14 Jan 2010
النوع الثالث: ما جاء على ثلاثة أوجه
قال أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري (ت:761هـ): (النوع الثالث: ما جاء على ثلاثة أوجه
وهي سبع:
إحداها: (إذ)، فيقال فيها تارة: ظرف لما مضى من الزمان، ويدخل على الجملتين، نحو: {واذكروا إذ أنتم قليل} {واذكروا إذ كنتم قليلا}.
وقد تستعمل للمستقبل، نحو قوله تعالى: {فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم}.
ويقال فيها تارة: حرف مفاجأة، كقوله:
فاستقدر الله خيرا وارضين به = فبينما العسر إذ دارت مياسير
وتارة حرف تعليل، كقوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم} أي: لأجل ظلمكم.
الثانية: (لما)، يقال فيها في نحو: لما جاء زيد جاء عمرو: حرف وجود لوجود، وتختص بالماضي. وزعم الفارسي ومتابعوه أنها ظرف بمعنى حين.
ويقال فيها في نحو: {لما يذوقوا عذاب}:
حرف جزم لنفي المضارع، وقلبه ماضيا متصلا نفيه (بالحال)، متوقعا ثبوته.
ألا يرى أن المعنى أنهم لم يذقوه إلى الآن، وأن ذوقهم له متوقع؟ ويقال
فيها: حرف استثناء، في نحو: أنشدك الله لما فعلت. أي: ما أسألك إلا فعلك.
ومنه: {إن كل نفس لما عليها حافظ} في قراءة التشديد. ألا يرى أن المعنى: ما كل نفس إلى عليها حافظ؟ ولا التفات إلى إنكار الجوهري ذلك.
الثالثة: (نعم)، فيقال فيها: حرف تصديق، إذا وقعت بعد الخبر، نحو: قام زيد، أو ما قام زيد.
وحرف إعلام، إذا وقعت بعد الاستفهام، نحو: أقام زيد؟ وحرف وعد، إذا وقعت بعد الطلب، نحو: أحسن إلى فلان.
ومن مجيئها للإعلام: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم}.
وهذا المعنى لم ينبه عليه سيبوبه، فإنه قال: عدة وتصديق. ولم يزد على ذلك.
الرابعة: (إي) بكسر الهمزة، وسكون الياء. وهي بمنزلة (نعم) إلا أنها تختص بالقسم، نحو: {قل إي وربي إنه لحق}.
الخامسة: (حتى)، فأحد أوجهها أن تكون جارة، فتدخل على الاسم الصريح بمعنى (إلى) نحو: {حتى مطلع الفجر}، {حتى حين} وعلى الاسم المؤول من أن مضمرة ومن الفعل المضارع فتكون تارة بمعنى إلى، نحو: {حتى يرجع إلينا موسى}. الأصل حتى أن يرجع، أي إلى رجوعه، أي: إلى زمن رجوعه.
وتارة بمعنى (كي)، نحو: أسلم حتى تدخل الجنة. وقد تحتملهما كقوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء} أي: إلى أن تفيء.
وزعم ابن هشام الخضراوي: وابن مالك: أنها قد تكون بمعنى (إلا) كقوله:
ليس العطاء من الفضول سماحة = حتى تجود وما لديك قليل
أي: إلا أن تجود. وهو استثناء منقطع. قهرناكم حتى الكماة فأنتم = تهابوننا حتى بنينا الأصاغرا حتى ماء دجلة أشكل
والثاني: أن تكون حرف عطف تفيد الجمع المطلق كالواو، إلا أن المعطوف بها، مشروط بأمرين: أحدهما: أن
يكون بعضا من المعطوف عليه، والثاني: أن يكون غاية له في شيء، نحو: مات
الناس حتى الأنبياء. فإن الأنبياء عليهم السلام غاية للناس في شرف المقدار.
وعكسه: زارني الناس حتى الحجامون.
وقال الشاعر:
وتقول: أعجبتني الجارية حتى كلامها، لأن الكلام كجزئيها.
ويمتنع حتى ولدها. والضابط: ما صح استثناؤه صح دخول (حتى) عليه، وما لا، فلا.
والثالث: أن تكون حرف ابتداء، فتدخل على ثلاثة أشياء: الفعل الماضي. نحو: {حتى عفوا وقالوا}، والمضارع المرفوع: {حتى يقول الرسول} في قراءة من رفع. والجملة الاسمية كقوله:
السادسة: (كلا)، فيقال فيها: حرف ردع، وزجر، في نحو: {فيقول ربي أهانن كلا} أي: انته عن هذه المقالة.
وحرف جواب وتصديق في نحو: {كلا والقمر}، والمعنى: إي والقمر.
وبمعنى: حقا، أو (ألا) الاستفتاحية على خلاف في ذلك نحو: {كلا لا تطعه}.
والصواب الثاني، لكسر الهمزة في نحو {كلا إن الإنسان ليطغى}
السابعة: (لا) فتكون نافية، وناهية، وزائدة. فالنافية تعمل في النكرات عمل (إن) كثيرا. نحو: لا إله إلا الله، وعمل (ليس) قليلا، كقوله:
تعز فلا شيء على الأرض باقيا ولا وزر مما قضى الله واقيا
والناهية تجزم المضارع، نحو: {ولا تمنن تستكثر}، {فلا يسرف في القتل}. والزائدة دخولها كخروجها، نحو: {ما منعك ألا تسجد} ، أي (أن) تسجد كما جاء في موضع آخر).
نظم قواعد الإعراب لابن ظهيرة المكي
قال جمال الدين محمد بن عبد الله ابن ظهيرة المكي (ت: ٨١٧ هـ): (
وإِذْ فَـظَـرْفٌ للـمُـضِـيِّ وَاطِـئَــهْ ... وحَــرْفُ تَعْـلـيـلٍ وللمُـفـاجَـأَهْ
حَــرْفُ وُجُــودٍ لـوُجُـودٍ لَـمَّـا ... كَــذَا للاسْتِثْـنَـا تُفِـيـدُ جَـزْمَـا
حَـرْفٌ لتَصْـدِيـقٍ وإِعْــلامٍ نَـعَـمْ ... وحَـرْفُ وَعْـدٍ إِي كَـذَا مَـعَ القَسَـمْ
حَـتَّـى لـجَـرٍّ ولِعَـطْـفٍ وابْـتِـدَاكَ ... ــلاَّ لــرَدْعٍ ولتَصْـدِيـقٍ بَــدَا
ونَحْـوُ كــلاَّ لا تُطِـعْـهُ يَحْتَـمِـلْ ... مَعْنَـى أَلاَ أو حَقًّـا فَافْهَـمْ مـا نُـقِـلْ
تَـجِــيءُ لا نَـافِـيَـةً ونَـاهِـيَــهْ ... زَائِــدَةً فَـكُـنْ لِــذَاكَ وَاعِـيَــهْ).
شرح قواعد الإعراب للعلامة: محمد بن سليمان الكافيجي
قال محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي
(ت: 879هـ): (النوع
الثالث من الأنواع الثمانية ما أي لفظ جاء أي استعمل على ثلاثة أوجه كوجوه
استعمال المشترك في معانيه وهو أي الجأي على الوجوه الثلاثة سبع ألفاظ
أحدها أي أحد الألفاظ السبعة كلمة إذ من حيث هي فيقال فيها أي لبيان وجوه
استعمالاتها فاستعمل في بمعنى اللام كما في قوله تعال: {وأوذوا في سبيلي}
تارة أي مرة مطلقة من غير قصد إلى واحد بعينه كما لا يقصد إلى العدد بعينه
في قولهم فعل ذلك مرتين ظرف أي اسم لكن أطلق عليه اسم مسماه إشعارا
بالمناسبة بينهما وتعبيرا عن المقصود بما هو أوفى لما مضى من الزمان نحو:
{فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا} وأما إذا عبر به عن الزمان المستقبل
نحو {يومئذ تحدث أخبارها} فالجمهور أنه من باب تنزيل المستقبل الواجب
الوقوع منزلة الواقع إعلاما بتحققه كما في قوله تعالى: {ونفخ في الصور}
فإذا قلت إذا الدال على الزمان الماضي قد يستعمل للوقت المجرد عن معنى
الظرفية كما في قوله: {يومئذ} حينئذ وقد قالوا أن إذ في قوله تعالى: {واذكر
في الكتاب مريم إذ انتبذت} بدل اشتمال من مريم على حد البدل في قوله
تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل} إطلاق الظرف عليه إنما هو
باعتبار استعمالاته يدل عليه قوله لما مضى من الزمان ويقويه بعض التقوية
قوله وتدخل إذ على الجملتين سواء كان لفظا أو تقدير احديهما الاسمية
والأخرى الفعلية مثال الاسمية في صورة الشاهد أنتم قليل في نحو قوله تعالى:
{واذكروا إذ أنتم قليل}
فأنتم مبتدأ خبره قليل فيه المفرد والمثنى والجمع والجملة في محل الجر كون
إذ إضافة إليها ولا منصوب المحل على أنه مفعول به لاذكر أي اذكروا وقت
كونكم قليلا عددكم هذا على مذهب من يرى كالأخفش والزجاج أنه يقع مفعولا به
كما هو المختار الغير المحتاج إلى تأويل وأما من لا يرى أنه مفعول به فهو
يقول أنه ظرف لمحذوف يدل عليه فحوى الكلام فيكون التقدير واذكروا حالتكم
وأمركم فقس على هذا سائر ما وقع من هذه القبيل يدل على ذلك قوله تعالى:
{واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء} وأما كلام المصنف فيمكن حمله على
كلا المذهبين لكن حمله على الثاني أظهر كما لا يخفى ومثال الجملة الفعلية
{واذكروا إذ كنتم قليلا} الحال على ما ذكر آنفا قال الزمخشري إذ منصوب على
أنه مفعول به لا ظرف أي اذكروا وقت كونكم قلة أذلة ثم لما فرغ من بيان
استعمال الوجه الأول أراد أن يذكر الوجه الثاني وأن يبين استعماله فقال
ويقال تارة أخرى أنها حرف مفاجأة نص على ذلك سيبويه وهي لا تقع إلا بعد
بينا أو بينما ويحذف بعدهما وهو أسير وأما من أنكر وقوعها بعدهما فهو محجوج
بالسماع وفيها أربعة أقولا الأول أنها حرف مفاجأة وهو المختار عند المصنف
والثاني أنها زائدة والثالث أنها ظرف زمان والرابع أنها ظرف مكان وبينا ظرف
مكان مضاف والجملة التي تليها يقدر بعدة أمر متعدد ليصح معناه وأما كونها
ظرف مكان فبنا على الظاهر المتبادر أو على تنزيل ما بين الأزمان منزلة
المكان وإلا فما بين الأزمان لا غير فإذا قلت بينا أنا قائم جاء زيد بدون
أن يكون العامل في بينا جاء وإذا قلت بينا أنا أقائم إذ جاء زيد يكون
العامل فيه جاء أيضا عند من قال بزيادتها وأما من قال أنها حرف مفاجأة يقول
العامل فيه معنى المفاجأة بشهادة فحوى الكلام أو عامله محذوف يدل عليه
المذكور بعدها ولا يبعد أن يعمل المذكور بعدها فيه بشهادة استقامة المعنى
وأما من قال أنها ظرف زمان يقول العامل فيه وفي إذ محذوف يدل عليه معنى
الكلام تقديره فأرجأت زيدا بين أزمان قيامي وقت مجيئه فيكون إذ بدلا من
بينا بدل الكل ميلا إلى المعنى والتحقيق وأما من قال أنها ظرف مكان يقول
العامل فيه وفي إذ ما بعدها فالتقدير جاء زيد في مكان بين أوقات قيامي
فيكون إذ حينئذ بدلا من بينا بناء على أن العامل الواحد لا يجوز أن يعمل في
ظرف مكان إلا على سبيل البدل ولا يخفى عليك أن بينا ههنا ليس بظرف مكان في
