14 Jan 2010
النوع السادس: ما يأتي على سبعة أوجه
قال أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري (ت:761هـ): (النوع السادس: ما يأتي علي سبعة أوجه
وهو: (قد)، فأحد أوجهها: أن تكون اسما بمعنى: (حسب)، فيقال: قدي بغير نون كما يقال: حسبي.
الثاني: أن تكون اسم فعل بمعنى: يكفي، فيقال: قدني، كما يقال: يكفيني.
الثالث: أن تكون حرف تحقيق، فتدخل على الماضي، نحو: {قد أفلح من زكاها}، وعلى المضارع، نحو: {قد يعلم ما أنتم عليه}.
الرابع:
أن تكون حرف توقع، فتدخل عليهما أيضا. فتقول: قد يخرج زيد، فتدل على أن
الخروج منتظر متوقع. وزعم بعضهم أنها لا تكون للتوقع مع الماضي، لأن التوقع
انتظار الوقوع، والماضي قد وقع. وقال الذين أثبتوا معنى التوقع مع الماضي:
إنها تدل على أنه كان منتظرا، تقول: قد ركب الأمير، لقوم ينتظرون هذا
الخبر، ويتوقعون الفعل.
الخامس: تقريب الماضي من الحال، ولهذا تلزم (قد) مع الماضي الواقع حالا، إما ظاهرة، نحو: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}. أو مقدرة، نحو: {هذه بضاعتنا ردت إلينا}.
وقال ابن عصفور: إذا أجبت
القسم بماض مثبت متصرف فإن كان قريبا من الحال جئت باللام وقد، نحو: بالله
لقد قام زيد، وإن كان بعيدا جئت باللام فقط كقوله:
حلفت لها بالله حلفة فاجـر لناموا فما إن من حديث ولا صالي
وزعم الزمخشري ـ عندما تكلم على قوله تعالى: {لقد أرسلنا نوحا} في سورة الأعراف ـ أن (قد) للتوقع، لأن السامع يتوقع الخبر عند سماع المقسم به.
السادس: التقليل، وهو ضربان: تقليل وقوع الفعل، نحو: قد يصدق الكذوب، وقد يجود البخيل. وتقليل متعلقه، نحو: {قد يعلم ما أنتم عليه} أي: أن ما هم عليه هو أقل معلوماته.
وزعم بعضهم أنها في ذلك
للتحقيق كما تقدم، وأن التقليل في المثالين الأولين لم يستفد من قد، بل من
قولك: البخيل يجود والكذوب يصدق، فإنه إن لم يحمل على أن صدور ذلك من
البخيل، والكذوب قليل كان متناقضا، لأن آخر الكلام يدفع أوله.
السابع: التكثير، قاله سيبويه في قوله:
قد أترك القرن مصفرا أنامله = كأن أثوابه مجت بفرصاد
وقاله الزمخشري في قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك} ).
نظم قواعد الإعراب لابن ظهيرة المكي
قال جمال الدين محمد بن عبد الله ابن ظهيرة المكي (ت: ٨١٧ هـ): (
وَقَـدْ بِمَعْنَـى حَسْـبُ وَهْـيَ اسْــمُ ... كَـذَاكَ يَكْفِـي وَهْـيَ أيضـاً قِـسْـمُ
تُـفِـيـدُ للتَّحْـقـيـقِ والـتَّـوَقُّـعِ ... كَـذَا لتَقْـرِيـبِ المُـضِـيِّ فاسْـمَـعِ
كَـــذَاكَ للتَّقْـلـيـلِ والتَّكْـثِـيـرِ ... وقَـدْ يُـرَى فــي كَـلِـمِ القَـدِيـرِ).
شرح قواعد الإعراب للعلامة: محمد بن سليمان الكافيجي
قال محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي
(ت: 879هـ): (النوع
السادس من أنواع ثمانية ما يأتي على سبعة أوجه وهو قد أي الآتي عليها في
الكلام قد يكون النوع منحصرًا في فرد وهو مشترك بين الاسم والحرف فأما إذا
كان اسمًا فيكون منحصرًا في وجهين وأما إذا كان حرفًا فيكون منحصرًا في
خمسة وجوه السبعة فلذا قدم بيان حال الاسمية على بيان حال الحرفية فأحد
أوجهها أي أحد وجوه السبعة أن تكون اسمًا بمعنى حسب مراد قاله فهو إما مبني
لمشابهة بقد الحرفية في اللفظ نحو قد زيد درهم وقدني درهم وأما معرب فأشار
إليه بقوله فيقال قدني درهم قد اسم معرب مضاف إلى ياء المتكلم فلذا كسر
الدال وهو مبتدأ ودرهم خبره بغير النون أي مستعمل بغير إلحاق نون الوقاية
إذا كان معربًا لعدم بناء الاحتياج إلى إلحاقها نعم تلحق به إذا كان مبنيًا
مضافًا إلى ياء المتكلم لأجل المحافظة على السكون فمن هذا علم فساد قول من
قال ههنا معنى قول المصنف بغير النون أنه إذا كان مضافًا إلى ياء المتكلم
يجوز استعماله بدون إلحاق نون الوقاية به على سبيل الجواز دون الوجوب وإلا
فلا يستقيم كلامه ههنا لكونه مخالفًا لكلام الجمهور كما يقال حسبي درهم هي
مبتدأ ودرهم خبره ويقال أيضًا قد زيد درهم كما يقال حسب زيد درهم.
