14 Jan 2010
الباب الأول: في الجملة وأحكامها، المسألة الأولى: شرح الجملة
قال أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري (ت:761هـ): (الباب الأول: في الجملة وأحكامها
وفيه أربع مسائل
المسألة الأولى: في شرحها
اعلم أن اللفظ المفيد يسمى
: كلاما وجملة. ونعني بالمفيد ما يحسن السكوت عليه. وأن الجملة أعم من
الكلام، فكل كلام جملة، ولا ينعكس. ألا ترى أن نحو: (قام زيد) من قولك: (إن قام زيد قام عمرو) يسمى جملة، ولا يسمى كلاما ؟ لأنه لا يحسن السكوت عليه.
وكذا القول في جملة الجواب.
ثم الجملة تسمى اسمية إن
بدئت باسم كزيد قائم، وإن زيدا قائم، وهل زيدا قائم، وما زيد قائما. وفعلية
إن بدئت بفعل كقام زيد، وهل قام زيد، وزيدا ضربته، ويا عبد الله. لأن
التقدير: ضربت زيدا ضربته، وأدعو عبد الله.
وإذا قيل: (زيد أبوه غلامه منطلق) فزيد: مبتدأ أول، وأبوه: مبتدأ ثان، وغلامه: مبتدأ ثالث، ومنطلق: خبر الثالث، والثالث وخبره خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول.
ويسمى المجموع جملة كبرى،
و(غلامه منطلق) جملة صغرى و(أبوه غلامه منطلق)، جملة كبرى بالنسبة إلى
(غلامه منطلق)، وصغرى بالنسبة إلى (زيد).
ومثله {لكنا هو الله ربي} إذ أصله: لكن أنا هو الله ربي، وإلا لقيل: لكنه).
نظم قواعد الإعراب لابن ظهيرة المكي
قال جمال الدين محمد بن عبد الله ابن ظهيرة المكي (ت: ٨١٧ هـ): (فَصْلٌ في الجُمْلَةِ وأَحْكَامِهَا
لَفْظٌ مُفِيدٌ بالكَلامِ يُدْعَى = وجُمْلَةٌ فَهْيَ أَعَمُّ قَطْعَا
كُلُّ كلامٍ جُمْلَةٌ لا تَنْعَكِسْ = وجُمْلَةٌ قِسْمانِ ليسَ تَلْتَبِسْ
اسْمِيَّةٌ فَهْيَ بالاسمِ تُبْتَدَا = فِعْلِيَّةٌ بالفِعْلِ فابْدَأْ أَبَدَا).
شرح قواعد الإعراب للعلامة: محمد بن سليمان الكافيجي
قال محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي
(ت: 879هـ): (ثم لما ذكر الباب أولا، فأراد أن يعيده على سبيل التعريف العهدي، قال:
الباب: قيل: هو في اللغة
النوع، وفي الاصطلاح هو الموصل إلى المقصود. وقيل: هو موضع الدخول. لكن
المراد منه ههنا هو العبارات المعينة المحدودة الدالة على المعاني
المخصوصة. الأول هو نقيض الآخر. أصله (أوأل) على وزن (أفعل)، قبلت الهمزة
الثانية واوا، ثم أدغمت الواو في الواو. وقيل: أصله (ووءل)، فقبلت الواو
الأولى همزة ثم قبلت الهمزة الثانية واوا، ثم أدغمت الواو في الواو أيضا.
وله استعمالان: أحدهما أن يكون اسما بمعنى قبل. فحينئذ يكون منصرفا منونا.
ومنه قولهم: أولا وآخرا. أن يكون صفة أي (أفعل) التفضيل بمعنى الأسبق،
فيكون غير منصرف، لوزن الفعل والوصف في تفسير الجملة. ووقع في بعض النسخ
(الجمل) – وهي جمع جملة – موقع (الجملة). لكن الأول هو الأصح. وبيان
أحكامها. فالمراد منها ههنا كونها اسمية، وفعلية، وشرطية، وظرفية،
وابتدائية، واعتراضية، إلى غير ذلك الذي ينبني عليه هذا الباب. وإنما قدم
هذا على سائر الأبواب، لأن المقصود من ترتيب هذا الكتاب تعليم الإعراب. ولا
شك أنه يحصل من هذا الباب على وجه، لا يكون في بقية الأبواب، إذ فيه بيان
إعراب محل الجمل، الذي هو أصعب وأنفع من بيان إعراب المفرد. فلأجل هذا ترك
تعريف الكلمة، مع أن الجملة لا تتم إلا معها. اعلم أن الخائض في هذا الكتاب
ينبغي أن يتصور النحو والغرض منه، قبل الشروع فيه. فنقول: النحو في اللغة
يجيء لمعان: بمعنى القصد وبمعنى الجانب، وبمعنى النوع، وبمعنى المقدار،
وبمعنى المثل، وبمعني البعض. فنقول: نحوت نحوك أي: قصدت قصدك، وسرت إلى نحو
دار فلان أي: إلى جانبها، وعندي ثلاثة أنحاء من الطعام إذا كان عندك ثلاثة
أنواع منه وجاء جيشه نحو ألف إذا كان مقدار ألف، ومررت برجل نحوك أي:
مثلك، وأكلت نحو السمكة أي: بعضها. وهو في الاصطلاح علم بأصول، يعرف بها
أحوال أواخر الكلم، من جهة الإعراب والبناء. فالظاهر أنه منقول من النحو
بمعنى القصد، لما اتفق العلماء على أن أبا الأسود الدؤلي أول من وضع هذا
العلم، بإذن علي –رضي الله تعالى عنه - كما اتفقوا على أن معاذا أول من وضع
التصريف. والسبب في ذلك الوضع أنه، لما سمع رجلا يقرأ: {أن الله بريء من
المشركين ورسوله} بكسر اللام، جاء إلى علي فقص ذلك عليه، فقال: هذا من
مخالطة العرب بالعجم. ثم قال: الفاعل مرفوع وما سواه ملحق به، والمفعول
منصوب وما سواه ملحق به، والمضاف إليه مجرور وما عداه ملحق به. فقال له:
انح إلى هذا. فلأجل هذا سمي هذا العلم نحوا، تبركا وتيمنا بلفظه. وأما
الغرض منه فمعرفة الإعراب. وأن تعلم هذا العلم واجب، لأن تعلم الشرائع بلغة
العرب لا يتم إلا به. وكل ما لا يتم تعلمها إلا به فهو واجب. فإن قلت:
الاشتغال بهذا العلم، بهذه الاصطلاحات، بدعة. فإن الصحابة لم يتكلموا فيه.