التحقيق وههنا وجوه أخر غير ما نقلناه فإذا تقرر هذا التصوير نشرع في
تقرير البيت كقوله أي كقول غير ابن لبيد:
فبينما العسر إذ دارت مياسير
يشهد
بذلك قوله تعالى: {إن مع العسر يسرا} وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لن
يغلب عسر يسرين)) مياسير جمع يسر ويسر ضد عسر فإن قلت الضدان لا يجتمعان في
مكان واحد فما تقول في معنى البيت قلت إن الشاعر لما جعل اليسر كالمقارن
للعسر لقرب زمانه من زمانه أخبر بأن المياسير الكثيرة موجودة في زمان وجود
العسر زيادة تقوية للقلوب وتسلية لمن أصابه الفقر فيكون الغرض بين قوله
تحصل هذا المعنى لا بيان وقوعها في شخص واحد في زمان واحد وأما القول أن ما
بين أزمان وجود العسر لا ينافي أن يكون ظرفا لدور أن المياسير فبعيد عن
معنى البيت بمراحل فيكون التقدير عند من قال بحرفيتها فأجأة المياسير
للعسرين أوقات وجوده وإذا تحققت ما قدمت لك من التصوير لا يخفى عليك تقدير
سائر الأقوال فيه وقيل التقدير وقت وجود العسر وقت دور اليسر فيكون مبتدأ
وخبرا وقيل التقدير بين أوقات وجود العسر دور المياسير فيكون بينما خبر
المبتدأ محذوف يدل عليه قوله إن دارت مياسير ويقال فيه تارة أخرى إنها حرف
تعليل عند البعض أي حرف دال على تبيين علة الشيء سواء كان تعليلا لميا أو
أنيا فإن قلت ينبغي أن يكون مثل هذا أن لا يضبط ولا يندرج تحت القاعدة
لجواز أن يكون مجازا وباب المجاز مفتوح قلت أمثال هذا محمولة على أن يكون
مشتركة كما هو مختار البعض كإذ وقد وقع في بعض النسخ اللام موضع الكاف فإن
قلت مثل هذا لا يصح أن يكون مشاهدا لتحقق احتمال غير التعليل فيها كما يجيء
قلت أمثال هذا جائزة في الكلام وواقعة في العلوم فإن عدم صلاحية أمر لأمر
من وجه لا يستلزم عدم صلاحية له من وجه آخر كما لا يستلزم سلب الخاص سلب
العام في قوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون}
لن ينفعكم يوم القيامة اشتراككم في العذاب لكون كل واحد منكم به من العذاب
ما تبلغه طاقته كما ينفع الواقعين في الأمر الصعب اشتراكهم فيه لتعاونهم في
تحمل أعبائه أي لأجل ظلمكم في الدنيا فإن قلت اليوم هل هو متعلق ينفع حتى
يفيد السلب الجزئي أو بمعنى النفي المستفاد من لن حتى يكون سلبا كليا قلت
كل منهما جائز لكون الثاني أرجح فالأول يفيد غاية شدة العذاب يوم الآخرة
حتى لا يحصل نوع من التخفيف بالاشتراك فيه كما يحصل من الاشتراك في غيره من
العذاب والثاني يفيد استغراق نفي نفع على أبلغ وجه لكن تعلق الظلم بالنفي
ترجيح الثاني لرعاية انتظام الكلام الواو فيه للحال ويجوز أن يكون للعطف
باعتبار ما بها كما يجوز أن يكون للاعتراض ولن حرف ناصب ينفع منصوب وكم
مفعوله واليوم مفعول فيه وإذا ظلمت بمعنى المقدر مفعول له وإنكم في العذاب
مشتركون في تأويل المصدر فاعله وقيل فاعله مشتركون فيه عائد إلى التمني
المذكور قبله: {وإنكم في العذاب مشتركون} مفعول له وإذ ظلمتم بدل من اليوم
بدل الكل أي لن ينفعكم تمنيكم يوم القيامة لأن حقكم أن تشتركوا في العذاب
كما أنتم تشتركون في سببه وهو الكفر إذا صح ظلمكم وتبين ولم يبق لكم ولا
لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين.
الثانية من الكلمات المشتركة على ثلاثة
أوجه لما فأحد أوجهها أن يختص استعمالها بالماضي لفظا أو تقديرا فيقتضي
جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما ولأجل ذلك يقال فيها تارة في نحو
لما جاء زيد جاء عمرو وأنها حرف وجود لوجود أي حرف يدل على ارتباط تحقق
الجملة الثانية بتحقق مضمون الجملة الأولى ارتباط السببية فتكون شبيهة بحرف
الشرط قال سيبويه أنها حرف بمعنى اللام فمعنى لما جاء زيد جاء عمرو أن
مجيء عمرو لأجل مجيء زيد وقال بعضهم أن جواب لما قد يقترن بالفاء وقد يحذف
لقيام الدليل عليه فلما اختار حرفيتها أشار إلى رد القول بخلافها بقوله زعم
قد وقع في بعض النسخ الواو قبل زعم فالظاهر أنه لا يحتاج إليه أبو علي
الفارسي ومتابعوه أنها ظرف بمعنى حين مركبة من لم النافية وما فإذا ركبت
نقلت من الحرفية إلى الاسمية وبنيت لمشابهتها بالجازمة في الصيغة إذا دخلت
على الماضي لفظا أو معنى فمعنى لما جاء زيد جاء عمرو أن مجيء عمرو في وقت
مجيء زيد فقولك لما قتل زيد عمروا اقتص له منه يدل على أن مذهب سيبويه أليق
بالقبول فإن المعنى في مثله على التعليل لا على التوقيت لكن الظاهر
المتبادر من الكلام هو مذهب الفارسي فمثل القول المذكور وجب أن يؤول بأنه
استحق الاختصاص منه ذكر الاختصاص وأريد منه استحقاقه إشعارا بلزوم تحققه.
الوجه الثاني من أوجهها أنها حرف تختص
بالمضارع فتجزمه وتقلبه فتنقيه كلم إلا أنها تفارقها في أمور أشار إليه
بقوله ويقال فيها تارة أخرى في نحو: {بل لما يذوقوا عذاب} بل من حروف العطف
للإضراب يذوقوا مجزوم بلما وعلامة الجزم سقوط نونه وعذاب مفعوله وكان
تقديره عذابي فحذف الياء اكتفا بالكسرة لها حرف جزم أي حرف يعمل عمل الجزم
وهي مركبة من لم وما عند بعض وبسيطة عند بعض آخر وهو المناسب للحرف موضوع
لنفي معنى الفعل المضارع المنقول إلى الماضي وقلبه أي المضارع لا شك أن
المنقول إلى الماضي أصالة هو معنى المضارع وأما لفظه فيوصف بالنقل تبعا
ولهذا قال المبرد إنها قالبة لمعناه دون لفظه فإن قلت كان حق العبارة أن
يقول النفي المضارع بعد قلبه فإن من المعلوم بالضرورة أن معنى لما هو النفي
المذكور لا غير قلت لما كان القلب من لوازمها نزل بمنزلة المعنى المستفاد
منها مع أنه يمكن أن يكون من قبيل علفتها تبنا وماء باردا وأما تقديم ذكر
النفي على ذكر القلب فلأنه هو المقصود مع إنه أقل قيد فإن قلت المضارع إذا
نقل إلى الماضي فهل يكون حقيقة في المعنى الأول قلت لا بد أن يكون منقولا
عند تعم هو حقيقة في المعنى الثاني فإن قلت فكيف تسميه مضارعا حينئذ قلت
باعتبار قلت لا منع من الجواز لاسيما الإثبات هو الأصل في الاستعمال والنفي
فرع له كما أن الإفراد أصل والتركيب فرع له لكن الاستعمال ما تحقق فيه
فعلا ماضيا فإن قلت يكفي في تحقيق القلب اعتبار معنى المضارع فلا حاجة فيه
إلى اعتبار معنى الفعل الماضي قلت هو غير محتاج إليه من حيث التعلل لكنه
محتاج إليه من حيث يقصد تفهيم المعنى والمقصود هو الثاني فلما فرغ من بيان
الأمر المشترك بينهما أراد أن يشرع في بيان الأمر المختص بلا فقال هو
الثاني متصلا نفيه بزمان التكلم فإذا قلت لم يقم زيد يفهم منه انتفاء قيامه
في الزمان الماضي متصلا بزمان المنطوق فكذلك لم يحسن أن يقول لما يقم ثم
قام بخلاف لم لأن لما لنفي قد فعل وقد فعل إخبار عن الماضي المتصل القريب
من الحال ولم لينفي فعل فكلما تحقق نفي قد فعل وقد فعل إخبار عن الماضي
تحقق نفي فعل من غير عكس فكذلك قيل أن النفي لم يحتمل الاستمرار نحو: {ولم
أكن بدعائك رب شقيا} والانقطاع مثل {لم يكن شيئا مذكورا} فإن قلت النفي على
طبق الإثبات فينبغي أن يستمر إلى قريبة من الحال فكذا قال بعضهم أن النفي
علما اشترط استمراره إلى قريبة من الحال فقط ولا يشترط ذلك في النفي بلم
وجاز أن يقول لم يكن زيد في العامل الماضي مقيما ولم يجز أن يقول لما يكن
فيه مقيما قلت نعم لكن الاستمرار من النفي أصل فكذلك استمرار الحال فإن قلت
هل يمكن جعل استمرار النفي مدلولا لها كأصل النفي قلت ذلك بمعونة معنى
المقام سلوكا إلى طريق الاستقناع والضبط وكلام المصنف لا يخلو عن إشارة هذا
قال الزمخشري إنها النفي قد فعل وليست الاستمرار في النفي في الزمان
الماضي كله وأما ما يفهم منه ذلك من نحو عصى إبليس ربه ولما يقدم فإنها
يفهم منه بمعونة معنى المقام لا بسبب أنها وضعت له متوقعا بفتح القاف
وثبوته أي حصول الفعل كقولك لقوم ينتظرون لركوب الأمير لما يركب قوله ألا
ترى إلى آخره زيادة توضيح لما ذكر وهو من أي بمعنى أبصر كما هو المتبادر
على طريق تنزيل المقول بمنزلة المحسوس إشعارا بأن ذلك المعقول أمر محقق لا
شبهة فيه بلا احتياج إلى تأمل أو بمعنى علم أن المعنى أي معنى الآية
والمراد من معناها ههنا ما يستفاد منها في الجملة ولو بمعونة المقام أنهم
أي الكافرين لم يذوقوه أي العذاب إلى الآن أي زمن التكلم أي استمر نفي
الذوق إلى الحال وهذا بيان استمرار النفي بل إلى الحال كما أن قوله وأن
ذوقهم له أي العذاب متوقع أي متوقع ثبوته منتظر بعد الحال بيان توقع ثبوته
فإذا ذاقوه زال عنهم الشك وصدقوه مضطرين وحينئذ لا ينفعهم التصديق فإن قلت
إن الكافرين ينكرون ثبوت ذوق العذاب ولا يتوقعون فكيف قلت أن ذوقهم متوقع
ثبوته قلت التوقع أعم من أن يكون منهم أو من غيرهم والكافرون لما لم يصدقوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكوا فيه وفيما جاء به من القرآن حسدا منهم
قد اكتسبوا أسباب العذاب فكأنهم قد توقعوا ثبوت ذوق على أن منهم من يعتقده
في نفسه حقا ويقينا وإنما ينكره طغيانا وضلالا ويجوز صدق الفعل في لما دون
نحو ندم زيد ولما ولا يقال ندم زيد ولم إلا على وجه الضرورة والشذوذ.