والوجه الثاني من الوجوه السبعة أن تكون
اسم فعل بمعنى يكفي فيكون مبنيًا على السكون ويلزمه نون الوقاية إذا كان
مضافًا إلى ياء المتكلم فأشار إلى هذا بقوله قدني بالنون كما تقول يكفيني
وتقول أيضًا قدني درهم كما يقال يكفيني درهم وتقول قد زيد درهم كما تقول
يكفيني زيدًا درهم. والوجه الثالث منها أن تكون حرف تحقيق أي تدل على تحقيق
مدلول مدخولها وتأكيده وهي مختصة بالفعل المنصرف المثبت المجرد عن جازم و
ناصب وحرف تنفيس ولا يقع بينهما فاصل لكونه كالجزء منه اللهم إلا أن تكون
قسمًا وقد يحذف الفعل وحده لقيام القرينة عليه ولها خمسة معان أحدها تحقيق
وتأكيد دخولها على الماضي اتفاقًا ودخولها على المضارع مختلف فيه وأشار إلى
الأول بقوله فتدخل على الفعل الماضي نحو: (قد أفلح من زكيها) أي إنما هما
بالعلم والعمل قد حرف تحقيق وأفلح فعل ماض ومن اسم موصول وزكى فعل فاعله
مستتر فيه عائد إلى الموصول والهاء مفعوله عائد إلى النفس والموصول مع صلته
مرفوع المحل على أنه فاعل أفلح وهو مع فاعله جملة فعلية وقعت جوابًا للقسم
فهي تدل على تحقيق مضمون الفلاح وتأكيده ثم أشار إلى الثاني بقوله قيل
وتدخل على المضارع هذا قول بعض النحاة وأكثرهم قالوا إذا كانت حرف تحقيق
تدخل على الماضي فقط فلذلك قيل الفعل المضارع الواقع بعدها يكون بمعنى
الماضي فيكون مرادهم من الماضي المطلق سواء كان لفظًا ومعنى أي معنى فقط
نحو: {قد يعلم ما أنتم عليه} من الموافقة والمخالفة ومن الإخلاص والنفاق قد
حرف تأكيد ويعلم فعل مضارع فاعله مستتر فيه عائد على الله وما موصول وأنتم
مبتدأ خطاب للمكلفين وعليه خبره والضمير المجرور فيه عائد إلى الموصول وهو
مع صلته منصوب المحل على أنه مفعول يعلم وهو مع معموله جملة فعلية فهي تدل
على تأكيد مضمون العلم هذا والوجه الرابع منها أن تكون حرف توقع وانتظار
فتدخل عليهما أي على الماضي والمضارع فتفيد انتظار وقوع مضمون كل واحد
منهما أيضًا أي لدخولها عليهما إذا كانت حرف تحقيق أما مثال المضارع فنحو
قولك لقوم ينتظرون الخبر قد يخرج زيد فقد تدل ههنا على أن الخروج أي خروج
زيد منتظر متوقع لهم وأما مثال الماضي فنحو قولك قد قدم زيد من السفر ومنه
قول المؤذن قد قامت الصلاة لأن الجماعة ينتظرون ذلك هذا على رأي بعض النحاة
وهو الخليل ومن تابعه وهو المختار عند الجمهور فلهذا قال وزعم بعضهم أي
بعض النحاة أنها أي قد لا تكون للتوقع مع الماضي أي لا يجوز اجتماع التوقع
مع الماضي لأن اجتماعه معه اجتماع متنافيين واجتماع متنافيين فهذا لا يجوز
أما الكبرى فبديهية فلذلك سكت عنها وأما الصغرى فكسبية فأشار إلى بيانها
بقوله لأن التوقع انتظار الوقوع أي انتظار ما سيقع والماضي قد وقع وانقطع
فحالهما كحال الزمان الماضي والمستقبل فكما أن بينهما تباينًا لا يجوز
الجمع بينهما فكذلك بين التوقع والماضي وقال الذين أثبتوا من النحاة معنى
التوقع أي المعنى الذي هو توقع مع الماضي ردًا على النافين أنها إذا دخلت
على الماضي تدل على أنه أي الماضي كان متوقعًا قبل وقوعه وقبل الإخبار به
منتظرًا فيكون وقع الماضي مستقبلا ًنظرًا إلى الانتظار والإخبار فيكون توقع
كل شيء قبل حصوله سواء كان في الماضي أو في المضارع فحاصل الجواب في
التحقيق منع الصغرى فيجوز اجتماع التوقع مع الماضي فتدل على التوقع إذا
دخلت على الماضي أيضًا تقول قد ركب الأمير لقوم ينتظرون هذا الخبر قبل الإخبار بوقوعه فيتوقعون الفعل
أي ركوب الأمير قبل وقوعه وعطف يتوقعون على ينتظرون قريبًا من عطف تفسير
الحاصل أنك إذا قلت ركب الأمير يدل هذا القول على ركوب الأمير بلا تعرض
لمعنى التوقع فإذا دخلت عليه قد يدل ذلك القول على التوقع أيضًا يشده بذلك
