25 Oct 2008
مدرج الإسناد، ومدرج المتن
قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (ثُمَّ المُخَالَفَةُ إِنْ كَانَتْ بِتَغْيِيرِ السِّيَاقِ: فَمُدْرَجُ الإِسْنَادِ.
أَوْ بِدَمْجِ مَوْقُوفٍ بِمَرْفُوعٍ: فَمُدْرَجُ المَتْنِ).
نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) وهو
القِسْمُ السَّابِعُ (إِنْ كَانَتْ) واقِعَةً (بِـ) سببِ (تَغْيِيرِ
السِّيَاقِ) أي: سِيَاقِ الإِسْنَادِ (فَـ) الوَاقِعُ فيه ذَلِكَ
التَّغْيِيرُ هو (مُدْرَجُ الإِسْنَادِ) وهو أقْسامٌ: الأولُ: أن
يَرْوِيَ جماعةٌ الحَدِيثَ بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ، فيَرْوِيَهِ عنهمْ
راوٍ، فيجْمَعَ الكُلَّ على إسنادٍ واحدٍ من تلكَ الأسانيدِ ولا يُبَيِّنَ
الاخْتِلافَ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ المَتْنُ عندَ راوٍ إلاَّ طَرَفًا منه فإنَّهُ عندَهُ بإسنادٍ آخَرَ، فيَرْوِيهِ راوٍ عنه تَامًّا بالإِسْنَادِ الأولِ. ومنه
أنْ يَسْمَعَ الحَدِيثَ من شَيْخِه إلاَّ طَرَفًا منه فَيَسْمَعَهُ عَن
شَيْخِهِ بِوَاسِطَةٍ فيَرْوِيه راوٍ عنهُ تَامًّا بِحَذْفِ الوَاسِطَةِ. الثَّالِثُ: أَنْ
يَكُونَ عندَ الرَّاوي مَتْنَانِ مُخْتَلِفَانِ بِإِسْنَادَيْنِ
مُخْتَلِفَيْنِ، فيَرْوِيَهما راوٍ عنهُ مُقْتَصِرًا على أَحَدِ
الإِسْنَادَيْنِ، أو يَرويَ أحدَ الحَدِيثَيْنِ بإسنادِه الخَاصِّ بهِ لكنْ
يَزِيدُ فيه من المَتْنِ الآخَرِ ما ليسَ في الأولِ. الرَّابِعُ: أنْ
يَسُوقَ الرَّاوي الإِسْنَادَ فَيَعْرِضَ له عارضٌ فيقولَ كَلامًا من
قِبَلِ نفْسِه، فيَظُنَّ بعضُ مَن سَمِعَه أنَّ ذَلِكَ الكَلامَ هو مَتْنُ
ذَلِكَ الإسنادِ، فيَرْوِيَهِ عنهُ كذَلِكَ. هَذِهِ أَقْسَامُ مُدْرَجِ الإِسنَادِ. وأَمَّا
مُدْرَجُ المَتْنِ: فهو أنْ يقَعَ في المَتْنِ كَلامٌ ليسَ منه، فَتَارَةً
يكونُ في أولِه، وتَارَةً في أَثْنَائِه وتَارَةً في آخِرِهِ وهو
الأَكْثَرُ؛ لأنَّه يقعُ بعَطْفِ جُمْلَةٍ على جُمْلَةٍ. (2) (أو بِدَمْجِ مَوْقُوفٍ) من كَلامِ الصَّحَابَةِ أو مَن بَعْدَهم (بِمَرْفُوعٍ) مِن كَلامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن غيرِ فَصْلٍ، (فَـ) هَذَا هو (مُدْرَجُ المَتْنِ). ويُدْرَكُ الإدْرَاجُ: -بِوُرُودِ رِوَايةٍ مُفَصَّلَةٍ للقَدْرِ المُدْرَجِ مَمَّا أُدْرِجَ فيه. -أو بالتَّنْصِيصِ على ذَلِكَ من الرَّاوي. -أو من بعضِ الأئِمَّةِ المُطَّلِعينَ. -أو باسْتِحَالَةِ كونِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ يقولُ ذَلِكَ. وقد
صنَّفَ الخَطِيبُ في المُدْرَجِ كِتَابًا وَلَخَّصْتُهُ وَزِدْتُ عليه
قَدْرَ ما ذَكَرَ مَرَّتَيْنِ أو أَكْثَرَ وللهِ الْحَمْدُ).
نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (الحديثُ المدرجُ: سردَ الحافظُ أنواعًا مِن المردودِ بسببِ طعنٍ في الراوي، أرجعَها كُلَّها إلى سببٍ واحدٍ من أسبابِ الطعنِ في الراوي وهو (المخالفةُ)، ابتدأَ هذه الأنواعِ بالْمُدْرَجِ، والمُلاَحظُ أنَّ هناكَ تداخلاً كبيرًا بينَ (المُخَالَفَةِ)، والسببِ الذي قَبْلَه وهوَ (الوهمُ)، وبينَ المخالفةِ والأسبابِ الثلاثةِ التي
تولَّدَ منها المُنْكَرُ؛ ولهذا فإنَّ أنواعَ المخالفاتِ التي سردَها
مبتدئًا بالْمُدْرَجِ كُلُّهَا يصحُّ أنْ يقالَ فيها: إنها داخلةٌ في
المُعَلَّلِ، بشرطِ أنْ تكونَ هذه المخالفةُ واقعةً مِن ثقةٍ، فإنْ كانتْ
مِن غيرِ ثقةٍ فإنَّها تدخلُ في المُنْكَرِ. ونصَّ الحافظُ في كتابِه (النُّكَتُ)،
أنَّ المُدْرَجَ وغيرَه - مِن صورِ التغييرِ في الإسنادِ - داخلةٌ في
المُعَلَّلِ والشاذِّ؛ فكلُّ مُدْرَجٍ مَعَلَّلٌ إذا كانت العلَّةُ مِن
ثقةٍ، وليسَ كلُّ مُعَلَّلٍ مُدْرَجًا؛ لأنَّ العلَّةَ قد تكونُ بغيرِ
الإدراجِ، والأسهلُ على المرءِ فَهْمُهَا على أنَّها متداخلةٌ؛ لأنَّكَ
عندَما تقرأُ في كتبِ الأئمَّةِ لنْ تحتاجَ في ذهنِكَ إلى التقسيمِ
والتفريقِ. فإذا قلْنَا: الإدراجُ،
والإبدالُ، والقلبُ، فكلُّها إنْ كانتْ من راوٍ ثقةٍ فهي داخلةٌ في
المُعَلَّلِ، بلْ إنَّها تُرَسِّخُ أهمَّ عِلْمٍ مِن علومِ الحديثِ وهوَ
المُعَلَّلُ؛ لأنَّ كلَّ مثالٍ سيمرُّ بنا الآنَ ممَّا وقعَ مِن الثِّقَاتِ
فهوَ داخلٌ في المُعَلَّلِ، فإنْ وقعَ مِن ضعيفٍ فهو داخلٌ في المُنْكَرِ،
ومرَّ بنا أنَّ الشاذَّ يعني المُعَلَّلَ فتكونُ أيضًا مِن أمثلةِ
الشذوذِ، ويبقى عليكَ عندَ قراءةِ كتبِ الأئمَّةِ أنْ تفهمَ السياقَ: ماذاَ
يريدُ الإمامُ بهذا المصطلحِ؟ عندَما يقولُ أحدُهم: معلولٌ، والآخر يقولُ: مُدْرَجٌ، فَتْعَرِفُ أنهما واحدٌ، وإذا قالَ أحدُهما: شاذٌّ، والثاني: مقلوبٌ، تعرفُ أنهما بمعنىً واحدٍ، ولكنَّ الأوَّلَ ذكرَه باسمِه الخاصِّ. قَسَّمَ الحافظُ المُدْرَجَ قسمينِ: - قِسْمًا في الإسنادِ. - وَقِسْمًا في المتنِ. (1) إنَّ تقسيمَ المُدْرَجِ إلى: - مُدْرَجِ المتنِ. - ومدرجِ
الإسنادِ مِن بابِ التوسعِ في المصطلحاتِ، والذي اهتمَّ به العلماءُ
وينصُّونَ على أنَّهُ مدرجٌ ما كانَ مِن مُدْرَجِ المتنِ، فإذا أُطْلِقَ (مدرجٌ) فالذي يريدُه الأئمَّةُ هو مُدْرَجُ المتنِ. قلْنَا: إنَّ مُدْرَجَ الإسنادِ قَسَّمهُ الحافظُ أربعةَ أقسامٍ، قسمانِ منها الأَوْلَى أنْ يُلْحَقَا بِمُدْرَجِ المتنِ، وهما الثاني والثالثُ، وَجَعَلَهُمَا الحافظُ مِن مدرجِ الإسنادِ تبعًا للخطيبِ في كتابِه (الفصلُ للوصلِ المُدرجِ في النقلِ)، وبقي قسمانِ مِن مُدْرَجِ الإسنادِ وهما: الأَوَّلُ والرابعُ،أمَّا الرابعُ فبعضُ
الأئمَّةِ لا يسمِّيه مُدْرَجًا، سمَّاهُ ابنُ حِبانَ، بالمُدْرَجِ، وابنُ
الصَّلاحِ: شبيهًا بالموضوعِ، ويمثِّلُونَ له بمثالٍ واحدٍ:
دَخلَ ثابتٌ الزاهدُ على شريكٍ الحافظِ وهوُ يحدِّثُ، ساقَ شريكٌ الإسنادَ
إلى النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولمَّا دخلَ عليه ثابتٌ ورأى وجهَهُ
قالَ شريكٌ: (مَنْ كَثُرَتْ صلاتُه بالليلِ حَسُنَ وجهُه بالنهارِ)،
فثابتٌ سمعَ الإسنادَ وسمعَ المتنَ، فظنَّ أنَّ هذا الإسنادَ لهذا المتنِ،
وشريكٌ يُحدِّثُ بهذا الإسنادِ، ثمَّ قطعَ التحديثَ، وحدّثَ الحاضرينِ
بوصفِ ثابتٍ، وألحقَ ابنُ حجرٍ هذا بالإدراجِ إذ أنه أدرجَ الإسنادَ معَ
هذا المتنِ، هذا القسم قليلٌ جدًّا ويتداولُ العلماءُ هذا المثال الواحدَ. - بقي معنا مِن مدرجِ الإسنادِ الأَوَّلُ،قالَ
ابنُ حَجَرٍ في تعريفِه: أنْ يرويَ جماعةٌ الحديثَ بأسانيدَ مختلفةٍ
فيرويه عنهم راوٍ فَيُجْمِعُ الكلُّ على إسنادٍ واحدٍ من تلكَ الأسانيدِ
ولا يبيِّنُ الاختلافَ. مثالُ ذلكَ:روى
عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ، عن سفيانَ الثوريِّ، عن الأعمشِ، ومنصورُ بنُ
المعتمرِ، وواصلٌ الأحدبُ، عن أبي وائلٍ شقيقِ بنِ سلمةَ، عن عمرِو بنِ
شرحبيلَ، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ: ((أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ سُئِلَ: أيُّ الذنبِ أعظمُ؟ …..))، الرواةُ الآخرونَ غيرُ عبدِ الرحمنِ بنِ مهديٍّ يروونَه عن سفيانَ، عن الأعمشِ، ومنصورٌ، وواصلٌ، عن أبيوائلٍ. - أمَّا الأعمشُ، ومنصورٌ، فيقولانِ: عن أبي وائلٍ، عن عمرِو بنِ شرحبيلَ، عن ابنِ مسعودٍ. - وأمَّا
واصلٌ فيقولُ: عن أبي وائلٍ، عن ابنِ مسعودٍ، بدونِ عمرِو بنِ شرحبيلَ،
فالآنَ عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ عندَ ما روى عن سفيانَ الثوريِّ أدرجَ
روايةَ واصلٍ مع روايةِ الأعمشِ ومنصورٍ معَ أنَّ روايةَ الأعمشِ، ومنصورٍ
فيها زيادةُ عمرِو بنِ شرحبيلَ، عرفنا هذا الإدراجَ من روايةِ يحيى القطانِ
وغيرِه حيثُ رووه عن سفيانَ الثوريِّ مفصَّلاً: يرويه سفيانُ عن
الأعمشِ،ومنصورٌ، عن أبي وائلٍ، عن عمرِو بنِ شرحبيلَ، عن ابنِ مسعودٍ. ويرويه عن واصلٍ، عن أبي وائلٍ، عن ابنِ مسعود مباشرةً، إذن عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ الآنَ خالفَ أصحابَ سفيانَ. - وكذلكَ:الرواةُ عن الأعمشِ، ومنصورٍ، وواصلُ يُفَصِّلُونَ،فيجعلونَ روايةَ الأوَّلِينَ بزيادةِ عمرِو بنِ شرحبيلَ، وروايةَ الأخيرِ بحذفِه. يقولونَ: إنَّ
سفيانَ عندَما حدَّث عبدُ الرحمنِ جمعَ الأسانيدَ، ويَحتملُ أنْ يكونَ
عبدُ الرحمنِ هو الذي جمعَها، وظنَّ أنَّ روايةَ واصلٍ، كروايةِ الآخرينَ. جعلَ
الحافظُ ما هذه صورتُه إدراجَ إسنادٍ، لكنَّ الأئمَّةَ يعبِّرُونَ عن هذا
فيقولونَ: حملَ روايةَ واصلٍ على روايةِ الأعمشِ ومنصورٍ، والصحيحُ الفصلُ
بينهما. القسمُ الثاني: مِن المُدْرَجِ وهو المُهِمُّ عندَ الأئمَّةِ:مُدْرَجُ المتنِ، ومعناه: أنْ
يُدخِلَ في المتنِ ما ليسَ منه بلا تمييزٍ، وهذا الذي أُدخلَ في المتنِ قد
يكونُ مِن كلامِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد يكونُ مِن كلامِ
غيرِه، معنى كونِه مدرجًا معَ أنَّه مِن كلامِهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ
أي: أنَّ هذا اللفظَ المعيَّنَ أُدخِلَ في الحديثِ وهو مِن حديثٍ آخرَ،
ولهذا صورٌ متعدِّدَةٌ، ذكرَ بعضَها ابنُ حجرٍ في القسمينِ الثاني والثالثِ
مِن مدرجِ الإسنادِ كما سردَها هو، والتمثيلُ لجميعِ هذه الصورِ فيه طولٌ،
واكْتَفَى بالتمثيلِ لصورةٍ منها، وهي أنْ يسمعَ الحديثَ مِن شيخِه إلا
جزءًا منه يسمعُه عن شيخِه بواسطةٍ، فيرويه راوٍ عنه تامًّا بحذفِ
الواسطةِ: مثالُ ذلكَ: روى
بعضُ الرواةِ عن حميدٍ الطويلِ، عن أنسٍ في قصَّة العرنيينِ أنَّ النبيَّ
صلى اللهُ عليه وسلَّمَ أمرَهم أنْ يَخْرُجُوا مع الذودِ فيشربوا مِن
ألبانها، كانَ حميدٌ يقولُ: وقالَ قتادةُ، عن أنسٍ: ((وأبوالُها))، فهذه
جاءتْ من رواية قتادةَ، وبعضُ الرُّواةِ عن حميدٍ ربما جعلُوها أيضًا عن
حميدٍ، عن أنسٍ، فيقالُ: أَدْرَجُوا في روايةِ حميدٍ ما ليسَ منها. وَقَسَّمَ
الحافظُ مدرجَ المتنِ ثلاثةَ أقسامِ بحسبِ وقوعِ الإدراجِ، وذكرَ أنَّ
أكثرَ الإدراجِ ما يقعُ في آخرِ المتنِ، وذكرَ في غيرِ هذا الكتابِ أنَّه
بَحَثَ عن: - مُدْرَجٍ في أوَّلِ المتنِ فما وقفَ إلا على حديثِ: ((أَسْبِغُوا الوضوءَ، ويلٌ للأعقابِ مِن النارِ)). - حديثُ أبي هريرةَ، فإنَّ قولَه: ((أَسْبِغُوا الوضوءَ)) الصحيحُ فيه أنَّه مِن كلامِ أبي هريرةَ، وجعلَه بعضُهم مِن كلامِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ. ثمَّ ذكرَ الحافظُ الأشياءَ التي يُدْرَكُ بها الإدراجُ، فقالَ: -يُدْرَكُ
بورودِ روايةٍ مُفَصِّلَةٍ للقدرِ المُدْرَجِ عمَّا أُدْرِجَ فيه، يعني
