صيغ الأداء
قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (وَصِيَغُ الأَدَاءِ:
-سَمِعْتُ، وَحَدَّثَنِي.
- ثُمَّ أَخْبَرَنِي. -وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ. -ثُمَّ قُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ. -ثُمَّ أَنْبَأَنِي. -ثُمَّ نَاوَلَنِي. -ثُمَّ شَافَهَنِي. -ثُمَّ كَتَبَ إِليّ. -ثُمَّ عَنْ وَنَحْوُهَا. فَالأَوَّلاَنِ: لِمَنْ
سَمِعَ وَحْدَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ، فَإِنْ جَمَعَ فَمَعَ غَيْرِهِ،
وَأَوَّلُهَا: أَصْرَحُهَا، وَأَرْفَعُهَا في الإِمْلاءِ. وَالثَّالِثُ، وَالرَّابِعُ: لِمَنْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ. فَإِنْ جَمَعَ: فَكَالخَامِسِ. وَالإِنْبَاءُ،بِمَعْنَى الإِخْبَارِ إِلا في عُرْفِ المُتَأَخِّرِينَ: - فَهُوَ لِلإجَازَةِ: كَعَنْ).
نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (وَصِيغُ الأَدَاءِ) المُشَارُ إليها على ثمانِ مَرَاتِبَ: الأُولى:(سَمِعْتُ وحَدَّثَنِي ثم أَخْبَرَنِي وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ). وهيَ المَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: (ثُمَّ قُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ). وهيَ الثَّالِثَةُ: (ثم أَنْبَأَنِي). وهيَ الرَّابِعَةُ: (ثم نَاوَلَنِي). وهيَ الخامِسةُ: (ثم شَافَهَنِي) أي: بالإِجَازَةِ. وهيَ السَّادِسَةُ: (ثم كَتَبَ إِلَيَّ) أي: بالإجَازَةِ. وهيَ السَّابِعَةُ: (ثم عَنْ وَنَحْوَهَا)
مِن الصِّيغِ المُحْتَمِلَةِ للسَّماعِ والإِجَازَةِ ولعدَمِ السَّماعِ
أيضًا، وهَذَا مِثْلَ (قَالَ)، و(ذَكَرَ) و(رَوَى) (فَـ) اللَّفْظانِ (الأولانِ) من صِيَغِ الأداءِ وهُمَاسَمِعْتُ وحَدَّثَنِي صالحانِ. (2) (لِمَنْ سَمِعَ وحدَه مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ)
وتخصيصُ التَّحَدِيثِ بما سَمِعَ مِن لفظِ الشَّيخِ هو الشَّائعُ بَيْنَ
أهلِ الحَدِيثِ اصطلاحًا، ولا فرْقَ بَيْنَ التَّحَدِيثِ والإخبارِ مِن
حيثُ اللُّغةُ، وفي ادِّعاءِ الفرْقِ بَيْنَهما تكُلُّفٌ شديدٌ، لكن لَمَّا
تَقَرَّرَ الاصْطِلاَحُ صارَ ذَلِكَ حقيقةً عُرْفِيَّةً فَتُقَدَّمُ على
الحقيقةِ اللُّغَوِيَّةِ، مع أنَّ هَذَا الاصطلاحَ إِنَّمَا شَاعَ عندَ
الْمَشَارِقَةِ ومَن تَبِعَهُم، وأَمَّا غالبُ المَغارِبَةِ فلمْ
يَسْتَعْمِلوا هَذَا الاصطلاحَ بل الإخبارُ والتَّحَدِيثُ عندَهم بِمَعْنًى
واحدٍ، (فَإِنْ جَمَعَ) الرَّاوي، أي: أتَى بِصِيغَةِ الجَمْعِ في الصِّيغةِ الأولى، كأنْ يقولَ: حَدَّثَنَا فُلانٌ، أو: سَمِعْنَا فُلاَنًا يقولُ (فَـ) هو دليلٌ على أنَّه سَمِعَ منه (مَعَ غَيْرِهِ) وقد تكونُ النُّونُ للعَظَمَةِ لكن بِقِلَّةٍ، (وَأولُهَا) أي: صِيَغُ المَراتِبِ (أَصْرَحُهَا) أي: أصرحُ صِيَغِ الأداءِ في سماعِ قائلِها؛ لأنَّها لا تَحْتَمِلُ الواسِطَةَ، ولأنَّ حَدَّثَنِي قد يُطْلَقُ في الإجازةِ تَدْلِيسًا. (وَأَرْفَعُهَا) مِقْدَارًا ما يقعُ (في الإِمْلاَءِ) لِمَا فيه مِن التَّثَبُّتِ والتَّحفُّظِ.(والثَّالِثُ) وهو أَخْبَرَنِي، (والرَّابعُ) وهو قَرَأْتُ (لِمَنْ قَرأَ بِنَفْسِهِ) على الشَّيخِ، (فَإِنْ جَمَعَ) كأنْ يقولَ: أَخْبَرَنَا أو قَرَأَنْا عَلَيْهِ (فَـ) هو (كَالْخَامِسِ)
وهو قُرِئَ عَلَيْهِ وأنا أَسْمَعُ. وعُرِفَ مِن هَذَا أنَّ التَّعْبِيرَ
بِقَرَأْتُ لمَنْ قَرَأَ خَيْرٌ مِن التَّعْبِيرِ بالإِخْبارِ؛ لأنَّه
أفصحُ بصورةِ الحالِ. (تَنْبِيهٌ): القِرَاءةُ على الشَّيخِ أحدُ وُجُوهِ التَّحَمُّلِ عندَ الجمهورِ، وَأَبْعَدَ مَن أبَى ذَلِكَ من أهلِ العراقِ، وقد اشتدَّ إنكارُ الإمامِمَالِكٍ وغيرِه مِن المدنَيِّينَ عليهمْ في ذَلِكَ، حتى بَالَغَ بعضُهمْ فرجَّحَها على السَّماعِ مِن لفظِ الشَّيخِ، وذهبَ جمْعٌ جَمٌّ منهمَالْبُخَارِيُّ وحكاهُ في أوائلِ (صَحِيحِهِ) عَن
جماعةٍ مِن الأَئِمَّةِ إلى أنَّ السَّماعَ مِن لفظِ الشَّيخِ والقراءةَ
عليهِ يعني في الصِّحَّةِ والقُوَّةِ سواءٌ، واللهُ أَعْلَمُ. (3) (والإِنْبَاءُ) من حيثُ اللُّغةُ واصطلاحُ المُتَقدِّمينَ (بِمَعْنَى الإِخْبَارِ إلاَّ في عُرْفِ المُتَأَخِّرِينَ فهو للإجازةِ كَعَنْ) لأنَّها في عُرْفِ المُتَأَخِّرِينَ للإجازةِ).
نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: ( (1) طرقُ التحَمُّلِ عندَ المحدِّثينَ في الجملةِ ثمانيةٌ: ومعناها: كيفَ أخذَ التلميذُ عن شيخِه؟ وهي كالآتي: 1- السماعُ مِن لفظِ الشيخِ. 2- القراءةُ على الشيخِ. 3- الإجازةُ. 4- المُنَاوَلَة ُ. 5- الكتابةُ. 6- الوصيَّةُ. 7- الإعلامُ. 8- الوِجَادَةُ. وإنْ كانَ بعضُها يدخلُ في بعضٍ. هذه الطرقُ مُقَسَّمَةٌ إلى قسمينِ: الأَوَّلِ: يشملُ السَّماعَ مِن لفظِ الشيخِ، والقراءةَ على الشيخِ. الثاني: يشملُ الستَّةَ الباقيةَ. وهذا التقسيمُ مِن جهةِ كثرةِ الاستعمالِ وقلَّتِه عندَ المتقدِّمِين والمتأخِّرِينَ. فالقسمُ الأَوَّلُ:هو
الأشهرُ عندَ المتقدِّمِينَ والمُسْتَعْمَلُ بكثرةٍ في عصرِ الروايةِ، وهو
أنْ يسمعَ التلميذُ مِن لفظِ الشيخِ أو أنْ يقرأَ التلميذُ أو أحدُ
التلاميذِ على الشيخِ، وللمتقدِّمِينَ كلامٌ في أيِّهِما أقوى؟ هل الأقوى أنْ يسمعَ التلميذُ مِن لفظِ الشيخِ، أو أنْ يقرأَ على الشيخِ، أو يستمعَ لقراءةِ غيرِه؟ - الأكثرُ على أنَّ السَّماعَ مِن لفظِ الشيخِ هو الأقوى. -وبعضُهم يُسَوِّي بينهما. - وبعضُهم يُرَجِّحُ القراءةَ على الشيخِ. (2) 2-الستَّةُ الباقيةُ اشْتُهِرَتْ عندَ المتأخِّرِينَ ولا سيَّما الإجازةُ، حتى صارَ الغالبُ على الروايةِ عندَ المتأخرينَ بالإجازةِ، ومعنى الإجازةِ: أنْ يقولَ الشيخُ للتلميذِ: هذا الكتابُ أجزتُ لكَ أنْ ترويَهُ، أو أجزتُ لكَ أنْ ترويَ عنِّي (صحيحَ البخاريِّ)وهكذا، وفي بعضِ الأحيانِ يقرأُ الشيخُ بعضَ الكتابِ أو أحاديثَ منه والباقي يجعلُه إجازةً. وَقَد كَثُرَتْ أنواعُ الإجازةِ عندَ المتأخِّرِين حتَّى صرَّحَ ابنُ الصلاحِ بأنَّ في بعضِها توسُّعًا غيرَ مرضيٍّ، بأنْ يقولَ الشيخُ للتلميذِ أحيانًا: - كلُّ ما أرويه أجزتُ لكَ أنْ ترويَهُ. - أو يقولُ أحيانًا: أجزتُ لأهلِ هذا البلدِ أنْ يروُوا عنِّي. - أو يقولُ: أجزتُ لفلانٍ ولِمَن يولدُ له. - أو أجزتُ لكَ ما أرويه الآنَ، وما سأرويه فيما بعدُ؛ فهذه كلُّهَا إجازاتٌ عامَّةٌ وفيها توسُّعٌ. (3) أما باقي الصورِ الستَّةِ: فالمُنَاوَلَةُ: أنْ يعطيَ الشيخُ التلميذَ الكتابَ يناولُه ويقولُ له: هذا مِن مَرْوِيَّاتِي عن فلانٍ. - أو يُعْلِمُهُ فيقولُ: أنا أروي هذا الكتابَ. - أو يوصِّي به فيقولُ: إذا مِتُّ فهذه الكتبُ لكَ. - أو يجدُ التلميذُ بخطِّ الشيخِ أنني أروي هذا الكتابَ. - أويكتبُ له وهو في بلدٍ أنَّ هذا الكتابَ مِن مرويَّاتِي، هذه الأقسامُ الخمسةُ يقولُ الحاافظُ: (إنَّ الصحيحَ أنَّ الروايةَ بها مشروطٌ فيها الإذنُ بالروايةِ، فتدخلُ تحتَ الإجازةِ، وذكرَ أنَّ بعضَ الحفَّاظِ مثلَالخطيبِ أجازَ الروايةَ بها جميعًا وإنْ لم يكن بها إذنٌ). كلُّ هذه تُسَمَّى طرقَ التَّحَمُّلِ،في
مقابلِها شيءٌ عُرِفَ عندَ المحدِّثينَ بألفاظِ الأداءِ، فإذا تَحَمَّلَ
التلميذُ بأيِّ طريقةٍ مِن الطرقِ فكيفَ يؤدِّي إذا أصبحَ هو شيخًا؟ عندَ المتقدِّمِين طريقتانِ للتحمُّلِ: - السماعُ مِن لفظِ الشيخِ. - والقراءةُ على الشيخِ. يقولُ الحافظُ: (بالنسبةِ
للسماعِ فأرفعُ ألفاظِ الأداءِ أنْ يقولَ التلميذُ: سمعتُ؛ لأنَّها صريحةٌ
ولا تشتبهُ وليسَ فيها تدليسٌ أو توسُّعٌ، وما عدا سمعتُ فهناكَ ألفاظٌ
مشهورةٌ عندَ المتقدِّمِين للأداءِ: حدَّثَنا، أخبرنا، أنبأنا، فبعضُ المحدِّثين ومنهم البخاريُّ، على
أنكَّ تستعملُ هذه الألفاظَ في الطريقتينِ، سواءٌ سمعتَ مِن لفظِ الشيخِ،
أو قرأتَه على الشيخِ أو قُرِئَ عليه وأنتَ تسمعُ، وبعضُ المحدِّثينَ يخصُّ
حدَّثَنا وأخبرَنا إذا كانَ ذلكَ من السَّماعِ وهذا مرويٌّ عن أحمدَ، وإذا كانَ التلميذُ هو الذي يقرأُ يقولونَ: ينصُّ فيقولُ الراوي: أخبرنا قراءةً عليه، أو قرأتُ على فلانٍ، وكثيرًا ما نجدُ في (صحيحِ مسلمٍ) قولَيحيى بنِ يحيى: قرأتُ على مالكٍ، وقولَ النَّسائيِّ في