فحوى الكلام فتضاف هذه الدلالة إلى قد لا إلى غيرها فعلم من هذا أن قول من
قال لا نسلم أن التوقع مستفاد منها لجواز أن يكون المستفاد من غيرها قاصر
عن اعتبار معنى الكلام.. والوجه الخامس منها تقريب الماضي من الحال
أي حرف دال على قرب زمان وقوع الماضي من الحال ألا ترى أنك إذا قلتُ قام
زيد دَلَّ هذا القول على قيام زيد بدون التعرض لحال زمان وقوعه مع الحال
فإذا دخلت عليه قد فقد دل على قرب زمان وقوعه من الحال فلهذا لا تدخل على
ليس وحيس ونعم وبئس لأنهما للحال ولا لمعنى لذلك المقرب من الحال مع تحقيق
الدلالة عليها ولأن ضيفهن لا يعدن الزمان ولا يتصرفن فأشبهن الاسم وما قول
عدي:
لولا الحيا وأن رأسي قد عسى فيه المشيب لرزت أبا القاسم
فعسى فيه بمعنى أسند وليس من أفعال
المقاربة فلهذا ما استعمل ههنا على طريق استعمالها ولهذا أي لكونها للتقريب
يلزم عند أكثر البصريين قد مع الفعل الواقع حالاً والسبب الداعي إلى هذا
التوقع بين الماضي والحال بقدر الإمكان فاعترض على هذا بأن لفظة الحال
مشتركة بين معان فتقال على قيد العامل سواء كان ماضيًا أو مضارعًا أو
غيرهما وتقال على زمان التكلم بمعنى الآن والمقصود ههنا هو الأول لا الثاني
وإنما هي ههنا للتقريب من الحال بمعنى الآن فلا يتم التقريب فأجيب عن هذا
الاعتراض بأن المعنى والحال والاستقبال أمور إضافية فطوفان نوح عليه السلام
مستقبل بالنسبة إليه ونزول عيسى عليه السلام مستقبل بالنسبة إلينا حال
بالنسبة إلى قوم ذلك الزمان وإذا عهد هذا فالمعنى والحال المستعملان ههنا
منسوبان إلى زمان وقوع الفعل لا إلى زمان تكلمنا فإذا قلت جاء زيد ركب كأن
معناه أن الركوب حال في وقت المجيء وإذا قلت جاء زيد وقد ركب كأن معناه أن
الركوب قد مضى في وقت المجيء ولذلك اشترط ليقرب الركوب إلى ذلك الوقت وأما
المضارع بمعنى الاستقبال فلا يصح استعماله مع الماضي فلا يقال جاء زيد يركب
غدًا لأنه لا يدل على هيبة زيد في وقت مجيئه اللهم إلا أن يقال يجيء زيد
غدًا يركب وحينئذ يصير بمعنى الحال وكما ادعى لزومها معه وكان فيه نوع
إجمال أشار إلى تفصيلها بقوله أما أن تكون ظاهرة نحو قد في قوله تعالى:
{وقد فصل لكم ما حرم عليكم} المعنى قد نص لكم ما حرم عليكم مما لم يحرم
الواو للحال وقد للتقريب وفصل فعل مجهول ولكم متعلق به وما موصول وحرم بناء
مجهول أيضًا فاعله مستتر فيه عائد إلى الموصول وعليكم متعلق به والجملة
الاسمية صلة الموصول مرفوع المحل على أنها فاعل فصل وهو مع معموله منصوب
المحل على أنه حال وقرئ (فصل لكم ما حرم عليكم) على تسمية الفاعل في موضعين
ففاعل فصل مستتر فيه عائد إلى الله كما أن فاعل حرم مستتر فيه عائد إليه
الموصول مع الصلة منصوب المحل على أنه مفعول فصل أو تكون مقدرة نحو: {هذه
بضاعتنا ردت إلينا} أي قد ردت هذه مبتدأ خبره بضاعتنا ورد فعل مجهول فاعله
مستتر فيه عائد إلى البضاعة والتاء لتأنيث الفاعل وإلينا متعلق به وهو مع
معموله منصوب المحل على أنه حال من البضاعة والعامل فيها إما معنى التشبيه
وإما معنى الإشارة لكن الثاني أقرب وأظهر كما في قوله تعالى: {هذا بعلي
شيخًا} هذا وإن الكوفيين قالوا لا حاجة إلى تقدير قد معه والأصل عدم
التقدير لاسيما فيما كثر استعماله بدونها ولكونها للتقريب قال ابن عصفور
إذا أجبت القسم أي إذا أردت أن تجيب القسم بفعل ماضٍ مثبت متصرف إنما قيده
بهذه الأمور ليكون مظنة الاحتجاج إليها إذ لو كان مضارعًا أو منفيًا أو غير
متصرف فلا حاجة إلى ذكرها لما عرفت فما وقع ههنا في بعض النسخ بدل قوله
أجيب في قوله أجيب بناء المجهول وإذا كان صحيحًا في نفسه لكنه ليس يلائم
لقوله فإن كان أي الفعل المذكور قريبًا زمان وقوعه من الحال أي من زمان
