الدروس
course cover
النوع الخامس: ما يأتي على خمسة أوجه
14 Jan 2010
14 Jan 2010

5521

0

0

course cover
قواعد الإعراب

القسم الثالث

النوع الخامس: ما يأتي على خمسة أوجه
14 Jan 2010
14 Jan 2010

14 Jan 2010

5521

0

0


0

0

0

0

0

النوع الخامس: ما يأتي على خمسة أوجه

قال أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري (ت:761هـ): (النوع الخامس: ما يأتي على خمسة أوجه
وهو شيئان: أحدهما: (أي)، فتقع شرطية، نحو: {أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي}.
واستفهامية، نحو: {أيكم زادته هذه إيمانا}.
وموصلة،ـ خلافا لثعلب ـ نحو: {لننزعن من كل شيعة أيهم أشد} أي: الذي هو أشد، قاله سيبويه ومن تابعه. وقال من رأى أن الموصولة لا تبنى: هي هنا استفهامية مبتدأ، (وأشد) خبره.
ودالة على معنى الكمال، فتقع صفة لنكرة، نحو: هذا رجل أي (رجل)، أي هذا رجل كامل في صفات الرجال. وحالاً للمعرفة، نحو: مررت بعبد الله أي رجل.
ووصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام، نحو: {يا أيها الإنسان}.
الثانية: (لو)، فأحد أوجهها أن تكون حرف شرط في الماضي ـ وهذا هو أغلب أقسامها - فيقال فيها: حرف يقتضي امتناع ما يليه، - واستلزامه لتاليه، نحو: {ولو شئنا لرفعناه بها} فلو ههنا دالة على أمرين: أحدهما: أن مشيئة الله تعالى لرفع هذا المنسلخ منتفية، ويلزم من هذا أن يكون رفعه منتفيا، إذ لا سبب لرفعه إلا المشيئة، وقد انتفت.
وهذا بخلاف: (لو لم يخف الله لم يعصه)، لأنه لا يلزم من انتقاء (لم يخف) انتقاء (لم يعص) حتى يكون قد خاف وعصى، وذلك لأن انتفاء العصيان له سببان: خوف العقاب، وهي طريق العوام، والإجلال والإعظام، وهي طريق الخواص. والمراد أن صهيبا رضي الله عنه من هذا القسم، وأنه لو قدر خلوه عن الخوف لم يقع منه معصية، فكيف والخوف حاصل له.
ومن هنا يتبين فساد قول المعربين: أن (لو) حرف امتناع لامتناع. والصواب أنها لا تعرض لها إلى امتناع الجواب، ولا إلى ثبوته، وإنما لها تعرض لامتناع الشرط، فإن لم يكن للجواب سبب سوى ذلك الشرط لزم من انتفائه انتفاؤه، نحو: لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا.
وإن كان له سبب آخر لم يلزم من انتفائه انتفاء الجواب، ولا ثبوته، نحو: لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودا، ومنه: (لو لم يخف الله لم يعصه).
الأمر الثاني مما دلت عليه (لو) في المثال المذكور أن ثبوت المشيئة مستلزم لثبوت الرفع ضرورة، لأن المشيئة سبب، والرفع مسبب وهذان المعنيان قد تضمنتهما العبارة المذكورة.
الثاني : أن قد تكون حرف شرط في المستقبل، فيقال فيها: حرف شرط مرادف لـ (إن) إلا أنها لا تجزم، كقوله تعالى: {وليخش الذين لو تركوا}. أي : إن تركوا، أي: شارفوا أن يتركوا. وقول الشاعر :

ولو تلتقـي أصداؤنـا بعد مـوتنا = ومن دون رمسينا من الأرض سبسب
لظل صدى صوتي وإن كنت رمة = لصـوت صدى ليلى يهش ويطـرب

الثالث: أن تكون حرفا مصدريا مرادفا لـ (أن)، إلا أنها لا تنصب، وأكثر وقوعها بعد (ود) نحو: {ودوا لو تدهن} أو (يود) نحو: {يود أحدهم لو يعمر}. وأكثرهم لا يثبت هذا القسم، ويخرج الآية ونحوها على حذف مفعول الفعل قبلها، والجواب بعدها، أي: يود أحدهم التعمير لو يعمر ألف سنة لسره ذلك.
الرابع: أن تكون للتمني بمنزلة (ليت)، إلا أنها لا تنصب ولا ترفع، نحو: {فلو أن لنا كرة}، أي: فليت لنا كرة، قيل: ولهذا نصب (فتكون) في جوابها، كما انتصب {فأفوز} في جواب {ليت} في قوله تعالى: {يا ليتني كنت معهم فأفوز}. ولا دليل في هذا، لجواز أن يكون النصب في {فأفوز} مثله في قوله:

ولبس عباءة وتقر عيني = أحب إلي من لبس الشفوف

وقوله تعالى: {أو يرسل رسولا}.
الخامس: أن تكون للعرض، نحو: لو تنزل عندنا فتصيب راحة، ذكره في (التسهيل).
وذكر لها ابن هشام اللخمي معنى آخر، وهو أن تكون للتقليل، نحو: ((تصدقوا ولو بظلف محرق))، ((واتقوا النار ولو بشق تمرة)) ).

هيئة الإشراف

#2

14 Jan 2010

نظم قواعد الإعراب لابن ظهيرة المكي

قال جمال الدين محمد بن عبد الله ابن ظهيرة المكي (ت: ٨١٧ هـ): (

أيْ علـى مَعْـنَـى الكَـمَـالِ دَلَّــتْ ... مَوْصُولَـةٌ للـشَّـرْطِ  قَــدْ  تَـوَلَّـتْ
مُسْتَفْـهَـمٌ بِـهَـا ووُصْـلَـةٌ  إِلَــى
... نِـدَاءِ لَفْـظٍ مَــا بِــهِ أَلْ وُصِــلا
كَـذَا فـي الاسْتِفْهـامِ حَـرْفُ شَــرْطِ
... مُــرَادِفٌ لأنْ فـحَـقِّـقْ  ضَـبْــطِ
وبَعْـدَ وَدَّ لَــوْ فَـحَـرْفُ  مَـصْـدَرِ
... مُـرَادِفٌ لأَنْ ولَـكِـنْ قَــدْ عَــرِي
مِـنْ نَـصْـبٍ أو جَــزْمٍ  وللتَّمَـنِّـي
... والعَـرْضِ والتَّحْضيـضِ يـاذَا الـذِّهْـنِ).

