29 Oct 2008
صفة كتابة الحديث وعرضه وسماعه وإسماعه والرحلة فيه
قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (وَصِفَةِ كِتَابَةِ الحَدِيثِ وَعَرْضِهِ، وَسَمَاعِهِ، وَإِسْمَاعِهِ، وَالرِّحْلَةِ فِيهِ، وَتَصْنِيفِهِ:
إِمَّا عَلَى المَسَانِيدِ، أَوِ الأَبْوَابِ، أَوِ العِلَلِ، أَوِ الأَطْرَافِ،وَمَعْرِفَةُسَبَبِ الحَدِيثِ، وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ بَعْضُ شُيُوخِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى بْنِ الفَرَّاءِ، وَصَنَّفُوا في غَالِبِ هَذِهِ الأَنْوَاعِ، وَهِيِ نَقْلٌ مَحْضٌ ظَاهِرَةُ التَّعْرِيفِ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنِ التَّمْثِيلِ، وَحَصْرُهَا مُتَعَسِّرٌ، فَلْتُرَاجَعْ لَهَا مَبْسُوطَاتُهَا، وَاللهُ المُوَفِّقُ وَالهَادِي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ).
نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (3) (وَ) مِن المُهِمِّ معرفةُ (صِفَةِ كِتَابَةِ الحَدِيثِ) وهو:
أنْ يَكْتُبَهُ مُبَيَّنًا مُفَسَّرًا وَيُشَكِّلَ الْمُشْكِلَ منه
وَيَنْقُطَهُ، وَيَكْتُبَ السَّاقِطَ في الحَاشِيَةِ الْيُمْنَى مَا دَامَ
في السَّطْرِ بَقِيَّةٌ، وإلاَّ ففِي الْيُسْرَى. (4) (وَ) صِفَةُ (عَرْضِهِ) وهو مُقَابَلَتُهُ معَ الشَّيْخِ الْمُسْمِعِ أو معَ ثِقَةٍ غَيْرِهِ أو معَ نَفْسِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا. (5) (وَ) صِفَةُ (إِسْمَاعِهِ) كذَلِكَ،
وأنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِن أصِلِهِ الذي سَمِعَ فيه كِتَابَهُ أو مِن فَرْعٍ
قُوبِلَ على أصْلِهِ، فإنْ تَعَذَّرَ فَلْيَجْبُرْهُ بالإِجَازَةِ لِمَا
خَالَفَ إِنْ خَالَفَ. (6) (وَ) صِفَةِ (الرِّحْلَةِ فيه) حيثُ
يَبْتَدِئُ بحَدِيثِ أهلِ بَلَدِهِ فَيَسْتَوْعِبُهُ، ثمَّ يَرْحَلُ
فيَحْصُلُ في الرِّحْلَةِ ما ليسَ عندَهُ، ويكونُ اعْتِنَاؤُهُ في
أَسْفَارِهِ بِتَكْثِيرِ الْمَسْمُوعِ، أولى من اعْتِنَائِهِ بِتَكْثِيرِ
الشُّيُوخِ. (7) (وَ) صِفَةِ (تَصْنِيفِهِ) وذَلِكَ (إِمَّا عَلَى الْمَسَانِيدِ) بِأَنْ
يَجْمَعَ مُسْنَدَ كُلِّ صَحَابِيٍّ على حِدَةٍ، فإنْ شَاءَ رَتَّبَهُ على
سَوَابِقِهِمْ، وإنْ شاءَ رَتَّبَهُ على حُرُوفِ المُعْجَمِ وهو أسْهَلُ