لما فرغ من بيان الوجه الثاني من أوجهها
شرع في بيان الوجه الثالث منها بقوله ويقال فيها تارة أخرى أنها حرف
استثناء كما حكاه الخليل وسيبويه والكسائي فلا اعتبار لإنكار البعض ذلك أو
يأول بأنها لا تكون بمعناها على سبيل الحقيقة وأما أنها فيستعمل قليلا في
معناهما فإنما هو على سبيل المجاز بشهادة فحوى الكلام ومعونة المقام في نحو
{إن كل نفس لما عليها حافظ} في قراءة التشديد أي تشديد الميم فإن قلت إذا
كان حرف استثناء فأين المستثنى منه قلت هو محذوف ههنا فتقديره مثلا كل نفس
على حالة من الحالات إلا على حالة الحفظ عليها ألا ترى توبيخ لمن أنكر
كونها حرف استثناء أن المفسرين قالوا المعنى أي بمعنى الآية ما كل نفس إلا
عليها حافظ من الملائكة يحفظ أعمالها من خير وشر أو يحفظ كل نفس من
الشياطين لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: ((وكل من مائة
وستون ملكا يذبون عنه كما يذب عن مصل العسل الذباب ولو وكل العبد إلى نفسه
طرفة عين لاختطفته الشياطين)) فإن نافية وكل مبتدأ خبره ما بعد لما وعليها
متعلق بحافظ والمجموع جواب القسم وأما من قرأ بتخفيف الميم فالمعنى أن كل
نفس لما عليها حافظ فإن مخففة من الثقيلة وما في لما صلة للتوكيد واللام هي
الفارقة بين إن النافية وبين إن المخففة من الثقيلة والمجموع جواب القسم
أيضا قيل أعجب الكلمة كلمة لما أن دخل على الماضي يكون ظرفا وإن دخل على
الماضي يكون حرفا وإن دخل على غيرها يكون بمعنى إلا.
الكلمة الثالثة من الكلمات السبع
المستعملة على ثلاثة أوجه نعم بفتح العين وبكسرها وبعضهم يكسر النون اتباعا
لكسرة العين أما وجه ضبط وجوه استعمالها في الثلاثة فهو أن نعم يكون جوابا
عن كلام لفظا أو تقديرا والكلام إما خبرا أو إنشاء والإنشاء إما استفهام
أو غيره والجواب على حسب ما يجاب عنه فإن وقعت بعد الخبر فالمناسب أن تسمى
حرف تصديق وإن وقعت بعد الاستفهام فالمناسب أن تسمى حرف إعلام كما إذا وقعت
بعد طلب الفعل تسمى حرف وعد وهذا أمر تقريبي على طبق ما في الكتاب وإلا
فليس فيها أمر مانع عن تقليل وجود الاستعمال وتكثيرها فلهذا قال سيبويه
وأما نعم فحرف عدة وتصديق أي عدة في المستقبل وتصديق في الماضي فيقال فيها
حرف تصديق لدلالتها عليه إن وقعت بعد الخبر مطلقا سواء كان مثبتا أو منفيا
فمثال المثبت نحو قام زيد ومثال النفي نحو ما قام زيد فنعم في الجواب في
كلا الموضعين تدل على اعتقاد المتكلم مطابقة تسمية ذلك الخبر لما في الواقع
فإن التصديق اعتقاد تلك المطابقة فإن قلت لا شك أن نعم ههنا متعلقة بمضمون
الخبر المقدر بعدها فتدل على مطابقة تسمية ذلك الخبر للواقع فما معنى
دلالتها على ذلك الاعتقاد قلت نعم تدل أولا على تلك المطابقة وبواسطة
وبواسطتها تدل ثانيا على اعتقاد تلك المطابقة فالمعنى الأول هو المعنى
الوضعي والمعنى الثاني هو المعنى الموضوع له الكلام على حسب إفضاء المقام
فالمعتبر عند البلغاء هو المعنى الثاني كما هو الظاهر من عبارة الكتاب فقس
على هذا نظائره ويقال فيها تارة أخرى حرف إعلام لدلالتها عليه هذا شروع في
بيان الوجه الثاني من أوجه استعمالاتها إذا وقعت بعد الاستفهام سواء كان
استفهاما عن موجب أو منفي فإن قلت فهل ما ذهب إليه أبو حيان من أنها في
السؤال عن الموجب تصديق الثبوت وفي السؤال عن المنفي تصديق المنفي يكون له
وجه قلت نعم إذا نظر إلى ما بعدها من الخبر مع قطع النظر إلى كونها جوابا
عن سؤال المستفهم لكن ما ذهب إليه المصنف هو الظاهر الراجح فإن الجواب إنما
جيء به لأجل تفصيل غرض المستفهم وغرضه هو إعلام المجيب لا تصديقه فإن
كلامه إنشاء ليس محلا لتصديق مثال الموجب نحو قام زيد فيقول في جوابه نعم
ومثال المنفي نحو هل ما قام زيد فيقول نعم ويقال فيها حرف وعد لدلالتها
عليه إذا وقعت بعد الطلب أي بعد طلب فعل غير فهم فخرج به جواب الاستفهام
فإنه طلب فهم نحو أحسن إلى فلان أو إذا قال قائل أحسن إلى فلان فأنت تجيبه
بقولك نعم أحسن إليه فإن قلت قد ذهب بعض النحاة إلى أنها تكون حرف تذكير
إذا وقعت صدرا نحو نعم هذه إطلاقهم فيكون لها وجه من الاستعمال فلا تكون
وجوهها منجزة في الثلاثة قلت الظاهر أنه يجعل مندرجا تحت الوجه الأول لأنها
لا يخلو من أن يكون جوابًا كما مرت إليه الإشارة وأما التذكير المستفاد
فليس بمعناها وإنما هو مخبري الخطاب في بعض الصور الرابعة منها أي بكسر
الهمزة وسكون الياء إن وقع بعدها حرف القسم أي والله لأفعلن وأما إذا حذف
حرف القسم وبقي لفظة الجلالة فيجوز فيها ثلاثة أوجه الأول حذف يائها
لالتقاء الساكنين وهما الياء واللام فيقول: الله لأفعلن والثاني إثباتها
مفتوحة فيقول أي الله لأفعلن والثالث أبقاء يائها ساكنة فيقول أي الله
لأفعلن فتجمع الساكنين وهو جائز إذا كان الأول حرف مد والثاني مدغما وأما
أي بفتح الهمزة وسكون الياء فتارة تكون حرف نداء نحو أي زيد وأخرى تكون حرف
تفسير عند الجمهور نحو عندي غضنفر أي أسد وأما عند السكاكي فهي حرف عطف
وهي بمنزلة نعم في وجوه استعمالاتها الثلاث فيكون لتصديق المخبر ولإعلام
المستفهم ولو عد الطالب وتقع بعد نحو قام زيد وهل قام واختص إلى فلان كما
تقع نعم بعدها نفي هذا القول إشارة إلى الرد على من زعم أنها لا تجيء إلا
بعد الاستفهام لما أشار إلى الأمور المشتركة بينهما بين الأمر المختص بها
في الاستعمال بقوله نحو: {ويستفتونك} أي يستخبرونك فيقولون: {أحق هو}
الضمير عائد إلى العذاب مبتدأ خبره أحق والهمزة للاستفهام فالمبتدأ مع خبره
جملة اسمية في موضع المفعول الثاني ليستفتونك قل أمر للرسول عليه أفضل
الصلاة والسلام أي وهو حرف إعلام وواو القسم ربي بها تقديرا أي أقسم بربي
أنه أي العذاب لحق القسم مع جوابه مقول القول كما أنه جواب الاستفهام.
الكلمة الخامسة منها حتى وهي مستعملة في
الكلام على وجوه ثلاثة فأحد أوجهها أن تكون جارة إما أصالة عند بعض وأما
نيابة عن إلى عند آخر كواو القسم عن الياء فإطلاق العبارة يكون أولى من
تعيينها ومعناها جارة كمعناها عاطفة وهو انتهاء الغاية كإلى فإذا دخلت حتى
على غير الفعل لا تخلو عن معنى الغاية سواء كانت حرف جر أو عاطفة أو
ابتدائية وإذا دخلت على الفعل فإن احتمل صدر الكلام الابتداء وآخره
الانتهاء إليه تكون للغاية وإلا فإن صلح بأن يكون سببا للثاني يكون بمعنى
كي وإلا فللعطف المحض كالفاء فتدخل بالنصب عطفا له على يكون على الاسم أما
ظاهرا فقط كما هو مذهب الجمهور فامتنع دخولها على المضمر استغناء عنه بدخول
المثل عليه وأما مطلقا كما هو مذهب المبرد الصريح لا شك أن المراد من
الاسم الصريح ههنا اسم ظاهر لا يحتاج في كونها اسما إلى تأويل وتأمل كما أن
المراد من المؤول ههنا بخلافه فلا يتوجه الاعتراض بأن مقابل الصريح هو
الكناية لا المؤول كما أن مقابل المؤول هو الظاهر لا الصريح ذهنا إلى مصطلح
أهل الأصول بمعنى إلى متعلق بتدخل على أنه حال من فاعلها فائدته أنها إذا
دخلت على صريح الاسم لا ينفك عن معناها كما أشرنا إليه لكن بينهما فرق من
حيث الاستعمال فذهب الأكثر على أن المجرور بها يجب أن يكون خبره خبرا نحو
أكلت السمكة حتى رأسها أو ملاقيا لآخر خبر نحو نمت البارحة حتى الصباح ويجب
أن يكون داخلا تحت حكم ما قبلها مع كونه أرفع أو أحسن بخلاف مجرور إلى
فهذا الحكم إنما يظهر إذا كانت بمعنى الغاية وأما إذا كانت بمعنى التعليل
فلا نحو جئتك حتى تكرمني نحو حتى في قوله تعالى: {سلام هي حتى مطلع الفجر}
هو مبتدأ خبره سلام قدم عليه للتخصيص وحتى حرف جر ومطلع مجرور بها وجار
للفجر قرئ بفتح اللام وكسرها والجار مع مجرورها متعلق بسلام بشهادة صحة
المعنى ويجوز أن يتعلق بقوله: {تنزل الملائكة} قيل لا يجوز أن يكون هي
مبتدأ أو يكون حتى مطلع الفجر في موضع لأنه لا فائدة فيه أن كل ليلة على
هذه الصفة أقول لما كانت ليلة القدر اختصت من بين الليالي بفضائل كانت مظنة
تغاير حالها كحال سائرها فأخبر عنها بأنها على حال غيرها فحصل الفائدة كما
ترى ونظير هذا قول الشاعر:
وإن تفق الأنام وأنت منهم .........................