هيئة الإشراف

#3

14 Jan 2010

شرح قواعد الإعراب للعلامة: محمد بن سليمان الكافيجي

قال محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي  (ت: 879هـ): (النوع الخامس من الأنواع الثمانية ما يأتي أي ما يستعمل في الكلام على خمسة أوجه وهو: أي المستعمل عليها شيئان أي هو نوع منحصر في صفتين بلا استقراء أحدهما أي أحد الشيئين أي وهو بفتح الهمزة وتشديد الياء لكن المصنف لم يقيده بذلك لكونه بعيدًا أو بيان الوجوه لا بيان التعريف واكتفى بما يبين حالة من بعد وهو بحسب ما يضاف إليه دائمًا فإن أضيف إلى ظرف مكان كان ظرف مكان نحو أي مكان تجلس أجلس معك. وإن أضيف إلى ظرف زمان كان ظرف زمان، وإن أضيف إلى مفعول به كان مفعولاً به أو إلى مصدر يكون مصدرًا فالأول أن تكون شرطية كان نحو: {أيما الأجلين قضيت} المعنى أي الأجل وفيتك منهما سواء كان أطولهما الذي هو العشر أو أقصرهما الذي هو الثماني: فلا عدوان عليَّ} المعنى لا تعتدي علي في طلب الزيادة عليه فأي اسم متضمن لمعنى الشرط مضاف لأجلين منصوب على أنه مفعول لقضى وما زائدة بين المضاف والمضاف إليه للتأكيد وفاعله الضمير المتصل به وهو فعل الشرط والفاء فاء جواب الشرط ولا عدوان عليَّ جملة اسمية جزاؤه والوجه الثاني من وجوه الاستعمال أن تكون استفهامية نحو: {أيكم زادته هذه إيمانًا} فأي اسم متضمن لمعنى الاستفهام مرفوع بالابتداء وزاد فعل مفعوله الأول متصل به عائد إلى المبتدأ والتاء تاء تأنيث فاعله هو؛ هذه إشارة إلى السورة وإيمانًا منصوب على أنه المفعول الثاني والجملة خبر المبتدأ وكذا هي اسم متضمن للاستفهام على قراءة النصب فلهذا أطلق المثال ولم يقيده بقوله في قراءة الرفع قيده في غير هذا المحل فإن قلت منصوب بماذا قلتُ بفعل مضمر يفسره ما بعده كأنه قيل أيكم زادت زادته والوجه الثالث فيها أن تقع موصولة كالذي نحو أي في قوله تعالى: {ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا} ثم للعطف على جواب القسم واللام للتأكيد المعطوف على جواب القسم وننزع فعل فاعله مستتر فيه وهو نحن؛ والنون للتأكيد أيضًا ومن حرف جر وكل مجرور بها مضاف إلى شيعة والجار مع المجرور متعلق به وأي اسم موصول مضاف إلى الضمير وهو هم؛ وأشد أفعل التفضيل مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف والمبتدأ مع خبره جملة اسمية صلة الموصول فأشار إلى جميع ما ذكر بقوله أي الذي هو أشد، وعلى الرحمن متعلق بأشد أو بمحذوف يفسره عتيَّا لأن المشهور أن معمول المصدر لا يتقدم عليه والأظهر أنه متعلق بعتيا لأن معمول المصدر يجوز أن يتقدم عليه إذا كان ظرفًا أو شبهه قال الله تعالى: {فلما بلغ معه السعي} {ولا تأخذكم بهما رأفة} وعتيًا منصوب على التمييز العامل فيه أشد أصله عتوو على وزن فعوو فأبدلت ضمة ما قبل الواو الأولى كسرة طلبًا للخفة فقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثم قلبت الواو الثانية ياء لاجتماع الواو والياء مع سبق الياء عليها بالسكون فأدغم الياء فصار عتيًا بكسر العين أيضًا اتباع حركتها لحركة التاء والموصول مع صلته منصوب المحل على أنه مفعول ننزع ولما فرغ من بيان دعوى الموصولية وأراد أن ينسبها إلى إمام ثقة من النحاة استحكامًا لما ادعاه أشار إلى هذا بقوله قاله سيبويه أي قال أي اسم موصول مبني على الضم لكونه بمعنى الذي وإذا أعرب يكون محمولاً على كل وبعض للزوم الإضافة فإذا حذف صدر صلته أعيد البناء إليه كما في قوله تعالى: {أيهم أشد} فإن قلت لا استبعاد في ذلك لكونه كيف يقع الضمير المنصوب بعد القول والواقع بعده تكون جملة فكذا تكثر أن بعده قلتُ لا استبعاد في ذلك لكونه راجعًا إلى المذكور فيه الجملة ثم لما قصد زيادة ترغيب فيما اختاره فكذا اختار ههنا تابع على تبع يقال تابع الرجل عمله إذا أتقنه وأحكمه ويقال تبع الرجل القوم إذا مشى خلفهم أشار إليه بقوله وللعطف على سيبويه من تابعه تابع فعل فاعله مستتر فيه عائد إلى من مفعوله ضمير منصوب متصل به عائد إلى سيبويه وقال الخليل ويونس أي ههنا اسم تتضمن لمعنى حرف الاستفهام معرب بالرفع على أنه مبتدأ خبره أشد لكن الخليل بقوله الجملة منصوبة المحل على أنها مقولة لقول مقدر كأنه قيل لنزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد ويونس يقول المجموع منصوب المحل على أنه متعلق به ننزع معنى من جهة المفعولية وإن لم يعمل فيه لفظًا على ما هو شأن التعليق فإن قلت فلم صح التعليق ههنا مع أنه ليس من أفعال القلوب قلتُ تتضمن النزع ههنا بمعنى التمييز اللازم للعلم على أن التعليق ليس بمختص بها عنده بل يعم جميع الأفعال على ما عرفت والأظهر ههنا قول يونس لخلوه عن ارتكاب محذور ولتبادر الذهن إليه.
وقال الأخفش ههنا أيضًا ما قاله الخليل ويونس لكنه يقول كل شيعة مفعول ننزع فيكون من فيه زيادة في المثبت على ما هو مذهبه فجملة أيهم أشد لا تتعلق به بل تكون مستأنفة لا يخفى عليك أن قوله ههنا ليس بقوي لخلوه عن رعاية حقوق النظم الظاهر وأما قول ثعلب من أن أي لا تكون موصولة أصلاً ولا تكون إلا شرطية أو استفهامية فمردود بشيوع استعمالها في غيرهما في كلام الفصحاء.
والوجه الرابع أن تكون دالة على معنى الكمال وينحصر استعمالها في وجهين بالاستقراء أحدهما أن تقع صفة لنكرة مذكورة غالبًا نحو هذا رجل أي رجل هذا مبتدأ، ورجل خبره، وأي صفة مضافة إلى رجل فإن قلت فلم لم يقل وتقع صفة لمعرفة إذا أضيفت إلى معرفة قلتُ لعدم ظهور معنى الكمال حينئذ كقولك مررت بالرجل أي الرجل مثلاً ثم إنه لا يخلو من أن يكون مضافًا إلى مشتق أو غير مشتق فإن أضيف إلى الأول يكون الغرض من التوصيف المدح به خاصة إذا كان مما يمكن المدح به وإن أضيف الثاني يكون المقصود منه الثناء بكل وصف يمكن أن يثنى به فأشار إلى الثاني بقوله أي هذا رجل كامل في صفات الرجال من الكمالات الإنسانية سواء كانت علمية أو عملية أو غيرهما وثانيهما أن تقع حالاً لمعرفة كمررت بعبد الله أي فرجل أي كاملاً في صفات الرجولية.
والوجه الخامس أن تكون وصلة ووسيلة إلى نداء ما فيه أل التعريفية لامتناع اجتماع التي للتعريف وإن حرف النداء يكون للتعريف عند القصد أيضًا في السبعة عند البصريين خلافًا للكوفيين وإنما نص على أل إشعارًا بأن امتناع الاجتماع إنما يتصور في صورة آلة التعريف لا في المعرفة نحو يا زيد وإنما لم يقل ههنا أل الجنسية كما قال من قبل إشارة إلى ما قالوا من أن آل في نحو يا أيها الرجل لتعريف الجنس قبل دخول أي وبعد دخوله يكون للحضور كما يكون كذلك بعد اسم الإشارة نحو يا أيها الإنسان يا حرف نداء، وأي اسم مفرد مبهم مبني على الضم، وهاء حرف تنبيه عرض من المضاف إليه، والإنسان مرفوع حتمًا صفته وأجاز المازري نصب وصفه حملاً على محله لأن المنادي مفعول به معنى فما نقل عن الأخفش من أن نحو يا أيها الرجل موصول حذف صدر صلته وهو العائد إليه كأنه قيل يا من هو الرجل فليس بشيء لأنه تمحل صرف ولأنه لو صح ما نقل عنه لجاز أن يظهر المبتدأ ههنا وأن يوصل بأي جملة كانت سواء كانت فعلية أو ظرفية وأما ما أجازه من أنه يكون موصوفًا نحو مررت بأي معجب لك كما يقال مررت بمن معجب لك فمردود أيضًا لأنه غير مسموع من العرب ولأنه لا يستعمل إلا مضافًا إلا في النداء والاستخبار بالاستقراء أما النداء فنحو قولك يا أيها الرجل وأما الاستخبار فنحو قولك أي لمن قال لك جاءني رجل وهذا ليس منهما كما ترى.
