الدروس
course cover
المتروك والمنكر والمعلل
25 Oct 2008
25 Oct 2008

7144

0

0

course cover
شرح نخبة الفكر

القسم الثالث

المتروك والمنكر والمعلل
25 Oct 2008
25 Oct 2008

25 Oct 2008

7144

0

0


0

0

0

0

0

المتروك والمنكر والمعلل

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (والثَّانِي:المَتْرُوكُ.

والثَّالِثُ:المُنْكَرُ عَلَى رَأْيٍ.

وَكَذَا الرَّابِعُ وَالخَامِسُ.

ثُمَّ الوَهَمُ إِن اطُّلِعَ عَلَيْهِ بِالقَرَائِنِ وَجَمْعِ الطُّرُقِ: فَالْمُعَلَّلُ).

هيئة الإشراف

#2

29 Oct 2008

نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (وَ) الْقِسْمُ (الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ المَرْدُودِ وهو ما يكونُ بسببِ تُهْمَةِ الرَّاوي بالكَذِبِ هو (المَتْرُوكُ، وَالثَّالِثُ: المُنْكَرُ عَلَى رَأيِ) مَن لا يَشْتَرِطُ في الْمُنْكَرِ قيْدَ الْمُخَالَفَةِ (وَكَذَا الرَّابِعُ وَالخَامِسُ) فمِنْ فَحُشَ غَلَطُهُ، أو كَثُرَتْ غفْلَتُهُ، أو ظَهَرَ فِسْقُهُ؛ فحَدِيثُهُ مُنْكَرٌ.

(2) (ثُمَّ الوَهْمُ)

وهو الْقِسْمُ السَّادِسُ وَإِنَّمَا أُفْصِحَ به لطولِ الفَصْلِ (إِن اطُّلِعَ عَلَيْهِ) أي: عَلَى الوَهْمِ (بِالقَرَائِنِ) الدَّالَّةِ على وَهْمِ راويه:

-مِنْ وَصْلِ مُرْسَلٍ.

-أو مُنْقَطِعٍ.

-أو إِدْخَالِ حَدِيثٍ في حَدِيثٍ، أو نحوِ ذَلِكَ من الأشياءِ القَادِحَةِ، وتَحْصُلُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بكثْرَةِ التّتَبُّعِ، (وَجَمْعِ الطُّرُقِ: فَـ) هَذَا هو (الْمُعَلَّلُ) وهو مِن أغْمَضِ أنواعِ عُلُومِ الحَدِيثِ وَأَدَقِّهَا ولا يَقُومُ به إلاَّ مَن رَزَقَهُ اللهُ تعالى فَهْمًا ثَاقِبًا وحِفظًا واسِعًا، ومَعْرِفَةً تامَّةً بمراتبِ الرُّواةِ، ومَلَكَةً قَوِيَّةً بالأَسَانِيدِ وَالْمُتُونِ، ولِهَذَا لم يَتَكَلَّمْ فيه إلاَّ الْقَلِيلُ من أهلِ هَذَا الشَّأْنِ كعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وأحمدَ بْنِ حنبلٍ، والْبُخَارِيِّ، ويَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ، وأَبِي حَاتِمٍ، وأَبِي زُرْعَةَ، والدَّرَاقُطْنِيِّ، وقد تَقْصُرُ عِبَارَةُ المُعَلِّلِ عَن إِقَامَةِ الحُجَّةِ على دَعْوَاهُ كالصَّيْرَفِيِّ، في نَقْدِ الدِينَارِ والدِّرْهَمِ).

هيئة الإشراف

#3

29 Oct 2008

نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم

قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (الحديثُ المتروكُ:

ذَكَرَ الحافظُ النوعَ الثانيَ مِن أنواعِ المردودِ بسببِ طعْنٍ في الراوِي، وهو ما يكونُ بسببِ تُهْمَةِ الراوي بالكَذِبِ على النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ:

(1) (والقِسْمُ الثاني مِن أقسامِ المردودِ، وهو مَا يكونُ بسببِ تُهْمَةِ الرَّاوِي بالكَذِبِ هو المَتْرُوكُ).

والراوي يُتَّهَمُ بالكَذِبِ إذا كانَ يَكْذِبُ في غيرِ الحديثِ النبويِّ، أو لا يُرْوَى ذلكَ الحديثُ إلا مِن جِهَتِهِ، ويكونُ مُخَالِفًا للقواعدِ المعلومةِ، وأكثرُ مَن يُتَّهَمُ بالكَذِبِ هم رُوَاةٌ لا يكونونَ مشهورينَ بالروايةِ فيأتي أَحَدُهُم بأحاديثَ أسانيدُهَا مِن أَصَحِّ الصحيحِ أو صحيحةٌ فقطْ، وكثيرًا ما يُعَبِّرُ الذَّهَبِيُّ عن هذا في تَرَاجِمِ رجالِهِ في (الميزانِ) بقولِهِ: (أَتَى بحديثٍ كَذِبٍ - أو باطلٍ - بإسنادٍ نظيفٍ، أي: نظيفٍ إلاَّ هذا الرجلَ فَتَتَّجِهُ التُّهْمَةُ إليهِ)، ويقولُ الخطيبُ في (تاريخِ بغدادَ) مثلاً: الحملُ فيهِ على فلانٍ فإنَّهُ مجهولٌ، وبقيةُ الرُّوَاةِ ثقاتٌ، فهذا يُتَّهَمُ بالكَذِبِ ولا تَصِلُ درجتُهُ إلى أَنْ يُقالَ فيهِ: كَذَّابٌ أو وَضَّاعٌ.