تَنَاولاً. (8) (أو) تَصْنِيفِهِ عَلَى (الأَبْوَابِ) الْفِقْهِيَّةِ أو غِيْرِهَا بِأَنْ يَجْمَعَ فِي كُلِّ بِابٍ مَا وَرَدَ فيه ممَّا يَدُلُّ عَلَى حُكْمِهِ إِثْبَاتًا أو نَفْيًا. والأَوْلَى:أنْ يَقْتَصِرَ على ما صحَّ أو حَسُنَ فإنْ جَمَعَ الْجَمِيعَ فَلْيُبَيِّنْ عِلَّةَ الضَّعْفِ. (أو) تَصْنِيفِهِ على (الْعِلَلِ) فَيَذْكُرُ
المَتْنَ وَطُرُقَهُ وَبَيَانَ اخْتِلافِ نَقَلَتِهِ، والأحْسَنُ: أنْ
يُرَتِّبَهَا على الأَبْوَابِ لِيَسْهُلَ تَنَاوُلُهَا. (أو) يَجْمَعُهُ على (الأَطْرَافِ) فَيَذْكُرُ
طَرَفَ الحَدِيثِ الدَّالِّ على بَقِيَّتِه، ويَجْمَعُ أَسَانِيدَهُ إمَّا
مُسْتَوْعِبًا وَإمَّا مُتَقَيِّدًا بكُتُبٍ مَخْصُوصَةٍ. (9) (وَ) مِن المُهِمِّ (مَعْرِفَةُ سَبَبِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ صَنَّفَ فيه بَعْضُ شُيُوخِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى بْنِ الْفَرَّاءِ) الْحَنْبَلِيِّ وهو أَبُو
حِفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وقدْ ذكرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ
دَقِيقِ الْعِيدِ أنَّ بعضَ أهلِ عصرِه شَرَعَ في جمْعِ ذَلِكَ وكأَنَّه ما
رَأَى تَصْنِيفَ الْعُكْبَرِيِّ الْمَذْكُورَ. (10) (وَصَنَّفُوا فِي غَالِبِ هَذِهِ الأَنْوَاعِ) على ما أشرْنَا إليه غالِبًا، (وَهِيَ) أي: هَذِهِ الأَنْوَاعُ المذكورةُ في هَذِهِ الخاتِمَةِ. (11) (نَقْلٌ
مَحْضٌ ظَاهِرَةُ التَّعْرِيفِ مُسْتَغْنِيَةٌ عَن التَّمْثِيلِ،
وَحَصْرُهَا مُتَعَسِّرٌ: فَلْتُرَاجَعْ لَهَا مُبْسُوطَاتُهَا) ليَحْصُلَ الوقوفُ على حَقَائِقِهَا. (12) (وَاللهُ المُوَفِّقُ وَالهَادِي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ: وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).
نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (ثُمَّ
تكلَّمَ الحافظُ على التصنيفِ في الحديثِ لِمَن تأَهَّلَ لذلكَ فقالَ:
إمَّا أنْ يُصَنَّفَ على المسانيدِ أو الأبوابِ، وهذه الأبوابُ والمسانيدُ: - إمَّاأنْ
يُصَنِّفَها على العللِ، أو على الأطرافِ مثلُ: كتابِ المِزِّيِّ فهو على
المسانيدِ، فمثلاً مُسْنَدُ أبي هريرةَ يُرَتَّبُ على مَن روى عن أبي