وحتى بمعنى إلى أيضا في قوله تعالى: {فتول
عنهم حتى حين} فتول فعل فاعله أنت مضمر فيه خطاب للنبي عليه أفضل الصلاة
والسلام وعنهم متعلق به وحتى حين متعلق به أيضا فمن زعم أن {حتى حين} تكون
تفسيرا لحتى مطلع الفجر بمعنى إلى وقت طلوع الفجر فقد سهى سهوا بينا وخرج
عن مقصود المتن واسم المؤول عطف الاسم الصريح من متعلق بالمؤول أن المصدرية
الناصبة للفعل المضارع حال كونها مضمرة عند سيبويه فإنه قال أنها في كمثل
هذا حرف جر والنصب بعدها بإضمار أن ومذهب الفراء أنها ناصبة بنفسها وليست
جارة والجر بعدها بنيابتها بباب كما مرت إليه الإشارة ومن الفعل المضارع
عطف على قوله من أن فحينئذ يكون تارة أي يجيء تارة بمعنى إلى فيكون حرف
غاية نحو حتى في قوله تعالى: {لن نبرح عليه} أي على العجل {عاكفين حتى يرجع
إلينا موسى} لن من النواصب ونبرح منصوب بها وهو فعل من الأفعال الناقصة
اسمه مضمر فيه خبره عاكفين وعليه متعلق بعاكفين وحتى حرف جر بمعنى إلى
ويرجع منصوب بأن مضمرة بعد حتى وإلينا متعلق بيرجع وموسى فاعله والفعل مع
فاعله ومتعلقه في تأويل مصدر مجرور بحتى والجار مع المجرور متعلق بلن نبرح
الأصل أي أصل هذا القول أن يرجع فعلم من بيان الأصل على سبيل الاستئناف أن
الفعل المضارع منصوب بأن مضمرة بعدها كما علم من التفسير على سبيل التدريج
في قوله أي إلى رجوعه أي إلى زمن رجوعه أي حتى بمعنى إلى وأن المراد من ذلك
الفعل هو المصدر وأن المضاف مقدر في ذلك المصدر لاستقامة المعنى ولعدم خلو
معنى المصدر وعن الزمان والوقت بقدر كثير المصادر نحو أتيتك حقوق النجم أي
وقت حقوق النجم حقوق الغروب وتكون أخرى بمعنى كي فتكون للتعليل قال بعضهم
أن حتى إذا استعمل في معنى كي يكون مجازا أما قول بعض المتأخرين من النحاة
أنها تكون بمعنى كي فيكون مشتركة فليس بحجة إذا لم يقل أحد من المتقدمين هو
الجزولي أنها تكون للتعليل بل قالوا أنها للغاية وأما نحو أسلمت حتى أدخل
الجنة فتقديره أسلم أي أسلمت وأبقى على إسلامي حتى أدخلها فيكون بمعنى إلى
إنما حذف أسلم للقرينة الدالة عليه وهي أن غاية الشيء آخره وآخره جزء منه
والمستقبل ليس جزءًا من الماضي فلا يكون غايته فقدر ما هو غايته والتقدير
أولى من الاشتراط فإن أصل عدم الاشتراك أقول لا شك أن التقدير أولى إن دل
عليه الكلام ويكون مقصودا ظاهرا منه لكن الأمر ههنا ليس كذلك كما لا يخفى
فالرجوع إلى الاشتراك أولى كما هو مذهب بعض وقد مر مثل هذا عن قريب فيكون
معناه كي أدخل الجنة أي أسلمت لأجل دخول الجنة وما وقع في بعض النسخ بدل
المثال المذكور نحو أسلم حتى تدخل الجنة فهو أيضا صحيح فإن الأمر سبب
الإسلام والإسلام سبب دخول الجنة والمراد من السبب ههنا ما يكون مقتضيا إلى
المسبب المقصود في الجملة وإن لم يكن مستلزما له وقد تحتملهما أي تستعمل
في كلام واحد كثيرا منفردة لكل واحد من معنى الغاية والتعليل وتستعمل فيه
قليلا محتملة لهما لصلاحية معنى اللام بحسب الاعتبارين وقد عرفت من قبل أن
الاحتمال لا يمنع التمثيل ولا الشهادة حكي في قوله تعالى: {فقاتلوا التي
تبغي} أي الطائفة التي تظلم وتتعدى بأن تعصي الله ورسوله {حتى تفيء إلى أمر
الله} أي حتى ترجع إليه الفيء الرجوع قاتل فعل أمر من باب المفاعلة فاعله
الضمير المرفوع المتصل به أعني الواو ومفعوله الموصول وحده أو مع الصلة على
ما عرفت من الاختلاف تفيء فعل فاعله ضمير مستتر فيه عائد إلى الموصول وإلى
أمر الله متعلق به والفعل مع فاعله ومتعلقه في تأويل المصدر مجرور المحل
بحتى والجار مع المجرور متعلق بقاتلوا أما تعلق الغاية وأما تعلق التعليل
فكذا فسره على سبيل الانفصال الحقيقي بقوله أي إلى أن تفيء فتكون للغاية
وهو الاحتمال الظاهر لأنه هو المناسب لسياق الآية أو كي تفيء فتكون للتعليل
وما وقع في بعض النسخ بدون حرف التفسير هو صحيح أيضا فإنه من قبيل عطف
تفسير المحل فإن قلت استعمالا وفي التفسير ينافيه لأنها للترديد والتشكيك
قلت أنها تستعمل كثيرا للتنويع بحسب معونة المقام وهذا منه على أن الإبهام
الحاصل من ملاحظة الاجتماع لا ينافي التمييز الحاصل من ملاحظة الانفراد
الذي هو منشأ التفسير لاختلاف الجهة ثم أن المصنف لما حصر استعمالها في
الوجهين إذا كانت جارة أراد أن يشير إلى رد قول من قال أنها تستعمل قليلا
بمعنى حرف استثناء منقطع لانتفاء شرط الاتصال فقال وزعم ابن هشام وابن مالك
أنها قد تكون بمعنى إلا أي تستعمل قليلا بمعنى حرف الاستثناء نحو لا أقوم
حتى تقوم فإن المعنى لا أقوم كقوله:
ليس العطاء من الفضول سماحة حتى يجود وما لديك قليل
أي ليس إعطائك من الشيء الكثير عندك سماحة
لشيء أي سخاء معتبرا إلا أن تحسن بشيء حال كونه قليلا عندك فالغرض هو الحث
على البذل من القليل فإنه أشق كما أن القليل أعز قال الله تعالى: {لن
تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} العطاء اسم بمعنى الإعطاء وهو المراد
ههنا وقد يجيء معنى العطية السماحة هو الجود وهو يستعمل بمعنى مبتدأ إفادة
ما ينبغي لن ينبغي بمعنى الإفادة والمراد ههنا هو الثاني بقرينة العطاء فإن
قلت إثبات الجود يناقض نفي السماحة لأنها نفسه قلت المراد من نفي السماحة
نفي اعتبارها لا نفي تحقيقها حتى يناقضه الإثبات كما أشرنا إليه ويجوز أن
ينفي وجود السماحة على سبيل المبالغة لغرض الاعتداد ببذل القليل والحث عليه
فإن قلت فحينئذ يحتمل على الاستثناء المتصل كما في قولك ما ضربت إلا ضربا
فبطل ما زعموا من الاستثناء المنقطع قلت الحمل عليه بعيد من جهة الاستعمال
وإن كان جائزا عقلا فعلم من هذا فساد قول من قال أن قوله حتى يجود وما لديك
قليل في تأويل المصدر ومنصوب على أنه بدل من سماحة أو مستثنى منها فإنه
خارج عن موارد استعمالها وعن قانونها فإن قلت أي القولين أولى عندك قلت ما
ذهب إليه المصنف أولى فإنه أضبط فما يظن فيه بمعنى إلا فيمكن جعلها فيه على
معنى الغاية أو على المعنى المجازي فإن قلت لم لم يجعلها المشتركة بين
المعنيين فإنه أضبط وأسلم من الاشتراك اللفظي قلت لتعذر تحقيق المعنى
المشتركة بينهما ليس فعل من الأفعال الناقصة اسمه العطاء من المفضول متعلق
بالعطاء خبره سماحة حتى حرف جر بمعنى ألا يجود فعل مضارع فاعله مستتر فيه
منصوب بأن مضمرة بعدها مفعوله محذوف الواو في قوله وما لديك واو الحال وما
اسم موصول مبتدأ وموصوف لديك جملة ظرفية صلته أوصفته خبره قليل والجملة
الاسمية حال عن مفعول تجود محذوفا بشهادة المعنى أي تجود بشيء حال كونه
قليلا عندك ويجوز أن يكون حالا عن الفاعل أو عنهما فتجود مع معموله مجرور
المحل بحتى متعلق بليس على حسب دلالة فحوى الكلام والوجه الثاني من الوجوه
الثلاثة أن تكون حرف عطف عند البصريين إذا دخلت على اسم غير نكرة فلا يجوز
قام القوم حتى رجل وأما إذا خصصت فيجوز نحو جاءني القوم حتى رجل كبير فيهم
وسبب اختصاص دخولها بالاسم أن أصلها أن يكون حرف جر وهي لا تدخل إلا على
الاسم لفظا أو تقديرا هذا وإن ظاهر المفتاح يشعر بأنها تكون لعطف جملة
فكذلك قال بعض الشارحين أن حتى في قول الشاعر:
وكنت فتى من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي
لعطف جملة صار على فارتقى والحق أنها في
أمثال هذا البيت بحرف عطف بل إنما هي حرف ابتداء يدل على التدريج فكذا جعل
المصنف الوجه الثالث أن تكون ابتداء تفيد الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه
في الحكم فيكون كلا منهما موصوفا بذلك الحكم نحو جاء الحجاج حتى المشاة
المطلق عن اعتبار زمان ذلك الحكم سواء كانا مجتمعين في زمانه أو متعاقبين
فيه فإن قلت كيف يصح اتصاف الجمع بالإطلاق مع إشعاره بتقييد ما قلت لاختلاف
جهتي القيد والإطلاق فإن كل واحد منهما مجتمع مع الآخر في اتصاف ذلك الحكم
مثلا وخال عن اعتبار قيد المعية والترتيب في زمان وقوعه فإن قلت لم لم