وكل بدعة حرام. فالاشتغال بهذا العلم حرام. فكيف يكون واجبا؟ قلت: إن أردت
به أنهم ما عرفوا معاني هذا العلم فذلك باطل. فكيف لا، والإجماع انعقد على
أن سيبويه والأخفش والخليل وغيرهم اشتغلوا فيه، وتمسكوا به؟ حكي أن ابن
عباس لما سئل عن قوله، تعالى: {فالحق والحق أقول} بأنه لم رفع الأول ونصب
الثاني؟ قال: أي هو الحق وأقول الحق. وإن أردت بذلك أنهم ما عبروا عن تلك
المعاني، بهذه الألفاظ والاصطلاحات، فذلك مسلم. ولكن ذلك لا يوجب القدح
فيه. فإن الاعتبار للمعاني لا للصور والمباني، كما في سائر العلوم، وإن
العلماء اتفقوا على أن تعلم النحو فرض من فروض الكفاية. قيل فرض الكفاية هو
الذي إذا قام به واحد سقط التكليف عن الباقين. ومعلوم أن هذا العلم ليس
كذلك. فإنه يجب في كل عصر أن يقوم بهذا العلم قوم، يبلغون حد التواتر لأن
معرفة الشرع لا تحصل إلا بواسطة معرفة اللغة والنحو، والعلم بهما لا يحصل
إلا بالنقل المتواتر. أقول: اشتراط التواتر في النقل لا يستلزم أن المقيمين
بهذا العلم يبلغون حد التواتر. ألا ترى أن التواتر شرط في نقل القرآن، مع
جواز عدم ضبط معناه؟ثم لما كان الباب الأول مشتملا على أمور فصله على أربع
مسائل، تقريبا للفهم والضبط، كما قسم الكتاب على أربعة أبواب، فقال: وفيه
أي: في الباب الأول من الأبواب الأربعة أربع مسائل: جمع مسألة. وهي ما
يبرهن عليه في العلم. بعضها ما يتعلق بتفسير الجملة، وبعضها يتعلق بأقسامها
وبيان أحوالها.
أما المسألة الأولى، من
المسائل الأربع، ـفي شرحها أي: في بيان الجملة وأحوالها، كما يدل عليه سياق
الكلام. فيكون المراد من شرحها ههنا تعريفها، وتبيين النسبة بينها وبين
الكلام بالعموم والخصوص، وبيان تسميتها بالاسمية والفعلية والجملة الصغرى
والكبرى وتقسيمها إليها. فحينئذ سقط الاعتراض بأن بيان النسبة بالعموم
والخصوص وغيره ليس من شرح الجملة، بناء على تخصيصه بالتعريف الكاشف عن
ماهيتها، فقط.
ثم لما كانت الأبحاث
المذكورة ههنا من المباحث الدقيقة، وكان المقام مقام التعليم، قال: اعلم –
تحضيضا للسامع على الإصغاء إلى ما يأتي بعد هذا الأمر، لئلا يفوت منه شيء
–أن اللفظ: هو صوت يعتمد على مخرج الحروف. وهو كالجنس يتناول جميع الألفاظ.
وأما عدم إطلاق اللفظ على كلام الله –تعالى – فلرعاية الأدب، ولعدم الإذن
الشرعي. فهذا الاعتذار إنما احتج إليه. إذا كان المراد من كلام الله هو
الكلام اللفظي. وكذا الكلام في عدم إطلاق الجملة عليه. المفيد: هو كالفصل،
أخرج به الألفاظ المفردة، والمركبات التقييدية والإضافية، وغير ذلك. فدخل
في التعريف المركب الخبري والإنشائي. فالمراد من اللفظ المفيد ههنا هو
اللفظ المركب من كلمتين فصاعدا، أسند إحداهما إلى الأخرى مطلقا. سواء كان
خبريا أو إنشائيا. يسمي أي: يطلق عليه الجملة والكلام. وإلا فهما يكونان
مترادفين، فلا يمكن بيان النسبة بينهما بالعموم والخصوص. كلاما، اصطلاحا.