بعضِ شيوخِه: أخبرَنا قراءةً عليه، أو قُرِئَ عليه وأنَا أسمعُ، ونحوُ هذه
الألفاظِ التي يتبيَّنُ أنَّه ليسَ بسماعٍ وإنما هو قراءةٌ، وبعضُ
المحدِّثينَ كالإمامِ مُسْلِمٍ يفرِّقُ
بينهما لكن دونَ النصِّ على أنَّه قراءةٌ على الشيخِ، فجعلُوا حدَّثَنَا
للسَّماعِ من لفظِ الشيخِ، وأخبرنا للقراءةِ على الشيخِ وإنْ لم يصاحبْها
التنصيصُ على ذلكَ. أمَّا المتأخِّرُونَ فيميلُون إلى التدقيقِ والتفصيلِ، فاصطلحُوا
على أنَّ حدَّثَنا للسماعِ إذا سمعَ معَ جماعةٍ، وإذا سمعَ لوحدِه يقولُ:
حدَّثَني، وأخبرَنا للقراءةِ على الشيخِ إذا كانَ يقرأُ هو أو يقرأُ طالبٌ
ومعه جمعٌ يستمعونَ، ويقولُ: أخبرني إذا كانَ يقرأُ هو لوحدِه، أمَّا لفظُ
أنبأنَا فهي ليستْ كثيرةً عندَ المتقدِّمِين في حينِ جعلَها المتأخِّرُونَ
للإجازةِ، فكلُّ ما سمعتَ عندَالبيهقيِّ والحاكمِ والبغويِّ وابنِ الجوزيِّ والذهبيِّ أنبأَنا فمعناها أنَّه ليسَ بسماعٍ ولا قراءةٍ وإنما هي إجازةٌ، واصطلحُوا اصطلاحًا آخرَ: (عن) فإذا توالتْ (عن) بعدَ (عن) فمعناه أنَّه إجازةٌ عن إجازةٍ أيضًا، هذا كلُّه اصطلاحٌ وليسَ موجودًا عندَ المتقدِّمِين).
شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: (صِيَــغُ الأَدَاءِ: 1-السَّمَاعُ. 2-العَرْضُ أو القِراءةُ على الشيخِ. 3-الإِجَازَةُ. 4-الْمُنَاوَلَةُ. 5-الْمُكَاتَبَةُ. 6-الإِعْلامُ. 7-الْوَصِيَّةُ. 8-الْوِجَادَةُ. 1- السَّمَاعُ: وهوَ
أنْ يُحَدِّثَ الشيخُ مِنْ لَفْظِهِ والتلميذُ يَسْمَعُ، سواءٌ أكانَ
التحديثُ مِنْ لفْظِهِ، أوْ مِنْ كتابٍ، أوْ كانَ التلميذُ يَحْفَظُ ما
يَسْمَعُ، أوْ يَكْتُبُهُ. والسَّماعُ أعْلَى الدرجاتِ،ويُعَبَّرُ عنهُ
بعدَ استقرارِ الاصطلاحِ:بـ(سَمِعْتُ، أوْ حَدَّثَنِي، أوْ سَمِعْنَا، أوْ
حَدَّثَنَا). 2- العَرْضُ أو القراءةُ على الشيخِ: أحياناً
يَقْرَأُ التلميذُ على الشيخِ أحاديثَ لهُ مِنْ كِتابِهِ، أوْ مِنْ غيرِ
كِتابِهِ، أوْ يكونُ التلميذُ يَسمعُ والذي يَقرأُ شَخْصٌ آخَرُ، وسواءٌ
كانَ الشيخُ معهُ كتابُهُ أوْ يُصْغَي، فإنْ كانَ يَقرأُ بِمُفْرَدِهِ
فيقولُ: أخْبَرَنِي، أوْ: قَرَأْتُ عليهِ. وإنْ كانَ يَقرأُ غيرُهُ قالَ:
أَخْبَرَنَا، أوْ: قُرِئَ عليهِ وأنا أَسْمَعُ. وقدْ نَجِدُ في بعضِ الأسانيدِ: قَرأتُ على فلانٍ: أخْبَرَكُمْ فُلانٌ، كما في كتابِ (الزُّهْدُ)لابنِ الْمُبَارَكِ؛ في أوائلِ الحديثِ: أخْبَرَكُم ابنُ حَيَّوَيْهِ؛ لأنَّهُ يَقْرَأُ مِنْ كتابِ الشيخِ وفيهِ: أَخْبَرَنا، فيَجْعَلُها للمُخَاطَبِ. والراجِحُ أنَّ مَرحلةَ العرْضِ تَلِي مَرحلةَ السَّمَاعِ، وهناكَ مَنْ قالَ: لا فَرْقَ بينَ السَّمَاعِ والْعَرْضِ. 1- البُخاريُّ، ذَهَبَ إلى عدَمِ التفريقِ بينَ العَرْضِ والسماعِ، وهوَ رِوايَةٌ عنْ مالِكٍ. 2- مسلِمٌ، والْجُمهورُ ذَهَبُوا إلى أنَّ السمَاعَ أرْفَعُ درجةٍ درجةً مِن العَرْضِ؛ لذا نَجِدُ مسلِماً يُعْنَى بِصِيَغِ الأداءِ، فنَجدُهُ يقولُ: حدَّثَنِي فُلانٌ وفُلانٌ،؛ قالَ فُلانٌ: حدَّثَنَا، وقالَ فُلانٌ: أخْبَرَنَا. والتفريقُ
أدَقُّ؛ لأنَّهُ يَرُدُّ يَرِدُ أحياناً بعضَ بعضُ الاختلافِ في
الأسانيدِ، فإذا جاءَ حَدِيثانِ ظاهِرُهما التعارُضُ -ولْيَكُنِ التعارُضُ
في السَّنَدِ. أحدُهما: زادَ زِيادةً. والآخَرُ: ما ذَكَرَها- واحْتَجْنَا للترجيحِ، فيُمْكِنُ أنْ نُرَجِّحَ الروايَةَ المأخوذةَ بالسَّمَاعِ. أوْ
يكونُ خِلافاً في ضَبْطِ كَلمةٍ؛ فنِسبةُ خَطَأِ الشيخِ إذا حَدَّثَ
بلَفْظِهِ أقَلُّ مِنْ نِسبةِ الْخَطَأِ إذا قُرِئَ عليهِ وهوَ يَسمعُ؛
لاحتمالِ أنْ يَسْهُوَ أوْ لا يَسمعَ الكلمةَ صحيحةً فيَظُنَّها نَطَقَ
