29 Oct 2008
المرفوع والموقوف والمقطوع
قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (ثُمَّ الإِسْنَادُ إِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى النَّبِي _ِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ تَصْرِيحًا أَوْ حُكْمًا؛ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ فِعْلِهِ، أَوْ تَقْرِيرِهِ.
- أَوْ إِلى الصَّحَابِيِّ كَذَلِكَ.
وَهُوَ
مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَسَلَّمَ _ مُؤْمِنًا بِهِ وَمَاتَ عَلَى الإِسْلاَمِ، وَلَوْ تَخَلَّلَتْ
رِدَّةٌ في الأَصَحِّ. - أَوْ إِلى التَّابِعِيِّ، وَهُوَ مَنْ لَقِيَ الصَّحَابِيَّ كَذِلَكَ. فالأَوَّلُ:المَرْفُوعُ. والثَّانِي: المَوْقُوفُ. والثَّالِثُ: المَقْطُوعُ، وَمَنْ دُونَ التَّابِعِيِّ فِيهِ مِثْلُهُ. وَيُقَالُ لِلأَخِيرَيْنِ: الأَثَرُ).
نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (ثُمَّ الإِسْنَادُ) وهو الطريقُ المُوَصِّلَةُ إلى المتْنِ، والمتْنُ هو غايةُ ما يَنْتَهِي إليه الإِسْنَادُ مِن الكَلامِ، وهو (إِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ويقْتَضِي لَفْظُهُ -إمَّا (تَصْرِيحًا، أو حُكْمًا)- أنَّ المنقُولَ بذَلِكَ الإسنادِ (مِنْ قَوْلِهِ) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أو) من (فِعْلِهِ، أو) من (تَقْرِيرِه). - مِثَالُ:المرفوعِ مِنَ القولِ تصريحًا: أنْ
يقولَ الصَّحابيُّ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقولُ كذا، أو حَدَّثَنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بكذا، أو يقولَ هو أو غيرُه: قال رسولُ اللهِ كذا أو عَن رَسُولِ اللهِ
أنَّهُ قالَ كذا أو نحوَ ذَلِكَ. - ومِثَالُ المرفوعِ مِنَ الفعلِ تصريحًا: أنْ
يقولَ الصَّحَابِيُّ: رأيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ
وآلِه وَسَلَّمَ فعلَ كذا، أو يقولَ هو أو غيرُه: كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يفعلُ كذا. - ومِثَالُ المرفوعِ من التَّقْرِيرِ تصريحًا: أنْ
يقولَ الصَّحَابِيُّ: فعَلْتُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كذا، أو يقولَ هو أو غيرُه: فعل فُلانٌ بحضْرَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كذا، ولا يَذْكُرُ
إنكارَهُ لذَلِكَ. - ومِثَالُ المرفوعِ من القولِ حُكْمًا لا تصريحًا: أنْ
يقولَ الصَّحَابِيُّ الذي لم يأخُذْ عَن الإِسْرَائِيلِيَّاتِ ما لا مجالَ
للاجْتِهَادِ فيه، ولا لهُ تَعَلُّقٌ بِبَيانِ لُغَةٍ أو شرحِ غَرِيبٍ،
كالإِخْبَارِ عَن الأمُورِ الماضِيَةِ من بَدْءِ الخَلْقِ وأخبارِ
الأنْبِيَاءِ، أو الآتِيَةِ، كَالْمَلاحِمِ والفِتَنِ وأحوالِ يومِ
القِيَامَةِ، وكذا الإخبارُ عَمَّا يَحْصُلُ بفعلِهِ ثوابٌ مَخْصوصٌ أو
عِقَابٌ مَخْصُوصٌ. وَإِنَّمَا
كان لهُ حُكْمُ المَرْفوعِ؛ لأنَّ إخبارَهُ بذَلِكَ يَقْتَضِي مُخْبِرًا
له، وما لا مَجَالَ للاجْتِهَادِ فيه يَقْتَضِي مُوقِفًا لِلقَائِلِ بهِ،
ولا مُوقِفَ لِلصَّحَابَةِ إلاَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله
وَسَلَّمَ أو بَعْضُ مَن يُخْبِرُ عَن الكُتُبِ القديمَةِ، فلِهَذَا وقعَ
الاحْتِرَازُ عَن القِسْمِ الثَّانِي، وإذا كانَ كذَلِكَ فله حُكْمُ ما لوْ
قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فهو
مرفوعٌ سواءٌ كانَ مما سمعَهُ منه أو عنهُ بواسِطَةٍ. - ومِثَالُ المرفوعِ مِنَ الفِعْلِ حُكْمًا: أنْ
يفعلَ الصَّحَابِيُّ ما لا مجالَ للاجْتِهَادِ فيه، فَيُنَـزَّلُ على أنَّ
ذَلِكَ عندَهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ،
كما قالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في صَلاَةِ عَلِيٍّ في
الكُسُوفِ: ((في كُلِّ ركْعةٍ أكثرَ مِن رُكوعَيْنِ)). -
ومِثَالُ المرفوعِ من التَّقريرِ حُكْمًا: أنْ يُخْبِرَ الصَّحَابِيُّ
أنَّهم كانوا يَفْعَلُونَ في زمانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله
وَسَلَّمَ كذا، فإنَّه يكونُ لهُ حُكْمُ الرَّفْعِ مِن جِهْةِ أنَّ
الظَّاهِرَ اطِّلاَعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ على ذَلِكَ؛
لِتَوَفُّرِ دَواعِيهِمْ على سُؤَالِهِ عَن أمورِ دِينِهِمْ، ولأنَّ
ذَلِكَ الزَّمَانَ زَمَانُ نُزُولِ الوَحْيِ فلا يَقَعُ من الصَّحابَةِ
فِعْلُ شيءٍ ويَسْتَمِرُّونَ عليهِ إلاَّ وهو غيرُ ممنوعِ الفعلِ، وقد
اسْتَدَلَّ جابرٌ، وأبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما على جوازِ
الْعَزْلِ بأنَّهمْ كانوا يَفْعَلُونَهُ، والقرآنُ يَنْـزِلُ، ولوْ كانَ
مما يُنْهَى عنهُ لَنَهَى عنهُ القرآنُ0 ويَلْتَحِقُ بِقَولي: (حُكْمًا) ما
وَرَدَ بصيغَةِ الكِنَايةِ في مَوْضِعِ الصِّيَغِ الصَّرِيحَةِ بالنِّسبةِ
إليهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ كقولِ التَّابِعِيِّ عَن
الصَّحَابِيِّ: (يَرْفَعُ الحَدِيثَ) أو (يَرْوِيهِ) أو (يَنْمِيهِ)، أو (رِوَايةً)، أو (يَبْلُغُ بهِ)، أو (رَوَاهُ)، وقد
يقْتَصِرُونَ على القولِ مع حذْفِ القَائِلِ، ويُرِيدُونَ بهِ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، كقولِ ابْنِ سِيرِينَ، عَن أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قال: قال: ((تُقَاتِلُونَ قَوْمًا))
الحَدِيثَ. وفي كَلامِ الْخَطِيبِ أنَّه اصْطِلاَحٌ خَاصٌّ بأهلِ البصْرَةِ. - ومِن الصِّيَغِ المُحْتَمِلَةِ قولُ الصَّحَابِيِّ: (مِنَ السُّنَّةِ كَذَا)، فالأَكْثَرُ على أنَّ ذَلِكَ مرفوعٌ. وَنَقَلَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فيه الاتِّفَاقَ، قال: وإذا قالها غيرُ
الصَّحَابِيِّ فكذَلِكَ، ما لم يُضِفْهَا إلى صَاحِبِهَا كَسُنَّةِ
العُمَرَيْنِ، وفي نَقْلِ الاتِّفَاقِ نَظَرٌ، فعن الشَّافِعِيِّ في أَصلِ
المسألةِ قَوْلانِ. وذهبَ
إلى أنَّه غيرُ مرفوعٍ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ، مِن الشَّافِعِيَّةِ،
وأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ، من الْحَنَفِيَّةِ، وابْنُ حَزْمٍ، مِن أهلِ
الظَّاهِرِ، واحتجُّوا بأنَّ السُّنَّةَ تترَدَّدُ بَيْنَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبَيْنَ غيرِه، وأُجِيبُوا بأنَّ احتمالَ
إرادةِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيدٌ. وقد روَى الْبُخَارِيُّ في (صَحِيحِهِ) في حَدِيثِ: ابْنِ شِهَابٍ، عَن سالمِ بْنِ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَن أَبِيهِ، في قِصَّتِهِ مع الحَجَّاِجِ، حينَ قالَ لهُ: ((إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلاَةِ)). قال ابْنُ شِهابٍ: فقلتُ لسالمٍ: أَفَعَلَهُ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ؟ فقال: (وَهَلْ يَعْنُونَ بذَلِكَ إلاَّ سُنَّتَهُ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ؟!) فَنَقَلَ سَالِمٌ
-وهو أَحَدُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ أَهْلِ المَدينَةِ، وَأَحَدُ
الْحُفَّاظِ من التَّابِعينَ عَن الصَّحَابَةِ- أنَّهم إذا أطْلَقُوا
السُّنَّةَ لا يُرِيدونَ بذَلِكَ إلاَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ. وأَمَّا قولُ بعضِهم: إذا كانَ مرفوعًا فَلِمَ لا يقولونَ فيه قالَ رسولُ اللهِ؟ فجوابُهُ: أنَّهُمْ تَرَكُوا الجزْمَ بذَلِكَ تَوَرُّعًا واحْتياطًا. ومِن هَذَا قولُ أَبِي قِلابَةَ عَن أَنَسٍ: (مِن السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا) أَخْرَجَاهُ في (الصَّحِيحَيْنِ). - قال أَبُو قِلاَبَةَ: (لو شِئْتُ لقلتُ إنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ)، أي: لو قُلْتُ لم أَكْذِبْ؛ لأنَّ قولَهُ (مِن السُّنَّةِ) هَذَا معناه. لكنْ إيرادُهُ بالصِّيغَةِ التي ذَكَرَهَا الصَّحَابِيُّ أَوْلَى. ومِن ذَلِكَ قولُ الصَّحَابِيِّ: أُمِرْنَا بكَذا، أو نُهِينَا عَن كذا، فالخِلافُ
فيه كالخلافِ في الذي قبلَهُ؛ لأنَّ مُطْلَقَ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ بظَاهرِهِ
إلى مَن لَهُ الأمرُ والنَّهْيُ، وهو الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وآلِه وَسَلَّمَ. وخَالَفَ
في ذَلِكَ طَائِفَةٌ تَمَسَّكُوا باحتمالِ أَنْ يَكُونَ المُرادُ غيرَه،
كأمْرِ القرآنِ أو الإجْماعِ أو بعضِ الخُلَفَاءِ أو الاسْتِنْبَاطِ
وأُجِيبُوا بأنَّ الأصلَ هو الأولُ، وما عَدَاهُ مُحْتَمَلٌ لكنَّهُ
بالنِّسْبَةِ إليهِ مَرْجُوحٌ. وأيضًا
فمَنْ كان في طاعةِ رَئِيسٍ إذا قال: أُمِرْتُ لا يُفْهَمُ عنه أَنَّ
آمِرَهُ ليس إلاَّ رئيسَهُ، وأَمَّا قولُ مَن قالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ
يُظَنَّ ما ليس بآمرٍ أمْرًا، فلا اخْتِصاصَ لَهُ بهَذِهِ المسألةِ بلْ هو
مَذْكُورٌ فيما لو صَرَّحَ، فقالَ: أمَرَنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بكذا، وهو احتمالٌ ضَعِيفٌ؛ لأنَّ الصَّحَابِيَّ
عَدْلٌ عارِفٌ باللِّسانَِ، فلا يُطْلِقُ ذَلِكَ إلاَّ بعدَ التَّحقُّقِ. ومِن ذَلِكَ قولُه: كُنَّا نفعلُ كذا؛ فلهُ حُكْمُ الرَّفْعِ أيضًا كما تقدَّمَ. ومِن
ذَلِكَ أن يَحْكُمَ الصَّحَابِيُّ على فِعلٍ مِن الأفعالِ بِأَنَّهُ طاعةٌ
للهِ، أو لرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ، أو
مَعْصِيَةٌ كقولِ عَمَّارٍ: (مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الذِي يُشَكُّ فيه فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ) فلهَذَا
حُكْمُ الرَّفْعِ أيضًا؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّ ذَلِكَ مما تَلَقَّاهُ عَن
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ. (أو) تَنْتَهِيَ غايةُ الإسنادِ (إلى الصَّحَابِيِّ كذَلِكَ) أي:
مِثْلَ ما تقدَّمَ في كونِ اللَّفْظِ يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ بأنَّ
المَقُولَ هو مِن قولِ الصَّحَابِيِّ أو مِن فعلِهِ أو مِن تقْرِيرِهِ، ولا
يَجيءُ فيه جَميعُ ما تَقَدَّمَ بلْ مُعْظمُهُ. والتَّشْبِيهُ لا
تُشْتَرَطُ فيهِ المُساواةُ مِن كُلِّ جِهَةٍ. (2) ولَمَّا
أنْ كان هَذَا المُخْتَصَرُ شامِلاً لجميعِ أنواعِ عُلومِ الحَدِيثِ
استطْرَدْتُ منه إلى تَعْرِيفِ الصَّحَابِيِّ مَنْ هُو، فقلتُ: (وَهُوَ:
مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ
مُؤْمِنًا بِهِ وَمَاتَ عَلَى الإِسْلاَمِ وَلَوْ تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ في
الأَصَحِّ)، والمرادُ بِاللِّقاءِ:
ما هو أعمُّ مِن المُجالسةِ، والمُمَاشاةِ، ووُصولِ أحدِهِما إلى الآخَرِ،
وإنْ لم يُكالِمْهُ، وتدخُلُ فيه رُؤيةُ أَحَدِهما الآخَرَ سواءٌ كان
ذَلِكَ بنفْسِه أو بغيرِه. والتَّعبيرُ (باللُّقَي) أوْلَى
من قولِ بعضِهم: الصَّحَابِيُّ مَن رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تعالى
عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ؛ لأنَّه يَخْرُجُ حينئذٍ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ
ونحوَهُ مِن العُميانِ وهُم صحابةٌ بلا تَرَدُّدٍ، واللُّقَى في هَذَا
التَّعْرِيفِ كالجِنْسِ، وقَوْلي (مُؤْمِنًا) كالفَصْلِ يُخْرِجُ مَن حَصَلَ لهُ اللِّقَاءُ المذكورُ لكن في حالِ كونِه كافِرًا. وقولي (بِهِ) فصلٌ ثانٍ: يُخْرِجُ مَن لَقِيَهُ مُؤْمِنًا، لكنْ بِغَيْرِهِ مِن الأنْبِياءِ. لكنْ هلْ يُخْرِجُ مَن لَقِيَهُ مؤمنًا بأنَّهُ سَيُبْعَثُ ولم يُدْرِكِ البَعْثَةَ؟ فيه نَظَرٌ. وقَوْلي: (وَمَاتَ عَلَى الإِسْلاَمِ). فصلٌ ثالثٌ: يُخْرِجُ مَن ارتَدَّ بعدَ أن لَقِيَهُ مؤمنًا به، وماتَ على الرِّدَّةِ كعُبيدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ وابْنِ خَطَلٍ. وقولي: (وَلَوْ تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ) أي:
بَيْنَ لُقِيِّهِ لَهُ مُـؤْمِنًا به وبَيْنَ مـوْتِه على الإسـلامِ،
فإنَّ اسمَ الصُّحْبَةِ باقٍ لهُ سـواءٌ أَرَجَعَ إلى الإسلامِ في حياتِهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو بعدَهُ، وسواءٌ أَلَقِيَهُ ثانيًا أَمْ لا. وقولي: (فِي الأَصَحِّ) إِشَارَةً
إلى الخلافِ في المسألَةِ، ويدلُّ على رُجْحَانِ الأولِ قِصَّةُ
الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، فإنَّه كانَ مِمَّنْ ارتدَّ وأُتِيَ بِهِ إلى
أَبِي بكرٍ الصِّديقِ، أسِيرًا فعادَ إلى الإسلامِ، فَقَبِلَ منه ذَلِكَ
وزَوَّجَهُ أُخْتَهُ، ولم يتخلَّفْ أحدٌ عَن ذِكْرِهِ في الصَّحابَةِ ولا
عَن تَخْرِيجِ أحاديثِهِ في المَسَانِيدِ وَغَيرِها. (تَنْبِيهَانِ): أحدُهما:لا
خَفَاءَ بِرُجْحَانِ رُتبةِ مَن لازَمَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله
وَسَلَّمَ، وقاتَلَ معهُ، أو قُتِلَ تَحْتَ رايتِهِ، على مَنْ-لعله سقط (لم)- يُلازِمُهُ
أو لَمْ يَحْضُرْ معهُ مَشْهَدًا، وعلى مَن كَلَّمَهُ يَسِيرًا، أو ماشاهُ
قليلاً، أو رآهُ على بُعْدٍ أو في حالِ الطُّفُولَةِ، وإنْ كانَ شَرَفُ
الصُّحْبَةِ حاصِلاً للجميعِ. وَمَنْ ليس لهُ منهمْ سَمَاعٌ منه، فحدِيثُهُ مُرْسَلٌ مِن حيثُ الرِّوَايةُ، وهمْ معَ ذَلِكَ معدُودُونَ في الصَّحَابَةِ لِمَا نالُوهُ مِن شرفِ الرُّؤْيَةِ. ثَانِيهِمَا: يُعْرفُ
