس عن أبي صالحٍ، فرِوَايَةُ محمدِ بنِ فُضَيْلٍ تكونُ شاذَّةً، وروايَةُ الجماعةِ هي المحفوظَةُ.

وحديثُ:جابرٍ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ)) ، فإنَّ رَفْعَ هذا الحديثِ يكونُ شاذًّا، والمحفوظُ أَنَّهُ مِن كلامِ جابرٍ، فبعضُ طَلَبَةِ العِلْمِ مِن المُتَأَخِّرِينَ يُحَسِّنُونَ إسنادَ المرفوعِ، ويَسْتَدِلُّونَ بهِ على أَنَّهُ ليسَ في الحُلِيِّ زكاةٌ.

لكنَّ هذا الدليلَ مِن جهةِ كَوْنِهِ كلامَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَصْلُحُ دَلِيلاً، وبعضُهم يَجْعَلُ الأسانيدَ المَوْقُوفَةَ على جابرٍ دليلاً على صِحَّةِ المرفوعِ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَرَفْنَا مِن مَنْهَجِ المُحَدِّثِينَ أنَّهُم يَجْعَلُونَ مثلَ ذلك دليلاً على ضعْفِ المرفوعِ.

والخلاصةُ:أَنَّ الثِّقَةَ إذا رَوَى حديثًا خالفَ فيهِ مَن هو أَوْثَقُ منهُ، وتَرَجَّحَ رَدُّ حديثِهِ؛ فإنَّ حديثَهُ يكونُ شَاذًّا، ومُقَابِلَهُ يُقَالُ لهُ المَحْفُوظُ.ومِمَّنْ عَرَّفَ الشاذَّ بهذا التعريفِ:الشَّافِعِيُّ في ظاهرِ كلامِهِ، فقال: (ليسَ الشاذُّ: أَنْ يَرْوِيَ الثقةُ ما لا يَرْوِي غيرُهُ، وإِنَّمَا الشاذُّ: أَنْ يَرْوِيَ الثقةُ حديثًا يُخَالِفُ فيهِ الناسَ).

عندَما نَصِلُ إلى تعريفِ الشاذِّ فإنَّهُ يُشْكِلُ علينَا شَيْءٌ، وهو أَنَّ الإسنادَ المُعَلَّلَ هو: إسنادٌ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ اطُّلِعَ فيهِ بعدَ التَّفْتِيشِ على عِلَّةٍ قَادِحَةٍ، وحقيقةُ الشاذِّ: أَنَّهُ إسنادٌ ظاهرُهُ الصِّحَّةُ، وبعدَ تَتَبُّعِ الطُّرُقِ تَبَيَّنَ أَنَّ فيهِ شذوذًا.

فَمَا الفرْقُ حينئذٍ بينَ الشُّذُوذِ والعِلَّةِ؟

في نظري أَنَّ هناكَ تَدَاخُلاً:فالشُّذُوذُ على هذا التعريفِ نوعٌ مِن العِلَّةِ، فَلَعَلَّ قَوْلَهُم عن الحديثِ الصحيحِ: لا يكونُ شَاذًّا ولا مُعَلَّلاً، هو مِن بابِ ذِكْرِ العامِّ بعدَ الخاصِّ، وعلى هذا الكلامِ لو قيلَ (ولا يكونُ مُعَلَّلاً) ، يُغْنِي عن ذِكْرِ الشُّذُوذِ أو لا يُغْنِي؟

نقول: يُغْنِي، إذا بَقِينَا على هذا التعريفِ للشاذِّ.

وقد يُقَالُ: اشْتَرَطْنَا فِي العِلَّةِ مع قَدْحِهَا أَنَّ تكونَ خَفِيَّةً، بِحَيْثُ يُطَّلَعُ عليها بعدَ البحثِ والتنقِيبِ؛ فهناكَ احتمالٌ أَنْ لا يُشْتَرَطَ في الشاذِّ خَفاءُ عِلَّتِهِ، بل تكونُ ظاهرةً مِن أوَّلِ الأمْرِ.

وحينئذٍ يُفْصَلُ بينَ الشاذِّ، وبين المُعَلَّلِ؛ بأنَّ الشاذَّ:حديثُ الثقةِ الذي خَالَفَ غيرَهُ، وكانتْ هذه المُخَالفَةُ ظاهرةً.