وقد سَمَّى الحافظُ حديثَ المُتَّهَمِ بالكَذِبِ متروكًا، ووَصفُ الأحاديثِ بهذا - بأنْ يُقَالَ: هذا الحديثُ متروكٌ - قليلٌ جِدًّا إنْ لمْ يَكُنْ معدومًا في كلامِ الأَئِمَّةِ بالمعنى الذي يُرِيدُهُ ابنُ حَجَرٍ.

وإِنَّمَا تُطْلَقُ كلمةُ (متروكٍ) على: الرُّوَاةِ بأنْ يُقَالَ: هذا الراوي متروكُ الحديثِ، وهذا كثيرٌ.

- وتُطْلَقُ أيضًا على: تَرْكِ العملِ بالحديثِ، وفرقٌ بينَ تَرْكِ الحديثِ بالمعنى الذي يُرِيدُهُ الحافظُ وبينَ تَرْكِ العملِ بالحديثِ؛ إذ الأخيرُ يعني: أَنَّ الحديثَ مِن جِهَةِ الإسنادِ صحيحٌ ولكنْ تُرِكَ العملُ بهِ، وهذا غيرُ الذي يُرِيدُهُ الحافظُ، وقد ذَكَرَ النوعَ الثاني التِّرْمِذِيُّ، في (العِلَلِ)، قال: ليس في كتابي حديثٌ تُرِكَ العملُ بهِ إلا حَدِيثَيْنِ، وزادَ عليهِ ابنُ رجبٍ في شَرْحِ (العِلَلِ) أحاديثَ كثيرةً مِمَّا قيلَ فيهِ: إنَّهُ قد تُرِكَ العملُ بهِ، وإنْ كانَ هذا القولُ قد يكونُ مُتَعَقَّبًا.

وإذا قُلْنَا: إنَّهُ قَلَّ ما يُطْلَقُ على هذا النوعِ مِن الحديثِ (المتروكِ)؛ فإنَّهُ رُبَّمَا يُطْلَقُ عليهِ (الموضوعُ) ولاَ سِيَّمَا إذا قامتْ قرينةٌ، ورُبَّمَا قِيلَ فيهِ: (شَبِيهٌ بالموضوعِ)، أو حديثٌ وَاهٍ أو حديثٌ ساقطٌ، أو باطلٌ، أو نحوَ هذه العباراتِ التي تَدُلُّ على شِدَّةِ وَهَائِهِ.

الحديثُ المُنْكَرُ:

هذا هو النوعُ الثالثُ مِن أنواعِ المردودِ بسببِ طعْنٍ في الراوِي، وَذَكَرَ الحافظُ أنَّ لهُ ثلاثةَ أسبابٍ فَقَالَ:

(2) (والثالِثُ: المُنْكَرُ على رأيِ مَن لا يَشْتَرِطُ في المُنْكَرِ قيدَ المُخَالَفَةِ، وكذا الرابعُ والخامِسُ، فمَنْ فَحُشَ غَلَطُهُ، أو كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ، أو ظَهَرَ فِسْقُهُ فَحَدِيثُهُ مُنْكَرٌ):

وقد تَقَدَّمَتْ بَعْضُ مباحثِ المُنْكَرِ، وأنَّ الحافظَ اختارَ هناكَ تعريفَهُ بزيادةِ قيدِ المُخَالَفَةِ لِمَن ذَكَرَهُم هنا، فلذا قال هنا؛ على رَأْيِ مَن لا يَشْتَرِطُ في المُنْكَرِ قيدَ المخالفةِ، ومَرَّ أيضًا أَنَّ حديثَ الصدوقِ، أو الثقةِ إذا لاَحَ خَطَؤُهُ قد يُسَمَّى مُنْكَرًا.

وأنَّ بعضَ الأَئِمَّةِ يَتَشَدَّدُ، فُكُلُّ ما تَفَرَّدَ بهِ راوٍ يُسَمِّيهِ مُنْكَرًا، لكنْ قد يَمُرُّ بكَ حديثُ مَن فَحُشَ غَلَطُهُ مثلَ: عَبَّادِ بنِ كثيرٍ وقد سَمَّوهُ باطلاً، أو شَبِيهًا بالموضوعِ، أو لا أَصْلَ لَهُ، وهذا لا مُشَاحَّةَ فيهِ، فإنَّها أوصافٌ كُلُّهَا تُنْبِئُ عن الضعفِ الشديدِ، ونقولُ أكثرَ مِن مَرَّةٍ: إنَّ الأَئِمَّةَ لا يَهْتَمُّونَ بتحديدِ المصطلحاتِ وإِنَّمَا بما يُؤَدِّي المعنى المرادَ، ويُبَادِلُونَ كثيرًا بينَ المصطلحاتِ.

(3) الحديثُ المُعَلَّلُ:

النوعُ الرابعُ مِن أنواعِ المردودِ بسببِ طعْنٍ في الراوي هو الْمُعَلَّلُ.

ظاهرٌ مِن كلامِ الحافظِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الحديثَ المُعَلَّلَ يَخْتَصُّ بأحاديثِ الثقاتِ، فهو الذي يُحْتَاجُ إلى ما ذَكَرَهُ من كَشْفِهِ بجمعِ الطُّرُقِ، وهو الذي يَخْتَصُّ بهِ حُذَّاقُ الأَئِمَّةِ، ولا يُلْتَفَتُ إلى ما قيلَ غيرُ هذا في تعريفِهِ.