ينصُّ على قولِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ بعدَه ينصُّ على
قائلِ الكلامِ المُدْرَجِ، فيقالُ مثلاً: قال أبو هريرةَ، مثلُ حديثِ: ((للعبدِ المَمْلُوكِ أَجْرَانِ، والذي نفسي بيدِهِ لولا الحجُّ، والجهادُ، وبرُّ أمِّي، لأحببتُ أنْ أموتَ وَأَنَا مملوكٌ)). فقولُه ((والذي نفسي بيدِه..)) مِن
كلامِ أبي هريرةَ، واستحالَ أنْ يكونَ مِن كلامِ النبيِّ صلى اللهُ عليه
وسلَّمَ، ووردَ في بعضِ الرواياتِ النصُّ على أنَّ قائلَه هو أبو هريرةَ. - ومثلُ حديثِ: ((أَسْبِغُوا الوضوءَ))، وردَ
مُفَصَّلاً في رواياتٍ يقولُ فيها أبو هريرةَ: أَسْبِغُوا الوضوءَ فإنِّي
سمعتُ خليلي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: ((ويلٌ للأَعقابِ مِن النَّارِ)). بالتنصِيصِ
على ذلكَ مِن الراوي الذي هو صاحبُ الكلامِ، مثلُ: الحديثِ الذي رواه ابنُ
مسعودٍ: قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلَّمَ كلمةً، وقلتُ أنا الأخرى،
قالَ: ((مَن ماتَ وهوَ يشركُ باللهِ شيئًا دخلَ النارَ))،
وقلتُ أنا: مَن ماتَ لا يشركُ بالله شيئًا دخلَ الجنَّةَ، فهذا التنصيصُ
مِن الصحابيِّ الذي هو الراوي، مع التنبيهِ إلى أنَّه أحيانًا تأتي الكلمةُ
مُدْرَجَةً مِن كلامِ الصحابيِّ في الحديثِ، ولكنَّها في حديثِ آخرَ مِن
كلامِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ هذه الكلمةَ التي قالَها ابنُ
مسعودٍ من قِبَلِ نفسِه قد صحَّت مِن حديثِ جابرٍ عندَ مسلمٍ، ولكنْ لعلَّ
ابنَ مسعودٍ لم يسمعْها مِن النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَها مِن
قِبَلِ نفسِه، ووافقَ قولُه قولَ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ. باستحالةِ كونِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ ذلكَ، مثلُ: كلامِ أبي هريرةَ الذي مرَّ: (والذي نفسي بيدِه …)؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلَّمَ ليسَ له أمٌّ يَبِرُّهَا. - وأيضًا لأنَّه يستحيلُ أنْ يتمنَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرِّقَ على الحريَّةِ. أو
مِن بعضِ الأئمَّةِ المطَّلِعِينَ، فينصُّ إمامٌ حافظٌ مُطَّلِعٌ على أنَّ
هذاَ الكلامَ ليسَ مِن كلامِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إمَّا
لأنَّه وَقَفَ على روايةٍ مَفْصُولَةٍ أوْ بخبرتِه وكثرةِ ممارستِه لحديثِ
النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَيَعْرِفُ أنَّ هذا ليسَ مِن كلامِه. مثلُ حديثِ: ((الطَّيَرَةُ شِرْكٌ وما مِنَّا إلا، ولكنَّ اللهَ يُذْهِبُه بالتوكُّلِ))، فمعنى (وما مِنَّا إلا) أي: إلا يتطيَّرُ، فهذا قال البخاريُّ: إنَّه - ما بينَ القوسينِ - مِن كلامِ ابنِ مسعودٍ. ودعوى
الإدراجِ في جميعِ صورِها ربَّمَا اكْتُفِيَ فيها بغلبةِ الظنِّ بِنَاءً
على القرائنِ التي تتوافرُ للإمامِ، وغلبةُ الظنِّ هذه مردُّها إلى اجتهادِ
الإمامِ، وربَّمَا خُولِفَ في ذلكَ، فليسَ كلُّ كلمةٍ سواءٌ كانت مِن
كلامِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أو مِن كلامِ غيرِه ادُّعِيَ فيها
الإدراجُ؛ فالراجِحُ قولُ مَن حَكَمَ بالإدراجِ، بلْ ربَّمَا ترجَّحَ
غيرُه، كما في حديثِ: ((الشُّفْعَةُ في كُلِّ ما لمْ يُقسَمْ؛ فإذا وقعت الحدودُ، وصُرِّفت الطرقُ فلا شُفْعَةَ))رواه البخاريُّ، قالَ بعضُ الأئمَّةِ: قولُه: ((إذا وقعت الحدودُ وصُرِّفَت الطرقُ)) مِن قولِ جابرٍ، ورجَّحَ أئمَّةٌ آخرونَ أنَّ الجميعَ مرفوعٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. ملاحظةٌ: هناكُ
حُفَّاظٌ نصَّ عليهم الأئمَّةُ أنهم يزيدونَ في المتونِ، بمعنى أنهم
يشرحونَ الغريبَ مثلاً، أو يوردونَ في أثناءِ الحديثِ أو بعده ألفاظًا أخرى
لها مناسبةٌ في الحديثِ، مثلُ: الزهريِّ، فإذا مرَّ مثلُ هذا الراوي فهذا مِن قرائنِ الإدراجِ عندَ الاختلافِ).
شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: (القِسـمُ الخامِسُ: (1) (المُخَالَفَةُ). وهيَ مِنْ أنواعِ الطُّعُونِ في الحفْظِ، والأغلَبُ في هذا النوعِ الذي هوَ الْمُدْرَجُ
أنْ يكونَ فيهِ مخالَفَةٌ، وليسَ مِن الضرورةِ أنْ يكونَ في الأحاديثِ
التي قِيلَ عنها: إنَّ فيها إِدراجاً أنْ يكونَ ذلكَ فيهِ مُخَالَفَةٌ،
فقدْ يكونُ الْحَدِيثُ ما رُوِيَ إلاَّ مِنْ طريقٍ واحدٍ، وفيهِ إِدْرَاجٌ،
ولا تَجِدُ طريقاً أُخْرَى ليسَ فيها ذلكَ الإدراجُ، فهذا لا يُعْتَبَرُ
فيهِ مخالَفَةٌ، وإنَّما أُطْلِقَ عليهِ الْمُخَالَفَةُ بِناءً على غالِبِ
أحوالِهِ. هذا
النوعُ يُقالُ لهُ: الْمُدْرَجُ، ومعناهُ: الْمُدْخَلُ، فلوْ نَقَلَ عنكَ
شخْصٌ كلاماً، وأَدْخَلَ فيهِ كلاماً منهُ؛ فإنَّهُ يُقالُ: أَدْرَجَ في
كلامِكَ ما ليسَ منهُ. فالإدراجُ: تَغييرُ سِياقِ الإسنادِ، أوْ إدخالُ لَفْظَةٍ في مَتْنِ الْحَدِيثِ. والإدراجُ قِسمانِ: 1-مُدْرَجٌ في السنَدِ. 2-مدْرَجٌ في الْمَتْنِ. أوَّلاً: مُدْرَجُ السنَدِ. وقدْ ذَكَرَ الحافِظُ كلاماً في أقسامِ الْمُدْرَجِ في السنَدِ، خُلاصتُهُ: (أنَّهُ
إذا جاءنا حديثٌ مِن الأحاديثِ يُرْوَى بسنَدٍ مُعَيَّنٍ، وحديثٌ آخَرُ
يُرْوَى بسنَدٍ آخَرَ، فأُدْخِلْ هذانِ الْحَدِيثانِ بعضُهما في بعضٍ
بأَحَدِ الإسنادَيْنِ، فهذا يُسَمَّى (مُدْرَجَ السَّنَدِ). مِثالُهُ: إذا جاءنا حديثُ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ))، وحديثٌ آخَرُ: ((مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ))،
ولْيَكُنْ كِلا الْحَدِيثَيْنِ يَرْوِيهِمَا سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ،
لكنَّ سُفيانَ يَرْوِي الأَوَّلَ: عنْ يحْيَى بنِ سَعيدٍ الأَنْصَارِيِّ،
عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبراهيمَ التَّيْمِيِّ، عنْ عَلقمةَ بنِ وَقَّاصٍ
اللَّيْثِيِّ، عنْ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عنْهُ- عن النبيِّ
صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ، ويَرْوِي الْحَدِيثَ الثانيَ: بإسنادٍ
آخَرَ. فجاءَ أحَدُ الرُّواةِ ورَوَى الْحَدِيثَيْنِ عنْ سُفيانَ بالإسنادِ الأَوَّلِ، وهوَ حديثُ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) فهذا مِثالُ (مُدْرَجِ السنَدِ)؛ لأنَّهُ أَدْرَجَ إسناداً، واكتَفَى بأَحَدِ الإسنادَيْنِ عنْ ذِكْرِ الآخَرِ. مِن الأنواعِ أيضاً: أنْ يكونَ الْحَدِيثُ، مِثلَ حديثِ: ((إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ)). وهوَ
أَخْرَجَهُ البُخاريُّ عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ يُوسُفَ، عنْ مالِكٍ، عنْ أبي
الزِّنَادِ، عن الأَعْرَجِ، عنْ أبي هُريرةَ مَرفوعاً. لكنَّ لَفْظَةَ (إِحْدَاهُنَّ) أوْ ((أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ)) لم
تَرِدْ في هذا الإسنادِ، ولكنَّ هذهِ اللَّفْظَةَ يَرْوِيهَا مالِكٌ
بسَنَدٍ آخَرَ عنْ نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ مَرفوعاً الْحَدِيثَ. وفيهِ: ((أُولاهُنَّ)) أوْ ((إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)). فجاءَ
أحَدُ الرُّواةِ ورَوَى الْحَدِيثَ عنْ مالِكٍ، عنْ أبي الزِّنَادِ، عن
الأَعْرَجِ، عنْ أبي هُريرةَ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ
وسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ))، معَ أنَّهُ ليسَ في حديثِ أبي هريرةَ: ((إِحْدَاهُنَّ)) أوْ ((أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ))، لكنَّ الراويَ تَسَمَّحَ؛ لأنَّ مَالِكاً يَرْوِي كِلا الْحَدِيثَيْنِ، فهذا مِنْ أنواعِ الإدراجِ في الإسنادِ. ومِنْ أنواعِهِ أيضاً: أنْ يَرْوِيَ الْحَدِيثَ أشخاصٌ مُتَعَدِّدُونَ عنْ شَيْخٍ واحدٍ. لكنَّ هذا الراويَ الأَوَّلَ: رواهُ بلَفْظٍ أطْوَلَ. والثانيَ: رواهُ بلَفْظٍ مُخْتَصَرٍ. والثالثَ: رواهُ بلَفْظٍ عِنْدَهُ زِيادةٌ على السابِقَيْنِ. فيأتي أحَدُ الرواةِ، وقدْ تَحَصَّلَتْ لهُ رواياتُ هؤلاءِ كُلِّهم فيَجْمَعُها في إسنادٍ واحدٍ، ويَسوقُها مَسَاقَاً واحداً منهم، ويَذْكُرُ واحداً منهم فَقَطْ. وممَّنْ يَصْنَعُ هذا مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ صاحِبُ (السيرةِ)؛