التكلم فإن قلت إذا علم قربه من الحال فلا يبقى الاحتياج إلى الدلالة عليه
لئلا يلزم تحصيل الحاصل قلتُ أنه معلوم عند المتكلم ومجهول عند السامع
فاستمر الاحتياج إليها بناء على أن المعلومية عند المتكلم لا يستلزم
المعلومية عند السامع وهذا حكم سائر الألفاظ جيئت بجواب القسم مقرونًا
باللام وقد معًا أما اللام فللدلالة على تأكيد الجواب وأما قد فلإفادة
التقريب نحو قولك بالله لقد قام زيد بالله متعلق بأقسم محذوف واللام لام
جواب القسم وقد للتقريب وقام فعل فاعله زيد والجملة جواب القسم لا محل لها
من الإعراب وإن كان أي الفعل المذكور بعيدًا من الحال جيئت بالجواب مقرونًا
باللام لتأكيده فقط أي بدون قد لقيام المنافي وعدم قابلية المحل فإن قلت
لا شك أن كلام ابن عصفور إنما سيق ههنا لأجل المناسبة لمعنى التقريب وهذه
إنما تتصور في إتيان قد في محل قابل لمعناها فما الفائدة في قوله وإن كان
بعيدًا إلى آخره قلتُ فائدته هي الإشعار باختصاص استعمالها بمعنى التقريب
مع الشبيهة على أن معنى التقريب قد استدل عليه بالدوران وجودًا وعدمًا
كقوله أي امرئ القيس:
حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموا فما أن من حديث ولا صال
المراد
من حلفة فاجر حلفة فاسق كاذب والحديث هو الخبر يقال على القليل والكثير
ويجمع على أحاديث على غير قياس وصالٍ مثل قاض من صلي مثل رمي تقول صليت
اللحم وغيره إذا شويته ويجوز أن يكون مأخوذًا من صليت لفلان إذا عملت له في
أمر تريد أن تحمل له وتوقعه في هلكة الأصل أن المرأة لما قالت لامرئ القيس
ألست ترى السمار والناس أحوال خوفًا من الاطلاع على الحال قال والله
لناموا كاذبًا تأمينًا لها من خوفهم ثم أخبر عن ذلك القسم بقوله حلفت فإن
قلت لا يتم تمسك ابن عصفور بهذا البيت على مطلوبه فإن المراد منه ههنا أن
زمان نوم أهلها قريب من زمان التكلم فيكون للتقريب أيضًا قلت التاء بين
المذكور لا يحصل بابتداء نومهم فإنه كاليقظة بل إنما يطمئن خاطرها إذا كان
زمان شروعهم في نومهم بعيدًا من الشروع في اليمين يدل عليه قوله صال من
حديث ولا صال فلأجل هذا لم يقتصر على الشاهد وأتى بتمام البيت حلف فعل
فاعله التاء ولها متعلق به والهاء عائد إلى المرأة وبالله متعلق به أيضًا
وحلفة فاجر مفعوله متعلق على طريقة قولك ضربت ضرب الأمير واللام لام جواب
القسم المشار إليه بقوله حلفت لها بالله إذ من المعلوم بالضرورة أن قوله
حلفت ليس بقسم بل هو إخبار عنه كما أشار إليه آنفًا ونام فعل الواو فاعله
والجملة جواب القسم المقدر لا محل لها من الإعراب وأما قول من قال إنه جواب
حلفت فليس مبنيًا على التحقيق بل على الظاهر وما بمعنى ليس بطل عملها وإن
ومن كل منهما زائد لتأكيد معنى النفي وحديث مبتدأ خبره محذوف وهو موجود ولا
زائد لتذكير معنى النفي وللدلالة على شمول النفي وصال معطوف على حديث ثم
لما فرغ من نقل قول ابن عصفور وفهم منه أنها تفيد التقريب في الجواب ولا
تفيد التوقع فيه واختاره كما يدل عليه ظاهر كلامه ههنا ورأي قول الزمخشري
في بيان قوله تعالى: {لقد أرسلنا} مخالفًا لقول ابن عصفور واعتقد قول
الزمخشري فيه غير حق وأشار إلى هذا بقوله وزعم الزمخشري في الكشاف عندما
تكلم أي عند تكلمه فتكون ما مصدرية وتكلم فعل فاعله مستتر فيه عائد إلى
الزمخشري على قوله تعالى متعلق بتكلم {لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه} اللام
لام جواب القسم المقدر وقد حرف يدل على التقريب والتوقع معًا وأرسل فعل
فاعله نا ونوحًا مفعوله وإلى قومه متعلق به في سورة الأعراف متعلق بالقول
والمراد من التكلم عليه أن الزمخشري قال أولاً لقد أرسلنا جواب قسم محذوف