والمُعَلَّلَ:هو الذي كانتْ عِلَّتُهُ خَفِيَّةً،

لكنَّ هذا القولَ ليس بِقَوِيٍّ؛ فالشُّذُوذُ لا نَقِفُ عليهِ إلا بعدَ البحثِ؛ فلا نَعْرِفُ أَنَّ هذا الراويَ الثقةَ خالَفَ غيرَهُ إلا بعدَ البحْثِ في طُرُقِ الحديثِ الأخرَى.

وعندي توجيهٌ في هذه المسألةِ لا بَأْسَ أَنْ أَطْرَحَهُ ويُنْظَرَ فيهِ، وهو: (أَنَّ هناكَ نوعًا من الشُّذُوذِ ليس فيهِ مخالفةٌ، بمعنى أَنَّ الثقةَ يَرْوِي الحديثَ متَفَرِّدًَا بهِ لا يُخَالِفُ فيهِ غيرَهُ من الثقاتِ، ومع هذا فالإسنادُ والحديثُ شاذٌّ).

ومِمَّنْ عَرَّفَ الشاذَّ بهذا التعريفِ: الحاكمُ في (مَعْرِفَةِ علومِ الحديثِ) ، وقالَ: (إنَّهُ أَدَقُّ مِن المُعَلَّلِ بكثيرٍ؛ فالمُعَلَّلُ عِلَّتُهُ خَفِيَّةٌ قادِحَةٌ لكن اطُّلِعَ عليها بعدَ التفتيشِ، أمَّا الشاذُّ هنا فهو أَدَقُّ؛ لِعَدَمِ وجودِ شيءٍ تَسْتَنِدُ عليهِ بأنَّ هذا الثقةَ قدْ شَذَّ وأَخْطَأَ).

مثالُ ذلكَ:حديثُ عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرِ بنِ عمرِو بنِ حزمٍ المُتَقَدِّمُ آنِفًا، عَرَفْنَا أَنَّهُ أَخْطَأَ بحذفِ ابنِ عبَّاسٍ، بدليلِ رِوَايَةِ الآخرينَ عن: الزُّهْرِيِّ، كالأوزاعيِّ، ومالكٍ، وابنِ عُيَيْنَةَ، لكنَّ هذا الراويَ الثقةَ الذي يَشِذُّ - حَسَبَ كلامِ الحاكمِ في تعريفِ الشاذِّ - ليسَ مع الإمامِ في ترجيحِهِ بأنَّ الإسنادَ شاذٌّ دليلٌ يُبْرِزُهُ.

ومَثَّلَ له الحاكمُ بحديثٍ مشهورٍ يَرْوِيهِ قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ، عن الليثِ بنِ سعدٍ، عن يزيدَ بنِ أبي حَبيبٍ، عن أبي الطُّفَيْلِ، عن معاذِ بنِ جبلٍ: ((في جَمْعِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصلاةِ في غزوةِ تَبُوكَ))، فَفِي هذا الحديثِ النصُّ على أَنَّهُ إذا سَارَ قبلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ؛ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ الظهرَ إلى وقتِ العصرِ، وإنْ سارَ بعدَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ صَلَّى الظهرَ والعصرَ جميعًا جمعَ تقديمٍ؛ فهذا الحديثُ إسنادُهُ كلُّهُم ثقاتٌ، وليس فيه مُخَالفةٌ، وحَكَمَ الحاكمُ على هذا الحديثِ بأَنَّهُ مَوْضُوعٌ.

الحاكمُ يقولُ: (إنَّ سبعةً مِن أَئِمَّةِ الحديثِ منهم يحيى بنُ مَعِينٍ، والإمامُ أحمدُ، كتبوا علاماتِهِم تَعَجُّبًا مِن هذا الحديثِ)، وسألَ البخاريُّ، قُتَيْبَةَ بنَ سعيدٍ: مع مَن كَتَبْتَ هذا الحديثَ؟

فقال: كَتَبْتُهُ معَ خالدٍ المَدَائِنِيِّ؛ فانْتَبَهَ البخاريُّ، ذلكَ أَنَّ خالدًا هذا يَضَعُ الحديثَ، وزيادةً على ذلكِ يُدْخِلُ الأحاديثَ على الشيوخِ؛ فهذا الحديثُ لم يُخَالِفْ فيهِ قُتَيْبَةُ أحدًا، ولا الليثُ، ولا يَزِيدُ، وكما يقولُ الحاكمُ؛ فإنَّ الحديثَ شاذٌّ، ولهذا فَاعْتِمَادًا على ظَاهِرِ الإسنادِ دافعَ عن هذا الحديثِ جَمَاعَةٌ منهم ابنُ القَيِّمِ في (زَادِ المَعَادِ) ، وَتَكَلَّمَ بكلامٍ كثيرٍ اعْتِمَادًا على ظَاهِرِ الإسنادِ، وعلى أَنَّهُ لا دليلَ على أَنَّهُ قدْ أَخْطَأَ.