وهو في اللغة بمعنى التكليم، كالسلام بمعنى التسليم، يقع على القليل
والكثير. فلهذا يصح أن يقال: جميع القرآن كلام الله. قيل: لم تطلق الجملة
على جميع القرآن، لأنها اسم مفرد، بمنزلة الهمزة، لا يقع إلا على الواحد.
فالأولى أن يقال: إن الجملة تشعر بمعنى التركيب الدال على الأجزاء والحدوث،
ويؤذن بمعنى الإجمال. فلما كانت الفائدة تجيء بمعنى الفائدة الجديدة،
وبمعنى مطلق الفائدة، وبمعنى الفائدة التامة التي يحسن السكوت عليها، فسره
بقوله: ونعني بالمفيد أي: النحاة يعرفون الكلام بالتعريف المذكور فيريدون
بفائدة المفيد الفائدة التامة، لا مطلق الفائدة، كما هو متفاهم اللغة
والعرف والعام. ما أي: الذي يحسن السكوت: أي سكوت المتكلم- فإنه خلاف
التكلم. فكما أن التكلم صفة المتكلم يكون السكوت صفته أيضا. وقيل سكوت
السامع أو سكوتهما جميعا –عليه أي: على ذلك الأمر. فدخل في تعريف المفيد
نحو قولنا: السماء فوقنا، والأرض تحتنا. والمراد من حسن سكوت المتكلم على
اللفظ المفيد ألا يكون ذلك اللفظ محتاجا في إفادته للسامع، كاحتياج المحكوم
عليه إلى المحكوم به، أو بالعكس. فلا يضر احتياجه إلى المتعلقات من
المفاعل. فإن قلت هذا دفع بالعناية وهو غير مقبول. فإن الإيرادات لا تبطل
بالإرادات. قلت: إنه مقبول لأن حسن السكوت ما فسر عندهم إلا بهذا التفسير.
فيكون ظاهرا غير ملتبس للمعنى، وإن كان أعم من ذلك بحسب اللغة. وكذا الحال
في تفسير المفيد. ثم المفردات قبل التركيب هي في حكم النعيق عندهم لخلوها
عن الفائدة. وأما إذا ركبت على قواعد النحو فخرجت عن حكمه، وأفادت فائدة
معتبرة. لكن لا يلزم من ذلك أن يكون كلاما. فإنه هو الذي اعتبر فيه الفائدة
التامة، لا مطلقها. وأما الجملة فهي القول المركب، سواء أفاد تلك الفائدة
التامة أو لم يفد. واعلم أن الجملة أعم عموما مطلقا، بحسب موارد استعمالها
ومفهومها، من الكلام. فإن قلت الأعم ههنا (أفعل) التفضيل، فيثبت للكلام أصل
العموم، وإن لم يحصل له زيادة. ألا ترى أن الكلام يطلق على القرآن، ولا
تطلق عليه الجملة؟ قلت: الأعم ههنا بمعنى العام. فتكون (من) لمجرد الابتداء
على أن للكلام نوع عموم، بالنظر إلى موارد استعماله، فتكون (من) للتفضيل.
فإن قلت: المراد من مطلق العموم، سواء كان مطلقا أو من وجه. قلت: يمنع ذلك
قوله: فكل كلام جملة بمعنى: كل ما صدق عليه الكلام صدق عليه الجملة، ولا
ينعكس عكسا لغويا أي: ليس كل جملة كلاما. هذا. ونقل البعض عن النحاة أن
الجملة ترادف الكلام عندهم. فالحق ههنا هو الرجوع إلى تفسير الجملة. فإن
اعتبر الإفادة فيها أيضا فلا يتصور العموم والخصوص بينهما أصلا، وإن اعتبر
التركيب فيها، سواء أفاد أو لم يفد، فتتصور النسبة بالعموم والخصوص بلا
شبهة. فإذا لا نزاع بينهم، في الحقيقة، إذ لا مشاحة في الاصطلاح فـ {كل حزب
بما لديهم فرحون}. لكن المختار هو الترادف. فإنك تعلم، بالضرورة، أن كل
مركب لا يطلق عليه الجملة. نعم قد استعمل الكلام بمعنى القضية والخبر، في
بعض المواضع، كما هو دأب أهل المعقول، فيكون أخص من الجملة فينظر من ذلك
أنه أخص منها إذا كان بمعنى اللفظ المفيد. ثم لما فرغ من تمهيد الأصل، ومن
التفريع عليه، أراد توضيح ذلك، لا الاستدلال عليه حتى يؤدي إلى الدور
وإثبات القاعدة الكلية بالمثال الجزئي. فلهذا قال، على سبيل التوبيخ: ألا
ترى أن نحو (قام زيد) -فنحو ههنا كمثل في قولك: (مثلك لا يبخل) مع الإماء
إلى أن جملة الشرط كثيرة الوقوع، ولها جزئيات متعددة – من قولك. وقع في بعض
النسخ (قولنا) مقام (قولك). فالثاني مناسب لقوله: (ونعني بالمفيد)، والأول
المتصل بقوله: (اعلم)، فيكون أولى. وإنما قيده بذلك القول، لأن (قام زيد)
بدون التقييد يكون كلاما وجملة، فلا يصلح مثالا للعموم. إن قام زيد قام
عمرو، يسمي أي: نحو (قام زيد) جملة، لأنه لفظ مركب –فإن أخرجته عن صحة
السكوت عليها لكنها ما أخرجته عن كونه مركبا. فجملة (يسمي) في محل الرفع،
على أنها خبر (إن) –ولا يسمى كلاما، لأنه لا يحسن السكوت عليه، لأن (إن)
الشرطية أخرجته عن صلاحية السكوت والكلام هو القول الذي يحسن السكون عليه.
