25 Oct 2008
رواية المبتدع
قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (ثُمَّ البِدْعَةُ
إِمَّا بِمُكَفِّرٍ، أَوْ بِمُفَسِّقٍ:
فالأَوَّلُ: لاَ يَقْبَلُ صَاحِبَهَا الجَمْهُورُ.
والثَّانِي: يُقْبَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً إلى بِدْعَتِهِ في الأَصَحِّ؛ إِلاَّ إِنْ رَوَى مَا يُقَوِّي بِدْعَتَهُ، فَيُرَدُّ عَلَى المُخْتَارِ، وَبِهِ صَرَّحَ الجُوْزَجَانِيُّ شَيْخُ النَّسَائِيِّ).
نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (4) (ثُمَّ البِدْعَةُ) وهي السَّببُ التَّاسِعُ من أسبابِ الطَّعْنِ في الرَّاوي، وهِيَ: (إِمَّا) أن تكونَ (بِمُكَفِّرٍ) كأن يعتَقِدَ ما يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ (أو بِمُفَسِّقٍ، فَالأولُ لاَ يَقْبَلُ صَاحِبَهَا الجُمْهُورُ). وقيلَ: يُقْبَلُ مُطْلَقًا. وقيلَ: إنْ كان لا يَعْتَقِدُ حِلَّ الْكَذِبِ لنُصْرَةِ مَقالَتِهِ قُبِلَ. والتَّحقيقُ أنَّهُ لا يُرَدُّ كُلُّ مُكَفَّرٍ بِبِدْعَتِهِ؛ لأنَّ
كُلَّّ طائِفَةٍ تدَّعِي أنَّ مُخَالِفيها مُبْتَدِعَةٌ، وقد تُبَالِغُ
فَتُكَفِّرُ مُخالِفَها، فلوْ أُخِذَ ذَلِكَ على الإِطْلاقِ لاستلزَمَ
تَكْفِيرَ جميعِ الطَّوَائِفِ. فَالمُعْتَمَدُ أنَّ الذي تُرَدُّ روايتُهُ مَنْ أنكَرَ أمْرًا مُتَوَاتِرًا من الشَّرْعِ معلومًا من الدِّينِ بالضَّرُورَةِ،وكذا
مَن اعْتَقَدَ عَكْسَهُ، فأمَّا مَن لم يكنْ بهَذِهِ الصِّفَةِ وَانْضَمَّ
إلى ذَلِكَ ضَبْطُهُ لَمَّا يَرْوِيهِ مَعَ وَرَعِهِ وتَقْوَاهُ فلا مانعَ
مِن قَبُولِهِ. (5) (وَالثَّانِي) وهو مَن لا تَقْتَضِي بدعتُهُ التَّكْفِيرَ أصلاً. وقد اخْتُلِفَ أيضًا في قَبُولِهِ وَرَدِّهِ: فقيل: يُرَدُّ مُطْلَقًا،وهو
بعيدٌ، وأكثَرُ ما عُلِّلَ بهِ أنَّ في الرِّوايةِ عنهُ تَرْوِيجًا
لأَمْرِه وتنويهًا بذِكرِهِ وعلى هَذَا فيَنْبَغِي أنْ لا يُروَى عَن
مُبتدِعٍ شيءٌ يشارِكُهُ فيه غَيْرُ مُبتدِعٍ. وقيل: يُقْبَلُ مُطْلَقًا إلاَّ إن اعْتَقَدَ حِلَّ الكَذِبِ كما تقدَّمَ. وقيل: (يُقْبَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً إلى بِدْعَتِهِ) لأنَّ تزْيِينَ بدْعَتِهِ قد يَحْمِلُه على تَحريفِ الرِّوَاياتِ وتسويَتِهَا على ما يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ، وهَذَا (في الأَصَحِّ) وأغربَ ابْنُ حِبَّانَ فادَّعَى الاتِّفَاقَ عَلَى قَبُولِ غيرِ الدَّاعِيَةِ من غيرِ تَفْصيلٍ. نعم، الأكثرُ عَلَى قَبُولِ غيرِ الدَّاعِيةِ (إِلاَّ إِنْ رَوَى مَا يُقَوِّي بِدْعَتَهُ فَيُرَدُّ عَلَى) المَذْهبِ (المُخْتَارِ، وَبِهِ صَرَّحَ) الحافظُ أَبُو إِسْحَاقَ إبراهيمُ بْنُ يعقوبَ الجُوزْجَانِيُّ شَيْخُ أَبِي دَاودَ وَ النَّسَائِيِّ في كتابِه (مَعْرِفَةُ الرِّجَالِ) فقال
في وَصفِ الرُّوَاةِ: ومنهمْ زائغٌ عَن الحَقِّ - أي: عَن السُّنَّةِ-
صادقُ اللَّهْجَةِ، فليس فيه حِيلةٌ إلاَّ أنْ يُؤخذَ من حَدِيثِه ما لا
يكونُ مُنْكِرًا إذا لم يُقَوِّ بهِ بدعتَهُ. ا.هـ. وما
قالَهُ مُتَّجِهٌ؛ لأنَّ العِلَّةَ التي لها رُدَّ حَدِيثُ الدَّاعيةِ
وارِدَةٌ فيما إذا كانَ ظاهِرُ المَرْوِيِّ يُوافقُ مذهبَ المبتدِعِ، ولوْ
لم يكنْ دَاعِيةً، واللهُ أَعْلَمُ).
نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: ( (3) البدعةُوصلَ الحافظُ إلى موضوعٍ كثُرَ فيه الكلامُ وهو البدعةُ. قَسَّم الحافظُ البدعةَ قسمينِ: - بدعةٌ مُكَفَّرَةٌ. - وبدعةٌ مُفَسَّقَةٌ. ثمَّ عادَ على القسمِ الأوَّلِ: بالنقضِ وقالَ: (التحقيقُ أنَّ قضيَّةَ التكفيرِ هذه ينبغي عزلُها) لأنَّ كلَّ طائفةٍ من الطوائفِ ربَّما تُكَفِّرُ الطائفةَ الأخرى، وقالَ: (الصحيحُ أنَّه لا يُكَفَّرُ إلا مَن أنكرَ أمرًا معلومًا مِن الشرعِ بالضرورةِ). ثُمَّ أتى إلى البدعةِ غيرِ المُكَفَّرَةِ وذكرَ فيها أقوالاً، وَخَلُصَ إلى أنَّه يُفَرَّقُ: -بينَ الداعيةِ. -وغيرِ الداعيةِ. وأنَّ الصحيحَ أنَّ خبرَ الداعيةِ لا يُقبلُ. وأنَّ خبرَ غيرِ الداعيةِ يُقبلُ بشرطِ أنْ لا يرويَ ما يقوُّي بدعتَه. والكلامُ في هذا الموضوعِ كثيرٌ. والأَوْلَى: مِن تقسيمِ البدعةِ إلى: مُكَفِّرَةٍ، ومُفَسِّقَةٍ، أنَّ تُقسَّمَ إلى: -بدعٍ مُغَلَّظَةٍ. -وَبِدَعٍ مُخَفَّفَةٍ. المُغَلَّظَةُ: مثلُ: الجهميَّةِ، والغلوِّ في التشيُّعِ الذي يسمُّونَه الرفضَ. والبدعُ المُخَفَّفَةُ: مثلُ: القدرِ، أو النَّصبِ اليسيرِ، أو تفضيلِ عليٍّ، على عثمانَ رضي اللهُ عنهما، أو إرجاءٍ ونحوِ ذلكَ. الخلاصةُ في موضوعِ البدعةِ: الذي
يظهرُ مِن صنيعِ الأئمَّةِ أنَّهم لم يُولُوا قضيَّةَ الابتداعِ في قبولِ
