25 Oct 2008
المعلق والمرسل والمعضل
قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (ثُمَّ المَرْدُودُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِسَقْطٍ أَوْ طَعْنٍ.
فَالسَّقْطُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَبَادِئِ السَّنَدِ مِنْ مُصَنِّفٍ، أَوْ مِنْ آخِرِهِ بَعْدَ التَّابِعيِّ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
فالأَوَّلُ:المُعَلَّقُ. والثَّانِي:المُرْسَلُ.
والثَّالِثُ: إِنْ كَانَ بِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مَعَ التَّوَالِي فَهُوَ المُعْضَلُ، وَإِلاَّ فَالمُنْقَطِعُ.
ثُمَّ قَدْ يَكُونُ وَاضِحًا أَوْ خَفِيًّا.
فالأَوَّلُ: يُدْرَكُ بِعَدَمِ التَّلاَقِي، وَمِنْ ثَمَّ احْتِيجَ إِلى التَّأرِيخِ).
نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (ثُمَّ المَرْدُودُ) ومُوجِبُ الرَّدِّ (إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِسَقْطٍ) من إسنادٍ (أو طَعْنٍ) في راوٍ على اختلافِ وُجُوهِ الطَّعنِ أَعَمُّ من أَنْ يَكُونَ لأمرٍ يرجعُ إلى دِيانةِ الرَّاوي أو إلى ضَبْطِه. (2) (وَالسَّقْطُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَبَادِئِ السَّنَدِ مِنْ) تَصَرُّفِ (مُصَنِّفٍ أو مِنْ آخِرِهِ) أي: الإِسْنَادِ (بَعْدَ التَّابِعيِّ، أو غَيْرِ ذَلِكَ، فَالأولُ: المُعَلَّقُ) سواءٌ كان السَّاقطُ واحدًا أو أكثرَ وبَيْنَهُ وبَيْنَ الْمُعْضَلِ الآتي ذِكْرُهُ عمومٌ وخصوصٌ من وجْهٍ. فمِن
حيثُ تعريفُ الْمُعْضَلِ بأنَّه سَقَطَ منه اثنانِ فَصاعِدًا يجْتمِعُ مع
بعضِ صُوَرِ المُعَلَّقِ ومن حيثُ تقْيِيدُ المعلَّقِ بِأَنَّهُ مِن
تصرُّفِ مصنِّفٍ من مبادِئِ السَّندِ يفترِقُ منه إذْ هو أعمُّ من ذَلِكَ. ومن صُوَرِ المُعَلَّقِ: أنْ يُحْذَفَ جميعُ السَّنَدِ ويُقالُ مثلاً: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومنها: أنْ يُحْذَفَ إلاَّ الصَّحَابِيَّ أو إلاَّ الصَّحَابِيَّ والتَّابِعِيَّ معًا. ومنها:أن يَحْذِفَ مَن حَدَّثَهُ ويُضِيفَهُ إلى مَن فَوْقَهُ، فإنْ كَانَ مَن فوقَه شيخًا لذَلِكَ المصنِّفِ، فقد اخْتُلِفَ فيه هل يُسَمَّى تَعْلِيقًا أو لا؟ والصَحِيحُ في هَذَا التَّفصيلُ: فإنْ عُرِفَ بالنَّصِّ أو الاسْتِقْرَاءِ أنَّ فاعِلَ ذَلِكَ مُدَلِّسٌ قُضِيَ به، وإلاَّ فتَعْلِيقٌ. وَإِنَّمَا ذُكِرَ التَّعلِيقُ في قِسْمِ المَرْدُودِ للجَهْلِ بحالِ المحذوفِ، وقد
يُحْكَمُ بصِحَّتِه إن عُرِفَ بأنْ يَجِيءَ مُسَمًّى مِن وجْهٍ آخَرَ،
فإنْ قال: جميعُ مَنْ أَحْذِفُهُ ثِقَاتٌ جاءتْ مسألةُ التَّعديلِ على
الإبْهَامِ، وعندَ الجمهورِ لا يُقْبَلُ حتى يُسَمِّيَ؛ لكنْ قال ابْنُ الصَّلاَحِ هنا: (إن وقعَ الحذفُ في كتابٍ الْتُزِمَتْ صِحَّتُهُ كالْبُخَارِيِّ، فما
أَتَى فيه بِالْجَزْمِ دلَّ على أنَّهُ ثَبَتَ إسنادُهُ عندَهُ وَإِنَّمَا
حُذِفَ لغرضٍ من الأغْرَاضِ، وما أَتَى فيه بغيرِ الجزمِ ففيه مقالٌ)، وقد
أوضحْتُ أَمْثِلَةَ ذَلِكَ في (النُّكَتُ عَلَى ابْنِ الصَّلاَحِ). (3) (وَالثَّانِي)وهو ما سقَطَ مِن آخِرِهِ مَنْ بَعْدَ التَّابِعِيِّ هو (المُرْسَلُ)،
وصُورَتُه أن يقولَ التَّابِعِيُّ سواءٌ كان كبيرًا أو صغيرًا: قالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا أو فَعَلَ كذا أو
فُعِلَ بِحَضْرَتِه كذا أو نحوَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذُكِرَ في قِسْمِ
الْمَرْدُودِ للجَهْلِ بحالِ المحذوفِ؛ لأنَّه يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
صَحَابِيًّا، ويُحتملُ أَنْ يَكُونَ تَابِعِيًّا، وعلى الثَّاني يُحتملُ
أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا ويُحتملُ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً، وعلى الثّاني
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَمَلَ عَن صَحَابِيٍّ، ويُحتملُ أَنْ يَكُونَ
حَمَلَ عَن تَابِعِيٍّ آخَرَ. وعلى الثَّاني: فيعودُ الاحتمالُ السَّابقُ ويتَعَدَّدُ: - إمَّا بالتَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ فإلى ما لا نهايةَ لهُ. -وإمَّا بالاسْتِقْرَاءِ فإلى سِتَّةٍ أو سَبْعَةٍ، وهو
أكثرُ ما وُجِدَ من روايةِ بعضِ التَّابِعِينَ عَن بَعْضٍ، فإن عُرِفَ مِن
عَادَةِ التَّابِعِيِّ أنَّه لا يُرْسِلُ إلاَّ عَن ثِقَةٍ، فذهب جُمهورُ
المُحَدِّثِينَ إلى التَّوقُّفِ لِبَقَاءِ الاحْتِمَالِ وهو أحدُ قوْلَيْ أحمدَ. وثانيهمَا: وهو قولُ الْمَالِكِيِّينَ والْكُوفِيِّينَ يُقْبَلُ مُطْلَقًا. وقال الشَّافِعِيُّ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ: (يُقْبَلُ إنِ اعْتَضَدَ بِمَجِيئِهِ مِن وجْهٍ آخَرَ
يُبَايِنُ الطُّرُقَ الأولى مُسْنَدًا كان أو مُرْسَلاً لِيَتَرَجَّحَ
احْتِمَالُ كونِ المحذوفِ ثِقَةً في نفسِ الأمرِ). ونَقَلَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ من الْحَنَفِيَّةِ، وأبو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ من الْمَالِكِيَّةِ أنَّ الرَّاوي إذا كان يُرسِلُ عَن الثِّقاتِ وغيرِهم لا يُقْبَلُ مُرْسَلُه اتِّفَاقًا.(وَ) الْقِسْمُ الثَّالِثُ: من أقسامِ السَّقطِ من الإسنادِ. (1) (إِنْ كَانَ بِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مَعَ التَّوَالِي فَهُوَ المُعْضَلُ وَإِلاَّ) فإن كانَ السَّقطُ باثنينِ غيرِ مُتَوَالِيَيْنِ في موْضِعَيْنِ مثلاً. (2) (فَـ)هُوَ (الْمُنْقَطِعُ)، وكذا إن سَقَطَ واحدٌ فقطْ أو أكثرُ من اثنينِ لكنَّهُ بِشرطِ عدمِ التَّوالِي. (ثُمَّ)إنَّ السَّقطَ من الإِسْنَادِ (قَدْ يَكُونُ وَاضِحًا) يَحْصُلُ الاشْتِرَاكُ في مَعْرِفَتِهِ كَكَوْنِ الرَّاوي مثلاً: لم يُعاصِرْ مَن روَى عنه. - (أو) يكونُ (خَفِيًّا)؛ فلا يُدْرِكُهُ إلاَّ الأَئِمَّةُ الْحُذَّاقُ الْمُطَّلِعُونَ على طُرُقِ الحَدِيثِ وعِلَلِ الأسانيدِ. (3) (فَالأولُ)وهو الواضحُ. (يُدْرَكُ بِعَدَمِ التَّلاَقِي)بَيْنَ الرَّاوي وشيخِهِ بكونِهِ لم يُدْرِكْ عصرَهُ أو أدْرَكَهُ لكنَّهما لم يجْتَمِعا، وليستْ له منه إِجَازةٌ ولا وِجَادَةٌ. (وَمِنْ ثَمَّ احْتِيجَ إِلى التَّارِيخِ) لتَضَمُّنِه
تحريرَ مواليدِ الرُّوَاةِ، ووَفَيَاتِهِمْ، وأوقاتِ طَلَبِهِمْ
وارْتِحَالِهِمْ، وقد افْتُضِحَ أقوامٌ ادَّعَوُا الرِّوَايةَ عَن شيوخٍ
ظَهَرَ بِالتَّارِيخِ كَذِبُ دَعْوَاهُمْ).
نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (الخبرُ المردودُ وأقسامُهُ: لمَّا فَرَغَ الحافظُ مِن أغلبِ أقسامِ المقبولِ وهي: - الصحيحُ لِذَاتِهِ. - والحسنُ لِذَاتِهِ. - والصحيحُ لغيرِهِ. شَرَعَ في الخبرِ المردودِ، وسبقَ للحافظِ أنْ قَدَّمَ شيئًا من أنواعِ المردودِ، فقدَّمَ الشذوذَ وقال:
إنَّ سَبَبَ تقديمِهِ هو أنَّهُ بِصَدَدِ بيانِ ماذا يُسَمَّى حديثُ
الراوي المقبولِ عندَ الاختلافِ، في حالِ ترجيحِ قَبُولِهِ وفي حالِ ترجيحِ
رَدِّهِ؟ فاستَعْجَلَ
بذلك بيانَ حُكْمِ الشذوذِ، ثم لمَّا فرغَ مِن الشاذِّ أَلْحَقَهُ
بِنَوْعٍ آخَرَ مِن اختلالِ الشروطِ وهو المُنْكَرُ؛ لوجودِ اشتباهٍ كبيرٍ
حتى أنَّ ابنَ الصلاحِ قال: إِنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فرأى ابنُ حَجَرٍ أنْ يُرْدِفَ الشذوذَ بالنكارةِ، وإلاَّ فَحَقُّ الشذوذِ والنِّكَارَةِ أنْ تُذْكَرَا في أقسامِ المردودِ. ومِن المُتَبَادَرِ للذهنِ في أنْ يَبْتَدِئَ في المردودِ بِمَا اخْتَلَّ فيه الشرطُ الأولُ: وهو عدالةُ الرواةِ، ولَكِنَّهُ تَرَكَ الشرطَ الأولَ والثاني: وهو الضبْطُ، وانْتَقَلَ إلى الشرطِ الثالثِ:وهو اتصالُ الإسنادِ، وكأنَّهُ
ابتدَأَ بِهِ لأَنَّ الأصلَ في الإسنادِ عندما تقومُ بدراستِهِ أنْ يكونَ
رُوَاتُهُ مُتَكَامِلِينَ، فحينئذٍ يَصِحُّ الابتداءُ بالإسنادِ الذي
سَقَطَ منهُ بعضُ الرواةِ، ثم بعدَ ذلك إذا اكْتَمَلَ الإسنادُ يُبْحَثُ
وَصْفُ رُوَاتِهِ واحِدًا واحِدًا. (1) أولاً: المردودُ بسببِ سقطٍ في الإسنادِ: الشرطُ الثالثُ: وهو اتصالُ الإسنادِ، ضِدُّهُ عَدَمُ الاتصالِ، والحافظُ قَسَّمَ عَدَمَ اتصالِ الإسنادِ إلى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، وسَبَقَ أَنَّ الحافظَ يَحْرِصُ على تحديدِ المصطلحاتِ وضَبْطِهَا، فهذا التقسيمُ مِن الحافظِ دقيقٌ جِدًّا، وقَسَّمَهُ بِحَسَبِ مَوْضِعِ السقطِ في الإسنادِ، فأوَّلُهَا: (2) 1- المُعَلَّقُ: ذَكَرَ
الحافظُ أَنَّ المُصَنِّفِينَ رُبَّمَا حَذَفُوا مِن أوَّلِ الإسنادِ بعضَ
رُواتِهِ، وأوَّلُ الإسنادِ في اصطلاحِ المُحَدِّثينَ هو الذي يلي
المُصَنِّفِينَ، وآخِرُهُ الصحابيُّ، فما سقطَ منهُ مِن مَبْدَأِ الإسنادِ
رَاوٍ فأكثرَ أَطْلَقَ عليه المُحَدِّثونَ اسمَ المُعَلَّقِ، وهذا الإطلاقُ
لهُ نَظَرٌ من جِهَةِ اللُّغَةِ فيقولونَ: كأَنَّهُ تشبيهٌ بالشيءِ
المُعَلَّقِ بالسَّقْفِ، فيكونُ ما بينَهُ وبينَ الأرضِ فارِغًا؛ فكأنَّهم
أَخَذُوهُ مِن هذا، وجعلوا ما بين المُصَنِّفِ ومَن أَبْرَزَهُ فَرَاغًا،
فَسُمِّيَ لذلكَ المُعَلَّقَ. وأوَّلُ مَن أَبْرَزَ وأَكْثَرَ مِن تَعْلِيقِ الأحاديثِ هو البخاريُّ بالنسبةِ للمتقدِّمينَ، بأنْ يَذْكُرَ حديثًا بدونِ إسنادٍ، أو ببعضِ إسنادٍ، يَفْعَلُهُ البخاريُّ كثيرًا في (الصحيحِ) ففيهِ
نحوٌ مِن أَلْفٍ وثلاثِمائةِ حديثٍ مُعَلَّقٍ، لكنَّ أَكْثَرَهَا وَصَلَهُ
في مكانٍ آخَرَ، والذي لمْ يَصِلْهُ من المُعَلَّقَاتِ يَبْلُغُ نَحْوَ
مائةٍ وَسِتِّينَ حديثًا، وهذا كلُّهُ من الأحاديثِ المرفوعةِ. وأمَّا مَا عَلَّقَهُ مِن الموقوفاتِ على الصحَابَةِ، والمقطوعاتِ عن التابعينَ فَكَثِيرٌ جِدًّا، وقد أَلَّفَ ابنُ حَجَرٍ كتابَهُ (تَغْلِيقَ التَّعْلِيقِ) بِغَرَضِ وَصْلِ ما عَلَّقَهُ البخاريُّ مِن أحاديثِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلكَ مِن الموقوفاتِ والمقطوعاتِ. والمُعَلَّقُ الأصلُ في حُكْمِهِ: أَنَّهُ ضعيفٌ؛ للجَهَالةِ بحالِ الساقِطِ، ولاَ سِيَّمَا بعدَ أَنْ كَثُرَ التعليقُ بعدَ البخاريِّ؛
فَكَثُرَ مِن المصنفينَ أَنْ يقولوا: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا وكذا، ويَكْثُرُ في كُتُبِ الفِقْهِ أحاديثُ وآثارٌ
بهذهِ المَثَابَةِ، يَتْعَبُ الباحثونَ في العُثُورِ على إسنادٍ لها، ولو
كانَ ضعيفًا أو مَوْضُوعًا. واسْتَثْنَى ابنُ الصَّلاحِ مِن الحُكْمِ بأنَّ المُعَلَّقَ مَرْدُودٌ ما كان في كتابٍ الْتَزَمَ صاحبُه بالصِّحَّةِ، والمقصودُ بهذا الكلامِ البخاريُّ، فَمُسْلِمٌ عَلَّقَ بعضَ الأحاديثِ، وهي نحوٌ من ثلاثةَ عَشَرَ حديثًا، مع أَنَّ أكثرَهَا ليسَ بصورةِ التعليقِ، بل فيهِ مَن هوَ مُبْهَمٌ لم يُسَمَّ، ثم إنَّ مسلمًا قد سَاقَهَا مِن طُرُقٍ أُخْرَى، سِوَى حديثٍ واحدٍ عَلَّقَهُ ولمْ يَصِلْهُ مِن طريقٍ آخَرَ، وهو حديثُأبي جُهَيْمٍ في (التيَمُّمِ بالجِدَارِ)، فما كان في كتابٍ الْتَزَمَ صاحبُهُ فيهِ الصِّحَّةَ فإنَّا نَنْظُرُ في صِيغَةِ التعليقِ. وقدْ قَسَّمَ المُحَدِّثونَ صِيَغَ التعليقِ إلى قِسْمَينِ: 1- ما كان منها بصيغةِ الجزمِ، مثلَ: قالَ، وَرَوَى، مثلَ: قولِ البخاريِّ: وقالتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ على كُلِّ أَحْيَانِهِ))، وقالَ بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ، عن أبيهِ، عن جَدِّهِ: ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَوْرَاتُنَا ما نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟)). 2- ما كانَ منها بصيغةِ التمريضِ، مثلَ: يُرْوَى، يُذْكَرُ، يُقالُ. فقال ابنُ الصَّلاحِ: ما كان بصيغةِ الجَزْمِ فَحُكْمُهُ القَبُولُ، وما كانَ بصيغةِ التمريضِ فلا يُعْطَى هذا الحُكْمَ؛ لأنَّ صيغَ التمريضِ تُسْتَعْمَلُ في الضعِيفِ أيضًا، هذا كلامُ ابنِ الصلاحِ، ثم جاءَ ابنُ حَجَرٍ في كتابِهِ (هَدْي السَّارِي)، وزَادَ كلامَ ابنِ الصَّلاحِ إيضاحًا وقَسَّمَ ما عَلَّقَهُ البخاريُّ بصيغةِ الجَزْمِ، وما عَلَّقَهُ بصيغةِ التمريضِ، وأَعْطَى لِكُلِّ قِسْمٍ حُكْمًا. - فقالَ: ما عَلَّقَهُ البخاريُّبصيغةِ الجزمِ نَحْكُمُ بصحَّتِهِ إلى مَن عَلَّقَهُ عنهُ، مثلَ قولِهِ: (وقالَ: بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ)، نقولُ: إنَّ الحديثَ صحيحٌ إلى بَهْزٍ، وبعدَ ذلكَ نَنْظُرُ في الرجالِ الذينَ أَبْرَزَهُم: البخاريُّ بعدَ بَهْزٍ. - ومِن استقراءِ ابنِ حَجَرٍ لصنيعِ البخاريِّ وَجَدَ أَنَّ ما عَلَّقَهُ البخاريُّ بصيغةِ الجزمِ منهُ ما يكونُ صحيحًا، وقد يكونُ أخرجَهُ مسلمٌ مثلَ: حديثِ عائشةَ السَّابقِ، ومنهُ ما هو حَسَنٌ لذاتِهِ، مثلَ: حديثِ بَهْزِ بنِ حكيمٍ، ومنهُ ما هو حَسَنٌ لغيرِهِ. - وَوَجَدَ أَنَّ ما عَلَّقَهُ بصيغةِ التمريضِ أيضًا على أقسامٍ، فمنه ما عَلَّقَهُ وهو صحيحٌ وموجودٌ في (صحيحِ البخاريِّ) نَفْسِهِ، فَعَلَّقَهُ وَوَصَلَهُ في مكانٍ آخَرَ. - ومنه ما هو حَسَنٌ. - ومنه ما هو ضعيفٌ، لكنْ ما كان ضعيفًا فإنَّ البخاريَّ لا يَتْرُكُهُ بل يُبَيِّنُ ضَعْفَهُ، مثلَ: قولِهِ: (ويُرْوَى عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((لاَ يَتَطَوَّعُ الإِمَامُ فِي مَكَانِهِ))، ثم عَقَّبَهُ البخاريُّ بقولِهِ: ولاَ يَصِحُّ. الخُلاَصَةُ: أَنَّ المُعَلَّقَ أُعْطِيَ حُكْمًا عامًّا وهو أَنَّهُ مَرْدُودٌ للجَهْلِ بحالِ الساقطِ، ثم اسْتَثْنَوْا من ذلكَ مُعَلَّقاتِ (صحيحِ البخاريِّ)، وفَصَّلَ فيها ابنُ حَجَرٍ التفصيلَ الذي أَوْجَزْتُهُ. ثم عَرَّجَ الحافظُ على قَضِيَّةٍ في المُعَلَّقِ ليستْ داخلةً في حُكْمِهِ ولا في تَعْرِيفِهِ ولا في مثالِهِ، فقال:
إذا قالَ أحدُ المصنِّفِينَ: قال فلانٌ، وهذا الذي أَبْرَزَهُ أحدُ
شيوخِهِ، وقد سَمِعَ منهُ أحاديثَ، لكنَّ هذا الحديثَ ما سَمِعَهُ منهُ،
فهذا يُسَمَّى عندَ المُحَدِّثينَ التَّدْلِيسَ. - يقولُ الحافظُ: هل نُسَمِّي ما قالَ فيهِ المُصَنِّفُ (يَعْنِي البخاريَّ): قالَ فلانٌ - بهذهِ الصورةِ - تدليسًا أو نُسَمِّيهِ تعليقًا؟ إذا سَمَّيْنَاهُ تدليسًا فمعناهُ أَنَّ البخاريَّ مُدَلِّسٌ؛لأَنَّهُ يَذْكُرُ عن مَشَايِخِهِ أحاديثَ بصيغةِ (قالَ)، ثم يَرْوِيهَا عنهم بواسطةٍ في (التاريخِ)، أو (الأَدَبِ المُفْرَدِ) أو غَيْرِهِمَا. وقَصَدَ ابنُ حَجَرٍ الدفاعَ عن البخاريِّ بهذا
الكلامِ، وقالَ: لا يَنْبَغِي إطلاقُ التدليسِ على مَن عَلَّقَ عن شيخِهِ
حديثًا لمْ يَسْمَعْهُ منهُ، إلا إذا عُرِفَ بالاستقراءِ أو بالنَّصِّ
أَنَّ هذا الفاعلَ مُدَلِّسٌ، فإذا كانَ الفاعلُ مُدَلِّسًا فحينئذٍ
يُحْمَلُ ما قالَ فيهِ: (قالَ فلانٌ) على أَنَّهُ قَصَدَ التدليسَ، وأمَّا
مَن لمْ يَكُنْ عادَتُهُ كذلكَ مثلَ: البخاريِّ فإِنَّمَا