هريرةَ؛ فمثلاً: مُحَمَّدُ بنُ سيرينَ تُفرَدُ أحاديثُه عن أبي هريرةَ، وقد
يُفصلُ فيمَن بعدَ ابنِ سيرينَ أيضًا، ولكن لا يذكرُ إلا طرفَ الحديثِ مِن
بابِ الاختصارِ، والعللُ معروفةٌ فيها كتبٌ كثيرةٌ مثلُ: (عللِ ابنِ المدينيِّ)، (عللِ ابنِ أبي حاتمٍ)، (عللِ الدارَقُطْنِيِّ). ومِن الأشياءِ المهمِّ معرفتُها سببُ ورودِ الحديثِ، وقد صنَّف فيه بعضُ شيوخِ القاضي أبي يعلى الفرَّاءِ، وللحسينيِّ كتابٌ اسمُه (أسبابُ ورودِ الحديثِ). ثُمَّ
ختمَ الحافظُ بأنَّهُم صنَّفُوا في غالبِ هذه الأنواعِ التي ذكرَها،
وأنَّها وهي نقلٌ محضٌ لا تحتاجُ إلى قياسٍ، ظاهرةُ التعريفِ
مُسْتَغْنِيَةٌ عن التمثيلِ وحصرُها مُتَعَسِّرٌ، وبعضُ ما ذكرَه أصبحَ
الآنَ فَنَّاً مُسْتَقِلاً بذاتِه مثلُ دراسةِ التصنيفِ على المسانيدِ أو
الأبوابِ أو العللِ صارَ فَنًّا يُسَمَّى (مناهجَ المحدِّثينَ)، والأطرافُ تُدْرَسُ في فنٍّ مُسْتَقِلٍّ وهو (التخريجُ)، وصارَ (الجرحُ والتعديلُ) فَنَّاً مُسْتَقِلاً كذلكَ كما تقدَّمَ، واللهُ أعلمُ. (3) انتهى ما عَلَّقَهُ الشيخُ إبراهيمُ اللاحمُ على كتابِ (نزهةِ النظرِ) للحافظِ
ابنِ حجرٍ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلِّ اللهمَّ وباركْ على
نبيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا).
شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: ( (3) معرِفةُ صِفةِ كِتابةِ الحديثِ: مِن الْمُهِمِّ أيضاً معرِفةُ (صِفَةِ كتابةِ الحديثِ)، فهذهِ
أيضاً مِن الآدابِ التي يَنبغِي للطَّالِبِ أنْ يُراعِيَها فيَعْرِفَ كيفَ
يَكْتُبُ الحديثَ، وكيفَ يَعْرِضُهُ، وكيفَ يَسْمَعُهُ، وما إلى ذلكَ. وقدْ
جَعَلَ العلماءُ ضَوابطَ لكتابةِ الحديثِ، فيقولونَ: إذا كَتَبَ الحديثَ
فيَنبغِي لهُ أن يُحْسِنَ الْخَطَّ، وأنْ يُجَوِّدَهُ، وأنْ يَضْبِطَ
الْمُشْكِلَ. ولهم في هذا في الحقيقةِ طُولٌ، لكنْ لأَجْلِ عِبارةٍ هنا
وَرَدَتْ للحافِظِ ابنِ حَجَرٍ أُشيرُ إليها، وإلاَّ فالمسائلُ الأُخْرَى
فليسَ هذا مَقامَ ذِكْرِها؛ فهيَ مسائلُ دَقيقةٌ تَدُلُّ على دِقَّةِ
المُحَدِّثِينَ رَحِمَهُم اللَّهُ. فمِثالٌ على ذلكَ يقولُ الحافظُ هنا: (ويَكتُبُ الساقطَ في الحاشيَةِ الْيُمْنَى ما دامَ في السَّطْرِ بَقِيَّةٌ، وإلاَّ ففي اليُسْرَى). وهذا
يُسَمُّونَهُ الإلحاقَ، فإذا كانَ الآنَ يُقابِلُ؛ أي: انْتَهَى مِنْ