ولذلكَ انْتَقَدُوا صَنيعَهُ، فمَثَلاً يُحَدِّثُهُ عاصمُ بنُ عمرَ، عنْ
قَتادةَ، والزُّهْرِيُّ ورجُلٌ آخَرُ كُلُّهم عنْ قَتادةَ، عنْ أنَسٍ عن
النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ، ويَذْكُرُ حديثاً. لكنْ
لوْ دُقِّقَ في هذهِ الأحاديثِ لَوُجِدَ أنَّ الزُّهْرِيَّ روَى هذا
الْحَدِيثَ إلاَّ بَعْضَ أجزائِهِ، وعاصمُ بنُ عمرَ رواهُ مُخْتَصَراً. والثالثُ: - وَلْيَكُنْ
ضَعيفاً - رواهُ بلَفْظٍ آخَرَ، فدَمَجَهُمُ ابنُ إسحاقَ بِمَسَاقٍ واحدٍ
فيَقولُ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، وعاصمُ بنُ عمرَ، وفُلانٌ، عنْ قَتادةَ،
عنْ أنَسٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ قالَ كَذَا
وكَذَا. فهذا مِثالُ (مُدْرَجِ الْمَتْنِ)؛ لأنَّهُ ساقَ حديثَهم كلَّهُ بِمَسَاقٍ واحدٍ، والأَوْلَى أن يَفْصِلَ الألفاظَ بعضَها عنْ بعضٍ؛ فلرُبَّما كانَ في اللفْظِ الفلانِيِّ نَكَارَةٌ، فمَنْ نُحَمِّلُها؟ ويُسَمَّى أيضاً (مُدْرَجَ السَّنَدِ). مِنْ أنواعِهِ أيضاً: حديثٌ
رواهُ ابنُ مَاجَهْ مِنْ طريقِ ثابتِ بنِ مُوسَى العابدِ، عنْ شَريكٍ
القاضي، عن الأَعمَشِ، عنْ أبي سُفيانَ طَلحةَ بنِ نافعٍ، عنْ جابرٍ، أنَّ
النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ)). وهذا
الْحَدِيثُ بهذا الإسنادِ قدْ يُحَسِّنُهُ بعضُ العُلماءِ؛ لأنَّ ثابتاً
صَدوقٌ، وشَريكٌ صَدوقٌ، في حِفظِهِ كَلامٌ، فقدْ يُحَسِّنُ الْحَدِيثَ
بعضُ العُلماءِ، وفي الحقيقةِ أنَّ هذا الْحَدِيثَ مَوضوعٌ بطَريقِ
الخَطَأِ. وقِصَّةُ الْحَدِيثِ: أنَّ شَريكاً
كانَ يُمْلِي على التلاميذِ الأحاديثَ في المسْجِدِ، والعدَدُ كبيرٌ، وكان
عندَهُ مُسْتَمْلُونَ يُبَلِّغُونَ ما يَقولُهُ شَريكٌ، فقالَ شَريكٌ:
حدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عنْ أبي سُفيانَ، عنْ طَلحةَ، عنْ جابرٍ، عن النبيِّ
صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ، ثمَّ يَقِفُ حتَّى يُمْلِيَ
الْمُسْتَمْلِي، ثمَّ يَذْكُرُ باقيَ الْحَدِيثِ، فالمستَمْلِي يقولُ:
حدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عنْ أبي سُفيانَ، عنْ جابرٍ، عن النبيِّ صَلَّى
اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ، فلَمَّا تَوَقَّفَ شَريكٌ؛ ليُمْلِيَ
المُسْتَمْلِي على الطَّلَبَةِ دَخَلَ ثابِتُ بنُ موسى المسجِدَ، وهوَ
يَسْمَعُ المستَمْلِيَ، فحَفِظَ الإسنادَ، فلَمَّا التَفَتَ شَريكٌ رأَى
ثابتاً - وكانَ عابداً - فأَخَذَ شَريكٌ يُدَاعِبُهُ، فقالَ: ((مَنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ)). وهوَ
يَقْصِدُ الحكْمَ على ثابتٍ هذا، ولم يَقْصِدْ أنَّ كلامَهُ مَتْنٌ لذلكَ
الإسنادِ، فظَنَّ ثابتٌ أنَّ هذا الكلامَ مَتْنٌ لذلكَ الإسنادِ، فحَفِظَهُ
وحَدَّثَ بهِ. ومِنْ أنواعِهِ أيضاً: نوْعٌ
لم يَذْكُرْهُ الحافظُ، وهوَ أَكْثَرُ ما يَقَعُ في الأحاديثِ، والظاهِرُ
أنَّهُ لم يَذْكُرْهُ؛ لأنَّهُ لا يَعْتَبِرُهُ قَادِحاً، وهوَ غالباً لا
يكونُ قادِحاً، لكنَّهُ أحياناً يُعْتَبَرُ قادحاً، وهذا نَجِدُهُ كثيراً
في صحيحِ مُسْلِمٍ، ويَسْتَخْدِمُهُ الإمامُ الْمُتَّصِفُ بالدِّقَّةِ
الْمُتَنَاهِيَةِ في ذِكْرِ الأسانيدِ والْمُتُونِ مِثلُ مسلِمٍ -رَحِمَهُ
اللَّهُ-. فنَجِدُهُ
يَذْكُرُ الإسنادَ كما وَصَلَ إليهِ لا يُغَيِّرُ فيهِ ولا حَرْفاً
واحداً، لكنْ إذا أَرادَ أنْ يُبَيِّنَ أمْراً في ذلكَ الإسنادِ فإنَّهُ