نُسَمِّيهِ تعليقًا، وهذا الكلامُ لهُ أَثَرٌ، فإذا سَمَّيْنَاهُ
تَدْلِيسًا فمعنى هذا أَنَّ مَن يفعلُ ذلكَ فإنَّا نُعْطِيهِ حُكْمَ
المُدَلِّسِينَ فلا نَقْبَلُ عَنْعَنَتَهُ إلاَّ إذا لمْ يُصَرِّحْ
بالتحديثِ عن شيخِهِ. ومِن القضايا التي تَحَدَّثَ عنها الحافظُ في المُعَلَّقِ: المُعَلَّقُ
كمْ يُسْقِطُ مِن مبدأِ الإسنادِ؟ قد يكونُ الساقطُ واحدًا، وقد يكونُ
اثنَيْنِ أو ثلاثةً، أو أكثرَ مِن ذلكَ، حتى إِنَّ المُعَلَّقَ رُبَّمَا
أَسْقَطَ جميعَ الإسنادِ، وقال: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ورُبَّمَا أَبْقَى الصحابيَّ، أو الصحابيَّ والتابعيَّ، وسيأتي
في المُعْضَلِ أَنَّهُ ما سَقَطَ منهُ اثنانِ فأكثرُ، فقالَ الحافِظُ:
إنَّهُ قدْ يَجْتَمِعُ المُعْضَلُ مع المُعَلَّقِ إذا كانَ الساقطُ مِن
أوَّلِ الإسنادِ اثنَيْنِ فأكثرَ، ويكونُ مُعَلَّقًا إذا كانَ الساقطُ
واحدًا فقطْ، ويكونُ مُعْضَلاً فقطْ إذا كانَ السقطُ من وَسَطِ الإسنادِ. سؤالٌ: مَتَى يكونُ المُعَلَّقُ صحيحًا، ولو لمْ يُعَلِّقْهُ مَن الْتَزَمَ الصِّحَّةَ؟ الجوابُ: إذا عُرِفَ المحذوفُ، وكان على شرْطِ الصحيحِ. لكنَّ
هذا الكلامَ كأَنَّهُ ليس حُكْمًا لِلمُعَلَّقِ وإِنَّمَا هو حُكْمٌ
للموصولِ، لأَنَّهُ بعدَ أَنْ عُرِفَ الساقطُ لا نَذْهَبُ إليهِ، وإِنَّمَا
نَذْهَبُ إلى الموصولِ ويكونُ الكلامُ على الإسنادِ الكاملِ الذي عُرِفَ
فيهِ الساقِطُ. ثُمَّ
عَرَّجَ الحافظُ على قَضِيَّةِ المُصَنِّفِ الذي يقولُ: كُلُّ مَن
أَحْذِفُهُ فهو من الثِّقاتِ، فهذا عندَ المُحَدِّثينَ كأَنَّهُ لم
يُوَثَّقْ، لأنَّ أهلَ العلمِ يختلفونَ في التوثيقِ، ويُسَمُّونَهُ
التوثيقَ المُبْهَمَ، وهو مِثْلَ ما إذا قالَ الإمامُ: حَدَّثَنِي
الثِّقَةُ، وهذا يَفْعَلُهُ الشَّافِعِيُّ كثيرًا،
فالمُحَدِّثونَ لا يَقْبَلُونَ هذا التوثيقَ حتى يُصَرِّحَ باسمِهِ،
لأَنَّهُ رُبَّمَا يكونُ ثِقَةً عندَهُ ولا يكونُ ثِقَةً عندَ غيرِهِ، لاَ
سِيَّمَا وأنَّ الشَّافِعِيَّ خَالَفَ الجمهورَ في بعضِ الرُّوَاةِ مثلَ شيخِهِ إبراهيمَ بنِ أبي يَحْيَى، فالجمهورُ على أَنَّهُ متروكٌ، وقد رُمِيَ بالكذبِ وَوَضْعِ الحديثِ، والشَّافِعِيُّ مع
ذلكَ يُوَثِّقُهُ، كما يوجدُ ذلكَ عندَ أَئِمَّةٍ آخَرِينَ، يُوَثِّقُونَ
مَن ليسَ كذلكَ عندَ جمهورِ العلماءِ، فإذا قالَ المصنِّفُ: كُلُّ مَن
أَحْذِفُهُ ثقاتٌ، فالأمْرُ باقٍ على ما هو عليهِ، ولاَ يَخْرُجُ الإسنادُ
عن صورةِ التعليقِ. (3) 2- المُرْسَلُ: ما كانَ فيهِ سَقْطٌ مِن آخِرِ الإسنادِ فهوَ: المُرْسَلُ. وصورتُهُ: أَنْ
يقولَ التابعيُّ الذي لَقِيَ أحدَ الصحابَةِ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا، أو فَعَلَ كذا، أو أَمَرَ بكذا، أو نحوَ
ذلكَ، وفي بعضِ التعاريفِ يُعَبَّرُ عن المُرْسَلِ اختصارًا بأَنَّهُ: ما سَقَطَ منهُ الصحابيُّ، وهذا
التعريفُ إنْ قُصِدَ بهِ أَنَّهُ لمْ يَسْقُطْ غيرُ الصحابيِّ فهوَ
مُتَعَقَّبٌ، وإنْ قُصِدَ منهُ أنَّنَا نُعَرِّفُ المُرْسَلَ: بأَنَّهُ مَا سَقَطَ منهُ الصحابيُّ، وقد
يكونُ سَقَطَ مَعَهُ غيرُهُ فهذا التعريفُ لا بَأْسَ بهِ ويُؤَدِّي
المرادَ، وإنْ كنتُ أظنُّ أَنَّهُ لا يُفْهَمُ منهُ أَنْ يكونَ قد سَقَطَ
منهُ غيرُ الصحابيِّ، وإِنَّمَا إذا سَقَطَ منْهُ الصَّحَابِيُّ فَإِنَّا
نَعْرِفُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَبَعْدَ الكشْفِ رُبَّمَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ
قد سَقَطَ منهُ أيضًا غيرُ الصحابيِّ، ولذلكَ فالأَسْلَمُ أَنْ يُقَالَ:
هو رِوَايَةُ التابعيِّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والمَرَاسِيلُ كثيرةٌ جِدًّا على هذا التعريفِ، وَيَكْفِينَا قراءةُ كتابِ (المَرَاسِيلِ)لأبي دَاوُدَ مع أَنَّهُ قد تَرَكَ شيئًا كثيرًا جِدًّا. ومن أَمْثِلَةِ المُرْسَلِ: حديثُ سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ: ((أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عنِ المُزَابَنَةِ))، ومحمَّدِ بنِ سِيرِينَ، وأَبِي قِلاَبَةَ، والزُّهْرِيِّ، وعطاءِ بنِ رَبَاحٍ، وغيرِهِم مِن أَئِمَّةِ التابعينَ يُرْسِلُونَ الحديثَ. - وسَبَبُ كَثْرَةِ الإرسالِ عندَ التابعينَ:الاختصارُ، فيقولونَ إنَّ الغرضَ مِن ذِكْرِ الحديثِ هو المَتْنُ وليسَ الإسنادَ، أمَّا في العصورِ المُتَأَخِّرَةِ فقد بَرَزَ عِلْمُ الروايةِ كَعِلْمٍ خاصٍّ بهِ، فصارَ المُحَدِّثُ يَأْتِي إلى شيخِهِ مِن أَجْلِ الرِّوايةِ، وذاكَ يُحَدِّثُهُ مِن أَجْلِ الرِّوايةِ، أمَّا أبو هُرَيْرَةَ مثلاً
فَيُحَدِّثُ بقضيَّةٍ ما عندَ أصحابِهِ، والغَرَضُ هنا هو الاستشهادُ
بالحديثِ لهذهِ القضيَّةِ لاَ مُجَرَّدُ التَّحْدِيثِ، وكذلكَ الحسنُ البَصْرِيُّ وغيرُهُ،
فلمْ تَظْهَرْ مَسْأَلَةُ الرِّوايةِ على أَتَمِّهَا، فكانوا يُرْسِلُونَ
الأحاديثَ، فَكَثُرَ وجودُ المَرَاسِيلِ لِهذا السَّبَبِ. (4) - ثم ذَكَرَ الحافظُ حُكْمَ المُرْسَلِ: بِنَاءً على رأيِهِ هو ولمْ يَنْسِبْهُ إلى أَحَدٍ، وهو: أَنَّ المُرْسَلَ مِن أقسامِ المَرْدُودِ وأَنَّهُ من أقسامِ الضعيفِ، وعَلَّلَ
ذلكَ بتعاليلَ عَقْلِيَّةٍ وذلكَ عندَ قولِهِ: (وإِنَّمَا ذُكِرَ في
قِسْمِ المردودِ للجهلِ بحالِ المحذوفِ، لأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ
صحابيًّا، ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ تابعيًّا، وعلى الثاني يُحْتَمَلُ أَنْ
يكونَ ضعيفًا ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ ثِقَةً) لأنَّ مِن التابعينَ مَن
وُصِفَ بالضَّعفِ لاَ سِيَّمَا بعدَ ظهورِ المذاهبِ السياسيَّةِ، وعلى احتمالِ أَنْ يكونَ ثِقَةً: (يُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ حَمَلَ عن صحابيٍّ ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ حَمَلَ عن تابعيٍّ آخَرَ). وهذا الاحتمالُ الثاني: -
وهو أَنَّهُ حَمَلَ عن تابعيٍّ آخَرَ - إذا أَدْخَلْتَهُ في ميزانِ العقلِ
فإنَّهُ لاَ نهايةَ لعددِ التابعينَ، يَعْنِي يُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ
وَاحِدًا أو اثنينِ أو أربعةً، والعقلُ لا يُحَدِّدُ، لكنْ بالاستقراءِ،
فأكثرُ ما وُجِدَ مِن روايةِ التابعينَ بعضِهم عن بعضٍ سبعةٌ من التابعينَ
في إسنادٍ واحدٍ. ثم
عَقَّبَ على ما ذَكَرَهُ في حُكْمِ المُرْسَلِ فقالَ: (إنَّهُ إذا عُرِفَ
مِن عادةِ التابعيِّ أَنَّهُ لا يُرْسِلُ إلاَّ عن ثِقَةٍ فجمهورُ
المُحَدِّثينَ على أَنَّ ما يُرْسِلُهُ هذا الراوي مَرْدُودٌ)، ومَرَّ معنا
مِن قبلُ أَنَّ ما يُتَوَقَّفُ فيه فهو مُلْحَقٌ بالمردودِ، وذلكَ لبقاءِ
الاحتمالِ أَنْ يكونَ هذا الثقةُ قد رَوَى عن غيرِ ثِقَةٍ، ثم ذَكَرَ أَنَّ
هذا أَحَدُ قولَي الإمامِ أحمدَ. - فمعناهُ أَنَّ للإمامِ أحمدَ قَوْلَيْنِ، فيكونُ القولُ الثاني:لأحمدَ التفريقُ: - بينَ مَن لا يُرْسِلُ إلاَّ عن ثِقَةٍ فَمُرْسَلُهُ مقبولٌ. - وبينَ مَن عُرِفَ عنهُ أَنَّهُ يُرْسِلُ عن الثقاتِ وغيرِهِم فهذا لاَ يُقْبَلُ. ثم نَقَلَ الحافظُ عن الكوفيينَ - ويُرادُ بهمْ في الغالبِ أبو حَنِيفَةَ وأَصْحَابُهُ - وعن المَالِكِيَّةِ أنَّهم يَقبلونَ مُطْلَقًا، أي: خلافَ ما عليهِ الجمهورُ، ثم نَقَلَ الحافظُ عن أبي وليدٍ البَاجِيِّ - وهو مِن المَالِكِيَّةِ - وعن أبي بَكْرٍ الرَّازِيِّ - وهو مِن الحَنَفِيَّةِ - الإجماعَ على أَنَّ مَن يُرْسِلُ عن الثقاتِ وغيرِهم فإنَّ مُرْسَلَهُ غيرُ مَقْبُولٍ. حُكْمُ الْمُرْسَلِ لَمَّا
ذَكَرَ الحافظُ رَأْيَهُ في قَبُولِ المَرَاسِيلِ ذَكَرَ بعدَ ذلكَ رأْيَ
جمهورِ المُحَدِّثينَ، وأنَّهُم يَتَوَقَّفُونَ في قَبُولِ المَرَاسِيلِ
سواءً كانَ مَن يُرْسِلُ لا يُرْسِلُ إلا عن ثِقَةٍ، أو كانَ يُرسِلُ عن
الثقاتِ وغيرِهِم. ما حَرَّرَهُ الحافظُ هنا
بالنسبةِ لما أَرْسَلَهُ التابعيُّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نقولُ: إنَّهُ هو رَأْيُ جمهورِ المُحَدِّثينَ في المَرَاسِيلِ
عُمُومًا، فرَأْيُ جمهورِ المُحَدِّثينَ: أَنَّ الحديثَ لا يُقْبَلُ إلاَّ إذا كانَ مُتَّصِلَ الإسنادِ، واسْتَقَرَّ العملُ على ذلكَ، فلا يَكادُ إمامٌ مِن أَئِمَّةِ الحديثِ إلاَّ وَيَقْدَحُ بالإسنادِ مَتَى كانَ فيهِ إرسالٌ. الإمامُ ابنُ أبي حاتمٍ يقولُ: سَمِعْتُ أبي، وأبَا زُرْعَةَ يقولانِ: (لا يُحْتَجُّ بالمَرَاسِيلِ، ولا تَقُومُ الحُجَّةُ إلاَّ بالأسانيدِ الصِّحَاحِ المُتَّصِلَةِ)، ثم قالَ ابنُ أبي حاتِمٍ:
(وكذا أَقُولُ أنا، هذا الرأْيُ هو رأْيُ أَئِمَّةِ الحديثِ بِوَجْهٍ
عامٍّ، ومنهم الشيخانِ، فَتَصَرُّفُهُمَا في الصحيحِ يَدُلُّ على اشتراطِ
الاتصالِ)، وكلامُ مسلمٍ عن العَنْعَنَةِ، ومتى تُقْبَلُ؟ يَدُلُّ
على اشتراطِهِ للاتصالِ، وكذا تَصَرُّفُهُمْ بالنسبةِ لنَقْدِ الأحاديثِ،
فإنَّهُم يقولونَ: هذا الحديثُ مُرْسَلٌ، فلانٌ لم يَلْقَ فلانًا … وهكذا،
فهذا يَدُلُّ على أَنَّ ما ذَكَرَهُ الحافظُ نَقْلٌ
صحيحٌ، لكنْ نُعَقِّبُ عليهِ بأَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا أَرْسَلَهُ التابعيُّ
عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما أَرْسَلَهُ غيرُ
التابعيِّ عن الصحابيِّ أو غيرِهِ، فحينئذٍ سيكونُ هناكَ قولٌ لبعضِ
المُحَدِّثينَ، منهم مالكٌ، وقولٌ لأحمَدَ. ونَقَلَ الخطيبُ الإجماعَ على أَنَّ المُرْسَلَ ليسَ بمنـزلةِ المُتَّصِلِ، وهذا أمْرٌ عارِضٌ. مَرَّ بنا أَنَّ الحافظَ قال: (إنَّ المالكيةَ والأحنافَ - وهو قولٌ للإمامِ أحمدَ -
على قَبُولِ المَرَاسِيلِ مُطْلَقًا)، وهذا القولُ خلافُ ما عليهِ جمهورُ
المُحَدِّثينَ في اشتراطِهِم اتصالَ الإسنادِ، وتشديدِ كثيرٍ منهم تشديدًا
قويًّا في مسائلِ الاتصالِ والإرسالِ، لكنَّ هذا النقلَ عن المالكيةِ
والأحنافِ يَحتاجُ إلى تَقْيِيدٍ، فالنقْلُ عنهم هكذا بالقولِ بإطلاقِ
قَبُولِهِم للمراسيلِ أو حتَّى تَقْيِيدِ ذلكَ بِقَبُولِهِمْ مُرْسَلَ مَن
عُرِفَ عنهُ أَنَّهُ لا يُرْسِلُ إلاَّ عن ثِقَةٍ فيهِ نَظَرٌ، والذي
جَعَلَ هذا الموضوعَ يَكْثُرُ فيهِ اللَّبْسُ أَنَّهُ قدْ نُقِلَ عن
الإمامِ أحمدَ، ومالكٍ، وأبي حَنِيفَةَ الاحتجاجَ ببعضِ المَرَاسِيلِ، فحينَ يَذْكُرُ بعضُ الحنابلةِ أَنَّ للإمامِ أحمدَ روايةً في قَبُولِ المَرَاسِيلِ فإنَّهُم يَحْتَجُّونَ بِفِعْلِهِ، ويقولونَ: احْتَجَّ أحمدُ بحديثِ كذا، وهو مُرْسَلٌ، والذي يَظْهَرُ أَنَّ إطلاقَ قَبُولِ المُرْسَلِ فيهِ نَظَرٌ، فأحمدُ مثلاً: احْتَجَّ ببعضِ المَرَاسِيلِ لا بِجَمِيعِ المَرَاسِيلِ، حتى الشَّافِعِيُّ يَحْتَجُّ ببعضِ المَرَاسِيلِ، وذَكَرَ شروطًا قَوِيَّةً جِدًّا لقَبُولِ المُرْسَلِ: - منها: أَنْ يكونَ المُرسِلُ من كبارِ التابعين. - وأَنَّهُ إذا سَمَّى سَمَّى ثِقَةً. - وأنْ يُوَافِقَهُ مُسْنَدٌ آخَرُ مُتَّصِلٌ. - أو مُرْسَلٌ آخَرُ يُعْرَفُ أَنَّهُ يُرْسِلُ عن غيرِ رجالِ مَن أَرْسَلَ المُرْسِلُ الأوَّلُ. - أو يُوَافِقَهُ قولُ صحابيٍّ. - أو فُتْيَا أهلِ العلمِ. ثم قالَ: ومعَ هذا فليسَ المُرْسَلُ في قُوَّةِ المُسْنَدِ. إذًا فهذا النَّقْلُ - عن المالكيةِ والكوفيينَ وروايةٍ للإمامِ أحمدَ - ليس مَنْصُوصًا عنهم، وإِنَّمَا أُخِذَ مِن قَبُولِهِم لبعضِ المَرَاسِيلِ، فالإمامُ أحمدُ احْتَجَّ ببعضِ المَرَاسِيلِ، بلْ سَمَّى بعضَها حَسَنًا، مثلَ حديثِ: مَكْحُولٍ، عن عَنْبَسَةَ بنِ أبي سُفْيَانَ، عن أمِّ حَبِيبَةَ: ((في الوُضُوءِ مِن مَسِّ الذَّكَرِ))، مَكْحُولٌ لَمْ يَلْقَ عَنْبَسَةَ فهو مُرْسَلٌ، وقالَ أحمدُ: إنَّهُ حَسَنٌ، ويقولُ في حديثِ عِرَاكِ بنِ مالكٍ الذي
مَرَّ آنِفًا: إنَّهُ مِن أَحْسَنِ ما رُوِيَ في الرُّخْصَةِ - وإنْ كان
مُرْسَلاً - فإنَّ مَخْرَجَهُ حَسَنٌ، وقَوَّى بعضَ المَرَاسِيلِ مثلَ: سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، عن عُمَرَ. قيلَ: هو صحيحٌ؟ قال: إذا لمْ يَكُنْ سعيدٌ عن عُمَرَ صحيحًا فما الذي يكونُ؟ مع العِلْمِ أَنَّ سعيدًالم يَلْقَ عُمَرَ، وإِنَّمَا يُقَالُ إنَّهُ سَمِعَهُ يَخْطُبُ وعُمُرُهُ ثَمَانُ سنواتٍ أو نحوَ ذلكَ، لكنَّ أحمدَ صَحَّحَهُ مع أَنَّهُ مُرْسَلٌ؛ لأنَّ سعيدًا تَتَبَّعَ قضايا عُمَرَ واهْتَمَّ بها، حتى كان ابنُ عُمَرَ يَسْأَلُ سعيدًا عن قضايا والدِهِ. واحْتَجَّ أبو حنيفةَ لقولِهِ:
(إنَّ القَهْقَهَةَ في الصلاةِ تَنْقُضُ الوضوءَ بمَرَاسِيلَ)، فاحْتَجَّ
هؤلاءِ الأَئِمَّةُ ببعضِ المَرَاسِيلِ، لكنَّ القولَ بإطلاقِ القَبُولِ
فيهِ نَظَرٌ. 3- المُعْضَلُ: خَصَّهُ الحافظُ بِثَلاثةِ أشياءَ: 1-أَنْ يكونَ السقطُ في وَسَطِ الإسنادِ. 2-أَنْ يكونَ الساقطُ اثنينِ فصاعدًا. 3-أنْ يكونَ سُقُوطُهُم على التوالِي. 4- المُنْقَطِعُ: ثم ذَكَرَ القسمَ الرابعَ من السقطِ وهو: أَنْ يكونَ الساقطُ واحدًا، أو يكونَ الساقطُ اثنينِ لا على التوالي، ويكونُ السقطُ في وَسَطِ الإسنادِ. هذهِ أربعةُ مصطلحاتٍ حَرَّرَهَا الحافظُ أَخْذًا
مِن كلامِ السَّابقينَ، لاَ سِيَّمَا مَن كَتَبَ في المصطلحِ، وهي
مُتَدَاوَلَةٌ في كُتُبِ المصطلحِ، واسْتَقَرَّتْ في أذهانِ الناسِ، لكنْ
نُعِيدُ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ الحافظَ رَحِمَهُ
اللَّهُ قَصَدَ تحريرَ المصطلحاتِ وإعطاءَ كُلِّ مَعْنًى مصطلحًا خاصًّا
بهِ يُمَيِّزُهُ عن غيرِهِ وهذا التقسيمُ الذي ذَكَرَهُ يَتَمَيَّزُ بهِ
فِعْلاً كُلُّ نوعٍ من أنواعِ السقطِ، وما ذَكَرَهُ الحافظُ مِن أَنَّ المُعَلَّقَ يَجْتَمِعُ مع المُعْضَلِ وأنَّ بينهما عمومًا وخصوصًا. فهذا الكلامُ يكونُ صحيحًا إذا عُرِّفَ المُعْضَلُ بأَنَّهُ: ما سَقَطَ منهُ اثنانِ ولمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ في وَسَطِ الإسنادِ، أمَّا على التقسيمِ الذي وَضَعَهُ الحافظُ فلا
تَجْتَمِعُ الأربعةُ، فكلُّ قِسْمٍ مُنْفَصِلٌ وحدَهُ، والغرضُ مِن هذهِ
المصطلحاتِ بَيَانُ ما اصْطَلَحَ عليهِ أهلُ الحديثِ الذينَ تَكَلَّمُوا
على الأحاديثِ، ولكنْ نَصَّ ابنُ الصلاحِ أَنَّ كلمةَ (المُعَلَّقِ)، غيرُ موجودةٍ في كلامِ الأَئِمَّةِ المُتَقَدِّمِينَ، وإِنَّمَا وُجِدَتْ في كلامِ بعضِ المتأخرينَ بالنسبةِ لابنِ الصلاحِ كالدَّارَقُطْنِيِّ والحُمَيْدِيِّ، فهذا قسمٌ غيرُ موجودٍ في كلامِ السابقينَ. والمُعْضَلُ وجودُ لَفْظِهِ في كلامِ السابقينَ نادِرٌ جِدًّا، وإفرادُ ما هو قليلٌ بمصطلحٍ خاصٍّ وذِكْرُ ذلكَ مع ما هو مشهورٌ مُتَدَاوَلٌ فيهِ نَظَرٌ، فهذا قِسْمٌ ثانٍ غيرُ موجودٍ أو نادرٌ في كلامِ السابقينَ. بَقِيَ الآنَ المُرْسَلُ والمُنْقَطِعُ، فقد استخدمَ المُحَدِّثونَ هذين المصطلحَيْنِ كثيرًا، وهذا لا إشكالَ فيهِ، لكنَّ استخدامَهُم لكلمةِ (مُرْسَل) أكثرُ بكثيرٍ مِن استخدامِهِم لكلمةِ (مُنْقَطِع)،
سواءً في الاسمِ أو الفِعْلِ كقولِهِم: أَرْسَلَهُ فلانٌ، مع وجودِ
استخدامٍ كثيرٍ لكلمةِ المُنْقَطِعِ، لكنَّ استعمالَ المُتَقَدِّمِينَ
لهذَيْنِ المصطلحينِ على مَعْنًى وَاسِعٍ جِدًّا، وهو أَنَّ الإسنادَ غيرُ
مُتَّصِلٍ، في أيِّ: مكانٍ كانَ السقطُ، فإنْ سَقَطَ منهُ الصحابيُّ يُسَمُّونَهُ المُرْسَلَ، وعلى هذا بَنَى أبو دَاوُدَ كتابَهُ (المَرَاسِيلَ)، وإنْ سَقَطَ منهُ التابعيُّ وبَقِيَ الصحابيُّ يُسَمُّونَهُ المُرْسَلَ وعلى هذا بَنَى ابنُ أبي حاتمٍ أَغْلَبَ كتابِهِ (المَرَاسِيلِ). ويَستخدمونَ في مكانِ كلمةِ المُرْسَلِ كلمةَ المُنْقَطِعِ، لكنْ ليسَ بكثرةٍ كما في المُرْسَلِ، فالشَّافِعِيُّ في نصٍّ واحدٍ في الرسالةِ استخدمَ كلمةَ (مُرْسَل) ويُغَايِرُ بينها وبينَ المنقطعِ، ويُرِيدُ بالكلامِ كلِّهِ ما سَقَطَ منهُ الصحابيُّ، فاستخدمَ كلمةَ المُنْقَطِعِ فيما خَصَّهُ ابنُ حَجَرٍ بكلمةِ مُرْسَلٍ، وابنُ أبي حاتمٍ في كتابِهِ (المَرَاسِيلِ)، لمْ يَسْتَخْدِمْ فيما نَقَلَ عن الأَئِمَّةِ إلا كلمةَ (مُرْسَلٍ) فيما خَصَّهُ ابنُ حَجَرٍ بالمنقطعِ،
وبهذا لا نَهْتَمُّ كثيرًا بالأسماءِ، وإِنَّمَا المُهِمُّ عندَ
المُحَدِّثينَ: هل الإسنادُ مُتَّصِلٌ أو غَيْرُ مُتَّصِلٍ؟ هل لَقِيَ فلانٌ فلانًا أو لم يَلْقَهُ؟ بأيِّ عبارةٍ عُبِّرَ عنهُ يَحْصُلُ المرادُ، أمَّا تَسْمِيَةُ ما رَوَاهُ التابعيُّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمُرْسَلِ فهذا لا إشكالَ فيهِ، إِنَّمَا نحتاجُ الآنَ لبيانِ أَنَّ كلامَ الحافظِ قَصَدَ
بهِ تحديدَ المصطلحاتِ، نَحْتَاجُ أَنْ نَعْرِفَ أنَّهُم استعملوا
المُرْسَلَ فيما خَصَّهُ الحافظُ باسمِ المُنْقَطِعِ، واستعملوا كلمةَ