ثم لما فرغ من بيان أحد الشيئين الذي هو اسم أراد أن يشرع في ثانيهما الذي هو حرف فكذا قدم ذلك على هذا فقال الثانية من الكلمتين المستعملتين على الوجوه الخمسة فإن قلت كان المناسب لقوله أحدهما أن يقول ههنا ثانيهما فلم ترك هنا قلتُ للتعليم بأن الحرف يذكر ويؤنث فإن أوَّل باللفظ يكون مذكراً وإن أوَّل بالكلمة يكون مؤنثاً وللتنبيه على أن لو من الكلمات التي وضع الباب الثالث لتفسيرها لو لها وجوه خمسة فأحد أوجهها أن تكون حرف شرط أي حرف تستعمل لتدل على تحقق مضمون جوابها على تحقق مضمون شرطها في الزمان الماضي كان في المستقبل فلو تغير ثلاثة أمور في نحو قولك لو جاءني زيد أكرمته الأول تعليق الثاني بالأول والثاني تقييدهما بالزمن الماضي والثالث الامتناع لكن اختلف في الثالث فقال الشلوبين أنها لا تدل على امتناع أصلاً لا على امتناع الشرط ولا على امتناع الجواب فإن أراد بعدم دلالتها عليه أنها لا تدل عليه لا بحسب الوضع فالحق ما ذكره وإن أراد به أنها لا تدل عليه بحسب الوضع له ولا بحسب التضمن والالتزام فقوله باطل بلا شك فإن التعليق على الوجه المذكور يقتضي ذلك فيدل عليه بالالتزام وقال أكثر النحاة أنها تدل على امتناعهما جميعاً بفحوى الخطاب ولم تدل عليه بحسب المنطوق والوضع وهذا هو الحق عندي وقال البعض أنها تدل على امتناع الشرط وحده ولا يتعرض للجواب من جهة النفي وهذا ليس بشيء فإن جل نظرهم مقصور على ظاهر اللفظ الذي يليها لا يصل إلى درك معنى الكلام ثم لما كان هذه الأقوال في دلالتها على الامتناع مختلفة غير ظاهرة وكان المختار عنده هو القول الأخير أشار إليه على سبيل البيان والتفريع بقوله فيقال فيها حرف يقتضي إذا كان للشرط امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه كأنه قال لو إذا كانت للشرط تدل على امتناع فعل الشرط وعلى استلزام فعل الشرط لجوابه من غير تعرض للدلالة على نفي جوابه وأنت تعلم أن تعليق حصول الجواب المقدر في الماضي على حصول الشرط المقدر فيه يقتضي بالضرورة امتناع ذلك الجواب كما يقتضي امتناع الشرط يقتضي فعل فاعله مستتر فيه عائد إلى حرف وامتناع مفعوله مضاف إلى ما هو موصول ويلي فعل فاعله مستتر فيه عائد إلى الموصول ومفعوله الضمير المنصوب المتصل به العائد إلى الحرف أيضاً والجملة صلته والواو للعطف واستلزام منصوب معطوف على امتناع مضاف يقتضي فعل فاعله إلى الضمير المجرور العائد إلى الموصول واللام متعلق باستلزام وتاليه مجرور به مضاف إلى الضمير العائد إلى الموصول أيضاً والفعل مع متعلقه مرفوع المحل على أنه صفة حرف فحاصل هذه القاعدة أنها تدل على سببية الأولى ومسببية الثاني وتدل على انتفاء الأول فقط وأمَّا انتفاء الثاني فيلزم من انتفاء الأول إن لم يكن للثاني سبب غير الأول وإن كان له سبب غيره لا يلزم منه انتفاؤه نحو لو في قوله تعالى: {ولو شئنا لرفعناه} إلى منازل الأبرار من العلماء بها أي سبب تلك الآيات وملازمتها الواو ههنا للعطف ولو حرف شرط وشئنا فعل الشرط فاعله نا ومفعوله الضمير المنصوب المتصل به العائد إلى بلعم بن باعوراء والباء حرف جر وها ضمير مجرور عائد إلى الآيات والجار مع المجرور متعلق به ثم لما حقق ذلك الأصل وبينه فرع عليه لزيادة الإيضاح بقوله فلو ههنا أي في قوله تعالى: {ولو شئنا لرفعناه بها} دالة على أمرين فإن قلت الدلالة على استلزام الأول الثاني متقدمة على الدلالة على الامتناع فلو عكس الترتيب كما أشرنا إليه آنفاً قلتُ الاستمال الدلالة على الامتناع على زيادة دقة وتأمل فالإشارة إلى هذه النكتة قال أحدهما ولم يقل أوَّلهما أن مشيئة الله تعالى لرفع هذا المنسلخ اللام حرف جر ورفع مجرور بها وهو مصدر مضاف إلى مفعوله وهو هذا والمنسلخ صفته والجار مع المجرور متعلق بالمشيئة والمنسلخ اسم فاعل من انسلخ يقال انسلخ الرجل من ثيابه إذا خرج منها والمراد من المنسلخ ههنا بلعم بن باعوراء قد انسلخ من آيات الله بأن كفر بها ونبذها وراء ظهره منتفية فهي هنا إشارة أن المراد من الامتناع في باب لو هو الانتفاء مقابل الثبوت لا الامتناع مقابل الوجوب والإمكان فحاصل ما ذكر أن لو ههنا تدل على انتفاء الشرط ولا تدل على انتفاء الجواب لكن يلزم هنا أي من انتفاء الشرط وهو المشيئة أن يكون رفعه أي رفع اللَّه للمنسلخ أي رفع المنسلخ ففي الأول مصدر مضاف إلى فاعله وذكر المفعول متروك وفي الثاني بالعكس منتفياً فإن قلت فالمناسب لما ذكر أن يقول يلزم من هذا انتفاؤه فلم أطنب هذا الكلام وأدخل عليه الكون الدال على الثبوت والدوام قلت للإيضاح والتقدير قوله إذ لا سبب إلى آخره إشارة إلى بيان الملازمة ففيه إشعار بأن فعل الشرط يطلق عليه السبب عند النحاة لرفعه الجار مع المجرور في محل الرفع على الخبرية وأمَّا حال إن وقع المصدر فعلى ما ذكر إلا المشيئة المخصوصة أي مشيئة الله للرفع الأحرف استثناء والمشيئة مستثنى والمستثنى منه سبب فالمستثنى ههنا يختار فيه الرفع على البدلية ويجوز النصب على الاستثناء والحال قد انتفت أي المشيئة المذكورة في الواقع وإن كانت سبباً له على سبيل الغرض والتقدير فكأنه قال يلزم من هذا انتفاء الرفع لانتفاء سبب ثبوته المحصر في تلك المشيئة.
ثم لما فرغ من بيان لزوم انتفاء سبب للانتفاء سببه إذا لم يكن معه سبب آخر وأراد أن يبين عدم لزوم انتفائه لانتفاء سببه إذا كان معه سبب آخر أشار إلى هذا أولاً بقوله وهذا الذي ذكرنا ههنا من لزوم انتفاء المسبب لانتفاء ذلك السبب خلاف ما فهم من قول الرسول عليه أفضل الصَّلاة والسلام: ((نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه)) الغرض منه المدح بأنه لا يعص دائماً سواء وجد الخوف أو لم يوجد نعم فعل المدح والعبد فاعله وصهيب مخصوص بالمدح ولو حرف شرط ولم حرف جزم ويخف فعل الشرط مجزوم بها فكسر لأجل التقاء الساكنين فاعله مستتر فيه عائد إلى صهيب واللَّه منصوب على المفعوليَّة ولم حرف جزم ويعص جزاء الشرط فاعله مستتر فيه عائد إليه أيضاً حذف منه لام الفعل لأجل علامة الجزم فإن قلت هل لقوله عليه الصلاة والسَّلام: ((لو لم يخف اللَّه لم يعصه)) تعلق بقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: ((نعم العبد صهيب)) قلت له تعلق به على سبيل التفسير بعد الإجمال والخصوص بعد العموم فإن قلت فالخاص قاصر عن إحاطة العام فبم صلح لأن يكون تفسيراً له قلتُ صلح له باشتمال استمرار عدم العصيان على جميع صفات المدح والكمالات ثم أشار إلى الدليل على ذلك بقوله لأنه أي الشأن لا يلزم ههنا من انتفاء لو لم يخف أي من انتفاء السبب انتفاء لم يعص أي انتفاء المسبب لتحقق سبب آخر يقتضيه كما لزم هناك على ما عرفت قوله حتى يكون أي معنى لو لم يخف الله لم يعصه بمعنى خاف وعصى على سبيل اللفَّ والنشر المرتب كما في قوله:
فعل المدام ولونها ومذاقها من مقلتيه ووجنتيه وريقه
غاية مسببة عن اللزوم المنفي لا عن النفي فكأنه قال لو لزم من انتفاء عدم الخوف انتفاء عدم العصيان لوجب أن يكون معنى لو لم يخف معنى خاف ومعنى لم يعص معنى عصى لكن هذا ينافي غرض المدح بعدم العصيان دائماً وللاعتراض ذَلِكَ أي بيان عدم ذلك اللزوم لانتفاء العصيان له أي لانتفائه سبَبَان فإن قلت له سبب غيرهما كالمعصية وغيرها فلا ينحصر سبب انتفائه فيها قلت ليس المراد منه حصر سببه فيهما حتى يتوجه ما ذكرته وإنما المراد منه حصره فيهما من حيث النظر إلى ظاهر حال الفريقين كما يشعر به الكلام الآتي أولهما خوف العقاب بمعنى خوف من عقاب الله وإن كان من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول به بحسب الظاهر وللاعتراض أيضاً إذ لا يظهر فيه ههنا معنى العطف ولا معنى الحال هي أي خوف العقاب فالتأنيث باعتبار الجر طريق العوام فإن عادة أكثر الناس في الطاعة وترك المعاصي خوف العقاب حتى إذا لم يخافوا لا يطيعون وللعطف ثانيهما الإجلال أي إجلال ذاته وشأنه والإعظام أي اعتقاد عظمتهُ والإتيان بموجب أمره ونهيه وهي أي المذكورة مفهماً طريق الخواص.
ثم لما فرغ عن بيان السبب وأراد أن يبين فائدة استعمال لو ههنا إذ لا يستقيم أن يكون الغرض من استعمالها الدلالة على امتناع الشرط كما في قوله تعالى: {ولو شيئنا لرفعناه بها} أشار إلى هذا بقوله والمراد من استعمال لو في قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: ((لو لم يخف الله لم يعصه)) هو الإشارة إلى أن صهيباً رضي الله عنه من هذا القسم أي من الخواص الذين هم أهل الرغبة والرهبة لكن ينبغي أن لا يقع منهم عصيان لأجل إجلالهم ورغبتهم كما هو المناسب لشأنهم ورفعاً لمنزلتهم عن مرتبة العوام فقول من قال المراد أنهم لا يعصون للإجلال مع عدم خوفهم من العذاب بعيد من أمر الكلام كما ترى وإلى أنه أي صهيباً لو قدر أي فرض خلوه أي صهيب من الخوف متعلق بالخُلو لم يقع منه أي من صهيب معصية أصلاً للإجلال والتعظيم فكيف يقع منه والخوف حاصل له أي لصهيب فإن العبد بين الخوف والرجاء والمخلصون على خطر عظيم ولا يخفى عليك أن امتناع الجواب إنما هو على كونها شرطية وعلى اعتبار تعلق تحقق مضمون الجزاء يتحقق مضمون الشرط فقط فلو ههنا ليست كذلك فلا ينافي ما ذكر من الأصل بل هي شرطية نزل على أن الجواب دائم التحقيق على جميع التقادير في قصد المتكلم وإذا كان الشرط يستبعد استلزامه كذلك الجواب وكان يقتضي ذلك الشرط أليق باستلزام ذلك فيلزم استمرار وجود الجواب على تقدير وجود الشرط وعدمه فيكون لازم التحقيق سواء كان الشرط والجواب مثبتين أو منتفيين أو بالعكس فمثال الأول لو لم أهنتني لأثنيت عليك ومثال الثاني ((لو لم يخف الله لم يعصه)) ومثال الثالث لو لم يختص إلى كريم لأكرمتك ومثال الرابع نحو لو لم أحسنت إلى حليم لم يكرمك فظهر مما ذكر أن قول من قال أن لو ههنا بمعنى أن وأن إذا دخلت على منفيين فلا تجعلهم مثبتين فلا يلزم المحذور ليس بظاهر بل هو صرف الكلام عن المقصود بلا احتياج إليه وأما قول من قال أن لو ههنا للدلالة على ارتباط الجواب بالشرط فقط بدون التعرض لامتناع الجواب فهو في الحقيقة راجع إلى ما ذكرناه وللعطف على مقدر كأنه قال قد ظهر لك مما حققناه ههنا أن لو إذا كانت شرطية فالحق أنها إنما تدل على امتناع الشرط فقط وأن امتناع الجواب لازم منه إن اتحد سببه وإلا فلا. من هنا أي من بيان أنها إذا كانت شرطية تدل على امتناع الشرط وحده وأن امتناع الجواب إنما يلزم منه إذا لم يكن له سبب غيره تبين أي وظهر لك أيضاً منه فساد قول المعرض أي فساد قول أكثر النحاة على سبيل العموم في جميع موارد استعمالاتها أن لو حرف امتناع لامتناع أي حرف دال على امتناع جوابه لامتناع شرطه كما ذهب إليه الجمهور أو دال على امتناع شرطه الامتناع جوابه كما ذهب إليه ابن الحاجب فكذا أطلق الامتناع فقولهم بلا تفصيل باطل والصواب في تحقيق امتناع الجواب أن يفصل القول بأنها أي لو إذا كانت شرطية لا تعرض لها إلى امتناع الجواب أي لا تدل عليه أصلاً فإن قلت فلم ذكر التعرض دون الدلالة مع أنها أشهر قلت لأن التعرض أعم في بادئ الرأي من الدلالة لتبادر الوهم إلى اختصاصها بالمطابقة لاسيما عند أهل النحو ولا زيدت لتأكيد النفي مع الدلالة على أن النفي متعلق بكل واحد من الامتناع والثبوت على حدة إلى ثبوته أي لا تدل عليه أيضاً فإن قلت فكيف يصح هذا مع أنها تعليق ثبوت مضمون الجزاء بثبوت مضمون الشرط كما يدل عليه بيان الأمر الثاني قلت لما جاز سلب الدلالة على نفي الجواب في زعمه جاز أيضاً في زعمه سلب الدلالة على ثبوته وإن كانت تدل عليه في تفسير الأمر فمما قيل من أنه أراد منه الثبوت في نفس الأمر والتعليق المذكور لا ينافي صحته فهو بعيد عن الالتزام بمراحل وما وقع ههنا في بعض النسخ من قوله والأولى ثبوته يدل قوله ولا إلى ثبوته فلا يناسب أيضاً لما نحن بصدده وإن كان صحيحاً في نفسه وإنها لها تعرض لامتناع الشرط أي إنما تدل عليه فقط بالالتزام ثم لما فرغ عن بيان سلب الدلالة على امتناع الجواب وعن بيان إثبات الدلالة على امتناع الشرط وأراد أن يفصل لزوم امتناع الجواب وعدمه مع إرادة التعميم أشار إلى هذا بقوله وإن لم يكن للجواب سبب سوى ذلك الشرط لزوم من انتفائه أي انتفاء الشرط انتفاءه أي انتفاء الجواب نحو لو كانت الشمس طالعةً لكان النهار موجوداً وإن كان له أي للجواب سبب آخر غير الشرط إن تعدد أسبابه لم يلزم من انتفائه أي انتفاء الشرط انتفاء الجواب لما تقرر عندهم من أن سلب الأخص لا يستلزم سلب الأعم نحو لو كانت الشمس طالعةً لكان الضوء موجوداً فإن الضوء كما يوجد عند طلوع الشمس كذلك يوجد عند سطوع الكواكب واستعمال النار ومنه أي ومن الجواب الذي تعدد أسبابه نحو: ((لو لم يخف الله)) هذا شرح ما ينتهي إليه رأيه فإن أردت الوقوف على تفصيل حالها فاعلم أولاً أن المراد من الشرط ههنا عند أهل النحاة ما دخلت عليه لو وغيرها من كلمات الشرط وتعلق به الجواب سواء توقف عليه تحققه نحو لو كانت الشمس طالعةً لكان النهار موجوداً أو لا نحو لو كان النهار موجوداً لكانت الشمس طالعةً ونحو إن دخلت الدار فأنت طالق وأن المراد من اللزوم بينهما عندهم هو الارتباط بينهما بأي وجه كان وإن كان كلام ابن الحاجب يدل على أن الجواب منه هو السبب المقتضي