وهناكَ مثالٌ آخَرُ،وهو حديثٌ رَوَاهُ أبو كُرَيْبٍ محمدُ بنُ العَلاءِ - وهو إمامٌ ثِقَةٌ مِن شيوخِ الأَئِمَّةِ السِّتَّةِ - عن أبي أُسَامَةَ حمادِ بنِ أُسَامَةَ - وهذا أيضًا من الثقاتِ - عن بُرَيْدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي بُرْدَةَ الأَشْعَرِيِّ، عن جَدِّهِ أبي بُرْدَةَ، عن أبي موسى الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي معيٍّ وَاحِدٍ)) ، الإسنادُ كلُّهُم ثِقَاتٌ، لكنَّ أَئِمَّةَ الحديثِ الكِبَارِ مثلَ: أحمدَ، والبخاريِّ، وأبي زُرْعَةَ تَوَقَّفُوا في قَبُولِ هذا الإسنادِ.

مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْرَجَهُ في (صحيحِهِ) ، لأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِن طريقِ جماعةٍ من الصحابةِ، ولا إشكالَ في ذلكَ؛ فهو أخرجَهُ في الشواهدِ، فسواءٌ صَحَّ هذا الإسنادُ أو لمْ يَصِحَّ لا إِشْكَالَ عليهِ.

البخاريُّ في نَقْدِهِ للحديثِ ما وَجَدَ شيئًا يُعَلِّلُ بهِ هذا الحديثَ، كرواياتٍ أُخْرَى تُخَالِفُ رِوَايَةَ أبي كُرَيْبٍ، أو رِوَايَةَ أَبِي أُسَامَةَ، فقالَ رَحِمَهُ اللهُ: (لَعَلَّ أبا كُرَيْبٍ أَخَذَهُ مِن أبي أُسَامَةَ في المُذَاكَرَةِ)، أي: اسْتِرْجَاعِ المحفوظاتِ، وَمَعْرُوفٌ أَنَّ تَحْدِيثَهُمْ وَقْتَ المُذَاكرةِ ليسَ مِثْلَ تحديثِهِم حينَ الرَّاوِي، وحينَ يَعْمِدُ الإمامُ أو الراوي إلى الروايةِ؛ فالمذاكرةُ يَقَعُ فيها تسامُحٌ فرُبَّمَا لمْ تُتْقَنْ روايةُ هذا الإسنادِ.

وأحاديثُ أُخْرَى يقعُ فيها تَفَرُّدٌ فَيَأْتِي الإمامُ وَيُعِلُّهَا بمجرَّدِ التَّفَرُّدِ، وهذا مِن أَدَقِّ العلومِ، ومِمَّا يَقَعُ فيه كثيرٌ مِن المتأخرينَ أَنْ يَأْتِيَ أحدُهُم فَيَتَعَقَّبَ الإمامَ بأنَّ هذا الراويَ ثقةٌ أو أَنَّ الإسنادَ رجالُهُ ثقاتٌ، والإمامُ الذي حَكَمَ بالتَّفَرُّدِ والخَطَأِ يَعْرِفُ أَنَّ هؤلاءِ ثقاتٌ، فليس بِمِثْلِ هذا يُتَعَقَّبُ على الأَئِمَّةِ.

وقضيةُ التضعيفِ بتَفَرُّدِ الثقةِ أو الصَّدُوقِ، من المسائلِ التي اخْتَصَّ بها أَئِمَّةُ الحديثِ، فيَحْكُمونَ على الراوي بِخَطَئِهِ وإنْ لم يَقَعْ منهُ مخالفةٌ؛ فهذا هو الذي سَمَّاهُ الحاكمُ شَاذًّا وقال: (إنَّهُ أَدَقُّ مِن المُعَلَّلِ).