ثم قال فإن قلت ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام إلا مع قد وقل عنهم نحو
قوله حلفت بالله حلفة فاجر لناموا قلت إنما كان ذلك لأن ا لجملة القسمية
لا تساق إلا تأكيدًا للجملة المقسم عليها التي جوابها فكانت مظنة لمعنى
التوقع الذي هو مع قد عند استماع المخاطبة كلمة القسم انتهى... فإن قلت إن
الجملة المقسم عليها إنما تكون مظنة للتوقع عند استماع المخاطبة كلمة
المقسم ولا شك أن المقسم به والقسم كليهما محذوفان ههنا فكيف يتصور إتيان
قد في الجواب. قلتُ لاستعار في ذلك لما تقرر من أن المحذوف كالمذكور
والمسموع من حيث النظر إلى القرينة الدالة عليه فالمعتبر وجود المظنة سواء
كانت سماع القسم به أو بقرينة دالة عليه أن قد في قوله تعالى: {لقد أرسلنا
نوحًا} للتوقع يعني أنها تدل على توقع وقوع مضمون قوله: {أرسلنا نوحًا}
والجواب مظنته فعلم من هذا فساد قول من قال أن التوقع ههنا مستفاد من قد
بطريق الهيئة كما أنه مستفاد من جواب القسم بطريق المظنة أن حرف من الحروف
المشبهة بالفعل اسمها قد وللتوقع خبره والجملة منصوبة المحل على أنها مفعول
زعم قوله لأن السامع لكلمة القسم إلى آخره تعليل لزعم الزمخشري والمعلل هو
المصنف فمن قال لأنه تعليل لمضمون قوله أن قد مع لام القسم للتوقع فقد خرج
عن توفية نظم الكلام حقه بتوقع الخبر أي وقوع مضمون جواب القسم عند سماع
المقسم به فحاصل اعتراض المصنف ههنا أن القول بأنها تفيد في نحو والله لقد
قام زيد التوقع دون التقريب على ما فهم من كلام الزمخشري كما فهم عكس هذا
من كلام ابن عصفور كما عرفتُ والجواب أن الزمخشري ما ادعى الحصر في نحو
قولك والله لقد قام زيد وكذلك ابن عصفور وأن التوقع والتقريب يجوز أن
يجتمعا في خبر واحد إذ لا تنافي بين الدلالة على التوقع التاء الخبر ووقوع
مضمون وبين الدلالة على قرب زمان وقوع مضمونه من الحال بل الظاهر أن بينهما
مناسبة تامة لكن جرت عادة الزمخشري بحمل اللفظ على معناه المتبادر ولو
معونة خصوصية الكلام فلهذا قال أنها في قوله تعالى: {لقد أرسلنا نوحًا إلى
قومه} تفيد التوقع وسكت عن معنى التقريب فتأمل والوجه السادس منها أي
التقليل ضربان أي نوعان: النوع الأول تقليل وقوع الفعل الذي دخلت عليه نحو
قد يصدق الكذب قد حرف يدل ههنا على قلة صدور صدق عن الكذوب ويصدق فعل
والكذوب فعول للمبالغة يدل على كثرة كذب فاعله فاجتمع القلة والكثرة في
كلام واحد فأوله بصريح ما يشير إليه آخره على سبيل المقابلة وكذا حال آخره
ففي ذكر هذا المثال وفي السكوت عن ضده نحو قد يكذب الصدوق ترغيب في الصدق
ولو كان في الكذوب تنفير عن الكذب لاسيما إذا كان في حق الصدوق وإرشاد إلى
ذكر المحاسن وإلى السكوت عن ذكر القبائح فقس على هذا قوله ونحو قد يجود
البخيل والنوع الثاني تقليل متعلقه أي متعلق الفعل الذي دخلت عليه كالمفعول
نحو: {قد يعلم ما أنتم عليه} قد تدل ههنا على قلة متعلق العلم كما تدل على
تحقيق العلم إذ لا منافاة بينهما لاختلاف الجملة فكذا ذكر المصنف هذا
المثال مرتين مرة في الوجه الثالث ومرة في الوجه السادس وشرع الياء في
معلوم مما سبق في بيان الوجه الثالث وأما التفسير بقوله إلى أن {ما أنتم
عليه} أقل معلوماته تعالى فتفسير للمعنى المقصود ههنا بحسب مآل المعنى لا
تفسير متعلق العلم حتى يتوجه أن يقول أنه غير معناه فكيف يصح أن يكون
تفسيرًا له فإن قلت فلم عدل إلى التعرض لمعنى الأقلية عن التعرض لمعنى
القلة مع أن كلامه فيه قلت ُللإرشاد إلى أن القليل يكون أقل بالنسبة إلى
معلوماته مع رعاية حسن بيان الأدب هذا ما عليه أكثر النحاة وهو الحق الظاهر
فلهذا لم يستعمل ههنا بإبطال قول المخالف بالدليل بل أشار إلى بطلان قوله