وعلى أن المراد من اللزوم هو اللزوم بمعنى امتناع انفكاك الملزوم عن اللازم على ما هو مصطلح النظار فلهذا قال لو تدل على امتناع الملزوم لامتناع اللازم وأن المصنف مع ابن الحاجب في هذا الرأي معنى من حيث لا يشعر وإن أنكره لفظاً غاية ما في الباب أنه اقتصر على الدلالة على امتناع الشرط فقط وقال وأمَّا امتناع الجواب فلازم منه إن اتحد سببه وإلا فلا لما رأى أن امتناع الشرط لامتناع الجواب لا يطرد نحو ((لو لم يخف الله لم يعصه)) فلهذا قال ههنا لم يلزم من امتناع عدم الخوف امتناع عدم العصيان كما قال في نحو: {ولو شئنا لرفعناه بها} لزم من امتناع المشيئة امتناع الرفع لكن مثل هذا لا يفيد إلا الندم ليس وعدم الإطلاع على حقيقة الحال ثم اعلم أنها إذا كانت شرطية داخلة على الماضي لفظاً أو تقديراً فالصواب هو التفصيل في جوابها بأن يقال أن قصد مجرد تعلق ثبوته بتحقيق مضمون الشرط فلا يدل على امتناع أصلاً فلهذا قال بعض النحاة لو تدل على مجرد الارتباط ألا ترى أن نحو قولك لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجوداً لكن الشمس طالعة فيكون النهار موجوداً إنما يتعرض للثبوت فقط وكذلك إن قصد استمرار ثبوته على كل تقدير لكن علق بالشرط الضمير المناسب له ليفيد بالفحوى أن تعلقه بنقيض ذلك الشرط بالطريق الأولى نحو لو أهنتني لأثنيت عليك ومنه نحو: ((لو لم يخف الله لم يعصه)) وأما إذا قصد تعلقه به على مجرد الغرض والتقدير والمقصود ببيان سبب انتفائه فهو تدل بالالتزام على امتناع الجواب بامتناع الشرط نحو لو جئتني لأكرمتك وغالب استعمالها في اللغة على هذا الأصل فعليه يحمل قول أكثر النحاة.
وأما إذا قصد الاستدلال بانتفائه على انتفاء الشرط مع قطع عن بيان سببه فلو حينئذ تدل بالالتزام أيضًا على امتناع الشرط بامتناع الجواب فنحو قولك لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا، لكن النهار ليس بموجود فلا تكون الشمس طالعة وأراد على هذا القانون يشهد بذلك قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} ومثل هذا قليل في المجاورات فعلى هذا يحتمل قول ابن الحاجب وأما قول المصنف فليس بخارج عن قول ابن الحاجب في التحقيق على ما عرفت.
ثم لما فرغ من إقامة الدليل على الأمر الأول وأراد التقييد على دليل الأمر الثاني أشار إليه بقوله الأمر الثاني ما دلت عليه الضمير المجرور عائد إلى الموصول لو فاعل دلت في المثال المذكور أي في قوله تعالى: {ولو شئنا لرفعناه بها} أن ثبوت المشيئة لو وقع متلازم لثبوت الرفع فإن قلت الدلالة على هذا الاستلزام تستلزم الدلالة على الملزوم واللازم بالضرورة وقد قال من قبل أن لو لا تدل على ثبوت الجواب فهل هذا إلا تناقض قلت نعم إلا أنه لا يلتفت إلى مثل هذه الدقة أو اعتبر قوله والأولى ثبوته على ما وجد في بعض النسخ وقد عرفت حاله ضرورة تعليل الاستلزام مضاف إلى قوله أن ثبوت المشيئة سبب لثبوت الرفع. فإن قلت فلو لم يصح في بيان الأمر الثاني إلى نفي سببية غير المشيئة كما احتاج إليه في بيان الأمر الأول حيث قال هناك إذ لا سبب لرفعه إلا المشيئة قلتُ لتحقق معنى الاستلزام بدون ذلك النفي بخلاف انتفاء اللازم وبثبوت الرفع مسبب عنها ثم لما فرغ من بيان الأمر بين المذكورين كما هو حقهما وأراد أن ينبه الطالب على كيفية اندراجهما تحت الأصل المذكور وأن يمرنه على استخراج الفرع من الأصل أشار إلى هذا بقوله وهذان المعنيان المدلولان منه أولهما امتناع الشرط وثانيهما استلزام ثبوت المشيئة لثبوت الرفع قد تضمنتهما أي المعنيين العبارة المذكورة وهي قوله فيقال فيها حرف يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه فإن قلت العبارة قاعدة والمناسب لها أن يقول وهذان المعنيان يندرجان تحت العبارة المذكورة كما هو المشهور فلم قال قد تضمنتهما قلتُ لكون اشتماله عليهما اشتمال الكل على أجزائه بحسب الظاهر وإن جاز ههنا اشتمال الكلي على جزئياته أيضًا بحسب توزيع الأجزاء إلى الأجزاء. الوجه الثاني منها أن تكون حرف شرط في المستقبل فقوله فيقال فيها حرف شرط مرادف بالرفع على أنه صفة حرف لأن الشرطية تفسير لما ذكر يعني أنها تدل على ارتباط حصول أمر في المستقبل بحصول أمر آخر فيه كدلالة أن عليه والمشهور أن لو في مثل هذا مستعملة في معنى أن خلافًا لابن الحاجب فيكون مجازًا فالمراد من المرادف ههنا أن يكون معناه معناها على سبيل المجاز دون الحقيقة إلا أنها لا تجزم لعدم السماع والنقل واستعمالها بهذا المعنى خلاف الأصل فلهذا اختلف فيه الناس وأما قول من قال يجوز بها الجزم على سبيل الاطراد أو على سبيل الضرورة فليس بمعتد به لقوله تعالى القول مصدر باللام في بعض النسخ وفي بعضها بالكاف فكل منهما حسن لكن المناسب للاستدلال على المطلوب اللام {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافًا خافوا عليهم}. الواو واو العطف. واللام لام الأمر. يخش فعل مضارع حذف لام فعله علامة الجزم. والذين اسم موصول مرفوع ا لمحل على أنه فاعله ولو بمعنى إن فأشار إليه بقوله أي إن تركوا وتركوا بمعنى قاربوا أن يتركوا فأشار إليه أيضًا بقوله أي إن شارفوا أن يتركوا فإن قلت فلم فسر الترك بمشارفته قلتُ لحسن انتظام معنى الخشية معها وترك فعل الشرط فاعله الواو العائد إلى الموصول. ومن خلفهم متعلق به وهم متعلق عائد إلى الموصول أيضًا وذرية منصوبة مفعوله. وضعافًا صفته ويجوز أن يكون مفعولاً ثانيًا لترك لتضمنه معنى النضير كما في قول عنترة:
فتركته جوز أو السباع يشبهه
في قول آخر:
هذا الذي ترك الأوهام حائرة
وقال الزمخشري ترك بمعنى طرح إذا علق واحد فإذا علق بشيئين كان مضمني معنى صير ومنه قوله تعالى: {وتركهم في ظلمات} وخاف فعل فاعله الواو العائد إليه أيضًا وعليهم متعلق به والضمير المجرور عائد إلى ذرية والشرط مع جوابه جملة شرطية وقعت صلة للموصول وليخش مع معموله جملة فعلية إنشائية معطوفة على جملة مثلها مذكورة ثم لما فرغ من بيان المطلوب وأراد زيادة الإيضاح بما هو في المستقبل لفظًا ومعنى أشار إليه بقوله وللعطف قول الشاعر:
ولو تلتقي أصداءنا بعد موتنا لظل صدى صوتي وإن كنت رمة
لصوت صدى ليلى يهش ويطرب