كونُه صَحَابِيًّا بالتَّواتُرِ،أو الاسْتِفَاضَةِ أو الشُّهْرَةِ أو
بإِخبارِ بعضِ الصَّحابةِ أو بعضِ ثقاتِ التَّابِعينَ، أو بإخبارِهِ عَن
نفسِهِ بِأَنَّهُ صَحَابِيٌّ إذا كانَ دعواهُ ذَلِكَ تدخُلُ تحتَ
الإِمكانِ، وقد استَشْكَلَ هَذَا الأخيرَ جَماعةٌ من حيثُ إِنَّ دَعواهُ
ذَلِكَ نظيرُ دَعْوى مَن قالَ: أنا عَدْلٌ ويَحْتَاجُ إلى تَأَمُّلٍ. (أو) تَنْتَهِي غايةُ الإسنادِ (إلى التَّابِعِيِّ وهو مَن لَقِيَ الصَّحَابِيَّ كذَلِكَ) وَهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِاللُّقِيِّ
وما ذُكِرَ معهُ، إلاَّ قَيْدَ الإيمانِ بهِ، فذَلِكَ خاصٌّ بِالنَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. وهَذَا هو المُخْتَارُ، خلافًا لمَن
اشْتَرَطَ في التَّابعينَ طولَ المُلاَزَمَةِ أو صِحَّةَ السَّمَاعِ، أو
التَّمْييزَ، وبَقِيَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ طَبَقَةٌ
اخْتُلِفَ في إِلْحَاقِهِمْ بأيِّ القِسْمَيْنِ، وهم المُخَضْرَمُونَ
الذينَ أدركوا الجَاهِلِيَّةَ والإسلامَ، ولم يَرَوُا النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَدَّهُم ابْنُ عبدِ الْبَرِّ في الصَّحابَةِ. وادَّعَى
عِياضٌ وغيرُه أنَّ ابْنَ عبدِ البرِّ يقولُ إنَّهم صَحَابَةٌ! وفيه نظرٌ
لأنَّه أَفْصَحَ في خُطْبَةِ كتابِهِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أورَدَهمْ ليكونَ
كتابُهُ جامعًا مستوعِبًا لأهلِ القَرْنِ الأولِ. والصَّحيحُ
أنَّهم معدُودُونَ في كِبارِ التَّابعينَ سواءٌ عُرِفَ أنَّ الواحِدَ
منهمْ كانَ مُسْلِمًا في زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، كالنَّجَاشِي، أَمْ لا. لكنْ
إنْ ثَبَتَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلةَ
الإسراءِ كُشِفَ لهُ عَن جميعِ مَن في الأرضِ فرآهُم، فَيَنْبَغِي أن
يُعَدَّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا به في حياتِه إذْ ذاكَ -وإنْ لم يُلاَقِهِ-
في الصَّحَابَةِ لحُصولِ الرُّؤْيَةِ مِنْ جَانِبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. (3) (فَـ) القِسمُ (الأولُ) ممَّا
تقدَّمَ ذِكْرُهُ مِن الأقسامِ الثَّلاثةِ -وهو ما تَنْتَهِي إلى
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غايةُ الإسنادِ- هو (المَرْفُوعُ) سواءٌ كان ذَلِكَ الانْتِهَاءُ بإسنادٍ مُتَّصِلٍ أَمْ لا. (4) (وَالثَّانِي المَوْقُوفُ) وهو ما انْتَهَى إلى الصَّحَابِيِّ. (5) (وَالثَّالِثُ المَقْطُوعُ) وهو ما يَنْتَهِي إلى التَّابِعِيِّ (وَمَنْ دُونَ التَّابِعِيِّ) مِن أَتَابِعِ التَّابِعِينَ فمَنْ بَعْدَهُمْ، (فيه) أي: في التَّسمِيَةِ (مِثْلُهُ) أي: مِثْلَ ما يَنْتَهِي إلى التَّابِعِيِّ في تسميةِ جميعِ ذَلِكَ مقطوعًا، وإنْ شِئْتَ قلتَ: موقوفٌ على فُلانٍ. فَحَصَلَت
التَّفْرِقَةُ في الاصْطِلاَحِ بَيْنَ الْمَقْطُوعِ وَالْمُنْقَطِعِ،
فَالْمُنْقَطِعُ مِن مَبَاحِثِ الإِسْنَادِ كما تقدَّمَ، والْمَقْطُوعُ مِن
مَبَاحِثِ الْمَتْنِ كما تَرَى. وقد أَطْلَقَ بعضُهُمْ هَذَا في مَوْضِعِ
هَذَا، وبِالْعَكْسِ، تَجَوُّزًا عَن الاصْطِلاَحِ. (5) (وَيُقَالُ لِلأَخِيرَيْنِ) أي: الْمَوْقُوفِوَالْمَقْطُوعِ: (الأَثَرُ) ).
نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (أقسامُ الخبرِ باعتبارِ مَن أُسْنِدَ إليه قالَ الحافظُ رحمه اللهُ: (1) (ثُمَّ الإسنادُ، وهو الطريقُ المُوَصِّلَةُ إلى المتنِ، والمتنُ: هو غايةُ ما ينتهي إليه الإسنادُ مِن الكلامِ). انتهى الحافظُ مِن
أقسامِ الحديثِ باعتبارِ قبولِه وردِّهِ، ودخلَ في موضوعاتٍ لا تدخلُ في
القبولِ والردِّ دخولاً مباشرًا ولكنها تتصلُ به، وابتدأَ ببعضِ
التعريفاتِ. - فَعَرَّفَ الإسنادَ: بأنَّه الطريقُ الموصِّلُ إلى المتنِ. ويُعْرَفُ أيضًا: بأنَّه سلسلةُ الرواةِ، وله تعريفاتٌ أخرى. - والمتنُ هو: غايةُ ما يصلُ إليه الإسنادُ مِن الكلامِ. ثُمَّ تكلَّمَ عن ثلاثِ مصطلحاتٍ تدورُ كثيرًا في كلامِ الأئمَّةِ: -المرفوعُ. - والموقوفُ. - والمقطوعُ. (2) المرفوعُ المَرْفُوعُ: ما أُضِيفَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ، ويضيفُ بعضُهم: أو صفةٍ، يعني أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ مِن صفتِه كذا وكذا. والمُهِمُّ هنا أنَّ الحافظَ قَسَّمَ المرفوعَ قسمينِ: - المَرْفُوعُ الصريحُ. - المَرْفُوعُ غيرُ الصريحِ (المَرْفُوعُ حُكمًا). المَرْفُوعُ الصريحُ: ما
يقولُ فيه الصحابيُّ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، سمعتُ
رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلَّمَ، وأكثرُ الأحاديثِ بهذه المثابةِ، ومثالُه مَن فِعلِه: حديثُ: أنسٍ رضي اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دخلَ مَكَّةَ وعلى رأسِه المغفرُ)). المَرْفُوعُ حُكْمًا: ذكرَ له عددًا مِن الصورِ ابتدأَها بصورةٍ هي أضعفُ الصورِ مِن حيثُ الرفعُ، وهي: - أنْ يقولَ الصحابيُّ قولاً لا مدخلَ للاجتهادِ فيه، أو يفعلَ فعلاً لا مدخلَ للاجتهادِ فيهِ، واشترطَ
في القولِ ألاَّ يكونَ الصحابيُّ معروفًا بالأخذِ مِن الإسرائيلياتِ إِذ
الآن حديثُه في الإخبارِ عِن الأمورِ الماضيةِ، أو الأمورِ الغيبيَّةِ
الآتيةِ. هذه الصورةُ مِن أضعفِ أنواعِ المرفوعِ حُكْمًا، ولا
سيَّما إخبارُ الصحابيِّ عِن أمورٍ ماضيةٍ أو آتيةٍ إذا لم يرفعْه إلى
النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صريحًا، فالذي يظهرُ أنَّ الحُكْمَ برفعِه
إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ينبغي أن يُتَأَنَّى فيه؛ لأنَّ
الصحابيَّ وإنْ لم يُعرفْ بالأخذِ عن الإسرائيلياتِ فإنَّه قد يأخذُه عن
صحابيٍّ آخرَ أخذَه مِن أخبارِ أهلِ الكتابِ، وفيما صحَّ عنِ النبيِّ صلى
اللهُ عليه وسلَّم وما حكَاهُ القرآنُ غُنْيَةٌ عمَّا فيه تردُّدٌ ولبسٌ. كذلكَ: إذا فعلَ الصحابيُّ فعلاً لا مجالَ للاجتهادِ فيه فهذا الأمرُ فيه خفاءٌ، إذ قد يكونُ الصحابيُّ اجتهدَ فيه مِن وجهٍ خفيٍّ جدًّا. مثالُ ذلكَ: مثَّلَ: الشافعيُّ بصلاةِ عليٍّ في
(الكسوفِ في كلِّ ركعةٍ أكثرَ مِن ركوعين)، فذكرَ الشافعيُّ أنَّ هذا مما
لا مجالَ للاجتهادِ فيه، وأنَّه في حكمِ المرفوعِ، معَ أنَّ هذا الحديثَ هو
مِن فعلِ عليٍّ، لكن
قد يكونُ للاجتهادِ فيه مدخلٌ، فقد يكونُ عندما رأى النبيَّ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ صلَّى في الركعةِ ركوعينِ وخرجَ عن المعتادِ اعتقدَ أنَّ