المُنْقَطِعِ فيما خَصَّهُ بالمُرْسَلِ، أمَّا ما خَصَّهُ الحافظُ بالمُرْسَلِ فقد مَرَّ معنا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُسَمِّيهِ
المُنْقَطِعَ، وأمَّا استخدامُ ما سَقَطَ منهُ التابعيُّ وبَقِيَ
الصحابيُّ، يَعْنِي أَنَّ التابعيَّ لمْ يَلْقَ الصحابيَّ فهو كثيرٌ
جِدًّا، ومِن أمثلةِ ذلِكَ: - ابنُ أبي حاتمٍ يقولُ: سَمِعْتُ أبي يقولُ: زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، عن أَبِي سعيدٍ مُرْسَلٌ، فهذا على تقسيمِ الحافظِ مُنْقَطِعٌ، ثم قالَ أبو حاتِمٍ: يُدْخَلُ بينَهُمَا عطاءُ بنُ يَسَارٍ. - قال أبو زُرْعَةَ: زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، عن عبدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ - أو زيادِ بنِ عبدِ اللهِ - عن عليٍّ مُرْسَلٌ. سَمِعْتُ عليَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ يقولُ: زيدُ بنُ أَسْلَمَ، عن جابرٍ مُرْسَلٌ، وعن رافعِ بنِ خَدِيجٍ مُرْسَلٌ، وعن أبي هُرَيْرَةَ مُرْسَلٌ، وعن عائشةَ مُرْسَلٌ، أُدْخِلَ بينَهُ وبينَ عائشةَ القَعْقَاعَ بنَ حَكِيمٍ، وأُدْخِلَ بينه وبينَ أبي هُرَيْرَةَ عَطَاءَ بنَ يَسَارٍ. - قال أبو زُرْعَةَ: زَيْدُ بنُ عَلِيٍّ، عن عليٍّ مُرْسَلٌ. - قال أبو زُرْعَةَ: زيدُ بنُ مُهَاجِرِ بنِ قُنْفُدٍ، عن عُمَرَ مُرْسَلٌ، فكتابُ ابنِ أبي حاتمٍ مَبْنِيٌّ على التابعينَ أو روايةِ التابعيِّ الذي لمْ يَلْقَ الصحابيَّ؛ لأنَّ الإشكالَ فيهم أَكْثَرُ. سُئِلَ الإمامُ أحمدُ عن حديثِ عِرَاكِ بنِ مالكٍ، عن عائشةَ: ((أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: إِنَّ أُنَاسًا
يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ بِفُرُوجِهِمْ - يَعْنِي
عِنْدَ قَضَاءِ الحَاجَةِ - قَالَ: أَوَ قَدْ فَعَلُوهَا؟ حَوِّلُوا مَقْعَدَتِي إِلَى القِبْلَةِ))، هذا الحديثُ قالَ عنهُ أحمدُ: إنَّهُ مُرْسَلٌ، مع أَنَّ عائشةَ موجودةٌ في الإسنادِ، فقالَ ابنُ عبدِ الهادِي: سَمَّاهُ مُرْسَلاً؛ لأنَّ عِرَاكَ بنَ مَالِكٍ لمْ يَلْقَ عَائِشَةَ - حَسَبَ رأْيِ الإمامِ أحمدَ - إذًا ما الذي جَعَلَ الأَئِمَّةَ مثلَ: الحافظِ يَخُصُّونَ
المُرْسَلَ بما حُذِفَ منهُ الصحابيُّ أو بِمَا رَوَاهُ التابعيُّ،
والمُنْقَطِعُ ما كانَ السَّقْطُ فيهِ وَسَطَ الإسنادِ؟ هذا الاصطلاحُ نَقَلَهُ ابنُ عبدِ البَرِّ في قدمةِ (التمهيدِ) عن أُنَاسٍ لمْ يُسَمِّهِمْ وإِنَّمَا سَمَّاهُمْ صِغَارَ التابعينَ مثلَ: الزُّهْرِيِّ، وقَتَادَةَ ونحوِهِمَا،
فَنَقَلَ أَنَّ الجمهورَ على أَنَّ حديثَهُم يُسَمَّى مُرْسَلاً، ونَقَلَ
عن بعضِ المُحَدِّثينَ أَنَّهُ قال: إنَّ هؤلاءِ لمْ يَلْقَوْا إلا
وَاحِدًا أو اثنينِ من الصحابةِ، فَأَكْثَرُ رِوَايَتِهِمْ عن كبارِ
التابعينَ، وحينئذٍ يُسَمَّى حديثُهُم مُنْقَطِعًا. فإذًا كَأَنَّ ما اسَّتَقَرَّ عليهِ الاصطلاحُ - مِن تَخْصِيصِ المُرْسَلِ: بما رَوَاهُ التابعيُّ عن الرسولِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والمُنْقَطِعِ: بِمَا كانَ قبلَ ذلكَ -
هو سببٌ واحدٌ، وهو أَنَّ أَهَمَّ مَوْضِعٍ يَسْقُطُ منهُ الراوي في
الإسنادِ هو الصحابيُّ، وأَكْثَرُ كلامِ الأَئِمَّةِ في أحكامِ
المَرَاسِيلِ يَتَعَلَّقُ بِمَا سَقَطَ منهُ الصحابيُّ، وسببُ ذلكَ أَنَّ
الاحتمالَ الأكبرَ أَنَّ التابعيَّ يَرْوِي عن صحابيٍّ، والصحابةُ كلُّهُم
عُدُولٌ لا تَضُرُّ الجهالةُ بِهِمْ بِاتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ. - فالذي يَظْهَرُ أَنَّ سببَ تخصيصِ المتأخرينَ لكلمةِ مُرْسَلٍ: بما رَوَاهُ التابعيُّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّ
الاهتمامَ بما أَرْسَلَهُ التابعونَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَكْبَرُ، ولأَنَّ كلامَ الأَئِمَّةِ في أحكامِ المَرَاسِيلِ
أَكْثَرُهُ مُنْصَبٌّ على ما رَوَاهُ التابعيُّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدْ أشارَ الخطيبُ إلى
شيءٍ مِن هذا، وهو أَنَّ أَكْثَرَ استعمالِ الأَئِمَّةِ لكلمةِ
(مُرْسَلٍ)، وأَكْثَرَ دَوَرَانِ هذهِ الكلمةِ فيما أَرْسَلَهُ التابعِيُّ. إذًا فنحنُ أمامَ أمرَيْنِ: 1- مَا اصْطَلَحَتْ عليهِ كُتُبُ المصطلحِ من التقسيمِ السابِقِ. 2- ما عليهِ استعمالُ الأَئِمَّةِ المُتَقَدِّمِينَ. وعلى
هذا فالأسهلُ للطالبِ ما اصْطَلَحَ عليهِ المتأخرونَ مِن جِهَةٍ؛ لأَنَّهُ
يُعْطِيكَ ضوابطَ دقيقةً، فالإمامُ إذا قالَ: إسنادٌ مُنْقَطِعٌ، يُرِيدُ
سَقْطًا في وَسَطِ الإسنادِ، وأنَّ الساقِطَ واحدٌ، فإذا قالَ: مُرْسَلٌ،
فقدْ رَوَاهُ التابعيُّ عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ولكنْ يكونُ هذا أَسْهَلَ فيما لو كانَ الاستعمالُ موافِقًا لهُ، أمَّا
والاستعمالُ على خلافِهِ فإنَّنَا نَحْفَظُهُ حِفْظًا مع مُرَاعَاةِ
استعمالِ الأَئِمَّةِ المُتَقَدِّمِينَ. وهذا
مِن الأشياءِ المُشْكِلَةِ في كُتُبِ المصطلحِ أَنَّهُم يأخُذُونَ
الاستعمالَ الأغلبَ ويَجْعَلُونَهُ مُطَّرِدًا، أو الاستعمالَ الذي بهِ
يُمَيِّزُ بينَ المصطلحاتِ، فإذا جاءَ التطبيقُ العمليُّ كانَ على خلافِهِ،
واستخدامُ المُتَقَدِّمِينَ مِن جهةٍ أَسْهَلُ؛ لأَنَّهُ لا يُلْزِمُكَ
حِفْظَ هذهِ المصطلحاتِ، وإِنَّمَا يُلْزِمُكَ أَنْ تَعْرِفَ سياقَ كلامِ
الإمامِ، ماذا يريدُ بهذهِ الكلمةِ في هذا الموقعِ بالذاتِ؟ وقد ذَكَرَ الحافظُ الخلافَ
بينَ الأَئِمَّةِ في المُرْسَلِ حَسَبَ تَعْرِيفِهِ هو، ولكنَّ كلامَ
الأَئِمَّةِ السابقينَ وما في كُتُبِ الأصولِ مِن ذِكْرِ الاختلافِ بينَ
الأَئِمَّةِ في قَبُولِ المُرْسَلِ أو رَدِّهِ مُنْصَبٌّ على ما
اسْتَخْدَمَهُ المتقدِّمونَ، فالخلافُ في قَبُولِ المَرَاسِيلِ أو رَدِّهَا
مُطْلَقٌ، سواءً كانَ الإرسالُ: ما رَوَاهُ التابعيُّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو ما سَقَطَ منهُ شَخْصٌ قبلَ الصحابيِّ،فالمَالِكِيَّةُ عندَما يقولونَ: نَقْبَلُ المَرَاسِيلَ؛ فإنَّهُم يُريدونَ الإسنادَ الذي لم يَتَّصِلْ، وهكذا عندَ الأَحْنَافِ. - كذلكَ: الأَئِمَّةُ عندَما يَتَكَلَّمُونَ عن المَرَاسِيلِ ويُوازِنونَ بينها فإنَّهُم يُريدونَ بالمَرَاسِيلِ الاستعمالَ الأَعَمَّ، وهو: مَا
رَوَاهُ التابعيُّ أو مَن دُونَهُ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وما رَوَاهُ التابعيُّ عن الصحابيِّ وبينَهُمَا انقطاعٌ … وهكذا. - لو قال أَحَدُ الأَئِمَّةِ: إبراهيمُ النَّخَعِيُّ عن عليٍّ مُرْسَلٌ، ومُجَاهِدٌ عن عليٍّ مُرْسَلٌ، يقولُ الآخرُ: مُرْسَلُ مُجَاهِدٍ عن عليٍّ، أَحَبُّ إليَّ من إبراهيمَ عن عليٍّ، فهذا مُرْسَلٌ بينَ تَابِعِيٍّ وَصَحَابِيٍّ، مثالٌ ثانٍ: سفيانَ الثوريَّ عن إبراهيمَ النَّخَعيِّ، كلاهما تَابِعِيَّانِ، فَبَحَثَ الأَئِمَّةُ فيما يُرْسِلُهُ سفيانُ الثوريُّ عن إبراهيمَ النَّخَعِيِّ. إذًا: فَبَحْثُ الأَئِمَّةِ وكلامُهُم في المَرَاسِيلِ يكونُ بِمَعْنَاهُ العامِّ، لا بالمعنى الخاصِّ الذي ذَكَرَهُ الحافظُ، وهو الموجودُ في كُتُبِ الأصولِ والموجودُ أَيْضًا في كلامِ الأَئِمَّةِ ومُقَارَنَاتِهِمْ. (3) الإرسالُ الخَفِيُّ والتدلِيسُ: تَحَدَّثَ الحافظُ عن
نوعٍ آخَرَ مِن السقْطِ في الإسنادِ ليس بِحَسَبِ مكانِ السقْطِ في
الإسنادِ أو عدمِ الاتصالِ، وإنَّمَا بِحَسَبِ نوعِ ودرجةِ هذا الانقطاعِ. قَسَّمَ الحافظُ نوعَ السَّقْطِ في الإسنادِ قِسْمَيْنِ في الجملةِ: - سَقْطٌ جَلِيٌّ. - سَقْطٌ خَفِيٌّ. وقال:
إنَّ القِسْمَ الأولَ:عبارةٌ عن روايةِ الراوِي عن شخصٍ لم يُدْرِكْهُ، بمعنى لم يُدْرِكْ عَصْرَهُ، ولا حياتَهُ؛ بأنْ يكونَ وُلِدَ بعدَ وَفَاةِ مَن روَى عنه أو قريبًا من وفاتِهِ، وقال: إنَّ هذا النوعَ من الإرسالِ مَعْرِفَتُهُ مُشْتَركَةٌ، أي: يَعْرِفُهُ كُلُّ مَن قَرَأَ في كُتُبِ الرجالِ ولو لم يَكُنْ مِن الأَئِمَّةِ المُطَّلِعِينَ الذينَ وَصَفَهُم بالحُذَّاقِ.
وسببُ إدراكِ الجميعِ لهُ:
أَنَّهُ يُعْرَفُ مِن التاريخِ:
- فَبِمُجَرَّدِ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ هذا وُلِدَ سنةَ كذا.
- أو أَنَّهُ من الطبقةِ الفُلاَنِيَّةِ.
- وأنَّ شَيْخَهُ ماتَ سنةَ كذا.
- أو مِن الطبقةِ الفُلاَنِيَّةِ، تَعْرِفُ أنَّهُمَا لمْ يَلْتَقِيَا؛ فلهذا كانَ واضحًا جَلِيًّا.