بقوله وزعم بعضهم أي بعض النحاة أنها لا تفيد التقليل أصلاً وأنها في ذلك
أي في نحو: {قد يعلم ما أنتم عليه} وغيره للتحقيق لا للتقليل كما تقدم في
الوجه الثالث من أنها تفيد التحقيق وأنت قد عرفت الجواب عن هذا وللعطف أن
التقليل الحاصل في المثالين أي في نحو يصدق الكذوب وقد يجود البخيل لم
يستفد من قد وهي تدل على التحقيق فقط فيهما على زعمهم بل استفيد من قولك
البخيل يجود والكذوب يصدق سواء وجدت فيه قد أو لا فلهذا غير ترتيب أجزاء
الكلام فلما ادعى أنه مستفاد من القول المذكور وكان ذلك غير بديهي أشار
الحما وليلة بقوله فإنه أي القول المذكور إلى آخره فإن قلت المعاني اللغوية
طريق ثبوتها النقل والسماع لا العقل والاستدلال فكيف يستقيم الاستدلال
ههنا قلتُ دعوى استفادة معنى التقليل غير دعوى معنى التقليل والاستدلال على
الأولى لا على الثانية فاستقام الاستدلال ههنا على أنه استدلال صورة ونقل
معنى والاعتبار للمعاني لا للصور وقد مر مثل هذا كثير إن لم يحمل أي ذلك
القول على أن صدور ذلك أي صدور الجود وصدور الصدق من البخيل والكذوب قليل
كان متناقضًا جواب إن لم يحمل ثم لما كان الناقض ههنا صفة أجزئ كل واحد من
القولين أولاً وبالذات وصفة القول ثانيًا وبالعرض أشار إلى بيان هذا بقوله
لأن آخر كل واحد من الكلام يدفع أوله أول كل واحد منه وذلك لأن يجود يدل
على ثبوت جود كما أن البخيل متعرض لنفيه يصدق يدل على ثبوت صدق والكذوب يدل
على نفيه فوجب حمل صدور الفعل من الفاعل على التعليل المتبادر من الكلام
فحاصل ما ذكر استدلال بنفي اللازم على نفي الملزوم فإن قلت لزوم المناقض
أولى بالحمل ههنا بناء على أن المراد من التناقض ههنا هو موافقة في الجملة
والمدافعة إنما يتصور في الحمل لا في عدم الحمل قلت ُليس معنى كلام المستدل
كما فهمت بل معناه أن آخر قولك يصدق الكذوب مثلاً إن لم يحمل على قلة صدور
صدق من تدل على لزوم صدور الكذب منه وأيما نظر إلى الصبغة والإطلاق وقد دل
أوله على صدور منه فلزم التناقض بخلاف ما حمل عليها فتأمل والجواب إنما
ممنع لزوم التناقض وإنما يلزم لو دل آخر الكلام مثلاً على صدور الكذب منه
دائمًا على تقدير عدم الحمل وهو ممنوع على أنا نقول كون التقليل مستفادًا
من الكلام بطريق الإثارة لا يدفع استفاده من قد بطريق النص والظهور فلا
يكون قولهم مدافعًا لما قلناه والتحقيق أن مضمون الفعل يحتمل التقليل
والتكثير فإذا أردت الدلالة على أحدهما بحسب قيام القرينة أدخلت عليه قد
على قياس ما عرفت في الوجه الخامس والوجه السابع منها التكثير وقد كرب تستعمل في التقليل وضعًا وتستعمل في التكثير على سبيل الاستعارة لمناسبة المتصادر بينهما قاله سيبويه أي قول المعدلي:
قد أترك القرن مصفرًا أنامله كأن أثوابه مجت بفرصاد
قد للتكثير والقرن بالكسر هو الذي سلك في
الشجاعة والأنامل جمع أنملة وهي رأس الأصبع ومجت بفرصاد أُصبغت بمآه
الفرصاد وحقيقته مج الفرصاد عليها من مججت الريق ويجوز أن تكون مأخوذًا من
مج الرجل الشراب إذ رمي به والفرصاد التوت الأحمر والمعنى أترك كثيرًا
شجاعًا مما تلا لي في الشجاعة حال كونه مصفرًا أنامله كأن أثوابه صبغت بماء
الفرصاد أترك فعل فاعله مستتر فيه وهو أنا والقرن مفعوله ومصفرًا منصوب
على أنه حال من القرن وأنامله مرفوع على أنه فاعله لاعتماده على ذي الحال
وكان حرف من الحروف المشبهة بالفعل على التشبيه وأثوابه منصوب اسمه والضمير
المجرور فيه وفي أنامله عائد إلى القرن ومج فعل فاعله مستتر فيه عائد إلى
الأثواب والتاء علامة تأنيث الفاعل وبفرصاد متعلق به والفعل مع معموله
مرفوع المحل أنه خبره والمجموع منصوب المحل على أنه حال منه أيضًا وقال الزمخشري