نِصْفِ الكتابِ، وجاءَ وقتُ المُقَابَلَةِ، قَالُوا: يَنبغِي لهُ أنْ
يُقابِلَ كتاباً لا يَعْتَمِدُ فقطْ على النَّسْخِ ويَتْرُكُ الكتابَ؛
لأنَّهُ مَظِنَّةُ التصحيفِ والسَّقْطِ، فالإنسانُ وهوَ يَنْسَخُ قدْ
تَتَصَحَّفُ عليهِ كلمةٌ، أوْ قدْ تَسْقُطُ منهُ جُملةٌ أوْ كلمةٌ على
الأَقَلِّ، فيَنبغِي لهُ إذا ما انْتَهَى أنْ يَعودَ فيُقَابِلَ كتابَهُ. والأَوْلَى
أنْ يُقَابِلَ هذا الكتابَ على مَتْنٍ على شيخِهِ، أوْ على الأَقَلِّ على
كتابِ شيخِهِ، ويكونُ هناكَ زَميلٌ لهُ ثِقةٌ يُقابِلُ أوْ يكونُ بنَفْسِهِ
وإنْ كانَ ذلكَ مُتْعِباً، ففي حالِ المُقَابَلَةِ قدْ يَرَى أنَّ هناكَ
سَقْطاً، فإذا وَجَدَ سَقْطاً مَثَلاً بادئاً في السطْرِ مِن الْجِهَةِ
اليُمْنَى، فوَجَدَ بعدَ كلمتَيْنِ أنَّ هنا عِبارةً يَنبغِي أنْ تَدْخُلَ،
فَقَالَ: يَضَعُ خَطًّا قائماً، ثمَّ يَحْنِيهِ إلى جِهةِ اليمينِ
قَليلاً، ويَكتبُ في هذهِ الحالِ في الْجِهةِ الْيُمْنَى، ولا يَكتُبُ في
اليُسْرَى، وذلكَ لاحتمالِ أنْ يكونَ هناكَ سَقْطٌ في نفْسِ السطْرِ بعدَ
مَسافةٍ، فلوْ كانَ السقْطُ بعدَ مَسافةٍ هناكَ وصارَ في الْجِهَةِ
اليُسْرَى مِن الآنَ، فإنَّهُ في هذهِ الحالِ سَيُضْطَرُّ إلى أنْ يَكْتُبَ
في اليُمْنَى فيَتَلاقَى السَّطْرَانِ أو الإشارَتَانِ، ففي هذهِ الحالةِ
قدْ يَظُنُّ ظَانٌّ أنَّ هذهِ الإشارةَ مُلْغَاةٌ أوْ أنَّ هناكَ
تَدَاخُلاً، فلا يَدْرِي هلْ هذا الإِصْحَافُ في ذلكَ المكانِ، أمْ في
ذلكَ. فالْمُهِمُّ أنَّهُم وَضَعُوا آداباً لَطيفةً: - ففي الأَوَّلِ: يَكْتُبُ
في الحاشيَةِ اليُمْنَى، فإذا امْتَلأَتْ يَكْتُبُ في الحاشيَةِ
اليُسْرَى، بلْ وَقَفُوا في هذا، وقالُوا: يَنبغِي أنْ تكونَ كِتابتُهُ
مِنْ أَسْفَلَ إلى أَعْلَى، وإذا انْتَهَى مِن الإِلْحَاقِ يَكْتُبُ
بعدَهُ (صَحٌّ) لِيُبَيِّنَ أنَّ هذا صحيحٌ، ويُبَيِّنَ أنَّهُ أَثْبَتَهُ هوَ. وأحياناً يَكْتُبُونَ صَاداً فقطْ، لكنَّهُم لم يُفَضِّلُوا كتابةَ الصادِ فقطْ؛ لأنَّها تُشْبِهُ ما يُسمَّى بعلامةِ التَّضْبِيبِ. (والتَّضْبِيبُ): هيَ أنْ يَضَعَ فوقَ الكلمةِ الْمُشْكِلَةِ على صُورةِ (ض)؛ لِيَدُلَّ على أنَّ هذهِ الكلمةَ مُشْكِلَةٌ، فلا يُفَضِّلُونَ وَضْعَ الصَّادِ فقطْ، بلْ يُفَضِّلُونَ أنْ يكونَ هناكَ (صَحٌّ) أيضاً. قالُوا: تُكْتَبُ كلمةُ (صَحٌّ) فوقَ الكلمةِ التي يُظَنُّ أنَّ فيها إشكالاً، وهيَ صحيحةٌ جَاءَتْ هكذا. مثالٌ: كأنْ يَجِدَ في الإسنادِ (عنْ أبو هُريرةَ)، والصوابُ أنْ يُقالَ: (عنْ أبي هُريرةَ)، فما دامَ أنَّها جاءتْ في الأَصْلِ هكذا، فيَنبغِي أنْ يَضَعَ فوقَها (صَحٌّ)، بمعْنَى أنَّنِي كتَبْتُ هذهِ الكلمةَ على الصوابِ فَانْتَبِهْ؛ فإنَّ هذا ليسَ تَصحيفاً مِنِّي. (4) أمَّا صِفةُ (إسْماعِهِ) فيَنْبَغِي
لهُ إذا أَرادَ أنْ يُسْمِعَ الحديثَ أنْ يُسْمِعَ مِنْ أَصْلِهِ، وهوَ
الذي كَتَبَهُ عنْ ذلكَ الشيخِ، فإنْ لمْ يَكُنْ لهُ -مَثَلاً- أَصْلٌ، أوْ
كانَ أصْلُهُ نَاقِصاً، فلا بُدَّ أنْ يَستعينَ بأَصْلٍ آخَرَ، لكنْ
بشَرْطِ أنْ يَكونَ أخَذَهُ على الأقَلِّ بالإِجازةِ. (5) كذلكَ تَحَدَّثُوا عنْ (الرِّحْلَةِ) في
طلَبِ الحديثِ فَقَالُوا: يَنبغِي لهُ إذا ابْتَدَأَ في الطلَبِ أنْ
يَسْمَعَ مِنْ أهلِ بَلَدِهِ، فإذا حَصَّلَ ما عندَهم، بعدَ ذلكَ يَنبغِي
لهُ أنْ يَرْحَلَ، وكانَ المُحَدِّثونَ في السابقِ يَحْمِلُونَ في نُفوسِهم
على الَّذِي لم يَرْحَلْ، فعندَهم مَنْ رَحَلَ لهُ مَكانةٌ أعْلَى ممَّنْ
لم يَرْحَلْ، فالرِّحلةُ عندَهم مِن الأمورِ التي يَنبغِي أنْ يَعتنِيَ بها
طالِبُ العلْمِ. لكنَّهُم
يُنَبِّهُونَ على أنَّهُ يَنبغِي لهُ في حالِ الرحلةِ وفي حالِ تكثيرِ
الشيوخِ ألاَّ يكونَ قَصْدُهُ قَصْداً سَيِّئاً، مثلُ التَّكَثُّرِ
بالشيوخِ بينَ الأقرانِ، بلْ يَنبغِي لهُ أنْ يكونَ هدَفُهُ هَدَفاً
سَلِيماً، كأنْ يكونَ يُريدُ العِنايَةَ بالأسانيدِ الصحيحةِ، ولُقِيَّ
الشيوخِ الذينَ عندَهم أسانيدُ صحيحةٌ، وهكذا مِن الأمورِ التي هيَ سَليمةٌ
في حَدِّ ذاتِها. (6) تصنيفُ الحديثِ: كذلكَ: أيضاً صِفةُ تَصنيفِ الحديثِ، قَالُوا: إمَّا على مَسانيدَ، أوْ على الأبوابِ، أو العِلَلِ، أو الأطرافِ. الْمَسَانِيدُ: والمسانيدُ باختصارٍ: هيَ
الكُتُبُ التي تؤَلَّفُ مُرَتَّبَةً بحسَبِ الصَّحَابَةِ، فيَأْتُونَ
مَثَلاً بأبِي هُريرةَ، فيَذْكُرُونَ جَميعَ أحاديثِهِ، ويَأْتُونَ مَثَلاً
لابنِ عمرَ، فيَذْكُرُونَ أحاديثَهُ وراءَ بعضٍ، ولا تَكُونُ هذهِ
الأحاديثُ في الغالِبِ مُرَتَّبَةً، فقدْ يَأْتِي: حَدِيثٌ في الطهارةِ