وأَدْخَلَ الحافظُ مع الواضِحِ الجَلِيِّ نوعًا من الإرسالِ فقال: (أو أَدْرَكَهُ لكنَّهُمَا لم يَجْتَمِعَا)، فكونُهُمَا لم يَجْتَمِعَا لا يُعْرَفُ من الولادةِ والوفاةِ، كذا جَعَلَهُ الحافظُ، والذي يَظْهَرُ أَنَّ هذا النوعَ الأَلْيَقُ بهِ أَنْ يكونَ في السقطِ الخَفِيِّ، فإنَّ كونَ الرَّاوِيَيْنِ لم يَلْتَقِيَا وهما في عَصْرٍ واحدٍ إِنَّمَا يَطَّلِعُ عليهِ الأَئِمَّةُ الحُذَّاقُ مِن أَئِمَّةِ الحديثِ، وهم يَعرِفونَ هذا بِوَسَائِلِهِم، ومِن ذلكَ أَنْ يكونا في بَلَدَيْنِ مختلفَيْنِ، ولا يُعْرَفُ لهذا رِحْلَةٌ للبلدِ الثاني، أو العَكسُ، فُيُعْرَفُ أنَّهُمَا لم يَلْتَقِيَا، وقد سَمَّى الحافظُ هذا لاَحِقًا الإرسالَ الخَفِيَّ.
- وقولُ الحافِظِ: (وقدْ افْتَضَحَ أقوامٌ ادَّعَوا الروايةَ عن شيوخٍ ظَهَرَ بالتاريخِ كَذِبُ دَعْوَاهُمْ) هذا كثيرٌ، كما يقولُ الأَئِمَّةُ: بَيْنَنَا وبينَ الكذَّابِينَ التاريخُ، بأنْ يقولَ الكذَّابُ: سَمِعْتُ فلانًا يقولُ، وغالبُ الكذَّابِينَ لا يَعْرِفُونَ تواريخَ ولادةِ ووفاةِ الرُّوَاةِ، في حينِ يَعْرِفُهَا الأَئِمَّةُ المُحَدِّثونَ، فإذا سُئِلَ الكذَّابُ: مَتَى وُلِدْتَ أنتَ؟
فَيَذْكُرُ تاريخَ مَوْلِدِهِ، فيُعْرَفُ أَنَّ الشيخَ الذي رَوَى عنهُ ماتَ قبلَ ذلكَ التاريخِ فَيَتَّضِحُ كَذِبُهُ، ومَثَّلَ مُحَقِّقُ (النُّزْهَةِ)برَتَنٍ الهِنْدِيِّ، فهو مع جماعةٍ يُسَمِّيهِم الأَئِمَّةُ: مَن ادَّعَى التَّعْمِيرَ، يكونُ أحدُهم في القرنِ الثالثِ أو الرابعِ ويَدَّعِي أَنَّهُ صَحِبَ أَنَسًا مثلاً، أو مثلَ: رَتَنٍ هذا في القرنِ السادسِ وادَّعَى أَنَّهُ صَحِبَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا شاعَ بينَ طَلَبَةِ الحديثِ مِمَّنْ كانَ هَمُّهُ عُلُوَّ الإسنادِ وكثرةَ الشيوخِ، فَيَضْطَرُّ الأَئِمَّةُ إلى تَكْذِيبِ أمثالِ هؤلاءِ، وللذَّهَبِيِّ رسالةٌ اسمُهَا (كَسْرُ وَثَنِ رَتَنٍ)، وبعضُ الأَئِمَّةِ يقولُ: أَصْلُ وُجُودِ رتن مَشْكُوكٌ فيه وإِنَّمَا اخْتَلَقَهُ الرُّوَاةُ).
العناصر الخبر المردود أهمية دراسة (الخبر المردود) القسم الأول: المعلق تعريف (المعلق) مسألة: إذا اعتضد المرسل بمسند فأيهما المعتمد ؟ القسم الثالث: المعضل بيان معنى (المعضل) مثال (المعضل) القسم الرابع: المنقطع تعريف (المنقطع)
أقسام الخبر المردود باعتبار نوع الانقطاع في السند:
سبب تسمية (المعلق) بهذا الاسم
ذكر بعض صور (المعلق)
أقسام صيغ التعليق:
حكم القسم الأول: ما كان بصيغة الجزم
حكم القسم الثاني: ما كان بصيغة التمريض
حكم (المعلق):
المعلق من أقسام الحديث المردود
سبب كون (المعلّق) خبراً مردوداً
المعلقات في الصحيحين:
أول من أبرز التعليق وأكثر منه البخاري
الكلام على معلقات البخاري
في (صحيح البخاري) ألف وثلاثمائة حديثٍ معلَّقٍ
موضوع كتاب (تغليق التعليق) وصل ما علقه البخاري في صحيحه
عدد المعلقات في صحيح مسلم ثلاثة عشر حديثاً معلقاً، وصلها في مواضع أخر إلا حديثاً
مسائل:
الأصل في المعلق الضعف إلا إذا كان في كتاب التزم صاحبه فيه الصحة
هل يعتبر تعليق المصنف عن شيخه تدليساً
تنبيه: ليس كل معلق ضعيفاً
الفرق بين (المعضل) و(المعلق)
الحديث المعضل:
تعريف الحديث المعضل
المعلق والمعضل قد يفترقان وقد يجتمعان
القسم الثاني: المرسل
تعريف (المرسل)
سبب تسمية (المرسل) بهذا الاسم
صورة المرسل
أمثلة المرسل
سبب حذف الصحابي من الإسناد
سبب كون المرسل من أقسام الحديث المردود
سبب كثرة المراسيل
حكم (الحديث المرسل):
الإجماع على أن المرسل ليس بمنزلة المتصل
جمهور المحدثين أن الحديث لا يقبل إلا إذا كان متصل السند
القول بقبول المراسيل مطلقاً مخالف لما عليه الجمهور
مذهب الإمام أبي حنيفة في الاحتجاج بالمراسيل
قول ابن حجر في حكم مذهب الإمام أحمد في الاحتجاج بالمراسيل
شروط قبول (المرسل) عند الشافعي:
الشرط الأول: أن يكون المرسِل من كبار التابعين
ضابط في معرفة كبار التابعين وصغارهم
الشرط الثاني: أن يكون المرسِل لايروي إلا عن ثقة
الشرط الثالث: أن يكون المرسِل ثقةً في نفسه
الشرط الرابع: أن يوافق المرسَل مسند آخر متصل، أو مرسل من طريق آخر، أو يوافقه قول صحابي، أو فتيا أهل العلم
حكم مرسل التابعي الذي يرسل عن الثقات:
مذهب الجمهور التوقف في مرسل التابعي الذي يرسل عن الثقات
قول المالكيين والكوفيين: يقبل مرسل التابعي الذي يرسل عن الثقات
تعريف (المعضل) لغةً
تعريف (المعضل) اصطلاحاً
شروط (المعضل)
استخدام مصطلح (المعضل) نادر عند المحدثين
مثال المنقطع
مسألة: هل المنقطع قسيم للمعلق والمعضل
المنقطع أعم من المرسل والمعضل
استخدام مصطلح المنقطع والمرسل عند المتقدين كثير
استعمل المتقدمون مصطلح المنقطع والمرسل بمعنى واسع
أمثلة لاستخدام مصطلح المنقطع والمرسل عند المتقدمين
المفاضلة بين استعمال المتقدمين واصطلاح المتأخرين
أقسام السقط في الإسناد:
القسم الأول: السقط الواضح
بم يدرك السقط الواضح
الأمور التي يعرف بها عدم التقاء الرواة
فائدة معرفة مواليد الرواة ووفياتهم
القسم الثاني: السقط الخفي
أنواع السقط الخفي:
النوع الأول: المرسل الخفي:
تعريف المرسل الخفي
مثال المرسل الخفي
وجه تسمية المرسل الخفي بهذا الاسم
الأسئلة س1: بين أهمية دراسة الخبر المردود.
س2: عدد أقسام الخبر المردود باعتبار نوع الانقطاع في السند.
س3: اذكر أنواع صيغ التعليق.
س4: ما سبب كون المعلق خبراً مردوداً؟
س5: كم عدد المعلقات في صحيحي البخاري ومسلم؟
س6: هل يعتبر تعليق المصنف عن شيخه تدليساً؟
س7: عرف الحديث المعضل، وما سبب تسميته بذلك؟
س8: هل يجتمع الإعضال والتعليق؟
س9: عرف (المرسل) وما سبب تسميته بذلك.
س10: ما سبب كثرة المراسيل؟
س11: اذكر شروط قبول المرسل عند الشافعي.
س12: كيف يميز بين صغار التابعين وكبارهم؟
س13: عرف (المعضل) لغة واصطلاحاً.
س14: مثل للمعضل.
س15: اذكر شروط (المعضل).
س16: عرف المنقطع.
س17: هل المنقطع قسيم للمعلق والمعضل؟
س18: اذكر أنواع الإرسال.
شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: ( (1) الْمَردودُ: أي: الضعيفُ، ويكونُ ضَعْفُهُ بأحَدِ أَمرَيْنِ: 1- إمَّا بسَبَبِ انقطاعٍ في الإسنادِ. 2- أوْ يكونُ بسَببِ طَعْنٍ في الرَّاوِي. أوَّلاً: السَقْطُ في الإسنادِ: لهُ أنواعٌ: (2) 1- الْمُعَلَّقُ: الانقطاعُ مِنْ جِهةِ مُصَنِّفِ الكتابِ. تعريفُهُ: ما سَقَطَ مِنْ أوَّلِ إسنادِهِ راوٍ فأَكثرُ. مثالٌ: إذا قالَ البُخاريُّ: حدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قالَ: حدَّثَنا سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ قالَ: حدَّثَني يَحْيَى بنُ سعيدٍ الأَنصارِيُّ، عنْ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ التَّيْمِيِّ، عنْ عَلقمةَ بنِ وَقَّاصٍ الليثيِّ، عنْ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ...))فلوْ حَذَفَ البُخاريُّ الْحُمَيْدِيَّ فقالَ: عنْ سُفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فهذا يُعتَبَرُ مُعَلَّقاً. - وكذا لوْ قالَ الْمُصَنِّفُ: قالَ عمرُ بنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ:((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) فهذا يُعْتَبَرُ مُعَلَّقاً. - وكذا لوْ قالَ المصنِّفُ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) فهذا يُعْتَبَرُ مُعَلَّقاً. مسألةٌ: لوْ حَذَفَ المصنِّفُ شَيْخَهُ، وكان شيخُ شيخِهِ شَيْخاً للمُصَنِّفِ؛ فمَثَلاً: لوْ كانَ البُخاريُّ يَرْوِي عن الإمامِ أحمدَ أحاديثَ عَديدةً، لكنَّ حديثاً مِن الأحاديثِ ما سَمِعَهُ منهُ، وإنَّما سَمِعَهُ مِنْ أبي حاتمٍ الرازيِّ، فيُسْقِطُ أبا حاتمٍ ويقولُ: قالَ الإمامُ أحمدُ: حُدِّثْنَا عنْ فُلانٍ... فَهَلْ يُسَمَّى مُعَلَّقاً، أمْ يُسَمَّى مُدَلَّساً؟ الراجحُ: إذالم يكُنْ صاحبُ الكتابِ مُدَلِّساً؛ فهذا يُسَمَّى مُعَلَّقاً،والبُخاريُّ يُعَلِّقُ أحاديثَ بهذهِ الطريقةِ في صحيحِهِ. ولهذا حَصَلَ التنازُعُ في حديثِ: ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَّ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ))؛ لأنَّ البُخاريَّ قالَ: قالَ هشامُ بنُ عَمَّارٍ، وهشامُ بنُ عَمَّارٍ هوَ شَيْخُهُ، لكنَّهُ لمْ يَقُلْ: حدَّثَني هشامُ بنُ عَمَّارٍ، فابنُ حَزْمٍ قالَ: (وهذا الْحَدِيثُ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ البُخاريَّ لم يَذْكُر الْحَدِيثَ بالإسنادِ الْمُتَّصِلِ، وإنَّما علَّقَهُ عنْ شيخِهِ هِشامِ بنِ عمَّارٍ، ورُدَّ عليهِ بأنَّ البُخاريَّ غيرُ مُدَلِّسٍ). وقولُ البُخاريِّ: قالَ هِشامُ بنُ عَمَّارٍ، ليسَ معناهُ أنَّهُ لم يَسْمَعْهُ منهُ، وإنَّما استَعْمَلَ صِيغةَ (قالَ)؛
لأنَّهُ لم يَأْخُذِ الْحَدِيثَ عنهُ في مَجْلِسِ التحديثِ، وإنَّما
أخَذَهُ عنهُ في مَجالِ الْمُذاكَرَةِ إلى غيرِ ذلكَ مِن الرُّدودِ، معَ
أنَّ الْحَدِيثَ أخْرَجَهُ غيرُ البُخاريِّ بإسنادٍ صحيحٍ. وسببُ رَدِّ ابنِ حَزْمٍ للحديثِ، أنَّ البُخاريَّ يَستخدِمُ صِيغةَ (قالَ) في الْمُعَلَّقِ. 2- الْمُعْضَـل: هوَ ما سَقَطَ مِنْ سَنَدِهِ رَاوِيَانِ فأَكْثَرُ على التوالِي. والأكثَرُ أنَّ ذلكَ السَّقْطَ يكونُ في وَسَطِ السَّنَدِ. مُلاحظةٌ: قدْ يَشْتَرِكُ الْمُعَلَّقُ، والْمُعْضِلُ، والْمُعْضَلُ. مَثَلاً: لوْ قالَ البُخاريُّ في حديثِ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)): قالَ سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ؛ فهذا لا يُسَمَّى مُعْضَلاً؛ لأنَّ الساقِطَ راوٍ واحدٌ فقطْ؛ لكنْ لوْ قالَ البُخاريُّ: قالَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ؛ فهذا يُسَمَّى مُعَلَّقاً، ويُسَمَّى مُعْضَلاً؛ لأنَّهُ سَقَطَ مِنْ سَنَدِهِ أكثَرُ مِنْ واحدٍ، وكلُّهُم على التوالِي. - ولوْ قالَ البُخاريُّ: حَدَّثَني الْحُمَيْديُّ أنَّ عُمَرَ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ...))فهذا يُسَمَّى مُعْضِلاً فقطْ، لكنَّهُ ليسَ مُعَلَّقاً؛ لأنَّ شَيْخَ الْمُصَنِّفِ مَوجودٌ. (3) 3- الْحَدِيثُ الْمُرْسَلُ: هوَ عكْسُ الْمُعَلَّقِ، فبَدَلاً مِنْ أنْ يكونَ مِنْ جِهةِ صاحبِ الكتابِ يكونُ مِنْ جِهةِ الصَّحَابِيِّ. تعريفُ الْمُرْسَلِ: هوَ ما رَوَاهُ التابِعِيُّ وأضافَهُ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ. أوْ نقولُ: هوَ ما سَقَطَ مِنْ إسنادِهِ مَنْ بعْدَ التابِعِيِّ. مُلاحَظَةٌ هامَّةٌ: - هذا الساقِطُ يُحْتَمَلُ أنْ يكونَ صَحَابِيًّا فقطْ. - ويُحْتَمَلُ أنْ يكونَ الساقِطُ أكثَرَ مِنْ صَحَابِيٌٍّّ. - وقدْ يكونُ الساقِطُ صَحَابِيًّا وتابِعِيًّا. - ويُمْكِنُ أنْ يكونَ الساقِطُ أكثرَ مِنْ تابِعِيٍّ، وهذا التابِعِيُّ قدْ يكونُ ضَعيفاً، وقدْ يكونُ ثِقَةً، فإذا وَجَدْنَا التابعِيَّ ضَعيفاً صارَ الْحَدِيثُ ضَعيفاً. وإنْ كانَ التابِعِيُّ (ثِقةً) فيُمْكِنُ
أنْ يكونَ هذا التابِعِيُّ الثِّقَةُ أخَذَ الْحَدِيثَ عنْ تابِعِيٍّ
آخَرَ، والتابعِيُّ الآخَرُ يُمْكِنُ أنْ يكونَ ضَعِيفاً؛ فإنْ كانَ كذلكَ
فالْحَدِيثُ ضَعيفٌ، وإنْ كانَ ثِقَةً فيُمْكِنُ أنْ يكونَ أخَذَهُ مِنْ
تابِعِيٍّ آخَرَ، وهكذا. وأكثَرُ مَا وُجِدَ مِنْ رِوايَةِ بعْضِ التابعينَ عنْ بَعْضِ بَعْضٍ حديثِ حديثُ أبِي أيُّوبَ الأنصارِيِّ، هذا الْحَدِيثُ يَرويهِ مَنصورُ بنُ الْمُعْتَمِرِ، عنْ هِلالِ بنِ يَسَافٍ، عن الربيعِ بنِ خُثَيْمٍ، عنْ عمرِو بنِ مَيمونٍ، عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي لَيْلَى، عن امرأةٍ مِن الأنصارِ، عنْ أبِي أيُّوبَ الأنصاريِّ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟! فَإِنَّهُ مَنْ قَرَأَ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}فِي لَيْلَةٍ فَقَدْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ)). فأَبُو أيُّوبَ الأنصاريُّ صَحَابِيٌّ، ومنصورُ بنُ الْمُعْتَمِرِ هوَ مِنْ صِغارِ التابعينَ، وهلالٌ تابِعِيٌّ، والربيعُ وعمرٌو وعبدُ الرحمنِ تابِعِيُّونَ، والمرأةُ الأنصارِيَّةُ على هذا الاحتمالِ تابعِيَّةٌ، لكنَّ التِّرْمِذِيَّ نَصَّ وذَكَرَ أنَّ امرأةَ أبي أيُّوبَ صَحَابِيَّةٌ. قالَ النَّسَائِيُّ عنْ هذا الْحَدِيثِ: (هذا أَطْوَلُ إسنادٍ وُجِدَ في الدُّنيا). حتَّى الإمامُ أحمدُ الذي
يكونُ أَحياناً بينَهُ وبينَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ
ثلاثةُ رُواةٍ، صارَ في هذا الْحَدِيثِ بينَهُ وبينَ النبيِّ صَلَّى
اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ تِسعةُ رُواةٍ. ومِنْ عَجَبِهم بهذا الْحَدِيثِ ألَّفَ الْخَطيبُ البَغداديُّ رِسالةً بعُنوانِ (حديثُ الستَّةِ مِن التابعينَ)، أوْرَدَ جميعَ طُرُقِ هذا الْحَدِيثِ. حُكْمُ الْمُرْسَلِ: لأَجْلِ
هذهِ الْمَسألةِ - وهيَ أنْ يكونَ التابِعِيُّ قدْ يَرْوِي عنْ تابِعِيٍّ
آخَرَ - كانَ رأيُ جُمهورِ الْمُحَدِّثِينَ على أنَّ الْحَدِيثَ
الْمُرْسَلَ حديثٌ ضعيفٌ؛ لأنَّهُ فقَدَ شرْطاً مِنْ شُروطِ صِحَّةِ
السنَدِ، وهوَ شَرْطُ الاِتِّصَالِ. بعضُ الذينَ قَبِلُوا الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ قالُوا: لا؛ لأنَّ هناكَ إحتمالاً قويًّا جدًّا أنْ يكونَ هذا الساقِطُ صَحَابِيًّا. قالُوا: لوْ
كُنَّا وَثِقْنَا أنَّ هذا الساقِطَ صحابِيٌّ لقَبِلْنَا الْحَدِيثَ؛
لأنَّ الصحابةَ كلَّهُم عُدولٌ؛ لكنَّنا نَتَوَقَّفُ؛ لأنَّ الساقِطَ
يُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ تَابِعيًّا، والتابِعِيُّونَ فيهم ثِقاتٌ، وفيهم
ضُعَفَاءُ؛ لأَجْلِ هذا الاحتمالِ رَدَدْنَا الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ. اختلافُ العُلماءِ في الْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ: وقد اخْتَلَفَ العُلماءُ إلى ثلاثةِ أقوالٍ: 1- جُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ قالُوا: الْحَدِيثُ الْمُرْسَلُ حديثٌ ضَعيفٌ، وهذا الرأيُ لبَعضِ الفُقهاءِ الأُصُولِيِّينَ. 2- أبو حَنيفةَ، ومالِكٌ، ورِوايَةٌ عنْ أحمدَ، قَبِلُوا الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ بشَرْطِ أنْ يكونَ المُرْسِلُ مِمَّنْ لا يَرْوِي إلاَّ عنْ ثِقَةٍ، وهذا هوَ الْمَذْهَبُ الْمُتَسَاهِلُ. 3- مَذْهَبُ الشافعيِّ -
ويُعْتَبَرُ وَسَطاً بينَ الْمَذْهَبَيْنِ السابِقَيْنِ- فقالَ:
الْحَدِيثُ المُرْسَلُ عِندي مَردودٌ إلاَّ بشَرْطٍ مِنْ هذهِ الشُّروطِ
التاليَةِ: أ- شرْطٌ في الْمُرْسِلِ - الرَّاوِي - : أنْ يكونَ مِنْ كِبارِ التابعينَ، مِثْلَ: سعيدِ بنِ الْمُسَيِّبِ، فلوْ جاءَ عنْ صِغارِ التابعينَ مِثلِ: قَتادةَ، أو الزُّهْرِيِّ، فالشافعيُّ لا يَقْبَلُهُ. ب- في الْمُرْسَلِ الْمُرْسِلِ أيضاً: أنْ لا يَرْوِيَ إلاَّ عنْ ثِقَةٍ، فلوْ تَبَيَّنَ أنَّ بعضَ شُيُوخَهُ شُيُوخِهِ ضُعفاءُ، فالشافعيُّ يَرُدُّ حديثَ ذلكَ الذي أَرْسَلَ. ج_
في الْمُرْسَلِ الْمُرْسِلِ أيضاً: أنْ يكونَ هوَ ثِقَةً في نَفْسِهِ؛
بحيثُ إذا شارَكَ الثِّقاتَ الثِّقاتِ الْمَأْمُونِينَ لم يُخَالِفْهُم. لكنْ لو اكْتَمَلَتْ هذهِ الشُّروطُ الثلاثةُ في روايَةِ الْمُرْسِلِ فهذا لا يَكْفِي؛ بلْ لا بُدَّ أنْ يُضَمَّ إليها شُروطٌ. مِنْ أحَدِ هذهِ الشُّرُوطِ في الْمَتْنِ الْمَرْوِيِّ، يعني الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ. وهذهِ الشُّروطُ هيَ: 1- أنْ يَرِدَ هذا الْحَدِيثُ مَوْصُولاً مِنْ طريقٍ آخَرَ، ولوْ كانَ ضَعيفاً. 2- أوْ يَرِدَ مُرْسَلاً لكنْ مِنْ غيرِ طريقِ مَنْ أَرْسَلَهُ، وبشرْطِ أنْ يكونَ الْمُرْسِلُ الثاني أَخَذَ عنْ غيرِ شيوخِ الْمُرْسِلِ الأَوَّلِ. مثلاً: لوْ قالَ سعيدُ بنُ الْمُسَيِّبِ، وهوَ تابِعِيٌّ: (نَهَى رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ عنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِأَصْلِهِ)، ثمَّ جاءَ هذا الْحَدِيثُ مِنْ طريقِ تابِعِيٍّ آخَرَ، وَلْيَكُنْ أَبَا عُثمانَ النَّهْدِيَّ، فيُمْكِنُ قَبولُهُ بشَرْطِ: أنْ تَنْظُرَ إلى شُيوخِ أبي عُثمانَ النَّهْدِيِّ، هلْ فيهم أحَدٌ أَخَذَ عنهم سعيدُ بنُ الْمُسَيِّبِ؟ فإذا نَظَرْتَ ووَجَدْتَ أنَّ هناكَ قيْسَ بنَ أبي حازِمٍ، روَى عنهُ سعيدُ بنُ الْمُسَيِّبِ، وأبو عُثمانَ النَّهْدِيُّ؛ فالشافعيُّ لا يَقْبَلُهُ لاحتمالِ أنْ يكونَ سعيدُ بنُ الْمُسَيِّبِ، وأبو عثمانَ النَّهْدِيُّ، قدْ رَوَيَا هذا الْحَدِيثَ عنْ قَيْسِ ابنِ أبي حازِمٍ؛ وبالتالِي نحنُ لا نَعْرِفُ هلْ أَخَذَ قَيْسُ بنُ أبي حازِمٍ هذا الْحَدِيثَ عنْ صَحَابِيٍّ، أوْ أَخَذَهُ عنْ تابِعِيٍّ آخَرَ؟ وقدْ يكونُ التابِعِيُّ الآخَرُ ضَعيفاً. لكنْ لوْ جاءَ مِنْ طريقِ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، ونَظَرْتُ ونَظَرْتَ فإذا شُيوخُ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ لم
يَأْخُذْ عنهم سعيدُ بنُ الْمُسَيِّبِ؛ فهنا يُمْكِنُ أنْ أَضُمَّ