الواو للعطف ولو بمعنى أن، وتلتقي فعل الشرط غير مجرور بها فاعله أصداءنا وهي جمع صدى والصدى لغة هو الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها متعلق به واللام لام جواب لو وظل فعل من الأفعال الناقصة وهي بمعنى صار وصدى اسم مضاف إلى صوت وهو مضاف إلي ياء المتكلم والواو للحال وإن للوصل وكان فعل من الأفعال الناقصة اسمه التاء ورمة بالكسر العظام البالية منصوبة خبره والجملة منصوبة المحل على الحالية واللام لام جر وصوت مجرور بها ومضاف إلى صدى وهو مضاف إلى ليلى والجار مع المجرور والمجرور متعلق يهش وهو فعل فاعله مستتر فيه عائد إلى صدى صوتي والجملة منصوبة المحل على أنها خبر ظل والواو للعطف ويطرب فعل فاعله مستتر فيه عائد إلى أيضًا والجملة معطوفة على جملة يهش والهشاشة الارتياح والطرب حرقة تصيب الإنسان لشدة حزن أو سرور هذا وقال بعضهم هذا ليس بحجة لأن غاية ما فيه أن ما جعل شرطًا لها مستقبل في نفسه أو قيدًا بمستقبل وهذا لا ينافي امتناعه فيما مضى لامتناع غيره ولا يخرج أيضًا إلى إخراجها من معناها الأصلي إلى غيره أقول القول بالاستقبال ههنا بنا القول بالماضي فلزم منه بالضرورة عدم استقامة معنى الامتناع ههنا أصلاً مع شهادة فحوى الكلام عليه فلا بد ههنا من القول بالاستقبال سواء كان على سبيل المجاز أو على سبيل الاشتراك اللفظي وقال بعضهم لأنها لا تجيء للتعليق في المستقبل لأنك لا تقول لو يقوم زيد فعمرو منطلق والمصنف لم يقيد بقوله هذا فإنه قول بلا دليل وقد صرح أكثر النحاة بأنها تجيء بمعنى أن على أن استعمالها في معناها الأصلي لا يظهر في بعض المواضع لقوله تعالى: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين}. الوجه الثالث منها أن تكون أي لو حرفًا مصدريًا أي جعل معنى مدخولها بمعنى المصدر مرادفًا لأن المفتوحة المصدرية وهذا مذهب الفراء والفارسي وتبعهما المصنف فإن قلت الباب الثالث موضوع لبيان الاستعمال الحقيقي فقط فلا يكون استعمالها ههنا في معنى أن مما نحن بصدده أصلاً قلتُ لا بل هو معقود لبيان مطلق الاستعمال كما يدل عليه التأمل في الوجوه المذكورة فيه على أنا نقول يجوز أن تكون مستعملة في معناها على سبيل الاشتراك اللفظي كالعين إلا أنها أي لو لا تنصب الفعل المضارع الواقع بعدها لعدم عراقتها في هذا الجعول ولعدم السماع من العرب العرباء ويعني أنها تكون ترادفها وتستعمل في معناها كثيرًا لكن أكثر وقوعها أي أكثر استعمالها فيه بعد ود فإن قلت ما السر في ذلك قلتُ السر أنها لا تخلو عن الإشارة إلى معنى التمني وإن كانت مستعملة في معنى أن فيقوى ذلك المعنى بانضمام معنى الوداد إليه فكذلك قال الزمخشري لو ههنا بمعنى التمني نحو: {ودوا لو تدهن} أي ودوا ادهانك وتمنوه ود فعل فاعله الواو ولو بمعنى أن وتدهن فعل فاعله مستتر فيه وهو أنت والفعل مع معموله في معنى المصدر منصوب المحل على أنه مفعول ود وبعد يود نحو: {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة} يود فعل وأحد فاعله مضاف إلى هم وهو عائد إلى المشركين ولو بمعنى أن ويعمر فعل مجهول ونائب فاعله الضمير المستتر فيه العائد إلى أحد وألف سنة مفعوله والفعل مع معموله منصوب المحل على أنه مفعول يود هذا وقال الزمخشري في تفسير هذا القول لو يعمر حكاية لوداتهم ولو في معنى التمني وكان القياس لو أعمر بمعنى ليتني أعمر إلا أنه جرى على لفظ الغيبة لقوله يود أحدهم كقولك حلف بالله ليفعلن فإن قلت أي القولين أنسب بتفسير حقيقة معنى الكلام قلتُ قول الزمخشري أنسب كما أن قول المصنف أنسب برعاية ظاهر حال القول فهذا ما عليه كثير من النحاة وأكثرهم لا يثبت هذا القسم أي كونها حرفًا مصدريًا مرادفًا لأن هربا عن الانتشار وتقليلاً للأقسام وضبطها وهم يقولون لو في نحو: {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة} شرطية ومفعول يود وجوابها كلاهما محذوفان كأنه قيل يود أحدهم لو يعمر ألف سنةٍ أسره ذلك وأنت تعلم أن في هذا التوجيه صرف الكلام عن معناه المقصود بدون احتياج إليه لمجرد غاية ضبط الأقسام فمثل هذا لا يجوز. الوجه الرابع منها أن تكون للتمني وهو طلب حصول شيء على سبيل المحبة نحو لو تأتينا فتحدثنا بالنصب أي ليت لنا إتيانًا منك فتحدثنا فاختلف فيها فقال ابن هشام هي قسم برأسها يحتاج إلى جواب كجواب الشرط ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب كجواب ليت وقال بعضهم هي لو الشرطية أشربت معنى التمني فلهذا جاز أن يجمع لها جوابان جواب منصوب بعد الفاء وجواب باللام كقولك لو تأتينا فتحدثنا ليحصل لنا السرور بذلك نحو: {فلو أن لنا كرة الكرة} رجعة إلى الدنيا كأنه قيل فليت لنا كرة قال الزمخشري ويجوز أن يكون لو ههنا باقية على أصلها ويحذف الجواب وهو لفعلنا كيت وكيت ثم لما كان الأصل في بيان مثل هذا الوجه هو السماع والاستقرار مع شهادة الفحوى عليه فلهذا اقتصر في بيانه عليه وأراد الرد على من بينه بغير ما ذكر أشار إلى هذا أولاً بقوله قيل لو ههنا بمعنى التمني واستعملت استعمال ليت ولهذا ولكونها بمعنى التمني ولاستعمالها فاستعمالها نصب {فنكون من المؤمنين} في جوابها أي في جواب لو الفاء فاء العطف ونكون منصوبة بأن مضمرة بعدها وهو فعل من الأفعال الناقصة اسمه مستتر فيه وهو نحن خبره من المؤمنين والفعل مع معموله جملة فعلية منصوبة المحل على أنها معطوفة على اسم ليت في التقدير كما انتصب فأفوز بأن مضمرة بعد الفاء في جواب ليت فإن قلت فلم قال كما انتصب فأفوز في جواب ليت بعد الاستدلال وتوضيحه في قوله تعالى: {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا} يا حرف نداء والمنادى محذوف. وليت حرف من الحروف المشبهة بالفعل. وياء المتكلم اسمها وكان فعل من الأفعال الناقصة اسمه التاء ومعهم خبره وهو مع معموله مرفوع المحل على أنه خبر ليت والفاء فاء العطف وأفوز منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء وفوزًا منصوب على أنه مفعول مطلق وعظيمًا منصوب على أنه صفته والفعل مع معموله منصوب المحل على أنه معطوف على محل اسم ليت.
ثم لما فرغ من بيان إقامة الدليل على ما ادعاه ذلك القائل وأراد الرد عليه ثانيًا أشار إلى هذا بقوله ولا دليل في هذا أي في نصب يكون أي لا يدل نصبه على أن لو ههنا استعملت في معنى النفي كما زعم المستدل لجواز أن يكون النصب في فيكون لمجرد كونها معطوفًا ولئلا يلزم عدم الفعل الصريح على الاسم لا لثبوت معنى التمني فيها ههنا ثم إن الدليل لا يستلزم المدلول مع قيام الاحتمال فيه فظهر إن ما ذكره المستدل في مقام الاستدلال ليس بدليل هذا وإن الجواب عنه بوجوه الأول أن الدليل ليس ذلك النصب وحده كما أشرنا إليه والثاني أن الدليل في الحقيقة هو الاستقراء مع معونة الفحوى وأما ما ذكر ههنا في صورة الاستدلال فإنما هو لزيادة التوضيح والاستظهار ومثل هذا كثير في العلوم لاسيما في علم النحو والثالث أن المراد من استلزام الدليل للمدلول عند أرباب المنقول هو مطلق الاستلزام لا الاستلزام اليقيني الدائم فإن قلت النصب ههنا ليس إلا بأن مضمرة بعد الفاء سواء كانت للتمني أو لغيره فيكون الفعل في تأويل المصدر معطوفًا على ما قبله على كلا التقديرين فلم أعرض عن ذكرنا للتمني قلت ليس المقصود ههنا اعتبار أحد الأمرين دون الآخر حتى يتوجه ما ذكرته بل ليس الغرض ههنا في كثير من النسخ من فأفوز بدل فيكون فليس بمناسب لما نحن بصدده على أن النصب في فأفوز نصب جواب التمني بلا نزاع مثله أي مثل النصب في تقر في قوله أي الشاعر:

ولبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف

تقول فلان قرير العين إذا أبردت عينه تريد به الفرح والسرور وتقول هذا ثوب يشف أي رقيق وأما الشفوف فمصدر يراد به الثوب الرقيق غاية الرقة بحيث لا يحجب الرؤية من يدقه الواو للعطف ولبس مبتدأ مضاف إلى عباءة والواو للعطف وتقر فعل منصوب بأن مضمرة بعد الواو وعيني فاعله والفعل مع فاعله بمعنى المصدر مرفوع المحل على أنه معطوف على المبتدأ وأحب خبره وإلي ومن لبس الشفوف متعلق به والمقصود منه ههنا أن النصب فيه يجوز أن يكون نصبًا بلا اعتبار معنى التمني كما أن النصب في وتقر نصب لا يتصور فيه معنى التمني أصلاً ومثل النصب في أن يرسل في قوله تعالى: {وما لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً} كأنه قيل وما صح له أن يكلمه الله إلا وحيًا وسمعًا من وراء حجاب أو مرسلاً فيكون الكل مصدر وقعت أحوالاً من الفاعل أما الوحي والإرسال فأمرهما هين وأما من وراء حجاب فهو متعلق بمصدر محذوف كأنه قيل أو سماعًا من وراء حجاب أو قيل وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو سماعًا من وراء حجاب أو إرسالاً فيكون كل واحد منهما مفعولاً مطلقًا على هذا التقدير ويجوز أيضًا أن يكون المعنى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا بأن يوحي أو بأن يسمع من وراء حجاب أو بأن يرسل رسولاً فيكون كل واحد منها مفعولاً به بواسطة حرف الجر وأما المستثنى فهو مستثنى مفرع على كل تقدير وأما قول من قال الاستثناء ههنا استثناء منقطع نظرًا إلى ظاهر القول فليس بقوي لعدم اعتماده على تحقيق مضمون الكلام الواو للعطف وكان فعل من الأفعال الناقصة ولبشر خبره مقدم على اسمه وأن حرف ناصب ويكلم فعل منصوب والهاء مفعوله والله فاعله وإلا حرف استثناء ووحيًا منصوب بها وأو حرف عطف ومن وراء حجاب معطوف على وحيًا باعتبار متعلقه واو حرف عطف أيضًا ويرسل فعل منصوب بأن مضمرة بعد أو فاعله مستتر فيه وهو عائد إلى الجلالة ورسولاً مفعوله والفعل مع معموله في قوة المصدر منصوب المحل على أنه معطوف على وحيًا ويكلم مع معموله بمعنى المصدر مرفوع المحل على أنه اسم كان وهو مع اسمه وخبره جملة فعلية معطوفة على ما قبلها عطف قصة على قصة فإن قلت ما الفائدة في هذا المثال بعد حصول المقصود بالمثال الأول قلتُ الفائدة فيه هي الإشعار بأن الفعل يكون منصوبًا بأن مضمرة بعد أو كما يكون منصوبًا بها بعد الواو مع زيادة الإيضاح.. الوجه الخامس منها أن تكون للعرض وهو طلب حصول شيء على سبيل الوفق والتأدب نحو لو تنزل عندنا فتصيب خيرًا لو تدل ههنا على العرض وذلك لأن النصب في فتصيب بأن مضمرة بعد الفاء وهي لا تضمر بعدها إلا بعد أحد الأشياء الستة وليس المناسب ههنا إلا معنى العرض فوجب الحمل عليه بشهادة معنى الكلام عليه رعاية للفائدة ذكره ابن مالك أي ذكر هذا الوجه في كتابه المسمى بالتسهيل فإن قلت فلم أسند إليه هذا الوجه قلتُ للسند والتقوية أو لأنه لما كان وجهًا مقبولاً عنده ولم يقدر على تمييزه على الوجه الرابع لمناسبة تامة بينهما ههنا حمله عليه فإن قلت فما الفرق بينهما قلتُ الفرق أن الأصل في التمني أن يكون التمني محالاً بخلاف العرض فكذلك الفرق بينه وبين الترجي ثم لما فرغ ذكر ابن هشام أنها تفيد التقليل في بعض المواضع أيضًا واعتقد المصنف أن معنى التقليل حق لكنه يستفد مما يحسب الأصالة بل يحسب معونة خصوصية بمعنى الكلام سواء وجدت فيه لو أو لا فلهذا لم يجعله وجهًا سادسًا وخص جميع وجودها في الخمسة وكان ذلك المعنى دائرًا عنده بين بين أشار إلى هذا بقوله وذكر لها أي للَوْ في بعض المواضع ابن هشام اللخمي معنى آخر غير المعاني المذكورة وهو أي المعنى الآخر أن تكون أي لو للتقليل أي ذلك المعنى وهو معنى التعليل ففي العِبَارة أدنى مسامحة ومثل هذا في العبارة كثير نحو قوله عليه أفضل الصلاة والسلام: ((تصدقوا ولو بظلف محرق)). المعنى أعطوا صدقات ولو كانت قليلة الظلف للغنم والبقر بمنزلة الحافر للفرس والمقصود من هذا القول هو الإشعار بأن بذلها حسن والترغيب في إعطائها بأي وجه كان وليس المقصود منه بذل الظلف بينه فإنه لا ينتفع به عادة خصوصًا إذا كان محروقًا تصدق فعل أمر فاعله الواو والواو للحال ويجوز أن تكون للعطف ولو تفيد التقليل ههنا والباء حرف جر وظلف مجرور بها متعلق بمقدر ومحرق صفة ظلف كأنه قيل ولو حصلت الصدقة ببذل ظلف محرق ونحو: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)) أي ولو حصل الإنفاق بتصدق جانب تمرة الشق بكسر الشين الجانب اتقوا فعل أمر حذف الياء منه لأجل الوقف والواو فاعله والنار مفعوله وأما إعراب الباقي فعلى ما عرفت هناك هذا ومن قال في أمثال هذا أنها شرطية وفعل الشرط وجوابه كلاهما محذوفان كأنه قيل ولو وقعت الصدقة بظلف محرق لحصل الثواب ولو حصل الاتقاء بتصدق جانب تمرة لكان خيرًا عظيمًا فقد ارتكب أمور الاحتياج إليها في معنى الكلام. نعم أنها تفيد ههنا معنى الدوام أيضًا بحسب فحوى الكلام مثل أن في نحو قولك أنا أكرمك وإن لم تكرمني وقد مر نظيره في بيان الوجه الأول).

هيئة الإشراف

#4

14 Jan 2010

موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للشيخ: خالد بن عبد الله الأزهري

قال زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري (ت: 905هـ): (النوع الخامس: ما يأتي من الكلمات على خمسة أوجه