يعتبر الجمع المطلق فيما بين المعطوفين بدون اعتبار الحكم كما هو الظاهر
المناسب لمعناها قلت لعدم تحصل معناها بثبوت اعتباره فإن قلت قد وقع في بعض
النسخ مطلق الجمع يدل على الجمع المطلق فهل بينهما فرق من حيث المعنى
المراد قلت لا بل هو من قبيل حرف عطيفة فما وقع عن بعضهم من الفرق بينهما
فإن مطلق الجمع يتناول صورة المعية والترتيب وما هو أعم من ذلك والجمع
المطلق لا يتناول صورة المعية والترتيب على قياس الفرق بين مطلق الماهية
والماهية المطلقة فلا يناسب لهذا المقام كالواو في إفادة الجمع المطلق وإن
كان بينهما فرق زعم المصنف أنها كالواو وكما قال ابن مالك أنها لا تقتضي
ترتيبا على الأصح ومن زعم أنها تقتضي الترتيب في الزمان فقد ادعى ما لا
دليل عليه فيجوز أن يكون المعطوف بها مصاحبا ومسابقا كما يظهر ذلك في
المثال المذكور ومشأ الزعم أنه رأى حصول الحكم لما بعدها على أربعة أوجه
الأول حصوله له بعد حصوله لما قبلها نحو جاء الجيش حتى أميرهم إذا كان
الأمير آخرهم مجيئا والثاني بالعكس نحو مات كل أب لي حتى آدم والثالث حصوله
له في أثناء حصوله لما قبلها نحو مات الناس حتى الأنبياء والرابع حصوله له
مع حصوله لما قبلها نحو جاء القوم حتى خالد أن جاءوك معا ويكون خالد
أضعفهم أو أقواهم ثم اعتقد أن معنى الترتيب لا يستقيم في الوجوه الثلاثة
الأخيرة حملا للترتيب على الترتيب بحسب الخارج فقط فحكم أنها تفيد الجمع
المطلق كالواو فالصواب أن المراد من الترتيب هو الترتيب بحسب الذهن لا بحسب
الخارج فيستقيم معناه في الأوجه كلها فتقيد الجمع مع الترتيب كالفاء وثم
فإن قلت توافق ما في الذهن لما في الواقع أصل فحمل الترتيب على الترتيب
بحسب الذهن فقط خروج عن ذلك الأصل فلا يعتبر قلت لا نسلم أن التوافق أصل
مطلقا إذ بها يكون دلالة الألفاظ بحسب الأذهان فقط كما في الإنشاء والحروف
قال ابن الحاجب أنها تفيد الترتيب مع مهلة وقال الزمخشري الفاء وثم وحتى
تقتضي الترتيب وقال أهل المعاني أنها تفيد الترتيب الذهني على سبيل التدريج
فلما فرغ من بيان المشابهة بينهما أشار إلى الفرق بينهما من وجهين بقوله
إلا أن المعطوف بها أي بحتى مشروط بأمرين ليسا بشرط في المعطوف بالواو أي
تكون حتى كالواو في جميع الأحكام إلا في حكم الاشتراط أحدهما أي أحد
الأمرين الذين اشترطا فيه أن يكون أي المعطوف بها بعضا من المعطوف عليه نحو
قدم الحجاج حتى المشاة أو جزء من كل نحو أكلت السمكة حتى رأسها أو كجزء
نحو أعجبتني الجارية حتى حديثها فلأجل هذا الشرط امتنع نحو قولك أعجبتني
الجارية حتى ابنها لكن لا يلزم من هذا الامتناع امتناع قولك عجبت من القوم
حتى بنيهم لأن اسم القوم يشمل أبنائهم واسم الجارية لا يشمل ابنها والضابط
في ذلك أنها إنما يصح دخولها حيث يصح دخول حرف الاستثناء متصل وإنما يمتنع
دخولها حيث يمتنع دخولها والأمر الثاني منها أن يكون أي المعطوف بها غاية
له أي للمعطوف عليه في شيء سواء كان شرفا أو نقصانا فامتنع نحو قولك نمت
البارحة حتى نصفها لانتفاء الشرط الثاني نحو مات الناس حتى الأنبياء قد
تحقق فيها الأمران فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعض الناس وفرد له
وغاية في شرف المقدار وشرف المنزلة فإنه أشرف ما يبلغه نوع البشر من
الكمالات الإنسية والمراتب القدسية هو وصف النبوة ومرتبة النفس القدسية
وعكسه أي عكس المثال المذكور من حيث الاشتمال في غاية حسنه المقدار نحو
قولك من أدنى الناس حتى الحجامون فإنهم بعض منهم وغاية لهم في خسة المقدار
وانخفاض المرتبة فإن الحجامة أحقر صناعة عند العرب قد أتى بهذا المثال على
طريق ترك صريح التعليل لتحصيل أنهم غاية في نقصان لا يندرج تحت سمعة دائرة
البيان وإن الناس متوهمون مبرؤون عن كونهم غاية لهم لفظا ذكرا فضلا أن
يكونوا غاية لهم معنى وذكرا ثم لما ذكر مثالا لكل واحد منهما على حدة
إيضاحا لها أراد أن يجمع بينهما في قول البليغ على حسب ترتيبها استدلالا
عليهما فقال وعن قول الشاعر عطفا على مجموع المثالين مع جواز عطفه على كل
واحد منهما على انفراده قد وقع في بعض النسخ وقال الشاعر يدل قول الشاعر
فهو عطف أيضا ميلا إلى المعنى قهرناكم حتى الكماة فأنتم تهابوننا حتى بنينا
الأصاغرا أي غلبناكم في المحاربة حتى أبطالكم فإنكم لتخافون منا ومن
أبنائنا الذين لا يتصور منهم الجواب عادة قد تحقق فيه شرط العطف بها في
كلام الموضعين فإن الكماة جيء كمي من قولهم كمي فلأن شهادته إذا كتمها
والكمي الشجاع المتكمي في سلاحه لأنه كمي في نفسه أي سترها بالدرع والبيضة
وقيل جمع كام مثل قضاة وقاض لأن الكماة بعض المخاطبين وغاية لهم في القوة
والقوة البنون جمع ابن الأصاغر جمع صغير التوصيف بالصغر بما يحصل وصف غاية
الضعف فإنه مسه غاية في الضعف ومن شروط العطف بحتى أن يكون المعطوف بها
اسما ظاهرا كما أن مجرورها كذلك فكذلك امتنع عطف الجملة بها فإن شرط
معطوفها أن يكون خبرا مما قبلها أو كجزء منه فمعلوم أنه متنافي ذلك إلا في
المفردات هذا هو المذهب الصحيح فمن جوز عطف الجملة بها ذاهبا إلى أن يكون
معطوفها خبرا وفي حكمه ليس بشرط فيه وأن الاتصال بينهما من حيث السببية كاف
فيه فقد سهى فإن الاتصال من جهة السببية من كمال الاتصال وأنه يمتنع العطف
مطلقا كما قرئ في موضعه فالحق أنها إذا دخلت على جملة يكون حرف ابتداء كما
قلنا في مطلع الكلام وإذا عطف بها على المجرور أعيد الخافض فرقا بين كونها
عاطفة وبين كونها جارة نحو مررت بالقوم حتى بزيد وقيل أن إعادة الجار معها
أحسن وليست براجية وأهل الكوفة ينكرون أن تكون للعطف فيحملون نحو جاء
القوم حتى أبوك رأيتهم حتى أباك ومررت بهم حتى أبيك هذا حرف ابتداء وإن جاء
بعدها معمول بعامل مضمر يدل عليه العامل الظاهر لكن القول بالإضمار بلا
احتياج ضروري إليه غير معتد به فإن قلت قد وقع في قليل من النسخ ههنا ويقول
أعجبتني الجارية حتى كلامها لأن الكلام أي كلامها كجزئيها في كون كل منها
تابعا للغير ومستتبعا له فهل له فائدة قلت فائدته رفع اعتراض على الشرط
الأول فإن كلامها ليس بعضا سواء أريد من البعض الجزء أو الجزئي فإن قلت
فحينئذ كان الواجب عليه أن يقول أو كبعض منه تتميما له قلت إذا كان بين كل
أمر بين نوع اتصال ولأحدهما أصالة باستتباعه للآخر استغناء بالتتبع عن
الآخر كثيرا طلبا للاختصار واعتمادا على ذهن السامع ومعلوم أن الذي نحن
بصدده من هذه القبيل نعم مثل هذا محتاج إلى تنبيه كما وقع في بعض النسخ
والوجه الثالث منها أن تكون حرف ابتداء أي حرف يبتدأ بعدها محمل لا تعلق
لها بما قبلها من حيث الإعرابين وإن وجب تعلقها به من حيث المعنى نحو مرض
فلان حتى أنهم لا يرجونه فجملة أنهم لا يرجونه لا تعلق لها بما قبلها من
حيث الإعراب لكنها متعلقة به من حيث المعنى فإن المرض عدم سبب الرجى وقال
الزجاج وابن درستويه الجملة الواقعة بعدها مجرورة المحل بها فيكون حرف جر
عندهما وقد عرفت حال قولهما فيما سبق وزعم بعضهم أنها إذا دخلت على الماضي
يكون جارة فيكون أن مضمرة بعدها ليجعل ما بعدها في تأويل المصدر لا يخفى
عليك أن القول بالإضمار تكلف إذ لا حاجة إليه في تحصيل المعنى المقصود من
الكلام فإن قلت كيف تجعلها قسيما للعاطفة مع أنها عاطفة قسم ثلث قد عرفت
عنده أن المختار فعلها أنها ليست بعاطفة فما ذهب البعض من أنها عاطفة فهو
فاسد فيدخل على ثلاثة أشياء الفعل بالجر على أنه بدل ويجوز الرفع على أنه
خبر مبتدأ محذوف الماضي أي يدخل على جملة فعلية فعلها ماض نحو قوله تعالى:
{ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة} أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء
والمحنة الرجاء والسعة والصحة {حتى عفوا} أي كثروا من عفا النبات إذا كثروا