أي وقال الزمخشري أيضًا أنها تدل على الكثرة في قوله تعالى: {قد نرى تقلب
وجهك في السماء} فإنه قال في الكشاف في تفسير هذا القول قد نرى ومما نرى
ومعنا كثرة الرؤية كقوله قد أترك القرن مصفرًا أنامله والمعنى نرى تردد
وجهك في جهة السماء تطلعًا للوحي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع في
روعه ويتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم وأقدم
القبلتين وأدعى للعرب إلى الإيمَان ولمخالفة اليهود وذلك يدل على كمال أدبه
حيث النظر ولم يسأل فعلم مما ذكر فساد قول من قال المراد من الكثرة ههنا
كثرة متعلق الفعل لا كثرة الفعل أعني الرؤية فإن قلت هل فرق بين المثال
الأول والمثال الثاني في إفادة الكثرة قلتُ بينهما فرق بعد اشتراكهما في
مطلق كثرة الفعل بأن دلالة المثال الثاني على كثرة متعلق الفعل أظهر من
دلالة المثال الأول عليها نرى فعل فاعله مستتر فيه وهو نحن تقلب منصوب
مفعوله ومضاف إلى الوجه وهو مضاف إلى الكاف وفي السماء متعلق بتقلب).
موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للشيخ: خالد بن عبد الله الأزهري قال زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري (ت: 905هـ): (النوع السادس حلفت لها بالله حلفة فاجر = لناموا فما إن من حديث ولا صال قد أترك القرن مصفرا أنامله = كأن أثوابه مجت بفرصاد
ما يأتي من الكلمات على سبعة أوجه:
(وهو قد) لا غير: (فأحد أوجهها أن تكون اسما بمعنى: حسب) (أي: كافي) وفيها مذهبان أحدهما:
أنها معربة رفعا على الابتداء وما بعدها خبر وإليه ذهب الكوفيون وعلى هذا
(فيقال فيها) إذا أضيفت إلى ياء المتكلم، ( (قدي) درهم) (بغير نون) للوقاية
(كما يقال: حسبي درهم)، بغير نون وجوبا.
والثاني:
أنها مبنية على السكون لشبهها بالحرفية لفظا، وهو مذهب البصريين وعلى هذا
يقال: (قدي) بغير نون حملا على حسبي، وقدني بالنون حفظا للسكون لأنه الأصل
في البناء.
الوجه (الثاني) من أوجه
(قد) (أن تكون اسم فعل بمعنى يكفي)، وهي مبنية اتفاقا، ويتصل بها ياء
المتكلم، (فيقال: قدني) درهم بالنون وجوبا (كما يقال يكفيني) درهم. فياء
المتكلم في محل نصب على المفعولية، ودرهم فاعل.
الوجه (الثالث) من أوجه (قد) (أن تكون حرف تحقيق)، لكونها تفيد تحقيق وقوع الفعل بعدها، (فتدخل على) الفعل (الماضي) اتفاقا نحو: {قد أفلح من زكاها} فحققت حصول الفلاح لمن اتصف بذلك. (قيل) وتدخل أيضا (على) الفعل (المضارع نحو) {قد يعلم ما أنتم عليه} أي قد علم، فحصول العلم محقق لله تعالى وهذا مأخوذ من قول (التسهيل) وعليهما للتحقيق.
الوجه (الرابع) من أوجه
(قد) (أن تكون حرف توقع)، لكونها تفيد توقع الفعل وانتظاره، (فتدخل عليهما)
أي: على الماضي والمضارع على الأصح فيهما. وفي قوله (أيضا) تسمح لأن (قد)
التي للتحقيق لا تدخل على المضارع إلا في قول ضعيف عبر عنه بقيل. (تقول) في
المضارع: قد يخرج زيد. إذا كان خروجه متوقعا منتظرا (فدل على أن الخروج
منتظر متوقع). وتقول في الماضي: قد خرج زيد، لمن يتوقع خروجه وفي التنزيل: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} لأنها كانت تتوقع سماع شكواها، هذا مذهب الأكثر من النحويين.
(وزعم بعضهم أنها)، أي قد،
(لا تكون للتوقع مع الماضي لأن التوقع انتظار الوقوع) في المستقبل
(والماضي قد وقع)، فكيف يتوقع وقوع ما وقع؟
(وقال الذين أثبتوا معنى
التوقع مع الماضي أنها تدل على أنه) أي الفعل الماضي، (كان منتظرا)، تقول:
قد ركب الأمير. لقوم ينتظرون هذا الخبر، وهو ركوب الأمير. (ويتوقعون الفعل)
وهو الركوب. وذهب المصنف في (المغني) أن (قد) لا تفيد التوقع أصلا.