الإمامَ يصلِّي حتى يكونَ مَظَنَّةُ انجلاءِ الكسوفِ؛ لذا فهذا النوعُ مِن المرفوعِ حُكْمًا ينبغي أنْ يُتأَنَّى في رفعِه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلََّمَ. وأقوى المَرْفُوعِ حُكْمًا والذي يظهرُ لي أنَّه يخرجُ مِن المرفوعِ حُكْمًا وَيُلْحَقُ بالمرفوعِ الصريحِ: التابعيُّ إذا روى الحديثَ يقولُ: رفعَ الحديثَ، فالذي رفعَ الحديثَ هو الصحابيُّ، والذي يحكي هو التابعيُّ، ومثلُ قولِ التابعيِّ: عن أبي هريرةَ روايةً، أي: عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. - ومثلُ: قولِ التابعيِّ: يبلُغ بهِ، أو يَنْمِيهِ، أي:
إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكلُّ هذه الكلماتِ وردتْ في
الأحاديثِ وَأُدْرِجَتْ في المرفوعِ غيرِ الصريحِ، ولا خلافَ أنها حينئذٍ
في حكمِ المرفوعِ، والذي يظهرُ أنها مِن المرفوعِ الصريحِ، لا سيَّما أنَّ
كثيرًا مِن الأحاديثِ التي وردت فيها هذه الصيغُ وردت بأسانيدَ أُخرَ فيها
التصريحُ برفعِها إلى النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، كأنْ يقولَ
الصحابيُّ: سمعتُه، أو قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ. وهنَا
صور لَمْ يُتَّفَقْ عليها وإنْ كانَ الخلافُ في بعضِها أقوى مِن بعضٍ:
فمِن هذه الصورِ أنْ يقولَ الصحابيُّ: كنا نفعلُ كذا، وهذا له حالتانِ: إحدَاهما: أنْ يُضِيَفه إلى عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلَّمَ مثلُ قولِ أسماءَ: ذَبَحْنَا فرسًا على عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأكلْنَاهُ، ومنُه حديثُ جابرٍ المعروفُ: كنَّا نعزلُ والقرآنُ ينـزلُ، فهذا صريحٌ في إضافتِه إلى عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومثلُ صلاةِ عمرِو بنِ سلمةَ وهو صبيٌّ إمامًا بقومِه في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. الثانيةُ: أنْ لا يُصَرِّحَ الصحابيُّ بأنَّ ذلكَ في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، مثلُ قولِ جابرٍ:
(كُنَّا إذا هَبَطْنَا سبَّحْنَا وإذا صَعَدْنَا كبَّرْنَا)، فهذا لم
يُضِفْه إلى عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فمثلُ هذا يُلحقُ
أيضاً بالأَوَّلِ، وهذِه الصورةُ فيها خلافٌ، ومِن أشهرِ مَن خالفَ في هذه
الصورةِ ابنُ حزمٍ، فليستْ عنده حُجَّةٌ حتَّى ينقلَ الراوي اطِّلاَعَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وَمِنَ الصورِ كذلكَ: أُمِرْنَا، أُمِرَ الناسُ، كُنَّا نُؤْمَرُ. - مثلُ: قولِ أنسٍ: (أُمرَ بلالٌ أنْ يَشْفَعَ الأذانَ وَيُوتِرَ الإقامةَ). - ومثلُ: قولِ ابنِ عباسٍ: (أُمِرَ الناسُ أنْ يكونَ آخرُ عهدِهم بالبيتِ الطوافَ). - ومثلُ قولِ أمِّ عطيَّةَ:
(نُهِينَا عن اتِّبَاعِ الجنائزِ ولم يُعزمْ علينا)، فكلُّ هذا عندَ
الجمهورِ في حُكْمِ المرفوعِ، ولهذا نجدُ كثيرًا مِن هذه الأحاديثِ في (الصحيحينِ). ِومِن الصور كذلكَ: أنْ يقولَ الصحابيُّ: مِن السُّنَّةِ كذا، فالجمهورُ على أنَّه في حكمِ المرفوعِ، مثلُ حديثِ: أبي قِلاَبَةَ، عن أنسٍ: (مِن السُّنَّةِ إذا تزوَّجَ البكرَ على الثيِّبِ أقامَ عندَها سبعًا)، يقولُ أبو قِلاَبَةَ: (لو شِئْتُ لقلتُ: إنَّ أنسًارفعَه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، واستدلَّ الحافظُ بأنَّ قولَهم: (مِن السُّنَّةِ) يُرادُ به سُنَّةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقولِ سالمٍ في الحديثِ المشهورِ حينَ سألَ الحجَّاجُ ابنَ عمرَ عن يومِ عرفةَ فقالَ: (إنْ كنتَ تريدُ السُّنَّةَ فهجِّرْ بالصلاةِ)، أي: بَكِّرْ بها، يقولُ الزُّهْرِيُّ: قلتُ لسالمٍ: سُنَّةُ مَن؟ فقالَ: وهل يريدونَ إلا سُنَّةَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ؟ وسالمٌ أحدُ الفقهاءِ السبعةِ، وقولُه حُجَّةٌ في هذا. - مِن الصُّورِ أيضًا:أنْ يَحْكُمَ الصحابيُّ على فعلٍ بأنَّه معصيةٌ للهِ ورسولِه صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ، ومثلُ: حديثِ: عَمَّارِ بنِ ياسرٍ: ((مَن صامَ اليومَ الذي يُشكُّ فيه فقد عصى أبا القاسمِ)). - ومثلُ الحديثِ الذي أخرجَه البخاريُّ ومسلمٌ مِن كلامِ أبي هريرةَ: ((بئسَ الطعامُ طعام الوليمةِ يُدعى إليها مَن يَأْبَاهَا ويُمْنَعُها مَن يَأْتِيَها))، ثُمَّ قالَ أبو هريرةَ: (ومَن لم يُجِب الدعوةَ فقد عصى اللهَ ورسولَه)، أخرجَه البخاريُّ ومسلمٌ هكذا، وهو عندَ مسلمٍ في بعضِ الرواياتِ مرفوعٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لكنَّ الشأنَ في إخراجِ البخاريِّ لهُ؛
لأنَّه حملَ قولَه: فقد عصى اللهَ ورسولَه صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ
على أنَّه في حُكْمِ المرفوعِ؛ لأنَّه خصَّ كتابَه أصلاً لأمورِ رسولِ
اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسُنَنِه وأيَّامِهِ. هذه الصورُ التي ذكرَها الحافظُ للمَرْفُوعِ
حُكْمًا وبَعْضُها أقوى في الرفعِ مِن بعضٍ، وكلُّها عندَ الجمهورِ في
حكمِ المرفوعِ ما لم تقمْ قرينةٌ على وقَفْهِا، ومِن أشهرِ مَن خالفَ في
هذه الصورِ ابنُ حزمٍ، فلا يَثْبُتُ الرفعُ عندَه حتَّى يُصَرِّحَ الصحابيُّ برفعِ ذلكَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولو تقريرًا. (3) الموقوفُ وتعريفُ الصحابيِّ تَحَدَّثَ الحافظُ عِن الموقوفِ، فقالَ:
إنَّه قولُ الصحابيِّ، أو فِعْلُهُ، أو تَقْرِيرُه، وأشارَ إلى أنَّ منه
الموقوفَ الصريحَ، ومنه الموقوفَ غيرَ الصريحِ، وذكرَ الحافظُ أنَّ
مِن الأشياءِ المُقْتَضِيَةِ للتصريحِ وليستْ صريحةً ما مرَّ عندَ روايةِ
الصحابيِّ بالنسبةِ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تأتي معَ روايةِ
التابعيِّ بالنسبةِ للصحابيِّ إلا أنَّها ليسَ كلُّها كذلكَ، فإذا قالَ
التابعيُّ: مَن فعلَ كذا فقد عصى اللهَ ورسولَه - فلا يُعْتَبَرُ هذا موقوفًا. - وكذلكَ: قولُ التابعيِّ: مِن السُّنَّة كذا، بعضُهم يَعْتَبِرُه مِن المرفوعِ حُكْمًا، ولكنَّه مُرْسَلٌ، المقصودُ أنَّ هناكَ مِن الصورِ التي ذكرَها الحافظُ مِن المرفوعِ حُكْمًا لا تأتي في الموقوفِ حُكْمًا. ثُمَّ عَرَّفَ الصحابيَّ بأنَّه: مَن لقيَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُؤْمِنًا بهِ وماتَ على الإسلامِ، وإنْ تَخَلَّلَتْهُ ردَّةٌ على الأصحِّ. ثُمَّ تحدَّثَ عِن الأشياءِ التي يُعرفُ بها الصحابيُّ: - فُيعرفُ كونُه صحابيًّا بالتواترِ، كأنْ يرويَ عن صحابيٍّ عددٌ كبيرٌ مِن التابعينَ. - ويُخْبِرُ صحابيٌّ آخرُ عن هذا الصحابيِّ أنَّه كانَ معنا في غزوةِ كذا. - وأنَّه فعلَ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كذا، وكثيرٌ مِن الصحابةِ وصولُ أخبارِهم إلينا عَن طريقِ التواترِ، مثلُ الخلفاءِ الراشدينَ، والعشرةِ المبشَّرِينَ بالجنَّةِ، وزوجاتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وسائرِ