ويقولونَ: هذا إِسْنَادٌ شاذٌّ بِمَرَّةٍ، أي: شُذُوذُهُ شَدِيدٌ؛ فليسَ المرادُ المخالفةَ، وإِنَّمَا المرادُ شِدَّةَ الشُّذُوذِ الذي هو التَّفَرُّدُ مع ترجيحِ وقوعِ الخطأِ فيهِ، ومِمَّنْ طَبَّقَهُ كذلكَ ابنُ عبدِ الهادي، وهو مِمَّنْ يُشَارُ إليه بالبَنَانِ في عِلَلِ الأحاديثِ، وهو مِن المتأخرينَ في كتابِهِ (التَّنْقِيحِ) ، في حديثِ: عَدَمِ الإفطارِ بالحِجَامَةِ الذي رَوَاهُ أَنَسٌ، فقالَ عن هذا الحديثِ: (شاذُّ الإسنادِ والمَتْنِ)، وليس في الإسنادِ شُذُوذٌ بالمعنى المعروفِ الذي هو المخالفةُ.

فهذا النوعُ من الشُّذُوذِ هو التَّفَرُّدُ مع ترجيحِ وقوعِ الخطأِ فيهِ دونَ دليلٍ يُعْتَمَدُ عليهِ كما في المُعَلَّلِ؛ فإذا قيلَ: إنَّ الشاذَّ على قِسْمَيْنِ:

- الشُّذُوذُ الذي هو التَّفَرُّدُ مع ترجيحِ وقوعِ الخطأِ.

هلْ نَزِيدُ عليهمْ بأنْ نَحْكُمَ على أسانيدَ بأنَّهَا شاذَّةٌ؟

- والشُّذُوذُ الذي هو مخالفةُ الثقةِ لِمَنْ هو أَوْثَقُ منه، فلا بأسَ بذلكَ، وحينئذٍ نُدْرِكُ اشتراطَ نَفْيِ الشُّذُوذِ وَنَفْيِ العِلَّةِ في تعريفِ الحديثِ الصحيحِ، وأنَّ المرادَ بالشُّذُوذِ حينئذٍ الذي لا يَدْخُلُ تحتَ المُعَلَّلِ، فالحافظُ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ تَعْرِيفًا وهو تعريفٌ مشهورٌ لا غُبَارَ عليه، لكنْ إذا اكْتَفَيْنَا بهِ صارَ هناكَ تداخُلٌ بينَ الشاذِّ وبينَ المُعَلَّلِ، فإذا حَرَّرَ القِسْمَ الآخَرَ للشاذِّ أَمْكَنَ الفَصْلُ بينهما.

وهناكَ تعريفٌ ثالثٌ للشاذِّ،وهو لِلْخَلِيلِيِّ، فقدْ عَرَّفَ الشاذَّ: بأَنَّهُ تَفَرُّدُ الثقةِ، ولمْ يُقَيِّدْهُ بأَنَّهُ يَتَرَجَّحُ وُقُوعُ الخَطَأِ مِنْهُ، هكذا يَنْقُلُونَهُ عن الخَلِيلِيِّ، حتى قال بعضُهُم عن تعريفِ الخَلِيلِيِّ: يكونُ من الصحيحِ ما هو شاذٌّ، وتوجيهُ كلامِ الخليليِّ ونقدُهُ لا يَتَّسِعُ لهُ المقامُ هنا.

وعلى تعريفِ الحاكمِ للشاذِّ؛ فَتَرْجِيحُ أَنَّ الثقةَ أْخَطَأَ في حديثِهِ وهو لم يُخَالِفْ مِن خُصُوصِيَّاتِ الأَئِمَّةِ المُتَقَدِّمِينَ، لكنْ عندَنا مسألتانِ:

1-هلْ نَزِيدُ عليهمْ بأنْ نَحْكُمَ على أسانيدَ بأنَّهَا شاذَّةٌ؟

أي: هلْ يَسْتَطِيعُ المُتَأَخِّرُ أَنْ يَحْكُمَ على إسنادٍ ما بأَنَّهُ شاذٌّ؟

أو لا يستطيعُ؟

في نَظَري أَنَّ أَقَلَّ أحوالِهِ أَنْ يَتَوَقَّفَ في هذا الإسنادِ؛

إذا تَوَافَرَ لديهِ قرائنُ تُشِيرُ إلى شُذُوذِهِ:

- مثلَ:انْصِرَافِ الأَئِمَّةِ عن تَخْرِيجِهِ في الكُتُبِ الأمهاتِ.