فهي حرف من حروف الشرط تقتضي جملتين يجعل إحداهما شرطا والأخرى جزاء، وتعمل
فيهما عمل الجزم فيهما لفظا أو محلا. فجملة (قام زيد) فعل الشرط في محل
الجزم وجملة (قام عمرو) جزاء الشرط في محل الجزم. وأما فعل الشرط مع جزائه
ههنا فجملة شرطية، وكلام مفيد في محل النصب على أنه مقول القول. وكذا أي:
ومثل القول المذكور في جملة الشرط القول في جملة الجزاء أي: نحو (قام
عمرو)، من قولك: إن قام زيد قام عمرو. يسمى جملة، ولا يسمى كلاما مثل ما
مر. فإن قلت: جملة جزاء الشرط قول مفيد، مقيد بالشرط، مثل: جئتك إذا طلعت
الشمس. فكما لا يخرج التقييد هذا القول عن الإفادة، فكذلك لا يخرج ذلك
القول عنها. فكيف يكون جملة الجزاء مثل [جملة] الشرط؟قلت: مهما كان حصول
الجزاء موقوفا على حصول فعل الشرط المشكوك لا يصح السكوت عليه، لأن الجزم
بالجزاء مادام الشك في الشرط لا يتصور. نعم حصل الجزم بالتعليق بين
الجملتين في الحال. لكن الفرق بين حصول الجزم بالتعليق وبين حصول الجزم
بمضمون الجزاء ظاهر. فالجزم المنفي هو الثاني، لا غير. فالإفادة مسلوبة عن
كل واحد منهما، لا عن مجموعها. فإنه قول مفيد كما بيناه. فأما التعلق في
قولك: (إن قام زيد قام عمرو) فينافي الجزم بالجزاء، فلا يصح السكوت عليه.
وأما التقييد في قولك: (جئتك إذا طلعت الشمس) فلا ينافي الجزم فحصول المجيء
في وقت طلوع الشمس، متحقق الوقوع، فيصح السكوت عليه، فافترقا. فاحفظ هذا،
فإنه بحث نفيس، قد خفي على بعض الفضلاء.
تقسيم الجملة
الأولى: ثم اعلم أن الجملة
تسمى اسمية أي: منسوبة إلى الاسم –أي: تنقسم الجملة إلى اسمية وفعلية.
فلهذا اختار التسمية على الانقسام، مع أن المقام مقام الانقسام، إشعارا بأن
أمثال هذه المباحث راجعة إلى اللفظ والاصطلاح –إن بدئت باسم. فالجملة
الاسمية، في الاصطلاح، هي التي يكون صدرها اسما. فالمراد من الصدر هو
المسند أو المسند إليه. فلا عبرة بما يقدم عليهما، من الحروف. كـقولك: زيد
بالرفع، على سبيل الحكاية، قال الشاعر:
تنادوا بالرحيل غدا *
قائم. فزيد: مبتدأ، خبره
قائم. فالجملة في محل الجر، أو في محل النصب. والكاف في قوله: (كزيد قائم)
اسم بمعنى المثل، كما هو الظاهر. فيكون مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف –
وهو (هي) راجعة إلى الجملة الاسمية – أو منصوبا بتقدير: أعني. فعلى كلا
التقديرين لا حاجة إلى العطف فإن المقام مقام كمال الاتصال. ويجوز أن يكون
حرف جر، فيكون الجار مع المجرور متعلقا بمحذوف، فيكون المجموع خبر المبتدأ
محذوف، على ما عرفت. فإذا تقرر هذه التوجيهات في هذا المثال، فقس عليه سائر
الأمثال. ولما كان أول كلام المصنف يشعر بأن الجملة الاسمية هي التي يكون
أولها اسما، يتوهم من ذلك خروج قولك: (إن زيدا قائم) وغيره عن حد الاسمية
مع أنه غير داخل في حد الفعلية، فيبطل الحصر فيهما، فأزال ذلك التوهم بقوله
وقولك: أن زيدا قائم. فزيد اسم (أن) وخبره: قائم. فالجملة في محل الجر، أو
في محل النصب أيضا. فالمثال صحيح، سواء قرئ (أن) بالفتح أو بالكسر. لكن
الظاهر هو الكسر. نقل عن سيبويه أن (أن) مع ما بعدها مبتدأ لا خبر له. وذلك
لطوله مع جريان الإسناد في ضمنه. وكقولك: هل زيد قائم؟ فهل: حرف من حروف
الاستفهام، وزيد: مبتدأ، وخبره قائم. فالجملة في محل الجر، أو في محل النصب
أيضا. وكقولك: ما زيد قائما. فما: حرف مشابه (ليس)، فاسمه: زيد، وخبره:
قائما. فالجملة معطوفة على جملة (زيد قائم)، فمحلها كمحلها. وكذلك قولك:
لعل زيداً منطلق، وأقام الزيدان؟ونحو ذلك جملة اسمية. فلا يضره قولهم (أقام
الزيدان) ؟ أنه في قوة أيقوم الزيدان؟ فإن ذلك لمجرد بيان عمل اسم الفاعل
ومعناه. وتسمى الجملة جملة فعلية، أي: منسوبة إلى الفعل –فالواو لعطف
(فعلية) على قوله (اسمية) –إن بدئت بفعل فالجملة الفعلية هي التي يكون
صدورها فعلا. والمعتبر من الصدر ما هو صدر، في الأصل. فنحو: كيف جاء زيد؟ و
{فريقا كذبتم} وغير ذلك فعلية لأن هذه الأسماء في نية التأخير. كقولك: قام
زيد – فقام: فعل، فاعله: زيد. فالجملة في محل الجر، أو في محل النصب، لما
عرفت غير مرة – وكقولك: هل قام زيد؟ فلما حذف الفعل مع فاعله في بعض
المواضع، وأقيم لفظ المفعول مقامه، فحصل الشك في أنه يكون جملة فعلية أو لا
يكون، أزال ذلك الوهم بقوله: وكذا أي: كقولك المذكور قولك: زيدا. فزيدا:
مفعول به، وفعله محذوف مع فاعله. وهو (ضربت). فالجملة في محل النصب، على
أنها مقول القول، أو في محل الرفع على أنه مبتدأ، على سبيل الحكاية، وأما
جملة ضربته فمفسرة لا محل لها من الإعراب. وكقولك: يا عبد الله جملة فعلية.