وقالَ الحافظُ: (إنَّ هذا النوعَ يَحْصُلُ بِجَمْعِ الطُّرُقِ وتَتَبُّعِهَا ومقارنةِ بعضِها ببعضٍ، وهذا يقومُ بهِ كبارُ أَئِمَّةِ هذا الشأنِ، كابنِ المَدِينِيِّ، وأحمدَ، والبخاريِّ، وأبي حاتمٍ، وأبي زُرْعَةَ، والدَّارَقُطْنِيِّ، والواقعُ في الوَهْمِ هم الرُّوَاةُ الثقاتُ).

إذًا فالحديثُ المُعَلَّلُ هو: حديثٌ إسنادُهُ ظاهرُهُ الصِّحَّةُ اطُّلِعَ عليهِ بعدَ التفتيشِ على عِلَّةٍ قَادِحَةٍ.

والعِلَّةُ القَادِحَةُ:

- قد تكونُ وَصْلَ مُرْسَلٍ.

-أو وَصْلَ مُنْقَطِعٍ.

-أو دخولَ حديثٍ في حديثٍ.

-أو رَفْعَ مَوْقُوفٍ، أو غيرَ ذلكَ.

مَرَّ بنا أَنَّ الحافظَ اختارَ في تعريفِ الشاذِّ: أَنَّهُ مُخَالَفَةُ الثقةِ لِمَنْ هو أَوْثَقُ منهُ، وتُعْرَفُ هذهِ المخالفةُ بِجَمْعِ الطُّرُقِ، وهذه المخالفةُ قد تكونُ وَصْلَ مُرْسَلٍ، أو رَفْعَ موقوفٍ، أو غيرَ ذلكَ.

ثم قال الحافِظُ: إنَّ المُعَلِّلَ الذي هو الإمامُ يُرَجِّحُ أَنَّ هذا الإسنادَ مُعَلَّلٌ وخطأٌ؛ لكنْ لا يَقِفُ على الحُجَّةِ بأَنَّهُ خالفَ الثقاتِ، فهذا أيضًا قد يُسَمَّى المُعَلَّلَ، وقد تَقَدَّمَ في مبحثِ الشاذِّ أَنَّهُ يُطْلَقُ أيضًا على الإسنادِ الذي يكونُ رواتُهُ ثقاتٍ لكنْ يُرَجِّحُ الإمامُ أَنَّ فيه خطأً بدونِ دليلٍ ماديٍّ يُقِيمُهُ.

إذًا فَقِسْمَا المُعَلَّلِ هذانِ قد يُطْلَقُ عَليهِمَا أيضًا الشُّذُوذُ، والحافظُ في (النُّكَتِ) نَصَّ على أَنَّ المُعَلَّلَ والشاذَّ متشابهانِ جِدًّا ومُتَدَاخِلاَنِ.

يَبْقَى عندَنا أنَّنَا إذا أَخَذْنَا بعضَ كُتُبِ العِلَلِ كـ (عِلَلِ ابنِ أبي حاتمٍ) فهلْ كُلُّ الأحاديثِ التي فيها بهذا المعنى، أي: أَنَّ ظاهرَهَا الصِّحَّةُ واطُّلِعَ بعدَ التفتيشِ على قادِحٍ؟

لا، فهناكَ في كُتُبِ العِلَلِ يَتَوَسَّعُونَ في معنى العِلَّةِ، فهي عندَهم كُلُّ ما يُقْدَحُ في الحديثِ، وإنْ كانَ القَدْحُ فيهِ بسببٍ ظاهرٍ كضَعْفِ رَاوِيهِ، لكنَّ الإسنادَ الذي ظاهرُهُ الصِّحَّةُ واطُّلِعَ فيهِ بعدَ التفتيشِ على قَادِحٍ هو المُعَلَّلُ الخاصُّ الذي يقولُ فيهِ الإمامُ: هذا حديثٌ مُعَلَّلٌ، وهو الذي يَضْطَلِعُ بهِ أَئِمَّةُ الحديثِ).

هيئة الإشراف

#4

29 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد

قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: (القِسمُ الثاني:

تُهْمَةُ الراوي بالكَذِبِ ووَضْعِ الْحَدِيثِ.

وسببُ التُّهْمَةِ:

أنْ يَسْبِرُوا تلكَ الأحاديثَ التي يَرْوِيهَا الراوي، ويَجِدُوا أنَّ جَميعَ رجالِ أسانيدِ تلكَ الأحاديثِ التي يَرْوِيهَا ثِقاتٌ ما عَدَا ذلكَ الراويَ نفْسَهُ، ويَعْرِفُونَ أنَّ هذهِ الْمُتُونَ هيَ أحاديثُ مَوضوعةٌ مُنْكَرَةٌ.

وعندَهم مَوازينُ ثابتةٌ، مثلُ: مُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ للقرآنِ أوْ للحديثِ الصحيحِ.

أوْ كَوْنِهِ ممَّا تَجْفَاهُ العقولُ الصحيحةُ السليمةُ.

أوْ كونِ الْمَتْنِ فيهِ رَكاكةُ اللفْظِ.

أوْفيهِ مُخَالَفَةٌ لوَاقعةٍ تارِيخِيَّةٍ.

وهم أُناسٌ اصْطَفَاهُم اللَّهُ تعالى لخِدمةِ دِينِهِ، فإذا كانَ العُلماءُ حَكَمُوا على راوٍ مِن الرُّواةِ بحُكْمِ تَتَبُّعِهِم لرواياتِهِ، وكَشْفِهِم الموضوعاتِ التي فيها حَكَمُوا عليهِ بأنَّ أحاديثَهُ أحاديثُ مَوضوعةٌ واتَّهَمُوهُ بالكَذِبِ ووَضْعِ الْحَدِيثِ.