بعدَهُ حَدِيثٌ في النِّكاحِ، بعدَهُ حَدِيثٌ في الزكاةِ، وهكذا. فمِنْ سَلْبِيَّاتِ الْمَسانِيدِ:أنَّها
غيرُ مُرَتَّبَةِ الأحاديثِ، ولكنَّهُم يَكْتُبُونَ أحاديثَ الصحابِيِّ
كُلَّها، ويَجْمَعُونَها على حِدَةٍ، لكنْ كيفَ يُرَتَّبُ هؤلاءِ الصحابةُ؟ للعُلماءِ طُرُقٌ في الترتيبِ: - فمِنهم مَنْ يُرَتِّبُ بحَسَبِ الأنسابِ. - ومنهم
بحَسَبِ الأَفْضَلِيَّةِ وهكذا، فتَجِدُ غالبَ مَنْ رَتَّبَ على
الْمَسانِيدِ بالعشَرةِ الْمُبَشَّرِينَ بالجَنَّةِ، ثمَّ بعدَ ذلكَ لهُ
طُرُقٌ. وإمَّا
أنْ يُراعِيَ الأنسابَ أحياناً أو البُلدانَ،كما صَنَعَ الإمامُ أحمدُ،
فإنَّهُ بعدَ العشَرةِ الْمُبَشَّرِينَ بالجنَّةِ رَأَى أنْ يُقَدِّمَ
مَسانيدَ أهلِ البيتِ، وبعدَ ذلكَ وضَعَ الصحابةَ مِنْ أهلِ الشامِ على
حِدَةٍ، والحِجَازِيِّينَ على حِدَةٍ، وهكذا. ولكنَّ الأَوْلَى والأَفْضَلَ أنْ يكونَ الترتيبُ على حُروفِ الْمُعْجَمِ،كما صَنَعَ الطَّبَرَانِيُّ في كتابِ (المُعْجَمُ الكبيرُ)، فهذا أوْلَى وأَحْسَنُ تَيسيراً لطالِبِ العلْمِ. الأَبْـوَابُ: أمَّا
الأبوابُ فالمقصودُ بها: أنْ يُرَتَّبَ الكتابُ على الأبوابِ
الفِقْهِيَّةِ، فيُبْتَدَأَ أوَّلاً بكتابِ الطهارةِ، ثمَّ الصلاةِ، ثمَّ
الزكاةِ، إلى آخِرِهِ، هذا هوَ الترتيبُ على الأبوابِ. الْعِلَلُ: أمَّا
العِلَلُ،فَقَالُوا: يُمْكِنُ أنْ تكونَ الكُتُبُ الْمُؤَلَّفَةُ
تَعْتَنِي بعِلَلِ الأحاديثِ، فيُرَتِّبُ كِتَابَهُ على العِلَلِ؛ أيْ:
يَذكُرُ الأحاديثَ الْمَعلولَةَ، ويَنبغِي لهُ أيضاً أنْ يُرَتِّبَ هذهِ
الأحاديثَ على الأبوابِ الفِقْهِيَّةِ تَيْسيراً لطالِبِ العِلْمِ. الأطرافُ: أنْ يأتِيَ بطَرَفِ الحديثِ الذي يَدُلُّ على بَقِيَّتِهِ، ولكنَّهُ بالأسانيدِ، مِثْلُ (تُحْفَةُ الأشْرَافِ) للمِزِّيِّ،
فالأسانيدُ لا يُغْفِلُ شيئاً منها، أمَّا الْمَتْنُ فيَذْكُرُ طَرَفَهُ،
وكَانُوا يَعْتَنُونَ بالأطرافِ عِنايَةً شَديدةً، وكَانُوا يقولونَ: (المُحَدِّثُ الَّذِي لَيْسَ لهُ أطْرافٌ كالَّذِي ليسَ لهُ أَطْرَافٌ). أسبابُ وُرُودِ الحديثِ: إنْ
كانَ للحديثِ سَبَبٌ،فمَعرِفتُهُ تُعِينُ على مَعرفةِ فِقْهِ الحديثِ، بلْ
يكونُ مُبَيِّناً لأَمْرٍ ما كمَعرفةِ الناسخِ والمنسوخِ وغيرِهِ، وقدْ