- ومثلَ:عَدَمِ احتجاجِهِمْ بهِ مع ظهورِ الحاجةِ إليهِ.

- وكأنْ يَقِفَ الباحثُ على نصٍّ عامٍّ عن إمامٍ بأَنَّهُ لا يَصِحُّ في هذا البابِ شيءٌ.

- أو لا يَصِحُّ عن ذلكَ الصحابيِّ شيءٌ في بابٍ مُعَيَّنٍ، ونحوُ ذلكَ، فَيَتَوَقَّفُ فيهِ وإنْ لمْ يَجْزِمْ بأَنَّهُ شَاذٌّ.

2-هَلْ نَتَعَقَّبُ عليهم؟ يَنْبَغِي الحَذَرُ مِن هذا الأمْرِ، لاَ سِيَّمَا إذا تَوَارَدُوا على أَنَّ هذا الإسنادَ فيه شُذُوذٌ.

هناكَ تَنْبِيهٌ في موضوعِ الشاذِّ:

وهو أَنَّ استعمالَ الأَئِمَّةِ لِكَلِمَةِ

(هذا الحديثُ شاذٌّ) قليلٌ جِدًّا، حتى إنَّ أَحَدَ الباحثينَ يقولُ: تَتَبَّعْتُ كُتُبَ العِلَلِ التي تَتَكَلَّمُ عن عِلَلِ ونقدِ الأحاديثِ فما وَجَدْتُ استعمالَ كلمةِ (شاذٍّ) ، إذاً نَسْتَطِيعَ أَنْ نقولَ: إنَّ كَلاَمَهُم عن الشاذِّ جاءَ عنهم أَكْثَرَ مِن استخدامِهِم لهُ في نَقْدِ الأحاديثِ.

فالشاذُّ - كما تَقَدَّمَ - قُسِّمَ إلى قِسْمَيْنِ:

أحدُهُما:ما عَرَّفَهُ الحافظُ بأَنَّهُ: مُخَالَفَةُ الثقةِ لغيرِهِ مِن الثقاتِ، هذا يَنْقُدُونَهُ ولكنْ لا يَسْتَعْمِلُونَ معهُ كلمةَ شاذٍّ فيقولونَ مثلاً: هذا الحديثُ غيرُ محفوظٍ؛ فهو الذي سَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ الشاذُّ، والمحفوظُ روايةُ فلانٍ، أو يقولون: روايةُ فلانٍ خطَأٌ، أو وهمٌ، أو دخَلَ لَه حديثٌ في حديثٍ، أَوْ نحوَ ذلِكَ؛ فَيَسْتَخْدِمُونَ في بَيَانِ الشُّذُوذِ الذي عَبَّرَ عنه الشَّافِعِيُّ، واخْتَارَهُ ابنُ حَجَرٍ، كلماتٍ غيرَ كلمةِ الشاذِّ.والقِسْمُ الثاني من الشاذِّ: الذي هو تَفَرُّدُ الثقةِ مع تَرْجِيحِ وقوعِهِ في خطأٍ.

هذا النوعُ مِن الشُّذُوذِ لا يَسْتَخْدِمُ الأَئِمَّةُ فيه أيضًا كَلِمَةَ شاذٍّ، وإِنَّمَا يُعَبِّرُونَ عنه بقولِهم: تَفَرَّدَ بهِ فلانٌ، أو لا يُتَابِعُ عليهِ، أو لمْ يُتَابَعْ عليهِ أو نحوَ ذلكَ، دونَ استخدامِ كلمةِ شاذٍّ، وإِنَّمَا وَرَدَتْ كلمةُ (شاذٍّ)، في التعاريفِ، كتعريفِ الشَّافِعِيِّ، والخَلِيلِيِّ، والحاكمِ، وكقولِ الحافظِ صالحِ بنِ محمدِ البَغْدَادِيِّ المعروفِ بصالحِ جَزَرَةَ: الشاذُّ: هو المُنْكَرُ الذي لا يُعْرَفُ من الحديثِ.وكقولِ بعضِ الأَئِمَّةِ: لا يَأْتِيكَ الحديثُ الشاذُّ؛ إلا مِن الرجلِ الشاذِّ.