ولا شَكَّ أنَّ هذا القِسْمَ دونَ القِسْمِ الأَوَّلِ، وهوَ الجَزْمُ بأنَّهُ يَكْذِبُ ويَضَعُ الْحَدِيثَ، لكنَّ الحُكْمَ مُتَقَارِبٌ بينَ هذا القِسْمِ والقسْمِ السابقِ.

ويقولُ الحافِظُ عنْ هذا الصِّنْفِ: إنَّ حديثَهم يُسَمَّى (الْمَتْرُوكَ)، هذا بَعْدَ أن استَقَرَّ الاصطلاحُ، ولكنْ هلْ لوْ نَظَرْنَا في أحكامِ العُلماءِ على أحاديثِهم، نَجِدُ أنَّ أحكامَهم على تلكَ الأحاديثِ مُنْضَبِطَةٌ مائةً بالمائةِ، فيَقُولُونَ عنْ ذلكَ الْحَدِيثِ الذي يَرويهِ راوٍ مُتَّهَمٌ بالكَذِبِ: إنَّهُ حديثٌ مَتروكٌ؟

نقولُ: لا، بلْ نَعْلَمُ أنَّ العلماءَ يَجعلونَ حتَّى الْحَدِيثَ الموضوعَ مِنْ أنواعِ الْحَدِيثِ الضعيفِ، فلا نَستغرِبُ إذا وَجَدْنَا عالِماً -خاصَّةً مِن الْمُتَقَدِّمِينَ- يقولُ عنْ حديثٍ مَوضوعٍ: إنَّهُ ضَعيفٌ؛ لأنَّهُ عندَهُ أنَّ الْحَدِيثَ الضعيفَ أنواعٌ؛ منها الْمَوضوعُ؛ ومنها الْمَتروكُ، وهوَ الضعيفُ جِدًّا، ومنها الضعيفُ الْمُنْجَبِرُ، إلى غيرِ ذلكَ.

مثالٌ:

روَى البَيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((نَوْمُ الصَّائِمِ عِبَادَةٌ، وَصَمْتُهُ تَسْبِيحٌ)). ثمَّ ضَعَّفَ البَيهقيُّ إسنادَهُ، وضَعَّفَهُ العراقيُّ في تخريجِ الإحياءِ.

وبعدَ النظَرِ في إسنادِهِ وَجَدْنَا أنَّ الرجُلَ الذي تَفَرَّدَ بهذا الْحَدِيثِ يُقالُ لهُ: سُليمانُ بنُ عَمْرٍو أبو داوُدَ النَّخَعِيُّ، ولوْ رَجَعْنَا إلى (مِيزانِ الاعتدالِ) لَوَجَدْنَا أكثرَ مِنْ ثلاثينَ عالماً رَمَوْهُ بالكَذِبِ ووَضْعِ الْحَدِيثِ، ومعَ ذلكَ قالَ بعضُهم عنْ حديثِهِ الذي تَفَرَّدَ بهِ: إنَّهُ حديثٌ ضعيفٌ، وقَلَّمَا تَجِدُ مَنْ قالَ: إنَّ هذا الْحَدِيثَ مَوضوعٌ، بلْ إنَّ السُّيُوطِيَّ زَعَمَ في مُقَدِّمَةِ (الجامعِ الصغيرِ) أنَّهُ صَانَ كتابَهُ عمَّا تَفَرَّدَ بهِ وَضَّاعٌ أوْ كَذَّابٌ، ومعَ ذلكَ ذَكَرَ هذا الْحَدِيثَ، وذَكَرَ تَضعيفَ البيهقيِّ لهُ، فبَعْضُ الناسِ يَغْتَرُّونَ بأحكامِ الْمُتَقَدِّمِينَ الظاهرةِ دُونَ بحثٍ في الإسنادِ.

ولمْ أَجِدْ أَحَداً يُطْلِقُ على حديثٍ ما أنَّهُ مَتروكٌ إلاَّ أَنْدَرَ مِن النادرِ، فلا يَظُنُّ ظَانٌّ أنَّ هذا التقسيمَ الاصطلاحيَّ معمولٌ بهِ، فيَغْتَرَّ بحديثٍ قِيلَ عنهُ: ضعيفٌ، فيَظُنَّهُ ضَعْفاً يَسيراً، بلْ لا بُدَّ مِن التدقيقِ.

القِسمُ الثالثُ:

مَنْ فَحُشَ غَلَطُهُ، وكَثُرَتْ غَفْلَتُهُ، وظَهَرَ فِسْقُهُ.

(1) قالَالحافظُ عنْ حديثِهم:( إنَّهُ مُنْكَرٌ، وهذا علَى رَأْيِ) بعضِ العُلماءِ.

وقدْ ذَكَرْنَا سابقاً أنَّ للمُنْكَرِ تَعريفَيْنِ:

الأَوَّلُ: ما انْفَرَدَ بروايتِهِ راوٍ ضعيفٌ كالذي فَحُشَ غَلَطُهُ، أوْ كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ، أوْ ظَهَرَ فِسْقُهُ، هذا عندَ بعضِ العُلماءِ.

الثاني: بعضُهم قَيَّدَهُ بالْمُخَالَفَةِ فقالَ: هوَ ما يَرْوِيهِ الضعيفُ مُخَالِفاً للثِّقَةِ، وهذا هوَ التعريفُ الراجحُ.