نُطِقَ بها بالطريقةِ الصحيحةِ وليسَ كذلكَ. 3-قولُ أبي حَنيفةَ، وهوَ رِوايَةٌ عنْ مالِكٍ: فَضَّلُوا القِراءةَ على السماعِ، وهذا قولٌ مَرجوحٌ. 3- الإِجــازةُ: يَأْتِي
إنسانٌ مُتَعَجِّلاًٌ مِنْ بَلَدٍ بعيدٍ ولا يَستطيعُ الإقامةَ في هذا
البَلَدِ حتَّى يَسْمَعَ أحاديثَ الشيخِ كُلَّها، فيقولَ فيقولُ للشَّيْخِ:
أَجِزْنِي بِمَرْوِيَّاتِكَ، فيَدْفَعُ إليهِ كِتابَهُ. أوْ يكونُ التلميذُ قدْ نَسَخَ كتابَ الشيخِ ويقولُ: هذا كتابُكَ فأَجِزْنِي بهِ؛ فيقولُ: أَجَزْتُكَ بكتابِي. فبَعْدَ دقيقةٍ واحدةٍ أوْ أقلَّ تَحَمَّلَ جُهْدَ سنةٍ أوْ أكثرَ؛ فهذهِ الصورةُ تحتَ الدَّرَجَتَيْنِ السابقتَيْنِ. هناكَ بعضُ التَّوَسُّعِ في الإِجازةِ: 1- أنْ يُجِيزَ مُعَيَّناً لمعلومٍ، كأنْ يقولَ: أَجَزْتُكَ(بصحيحِ البُخاريِّ). 2- أنْ يُجِيزَ مُعَيَّناً لمجهولٍ، كأنْ يقولَ: أَجَزْتُ (صحيحَ البُخاريِّ) لجميعِ المسلمينَ. 3- إجازةُ مجهولٍ، كأنْ يَرْوِيَ كُتُباً عديدةً فيقولَ: أَجَزْتُ جميعَ مَرْوِيَّاتِي لجميعِ المسلمينَ. 4-إجازةُ مَجهولٍ لِمَعلومٍ، كأنْ يقولَ: أَجَزْتُكَ بجميعِ مَسموعاتِي ومَرْوِيَّاتِي. 5- إجازةُ معلومٍ لِمَعدومٍ، كأنْ يقولَ: أَجَزْتُ (صحيحَ البُخاريِّ)لفُلانٍ ولِمَنْ سَيُولَدُ بعدَهُ. 6- إجازةُ مَجهولٍ لِمَعدومٍ، كأنْ يقولَ: أَجَزْتُ جَميعَ مَرْوِيَّاتِي لفُلانٍ ولِمَنْ سَيُولَدُ لهُ. وهذهِ الصِّيَغُ رَدِيئَةٌ لا تُعْتَبَرُ شيئاً، ولا تُعْتَبَرُ؛ إلاَّ إِجازَةُ المعلومِ للمعلومِ وهوَ الأَوَّلُ، وبعضُهم يُنازِعُ في إجازةِ المجهولِ للمعلومِ، كأنْ يقولَ: أَجَزْتُكَ
بجميعِ مَرْوِيَّاتِي، ومَرْوِيَّاتُهُ مثلاً الكُتُبُ السِّتَّةُ،
وللتَّوَسُّعِ انْظُرْ: (الإِلْمَاعُ للقَاضِي عِيَاضٍ). والْمُتَقَدِّمُونَ:وهم طَبقةُ الصحابةِ والتابعينَ
وتابِعِيهِمْ لا يُفَرِّقُونَ بينَ السَّمَاعِ، والعرْضِ، والإجازةِ؛
فيقولونَ في كلِّ هذا: أَخْبَرَنا، أوْ أَنْبَأَنا، أوْ حدَّثَنا. أمَّا بعدَما اسْتَقَرَّ الاصطلاحُ في طَبقةِمُسْلِمٍ ومَنْ بعدَهُ: - فيقولُ للسَّماعِ:سَمِعْتُ. -وللعَرْضِ: قَرأتُ على فُلانٍ، أوْ أَخْبَرَنِي، أوْ قُرِئَ عليهِ وأنا أَسْمَعُ. -وللإِجازةِ: أَنْبَأَنِي، ويَجوزُ أنْ يَقولَ: حدَّثَنا فُلانٌ إجازةً، وهكذا. فبِالتَّقْيِيدِ يَجُوزُ، وبغيرِ التَّقْيِيدِ يُعَدُّ عندَهم نَوْعاً مِن التَّدْلِيسِ؛ ولذا تَكَلَّمُوا فيأبي
نُعَيْمٍ صاحبِ (الْحِلْيَةِ)؛ لأنَّهُ يُطْلِقُ ولا يُبَيِّنُ، فيقولُ:
حدَّثَنا، وأَخْبَرَنا للإجازةِ، وكأنَّهُ يُوهِمُ أنَّهُ سَمِعَ ذلكَ
فِعْلاً؛ فاعْتَبَرُوهُ مُدَلِّساً بهذهِ الصورةِ. والْمُتَأَخِّرُونَ جَعَلُوا صِيغةَ (عَنْ) للإِجازةِ، أمَّا عندَ الْمُتَقَدِّمِينَ فإنَّها مَحمولةٌ علىالسمَاعِ عُموماً، إلاَّ أنْ تكونَ صادِرةً مِنْ مُدَلِّسٍ فيُتَوَقَّفَ فيها. فإذا وَرَدَتْ صِيغةُ (عَنْ)فيمَنْ بعدَ طَبقةِ الْخَطيبِ البَغداديِّ -خاصَّةً في القرْنِ السابِعِ والثامِنِ- فإنَّها تَعْنِي التَّحَمُّلَ بالإجازةِ، فيُنْتَبَهُ لها. 4- الْمُنَاوَلَةُ: وهيَ شَبيهةٌ بالإجازةِ، لكنَّهم حَدَّدُوهَا؛ لأنَّها قدْ تكونُ إجازةً وقدْ لا تكونُ. وصِفَتُها: أنْ يُنَاوِلَ الشيخُ تِلميذَهُ؛ إمَّا هِبَةً أوْ إعارةً، يَنْسَخُهُ. قالَ
العُلماءُ: فإنْ صَرَّحَ بإجازتِهِ كأنْ يُنَاوِلَهُ الكتابَ وقالَ: هذهِ
مَسْمُوعَاتِي أَجَزْتُكَ برِوَايَتِها، فهذهِ تَدْخُلُ في النوعِ السابقِ،
لكنْ إنْ لم يُصَرِّحْ بإِجازتِهِ إِيَّاهَا فهنا خِلافٌ. - فالْجُمهورُ على رَدِّها؛ لأنَّهُ لمْ يَأْذَنْ لهُ بالتحديثِ بها عنهُ، فقدْ يكونُ ذلكَ لعِلَّةٍ فيها. وخالَفَابنُ حَزْمٍ والظاهرِيَّةُ وقالُوا: إنَّها تُقْبَلُ. وقالُوا زِيادةً على ذلكَ: لوْ قالَ لهُ: لا أُجِيزُكَ أنْ تُحَدِّثَ بها عَنِّي، فيَجِبُ عليهِ أنْ يُحَدِّثَ عنهُ. قالُوا:
لأنَّهُ لَمَّا دَفَعَها إليهِ عَرَفْنَا أنَّها مَسْمُوعَاتُهُ، أمَّا
كونُهُ لا يُجِيزُهُ بعدَ ذلكَ فهذا ليسَ إليهِ؛ لأنَّ هذا عِلْمٌ
تُحُمِّلَ عنهُ ولم يَعُدْ يَمْلِكُهُ، وإنْ كانَ صادقاً بأنَّ هناكَ
عِلَّةً في الأحاديثِ فلْيُبَيِّنْ، فالعلْمُ لا يُكْتَمُ ولا يَمْلِكُهُ
أحَدٌ، هذهِ وِجْهَةُ نَظَرِهِم. صِيَغُ التَّحَمُّلِ لِلْمُنَاوَلَةِ: إنْ أَجَازَهُ قالَ: أَنْبَأَنِي، أوْ حَدَّثَنِي إجازةً؛ لكنْ إذالم يُجِزْهُ فيقولُ: ناوَلَنِي. أمَّا
شافَهَنِي:الْمُشَافَهَةُ إذا دَفَعَ إليهِ مَروِيَّاتِهِ أوْ نحوَ ذلكَ
وقالَ لهُ: أَجَزْتُكَ بِمَرْوِيَّاتِي، فيقولُ: إنَّهُ شافَهَنِي؛ أيْ:
أَجَازَنِي مُشافَهَةً، وهيَ أَقْوَى مِن الْمُكَاتَبَةِ. 5- الْمُكَاتَبَةُ: وهيَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: أ- أنْ
يكونَ أحدُهما في بَلَدٍ والآخَرُ في بَلَدٍ آخَر؛ فيُرْسِلَ التلميذُ
رِسالةً إلى الشيخِ يَسألُهُ مَسألةً مُعَيَّنَةً، أوْ يَطْلُبُ منهُ أنْ
يَكْتُبَ لهُ أحاديثَ سَمِعَها، فيَكْتُبَ الشيخُ: سَأَلْتَنِي عنْ كذا
والجوابُ كذا، ودَليلُهُ ما حَدَّثَنِي فُلانٌ. فهذا يُسَمَّى مُكَاتَبَةً. ب- أنْ يَدْفَعَ الشيخُ كتابَهُ إلى التلميذِ ولا يُجِيزُهُ بهِ، وهيَ الْمُنَاوَلَةُ. قالَ الحافِظُ: (ولم
يَظْهَرْ لي فَرْقٌ قَوِيٌّ بينَ مُناوَلَةِ الشيخِ الكتابَ مِنْ يَدِهِ
للطالِبِ، وبينَ إرسالِهِ إليهِ بالكتابِ مِنْ مَوْضِعٍ إلى آخَرَ، إذا
خَلا كلٌّ مِنهما عن الإِذْنِ). وَجْهُ التَّوَقُّفِ: إذا
كانَ الشيخُ في بَلَدٍ والتلميذُ في بَلَدٍ آخَرَ، فكَتَبَ الشيخُ إلى
التلميذِ -بطَلَبِهِ أوْ بغيرِ طَلَبِهِ- بأحاديثَ، أوْ كَتَبَ إليهِ
كِتاباً يَعِظُهُ فيهِ أوْ يُفْتِيهِ فيهِ ويَستَدِلُّ بأحاديثَ
مُسْنَدَةٍ، فهلْ يَجُوزُ للتمليذِ أنْ يَرْوِيَ ذلكَ عن الشيخِ؟ قالَ
الْجُمهورُ: إنَّهُ يَجوزُ، ويُعْتَبَرُ هذا تَحَمُّلاً صَحِيحاً بشَرْطِ
أنْ يَنُصَّ على ذلكَ فيَقولَ: كَتَبَ إليَّ فُلانٌ، أوْ أَخْبَرَنَا
فُلانٌ مُكاتَبَةً. أمَّا الْمُنَاوَلَةُ،وهيَ أنْ يَدْفَعَ الشيخُ كِتابَهُ للتلميذِ ولا يُجِيزَهُ بهِ فيقولَ: هذهِ مَسموعاتِي. فالْجُمهورُ على رَدِّ هذا النوعِ. فالحافِظُ يقولُ: (أنا ما اتَّضَحَ لي لِمَاذا قَبِلُوا ذاكَ ورَدُّوا هذا، والأمْرُ سِيَّانِ، كِلاهما لم يَأْذَنِ الشيخُ بالروايَةِ عنهُ). قُلْتُ: (الذي
يَظْهَرُ لي أنَّ هناكَ فَرْقاً؛ فالشيخُ أَجَابَ التلميذَ جَوَاباً، أو
التلميذُ كَتَبَ إلى الشيخِ يَطْلُبُ منهُ أحاديثَ، فبِهَذِهِ الصورةِ
الفرْقُ واضِحٌ، وقدْ لا يكونُ الفرْقُ واضحاً إذا كَتَبَ الشيخُ إلى
التلميذِ أحاديثَ مِنْ تِلقاءِ نفْسِهِ بدونِ طَلَبٍ مِن التلميذِ، فهذا
شَبِيهٌ بالْمُنَاوَلَةِ). قُلْتُ:(ومعَ
ذلكَ فهناكَ فَرْقٌ؛ فالْمُكَاتَبَةُ كانتْ مَوجودةً في عَهْدِ الصحابةِ
والتابعينَ، ومِنْ ذلكَ: أنَّ مُعاويَةَ بنَ أبي سُفيانَ رَضِيَ اللَّهُ
عنهُ كَتَبَ للمُغيرةِ بنِ شُعبةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ يَسْأَلُهُ عنْ بعضِ
الأُمُورِ فأَجَابَهُ). وكذلكَ: كانَ
التابِعُونَ كإبراهيمَ النَّخَعِيِّ، والحسَنِ البَصْرِيِّ وغيرِهم
رَحِمَهم اللَّهُ يَكْتُبُ بعضُهم لبعضٍ بفَتَاوَى وغيرِ ذلكَ. ومِنْ
جُملةِ ذلكَ أحاديثُ يَرْوُونَها بأسانيدِهم إلى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ. وهذا النوعُ مِن الأنواعِ كما ذَكَرْنَا صحيحٌ،
لَكِنِ اشْتَرَطُوا في ذلكَ شُروطاً، منها: أنْ يكونَ التلميذُ يَعْرِفُ
خَطَّ الشيخِ. ملاحَظَةٌ: إنْ
كانَ حامِلُ الكتابِ غيرَ ثِقَةٍ، فهذا ممَّا يَقْدَحُ في صِحَّةِ
الكتابِ، لكنْ إذا كانَ التلميذُ يَعْرِفُ خَطَّ الشيخِ ومَيَّزَهُ