المقصودُ مِن هذا التَّنْبِيهِ أَنَّهُ قد يَقْرَأُ الطالبُ في كُتُبِ العِلَلِ، وقدْ يَمُرُّ بهِ وقتٌ طويلٌ دونَ أَنْ يقولَ إمامٌ: إنَّ هذا الحديثَ شاذٌّ، والمقصودُ بالأَئِمَّةِ هنا المتقدِّمونَ، أمَّا المتأخرونَ فقدْ كَثُرَ في كلامِهِم هذا، ولاَ سِيَّمَا في العصرِ الحاضرِ، فيقالُ: هذه الزيادةُ شاذَّةٌ، هذا الإسنادُ شاذٌّ.

5- المعروفُ والْمُنْكَرُ.

هيئة الإشراف

#4

28 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد

قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: ( (1)قولُهُ: (وزيادَةُ رَاوِيهِمَا مَقبولةٌ ما لم تَقَعْ مُنَافِيَةً لِمَنْ هوَ أَوْثَقُ) أيْ: إذا زادَ الراوِي الذي حديثُهُ صَحيحٌ أوْ حَسَنٌ؛ فزِيادتُهُ نَعتَبِرُها مَقبولةً، لكنْ بِشَرْطِ ألاَّ تَقَعَ مُنافِيَةً لِمَنْ هوَ أَوْثَقُ منهُ.

فمِنْ خِلالِ هذا الكلامِ يَتَبَيَّنُ أنَّ الزِّيادةَ نَوعانِ:

1-زيادةٌ مُنَافِيَةٌ.

2-زِيادةٌ غيرُ مُنَافِيَةٍ.

مثالٌ:الْحَدِيثُ الْمُنْكَرُ: رواهُ سعيدُ بنُ مَنصورٍ في (سُنَنِهِ) قالَ: حدَّثَنَا هُشَيْمٌ قالَ: حدَّثَنَا ليثٌ (وهو ابنُ سُلَيْمٍ)، عنْ طاوُسٍ (وهو ابنُ كَيْسَانَ اليَمَانِيُّ)، عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما أنَّهُ كانَ يَقرأُ: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ}.

هذهِ القراءةُ ليستْ صَحيحةً؛ فالإسنادُ ضَعيفٌ؛

لأنَّهُ فيهِ لَيْثُ بنُ أبي سُلَيْمٍ، وهوَ ضَعيفٌ، بلْ هذا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ؛ لأنَّ ليثَ بنَ أبي سُلَيْمٍ خَالَفَ مَنْ هوَ أَوْثَقُ منهُ، وذلكَ أَنَّنَا وَجَدْنَا البُخَارِيَّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في صحيحِهِ أَخْرَجَ بالإسنادِ الصحيحِ عنْ طريقِ عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عنْ عَطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ، أنَّهُ سَمِعَ ابنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقرأُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يَطُوقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍَ}.

تعريفُ الْحَدِيثِ الشَّاذِّ:ما يَرويهِ الثِّقَةُ مخالِفاً مَنْ هوَ أوْثَقُ منهُ. 

وهذا التعريفُ تعريفُ الشاذِّ. تعريفُ الْحَدِيثِ الْمُنْكَرِ:

ما يَرويهِ الضعيفُ مُخَالِفاً مَنْ هوَ أوْثَقُ منهُ وهناكَ مِن العُلماءِ مَنْ جَعَلَ الشاذَّ مُجَرَّدَ التَّفَرُّدَِ، فقالَ: الشاذُّ: هوَ ما يَتَفَرَّدُ برِوايتِهِ الثِّقَةُ، وبِناءً على هذا القولِ يكونُ حديثُ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) حديثاً شاذًّا؛ لأنَّهُ يَتَفَرَّدُ بروايتِهِ ثِقَةٌ، وهوَ عَلقمةُ بنُ أبي وَقَّاصٍ، ويَتَفَرَّدُ بهِ عنْ عَلقمةَ محمَّدُ بنُ إبراهيمَ التَّيْمِيُّ، ويَتفرَّدُ بهِ عنْ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ التيميِّ يَحْيَى بنُ سعيدٍ الأنصاريُّ.

وبعضُ العُلماءِ يَعْتَبِرُ المنْكَرَ:هوَ ما يَتَفَرَّدُ بروايتِهِ الْمُضَعَّفُ الذي في حِفْظِهِ ضَعْفٌ يَسِيرٌ.