لأن التقدير أي: تقدير أصل هذا القول: ضربت زيدا –فيكون جملة فعلية. وأما
(ضربته) فلا شك في أنها جملة فعلية- وادعوا عبد الله. فكأن صدرها في الأصل
فعلا. فأدعو: فعل فاعله مستتر فيه، وعبد الله: منصوب على أنه مفعوله. فهذا
ظاهر، إذا كان (عبد) مضافا إلى (الله). وأما إذا كان (عبد الله) علما
فالقياس أن يكون الإعراب في الآخر لكنه أجرى في العبد إبقاء على ما كان.
فالجملة مرفوعة المحل، على أنها معطوفة على قوله: ضربت زيدا ضربته. فإن
قلت: (يا عبد الله) إنشاء لا يحتمل الصدق والكذب، و (أدعو عبد الله)
يحتملها. فكيف يكون التقدير: أدعو عبد الله؟ قلت: (يا) نائب مناب (أدعو)
إذا كان مستعملا في معنى الإنشاء مجازا، وإن كان خبرا بحسب لفظة. فإن قلت:
ههنا جملتان أخريان غير ما ذكره المصنف: إحداهما شرطية، نحو: إن تكرمني
أكرمك، والأخرى ظرفية، نحو: زيد في الدار. قلت أما الشرطية فإنها جملة
فعلية في الحقيقة، وأما الظرف فإن قدر عامله فعلا فالظرفية تكون فعلية.
وأما إذا قدر عامله غير الفعل فلا يتصور هناك جملة، فضلا عن أن تكون ظرفًا.
ثم بعد هذا التقسيم أراد تقسيم الجملة إلى الكبرى والصغرى وبيان أنواع
الاعتبارات فيها، إرشاداً للطالبين المتعلمين إلى أنوع التصرفات فيها،
وقال:
إذا قيل زيد أبوه غلامه
منطلق – اعلم أن هذا القول يتضمن اعتبار ثلاثة تعدادات: الأول [في حق
المبتدأ]، والثاني في حق الخبر، والثالث في حق الجملة وهو المقصود الأصلي.
فإن الباب الأول معقود لشرح الجملة. فيكون تعداد المبتدأ والخبر تمهيدا
لتعداد الجمل –، فتقول: (زيد) في: زيد أبوه غلامه منطلق – فتقييد (زيد)
بهذا أولى من تقييده بالمثال المذكور إذ لا معنى لاعتبار المثال ههنا في
الظاهر – مبتدأ أول. وأبوه: مرفوع لفظا، وعلامة الرفع الواو، مبتدأ ثان.
إعرابه تقديري كقاض: فهذه الجملة معطوفة على قوله: فزيد مبتدأ أول. فإن
الواو فيها للعطف. وكذا الحال فيما بعدها.
وغلامه أي: غلام أبيه –
فالضمير المجرور بالمضاف إليه المبتدأ عائد إلى المبتدأ. فتلاحظ الروابط في
المبتدأ. ولو قيل: (زيد عمرو بكر قائم عنده، في بيته) تلاحظ الروابط كلها
في الأخبار – مبتدأ ثالث.
فشرع بعد هذا في تعداد
الخبر، فقال: ومنطلق خبر المبتدأ الثالث. وهو غلامه. والمبتدأ الثالث وخبره
– وهو منطلق. ووقع في بعض النسخ: (مع خبره) بدله. أي: غلامه منطلق مع
النسبة بينهما – خبر المبتدأ الثاني. وهو أبوه. والمبتدأ الثاني وخبره، على
قياس ما عرفت، خبر المبتدأ الأول.