جَيِّداً فهنا لا مَعْنَى لقَوْلِنَا: إنْ كانَ غيرَ ثِقَةٍ. إشـكالٌ: قدْ يقولُ قائلٌ: ألا يُمْكِنُ تَزييفُ خَطِّ الشيخِ؟ فنقولُ: هذهِ دَعْوَى مَن اعْتَرَضَ على صِحَّةِ هذا النوعِ مِنْ أنواعِ التَّحَمُّلِ؛ فالمسألةُ خِلافيَّةٌ. وأُجيبُ عنْ ذلكَ بأنَّ هذا مُحْتَمَلٌ، واحتمالُهُ ضَعيفٌ، فلا يُرَدُّ اليقينُ بالشَّكِّ. ولوْ
رَدَدْنَا هذا النوعَ لرَدَدْنَا جُملةً مِن الأحاديثِ الصحيحةِ، بلْ
لَخَطَّأْنَا مِن السلَفِ مَن اعْتَبَرَ ذلكَ تَحَمُّلاً صَحيحاً. وكوْنُ
بعضِ الناسِ يَستطيعُ أنْ يُقَلِّدَ خَطَّ الآخَرِ تَقليداً مِائةً
بالْمِائَةِ، فهذا يَكادُ يكونُ في حُكْمِ النادِرِ أو المستحيلِ،
وبِخَاصَّةٍ في الزمَنِ الماضي. والذي
يَتعامَلُ معَ المَخْطُوطَاتِ يَتَبَيَّنُ لهُ أنَّ للسَّابِقِينَ خُطوطاً
متَمَيِّزَةً، فكانَ خَطُّهم بِمَنْزِلَةِ التوقيعِ الآنَ يَصْعُبُ
تقليدُهُ. استدراكٌ: إذا
لم يَكُنِ التلميذُ طَلَبَ مِن الشيخِ أيَّ طَلَبٍ، بل الشيخُ ابتداءً
كَتَبَ إلى التلميذِ أحاديثَ، ويقولُ: هذهِ أحاديثُ رُوِّيتُهَا عنْ
فُلانٍ، ويُرْسِلُ الكتابَ إلى التلميذِ، هنا موْضِعُ إشكالٍ عندَ الحافِظِ. قُلْتُ: (وأنا
عِنْدِي أنَّ هذا يَخْتَلِفُ؛ لأنَّ هذا الشيخَ الذي تَكَبَّدَ تَعَبَ
الإرسالِ بالبريدِ -وفي وَقْتِهم كانَ فيهِ شيءٌ مِن الصُّعوبةِ- وأَرْسَلَ
الكتابَ إلى التلميذِ في مكانٍ آخَرَ، ما مقصودُهُ مِنْ هذهِ الأحاديثِ
التي يُرْسِلُها؟ فَلَوْلا أنَّهُ أَذِنَ لهُ إِذْناً ضِمْنِيًّا لَمَا أَرْسَلَ هذهِ الأحاديثَ، فهنا نَوْعُ تَفْرِقَةٍ). أمَّا
الْمُنَاوَلَةُ فقدْ لا يُقْصَدُ منها الإِذْنُ، وإنَّما يُقْصَدُ
إخبارُهُ بذلكَ، أوْ يُقْصَدُ أنَّهُ إذا وَجَدْتَ هذا الكتابَ عندَ أحَدٍ
مِن الناسِ فهوَ فِعْلاً كتابِي، أوْ غيرُ ذلكَ مِن الْمَقاصِدِ. وعلى
كلِّ حالٍ، فحتَّى لوْ قيلَ بجَوَازِ هذا النوعِ -أي: الْمُنَاوَلَةِ-
دونَ أنْ يَصْحَبَها إذْنٌ، فهيَ مِنْ أَرْدَأِ أنواعِ التحَمُّلِ، بحيثُ
لوْ صارَ في الحديثِ عِلَّةٌ أوْ تَفَرُّدٌ أَمْكَنَ الطَّعْنُ في الحديثِ
مِنْ خِلالِ هذهِ الصِّيغةِ مِنْ صِيَغِ التَّحَمُّلِ. 6- الإعلامُ: بأنْ
يُعْلِمَ الشيخُ التلميذَ بأنَّ هذهِ الأحاديثَ مِنْ مَرْوِيَّاتِهِ
مُجَرَّدَ إعلامٍ لا يَصْحَبُهُ إذْنٌ، ولوْ صَحِبَهُ إذْنٌ لأَصْبَحَ ذلكَ
مِنْ أنواعِ الإجازةِ. وحُكْمُهُ أنَّهُ لا يُجِيزُ العلماءُ التحديثَ بهِ،على أنَّهُ مِنْ صِيَغِ التَّحَمُّلِ الْمَقبولةِ. الفَرْقُ بينَ الإعلامِ والمُنَاوَلَةِ: الْمُنَاوَلَةُ :أنْ يكونَ هناكَ كتابٌ مُعَيَّنٌ ناوَلَهُ الشيخُ للتِّلْمِيذِ، ولكنْ لم يَأْذَنْ لهُ بهِ، أوْ أَذِنَ لهُ على التفصيلِ المذكورِ. أمَّا الإعلامُ: فليسَ هناكَ كتابٌ، ولكنَّهُ يقولُ: الكتابُ الفُلانِيُّ مِنْ مَسْمُوعَاتِي؛ فيقولُ مَثَلاً: إنَّ (صحيحَ البُخَارِيِّ) أنا أَرْوِيهِ بسَنَدِي عنْ فُلانٍ عنْ فُلانٍ، و(صحيحُ البخاريِّ) معروفٌ،
فإنْ أَذِنَ لهُ الشيخُ وقالَ: اذْهَبْ فخُذْهُ، فهذهِ صِيغةُ تَحَمُّلٍ
صحيحةٌ، وتكونُ صِيغةُ التَّحَمُّلِ: أَعْلَمَنِي فلانٌ، أوْ أَخْبَرَنِي
فُلانٌ إِعْلاماً، وهيَ داخلةٌ في أنواعِ الإجازةِ، أمَّا إذا لم يَأْذَنْ
لهُ فتكونُ صِيغةُ التحَمُّلِ غيرَ صَحيحةٍ، وتكونُ المناوَلَةُ أعْلَى
منها؛ لامتيازِها بإعطاءِ الكتابِ. 7- الوَصِيَّـةُ: تَتَمَثَّلُ
في شخْصٍ يُفارِقُ أهْلَهُ، إمَّا بسَفَرٍ أوْ بقُرْبِ وَفاةٍ، فيُوصِي
بكِتَابِهِ لإنسانٍ مُعَيَّنٍ أوْ غيرِ مُعَيَّنٍ، وقدْ يُوصِي بِمُعَيَّنٍ
وقدْ يُوصِي بغَيْرِ مُعَيَّنٍ. فمَثَلاً قدْ يَقُولُ: هذهِ مَرْوِيَّاتِي أَجَزْتُ جميعَ المُسْلِمِينَ بها: فهذا يُسَمَّى إجازةَ مَجْهُولٍ إلى مَجْهُولٍ. وقدْ يقولُ: أَجَزْتُ (صحيحَ البُخارِيِّ) لجميعِ المسلمينَ، فهذا يُسَمَّى: معلومٌ لمجهولٍ. وقدْ يُجِيزُ مَسموعاتِهِ كُلَّها لمُحَمَّدِ
