29 Oct 2008
مراتب التعديل
قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (وَمَرَاتِبِ التَّعْدِيلِ:
وَأَرْفَعُهَا:
الوَصْفُ بِأَفْعَلَ كَأَوْثَقِ النَّاسِ، ثُمَّ مَا تَأَكَّدَ بِصِفَةٍ أَوْ صِفَتَيْنِ كثِقَةٌ ثِقَةٌ، أَوْ ثِقَةٌ حَافِظٌ.
وَأَدْنَاهَا:
مَا أَشْعَرَ بِالقُرْبِ مِنْ أَسْهَلِ التَّجْرِيحِ كَشَيْخ.
وَتُقْبَلُ التَّزْكِيَةُ مِنْ عَارِفٍ بِأَسْبَابِهَا، وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى الأَصَحِّ).
نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (6)- (و) مِن المُهِمِّ أيضًا معرفَةُ (مَرَاتِبِ التَّعديلِ، وأرفَعُها الوصفُ) أيضًا بما دلَّ على المبالغَةِ فيه، وأصرَحُ ذَلِكَ التَّعْبِيرُ (بِأَفْعَلَ: كـ:أوثَقُ النَّاسِ) أو أَثْبَتُ النَّاسِ أو إليه المُنْتَهَى في التَّثَبُّتِ. (ثم مَّا تَأَكَّدَ بِصِفَةٍ) مِن الصِّفاتِ الدَّالَّةِ على التَّعديلِ (أو صِفَتَيْنِ كـ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ) أو ثَبَتٌ ثَبَتٌ، (أو ثِقَةٌ حَافِظٌ) أو عَدْلٌ ضَابِطٌ، أو نحوَ ذَلِكَ. (7) (وأَدْنَاهَا ما أَشْعَرَ بالْقُرْبِ مِنْ أَسْهَلِ التَّجْرِيحِ كَـ: شَيْخٌ). وُيروَى حَدِيثُه ويُعتَبَرُ بهِ ونحوَ ذَلِكَ، وبَيْنَ ذَلِكَ مراتبُ لا تَخْفَى. - (وَ) هَذِهِ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بذَلِكَ ذَكَرْتُها هُنا لتَكْمِلَةِ الفائدةِ فأقولُ: [1] (تُقبلُ التَّزْكِيَةُ مِن عَارِفٍ بِأَسْبَابِهَا) لا مِن غيرِ عارِفٍ؛ لئلاَّ يُزَكِّيَ بمجرَّدِ ما يَظْهَرُ لهُ ابتداءً مِن غيرِ مُمارَسَةٍ واخْتِبَارٍ، (وَلَوْ) كانت التَّزْكِيَةُ صَادِرَةً (مِنْ) مُزَكٍّ (واحدٍ على الأصَحِّ) خلافًا لمَنْ شَرَطَ أنَّها لا تُقبلُ إلاَّ مِن اثْنينِ إِلْحَاقًا لها بالشَّهادَةِ في الأَصَحِّ أيضًا. والفَرْقُ بَيْنَهما: أنَّ
التَّزْكِيَةَ تَنَزَّلُ مَنزِلَةَ الحُكْمِ؛ فلا يُشتَرَطُ فيها العددُ،
والشَّهادَةُ تقعُ مِن الشَّاهِدِ عندَ الحَاكْمِ؛ فافْتَرَقَا. ولوْ قِيلَ: يُفْصَلُ
بَيْنَ ما إذا كانت التَّزْكِيةُ في الرَّاوي مُستنِدَةً من المُزَكِّي
إلى اجتهادِه، أو إلى النَّقْلِ عَن غيرِه لكان مُتَّجِهًا؛ لأنَّه إنْ
كانَ الأولُ، فلا يُشْتَرَطُ العددُ أصلاً؛ لأنَّه حينئذٍ يكونُ
بمَنْزِلَةِ الحَاكِمِ. وإنْ كانَ الثَّانِي:فَيَجْرِي
فيه الخلافُ، ويتبَيَّنُ أنَّهُ أيضًا لا يُشترطُ العددُ؛ لأنَّ أصلَ
النَّقلِ لا يُشترطُ فيه العددُ فكذا ما تفرَّعَ عنهُ، واللهُ أَعْلَمُ. وينبَغِي
أنْ لا يُقْبَلَ الجرْحُ والتَّعديلُ؛ إلاَّ مِن عدْلٍ مُتَيَقِّظٍ، فلا
يُقبلُ جَرْحُ مَن أَفْرَطَ فيه مُجَرِّحٌ بما لا يَقْتَضِي رَدَّ حَدِيثِ
المُحَدِّثِ، كما لا يُقْبَلُ تَزْكِيَةُ مَنْ أخذَ بمُجَرَّدِ الظَّاهرِ؛
فأطْلَقَ التَّزْكِيَةَ. وقال
الذَّهَبِيُّ -وهو من أهلِ الاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ في نقْدِ
الرِّجالِ-:(لم يَجْتَمِعِ اثنانِ مِن عُلماءِ هَذَا الشَّأْنِ قطُّ على
توثيقِ ضَعِيفٍ ولا على تضَعِيفِ ثِقَةٍ). ا.هـ. ولهَذَا كان مذهبُ النَّسَائِيِّ، أنْ لا يُتْرَكَ حَدِيثُ الرَّجُلِ حتى يجتمعَ الجميعُ على ترْكِهِ. ولْيَحْذَرِ
المُتَكَلِّمُ في هَذَا الفنِّ مِن التَّساهُلِ في الْجَرْحِ
والتَّعْدِيلِ؛ فإنَّهُ إنْ عدَّلَ أحدًا بغيرِ تَثَبُّتٍ كان كالمُثْبِتِ
حُكمًا ليس بثابتٍ؛ فيُخْشَى عليه أنْ يَدْخُلَ في زُمْرَةِ مَن روَى
حَدِيثًا، وهو يَظُنُّ أنَّه كَذِبٌ وإنْ جرَّحَ بغيرِ تَحَرُّزٍ أَقْدَمَ
على الطَّعْنِ في مُسلِمٍ بَرِيءٍ مِن ذَلِكَ وَوَسَمَهُ بِمِيسَمِ سَوْءٍ
يَبْقَى عليه عَارُهُ أبدًا. - والآفةُ تَدْخُلُ في هَذَا تارةً من الهوَى والغرضِ الفاسدِ، وكَلاَمُ المُتَقَدِّمِينَ سَالِمٌ مِن هَذَا غالبًا. - وتارةً:
مِن الْمُخَالَفَةِ في العقائِدِ، وهو موجُودٌ كثيرًا قديمًا وحَدِيثًا،
ولا يَنْبَغِي إطلاقُ الْجَرْحِ بذَلِكَ، فقد قدَّمْنَا تحقيقَ الحالِ في
العملِ بِرِوايةِ المُبْتَدِعَةِ).