(وهو شيئان):
أحدهما: (أي)، بفتح الهمزة وتشديد الياء، فتقع تارة (شرطية) فتحتاج إلى شرط وجواب، والأكثر أن تتصل بها ما الزائدة نحو: {أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي} فأي: اسم شرط مفعول مقدم لقضيت، وقضيت فعل الشرط، وجملة (فلا عدوان علي) جواب الشرط.
وتقع تارة (استفهامية) فتحتاج إلى جواب نحو: {أيكم زادته هذه إيمانا} فأي مبتدأ وخبره ما بعده.
وتقع تارة (موصولة) خلافا لثعلب في زعمه أنها لا تقع موصولة أصلا ويرده نحو: {لننزعن من كل شيعة أيهم أشد} فأي موصولة، حذف صدر صلتها، (أي الذي هو أشد قاله سيبويه) ومن تابعه، وهي عنده مبنية على الضم إذا أضيفت وحذف صدر صلتها كهذه الآية. (وقال من رأى أن أيا الموصولة لا تبنى) وإنما هي معربة دائما. وهي هنا في هذه الآية، استفهامية، فأي مبتدأ وأشد خبره، وعليه الكوفيون وجماعة من البصريين منهم الزجاج وقال: ما تبين لي أن سيبويه ما غلط إلا في مسألتين إحداهما هذه، فإنه يسلم أنها تعرب إذا أفردت فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت؟
وتقع تارة (دالة على معنى الكمال) للموصوف في المعنى، (فتقع صفة للنكرة) قبلها نحو قولك: (هذا رجل أي رجل)، فأي صفة لرجل دالة على معنى الكمال، (أي هذا رجل كامل في صفة الرجال).
وتقع (حالا لمعرفة) قبلها (كمررت بعبد الله أي رجل) فأي منصوبة على الحال من عبد الله، أي: كاملا في صفة الرجال.
وتقع تارة (وصلة لنداء ما فيه أل) نحو: {يا أيها الإنسان}، فأي منادى، وها (للتنبيه)، والإنسان نعت أي وحركته إعرابية وحركة أي بنائية.
والكلمة (الثانية) مما جاء على خمسة أوجه ((لو) فأحد أوجهها) وهو الغالب، (أن تكون حرف شرط في الماضي) نحو: لو جاء زيد أكرمته.
وإذا دخلت على المضارع صرفته إلى الماضي نحو: لو يفي كفى.
فيقال فيها تارة (حرف يقتضي امتناع ما يليه) وهو فعل الشرط، مثبتا كان أو منفيا. ويقتضي (استلزامه) أي: فعل الشرط، (لتاليه) وهو جواب الشرط، مثبتا كان أو منفيا. فالأقسام أربعة: لأنهما إما مثبتان نحو: لو جاء زيد أكرمته. أو منفيان نحو: لو لم يجئ ما أكرمته. أو الأول مثبت والثاني منفي نحو: لو قصدني ما خيبته أو عكسه نحو: لو لم يجئني ما عتبت عليه.
والمنطقيون يسمون الشرط مقدما لتقدمه في الذكر ويسمون الجواب تاليا لأنه يتلوه، ثم ينتفي التالي إن لزم المقدم ولم يخلف المقدم غيره: نحو، {ولو شئنا لرفعنا بها} (فلو هنا دالة على أمرين: أحدهما: أن مشيئة الله) التي هي المقدم، (لرفع هذا المنسلخ)، الذي هو التالي، (منفية) لدخول لو عليها، (فيلزم من هذا) النفي المقدم، الذي هو مشيئة الله، (أن يكون رفعه)، أي: رفع هذا المنسلخ، الذي هو التالي، (منفيا) للزومه للمقدم، ولكونه لم يخلف المتقدم غيره، (إذ لا سبب له أي: للتالي)، وهو الرفع إلا المقدم وهو (المشيئة وقد انتفت) ولا يخلفها غيرها فينتفي الرفع، وهذا الحكم (بخلاف) ما إذا خلف المقدم غيره نحو: قول عمر في صهيب: (لو لم يخف الله لم يعصه)، فإنه لا يلزم من انتفاء المقدم، الذي هو ( (لم يخف)، انتفاء) التالي الذي هو (لم يعص حتى يكون) المعنى أنه (قد خاف وعصى) بناء على أن (لو) إذا دخلت على منفي أثبتته مقدما كان أو تاليا، (وذلك) متخلف هنا، لأن انتفاء العصيان الذي هو التالي (له سببان) أحدهما: (الخوف) من (العقاب وهي طريقة العوام) والثاني (الإجلال) لله (والتعظيم) له، وهي طريقة الخواص العارفين بالله. (المراد أن صهيبا، رضي الله عنه من هذا القسم) أي: من قسم الخواص، وهو أن سبب خوفه من الله تعالى وتعظيمه، (وأنه لو قدر) أي: فرض (خلوه عن الخوف لم تقع منه معصية، فكيف والخوف) مع ذلك (حاصل له)؟. وهذه المسألة كالمستثناة من حكم (لو) وهو أنها إذا دخلت على مثبت صيرته منفيا، وإذا دخلت على منفي صيرته مثبتا، وكذا حكم جوابها. (ومن هنا) أي: من أجل أنه لا يلزم من امتناع المقدم امتناع التالي في نحو: (لو لم يخف الله لم يعصه). (تبين فساد قول المعربين أن (لو) حرف امتناع) للجواب (لامتناع) الشرط. (والصواب أنها لا تعرض لها إلى امتناع الجواب) أصلا (ولا إلى ثبوته، وأنما لها تعرض لامتناع الشرط) فقط. (فإن لم يكن للجواب سبب سوى ذلك الشرط) لا غير، بحيث لا يخلفه غيره، (لزم من انتفائه) أي: الشرط (انتفاؤه) أي: الجواب (نحو: لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجودا) فيلزم من انتفاء الشرط وهو طلوع الشمس انتفاء الجواب وهو وجود النهار.
وإن خلف الشرط غيره بأن كان له، أي: للجواب (سبب آخر) غير الشرط (لم يلزم من انتفائه) أي: الشرط، (انتفاء الجواب ولا ثبوته)، لأنها لا تعرض إلى امتناع الجواب ولا إلى ثبوته نحو: (لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودا). فإنه لا يلزم من انتفاء طلوع الشمس انتفاء وجود الضوء ولا ثبوته (ومنه) قول عمر رضي الله عنه: (نعم العبد صهيب (لو لم يخف الله لم يعصه) وتقدم توجيهه.
(الأمر الثاني مما دلت عليه (لو) في المثال المذكور) وهو: {ولو شئنا لرفعناه بها} (إن ثبوت المشيئة) من الله تعالى (مستلزم لثبوت الرفع ضرورة لأن المشيئة سبب) للرفع، (والرفع سبب عنها). وثبوت السبب مستلزم لثبوت المسبب.
(وهذان المعنيان) المعبر عنهما بالأمرين قد (تضمنتهما) أي: شملتهما (العبارة المذكورة)، وهي قوله حرف يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه دون عبارة المعربين وهي قولهم: حرف امتناع لامتناع فإنها لا تتضمنها.
الوجه (الثاني) من أوجه لو (أن تكون حرف شرط في المستقبل مرادفا لأن الشرطية، (إلا أنها) أي: (لو) (لا تجزم) على المشهور كقوله تعالى: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم} فلو هنا شرطية بمنزلة إن، (أي إن تركوا، أي: شارفوا) وقاربوا (أن يتركوا). وإنما احتاج إلى التفسير الثاني لأن الخطاب للأوصياء: أو لمن يحضر الموصي حالة الإيصاء وإنما يتوجه الخطاب إليهم قبل الترك، لأنهم بعده أموات قاله المصنف في (المغني). ونحو قول الشاعر وهو توبة صاحب ليلى الأخيلية: مستلزم لثبوت المسبب.

ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا = ومن دون رمسينا من الأرض سبسب

أي: وإن تلتقي، وإثبات الياء دليل على أن (لو) غير جازمة، وزعم قوم: أن الجزم بها مطردة، وخصه ابن الشجري بالشعر.
الوجه (الثالث) من أوجه (لو) (أن تكون حرفا مصدريا) أي: مؤولا مع صلته بمصدر، (مرادفا لأن) المصدرية (إلا أنها)، أي (لو) (لا تنصب) كما تنصب أن. (وأكثر وقوعها بعد (ود) {ودوا لو تدهن فيدهنون} أي: ودوا الإدهان. وبعد (يود) نحو: {يود أحدهم لو يعمر} أي: التعمير ومن القليل قول قتيلة للنبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم.

ما كان ضرك لو مننت وربما = من الفتى وهو المغيظ المحنق

أي: منك.
ووقوع لو مصدرية قال به: الفراء والفارسي والتبريزي وأبو البقاء وابن مالك من النحويين. (وأكثرهم لا يثبت هذا القسم) وهو وقوع (لو) مصدرية حذرا من الاشتراك. وتخرج الآية الثانية (ونحوها على حذف مفعول الفعل) الذي (قبلها) وهو: يود، وحذف (الجواب بعدها أي: يود أحدهم التعمير، لو يعمر ألف سنة لسره ذلك)، ولا يخفى ما في هذا التقدير من كثرة الحذف.
الوجه (الرابع) من أوجه (لو) (أن تكون) حرفا (للتمني بمنزلة ليت إلا أنها لا تنصب ولا ترفع نحو: {فلو أنا لنا كرة فنكون} فلو للتمني، (أي: فليت لنا كرة، قيل ولهذا)، أي: تكون (لو) للتمني.
(نصب (فنكون) في جوابها كما انتصبت فأفوز في جواب ليت) بأن مضمرة بعد الفاء وجوبا في قوله تعالى: {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما} هكذا استدلوا (ولا دليل) لهم (في هذا) الاستدلال (لجواز أن يكون النصب في {فنكون}) بأن مضمرة جوازا بعد الفاء، وأن والفعل في تأويل مصدر معطوف على (كرة). (مثله في قوله) وهو الشخص المسمى ميسون أم يزيد بن معاوية وكانت بدوية:

ولبس عباءة وتقر عيني = أحب إلي من لبس الشفوف

(فتقر) منصوب بأن مضمرة بعد الواو جوازا، وأن والفعل في تأويل مصدر معطوف على (لبس) ومثله في قوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا} (فيرسل) منصوب بأن مضمرة بعد أو جوازا، وأن والفعل في تأويل مصدر معطوف على (وحيا) ومثله في قول الشاعر:

إني وقتلي سليكا ثم أعلقه = كالثور يضرب لما عافت البقر

(فاعقل) منصوب بأن مضمرة جوازا بعد (ثم) وأن والفعل في تأويل مصدر معطوف على (قتلي)، وهو من خصائص الفاء والواو وأو وثم.
الوجه (الخامس) من أوجه (لو) (أن تكون للعرض) وهو الطلب بلين ورفق نحو: لو تنزل عندنا فتصيب خيرا (ذكره) ابن مالك في (التسهيل).
(وذكر لها ابن هشام اللخمي) وغيره (معنى آخر) سادسا (وهو أن تكون للتقليل) بالقاف نحو: قوله صلى الله عليه وسلم: ((وتصدقوا ولو بظلف محرق)) وفي رواية النسائي ((ردوا السائل ولو بظلف محرق)) والمعنى، تصدقوا بما تيسر ولو بلغ في القلة كالظلف وهو بكسر الظاء المعجمة للبقر والغنم كالحافر للفرس، والمراد بالمحرق المشوي. وفي رواية الشيخين: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)).
وقد يدعي أن التقليل إنما من مدخولها لا منها، لأن الظلف والشق يشعران بالتقليل).