قُلْتُ: وأنا عِندِي أنَّ مَنْ فَحُشَ غَلَطُهُ، وكَثُرَتْ غَفلتُهُ يَختلِفَانِ عَمَّنْ ظَهَرَ فِسْقُهُ، فالذي ظَهَرَ فِسْقُهُ مَطعونٌ في عَدالتِهِ، والذي فَحُشَ غَلَطُهُ وكَثُرَتْ غَفْلَتُهُ مَطعونٌ في حِفْظِهِ.

1-وهم يَقْصِدُونَ بالذي (فَحُشَ غَلَطُهُ) أنَّهُ بعدَ سَبْرِ مَرْوِيَّاتِهِ وُجِدَ أنَّهُ لا يَكادُ يُصيبُ إلاَّ في مِقدارٍ قليلٍ مِن الأحاديثِ، فتَجِدُ في تَرجمتِهِ عندَ البحْثِ عنهُ برَغْمِ أنَّهُ قدْ يكونُ صالحاً في نفْسِهِ، لكنَّهُ يأتِي بالطَّوَامِّ.

مِثالُ ذلكَ:

الرجُلُ الذي ذَكَرَهُ مسلِمٌ في (مُقَدِّمَةِ صحيحِهِ)، واسمُهُ عَبَّادُ بنُ كثيرٍ، فقدْ سألَ ابنُ المُبَارَكِ سُفيانَ الثَّوْرِيَّ وغيرَهُ وقالَ: هلْ تَرَوْنَ أنْ أُبَيِّنَ حالَهُ؟

والرجلُ معروفٌ بصلاحِهِ وعِبادتِهِ، لكنْ يَأتِينَا بالطَّوَامِّ والْمَوْضُوعَاتِ؟

فقالُوا: نَعَمْ.

فكانَ ابنُ المبارَكِ إذا جلَسَ مَجْلِساً، وذُكِرَ فيهِ عَبَّادٌ هذا، أَثْنَى عليهِ في دِينِهِ، ثمَّ يُبَيِّنُ أنَّهُ لا يَقْبَلُ حديثَهُ إطلاقاً لكثْرَةِ الموضوعاتِ في حديثِهِ.

2-أمَّا مَنْ كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ فهوَ: الذي لا يَعْرِفُ ما يَخْرُجُ مِنْ رأسِهِ، ولا ما يُحَدِّثُ بهِ، فلوْ جاءهُ إنسانٌ وقالَ: إنَّكَ تُحَدِّثُ بهذا الْحَدِيثِ، وهوَ لم يَسمَعْهُ إطلاقاً لَقَالَ: نعمْ وقَبِلَهُ، وزَعَمَ أنَّهُ يُحَدِّثُ بهِ، ووَضَعَ لهُ إسناداً لذلكَ الْحَدِيثِ، أوْ أَخَذَ إسناداً لحديثِ إنسانٍ آخَرَ وأَعطاهُ إيَّاهُ.

فحديثُ هذا الصِّنْفِ مِن الناسِ شديدُ الضَّعْفِ، لكنَّ ضَعْفَهُ بسببِ الحفْظِ الذي لم يُوهَبْ إيَّاهُ.

3-أمَّا مَنْ ظَهَرَ فِسْقُهُ فضَعْفُهُ آتٍ مِنْ قِبَلِ عَدالتِهِ، فالفرْقُ واضحٌ بينَهُ وبينَ سابِقِيهِ. والحكْمُ على أحاديثِ الأصنافِ الثلاثةِ أنَّها ضعيفةٌ جِدًّا، لا تُقْبَلُ في الشواهِدِ ولا الْمُتَابَعَاتِ.

القِسـمُ الرَّابِـعُ

(2) (الْوَهْمُ)؛ أي: الراوي الذي يُوصَفُ بالوَهْمِ، وهوَ مَنْ يَتَحَدَّثُ على التَّوَهُّمِ فلا يكونُ ضابطاً لحديثِهِ، وإنَّما تَوَهَّمَ تَوَهُّماً.

وحديثُهُ مَردودٌ،ولكنَّ الردَّ هنا أتَى بسببِ الطعْنِ في الْحِفْظِ، وأكثرُ ما يَحْدُثُ الوَهْمُ حينَما تَجِدُ هذا الرجُلَ يَرْوِي حديثاً إذا نُظِرَ في حديثِهِ في مُقابِلِ الرواياتِ الأُخرى التي اتَّفَقَ معَ بعضِ الرُّواةِ فيها، وعُمِلَتْ مُوازَنَةٌ بينَها وُجِدَ أنَّهُ يُخَالِفُ أُولَئِكَ الرُّوَاةَ.

والمُخَالَفَةُ على أَنْوَاعٍ:

1-أحياناً يَرْوِي الْحَدِيثَ على أنَّهُ مَرفوعٌ، وغيرُهُ يَرويهِ على أنَّهُ مَوقوفٌ على الصحابِيِّ أو العكْسُ.

2-أحياناً يَصِلُ الْحَدِيثَ،وغيرُهُ يُرْسِلُهُ أو العكسُ.

3-أحياناً بزِيادةِ رَاوٍ في الإسنادِ فيَأْتِينَا إسنادٌ ظاهِرُهُ الصحَّةُ،

فيَأْتِي هوَ ويَزيدُ راوياً في الإسنادِ، أوْ يَنْقُصُ منهُ راوٍ.