مَن اشْتُهِرَ بكثرةِ الروايةِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو
لَه ذِكْرٌ كثيرٌ في سيرةِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ وغزواتِه،
ويُقرِّبُ مِن ذلكَ الاستفاضةُ وهي انتشارُ الخبرِ بأنَّ هذا الرجلَ مِن
الصحابةِ. - ومثلُ إخبارِ بعضِ التابعينَ بذلكَ مثلُ: سعيدِ بنِ المسيِّبِ، أنَّ فلانًا أخبرَه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَتَثْبُتُ له الصحبةُ بهذا بِنَاءً على قبولِ سعيدِ بنِ المسيِّبِ كلامَ هذا الصحابيِّ. ودعوى
الصُّحْبَةِ وُجِدَتْ عندَ المتأخِّرِينَ؛ فيوجدُ في المائةِ الثانيةِ،
والثالثةِ؛ بل والسادسةِ مَن يدَّعِي الصُّحْبَةَ، وكلُّ أولئكَ افتضحَ
أمرُهم حتىَّ سمُّوهم: مُدَّعِي الصُّحْبَةِ، ويكفي في ردِّ هذا الحديثُ الصحيحُ: ((على رأسِ مئةِ سنةٍ لا تبقى في الأرضِ نفسٌ منفوسةٌ))،
فكلُّ مَن كانَ في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في تلكَ اللحظةِ
بعد مئةِ سنةٍ لن يبقى منهم أحدٌ حسبَ إخبارِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ، وبهذا الحديثِ احتجَّ كثيرٌ من الأئمَّةِ على أنَّ الخِضْرَ ليسَ
موجودًا، فمَن ادَّعَى الصحبةَ بعدَ مئةِ سنةٍ مِن وفاةِ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم فهو كذَّابٌ، ولهذا السببِ اعتنى الأئمَّةُ بآخرِ
الصحابةِ موتًا، وذكرُوا آخرَهم موتًا بالمدينةِ، وآخرَهم موتًا بالبصرةِ …
إلخ. (4) المقطوعُ تَكَلَّمَ الحافظُ عن المقطوعِ وهو مثلُ الموقوفِ لكنَّه عن التابعيِّ. وعَرَّفَ التابعيَّ: بأنَّه مَن لقيَ الصحابيَّ، وقالَ: إنُّه مثلُ ما مضى في تعريفِ الصحابيِّ، لكنْ هذه التعريفاتُ ليسَ مكانُها هنا، ولها كتبٌ خاصَّةٌ بها مثلُ: كتبِ (الطبقاتِ)،
والكتبِ الخاصَّةِ بالصحابةِ، وأشارَ إلى أنَّ هناكَ طبقةً منهم مَن
يُلْحِقُها بالصحابةِ ومنهم مَن يُلْحِقُها بالتابعينَ، وهم الذين أسلمُوا
في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولم يروه وهم المخضرمونَ، فقالَ: الصحيحُ أنَّ روايتَهم عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُرْسَلَةٌ؛ لأنَّهم ليسوا بصحابة. ومَن ذكرَهم في الصحابةِ: مثلُ ابنِ عبدِ البرِّ فلا يريدُ أنهم صحابةٌ، وإنما قصدُه أنْ يكونَ كتابُه شاملاً لكلِّ مَن كانَ في القرنِ الأَوَّلِ، هكذا صرَّحَ بهِ، والحافظُ يقولُ:
(إنَّه يمكنُ عدُّهم في الصحابةِ إذا أخذنا بما وردَ في حديثِ الإسراءِ
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُشِفَ له كلُّ مَن في الأرضِ،
فيكونُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد رآهم، فتحصلُ لهم الصحبةُ بهذه
الطريقةِ، ولكن هذه الطريقةُ لا تكفي لثبوتِ الصحبةِ وتحتاجُ إلى
مقدِّمَاتٍ كثيرةٍ). - إذًا فما أُضيفَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو المَرْفُوعُ. - وما أُضيفَ إلى الصحابيِّ فهو المَوْقُوفُ. - وما أُضيفَ إلى التابعيِّ فهو المَقْطُوعُ، هذا
كلُّه إذا أُطلِقَ، أمَّا معَ التقييدِ فلا بأسَ أن يُعطى الأدنى وصفَ
الأعلى، فالمقطوعُ على التابعيِّ يصحُّ أنْ يقالَ: هذا موقوفٌ على سعيدِ
بنِ المسيِّبِ مثلاً، وأنْ يقالَ: وقفَه فلانٌ على عطاءٍ، أو على سعيدٍ …. إلخ، بل أحيانًا في المرفوعِ يُسْتَعْمَلُ هذا، وكذلكَ كلمةُ مرفوعٍ تُسْتَعْمَلُ
أحيانًا في غيرِ ما يُقصدُ بها في الاصطلاحِ العامِّ، وهو الإضافةُ إلى
النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فأحيانًا يُقصدُ بها الوصلُ مقابلَ طريقٍ
آخرَ مَرْسَلٍ، وإنْ كانَ الجميعُ في الاصطلاحِ العامِّ مرفوعًا. مثالُ ذلكَ: قولُ التِّرْمِذِيِّ، في حديثٍ رواه عيسى بنُ يُونسَ، عن هشامِ بنِ عروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ رضي الله عنها: ((إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يقبلُ الهديةَ وَيُثِيبُ عليها))، قال: رفعه عيسى بنُ يونسَ، وهو عندَ الناسِ مُرْسَلٌ وبمعنى هذه الكلمةِ تَكَلَّمَ أبو داودَ على هذا الحديثِ، فالرفعُ الآنَ يقابلُ الإرسالَ، فالناسُ غيرُ عيسى بنِ يونسَ يروونَه عن هشامِ بنِ عروةَ عن أبيه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يقبلُ الهديَّةَ، فهو الآنَ في غيرِ روايةِ عيسى أيضًا مرفوعٌ، وفي روايةِ عيسى مرفوعٌ، لكنَّ التِّرمذيَّ، وأبا داودَ يقولانِ: (رفعَه عيسىَ بنُ يونسَ، وهو عندَ الناسِ مُرْسَلٌ، فليسَ المرفوعُ هنا مقابلَ الموقوفِ، بل هو الآنَ في هذه الصورةِ مقابلُ المُرْسَلِ). المقصودُ أنَّ هذه الألفاظَ اصطلاحيَّةٌ، وقد تُستعملُ في غيرِ المرادِ هنا: مثلُ: المقطوعِ فهو ما أُضيفَ إلى التابعيِّ فهو وصفٌ للمتنِ، واستعملَه الشافعيُّ في وصفِ الإسنادِ بمعنى المنقطعِ وهو: الذي في إسنادِه انقطاعٌ، وكذلكَ: الطبرانيُّ، ولا بأسَ بذلكَ، فهذه اصطلاحاتٌ لكن الغالبَ هو المذكورُ، وقد يُخْرَجُ عن الغالبِ ويُفهمُ ذلكَ من السياقِ أو التقييدِ. وأشارَ الحافظُ إلى أنَّهُ يقالُ للمَوْقُوفِ والمَقْطُوعِ: الأثرُ، وهذا التخصيصُ في اصطلاحِ بعضِ المتقدِّمينِ، وينسبُ ذلكَ للشافعيِّ، وتَبِعَهُ البيهقيُّ على ذلكَ، ثم صارَ عندَ المتأخِّرِينَ كالمُتَعَيَّنِ، لكن في عرفِ أكثرِ المتقدِّمِينَ وبعضِ المتأخِّرِينَ: الأثرُ هو كلُّ ما رُوِيَ، في (تهذيبِ الآثارِ)لابنِ جريرٍ الطبريِّ الآثارُ المذكورةُ معظمُها أحاديثُ، فاستعمالُ الطبريِّ الآنَ ليسَ على الاستعمالِ المتأخِّرِ وإنَّمَا هو على الاستعمالِ المتقدِّمِ، ومثلُه:(مُشْكِلُ الآثارِ) و(شرحُ معاني الآثارِ)للطحاويِّ، وكما يقالُ: فلانٌ أثريٌّ، فهو منسوبٌ إلى الأثرِ بمعنى المأثورِ، أي: ما يُروى سواءٌ كانَ مرفوعًا، موقوفًا، أو مقطوعًا. سُئِلَ الإمامُ أحمدُ عن
قولِ أهلِ المدينةِ في أنَّه لا توقيتَ في المسحِ على الخُفَّيْنِ فقالَ
لهم: في ذلكَ أثرٌ، فإذا أخذناه على الاصطلاحِ المتأخِّرِ قلنا: يَقْصِدُ الموقوفَ، حتى قالَ ابنُ دقيقٍ العيدِ: لعلَّ أحمدَ يعني بذلكَ - وذكرَ أثرًا عن ابنِ عمرَ، لكن الذي يظهرُ أنَّ مرادَ أحمدَ لهم شيءٌ مأثورٌ، وذكرَ مِن أدلَّتِهِم حديثًا عن خزيمةَ بنِ ثابتٍ رفعَه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).
شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: (مَسألةٌ: قَوْلُ التابِعِيِّ عن الصحابيِّ في روايَةِ الحديثِ: (يَرْفَعُهُ) أوْ (يُنْمِيهِ) -،
مِن الألفاظِ الصريحةِ في رفْعِ الحديثِ للنبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ
وسَلَّمَ-، فكيفَ يَجْعَلُها ابنُ حَجَرٍ مِمَّا تُلْحِقُهُ بأنواعِ
المرفوعِ حُكْماً؟ أقولُ:
هذهِ المسألةُ فيها تفصيلٌ طويلٌ، والْمُهِمُّ أنَّ هذهِ الألفاظَ
وَرَدَتْ في المرفوعِ حُكْماً، لا لأَجْلِ أنَّهُ فِعْلاً لهُ حُكْمُ
الرفْعِ، ولكنَّهُ استِطْـرَادٌ في ما لم يُصَرَّحْ برَفْعِهِ للنبيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فَقَالُوا: ومِمَّا يَكُونُ لهُ حُكْمُ
الرفْعِ إذا ما قـالَ: (يَرْفَعُهُ). فالْمُتَصَدَّرُ بقولِهم: (يَرْفَعُهُ)؛ أيْ: إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فهذا يُعْتَبَرُ مَروفوعاً. وإذا ما قالَ: (يُنْمِيهِ)؛
أيْ: يُنْمِيهِ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فلَيْسَ
المقصودُ أنَّهُ لم يَقُلْهُ الصحابيُّ، أوْ لم يَرْفَعْهُ الصحابيُّ إلى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-. (1) دِرَاسَةُ الْمَتْنِ: الإسنادُ إمَّا أنْ يَنتهيَ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- تَصريحاً، أوْ حُكْماً مِنْ قولِهِ، أوْ فِعْلِهِ، أوْ تَصريحِهِ. فمِثالُ التصريحِ: بالقولِ: قَوْلُ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قالَ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)). مِثالُ التصريحِ الفِعْلِيِّ: قالَ ابنُ عمرَ -رَضِيَ اللَّهُ عنْهُما-: ((رَأَيْتُ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- يُصَلِّي النافِلةَ على رَاحِلَتِهِ في السَّفَرِ)). مِثالُ التصريحِ التَّقريريِّ: حينَما يقولُ الصحابيُّ: إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- قُدِّمَ إليهِ ضَبٌّ، فامْتَنَعَ عنْ أَكْلِهِ وقالَ: ((إِنَّهُ لا يُوجَدُ بِأَرْضِ قَوْمِي))، فأَكَلَهُ خالدُ بنُ الوليدِ وأُنَاسٌ معهُ، فأَقَرَّهُم النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، ولم يُنْكِرْ عليهم أَكْلَهم للضَّبِّ. المرفوعُ حُكْماً: وهو
ما لم يُصَرِّحْ فيهِ الصحابيُّ بتَلَقِّيهِ للحديثِ، سواءًٌ كانَ قَوْلاً
أوْ فِعْلاً أوْ تَقريراً مِن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ
وسَلَّمَ-، لكنْ عندَنا قَرَائِنُ اسْتَطَعْنَا مِنْ خلالِها أنْ نقولَ: إنَّ هذا الحديثَ لهُ حُكْمُ الرفْعِ. مِثالُ المرفوعِ حُكْماً مِن القولِ: حديثُ: ((يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، الصَّوَابُ فيهِ أنَّهُ مِنْ قولِ ابنِ مسعودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، وهذا قولٌ ولم يُصَرِّحِ ابنُ مسعودٍ بأَخْذِهِ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-. مِثالُ المرفوعِ الْحُكْمِيِّ الفِعْلِيِّ: حديثُ: عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، أنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ((صَلَّى صلاةَ الكُسُوفِ، فرَكَعَ في كلِّ رَكعةٍ أرْبَعةَ رُكُوعَاتٍ))؛
فدَلَّ على أنَّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يَصْدُرَ منهُ هذا الفعْلُ إلاَّ
أنَّهُ قدْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- يَفعلُهُ،
ولوْ لم يَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- لَمَا اجْتَهَدَ
في عِبادةٍ مِن العِباداتِ. مِثالُ المرفوعِ الْحُكْمِيِّ التَّقريريِّ: حديثُ: قولِ أبي سعيدٍ، وجابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: ((كُنَّا نَعْزِلُ والقُرْآنُ يَنْزِلُ، ولوْ كانَ في ذلكَ نَهْيٌ لنُهِينَا)). شُروطُ قَبولِ المرفوعِ الْحُكْمِيِّ: 1- أنْ يكونَ الحديثُ ممَّا لا مَجالَ للرَّأْيِ فيهِ. 2- أنْ يكونَ ذلكَ الصحابيُّ مِمَّ لم يُعْرَفْ بالأخْذِ عنْ أهْلِ الكتابِ. فإذا
وَجَدْنا الصحابيَّ لا يَأخُذُ مِنْ أهْلِ الكتابِ، وأَخْبَرَ عنْ أُمُورٍ
غَيْبِيَّةٍ ماضيَةٍ مِنْ بَدْءِ الخلْقِ وأخبارِ الأنبياءِ، أوْ
غَيْبِيَّةٍ آتيَةٍ كالمَلاحِمِ والفِتَنِ وأحوالِ يومِ القيامةِ وما
بعدَهُ. - أو أَخْبَرَ بفِعْلٍ يَحْصُلُ بهِ ثوابٌ مَخصوصٌ أوْ عِقابٌ مَخصوصٌ؛ كقولِ عَمَّارٍ: ((مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ النَّاسُ فيهِ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ))، هذا يَدُلُّ على أنَّهُ أخَذَ الحديثَ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-. أمَّا إنْ عُرِفَ أخْذُهُ مِن اليهودِ والنَّصَارَى؛ حيثُ إنَّ هناكَ بعضَ الصحابةِ تَسَمَّحُوا في المسألةِ؛ بقَولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-: ((حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ)). مِثالٌ: عبدُ اللَّهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عنْهُما-، فإذا جاءَ عنهُ أمْرٌ غَيْبِيٌّ فهلْ نقولُ: لهُ حُكْمُ الرفْعِ؟ لا؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ أخَذَهُ مِنْ أهْلِ الكتابِ، وبخاصَّةٍ أنَّهُ في غَزوةِ اليَرْمُوكِ عَثَرَ
على زَامِلَتَيْنِ - (رَاحِلَتَيْنِ -) مَمْلُوءتيْنِ كُتُباً مِنْ أهْلِ
الكتابِ، فأخَذَها وقَرَأَ منها وأَخَذَ يُحَدِّثُ الناسَ؛ ولذا نَجِدُ
مِنْ كَلامِهِ أشياءَ يُلْمَسُ أنَّها مِن الإسرائِيلِيَّاتِ. مثالُ ذلكَ: قِصَّةُ (هَارُوتَ وَمَارُوتَ)،
خُلاصَتُها أنَّ مَلَكَيْنِ أُنْزِلا إلى الأرضِ؛ لأنَّهُما سَخِرَا مِنْ
بَنِي آدمَ، فوَاقَعَا امرأةً يُقالُ لها: الزُّهْرَةُ؛ فمُسِخَتِ الزُّهْرَةُ إلى كوكبٍ، والْمَلَكَانِ يُعَذَّبَانِ ببابلَ، وهما هارُوتُ ومَاروتُ. - قالَ: ابنُ كثيرٍ: (الصوابُ أنَّها منْ الإسرائيليَّاتِ التي حَدَّثَ بها عبدُ اللَّهِ بنُ عمرٍو عنْ بَنِي إسرائيلَ). أمَّا إنْ كانَ مِمَّنْ عُرِفَ أنَّهُ لا يَأْخُذُ مِنْ أهلِ الكتابِ، كعبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، فإنَّهُ
كانَ يُحارِبُ رِوَايَاتِهم، ويَنْقُدُ الصحابةَ الذينَ يَأخذونَ منهم؛،
فمِثلُهُ يُمْكِنُ أنْ نَقبلَ الأحاديثَ منهُ التي لها حُكْمُ الرفْعِ،
ونَطْمَئِنَُّ أنَّهُ لم يَأْخُذْها عنْ أهلِ الكتابِ. الحديثُ الموقوفُ على الصحابِيِّ: إمَّا
أنْ يكونَ الحديثُ الآتي عنهُ مِنْ قولِهِ، أوْ فِعْلِهِ، أوْ تقريرِهِ،
وإنْ كانَ التقريرُ قدْ يَعْتَرِيهِ ما يَعْتَرِيهِ مِن الإِشْكَالِ. مِثالُ القولِ: ما أُثِرَ عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عنهما-، أنَّهُ قالَ: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَجْتَمِعُونَ وَيُصَلُّونَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ)). يَرِدُ إِشْكَالٌ: أنَّ هذا مِن الأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ، فهلْ لهُ حُكْمُ الرفْعِ؟ نقولُ: عبدُ اللَّهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ مِمَّنْ يَأْخُذُ عنْ أهلِ الكتابِ؛ فلا يكونُ لهُ حُكْمُ الرفْعِ. مِثالُ الفعْلِ: ما نُقِلَ عنْ عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ، أنَّهُ ((صَلَّى الكُسوفَ أرْبَعةََ رُكُوعَاتٍ في كلِّ رَكْعَةٍ)) فهذا مِنْ فعْلِ الصحابيِّ، وبَيَّنَّا أنَّهُ لهُ حُكْمُ الرفْعِ. مِثالُ الْمَوقوفِ التقريريِّ: لوْ
ذَكَرَ التابِعِيُّ أنَّهُم فَعَلُوا كذا، وكذا بحَضْرَةِ الصحابيِّ ولم
يُنْكِرْ عليهم، وهذا أضعَفُ مِنْ سَابِقَيْهِ لاحتمالاتٍ ليسَ هذا مجالُ