بنِ خالدٍ الدِّمَشْقِيِّ مَثَلاً، فهذا يُسَمَّى: إجازةَ مجهولٍ لمعلومٍ،
وحينَما يقولُ: أَجَزْتُ مُحَمَّدَ بنَ خالدٍ الدِّمشقِيَّ، (بصحيحِ
البخاريِّ)، فهذهِ إجازةُ معلومٍ لمعلومٍ. وهذهِ
الوَصِيَّةُ مِنْ أَرْدَأِ الأنواعِ، وبعضُهم يَعْتَبِرُها تَحَمُّلاً
صَحيحاً إنْ صَاحَبَهَا إذْنٌ؛ أيْ: إذا قالَ: أُوصِي برِوايَةِ (صحيحِ البُخَارِيِّ)لمحمَّدِ بنِ خالدٍ الدِّمشْقِيِّ، وهوَ موجودٌ ولكنَّهُ غيرُ حاضِرٍ في ذلكَ الْمَجْلِسِ. 8- الْوِجَادَةُ: كأنْ
يَجِدَ التلميذُ أحاديثَ بخَطِّ شيخِهِ، وهوَ يَعْرِفُهُ مَعرِفَةً
جَيِّدَةً، فيَذْهَبَ التلميذُ يُحَدِّثُ بها، وإنْ كانَ الشَّيْخُ أَجازَ
التلميذَ برِوايَةِ هذهِ الأحاديثِ، فهذا يَعتبِرُهُ بعضُهم تَحَمُّلاً
صَحيحاً، وإذا لم يُجِزْهُ فهوَ كالوَصِيَّةِ والإعلامِ والْمُنَاوَلَةِ في عَدَمِ الإجازةِ، فيُعْتَبَرُ هذا تَحَمُّلاً غيرَ صحيحٍ إلاَّ عندَ طائفةٍ مِن العُلماءِ، لكنَّنا نُتَابِعُ الحافظَ ابنَ حَجَرٍ في هذا، والْخِلافُ مُعْتَبَرٌ. قُلْتُ:(ويَمِيلُ قَلْبِي إلى الَّذِي ذَكَرْنَا). قالَ الحافظُ: (وإلاَّ فلا عِبْرَةَ بذلكَ كالإجازةِ العامَّةِ). فمَعنى ذلكَ أنَّ الإجازةَ العامَّةَ وللمجهولِ وللمعدومِ على الأَصَحِّ تُعْتَبَرُ مَرْدُودَةً. مُلاحَظَةٌ: نَجِدُ في (المسنَدِ) أنَّ: عبدَ اللَّهِ بنَ الإمامِ أحمدَ يقولُ: وَجَدْتُ بخَطِّ أَبِي. ولوْ ذَهَبْنَا إلى كتابِ (القولِ المُسَدَّدِ)للحافظِ ابنِ حَجَرٍ لوَجَدْنَا رَدَّ الحافظِ ابنِ حَجَرٍ على مَن ادَّعَى أنَّ في (مُسْنَدِ الإمامِ أحمدَ) أحاديثَ مَوْضُوعَةً مِنْ هذا البابِ. فَمَثَلاً: مِنْ جُملةِ ما رَدُّوا بهِ على مَن ادَّعَى أنَّ في (الْمُسْنَدِ) أحاديثَ مَوضوعةً، يقولُ ابنُ حَجَرٍ: (إنَّ هذهِ الأحاديثَ الموضوعةَ: - إمَّا أنْ تَكونَ في الزِّيَادَاتِ التي زادَها عبدُ
اللَّهُ بنُ الإمامِ أحمدَ؛ لأنَّهُ هوَ الراوي لكتابِ أبيهِ، فهيَ
لَيْسَتْ مِنْ رِوايَةِ عبدِ اللَّهِ عنْ أبيهِ، وإنَّما مِنْ رِوايَةِ
عبدِ اللَّهِ عنْ شُيوخِهِ، فهيَ زائدةٌ ليْسَتْ مِن (الْمُسْنَدِ). - أوْ تكونَ أحاديثَ زادَهَا أبو
جَعْفَرٍ الْقَطِيعيّ، الذي هوَ الرَّاوِي عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ الإمامِ
أحمدَ (المُسْنَدَ) فيَرْوِيهَا أبو جَعفرٍ عنْ شُيوخٍ لهُ، لَيْسَتْ عنْ
عبدِ اللَّهِ، ولا عن الإمامِ أحمدَ، ويَبْقَى مِن الأحاديثِ
جُملةٌ لوْ حَذَفْنَا السابقَ -مِن الأحاديثِ التي قيلَ عنها: إنَّها
مَوضوعةٌ- فهذهِ الأحاديثُ الباقيَةُ مِنْ جُمْلَتِها أحاديثُ اجْتَهَدَعبدُ اللَّهِ بنُ الإمامِ أحمدَ ووَضَعَها في (الْمُسْنَدِ)، وإلاَّ فالإمامُ أحمدُ كانَ قدْ ضَرَبَ عليها وأَبْعَدَها مِن(الْمُسْنَدِ)، وعبدُ اللَّهِ يقولُ فيها: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي، فأَدْخَلَها في الْمُسْنَدِ بحُكْمِ أنَّها مِنْ رِواياتِ الإمامِ أحمدَ). والإمامُ أحمدُ حينَما
ألَّفَ انْتَقَى الأحاديثَ انتقاءً، فأَخَذَ الصحيحَ والحسَنَ والضعيفَ
الذي ضَعْفُهُ مُنْجَبِرٌ، ولكنَّهُ لا يُدْخِلُ الموضوعَ، وما دَخَلَ
الموضوعُ إلاَّ مِنْ هذهِ الأبوابِ المذكورةِ؛ فانتِقَادُ الحافظِ الأخيرُ بسببِالوِجادةِ؛ لأنَّ الإمامَ أحمدَ لم يَضَعْهَا في (المُسْنَدِ) قَصْداً؛ لأنَّ فيها عِلَلاً. ملاحَظَةٌ أُخْرَى: هذا كُلُّهُ -أيْ: أَحْكَامُ الْوِجادةِ- في الزمَنِ السابقِ حيثُ كانت الروايَةُ بالإسنادِ، أمَّا الآنَ فلا؛ فجميعُ كُتُبِ السُّنَّةِ الموجودةِ عندَنا تُعْتَبَرُ وِجادةً، ولوْ لمْ تَكُنْ بخَطِّ مُصَنِّفِيهَا).