4-المُخَالَفَةُ الْمَتْنِيَّةُ،كَأَنْ يكونَ هناكَ في الْحَدِيثِ زيادةُ لفْظَةٍ، وهذهِ الزيادةُ تُؤَثِّرُ على فِقْهِ الْحَدِيثِ.

حُكْمُ حديثِهِ:

حديثُهُ ضَعيفٌ،وهوَ أقَلُّ مِنْ سابِقِيهِ، بشَرْطِ أنْ لا يُكْثِرَ منهُ، أمَّا إنْ كَثُرَ منهُ فإنَّهُ يُؤَثِّرُ على ذلكَ الراوي ويُلْحِقُهُ بسابِقَيْهِ، مَنْ فَحُشَ غَلَطُهُ وكَثُرَتْ غَفْلَتُهُ.

وتَستطيعُ أنْ تَعْرِفَ الوَهْمَ الذي يَقَعُ في الْحَدِيثِ أوْ في مَرْوِيَّاتِ ذلكَ الراوي بِجَمْعِ الطُّرُقِ، فالراوي إمَّا أنْ يَنْفَرِدَ بالْحَدِيثِ أوْ يُتابِعَهُ غيرُهُ.

ولو انْفَرَدَ الراوِي بكلِّ الأحاديثِ التي يَرْوِيهَا فالعُلماءُ يَتَّخِذُونَ منهُ مَوقفاً آخَرَ، فيُقالُ عنهُ: يَتَفَرَّدُ ويُغْرِبُ، فيُسَلِّطُونَ الأضواءَ على رِواياتِهِ التي لا يُشارِكُهُ فيها أحَدٌ.

وإنْ تُوبِعَ في بعْضِ أحاديثِهِ فإنَّ هذهِ المُتَابَعَاتِ تُعْتَبَرُ مِيزَاناً يُوزَنُ بهِ حفْظُهُ، فيَنْظُرُونَ في حديثٍ ما مِنْ أحاديثِهِ، ويَجمعونَ طُرُقَهُ، فيَنظرونَ هلْ وَافَقَ هذا الراوي الثِّقاتِ؟

فإنْ كانَ الغالِبُ على أحاديثِهِ مُوَافَقَةَ الثِّقاتِ فهذا عندَهم يُعْتَبَرُ مِن الثِّقاتِ.

أمَّا إنْ كَثُرَتْ مُخالَفَتُهُ للثِّقاتِ فهذا يُطْعَنُ في حِفْظِهِ، وبحسَبِ كَثْرَةِ تلكَ الْمُخَالَفَةِ، أوْ قِلَّتِها يكونُ الطعْنُ في حِفْظِهِ؛ فإنْ كانت الْمُخالَفَةُ قليلةً فهذا يُعْتَبَرُ على الأصلِ أنَّهُ ثِقَةٌ، لكنَّ تلكَ الأحاديثَ التي أَخْطَأَ فيها تُبَيَّنُ وتُعْزَلُ على جِهةٍ، ويُعْرَفُ أنَّهُ أَخْطَأَ فيها ذلكَ الثقةُ الفلانِيُّ.

ويُسَمَّى حديثُ الراوي الذي يَهِمُ في حديثِهِ: حديثَ الْمُعَلَّلِ.

(والعِلَّةُ):هيَ سببٌ غامضٌ خَفِيٌّ يَقْدَحُ في صِحَّةِ ذلكَ الْحَدِيثِ، ولها شَرْطَانِ:

1-الغموضُ والْخَفاءُ، فإذا كانت العلَّةُ واضحةً فإنَّها تُسَمَّى عِلَّةً اصطلاحيَّةً، وإنْ كانَ بعضُهم يُسَمِّيهَا عِلَّةً.

فإنْ كانَ الْحَدِيثُ واضحَ الضعْفِ مِثْلَ الْمُرْسَلِ فهذهِ عِلَّةٌ واضحةٌ، وليست الْمَقصودةَ هنا.

2-أنْ تَقْدَحَ في صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وإنْ سُمِّيَتْ عِلَّةً إسناديَّةً، لكنْ مِنْ حيثُ الاصطلاحُ لا تُسَمَّى هذهِ التسمِيَةَ، فلوْ جاءَ الْحَدِيثُ، واشتُبِهَ في أحَدِ رَاوِيَيْهِ، وكِلاهما ثِقَةٌ.

مِثالٌ:

حديثُ: ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ)) يَرويهِ أحَدُ الثِّقَاتِ، وهوَ يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، عنْ سُفيانَ الثوريِّ، عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عن ابنِ عُمَرَ مَرفوعاً قالُوا: إنَّ يَعْلَى بنَ عُبيدٍ معَ كونِهِ ثِقَةً إلاَّ أنَّهُ أَخْطَأَ في هذا الْحَدِيثِ على سُفيانَ الثَّوْرِيِّ، والصوابُ أنَّ سُفيانَ الثَّوريَّ، يَرويهِ عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ دِينارٍ، عن ابنِ عُمرَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ.

فهذا الْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بهِ عبدُ اللَّهِ بنُ دِينارٍ، عن ابنِ عمرَ مَرفوعاً، ويُعْتَبَرُ هذا الْحَدِيثُ مِن الأحاديثِ التي عَظُمَ بها عبدُ اللَّهِ بنُ دينارٍ؛ لأنَّهُ لا يُوجَدُ لأَحَدٍ غيرِهِ.