صَنَّفَ فيهِ ابنُ أبي حَمزةَ كتابَهُ (البَيَانُ والتعريفُ في سَبَبِ وُرودِ الحديثِ الشريفِ). (7) قالَ: (وصَنَّفُوا في غالبِ هذهِ الأنواعِ) أيْ: كُلُّ هذهِ الأمورِ التي سَبَقَ الإشارةُ إليها ممَّا صَنَّفَ فيهِ العُلماءُ بعضَ الْمُصَنَّفَاتِ. (8) وقالَ: (وهيَ نَقْلٌ مَحْضٌ ظاهِرَةُ التعريفِ، مُستَغْنِيَةٌ عن التَّمْثِيلِ، وحَصْرُها مُـتَعَسِّرٌ فلْتُرَاجَعْ لها مَبْسُوطَاتُهَا) أيْ:
إنَّ هذهِ الأمورَ التي سَبَقَ الإعلامُ عنها أُمُورٌ مَعروفةٌ، فليسَ
هناكَ ما يَدْعُو للتمثيلِ لها، والسببُ في إهمالِ التمثيلِ لها أنَّها
مَعروفةٌ ومَشهورةٌ، والذي يُريدُ أنْ يَرَى الأمثِلَةَ وما إلى ذلكَ
يُراجِعُ الكُتُبَ التي بُسِطَتْ، فهذا الكتابُ إنَّما هوَ كتابٌ
مُخْتَصَرٌ لا غيرُ، وليسَ كِتاباً هَمُّهُ البَسْطُ، وحَصْرُها وجَمْعُها
مُتَعَسِّرٌ؛ لأنَّ فيها كَثرةً. (9) (واللَّهُ الْمُوَفِّقُ والهادي، لا إلهَ إلاَّ هوَ) وَصَلَّى اللَّهُ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجمعينَ، والحمدُ للَّهِ الَّذي بنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصالحاتُ ا.هـ).
العناصر ثالثاً: معرفة صفة كتابة الحديث وعرضه وسماعه وإسماعه والرحلة فيه: المقصود بالأبواب. خامساً: معرفة أسباب ورود الحديث: المصنفات في أسباب ورود الحديث.
إذا كتب الحديث ينبغي له أن يحسن الخط وأن يجوده وأن يضبط المشكل عناية المحدثين بكتابة الحديث.
رابعاً: معرفة أنواع التصنيف في علم الحديث:
النوع الأول: التصنيف على المسانيد:المراد بالمسانيد
مناهج العلماء في ترتيب المسانيد:
المنهج الأول: ترتيب المسانيد حسب الأنساب.
المنهج الثاني: ترتيب المسانيد حسب الأفضلية.
المنهج الثالث: ترتيب المسانيد حسب حروف المعجم، ولها طريقتان:
الطريقة الأولى: ترتيبها باعتبار من ينتهي إليه الإسناد.
الطريقة الثانية: ترتيبها حسب أسماء شيوخ المصنف.
النوع الثاني: التصنيف على الأبواب:
النوع الثالث: التصنيف على العلل.
النوع الرابع: التصنيف على الأطراف.
المقصود بالأطراف.
ذكر بعض الكتب المصنفة في الأطراف.
عناية المحدثين بالأطراف غالب علوم الحديث قد صنف فيها العلماء.
الأسئلة س1: ما الفرق بين الحضور والسماع؟ س2: اذكر آداب كتابة الحديث. س3: اذكر مع التمثيل أنواع تصنيف الأحاديث. س4: بين أهمية معرفة أسباب ورود الحديث. س5: اذكر بعض الكتب المؤلفة في أسباب ورود الحديث.