الْحَدِيثَيْنِ إلى بعضِهما؛ فيَصِيرَ الْحَدِيثُ مَقبولاً،؛ أيْ: يُعْمَلُ
بهِ. وبتَقَاسِيمِ الْمُتَأَخِّرِينَ يُصْبِحُ الْحَدِيثُ الحسَنَ لغيرِهِ. 3- لوْ لم يَرِدْ مَوْصُولاً أوْ مُرْسَلاً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فلا بَأْسَ أنْ يُعَضِّدَهُ قولُ صحابيٍّ. مثلاً: حديثٌ يَرويهِ سعيدُ بنُ الْمُسَيِّبِ:
(أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ نَهَى عنْ بَيْعِ الحيوانِ
أو اللَّحْمِ بأَصْلِهِ)، وُجِدَ أنَّ هذا الْحَدِيثَ عَمِلَ بهِ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ؛ فصارَ هذا الْحَدِيثُ مَقبولاً عندَ الشَّافِعِيِّ. 4- لوْ لمْ يُوجَدْ مَوصولاً، ولا مُرْسَلاً مِنْ وجهٍ آخَرَ، ولم يُعَضِّدْهُ قولُ صَحَابِيٍّ، فيُمْكنُ أنْ نَتَنَزَّلِ إلى شرْطٍ آخَرَ، وهوَ أنْ يكونَ عليهِ عَمَلُ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ، وهذا مِن الشروطِ الضعيفةِ في مَذْهَبِ الشافعيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. الرَّاجِحُ: قولُ الشافعيِّ معَ التَّحَفُّظِ على الشرْطِ الرابعِ (الأخيرِ). فَـائـدةٌ: إذا
سَقَطَ فِي الْحَدِيثِ بينَ التابِعِيِّ والنبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ
وسَلَّمَ اثنانِ أوْ أكثَرُ، وهم على التوالِي، فهذا الْحَدِيثُ يُسَمَّى مُرْسَلاً، أوْ مُعْضَلاً، والأَوْلَى أنْ يُقالَ: مُعْضَلٌ. مسألةٌ: لماذا يُرْسِلُونَ الْحَدِيثَ؟ أوْ لماذا لا يَذْكُرُونَ الْحَدِيثَ بإسنادِهِ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ؟ إمَّا
أنْ يكونَ الواحدُ منهم أخَذَ الْحَدِيثَ بِناءً على أَمْرٍ ما اشْتَهَرَ
في وَقْتِهِ، فهوَ يَعْرِفُ أنَّ هذا حديثٌ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ
علَيْهِ وسَلَّمَ، لكنْ لا يَعْرِفُ مَنْ رَواهُ، ولا يَعرِفُ إِسنادَهُ،
ولا يَذْكُرُ مَنْ حَدَّثَهُ بهِ؛ لأَجْلِ هذا تَوَقَّفَ العُلماءُ في
قَبولِ الْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ. وتَوَقَّفُوا
كَذَلِكَ لأَجْلِ أمْرٍ آخَرَ، وهوَ أنْ يكونَ فِعلاً يَذْكُرُ مَنْ
حَدَّثَهُ، لكن الذي حَدَّثَهُ إمَّا ضَعيفٌ، أوْ نَقَلَهُ عنهُ راوٍ
ضَعيفٌ، وبهذهِ الصُّورةِ قدْ يقولُ قائلٌ: لِمَاذَا لا يَذْكُرُ
الْحَدِيثَ بكَامِلِهِ؟ والجوابُ
على هذا: أنَّهُ قدْ يَدْفَعُهم إلى هذا بعضُ الأُمورِ؛ فأحياناً لا يكونُ
الواحدُ منهم ذَكَرَ الْحَدِيثَ على سبيلِ الرِّوايَةِ عن النبيِّ صَلَّى
اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ، وإنَّما ذَكَرَهُ على سبيلِ الوَعْظِ أو الْمُنَاقَشَةِ العِلْمِيَّةِ. (1) 4- الْمُنْقَطِعُ: والفَرْقُ بينَ الْمُعْضَلِ والْمُنْقَطِعِ: عدَمُ التَّوَالِي فقطْ. تعريفُ الْحَدِيثِ الْمُنْقَطِعِ: ما سَقَطَ مِنْ وَسَطِ إسنادِهِ راوٍ أوْ أَكْثَرُ، لكنْ لا على التوالِي. ومِنْ أنواعِ الانقطاعِ: -
إذا رَوَى التابِعِيُّ حَديثاً مِن الأحاديثِ عنْ صحابِيٍّ مُعَيَّنٍ،
ولكنَّ هذا التابِعِيَّ لم يَلْقَ الصَّحَابِيَّ، ولم يَسْمَعْ منهُ، وقدْ
يكونُ فيهِ انقطاعٌ بَيْنَ التابِعِيِّ والصحابِيِّ؛ فهذا مِنْ أنواعِ
الانقطاعِ، ولكنْ جَرَى تعبيرُ العُلماءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وكثيرٍ مِن
الْمُتَأَخِّرِينَ على أنَّ هذا مُرْسَلٌ. وتَجِدُ أنَّهُم حينَما يَذْكُرُونَ هذا التابِعِيَّ يقولونَ: رَوَى عنْ فُلانٍ وفُلانٍ، وأَرْسَلَ عنْ فُلانٍ وفُلانٍ. فمَثَلاً: يَأْتُونَ إلى أبي إسحاقَ السَّبِيعِيِّ، ويقولونَ: أبو إسحاقَ السَّبِيعِيُّ، عن ابنِ مسعودٍ مُرْسَلٌ؛ لأنَّهُ لم يُدْرِكِ ابنَ مَسعودٍ. مَسألةٌ: كيفَ نَعْرِفُ الْحَدِيثَ الْمُنْقَطِعَ؟ (2) أَقُولُ: هذا هوَ الذي أشارَ إليهِ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ حينَما قالَ: (ثمَّ قدْ يكونُ واضحاً أوْ خَفِيًّا)، فالانقطاعُ يكونُ أَحْيَاناً واضحاً، وأَحْيَاناً يكونُ خَفِيًّا. فالانقطاعُ حينَما يكونُ جلِيًّا يُدْرِكُهُ كلُّ أَحَدٍ. والسَّقْطُ
الواضحُ يُدْرَكُ بعَدَمِ التَّلاقِي بينَ الراوي وشيخِهِ بكونِهِ لم
يُدْرِكْ عَصْرَهُ، أوْ أَدْرَكَ جُزْءاً مِنْ حياةِ الراوي؛ فهذا ما
يُعَبَّرُ عنهُ بالسَّقْطِ الْخَفِيِّ، ولا يُدْرِكُهُ كلُّ أَحَدٍ،
وإنَّما يُدْرِكُهُ فَطَاحِلَةُ العُلماءِ. أنـواعُ السَّقْطِ الْخَفِيِّ: 1- الْمُدَلَّسُ. 2- الْمُرْسَلُ الْخَفِيُّ. 1 - الْمُدَلَّسُ: هوَ مِنْ أعْسَرِ أنواعِ الْحَدِيثِ، وهوَ مِن السَّقْطِ الْخَفِيِّ. مَوْقِفُ العُلماءِ مِن الْمُدَلِّسِ: للعُلماءِ فيمَنْ يُدَلِّسُ مَوْقِفٌ، قالَ الشافعيُّ: (مَنْ دَلَّسَ لنا مَرَّةً فقدْ أَبَانَ لنا عَوْرَتَهُ). أيْ:
أنَّهُم إذا ضَبَطُوا على رَاوٍ مِن الرُّواةِ أنَّهُ أَسْقَطَ - ولوْ
مَرَّةً واحدةً - مَا بَيْنَهُ وبينَ شَيْخِهِ راوٍ؛ فيقولونَ: هذا الراوي
يُدَلِّسُ، فإذا صَرَّحَ بسَمَاعِهِ مِنْ شيخِهِ كأنْ قالَ: حَدَّثَنِي، أوْ سَمِعْتُ فُلاناً، أوْ أَخْبَرَنِي، أوْ
نَحْوَها مِن العِباراتِ التي لا تَحْتَمِلُ الشكَّ، فإنَّهُم يَقْبَلُونَ
حديثَهُ إذا كانَ ثِقَةً، وإنْ كانَ غيرَ ثِقَةٍ فهذا مَردودٌ مِن
الأَصْلِ. وإنْ جاءَ بعِبَارَةٍ مُوهِمَةٍ تَحْتَمِلُ أنَّهُ سَمِعَ مِنْ شَيْخِهِ الْحَدِيثَ، وتَحْتَمِلُ أنَّهُ لم يَسْمَعْهُ منهُ، مثلُ: أنْ
يَقولَ: عنْ فُلانٍ، أوْ قالَ فُلانٌ، أوْ أنَّ فُلاناً قالَ؛ فيَقولونَ:
نحنُ نَتَوَقَّفُ عنْ قَبولِ حديثِ الراوي؛ لأنَّ شَرْطاً مِنْ شُروطِ
صِحَّةِ الإسنادِ لم يَتَحَقَّقْ، أَلا وهوَ اتِّصَالُ السنَدِ؛ لأنَّ أحاديثَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ مَبْنِيَّةٌ على الْحَيْطَةِ. - ويُقْبَلُ حَدِيثُهُ بشَرْطِ: أنْ
يُصَرِّحَ بالتحديثِ عنْ شيخِهِ، أوْ تَأْتِيَنَا قَرينةٌ أُخْرَى تُفيدُ
أنَّ هذا الْحَدِيثَ مِن الأحاديثِ التي يُمْكِنُ أنْ تُقْبَلَ مِنْ هذا
الراوِي. مِثالُ ذلكَ:سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ ضُبِطَ عليهِ أنَّهُ دَلَّسَ، لكنْ لَمَّا حَقَّقُوا في طَريقةِ تَدليسِهِ قالُوا: إنَّهُ لا يُدَلِّسُ إلاَّ عنْ ثِقَةٍ، وهذا لا يُعْرَفُ لأَحَدٍ في الدُّنيا إلاَّ لسُفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ. قالُوا: إنَّهُ قالَ عن الزُّهْرِيِّ، والزُّهْرِيُّ شَيْخُهُ، وسَمِعَ منهُ سُفيانُ كثيراً مِن الأحاديثِ؛ فحِينَمَا قالَ: عن الزُّهْرِيِّ، كانَ العُلماءُ في ذلكَ الزمانِ عندَهم حَساسِيَةٌ مِنْ عَدَمِ التصريحِ بالتحديثِ؛ فلِمَاذَا لم يَقُلْ: حدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، فسَأَلُوهُ فقالُوا لهُ: سَمِعْتَهُ مِن الزُّهْرِيِّ؟ فسَكَتَ، ثمَّ أَعَادُوا مَرَّةً ثانيَةً، فقالَ: عن الزُّهْرِيِّ، فهُنا
أَلَحُّوا في السؤالِ وأَعادُوهُ عليهِ مَرَّةً ثانيَةً، وسَكَتَ كما
سَكَتَ في الأُولَى، وأَعَادَ فأَعَادُوا عليهِ السُّؤالَ، فحينَما رَآهُمْ
يُلِحُّونَ عليهِ قالَ: لا (أيْ: لم أَسْمَعْهُ مِن الزُّهْرِيِّ)، ولكنْ حدَّثَنِي عبدُ الرَّزَّاقِ، عنْ مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِيِّ. فأصبَحَ بينَهُ وبينَ شيخِهِ اثنانِ، فعَبْدُ الرزَّاقِ تِلميذُهُ،
لكنَّهُ حينَما لم يَسْمَعْ هذا الْحَدِيثَ مِنْ شَيْخِهِ اضْطَرَّ
للنُّزُولِ (أنْ يَأخُذَ مِنْ تِلميذِهِ)، فكأنَّهُ لِثِقَتِهِ بتِلميذِهِ
وشيخِ تِلميذِهِ، وهوَ مَعْمَرٌ، قالَ: هذانِ ثِقتانِ، وما دُمْتُ سَمِعْتُ مِن الزُّهْرِيِّ، وأنا مُتَأَكِّدٌ أنَّهُ صَحيحٌ إلى الزُّهْرِيِّ، وأنَّ الزُّهْرِيَّ قدْ قالَ هذا؛ فلا حَرَجَ أنْ أُسْقِطَ الوَاسِطَةَ بينِي وبينَهُ، وأَرْوِيَ هذا الْحَدِيثَ عنهُ. فسُفيانُ لا يُدَلِّسُ إلاَّ عنْ ثِقَةٍ، وذلكَ مِثْلُ: تدليسِهِ يُحْتَمَلُ، فإذا جاءَ الْحَدِيثُ مِنْ طريقِهِ بصِيغةِ: عنْ شيخِهِ، فإنَّ هذا بمعنى حدَّثَنِي، أوْ سَمِعْتُ، أوْ أَخْبَرَنِي، حتَّى ولوْ أَسْقَطَ أحداً بينَهُ وبينَ شيخِهِ فإنَّهُ لا يُسْقِطُ إلاَّ رَاوياً ثِقَةً. والذي دَفَعَهم إلى ذلكَ أنَّهُم قالُوا: إنَّ تَدليسَ سُفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ قليلٌ جِدًّا. فلوْ
رَدَدْنَا أحاديثَهُ لرَدَدْنَا جُزءاً كَبيراً مِنْ صحيحِ سُنَّةِ
النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ، وهذا فيهِ مَفْسَدَةٌ كبيرةٌ،
إلاَّ أنَّ هذا الحُكْمَ لا يَجْرِي لِغَيْرِ سُفيانَ، بلْ يُتَحَفَّظُ عليهِ).