يُبَيِّنُ ويَسْبِقُهُ بكلمةِ: (وَهُوَ). مِثالٌ: إذا
قالَ مسلِمٌ: حدَّثَنِي أبو بكرِ بنُ أبي شَيْبَةَ قالَ: حدَّثَنِي
عَبْدَةُ، عن الثَّوْرِيِّ، عنْ أبي إسحاقَ -هذا الأصْلُ الذي وَصَلَ إلى
مُسْلِمٍ، لكنَّهُ يُريدُ أنْ يُبَيِّنَ عَبْدَةَ هذا مَنْ هوَ، فيقولُ:
وهوَ ابنُ سُليمانَ. فهذا يُعْتَبَرُ إِدْرَاجاً؛ لأنَّهُ أدْخَلَ في الإسنادِ ما ليسَ منهُ. وكانَ يُمْكِنُ أنْ يَقولَ: حدَّثَنِي (عَبْدَةُ بنُ سُليمانَ) لكنَّهُ لدِقَّتِهِ ووَرَعِهِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- لمْ يُرِدْ أنْ يَزيدَ على أبي بَكْرِ بنِ أبي شَيبةَ كلاماً لم يَقُلْهُ. فهذا
لا يُعْتَبَرُ قادِحاً، ولكنَّهُ وفي بعْضِ الأحيانِ يكونُ قادحاً، كأنْ
يكونَ ذلكَ الْمُحَدِّثُ الذي أَدْرَجَ ذلكَ اللفْظَ أَخْطَأَ في
مَعْرِفَةِ ذلكَ الراوي. مِثالٌ: ابنُ حَزْمٍ في إسنادٍ مِن الأسانيدِ فيهِ سُفيانُ قالَ: (وَهُوَ الثَّوْرِيُّ)،
معَ أنَّهُ بلا شكٍّ سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، فهذا يُعْتَبَرُ قادِحاً؛
لأنَّهُ أَبْدَلَ رَاوِياً براوٍ آخَرَ، ويَنْبَنِي عليهِ أنَّ ذلكَ
الراويَ عنهُ إذا لم يكُنْ رَاوِياً عنْ سُفيانَ الثوريِّ، فيُعْتَبَرُ في
الإسنادِ انقطاعٌ. ثانياً: مُدْرَجُ الْمَتْنِ:وهوَ أن يُدْخِلَ في الْمَتْنِ ما ليسَ منهُ. وهوَ على أقسامٍ: -فأحياناً يكونُ في أوَّلِ الْمَتْنِ. -وأحياناً في وَسَطِهِ. -وأحياناً يكونُ في آخِرِهِ. 1-الإدراجُ في أوَّلِ الْمَتْنِ: مِثالٌ: حديثُ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ))،
بَيَّنَ الْخَطيبُ البَغداديُّ أنَّ مَدارَهُ على شُعْبَةَ، وأنَّ هُناكَ
رَاوِيَيْنِ أَخْطَئَا في هذا الْحَدِيثِ حينَما رَوَيَاهُ عنْ شُعبةَ
بهذهِ الصُّورَةِ. والصوابُ أنَّ أبا هُريرةَ قالَ للنَّاسِ: ((أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ))؛ فإنِّي سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ يقولُ: ((وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ)). ففي أوَّلِ الْمَتْنِ أَدْرَجَ لفْظَ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ. 2-الإدراجُ في وَسَطِ الْمَتْنِ: مِثالٌ: حديثُ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها: ((أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يَتَحَنَّثُ فِي غَارِ
حِرَاءٍ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ))، فالزُّهْرِيُّ هوَ الذي قالَ: (وَهُوَ التَّعَبُّدُ). 3-الإدراجُ في آخِرِ الْمَتْنِ: مِثالٌ: حديثُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ قالَ:((لِلْعَبْدِ
الْمَمْلُوكِ أَجْرَانِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا الْحَجُّ
وَالْجِهَادُ وَبِرُّ أُمِّي لَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ عَبْداً
مَمْلُوكاً)). لا يَصِحُّ أنْ يُنْسَبَ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ بهذهِ الصُّورةِ؛ فوَاضِحٌ أنَّ قَوْلَهُ: (والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ... إلخ)) ليسَ مِنْ كلامِهِ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ، وإنَّما هوَ مِنْ لفْظِ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ. كيفَ نَعْرِفُ الإدراجَ؟ 1-إمَّا بالتنصيصِ مِنْ نفْسِ الذي أَدْرَجَ ذلكَ اللفْظَ، كأنْ يُبَيِّنَ أنَّهُ هوَ الذي زَادَ هذهِ اللَّفْظَةَ. 2-أنْ يَنُصَّ عليهِ إمامٌ مُعْتَبَرٌ. 3-أنْ يَتَّضِحَ الإدراجُ بجَمْعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ،مثلُ: حديثِ: ((أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ))، جَمَعْنَا الطُّرُقَ، لم نَجِدْ هذهِ الْجُملةَ مِنْ تلكَ الطُّرُقِ إلاَّ في طريقَيْنِ اثنَيْنِ. 