الوجه (الخامس) من أوجه قد
(تقريب) الزمن (الماضي) (من) الزمن (الحال) نحو: قد قام فإنها قربت الماضي
من الحال. (ولهذا) التقريب (تلزم (قد) مع الماضي الواقع حالا) اصطلاحية،
(إما ظاهرة) في اللفظ نحو: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} {وقد فصل لكم} حالية، أو مقدرة نحو: {هذه بضاعتنا ردت إلينا} أي قد ردت إلينا. والجملة حالية.
وذهب الكوفيون والأخفش إلى
أن اقتران الماضي الواقع حالا بـ (قد) ليس بلازم لكثرة وقوعه حالا بدون
(قد) والأصل عدم التقدير، هذا هو الظاهر، إذ ليس بين الحال الاصطلاحية
والحال الزمانية ارتباط معنوي، بدليل أنهم قسموا الحال الاصطلاحية إلى
ماضوية ومقارنة ومستقبلة اللهم إلا أن يقال الكلام في الحال المقارنة لأنها
المتبادرة إلى الذهن عند الإطلاق.
(وقال ابن عصفور إذا أجيب
القسم بماض) معنى، (مثبت لا منفي، (متصرف) لا جامد (فإن كان) المعنى (قريبا
من الحال جئت) قبل الفعل الماضي (باللام وقد) جميعا نحو:
(تالله لقد قام زيد) وفي التنزيل: {تالله لقد آثرك الله علينا} (وإن كان) المعنى (بعيدا) من الحال (جئت) قبل الفعل الماضي (باللام فقط) كقوله وهو امرؤ القيس:
(وزعم) جار الله (الزمخشري) في كشافه (عندما تكلم على قوله): {لقد أرسلنا نوحا}
في تفسير (سورة الأعراف، أن قد) الواقعة (مع لام القسم تكون بمعنى
التوقع)، وهو الانتظار، (لأن السامع يتوقع الخبر) وينتظره (عند سماع المقسم
به). هذا معنى كلام الزمخشري ولفظه، فإن قلت: فما بالهم لا يكادون ينطقون
بهذه اللام إلا مع (قد)، وقل عنهم نحو قوله (حلفت بالله .. البيت) ..؟
قلت: الجملة القسمية لا
تساق إلا توكيدا للجملة المقسم عليها، التي هي جوابها فكانت فطنة لمعنى
التوقع الذي هو معنى (قد) عند استماع المخاطب كلمة القسم، انتهى، ولا ينافي
ذلك كونها للتقريب قال في (التسهيل) وتدخل على فعل ماض متوقع لا يشبه
الحرف لتقريبه من الحال، انتهى، واحترز بقوله (لا يشبه الحرف) من الفعل
الجامد نحو: نعم وبئس وافعل التعجب فلا تدخل عليها (قد) لأنها سلبت الدلالة
على المضي.
الوجه (السادس) من أوجه قد (التقليل) بالقاف (وهو ضربان):
الأول: (تقليل وقوع الفعل نحو) قولهم في المثل: (قد يصدق الكذوب وقد يجود البخيل) فوقوع الصدق من الكذوب والجود من البخيل قليل.
والثاني: (تقليل متعلقه) أي: متعلق الفعل (نحو قوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه}
فمتعلق الفعل (العلم) بما هم عليه، أي: أن ما هم منطوون عليه من الأحوال
والمتعلقات (هو أقل معلوماته وزعم بعضهم أنها)، أي (قد)، في ذلك أي: في
قوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه} (للتحقيق) لا للتقليل (كما تقدم) في قوله. وقد تدخل على المضارع نحو قوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه}.
(وزعم) هذا البعض أيضا (أن التقليل في المثالين) وهما: قد يصدق الكذوب وقد
يجود البخيل، (لم يستفد من) لفظ ( (قد) بل من) نفس قولك: (البخيل يجود)
ومن قولك: (الكذوب يصدق) فإنه، أي الشأن، (إن لم يحمل على أن صدور ذلك) أي:
الجود (من البخيل) والصدق من (الكذوب قليل) على جهة الندور (كان متناقضا)
لأن البخيل والكذوب صيغة مبالغة تقتضي كثرة البخل والكذب، فلو كان كل من
يجود ويصدق بدون (قد) يقتضي كثرة الجود والصدق لزم تدافع الكثيرين، (لأن
آخر الكلام) وهو البخيل والكذوب يدفع أوله وهو (يجود ويصدق).
الوجه (السابع) من أوجه (قد) (التكثير قاله سيبويه في قوله) وهو الهذلي:
وقاله الزمخشري أي قال إنها ترد للتكثير في قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} والكثرة هنا في متعلق الفعل لا في نفسه، وإلا لزم تكثير الرؤية وهي قديمة، وتكثير القديم باطل عند أهل السنة).