مجالَ ذِكْرِها. تعريفُ الصحابِيِّ اصْطِلاحاً: مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- وماتَ على الإسلامِ، ولوْ تَخَلَّلَتْ ذلكَ رِدَّةٌ على الأَصَحِّ. ليسَ الْمُرادُ باللُّقِيِّ الرُّؤْيَةَ بالبَصَرِ، بلْ هوَ أَعَمُّ مِنْ ذلكَ؛ لأنَّ هناكَ صحابةً لا يُبْصِرُونَ مثلَ: ابنِ أُمِّ مَكتومٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-؛ لذا تَعْبِيرُ الحافظِ بِمَنْ لَقِيَ أفْضَلُ مِنْ قولِ بعضِهم: مَنْ رَأَى،؛ فالأوَّلُ أدَقُّ. قولُهُ: (مُؤْمِناً بِهِ) قَيْدٌ مُهِمٌّ؛ لأنَّ هُناكَ مَنْ لَقِيَهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- في حالِ كُفْرِهِ، ثمَّ أَسْلَمَ بعدَ ذلكَ. مِثالُهُ: رَسُولُ هِرَقْلَ، كانَ قدْ بَعَثَهُ هِرَقْلُ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- في تَبُوكٍ، وحديثُهُ مَوجودٌ في (مُسْنَدِ أحمَدَ)، فرسولُ هِرَقْلَ لَقِيَ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- في حالِ كُفْرِهِ، ثمَّ
أَسْلَمَ وسَكَنَ الشامَ، فكانَ إسلامُهُ بعدَ وَفاةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فأصبَحَ يُحَدِّثُ بقِصَّتِهِ معَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فمِثْلُ هذا لا يُعْتَبَرُ صحابيًّا؛
لأنَّهُ حينَما لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ورَآهُ
لم يكُنْ مؤْمِناً بهِ في ذلكَ الحينِ، بلْ يُعْتَبَرُ تابِعيًّا. قولُهُ: (وماتَ على الإسلامِ) فلوْ لَقِيَهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مؤمناً بهِ، ثمَّ ارْتَدَّ وماتَ على كُفْرِهِ لم يُعَدَّ صَحَابِيًّا، مثالُهُ:عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ جَحْشٍ، كانَ مِن المُهَاجِرِينَ إلى الحبشةِ، ثمَّ ارْتَدَّ هناكَ وتَنَصَّرَ. وقولُهُ: (ولوْ تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ في الأَصَحِّ) لأنَّ
هناكَ رَجُلاً لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-
مُؤْمِناً بهِ، ثمَّ ارْتَدَّ، ثمَّ رَجَعَ إلى إسلامِهِ، فمِثْلُ هذا
يُعْتَبَرُ صَحَابيًّا، وهناكَ مَنْ نازَعَ في هذا. مثالُهُ: الأشعَثُ بنُ قَيْسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ؛ ارْتَدَّ ثمَّ أَسْلَمَ وحَسُنَ إسلامُهُ، فهوَ صَحَابِيٌّ ولم يُنْكِرْ أحَدٌ أنَّهُ مِن الصحابةِ. تنبيهٌ: الصحابةُ على دَرجاتٍ: 1- منهم مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مَرَّةً واحدةً، فنَقَلَ حديثاً، ثمَّ رَجَعَ إلى قومِهِ. 2- ومِنهم مَنْ لازَمَهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- فَطَالَتْ مُلازَمَتُهُ لهُ. 3- ومِنهم مَنْ أَبْصَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ورَآهُ، ولم يَحْمِلْ عنهُ أيَّ شيءٍ مِن الحديثِ. فالقِسمانِ
الأَوَّلانِ، يُرَكِّزُ عليهما العُلماءُ، ويَقْبَلُونَ حديثَهم، أمَّا
صِغارُ الصحابةِ، وهم مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ
وسَلَّمَ- ولم يَتَمَلَّ عنهُ شيئاً مِن الحديثِ، فهؤلاءِ لهم فَضْلٌُ
وشَرَفُ الصُّحْبَةِ، أمَّا مِنْ حيثُ الروايةِ الروايَةُ فأحاديثُهم
مُرْسَلَةٌ؛ لأنَّهُم لم يَأْخُذُوهَا عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ
وسَلَّمَ-، وإنَّما يُحْتَمَلُ يَحْتَمِلُ أنَّهُم أَخَذُوها عنْ صحابيٍّ،
أوْ أَخَذُوها عنْ تابِعِيٍّ أخَذَها عنْ صَحَابِيٍّ. حُكْمُ حَدِيثِ صِغارِ الصحابةِ: أمَّا حُكْمُ حَدِيثِ صِغارِ الصحابةِ: فحُكْمُها حُكْمُ حَدِيثِ كِبارِ التابعينَ. أ- فمَنْ قَبِلَ حَدِيثَ كِبارِ التابعينَ على الإطلاقِ، بأبي كأبي حَنيفةَ، ومالِكٍ فهوَ يَقْبَلُ حَدِيثَ هذا الصِّنْفِ. ب- مَنْ رَدَّ أحاديثَ كِبارِ التابعينَ فهوَ يَرُدُّ حَدِيثَ هؤلاءِ. ج- مَنْ قَبِلَها بشُروطٍ فهوَ يَقْبَلُ أحاديثَ هؤلاءِ بشُروطٍ أيضاً. وصِغارُ الصحابةِ يَختلفُونَ: 1- مِنهم مَنْ كانَ رَضِيعاً في وقتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، مثلُ: محمَّدِ بنِ أبي بكرٍ -رَضِيَ
اللَّهُ عنهُ-، فقدْ تُوُفِّيَ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ولهُ
ثلاثةُ أَشْهُرٍ، وقدْ جِيءَ بهِ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ
وسَلَّمَ- ليُحَنِّكَهُ فبَالَ في حِجْرِهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ
وسَلَّمَ-، فهوَ لا يَتذكَّرُ صُورةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ
وسَلَّمَ، لكنَّ هاتَيْنِ العَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- حقيقةً يُقَدِّرُ الناسُ لهما ما
حَظِيَتَا بهِ مِنْ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-،
فيقُولُونَ: هذا يُعْتَبَرُ صحابيًّا ولوْ لم يَقُلْ شيئاً عن النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-. 2- هناكَ صِنْفٌ رَأَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ويَتَذَكَّرُونَ صِفتَهُ، مثلُ محمودِ بنِ الربيعِ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ- حينَما يقولُ: ((عَقَلْتُ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي)). كانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ
يُدَاعِبُ الأطفالَ، وكانَ في فَمِهِ ماءٌ فمَجَّهُ على وَجْهِ محمودِ بنِ الربيعِ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ.. فهذا
ما يَتَذَكَّرُهُ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-. فهذا
الصِّنْفُ باعترافِهِ لم يَنْقُلْ شيئاً عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عليهِ وسَلَّمَ-، فإذاً رِوَايتُهُ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ
وسَلَّمَ- تُعْتَبَرُ مُرْسَلَةً، لكنَّ مَراسيلَهم تُعْتَبَرُ مِن
الْمَراسيلِ التي الكلامُ فيها أقَلُّ مِنْ غيرِهم.. أمَّا عدالتُهم فلا
نَبْحَثُ فيها، فَهُمْ عُدولٌ بتَعديلِ اللَّهِ تعالى ورسولِهِ -صَلَّى
اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- لهم. تَنبيهٌ ثانٍ: كيفَ نَعْرِفُ بأنَّ الرجلَ صحابِيٌّ؟ بِأَحَدِ الأمورِ الآتيَةِ: 1- التَّوَاتُرُ، فَهَلْ يُشْكِلُ على أحَدٌٍ أنَّ أبا بكرٍ وعمرَ -رَضِيَ اللَّهُ عنهما- مِن الصَّحابةِ؟! لا. 2- الشُّهرةُ والاستفاضةُ مِنْ خلالِ بعضِ الأمورِ. مِثالُهُ: 1- ضِمامُ بنُ ثَعلبةَ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، اشْتَهَرَ اشْتُهِرَ بحديثِ: قُدُومِهِ على النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-. 2- عُكَّاشَةُ بنُ مُحْصِنٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، ذَهَبَتْ قِصَّتُهُ مَثَلاً. 3- وُرُودُ ذلكَ صراحةً في حَدِيثٍ صريحٍ، كأنْ
يكونَ في حَدِيثٍ مِن الأحاديثِ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ
وسَلَّمَ- جاءهُ فُلانُ ابنُ فُلانٍ، أوْ يكونَ لذلكَ الحديثِ إسنادٌ
مُتَّصِلٌ إلى رجُلٍ يُخْبِرُ أنَّ فُلاناً مِن الناسِ مِن الذينَ
اسْتُشْهِدُوا معَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، أوْ أيُّ
إِخْبَارٍ بطريقةٍ ما بأنَّ هذا الشخْصَ أوْ ذاكَ ثَبَتَتْ لهُ
الصُّحْبَةُ. 4- التَّنصيصُ مِن التابعيِّ على أنَّ فُلاناً صحابِيٌّ، وهذا يكونُ بقولِهِ، كأنْ يقولَ: سَمِعْتُ أحَدَ أصحابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وهوَ فُلانُ ابنُ فُلانٍ. 5- أنْ يَنُصَّ هوَ بنفْسِهِ على لُقِيِّهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ،
كأنْ يقولَ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-
يقولُ كَذَا وَكَذَا، أوْ يقولَ: إنَّنِي مِن الناسِ الذينَ صَحِبُوا
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ولكن هذا يُشْرَطُ لهُ شُروطٌ: أ- أنْ يكونَ عَدْلاً في نَفْسِهِ. ب- أنْ تَكونَ دَعْوَاهُ مُمْكِنَةٌ، فإنِ
ادَّعَى هذهِ الدَّعْوَى قَبْلَ سَنةِ 110هـ فهذا مُمْكِنٌ، وإنِ