منه قوله عليه أفضل الصلاة والسلام: ((وأعفوا اللحى)) عفا فعل فاعله الواو
فالجملة الفعلية ابتدائية لا تعلق لها بما قبلها من حيث الإعراب لكنها
متعلقة به معنى وهو جملة بدلنا وقالوا عطف على جملة عفوا ويدخل على الفعل
المضارع المرفوع إذا أريد منه الحال حقيقة أو تقديرا نحو قولك سرت حتى أدخل
البلد وأنت في حالة الدخول فيكون المراد به الحال حقيقة أو في حالة
الإخبار بعد وقوع السير والدخول على سبيل الحكاية فيكون المراد منه الحال
المقدرة المحكية وأما إذا أريد منه المستقبل من حيث النظر إلى ما قبلها
سواء كان مستقبلا عند الإخبار أو لم يكن مثال الأول نحو قولك سرت حتى أدخل
البلد وأنت في حالة السير قبل حصول الدخول ومثال الثاني نحو قولك اليوم سرت
أين حتى أدخل البلد فيكون منصوبا بأن مضمرة بعدها فيكون معناها إما غاية
وإما تعليلا لا يخفى عليك أي ذلك كله شهادة فهم المراد واستقامة معنى
الكلام ونحو {وزلزلوا} أي أزعجوا إزعاجا شديدا تشبيها بالزلزلة بما أصابهم
من الأهوال والإفزاع {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه} أي مع الرسول {متى
نصر الله} في قراءة من رفع يقول وهي قراءة نافع فيكون حالا محلية والمعنى
على المضي غير عنه بالمضارع الدال على حصول مضمونه في الوقت الخاص فيكون
مجازا فإن قلت كيف يكون مجازا وقد استعمل فيما وضع له قلت لا نسلم أنه
مستعمل فيه وإنما يكون مستقلا فيه لو كان وقت حصول مضمونه وقت إلا راغبة
وهو الحال حقيقة فمعلوم أن الأمر ليس ههنا كذلك يقول فعل فاعله الرسول
والواو واو العطف الذين اسم موصول صلته آمنوا معه ظرف منصوب المحل على أنه
حال من الموصول أو صفته ويجوز أن يكون في قوة الصلة فإن الزمخشري قال في
تفسير هذه الآية حتى قال الرسول ومن معه كما يجوز أن يتعلق فيقال والموصول
مع صلته عطف على الفاء على متى ظرف مرفوع المحل على أنه خبر مبتدأ وهو نصر
الله والمبتدأ مع خبره جملة اسمية منصوبة على أنها مقول القول والقول مع
مقوله جملة فعلية ابتدائية لا تعلق لها بما قبلها من حيث الإعراب لكنها
متعلقة به من حيث المعنى فإن الزلزلة والإزعاج سبب القول وأما من قرأ
بالقول بالنصب فيكون منصوبا بأن مضمرة بعدها مستقبلا لتحقق علامة الاستقبال
تقديرا وهي أن لكن إنما هو من حيث النظر إلى وقت حصول الزلزلة لا من حيث
إلى زمان تحقق قصص ذلك علينا فحينئذ يقول مع معموله مجرور المحل بها ليكون
للغاية ويحتمل التعليل والجار مع المجرور متعلق بزلزل أو تدخل على الجملة
الاسمية كقوله:
حتى ماء دجلة أشكل
قدم بيان هذا الباب الأول وقد يكون الكلام
صالحا للوجوه الثلاثة نحو أكلت السمكة حتى رأسها فيجوز فيه الرفع والنصب
والجر أما النصب والجر فظاهر وأما الرفع فهو على تقدير أن يكون الرأي
مرفوعا على الابتداء وخبره محذوفا إلى رأسها مأكول فيكون جملة اسمية
ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
الكلمة السادسة من الكلمات السبع كلا حرف
معناها الزجر وهي بسيطة كما هو الأصل وقال ثعلب أنها مركبة من كاف التشبيه
ومن لا النافية لكن شددت لأنها لرفع توهم بقاء معنى الكلمتين ثم قال بعضهم
إنما يكون للردع فقط وهو الأحسن لأنه أضبط فيكون سائر المعاني إن ثبت
متأكدا منه بحسب معونة المقام وقال بعضهم أنها تكون لمعنيين الردع والتصديق
وهو حسن وقال المصنف أنها تستعمل على أوجه ثلاثة وهو جائز فإن قلت الوجوه
أربعة كما سيجيء قلت المختار عنده ثلاثة فلهذا استعمل في بيان الوجه الثالث
كلمة أو الدالة على أحد أمرين وأقام الدليل على ما اختاره منهما كما وقع
في بعض النسخ فيقال فيها حرف ردع وزجر وهو مذهب سيبويه وأكثر البصريين فإن
قلت الظاهر أن يكون اسم فعل بمعنى ارتدع كما كان عليك اسم فعل بمعنى الزم
فالذي يصرفه عن ذلك الظاهر قلت عدم استقبالهما بنفسها يصرفه عن ذلك بخلاف
اسما الأفعال في نحو فيقول: (ربي أهانني) الفاء فاء جواب أما يقول فعل
فاعله مستتر فيه عائد إلى الإنسان ربي مبتدأ أهان فعله فاعله مستتر فيه
عائد إلى رب رب مفعوله ياء المتكلم حذفت اكتفاء بكسرة نون الوقاية والجملة
خبره وهو مع خبره منصوب المحل على أنه مقول القول كلا كلمة تدل ههنا على
ردع الإنسان عن قول المنكر أي تفسير لمقصود عن الردع وإلا فمعنى الانتهاء
معنى الارتداع معنى الردع ولا يصح أيضا تفسير معنى الحرف بمضمون الكلام
انته فعل أمر فاعله مستتر فيه وهو أنت خطاب للإنسان عن مثال هذه المقالة
فإن الانتهاء عن نفس المقالة الواقعة غير متصور فإن قلت قد فسر بعضهم ههنا
بليس الأمر كما يظن هذا الإنسان فهل له وجه قلت نعم فإنه مناسب بمعنى الردع
ومستلزم لتفسير المصنف ويشعر بما قاله ثعلب ويقال تارة أخرى أنها حرف
تصديق بمنزلة أي ونعم وهو مذهب البصريين في نحو قوله تعالى قوله: {كلا
والقمر} أي معنى قوله تعالى معنى أي بكسر الهمزة وسكون الياء وللقسم القمر
ومجرور بها متعلق بأقسم محذوفا فإن قلت قد قال الزمخشري في تفسير هذا القول
كلا للإنكار أو للردع فهل بين كلا منهما رافع قلت هيهات ما بينهما فإن
مدار كلام المصنف ما يتبادر من ظاهر القول في مدار كلامه أساسي البلاغة
والإعجاز فلهذا كان كلامه أحسن فمن أين يجيء التدافع.
الوجه الثالث من الوجوه الثلاثة أنها قد
تكون بمعنى حقا وهو مذهب الكسائي ومن تابعه فتكون اسما ويبنى لموافقته لكلا
التي هي حرف في لفظه فيكون مشتركا بين الحرف والاسم وهذا ضعيف لأن مثل هذا
الاشتراك قليل جدا مع كونه مخالفا لأصل ونحو جاء إلى سبب تكلف بنائها أو
بمعنى إلا وهو مذهب أبي حاتم وهو بفتح الهمزة وتخفيف اللام مركبة من همزة
الاستفهام وحرف النفي فيفيد التنبيه على تحقق ما بعدها والاستفهام إذا دخل
على النفي أفاد تحقيقها وقد تدخل جملة اسمية نحو {ألا إنهم هم الفاسقون}
وعلى جملة فعلية نحو ألا قد قصدوا والنحاة سموها حرف تنبيه لدلالتها عليه
كما سموها حرف استفتاح لافتتاح الكلام بها الاستفتاحية أي المنسوبة إلى
الاستفتاح وهو استقصار إنما قيدوها بها لأنها تستعمل على خمسة أوجه الأول
الاستفتاح والثاني الإنكار والتوبيخ والثالث للتمني والرابع الاستفهام
والخامس لعرض وتخصيص كائنا على خلاف بين الكسائي وبين أبي حاتم في ذلك أي
في مجيئها بمعنى حقا أو بمعنى حرف تنبيه أو في مجيئها لمجرد الاستفتاح وهو
المناسب لترجيح المذهب الثاني والجمل لتصحيح ما نقل عن أبي حاتم من أنها
تكون للاستفتاح وبمعنى حقا {كلا لا تطعه} كلا أما بمعنى حقا أو بمعنى إلا
لا تطع فعل نهي فاعله مستتر فيه وهو أنت خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم
مفعوله ضمير منصوب متصل به عائد إلى أبي جهل فمعناه على مذهب مقتضى الكسائي
حقا لا تطعه قال معناها ههنا على مذهب الكسائي ردع لأبي جهل فقد خرج عن
مقتضى المقام وانتظام الكلام ومعناها ههنا على مذهب أبي حاتم ألا لا تطعه
فإن قلت أليس قول الزمخشري في تفسير هذا القول أحسن من قولهما قلت أحسن
وأضبط وقد مر نظير هذا آنفا ثم لما فرغ من بيان المذهبين وكان الثاني
مختارا عنده أراد أن يقوم عليه البرهان فقال والصواب الثاني أي الأول خطأ
والثاني هو الصواب وهو أن يكون لمجرد الاستفتاح لوجوب كسرة الهمزة أي همزة
أن بعدها لكونه مظنة جملة كما بعد حرف تنبيه نحو: {ألا إنهم هم الفاسقون}
ولو كانت بمعنى حقا لما كسرت بعدها لكونه مظنة مفرد كما في قولك أحق أن
زيدا قائما لا يخفى عليك أن مثل هذا الاستدلال ببعض استعمالاتها على كلية
دعويين فلا يفيد تبيينا منهما بتمامه كما ترى فالحق أن كلا منهما محتمل وأن
الثاني هو الظاهر في نحو قوله تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى} كلا حرف
بمعنى الاستفتاحية إن حرفا من الحروف المشبهة بالفعل واسمها الإنسان اللام
لام التأكيد يطغى فعل مضارع فاعله مستتر فيه عائد إلى الإنسان الجملة خبر
إن.