ثم شرع، بعد هذا، في
التعداد الثالث فقال: ويسمى – الواو هنا للعطف على جواب (إذا) الشرطية، على
طريقة قولنا: إذا رجع الأمير استأذنت وخرجت أي: إذا رجع استأذنت، وإذا
استأذنت خرجت، لا على طريقة قولنا: إذا جئتني أعطيك وأكسوك – المجموع أي:
قوله: زيد أبوه غلامه منطلق، جملة لكونه مركبا كبرى لكونه أزيد جزء من قوله
أبو غلامه منطلق من قوله: غلامه منطلق. وهي تأنيث الأكبر، كفضلى تأنيث
الأفضل، غير منصرفة للتأنيث ولزومه، ومنصوبة تقديرا صفة (جملة). وأنت خبير
بأن تخلل الجملة ههنا لمجرد الموصوفية. فإن المقصود الأصلي بيان انقسام
الجملة إلى الكبرى والصغرى. فإن قلت: لا شك أن اعتبار الكل بعد اعتبار
الجزء طبعا، فيوضع الجزء ثم الكل ليوافق الوضع الطبع. فالشيخ لأي شيء قدم
ذكر الكبرى على ذكر الصغرى في التسمية حينئذ؟ قلت: لرعاية ما سبق. فإنه لما
قال: (والثاني وخبره خبر الأول) اقتضى ذلك اقتضاء الملزوم للازم. فإن قلت:
فلأي شيء قدم اعتبار الصغروية على اعتبار الكبروية والصغروية معا في
التسمية؟ قلت: قد تقرر في المعلوم والمعقول أن طلب الفائدة في المزال، لا
في القار. على أنه لا يخلو عن اعتبار النظم الطبيعي، وعن اعتبار تقدم
البسيط على المركب. ويسمى (غلامه منطلق) جملة صغرى، لكونه أقل جزءا من
قوله: زيد أبوه غلامه منطلق ومن قوله: أبوه غلامه منطلق. ويسمى قوله: (أبوه
غلامه منطلق) جملة كبرى، بالنسبة إلى جملة، هي جملة: غلامه منطلق. فإن
قلت: ما معنى تقييد الكبروية بالنسبة ههنا، وهي نسبية دائما؟ قلت: فائدته
بيان كون الجملة، هي في هذا الاعتبار، ذات نسبتين، غير مقصورة على اعتبار
نسبة واحدة، كما في الاعتبارين الباقيين. وتسمى جملة صغرى، بالنسبة إلى
جملة، هي جملة: زيد أبوه غلامه منطلق. فحاصل المعني زيد غلام أبيه منطلق
ومن قال في بيان المعنى: أن التقدير (غلام أبي زيد قائم) فقد سها معنى
ونقلا. فتأمل. فإن قلت: ما محل هذه الجملة؟ قلت: رفع على أنها قائمة مقام
فاعل قيل. ومثل هذا كثير. قال الله تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا}. فالقول مع
القول مجرور المحل، على أنه مضاف إليه لـ (إذا) وهو ظرف محله نصب عامله
القول المقدر في جوابه، كما أشرنا إليه. فلله در الشيخ ما أدق نظره حيث
اعتبر في المقام الثالث ثلاثة اعتبارات الجملة، عقب اعتبار ثلاثة أمور ثم
لما وقع في بعض الأفهام أن الاشتغال بمثل هذه الاعتبارات اشتغال بما لا
فائدة فيه، وأنها لا يتصور وقوعها، أراد إزالة ذلك الوهم، وتأسيس ما بناه،
فقال: ومثله أي: ومثل هذا المذكور في تعدد المبتدأ وتعدد الجمل، قوله
تعالى: {لكنا هو الله ربي}. لا يذهب عليك أن استعمال المثل مقيدا بما ذكر
ههنا استعمال صحيح شائع. لكن الأولى أن يقال بدله (مثله): ما يدل عليه أو
يشهد له. أصله أصل أي: هذا القول، أو أصل (لكنا) - وهو الأولى. فالأصل ما
يبنى عليه غيره. فالمثبت يبتنى عليه المحذوف. ويدل على هذا الأصل قراءة أبي
بن كعب: - (لكن أنا هو الله ربي). لكن بتخفيف نونها، وهي ههنا من حروف
العطف فالمعطوف عليه (أكفرت) ؟ فكأنه قال لأخيه أنت كافر بالله لكني مؤمن
موحد، كما تقول: زيد غائب لكن عمرو حاضر. حكي أنه كان في بني إسرائيل
أخوان: أحدهما كافر اسمه قطروس، والآخر اسمه يهودا فقال يهودا لقطروس: أنت
كافر بالله تعالى، لكن أنا مؤمن به. (أنا) حذفت همزته مع حركتها، فاجتمع
المثلان من جنس واحد، فأدغم. قرأ ابن عامر بإثبات ألفه في حالتي الوصل
والوقف جميعا. أما إثباتها في الوصل فأما لكونها عوضا عن الهمزة المحذوفة،
أو لإجراء الوصل مجرى
الوقف لما بينهما من تناسب التضاد، كما في قول الشاعر:
أنا أبو النجم وشعري شعري
وأما إثباتها في الوقف
فظاهر وغيره لا يثبتها إلا في الوقف. فأنا: ضمير مرفوع منفصل، على أنه
مبتدأ، هو: ضمير الشأن مبتدأ ثان. قال ابن الحاجب: هو ضمير له- سبحانه –
ولفظة الجلالة بدل منه، أو عطف بيان عليه. وقيل: ربي نعت الله. فحينئذ لا