لكنَّ عمرَو بنَ دِينارٍ -أَخٌ لعبدِ اللَّهِ بنِ دِينارٍ- فغَلِطَ يَعْلَى بنُ عُبيدٍ وقالَ: عمْرُو بنُ دِينارٍ؛ لكونِهِ أَشْهَرَ، والصوابُ أنَّهُ عبدُ اللَّهِ؛ فهذا الْحَدِيثُ وإنْ أَخْطَأَ يَعْلَى في الاسمِ لكنَّهُ صَحِيحٌ، والعلَّةُ غيرُ قَادِحَةٍ لكونِ عمرٍو، وأخيِهِ عبدِ اللَّهِ ثِقَتَيْنِ.

-وقدْ صَنَّفَ في (العِلَلِ)الدارَقُطْنِيُّ كتابَهُ (الْعِلَلُ).

-وكذلكَ كتابُ (عِلَلُ الأحاديثِ) لابنِ أبي حاتمٍ.

-و(العِلَلُ)لابنِ الْمَدِينِيِّ، ولوْ نَظَرْنَا في (التاريخُ الكبيرُ)للبخاريِّ لوَجَدْنَا أنَّهُ كِتابُ عِلَلٍ مِن الدرجَةِ الأُولَى.

ولوْ نَظَرْنَا في كُتُبِ العِلَلِ لوَجَدْنَا أنَّها كالطَّلاسِمِ، فمَثَلاً يُسْأَلُ المُحَدِّثُ عنْ حديثٍ فيقولُ: باطلٌ، مُنْكَرٌ، لا أصْلَ لهُ، أَخْطَأَ فيهِ فُلانٌ، فأحياناً أحكامُهم تَدْعُو للدَّهْشَةِ، فيكونُ الإسنادُ ليسَ فيهِ مَطْعَنٌ، فنقولُ: كيفَ حَكَمَ على هذا الْحَدِيثِ الذي بهذا الإسنادِ بأنَّهُ حديثٌ باطلٌ أوْ مُنْكَرٌ، معَ أنَّهُ ليسَ فيهِ عِلَّةٌ ظاهِرَةٌ؟

ولوْ سَأَلْتَ الْمُحَدِّثَ رُبَّمَا أَخْبَرَكَ بسببِ قولِهِ، ولرُبَّما عَجَزَ عن الإتيانِ بما في داخِلِ نفْسِهِ، ولكنَّهُ -كما قالُوا- كالصَّيْرَفِيِّ الذي يَصْرِفُ الذهَبَ بِمُجَرَّدِ ما يَسْمَعُ طَنينَ الذهَبِ؛ فيَعْرِفُ هلْ هوَ مَغشوشٌ أمْ صَافٍ، وليسَ كُلُّ الْمُحَدِّثِينَ كذلكَ، بلْ نُخْبَةٌ منهم كابنِ مَعينٍ وابنِ الْمَدِينِيِّ، وابنِ مَهْدِيٍّ، ويَحْيَى القَطَّانِ، والإمامِ أحمدَ، والبُخاريِّ، وابنِ أبي حاتمٍ، والتِّرمذيِّ، والدارقُطْنِيِّ، والنَّسائِيِّ، رَحِمَهم اللَّهُ أَجْمَعِينَ.

مِثالٌ:

هناكَ راوٍ يُقالُ لهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوليدِ، حَدَّثَ بحديثٍ عنْ عُبيدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو الرَّقِّيِّ، عنْ إسحاقَ بنِ أبي فَرْوَةَ، عنْ نافعٍ، مَوْلَى ابنِ عمرَ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((لا تَحْمَدُوا إِسْلامَ الْمَرْءِ حَتَّى تَعْرِفُوا عُقْدَةَ رَأْيِهِ)).

فهذا الإسنادُ لوْ جاءَ بهِ بَقِيَّةُ؛ لعَرَفَ كلُّ واحدٍ عِلَّتَهُ، وهيَ ظاهِرَةٌ؛ حيثُ إنَّ فيهِ إسحاقَ بنَ أبي فَروةَ وهوَ مَتروكٌ، وحديثُهُ ضَعيفٌ جِدًّا.

فماذا فَعَلَ بَقِيَّةُ؟

كَنَّى عُبيدَ اللَّهِ بنَ عمرٍو الرَّقِّيَّ بكُنْيَةٍ، فقالَ: حَدَّثَنِي أبو وَهْبٍ الأَسَدِيُّ، وهوَ فِعْلاً مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وأحَدُ أبنائِهِ اسمُهُ وَهْبٌ، لكنَّهُ لم يُعْرَفْ بهذهِ الكُنْيَةِ، فقالَ: (حَدَّثَنِي: أبو وَهْبٍ الأَسَدِيُّ، عنْ نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ) الْحَدِيثَ، فصارَتْ عِلَّةُ الْحَدِيثِ خَفِيَّةً.

لكنَّ أبا حاتمٍ الرازيَّ عندَما أَتَاهُ هذا الْحَدِيثُ استَعْرَضَ تلاميذَ نافِعٍ، فعَرَفَ أنَّ هذا الْحَدِيثَ رَواهُ إسحاقُ بنُ أبي فَرْوَةَ، وتَفَرَّدَ بهِ عنْ نافعٍ، وإسحاقُ مَردودُ الْحَدِيثِ، والذي يَرْوِي عنْ إسحاقَ هُم فُلانٌ، وفلانٌ، وفلانٌ.