الكلمة السابعة منها لا من حيث هي فاندفع
الاعتراض بأن استعمالها على سبيل الزيادة هل هو من استعمالاتها الحقيقية أو
المجازية هي مستعملة على ثلاثة أوجه فتكون نافية أي فالوجه الأول منها أن
تستعمل للنفي وناهية أي الوجه الثاني منها أن تكون مستعملة على صيغة النهي
سواء كان المراد نهيا حقيقة نحو لا تضرب أو دعاء نحو رب لا تكلني إلى نفسي
طرفة عين وزائدة أي الوجه الثالث منها أن تكون مستعملة في اللام لمجرد
التقوية والتأكيد فالنافية النافية لتفصيل الأحكام كما أن الفاء الأولى في
صدر الكلام لتفصيل الوجوه والأقسام تعمل في النكرات اتفاقا وأما في المعارف
فلا تعمل عند البصريين وتعمل عند الكوفيين نحو لا زيد ولا عمرو فتقييد
العمل بالنكرة يشير إلى اختلاف في عمل المعرفة وأما يشير عملها أنه نفي جنس
لا يظهر إلا في النكرة فلهذا تسمى بلا التي لنفي الجنس عمل أن منصوب على
أنه مفعول مطلق مضاف إلى أن من حيث حكاية لفظها فيكون اسما على ما هو معهود
عندهم أي يعمل فيها لمشابهتها إياها من حيث أنها لتحقيق النفي كما أنها
لتحقيق الإثبات ومن حيث أنها للنفي كما أنها للإثبات وإن كان تخالفها من
حيث أنها لا تعمل إلا في النكرات على المذهب المنصور ومن حيث أن خبرها لا
يتقدم على اسمها ولو كان ظرفا ما دامت عاملة فيه ومن حيث يجوز عملها وتركه
إذا تكررت نحو لا حول ولا قوة بخلافها نحو أن محلا وأن مرتحلا وأن لنا محلا
وأن لنا مرتحلا فهذه المخالفة من هذه الحيثيات يقتضي فرعية عملها وإلا فلا
يخفى عليك أن ينبغي أن يكون عاملة أصالة من حيث النظر إلى فسحاب معنى
النفي في مضمون الكلام عملا كثيرا ويجوز أن يكون ظرفا بمعنى تعمل وعملها في
أكثر أوقات استعمالاتها والحاصل أنها إذا كانت لنفي الجنس كثر عملها في
النكرة وندر في المعرفة كما إذا كانت بمعنى ليس قل وإنما عمل أن فدائم ما
دامت مشددة فحصل لك ههنا أربع اعتبارات الدوام والنكرة واعتبار القلة
والندرة وأما عملها في الاسم والخبر فإنما يكون على مذهب البصريين وأما عند
الكوفيين فإنما تعمل في الاسم وحده نحو لا غلام رجل ظريف في الدار وأما
نحو لا إله إلا الله فهو سهل من حيث التمثيل لكنه مختلف فيه فإن مذهب
الأخفش والمبرد أنها مع اسمها مبني على الفتح كخمسة عشر فيكون اسمها منصوب
المحل ومذهب الكوفيين والزجاج أن حركة اسمها إعرابية فيكون منصوبا لفظا
وعدم التنوين لا ينافيها فإنه ليس من لوازم الاسم والإعراب فيجوز زواله
ومذهب قوم أنها لم تعمل فيه أصلا وهو وحده في محل رفع وخبرها محذوف أي لا
إله موجود ويكثر حذفه إذا علم وبنو تميم لا يذكرونه حينئذ وإلا حرف استثناء
والجلالة يستثنى من اسمها يدل من محله وللعطف عمل ليس قليلا لمشابهتها في
الدلالة على النفي وإن كانت مخالفة من حيث أن عملها قليل من حيث أن ذكر
خبرها قليل حتى أن الزجاج لم يظفر به فادعى أنها لا تعمل إلا في الاسم وحده
ومن حيث لا تعمل إلا في النكرة خلافا لابن جني وإنما ثبت عملها فيها على
مذهب سيبويه في الشعر لا في السعة أو الاختيار كقوله:
تغر فلا شيء على الأرض باقيا ولا وزر مما قد قضى الله واقيا
والغرض من البيت الحمل على صبر البلايا حق
الصبر على حسب الطاقة فإن شيئا من الأشياء لا يبقى على الأرض بل الأرض ومن
عليها يفنى ولا شيئا من الملجأ يحفظه مما قضاه الله عليه وحكم عليه
بالفناء تغر فعل أمر من تتغيري قال الجوهري القضاء يجيء أيضا بمعنى الصبر
فقال غريته تغرية فتغرى فاعله مستتر فيه وهو أنت عام في كل مخاطب حذف لامه
لأجل الوقف أو للجزم على اختلاف مذهبين فيه الفاء فيه تفيد معنى لام
التعليل بمعونة المقام لا عملت عمل ليس فاسمها شيء خبرها باقيا وعلى الأرض
متعلق بخبر الوزر الملجأ الاسم الثانية خبرها واقيا قوله مما قضاه الله
متعلق بقوله واقيا وبما زيدت على رب وثم للتأكيد وتغير بذلك حكمها حيث لم
تدخل إلا على الأحيان ولم يبرز من مقتضاها إلا الاسم أو الخبر فامتنع
بروزهما جميعا نحو: {لات حين مناص} أي ليس الحين حين مناص فلا بمعنى ليس
اسمها مقدر وهو الحين وحين منصوب على أنه خبرها مضاف إلى مناص وهو الخاء
هذا مذهب الخليل وسيبويه وأما عند الأخفش فإنها لنفي الجنس زيدت عليها
التاء والمعنى ولا حين مناص لهم وحين منصوب بها على أنه اسمها وخبرها محذوف
وهو لهم ترتيب أنها تجيء للعطف نحو جاء زيد لا عمرو وللجواب نحو لا في
جواب من قال هل جاء زيد ويجب تكرارها إذا دخلت على الفعل الماضي نحو لا قتل
زيد ولا ضرب ونحو (كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل) قال
الله تعالى: {فلا صدق ولا صلى} وكذلك إذا دخلت على المعرفة أو على النكرة
التي لم تعمل فيها نحو لا زيد في الدار ولا بكر ونحو لا حول ولا قوة إلا
بالله وقد تجيء معترضة بين الجار والمجرور نحو جئت بلا زاد وغضب زيد من لا
شيء فالتحقيق أن مثل هذه بمعنى غير فتكون اسما فلهذا انفك الصدارة عنها
وللعطف الثانية هذا شروع في حكم القسم الثاني يجزم الفعل المضارع المستقبل
ولا تمنن مثال النهي التمترية الواو واو العطف ولا تمنن فعل نهي مجزوم بها
فاعله مستتر فيه وهو أنت وتستكثر حال من الفاعل أي لا تعط مستكثرا وقد علم
حاله من قبل فإن قيل كيف يتوجه النهي إلى المن وهو ههنا بمعنى الإنعام أجيب
بأن معنى النهي إنما يتوجه إلى الحقيقة إلى الحال لما تقدر في موضعه من أن
النفي والنهي إنما يتوجهان إلى المقيد {فلا يسرف في القتل} مثال النهي
التحريم الفاء هي الفاء الفصيحة وهي جواب شرط محذوف عند النحاة ولا ناهية
يسرف فعل مضارع مجزوم بها فاعله مستتر فيه عائد إلى ولي المقتول في القتل
متعلق به أخرجه عن حيز الإشكال إلى موقع البيان فلا يقتل غير القاتل ولا
اثنين والقاتل واحد كان أهل زمان الجاهلية يقتلون جماعة إذا قتل واحد منهم
فكذلك قيل:
كل قتيل في كليب عرت حتى ينال القتل المبرد
وقرأ أبو مسلم صاحب الدولة فلا يسرف
بالرفع على أنه خبر في معنى الأمر وفيه مبالغة ليست في الأمر والوجه الثالث
منها أن يكون زائدة للتأكيد ولتحسين الكلام إلى غير ذلك من الاعتبارات
المناسبة لزيادتها فيكون المراد منها أن لا يتغير أصل معنى الكلام بتركها
إلا أن لا يفيد فيه أصلا فكذا قال دخولها في الكلام كخروجها في عدم تغيير
أصل المعنى نحو: {ما منعك ألا تسجد} أي أن تسجد بشهادة استقامة المعنى له
فتكون للتأكيد كما جاء أي أن تسجد بدون لا في موضع آخر من القرآن فيدل على
أن لا في قوله تعالى: {أن لا تسجد} صلة جيء بها للتأكيد، فإن القرآن يفسر
بعضه بعضًا، فيكون المعنى أي شيء منعك من السجود وقيل معناه ما دعاك إلى أن
لا تسجد فيكون للنفي ما اسم استفهام مبتدأ فإن قلت فكيف يحسن فيه
الاستفهام بدون أن يتمكن فيه الاستفهام فإن الله تعالى عالم بكل شيء وقد
علم المانع من السجود فالاستفهام لأي شيء ههنا قلتُ لا استبعاد في ذلك فإن
اسم الاستفهام ههنا ليس لتحصيل العلم حتى يتوجه ما ذكرته بل للتوبيخ
ولإظهار معاندته وكفره وكبره منع فعل فاعله مستتر فيه عائد إلى ما مفعوله
متصل به وهو خطاب لإبليس أن حرف من حروف النواصب وتسجد منصوب بها فاعله
مستتر فيه وهو أنت خطاب له أيضًا والمجموع في قوة المصدر على أنه مفعول
لمنع بتقدير من فمنع مع معموله خبر المبتدأ).
موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للشيخ: خالد بن عبد الله الأزهري
قال زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري (ت: 905هـ): (النوع الثالث: (ما جاء من الكلمات على ثلاثة أوجه)
(وهو سبع):
(إحداها): (إذ) فيقال فيها ظرف لما مضى من الزمان) غالبا، (وتدخل على الجملتين) الاسمية والفعلية فالأولى: نحو:
{ واذكروا إذ أنتم } والثانية نحو: { واذكروا إذ كنتم قليلا }
ومن غير الغالب أنها (قد تستعمل للمستقبل نحو: {فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم} (فإذا) هنا بمعنى (إذا) لأن العامل فيها فعل مستقبل.
(ويقال فيها تارة حرف مفاجأة) إذا وقعت بعد بينا أو بينما.
فالأول كقولك: بينا أنا في ضيق إذ جاء الفرج
والثاني: كقوله:
استقدر الله خيرا وارضين به = فبينما العسر إذ دارت مياسير.
وهل هي ظرف زمان أو مكان أو حرف بمعنى المفاجأة أو حرف زائد للتوكيد؟
أقوال:
ويقال فيها تارة (حرف تعليل) بالعين كقوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} أي: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب، (لأجل ظلمكم) في الدنيا.
وهل هي حرف بمنزلة لام التعليل أو ظرف والتعليل مستفاد من قوة الكلام؟ قولان.
(الثانية) من الكلمات التي جاءت على ثلاثة أوجه (لما) بفتح اللام وتشديد الميم (فيقال فيها في نحو: لما جاء زيد جاء عمرو لما حرف وجود لوجود، فوجود مجيء عمرو لوجود مجيء زيد.
وتختص بالدخول على الفعل (الماضي) على الأصح، وكونها حرفا هو مذهب سيبويه وزعم الفارسي ومتابعوه كابن جني (أنها ظرف للزمان (بمعنى حين) والمعنى في المثال: حين جاء
زيد جاء عمرو. فيقتضي مجيئهما = في زمن واحد وهو غير لازم
وتارة (يقال فيها) إذا دخلت على المضارع (في نحو: {بل لما يذوقوا عذاب} (حرف جزم لنفي) حدث (لمضارع وقلبه) أي: قلب زمنه (ماضيا نفيه) بالحال، (متوقعا ثبوته) في الاستقبال، (ألا ترى أن المعنى) في المثال (أنهم لم يذوقوه) أي العذاب (إلى الآن وأن ذوقهم له متوقع) في المستقبل. وتارة (يقال فيها: حرف استثناء) بمنزلة (إلا) الاستثنائية في لغة هذيل فإنهم يجعلون (لما) بمعنى (إلا) في نحو: قولهم: (أنشدك الله لما فعلت) كذا. (أي: ما أسألك إلا فعلك) كذا. (ومنه) أي: ومن مجيء (لما) بمعنى (إلا) قوله تعالى: {إن كل نفس لما عليها حافظ} في قراءة التشديد وهي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة وأبي جعفر، (ألا ترى أن المعنى: ما كل نفس إلا عليها حافظ).
فإن نافية ولما بمعنى إلا، (ولا التفات إلى إنكار الجوهري ذلك) حيث قال:
إن (لما) بمعنى (إلا) غير معروف في اللغة وسبقه إلى ذلك الفراء وأبو عبيدة.