ادَّعَاهَا بعدَها فدَعواهُ مَردودةٌ عليهِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- أَخْبَرَ في آخِرِ حياتِهِ فَقَالَ: ((أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لا يَبْقَى مِمَّنْ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ)). وهذا أَقْوَى الْحُجَجِ على مَنْ يَدَّعِي حياةَ الْخِضْرِ؛ كالصُّوفِيَّةِ الذي يَدَّعِي الواحدُ منهم أنَّهُ لَقِيَ الْخَضِرَ وشَافَهَهُ!! 1- خَرَجَ رَجُلٌ هِنْدِيٌّ في القرْنِ السادسِ يُقالُ لهُ: رَتَنٌ،
يَزْعُمُ أنَّهُ مِمَّنْ صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ
وسَلَّمَ-، وأنَّهُ عُمِّرَ حتَّى هذا التاريخِ، فأَحْدَثَ اضْطِرَاباً في
هذا، فرَدَّ عليهِ العُلماءُ في عَصْرِهِ وبَعْدَ وَفاتِهِ، ومِنهم الحافِظُ الذَّهَبِيُّ لهُ كتابٌ بعُنوانِ: (كَسْرُ وَثَنِ رَتَنٍ). المقطوعُ على التابِعِيِّ: والتابِعِيُّ: هوَ
مَنْ لَقِيَ الصحابيَّ مُسْلِماً ولوْ مَرَّةً واحدةً على الأَصَحِّ وماتَ
على ذلكَ، ولوْ تَخَلَّلَتْ ذلكَ رِدَّةٌ على الأَصَحِّ. تَوَسَّعَ الحافِظُ الذَّهَبِيُّ فجَعَلَ
مَنْ أَدْرَكَ الصحابةَ، ولوْ لم يَرَهُمْ، في طَبقةِ التابعينَ
ويُنَبِّهُ على هذا، لكنَّهُ يَعُدُّهم مِن التابعينَ لأَجْلِ مَسألةِ
المُعَاصَرَةِ، مِثلُ ابنِ جُرَيْجٍ وعبدِ اللَّهِ بنِ طَاوُسٍ وأبي حَنيفةَ، فيَنُصُّ على أنَّهُم ليسَ لهم رِوايَةٌ عن الصحابةِ. الْمُخَضْرَمُونَ: والْمُخَضْرَمُ: هوَ مَنْ عاشَ في الجاهلِيَّةِ، وأَدْرَكَ زمَنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأَسْلَمَ ولم يَرَهُ. هناكَ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ في الصحابةِ: - مِثلُ: كتابِ (مَعْرِفَةُ الصحابةِ)لأَبِي نُعَيْمٍ. - و(الاسْتِيعَابُ) لابنِ عبدِ الْبَرِّ. - و(أُسْدُ الْغَابَةِ) لابنِ الأثيرِ. - و(الإِصَابَةُ)لابنِ حَجَرٍ؛ هؤلاءِ ذَكَرُوا الْمُخَضْرَمِينَ في كُتُبِهم. - فابنُ عبدِ الْبَرِّ ذَكَرَ الْمُخَضْرَمِينَ في كتابِهِ، ونَبَّهَ أنَّهُ ذَكَرَهم لِمُقَارَبَةِ طَبَقَتِهم طَبَقَةَ الصُّحْبَةِ. وابنُ حَجَرٍ حينَما صَنَّفَ (الإِصَابَةُ) أَبْدَعَ إبداعاً جَيِّداً في تَرتيبِ كِتابِهِ. فالقِسْمُ الأَوَّلُ: جعَلَهُ فيمَنْ ثَبَتَ بطريقِ النصِّ أنَّهُم لَقُوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-. القِسمُ الثاني: في صِغارِ الصحابةِ الذينَ ماتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- وهم دُونَ التمييزِ. القِسمُ الثالثُ: جَعَلَهُ في الْمُخَضْرَمِينَ. والقِسمُ الرابعُ: لِمَنْ ذُكِرَ في الكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ في الصحابةِ على سبيلِ الوَهْمِ والخطأِ. فإذا انتهَى الحديثُ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- فهوَ المرفوعُ، فإذا وَجَدْنَا في (عِلَلِ الدَّارَقُطْنِيِّ):
هذا الحديثَ الحديثُ اخْتُلِفَ فيهِ على فُلانٍ، فوَقَفَهُ فُلانٌ
ورَفَعَهُ فُلانٌ،. فكَلِمَةُ رَفَعَهُ فُلانٌ؛ أيْ: أَضَافَهُ إلى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وقولُهُ: وَقَفَهُ فُلانٌ،
جَعَلَهُ مِنْ قَولِ الصحابِيِّ. فإذا انْتَهَى إلى التابِعِيِّ فهوَ الْمَقطوعُ، وكذا مَنْ دُونَ التابِعِيِّ إذا انْتَهَى إليهِ قِيلَ: مَقطوعٌ. يَصِحُّ أنْ نَقولَ: مَوقوفٌ على الْحَسَنِ البَصْرِيِّ مَثَلاً، إذا قَيَّدْنَاهُ على التابِعِيِّ، فيَصِحُّ أنْ نَسْتَعْمِلَ لَفظةَ الوُقوفِ. الأَثَــرُ: 1- قِيلَ: هوَ مُرَادِفٌ لِلحديثِ. 2- قِيلَ: ما يُرْوَى عن الصحابةِ والتابعينَ، وهوَ الذي يُسْتَعْمَلُ كثيراً، وأَكَّدَ على هذا أهْلُ خُرَاسَانَ، فيُطْلِقُونَ الأَثَرَ على ما يُرْوَى عن الصحابةِ والتابعينَ).
العناصر أقسام الخبر باعتبار من أسند إليه: تعريف (الحديث المرفوع) أقسام المرفوع: القسم الأول: المرفوع الصريح: صيغ المرفوع الصريح: التصريح القولي التصريح الفعلي التصريح التقريري القسم الثاني: المرفوع حكماً: صيغ المرفوع الحكمي: المرفوع الحكمي القولي المرفوع الحكمي الفعلي المرفوع الحكمي التقريري الصيغ الكنائية التي لها حكم المرفوع حكما: 1- قول الصحابي: أمرنا بكذا ونهينا عن كذا. 2- قول الصحابي: من السنة كذا. المقطوع: تعريف (المقطوع) ماذا تسمى الأقوال المنسوبة إلى أتباع التابعين؟ وجد في كلام السلف التعبير عن المقطوع بالمنقطع فائدة تقسيم الحديث إلى مرفوع وموقوف ومقطوع الموقوف والمقطوع قد يطلق عليهما اسم (الأثر) أقوال العلماء في تعريف (الأثر) القول الراجح في تعريف (الأثر) السند: تعريف (السند) أنواع ما ينتهي إليه السند الإسناد قد ينتهي إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم المتن: تعريف (المتن) الصحابي: تعريف الصحابي بيان محترزات التعريف الإشارة إلى الخلاف في تعريف الصحابي طرق معرفة (الصحابي): 1- التواتر 3 - التنصيص باسم الصحابي في الحديث 4 - أن ينص الصحابي أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم شروط ذلك - هل ادعى الصحبة أحد في الأزمان المتأخرة؟ مسألة: تفاضل الصحابة في الصحبة. يدخل في الصحابة كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من الصبيان هل من المخضرمين صحابة ؟
المرفوع والموقوف
المرفوع:
3- قول الصحابي على الفعل: إنه طاعة لله ورسوله، أو معصية لله ورسوله.
4- قول التابعي إذا روى عن الصحابي: (يرفعه).
5- قول التابعي إذا روى عن الصحابي: (ينميه).
6- قول التابعي إذا روى عن الصحابي: (يروي الحديث).
شروط قبول الحديث الذي له حكم الرفع:
الشرط الأول: أن يكون ذلك الحديث مما لا مجال للرأي فيه
الشرط الثاني: أن يكون ذلك الصحابي ممن لم يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل
تسمية بعض الصحابة الذين كانوا يحدثون عن أهل الكتاب
تسمية بعض الصحابة الذين كانوا يشددون في الأخذ عن أهل الكتاب.
تنبيهات:
قد يطلق المرفوع مقابل المرسل.
قول الصحابي: (كنا نفعل كذا) له حالتان من حيث إفادته للرفع.
لِمَ يقول الصحابة في الحديث المرفوع: من السنة كذا، ولا يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
إذا اجتهد الصحابي برأيه فلا يكون له حكم الرفع
إذا أخذ الصحابي القول عن غيره فهل له حكم الرفع ؟
الموقوف:
تعريف (الموقوف)
أقسام الموقوف:
1- القول الموقوف على الصحابي.
2- الفعل الموقوف على الصحابي.
3- الموقوف التقريري.
2 - الشهرة والاستفاضة
حكم حديث صغار الصحابة ؟
مسألة: هل يبحث في عدالة الصحابي؟
مسائل:
من مات على الردة وقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً لا يعد صحابياً
صغار الصحابة أحاديثهم مرسلة، وهي مقبولة اتفاقا
كتب في الصحابة
منهج ابن حجر في (الإصابة)
التابعي:
تعريف (التابعي)
مسألة: هل من شرط التابعي طول ملازمة الصحابي؟
ما حكم من عاصر الصحابة ولم يرو عنهم؟
المخضرم:
تعريف (المخضرم)
ذكر بعض المخضرمين
الأسئلة س1: عدد أقسام الخبر باعتبار من أسند إليه. س2: عرف الحديث المرفوع. س3: اذكر مع التمثيل أقسام الحديث المرفوع وصيغ كل قسم. س4:ما هي شروط قبول الحديث الذي له حكم الرفع؟ س5: اذكر أقسام الموقوف. س6: عرف المقطوع. س7: ماذا تسمى الأقوال المنسوبة إلى أتباع التابعين؟ س8: ما فائدة تقسيم الحديث إلى مرفوع وموقوف ومقطوع؟ س9: عرف (الأثر) لغة واصطلاحاً. س10: عرف (السند) لغة واصطلاحاً. س11: عرف (المتن) لغة واصطلاحاً. س12: هل لفظ المتن هو قول النبي صلى الله عليه وسلم أو حكاية الصحابي لقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ س13: عرف الصحابي. س14: اذكر طرق معرفة الصحابي. س15:هل يقبل نص الصحابي على أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم؟ س16: إذا ادعى الجني أنه صحابي فما الحكم؟ س17: هل يبحث في عدالة النبي صلى الله عليه وسلم؟ س18: ما حكم مرسل صغار الصحابة؟ س19: اذكر الكتب المصنفة في الصحابة. س20: عرف التابعي. س21: هل من شرط التابعي طول ملازمة الصحابي؟ س22: ما معنى (المخضرم)؟ س23: اذكر بعض المخضرمين.