يكون مما نحن بصدده. الله مبتدأ ثالث، ربي: خبر الثالث، والثالث مع خبره
خبر الثاني. فلا يحتاج إلى العائد، لكون الخبر عين المبتدأ. والثاني مع
خبره خبر المبتدأ الأول، والمجموع جملة كبرى، والله ربي: جملة صغرى، وهو
الله ربي: كبرى من وجه، وصغرى من وجه آخر على ما عرفت. وإلا قيل: لكنه. هذا
إشارة إلى الاستدلال على الأصل، بصورة القياس الاستثنائي. وهو في الحقيقة
دليل إثبات المماثلة أيضا. فلهذا جيء بالواو العاطفة. و (إلا) ههنا مركب من
(أن) و (لا). فأدغمت النون في اللام. لكن استعمل ههنا بمعنى (لو). فلهذا
جيء جوابها باللام في بعض النسخ. يعني: لو لم يكن أصل (لكنا) : (لكن أنا)
مخففا عاطفا، بل (لكن) المشددة الوجب إعمالها في الضمير المنصوب المتصل
اتفاقا إذا دخلت على الضمير، فيقال لكنه. وهذا التوجيه إنما يجري على عدم
إثبات الألف في الوصل. فلما لم يقع هذا القول علمنا أن أصله ما ذكرناه. فإن
قلت: يجوز إقامة صيغة الضمير المرفوع المنفصل مقام الضمير المنصوب المتصل،
كقولك: جاءني القوم فأكرمتهم. فليجز ههنا، مع استقامة المعنى أيضا. قلت:
هذه نادرة لا يحمل عليها. وأما (هما وهم) فمشتركان بينهما صورة. ويتصور
أيضا مثل الاعتبار المذكور في قولك: ظننت زيدا يقوم أبوه. ونظير ما ذكر في
مطلق التعدد قولك: زيد غلامه جاريته زوجها ابنه امرأته دارها سقفها خشبه
ساج. فخشبه: مبتدأ تاسع، وساج: خبره. فخشبه مع خبره خبر عن المبتدأ الثامن،
وهو سقفها. فكذا الاعتبار في البواقي. فحاصل المعنى زيد خشب سقف دار امرأة
ابن زوج جارية غلامه ساج. وأنت تعلم أن الغرض من إيراد أمثال هذه
الاعتبارات هو الإرشاد إلى أنواع طرق التصريفات الخبرية).
موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للشيخ: خالد بن عبد الله الأزهري
قال زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري (ت: 905هـ): (الباب الأول: شرح الجملة وذكر أسمائها وأحكامها
وفيه أربع مسائل
المسألة الأولى
في شرح الجملة: اعلم أيها الواقف على هذا المصنف (أن اللفظ) المركب الإسنادي يكون مفيدا: (كقام زيد) وغير مفيد نحو: (إن قام زيد) وأن غير المفيد يسمى جملة فقط، وأن المفيد يسمى كلاما لوجود الفائدة ويسمى جملة لوجود التركيب الإسنادي. (ونعني)، معشر النحاة، (بالمفيد) حيث أطلقناه في بحث الكلام (ما يحسن) من المتكلم (السكوت عليه) بحيث لا يصير السامع منتظرا لشيء آخر.
وبين الجملة والكلام عموم وخصوص مطلق، وذلك (أن الجملة أعم من الكلام) لصدقها بدونه وعدم صدقه بدونها، (فكل كلام جملة) لوجود التركيب الإسنادي (ولا ينعكس) عكسا لغويا أي: ليس كل جملة كلاما، لأنها يعتبر فيه الإفادة بخلافها (ألا ترى أن) جملة الشرط (نحو: قام زيد من قولك: إن قام زيد قام عمرو تسمى جملة) لاشتمالها على المسند والمسند إليه (ولا تسمى كلاما لأنه لا) يفيد معنى (يحسن السكوت عليه)؟ لأن (إن) الشرطية أخرجته عن صلاحيته لذلك، لأن السامع ينتظر الجواب، (وكذلك)، أي: وكالقول في جملة الشرط (القول في جملة الجواب)
أي: جواب الشرط وهي جملة (قام عمرو)
من المثال المذكور تسمى جملة، ولا تسمى كلاما لما قلناه، والحاصل أنه جعل
في كل من جملتي الشرط وجوابه أمرين أحدهما: ثبوتي وهو التسمية بالجملة
والآخر سلبي وهو عدم التسمية بالكلام ففي ذلك دليل على ما ادعاه من عدم
ترادف الجملة والكلام، ورد على من قال بترادفهما كالزمخشري، وعلى من قال:
جملة جواب الشرط كلام بخلاف جملة الشرط كالرضي (ثم) الجملة تنقسم أولا بالنسبة إلى التسمية إلى اسمية وفعلية وذلك أنها (تسمى اسمية إن بدأت باسم) صريح: (كزيد قائم) أو مؤول نحو: { وأن تصوموا خير لكم } أي: صومكم خير لكم
أو بوصف رافع لمكتف به نحو: (أقائم الزيدان)
أو اسم فعل نحو: هيهات العقيق وإذا دخل عليها حرف فلا يغير التسمية سواء
غير الإعراب دون المعنى أم المعنى دون الإعراب أم غيرهما معا أم لم يغير
واحدا منهما فالأول نحو: (إن زيدا قائم) والثاني نحو: (هل زيد قائم)
والثالث (ما زيد قائما) والرابع: نحو (لزيد قائم).