4-أنْ يكونَ ذلكَ اللفْظُ يَستحيلُ نِسبتُهُ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ، مثلُ: الْحَدِيثِ الذي فيهِ: ((فوَالَّذي نفْسِي بيدِهِ لولا الْجِهادُ والحَجُّ وبِرُّ أمِّي لتَمَنَّيْتُ أنْ أكونَ عَبْداً مَمْلُوكاً))؛ فوالدةُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ لَيْسَتْ حَيَّةً، وإنَّما كانتْ مُتَوَفَّاةً. - وكذلكَ:يَستحيلُ أنْ يَتَمَنَّى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ الرِّقَّ؛لأنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ معَ الأنبياءِ، وجَعَلَهم مِنْ أَوَاسِطِ الناسِ، فلا يكونُ عَبْداً مَمْلوكاً حتَّى لا يُزْدَرَى. لماذا يَحْصُلُ الإِدْرَاجُ؟ 1-إمَّا لاستنباطِ حُكْمٍ فِقْهِيٍّ مِن الْحَدِيثِ. 2-أوْ للاستدلالِ على مَسألةٍ مُعَيَّنَةٍ، مِثلُ قولِ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ:((أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ)). 3-شَرْحِ لفْظَةٍ غَرِيبَةٍ،مِثْلُ: ما وَضَعَ الزُّهْرِيُّ).
العناصر الحديث المدرج: تعريف (المدرج) أقسام المدرج: القسم الأول: مدرج الإسناد: تعريف (مدرج الإسناد) أقسام (مدرج الإسناد) القسم الأول: أن يروي الحديث جماعة بأسانيد مختلفة، فيرويه عنهم راوٍ فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد، ولا يبين الاختلاف مثال القسم الأول القسم الثاني: أن يكون المتن عند راوٍ إلا طرفاً منه، فإنه عنده بإسنادٍ آخر، فيرويه راوٍ عنه تاماً بالإسناد الأول مثال القسم الثاني تنبيه: الأولى أن يلحق القسم الثاني بمدرج المتن القسم الثالث: أن يكون عند الراوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين، فيرويهما راوٍ عنه مقتصراً على أحد الإسنادين مثال القسم الثالث تنبيه: الأولى أن يلحق القسم الثالث بمدرج المتن القسم الرابع: أن يسوق الراوي الإسناد، فيعرض له عارض فيقول كلاماً من قبل نفسه فيظن أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد، فيرويه عنه كذلك مثال القسم الرابع تنبيه: بعض الأئمة لا يسمي القسم الرابع مدرجاً تنبيه: القسم الرابع قليل جداً القسم الثاني: مدرج المتن: تعريف (مدرج المتن) مثال لـ(مدرج المتن) أقسام مدرج المتن القسم الأول: الإدراج الواقع في أول المتن مثال الإدراج الواقع في أول المتن القسم الثاني: الإدراج الواقع في وسط المتن مثال الإدراج الواقع في وسط المتن القسم الثالث: الإدراج الواقع في آخر المتن مثال الإدراج الواقع في آخر المتن تنبيه: أكثر ما يرد إدراج المتن في آخر الحديث الأمور التي يعرف بها الإدراج: الأمر الأول: النص على ذلك من قِبَلِ مَنْ أدرج ذلك اللفظ مثال الأمر الأول الأمر الثاني: أن ينص عليه إمام معتبر مثال الأمر الثاني الأمر الثالث: أو بجمع طرق الحديث مثال الأمر الثالث الأمر الرابع: أن تمتنع نسبة ذلك اللفظ إلى النبي صلى الله عليه وسلم مثال الأمر الرابع أسباب الإدراج: السبب الأول: حكم فقهي مستنبط من الحديث السبب الثاني: التنبيه على الاستدلال على مسألة معينة مثال السبب الثاني السبب الثالث: شرح لفظة غريبة مثال السبب الثالث عناية العلماء بمدرج المتن أكثر من عنايتهم بمدرج الإسناد
حكم تعمد الإدراج في المتن أو السند
المصنفات في المدرج
مسائل وتنبيهات:
تبع الحافظ في تقسيم المدرج تقسيم الخطيب في كتابه (الفصل للوصل المدرج في النقل)
المدرج داخل في المعلل والشاذ
دعوى الإدراج يكتفى فيها بغلبة الظن ومردها إلى الاجتهاد المحتمل للصواب والخطأ
من القرائن على الإدراج أن يُعرف الراوي أنه يشرح الغريب أو يورد مناسبة للحديث
الأسئلة س1: عرف (المدرج) لغة واصطلاحاً.
س2: اذكر أقسام المدرج بالتفصيل والتمثيل.
س3: اذكر مع التمثيل الأمور التي يعرف بها الإدراج.
س4: اذكر أسباب الإدراج مع التمثيل لكل سبب.
س5: اذكر المصنفات في المدرج.
س6: هل يعتبر الإدراج علة من علل الحديث.