ولكنْ كِلا هَذَيْنِ القَولَيْنِ مَرْجُوحٌ، والصوابُ أنَّهُ لا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الْمُخَالَفَةِ.

(2) (ويُقَابِلُ الشاذَّ المحفوظُ)

وهوَ:ما رَواهُ الأَوْثَقُ مخالِفاً لروايَةِ الثِّقَةِ.

(3) (يُقَابِلُ الْمُنْكَرَ الْمَعْرُوفُ)

وهوَ:ما رَواهُ الثِّقَةُ مُخَالِفاً لِمَا رَوَاهُ الضَّعِيفُ).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#5

28 Oct 2008

العناصر

زيادة الثقة
المراد بزيادة الثقة
أهمية معرفة مبحث زيادة الثقة
مثال على زيادة الثقة
أقسام زيادة الثقة
قسم ابن الصلاح زيادة الثقة إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يقع مخالفاً لما رواه سائر الثقات، فهذا حكمه الرد
القسم الثاني: ما لا مخالفة فيه أصلاً، فيقبل
القسم الثالث: ما يقع بين هاتين المرتبتين، فهذا القسم يشبه الأول
حكم زيادة الثقة:
اختلف العلماء في قبول زيادة الثقة
المنقول عن الأئمة المتقدمين اعتبار الترجيح في قبول الزيادة مطلقا
أكثر من اشتهر عندهم قبول زيادة الثقة مطلقاً الفقهاء والأصوليون
القول بقبول زيادة الثقة مطلقاً مخالف لما عليه أئمة الحديث المتقدمين
ابن الصلاح أول من قسّم زيادة الثقة إلى مقبولة وغير مقبولة
مسائل وإشارات مهمة:
المراد بالقرائن
اهتمام المحدثين بزيادة الثقة
زيادات الصحابة بعضهم على بعض مقبولة اتفاقا
من النادر أن تكون الزيادة منافية لرواية أخرى
الحديث المحفوظ
تعريف (الحديث المحفوظ)
مثال ( الحديث المحفوظ)

الحديث المعروف
تعريف (الحديث المعروف)
مثال ( الحديث المعروف)
الحديث المنكر
تعريف ( الحديث المنكر)

تعريف ابن رجب للحديث المنكر

تعريف البرديجي للحديث المنكر

ذكر التعريف الراجح للحديث المنكر
مثال (الحديث المنكر)


أقسام الحديث المنكر:
القسم الأول: الفرد المخالف لما رواه الثقات
القسم الثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده
استعمالات (المنكر) عند المحدثين
الحديث الشاذ
تعريف (الحديث الشاذ)
تعريف الخليلي للحديث الشاذ
تعريف الحاكم للحديث الشاذ
مثال (الحديث الشاذ)
أقسام الشذوذ:
القسم الأول: التفرد
القسم الثاني: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه
حكم الحديث الشاذ
هل الشاذ من أنواع الحديث الضعيف
الشذوذ قد يكون أشد خفاءً من العلة
الفرق بين الشذوذ والعلة
فوائد وتنبيهات:
هل يستطيع المتأخر أن يحكم على حديث بأنه شاذ ؟
هل يصح تعقب الأئمة في الأحاديث التي حكموا عليها بالشذوذ؟

تنبيه: ليس كل شاذ فيه مخالفة

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

28 Oct 2008

الأسئلة

س1: ما المراد بزيادة الثقة مع التمثيل؟
س2: تحدث عن أهمية مبحث زيادة الثقة.
س3: اذكر أقسام زيادة الثقة عند ابن الصلاح.
س4: ما حكم زيادة الثقة؟
س5: ما حكم زيادات الصحابة بعضهم على بعض؟
س6: عرف (الحديث المحفوظ) مع التمثيل له بمثال واحد.
س7: ما الفرق بين (الحديث المعروف) و (الحديث المنكر)؟
س8: اذكر أقسام الحديث المنكر.
س9: عدد ما يطلق عليه لفظ (المنكر) عند المحدثين.
س10: عرف (الحديث الشاذ) مع التمثيل.
س11: اذكر أقسام الشذوذ.
س12: هل يصح تعقب الأئمة في الأحاديث التي حكموا عليها بالشذوذ؟
س13: هل يعتبر كل شذوذ مخالفة؟
س14: ما الفرق بين الشذوذ وزيادة الثقة؟
س15: هل يمكن للمتأخرين أن يحكموا على حديث بأنه شاذ؟