وهذا الْحَدِيثُ مَعروفٌ أنَّهُ لعُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو الرَّقِّيِّ، ثمَّ دَقَّقَ في الرَّقِّيِّ هلْ يُمْكِنُ أنْ يكونَ أبا وَهْبٍ الأَسَدِيَّ؟

فوَجَدَ أنَّهُ هوَ أبو وَهْبٍ الأَسَدِيُّ، ثمَّ ذَكَرَ ذلكَ لابنِهِ ودَوَّنَهُ في كتابِهِ (عِلَلُ ابنِ أبي حاتمٍ).

مِثالٌ آخَرُ:

سأَلَ مُسْلِمٌ البُخاريَّ عنْ حديثِ كَفَّارَةِ المجلِسِ - والْحَدِيثُ ظاهِرُ سَنَدِهِ الصحَّةُ- فقالَ: تُريدُ السَّتْرَ أمْ تُريدُ التَّدْقِيقَ؟

قالَ: لا، بلْ أُريدُ التدقيقَ.

فقالَ: هذا الْحَدِيثُ لهُ عِلَّةٌ، وأَرادَ البُخاريُّ أنْ يَتَسَمَّحَ مُسْلِمٌ، ويَتْرُكَ البَحْثَ في هذهِ المسألةِ.

فأَخَذَ مُسْلِمٌ يُقَبِّلُ رِجْلَيْهِ، ويَطْلُبُ منهُ أنْ يُبَيِّنَ عِلَّةَ هذا الْحَدِيثِ، فبَيَّنَ لهُ البُخاريُّ عِلَّةَ هذا الْحَدِيثِ، والقصَّةُ مُشَوِّقَةٌ، وهيَ في كتابِ (النُّكَتُ) على ابنِ الصَّلاحِ.

أتَى رجُلٌ إلى ابنِ أبي حاتمٍ وقالَ: أخْبِرْنِي عن العِلَلِ أسِحْرٌ هوَ؟

أكَهَانَةٌ هوَ؟

فقالَ: لا، ولكنْ يقَعُ في نفْسِ الْمُحَدِّثِ، والدليلُ على هذا اسْأَلْنِي عنْ حديثٍ، ثمَّ اذْهَبْ إلى أبي زُرْعَةَ أوْ غيرِهِ واسْأَلْهُ عنْ ذلكَ الْحَدِيثِ، فسَتَجِدُ أنَّ كُلاًّ مِنَّا مُقارِبٌ لبَعْضٍ. فسَأَلَهُ عنْ حديثٍ، فقالَ أبو حاتمٍ: باطِلٌ أوْ مُنْكَرٌ، ثمَّ ذَهَبَ إلى أبي زُرعةَ، فقالَ: باطِلٌ أوْ مُنْكَرٌ.

مِثالٌ آخَرُ:

الْحَدِيثُ الذي فيهِ أنَّ الْخُرُورَ على اليدَيْنِ في الصلاةِ هوَ السنَّةُ، ظاهِرُ الْحَدِيثِ أنَّهُ حَسَنُ الإسنادِ، لكنَّ البُخارِيَّ قالَ عنهُ: مُنْكَرٌ، فبَعضُ العُلماءِ قالُوا: لا نَقْبَلُ كلامَ البُخَارِيِّ، فلماذا هوَ مُنْكَرٌ؟!

لكنَّ هذا إمامٌ عَرَفَ أنَّ بهِ عِلَّةً، وليسَ بالضَّرورةِ أنْ يُبَيِّنَ البُخاريُّ لماذا هوَ مُنْكَرٌ؟ بلْ هوَ إمامٌ نَقَّادٌ، ورُبَّما بَيَّنَ السببَ، ولم يَصِلْ إلينا).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#5

29 Oct 2008

العناصر

الحديث المتروك:
بيان معنى (الحديث المتروك)
تعريف (المتروك) لغةً
تعريف (المتروك) اصطلاحاً
كيفية معرفة المتروك
إطلاقات (المتروك) عند المتقدمين
معنى (المتروك) عند المتأخرين
تنبيه: إطلاق المتروك على المعنى الذي ذكره ابن حجر قليل جداً عند المتقدمين
الحديث المنكر:
تعريف (الحديث المنكر)
عبارات النكارة عند المتقدمين
الحديث المنكر مردود ولا يعتبر في الشواهد والمتابعات
الحديث (المعلل):

المعلل من أدق علوم الحديث وأعظمها

بيان معنى (العلة)

تعريف (العلة) لغةً

أيهما أصح أن يقال: هذا حديث معلل أو معلول

تعريف (العلة) اصطلاحاً

أنواع العلة:

النوع الأول: العلة القادحة

مثال العلة القادحة

أنواع العلة القادحة

النوع الثاني: العلة غير القادحة

مثال العلة غير القادحة

الشاذ والمعلل بينهما شبه كبير

المؤلفات في العلل

كتب العلل تتوسع في معنى العلة فتشمل كل ما يقدح في الحديث
ذكر بعض جهود العلماء في اكتشاف العلل

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

29 Oct 2008

الأسئلة

س1: عرف (المتروك) لغة واصطلاحاً.
س2: ما سبب تسمية (المتروك) بذلك.
س3: اذكر إطلاقات (المتروك) عند المتقدمين والمتأخرين.
س4: ما حكم الحديث المتروك؟
س5: بين معنى (العلة) لغة واصطلاحاً.
س6: أيهما أصح أن يقال: حديث معلل أو حديث معلول.
س7: اذكر أنواع العلة مع التمثيل لكل نوع.
س8: ما الفرق بين المعلل والشاذ؟
س9: اذكر الكتب المؤلفة في علل الحديث.
س10: تحدث عن أهمية علم علل الحديث.