العناصر صيغ التحمل والأداء: حكم التحمل في الصورة الأولى. حكم التحمل في الصورة الثانية. فائدة: المكاتبة كانت موجودة في عصر الصحابة والتابعين . ما تتميز به هاتان الصيغتان. تفريق الإمام مسلم بين (حدثنا) و(أخبرنا). المرتبة الثانية: (أخبرني وقرأت عليه):
أولاً: التحمل.
معنى طرق (تحمل الحديث).
الفرق بين (التحمل) و(الأداء).
طرق التحمل عند المحدثين:
الطريق الأولى: السماع من لفظ الشيخ.
المقصود بالسماع.
بم يعبر عن السماع؟
الراجح أن السماع أعلى درجات التحمل.
الطريق الثانية: العرض (القراءة على الشيخ):
بم يعبر عن العرض؟
الخلاف في التفضيل بين السماع والقراءة على الشيخ.
الطريق الثالثة: الإجازة:
صفة (الإجازة).
أنواع (الإجازة):
1 - إجازة معين لمعين .
2 - إجازة معلوم لمجهول .
3 - إجازة مجهول لمجهول.
4 - إجازة مجهول لمعلوم .
5- إجازة معلوم لمعدوم .
6 - إجازة مجهول لمعدوم .
فائدة: توسع القاضي عياض في (الإلماع) في ذكر أنواع الإجازة.
أكثر ما اشتهر عن المتأخرين الرواية عن طريق الإجازة .
روى بالإجازة العامة خلق من الحفاظ .
نقد التوسع في الإجازة العامة .
تصح الإجازة للمجهول والمعدوم على الأصح .
معنى (الإجازة المعلقة).
ذكر بعض من استعمل الإجازة المعلقة من الأئمة .
أكثر صيغ الإجازة رديئة .
استخدام المتأخرين كلمة (عن) في التحمل بالإجازة.
الطريق الرابعة:المناولة.
صورة (المناولة).
خلاف العلماء في التحمل عن طريق (المناولة).
صيغ التحمل للمناولة .
مما يشترط لصحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية .
المناولة أرفع أنواع الإجازة .
الطريق الخامسة: المكاتبة.
صور المكاتبة:
1 - أن يكون الشيخ في بلد والتلميذ في بلد، فيرسل التلميذ إلى الشيخ يسأله عن أحاديث سمعها، فيكتب الإجابة .
2 - أن يدفع الشيخ كتابه إلى التلميذ ولا يجيزه به.
شرط التحمل عن طريق المكاتبة.
الطريق السادسة: الوصية.
صورة الوصية.
حكم التحمل عن طريق الوصية.
الطريق السابعة: الإعلام.
صورة (الإعلام).
الفرق بين (الإعلام) و(المناولة).
الطريق الثامنة: الوجادة.
صورة (الوجادة).
حكم التحمل عن طريق الوجادة.
السماع والعرض أكثر استعمالاً عند المتقدمين.
طرق التحمل المتبقية شاع استعمالها لدى المتأخرين .
ثانياً: صيغ الأداء.
مراتب صيغ الأداء .
المرتبة الأولى: (سمعت وحدثني).
الفرق بين صيغتي (حدثنا) و(أخبرنا).
تختص هذه الصيغة بمن قرأ على الشيخ بنفسه.
المرتبة الثالثة: (قرئ عليه وأنا أسمع):
تختص هذه الصيغة بمن سمع من الشيخ مع جمع من الناس .
المرتبة الرابعة: (أنبأني):
الإنباء عند المتقدمين محمول على الإخبار..
الإنباء عند المتأخرين محمول على الإجازة .
تنبيه: هذه الصيغة ليست شائعة عند المتقدمين .
المرتبة الخامسة: (ناولني):
صورة (المناولة) .
المرتبة السادسة: (شافهني):
تطلق (المشافهة) ويراد بها الإجازة المتلفظ بها .
المرتبة السابعة: (كتب إلي):
تطلق (المكاتبة) ويراد بها الإجازة المكتوبة .
المراد بالكتابة عند المتقدمين غير المراد بها عند المتأخرين .
المرتبة الثامنة: (عن):
(العنعنة) من المعاصر محمولة على السماع بشرط عدم التدليس .
ما يشترط لحمل رواية المعنعن على السماع .
الأسئلة س1: ما الفرق بين (التحمل) و (الأداء)؟
س2: اذكر مع التوضيح طرق التحمل عند المحدثين وحكم كل طريق.
س3: هل تصح الإجازة للمجهول؟
س4: ما معنى الإجازة المعلقة؟
س5: اذكر مراتب صيغ الأداء وحكم كل مرتبة.
س6: متى تحمل العنعنة على السماع؟