والجملة تسمى (فعلية إن بدأت بفعل)
سواء كان ماضيا أم مضارعا أم أمرا، وسواء كان الفعل متصرفا أم جامدا،
وسواء كان تاما أم ناقصا، وسواء كان مبنيا للفاعل أم مبنيا للمفعول: كقام
زيد، ويضرب عمرو، واضرب زيدا، ونعم العبد، وكان زيد قائما، و{ قتل الخراصون } ولا فرق في الفعل أن يكون مذكورا أو محذوفا تقدم معموله عليه أو لا، تقدم عليه حرف أو لا، نحو (هل قام زيد) ونحو (زيدا ضربته) (ويا عبد الله) فزيدا وعبد الله منصوبان بفعل محذوف (لأن التقدير) في الأول (ضربت زيدا ضربته) فحذف ضربت لوجود مفسره وهو ضربته، وفي الثاني: أدعو عبد الله فحذف أدعو، لأن حرف النداء نائب عنه ونحو: { فريقا كذبتم } ففريقا مقدم من تأخير والأصل كذبتم فريقا.
(ثم الجملة تنقسم ثانيا)
بالنسبة إلى الوصفية إلى (صغرى وكبرى فالصغرى هي المخبر بها عن مبتدأ) في
الأصل أو في الحال اسمية كانت أو فعلية. (والكبرى هي التي خبرها جملة (كزيد
قام أبوه) فجملة: قام أبوه صغرى) لأنها خبر عن زيد. وجملة (زيد قام أبوه) كبرى لأن خبر المبتدأ فيها جملة.
وقد
تكون الجملة صغرى وكبرى باعتبارين كما (إذا قيل: زيد أبوه غلامه منطلق،
فزيد مبتدأ أول وأبوه مبتدأ ثان وغلامه مبتدأ ثالث ومنطلق خبر) المبتدأ (الثالث) (وهو غلامه) والمبتدأ (الثالث وخبره) وهما غلامه منطلق، خبر المبتدأ (الثاني) وهو أبوه والرابط بينهما الهاء من غلامه. والمبتدأ (الثاني وخبره) وهما أبوه غلامه منطلق (خبر) المبتدأ (الأول) وهو زيد والرابط بينهما الهاء من (أبوه) (ويسمى المجموع) وهو زيد، ومنطلق، وما بينهما (جملة كبرى) لا غير لأن خبر مبتدأيهما جملة (وتسمى جملة غلامه منطلق جملة صغرى) لا غير لأنها وقعت خبرا عن مبتدأ وهو أبوه وتسمى جملة (أبوه غلامه منطلق) جملة كبرى بالنسبة إلى) جملة (غلامه منطلق) وتسمى جملة (أبوه غلامه منطلق)
أيضا جملة (صغرى بالنسبة إلى زيد) لكونها وقعت خبرا عنه، والمعنى غلام أي
زيد منطلق. ولك في الرابط طريقان: أحدهما أن تضيف كلا من المبتدآت غير
الأول إلى ضمير متلوه كما مثل المصنف: والثاني أن تأتي بالرابط بعد خبر
المبتدأ الأخير نحو: زيد هند الأخوان الزيدون ضاربوهما عندها بإذنه، فضمير
التثنية للأخوين، وضمير المؤنث لهند، وضمير المذكر لزيد، ويتفرع من هذين
الطريقين طريقة ثالثة مركبة منهما، وهي أن نجعل بعض الروابط مع المبتدأ
وبعضها مع الخبر نحو: زيد عبداه الزيدون ضاربوهما. (ومثله) في كون الجملة فيه صغرى وكبرى باعتبارين، قوله تعالى: { لكنا هو الله ربي } إذ أصله أي أصل{ لكنا هو الله ربي } (لكن أنا)
فحذفت الهمزة بنقل الحركة أو بدونه وتلاقت النونان فأدغم في قراءة ابن
عامر بإثبات ألف (نا) وصلا ووقفا والذي حسن ذلك وقوع الألف عوضا عن همزة
أنا، وقرأ أبي بن كعب (لكن أنا) على الأصل (وإلا) أي: وإن لم يكن أصله لكن أنا بالتخفيف بل كان أصله لكن هو بالتشديد وإسقاط الألف (لقيل لكنه) لأن لكن المشددة عاملة عمل إن فإذا كان اسمها ضميرا وجب اتصاله بها.
وقد
تسامح المصنفون بدخول اللام في جواب (إن) الشرطية المقرونة بلا النافية في
قولهم وإلا لكان كذا، حملا على دخولها في جواب لو الشرطية لأنها أختها ومنع
الجمهور دخول اللام في جواب إن وأجازه ابن الأنباري.
ولكن
حرف استدراك من أكفرت؟ كأنه قال: أنت كافر بالله لكن أنا هو الله ربي، فأنا
مبتدأ أول، وهو ضمير الشأن مبتدأ ثان، والله مبتدأ ثالث. وربي خبر الثالث،
والثالث وخبره خبر الثاني ولا يحتاج إلى رابط لأنها خبر عن ضمير الشأن،
والثاني وخبره خبر الأول والرابط بينهما ياء المتكلم ويسمى المجموع جملة
كبرى، (والله ربي) جملة صغرى، (وهو الله ربي) جملة كبرى بالنسبة إلى (الله ربي) وصغرى بالنسبة إلى (أنا).
وقد تكون الجملة لا صغرى ولا كبرى لفقد الشرطين: كقام زيد وهذا زيد).