الرِّوايةِ وردِّها أهميَّةً كبيرةً، وإنَّما الاعتمادُ عندَهم على صدقِ
الراوي وضبطِه، فمتى ظهرَ صدقُه وعُرِفَ ضبطُه قُبلَتْ أحاديثُه وإنْ كان
فيه شيءٌ مِن الابتداعِ، والتفريقِ بينَ الداعيةِ وغيرِه، وما إذا روى ما
يُؤَيِّدُ بدعتَه أو لم يروِ ما يؤيِّد بدعتَه هذا فيه نظرٌ، فالعبرةُ
بصدقِ الراوي وضبطِه. وهنا ينبغي أنْ يُفَرَّقَ: -بينَ تركِ الروايةِ عن المبتدعِ مِن أجلِ بدعتِه. -ومِن أجلِ عقوبتِه. -وبينَ ردِّ روايتِه. فالراوي
المُبْتَدِعُ إذا رُوِيَ عنه وكانَ صادقًا ضابطًا قُبِلَتْ أحاديثُه،
ولكنَّ تركَ الروايةِ عنه مِن بابِ هجرِ المُبْتَدِعِ موضوعٌ آخرُ، وهذا
الذي يظهرُ جمعًا بينَ أقوالِ الأئمَّةِ وصنيعِهم بأحاديثِ
المُبْتَدِعَةِ).
شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: (روايَةُ الْمُبْتَدِعِ: وهوَ: مَنْ وُصِفَ بأنَّهُ رَافِضِيٌّ، أوْ قَدَرِيٌّ، أوْ مُرْجِئٌ، أوْ جَهْمِيٌّ، أوْ خَارِجِيٌّ. قَسَّمَ العُلماءُ البِدَعَ إلى قِسمَيْنِ: 1-بِدَعٍ بِدَعٌ مُكَفِّرَةٌ. 2-بِدَعٍ بِدَعٌ غيرِ غيرُ مُكَفِّرَةٍ. 1- البِدَعُ الْمُكَفِّرَةُ: مثلُ: بِدعةِ
التَّجَهُّمِ، والرافِضِيِّ الْغَالِي في رَفْضِهِ، وهوَ الذي يَقولُ
بأنَّ في القرآنِ نَقْصاً، وأنَّ هناكَ قُرآناً غيرَ هذا القرآنِ،
ويُصَرِّحُ بتَكفيرِ مُعْظَمِ الصحابةِ، أوْ يَدَّعِي أنَّ عَلِيًّا هوَ
الإلهُ، فهذا الصِّنْفُ مِن الرُّواةِ رِوَايَتُهُمْ مَرفوضةٌ مَردودةٌ. 2- بِدَعٌ غيرُ مُكَفِّرَةٍ: مِثْلُ: الإرْجَاءِ والقَدَرِ والتَّشَيُّعِ الخفيفِ. القَدَرِيُّ: وهوَ
مَنْ يقولُ: إنَّنِي لوْ وَصَفْتُ وقُلْتُ: إنَّ اللَّهَ قدَّرَ الخيرَ
والشرَّ على الناسِ، لأَصْبَحْتُ وَاصفاً للَّهِ بأنَّهُ ظالِمٌ. وهيَ مَقولةٌ مُسْتَبْشَعَةٌ، وهوَ أَرادَ أنْ يُنَزِّهَ اللَّهَ عن الظُّلْمِ، وتَجِدُهُ في باقي أُمُورِهِ مُنْضَبِطاً. الْمُرْجِئُ: وهوَ مَنْ يَقولُ: إنَّ الأعمالَ لا تَدخُلُ في مُسَمَّى الإيمانِ، فالإيمانُ هوَ مُجَرَّدُ التصديقِ ولا تَدخلُ الأعمالُ فيهِ، والإيمانُ لا يَزيدُ ولا يَنْقُصُ، وتأويلُهم ناشئٌ مِنْ أَخْذِهم بالإيمانِ بالمفهومِ اللُّغَوِيِّ. فيقولونَ: إنَّ اللَّهَ قالَ عنْ إِخوةِ يُوسُفَ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا}[يُوسُف:17]، يَعني: مُصَدِّقٍ لنا، فالإيمانُ يعني التصديقَ، وكَوْنُنا نُدْخِلُ الأعمالَ في مُسَمَّى الإيمانِ فهذا معنًى زائدٌ. هذا قَوْلُهم. الْمُتَشَيِّعُ تَشَيُّعاً خَفيفاً: وهوَ يُقَدِّمُ عَلِيًّا، على عثمانَ، ويُوجَدُ فيهم بُغْضٌ لِمُعاويَةَ وعمرِو بنِ العاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عنهما-، فَيُوصَفُ بأنَّهُ: فيهِ تَشَيُّعٌ. الحافِظُ -رَحِمَهُ
اللَّهُ- وَضَعَ قاعدةً اسْتَقَاهَا مِن ابنِ حِبَّانَ وغيرِهِ، لكنَّ
ابنَ حِبَّانَ رَكَّزَ عليها في مُقَدِّمَةِ كتابِهِ: المَجْرُوحِينَ. القـاعـدةُ: نُفَرِّقُ
بينَ الداعيَةِ وغيرِ الداعيَةِ، فإذا وَجَدْنا مَوصوفاً ببدعةٍ غيرِ
مُكَفِّرَةٍ؛ كالقولِ بالقَدَرِ والإرجاءِ والتَّشَيُّعِ الخفيفِ، فنَنظُرُ
إلى ذلكَ الراوي، هلْ هوَ داعٍ إلى بِدْعَتِهِ أوْ لا؟ فإنْ كانَ داعياً
إلى بِدعتِهِ رَدَدْنَا رِوايتَهُ؛ لأنَّنا لوْ قَبِلْنَا رِوايتَهُ لكانَ
ذلكَ تَأييداً لبِدعتِهِ، فما دامَ أنَّهُ رَأْسٌ في البِدعةِ فإنَّهُ
تُتْرَكُ رِوايتُهُ كالتعزيرِ والنِّكَايَةِ بهِ. أمَّا
إذا لمْ يَكُنْ دَاعياً إلى بِدعتِهِ، فهذا عندَهم فيهِ قَيْدٌ، قالُوا:
إنْ كانَ في حديثِهِ ما يُؤَيِّدُ بِدعتَهُ رَدَدْناهُ، ونَقبلُ أحاديثَهُ
التي لا تُؤَيِّدُ بِدعتَهُ. وهذا مَذْهَبٌ لبعضِ العُلماءِ إجمالاً، وفي المسألةِ تَفصيلٌ ليسَ هذا مَوْضِعَهُ).
العناصر البدعة: تعريف (البدعة) حكم رواية المبتدع التفريق بين رواية المبتدع الداعية إلى بدعته ورواية غيره التفريق بين رواية المبتدع لما يدعو إلى بدعته وروايته لغير ذلك. العبرة بصدق الراوي وضبطه بيان المحذور المترتب على رد رواية المبتدع مطلقًا، والمحذور المترتب على قبول رواية المبتدع مطلقًا أقسام البدعة: القسم الأول: بدعة مكفرة حكم قبول رواية صاحب البدعة المكفرة أمثلة البدع المكفرة القسم الثاني: بدعة مفسقة (غير مكفرة) أمثلة البدع المفسقة الأولى من تقسيم البدعة إلى مكفرة ومفسقة أن تقسم إلى بدع مغلظة وبدع مخففة أمثلة البدع المغلظة أمثلة البدع المخففة تنبيه: فرق بين ترك رواية المبتدع وبين رد روايته
الأسئلة س1: عرف (البدعة) لغة واصطلاحاً.
س2: ما حكم رواية المبتدع؟
س3: ما المحذور المترتب على رد رواية المبتدع مطلقاً.
س4: اذكر أقسام البدع مع التمثيل.