وما قاله المصنف حكاه الخليل وسيبويه والكسائي ومن حفظ حجة على من لم
يحفظ، والمثبت مقدم على النافي. (الثالثة) من الكلمات التي جاءت على ثلاثة أوجه (نعم) بفتحتين (فيقال فيها: حرف تصديق، إذا وقعت بعد الخبر) المثبت (نحو: قام زيد). أو الخبر المنفي نحو: (ما قام زيد). ويقال فيها: (حرف إعلام، إذا وقعت بعد الاستفهام نحو: هل قام زيد) ويقال فيها: (حرف وعد: إذا كانت بعد الطلب) نحو: أن يقال لك: (أحسن إلى فلان)، فتقول: نعم. ومن مجيئها أيضا (للإعلام) بعد الاستفهام قوله تعالى: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم} (وهذا المعنى) وهو مجيء (نعم) للإعلام (لم ينص عليه سيبويه فإنه قال: (نعم) عدة وتصديق ولم يزد على ذلك. الكلمة (الرابعة)
مما جاء على ثلاثة أوجه: (إي) بكسر الهمزة وسكون الياء المخففة (وهي) حرف
جواب (بمنزلة نعم) فتكون لتصديق الخبر ولإعلام المستخبر ولوعد الطالب فتقع
بعد نحو: قام زيد، وما قام زيد، وهل قام زيد، واضرب زيدا.
كما تقع (نعم) بعده، هذا مقتضى التشبيه. وزعم ابن الحاجب أنها إنما تقع
بعد الاستفهام خاصة (إلا أنها) (نعم) من حيث كونها (تختص بالقسم) بعدها
(نحو) قوله تعالى: {ويستنبؤنك أحق هو قل إي وربي إنه لحق}. الكلمة (الخامسة) مما جاء على ثلاثة أوجه (حتى) (فأحد أوجهها أن تكون جارة، فتدخل على الاسم الصريح) الظاهر، فتكون بمعنى (إلى) في الدلالة على الانتهاء من الغاية، (نحو): {حتى مطلع الفجر}، {حتى حين}، وهل مجرورها داخل فيما قبلها، أو خارج عنه، أو داخل تارة وخارج أخرى؟، أقوال: ذهب سيبويه والمبرد وأبو بكر، وأبو علي إلى الأول. وذهب أبو حيان وأصحابه إلى الثاني، وذهب ثعلب وصاحب الذخائر إلى الثالث. وتدخل على الاسم المؤول من
أن، حال كونها (مضمرة) وجوبا، (ومن الفعل المضارع) وهي في ذلك على وجهين
(فتكون تارة بمعنى (إلى) نحو) قوله تعالى: {لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} التقدير
(حتى أن يرجع) بأن والفعل المضارع، (أي: إلى رجوعه)، بتأويل المصدر من أن
والفعل، (أي: زمان رجوعه)، بتقدير زمان، وذلك لأن الرجوع لابد له من زمان
يكون حصوله فيه كالفعل، إلا أن دلالة المصدر على الزمان التزامية، ودلالة
الفعل، المؤول منه المصدر، على الزمان وضعية. وتكون حتى (تارة بمعنى كي)
التعليلية، نحو قولك للكافر: (أسلم حتى تدخل الجنة) أي: كي تدخل (الجنة) أي
لأجل دخولها. (وقد) تكون (حتى) في الموضع الواحد (تحتملهما) أي: المعنيين، معنى إلى، ومعنى كي، كقوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} يحتمل أن يكون المعنى على الغاية أو التعليل (أي: إلى أن تفيء أو كي أن تفيء) والغالب أنها لا تكون لغير ذلك. (وزعم ابن هشام الخضراوي)، وتبعه (ابن مالك: أنها، أي: حتى، تكون بمعنى إلا) الاستثنائية كقوله:
ليس العطاء من الفضول سماحة = حتى تجود وما لديك قليل (أي إلا تجود و(وهو) أي: أن تجود (استثناء منقطع) لأن الجود في حالة قلة المال ليس من جنس المستثنى منه وهو العطاء في حالة الكثرة. قال الدماميني وتبعه
الشمني وتحتمل الغاية احتمالا مرجوحا بأن يكون المعنى أن انتفاء كون عطائك
معدودا من السماحة ممتدا إلى زمن عطائك في حال قلة مالك، فإذا أعطيت في تلك
الحالة تثبت سماحتك انتهى. الوجه الثاني:
من أوجه حتى، أن (تكون حرف عطف)، خلافا للكوفيين (تفيد مطلق الجمع) من غير
ترتيب ولا معية على الأصح، (كالواو في ذلك إلا أن المعطوف بها) أي: بحتى
(مشروط بأمرين: أحدهما: أن يكون بعضا) من المعطوف عليه إما حقيقة أو حكما
(كما سيأتي). والأمر الثاني: أن يكون
المعطوف بها (غاية له) أي: للمعطوف عليه كالشرف نحو قولك: (مات الناس حتى
الأنبياء. فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام) هم المعطوف بحتى، (وهم غاية
الناس في شرف المقدار) بالنسبة إلى كمالات النوع الإنساني، وعكسه كالدناءة
نحو قولك: زارني الناس حتى (الحجامون) فإن الحجامون هم المعطوف بحتى، وهم
غاية في دناءة المقدار، وكالقوة والضعف، كما قال الشاعر:
قهرناكم حتى الكماة فأنتم = تهابوننا حتى بنينا الأصاغرا فالكماة جمع كمي وهو البطل، من الكم وهو السير، لأنه يستر نفسه بالدرع والبيضة، (غاية في القوة والبنون الأصاغر غاية في الضعف). (وتقول) في البعض الحقيقي:
أكلت السمكة حتى رأسها، وفي الحكمي: (أعجبتني الجارية حتى كلامها). لأن
الكلام في عدم استقلاله بنفسه واحتياجه إليها (كجزئها) لما بينهما من
التعلق الاشتمالي. (ويمتنع) أن تقول: أعجبتني الجارية (حتى ولدها) لأن
الولد مستقل بنفسه وغير قائم بها. وفي تمثيله للثاني لف ونشر
غير مرتب (والضابط) وهو أمر كلي منطبق على جزئياته أن يقال (ما صح
استثناؤه) مما قبله على الاتصال صح (دخول حتى عليه) وما لا يصح استثناؤه
مما قبله فلا دخول (حتى) عليه، ألا ترى أنه يصح أن يقال: أعجبتني الجارية
إلا كلامها، ويمتنع إلا ولدها لعدم دخوله فيها؟ الوجه (الثالث):
من أوجه حتى (أن تكون حرف ابتداء) على الأصح (فتدخل على ثلاثة أشياء): على
الجملة الفعلية المبدوءة بالفعل (الماضي نحو) قوله تعالى: {حتى عفوا
وقالوا}. والمبدوءة بالفعل (المضارع المرفوع نحو) قوله تعالى: {وزلزلوا حتى يقول الرسول} في قراءة من رفع وهو نافع. وعلى (الجملة الاسمية) كقوله وهو جرير: فما زالت القتلى تمج دماءها = بدجلة حتى ماء دجلة أشكل وقد تقدم (وقيل: هي مع)
الجملة الفعلية المصدرة بالفعل (الماضي جارة (أن) بعدها مضمرة) والتقدير
في: حتى عفوا، حتى أن عفوا، كذا يقال ابن مالك قال المصنف في (المغني): ولا
أعرف له في ذلك سلفا وفيه تكلف من غير ضرورة انتهى. وقد مضى خلاف الزجاج وابن درستويه) في الكلام على الجملة الابتدائية. الكلمة (السادسة)
مما جاء على ثلاثة أوجه (كلا) بفتح الكاف وتشديد اللام (فيقال فيها) تارة
حرف ردع وزجر وهو قول الخليل وسيبويه وجمهور البصريين في نحو: {فيقول ربي
أهانن كلا} (أي: انته) وانزجر (عن هذه المقالة) التي هي إخبار بأن تقدير
الرزق أي تضييقه إهانة، فقد تكون كرامة ليؤديه إلى سعادة الآخرة. ويقال فيها تارة (حرف) جواب (وتصديق) بمنزلة إي: بكسر الهمزة وسكون الياء، وهو قول الفراء والنضر بن شميل في نحو: {كلا والقمر}، والمعنى إي والقمر. ويقال فيها حرف (بمعنى حقا) أو بمعنى (ألا)، بفتح الهمزة واللام المخففة، (الاستفتاحية على خلاف في ذلك نحو: {كلا لا تطعه} فالمعنى على الأول: حقا لا تطعه وهو قول الكسائي وابن الأنباري ومن وافقهما. وعلى الثاني: ألا لا تطعه
وهو قول أبي حاتم والزجاج، (والصواب الثاني) وهي أنها للاستفتاح (لكسر
الهمزة) من (إن) بعدها في نحو: {كلا إن الإنسان ليطغى} كما تكسر بعد
الاستفتاحية في نحو: {ألا إن أولياء} ولو كانت بمعنى (حقا) لفتحت الهمزة بعدها كما تفتح بعد (حقا) كقوله: أحقا أن جيرتنا استقلوا بفتح الهمزة، ويدفع بأنه إنما لم تفتح همزة إن بعد (كلا) إذا كانت بمعنى (حقا) لأنها حرف لا يصلح للخبرية صلاحية (حقا) لها. الكلمة (السابعة) مما جاء على ثلاثة أوجه ( (لا) تكون) تارة (نافية) وتارة (ناهية) وتارة (زائدة). فالنافية تعمل في النكرات
عمل إن (كثيرا) فتنصب الاسم وترفع الخبر إذا أريد بها نفي الجنس على سبيل
التنصيص نحو: (لا إله إلا الله) فإله اسمها وخبرها محذوف تقديره لنا ونحوه. وتعمل (عمل ليس قليلا) فترفع الاسم وتنصب الخبر إذا أريد بها نفي الجنس على سبيل الظهور أو أريد بها نفي الواحد فالأول كقوله: تعز فلا شيء على الأرض باقيا = ولا وزر مما قضى الله واقيا
والثاني كقولك: لا رجل قائما بل رجلان.
(والناهية تجزم) الفعل المضارع سواء أسند إلى مخاطب أو غائب فالأول نحو: {ولا تمش} والثاني نحو: {فلا يسرف في القتل} ويقل إسناده للمتكلم مبنيا للمفعول نحو: (لا أخرج، ولا تخرج، ويندر جدا في المبني للفاعل. والفرق بين النافية
والناهية من حيث اللفظ، اختصاص الناهية بالمضارع وجزمه بخلاف النافية. ومن
حيث المعنى إن الكلام مع الناهية طلبي، ومع النافية خبري. (والزائدة) التي
(دخولها) في الكلام (كخروجها) وفائدتها التقوية والتوكيد نحو: {ما منعك أن لا تسجد} في سورة الأعراف، (أي: أن تسجد، كما جاء) {أن تسجد} بدون لا، مصرحا به (في موضع آخر) في سورة (ص) ).