10 Nov 2008
المبحث الثالث: في أغراض التشبيه
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (المبحثُ الثالثُ: في أغراضِ التشبيهِ
الغرَضُ من التشبيهِ: إمَّا بيانُ إمكانِ المشبَّهِ، نحوُ:
فإنْ تَفُق الأنامَ وأنتَ منهمْ ..... فإنَّ الْمِسكَ بعضُ دمِ الغَزَالِ
فإنَّهُ لمَّا ادَّعَى أنَّ الممدوحَ مُبايِنٌ لأصْلِه بخصائصَ جَعَلَتْهُ حقيقةً منفرِدةً، احْتَجَّ على إمكانِ دعواهُ بتشبيهِه بالمسْكِ الذي أصْلُه دمُ الغزالِ.
وإمَّا بيانُ حالِه، كما في قولِه:
كأنَّكَ شمسٌ والملوكُ كواكبُ ..... إذا طَلَعَتْ لم يَبْدُ منْهُنَّ كوكبُ
وإمَّا بيانُ مِقدارِ حالِه، نحوُ:
فيها اثنتانِ وأربعونَ حَلُوبَةً ..... سُودًا كخافِيَةِ الغُرابِ الأسْحَمِ
شَبَّهَ النُّوقَ السُّودَ بخافيةِ الغُرابِ، بيانًا لِمِقدارِ سوادِها. وإمَّا تقريرُ حالِه، نحوُ: إنَّ القُلُوبَ إذا تَنَافَرَ وُدُّها ..... مِثْلُ الزجاجةِ كَسْرُها لا يُجْبَرُ شَبَّهَ تنافُرَ القلوبِ بكَسْرِ الزجاجةِ تثبيتًا لتَعَذُّرِ عَوْدَتِها إلى ما كانت عليهِ من الْمَوَدَّةِ. وإمَّا تزيينُه، نحوُ: سوداءُ واضحةُ الْجَبِيـ ..... ـنِ كَمُقلَةِ الظَّبْيِ الغَرِيرِ شَبَّهَ سوادَها بسوادِ مُقْلَةِ الظَبْيِ، تَحسينًا لها. وإمَّا تقبيحُه، نحوُ: وإذا أَشارَ مُحَدِّثًا فكأنَّه ..... قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أوْ عَجوزٌ تَلْطُمُ وقدْ يعودُ الغرَضُ إلى الْمُشَبَّهِ بهِ إذا عُكِسَ طَرَفا التشبيهِ، نحوُ: وَبَدَا الصباحُ كأنَّ غُرَّتَهُ ..... وجهُ الخليفةِ حينَ يُمتَدَحُ ومِثلُ هذا يُسَمَّى بالتشبيهِ المقلوبِ).
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): ( (المبحثُ الثالثُ – في أغراضِ التشبيهِ(1) )
الغرَضُ من التشبيهِ. إمَّا بيانُ إمكانِ المُشبَّهِ، نحوُ:
فإن تَفُقِ الأنامَ وأنتَ منهم ..... فإنَّ المِسْكَ بعضُ دمِ الغزالِ
فإنَّه لما ادَّعَى أنَّ الممدوحَ مبايِنٌ لأصلِه بخصائصَ جَعلَتْهُ حقيقةً
منفرِدةً، احتَجَّ على إمكانِ دعواهُ بتشبيهِه بالمِسْكِ الذي أصلُه دَمُ
الغزالِ.
وإمَّا بيانُ حالِه كما في قولِه:
كأنَّكَ شمسٌ والملوكَ كواكبٌ ..... إذا طَلَعَتْ لم يَبْدُ منهنَّ كَوْكبُ
وإمَّا بيانُ مقدارِ حالِه، نحوُ: فيها اثنتانِ وأربعونَ حَلُوبَةً ..... سودًا كخَافيةِ(2) الغُرَابِ الأسْحَمِ إنَّ القلوبَ إذا تَنافَرَ وُدُّها ..... مثلُ الزُّجَاجةِ كسْرُها لا يُجْبَرُ سوداءُ واضحةُ الجَبِيـ ..... ـنِ كمُقلَةِ الظبيِ الغَرِيرِ وإذا أشارَ محدِّثًا فكأنَّهُ ..... قِرْدٌ يُقهْقِهُ أو عجوزٌ تَلْطِمُ وبَدَا الصباحُ كأن غُرَّتَه ..... وجهُ الخليفةِ حينَ يُمْتَدَحُ
وإمَّا تقريرُ حالِه، نحوُ:
وإمَّا تقبيحُه، نحوُ:
____________________
قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ((1) قولُه: (في أغراضِ التشبيهِ)، الأغراضُ جمْعُ غرَضٍ، وهو المصلَحةُ المترتِّبةُ على الفعْلِ من حيثُ إنَّها مطلوبةٌ للفاعلِ بالفعْلِ، وباعثةٌ له على إيجادِه، وهو هنا نوعانِ: ما يَرجِعُ إلى المشبَّهِ، وتحتَهُ سبعةُ أقسامٍ، ذَكَرَ المؤلِّفُ منها ستَّةً: بيانُ إمكانِ المشبَّهِ، أو حالِه، أو مقدارِها، أو تقريرِها، أو تَزْيينِه، أو تَشْويهِه، وبَقِيَ السابعُ وهو استطرافُهُ، أي عَدُّه طَريفًا حديثًا بديعًا؛ إمَّا لإبرازِه في صورةِ الممتنِعِ عادةً كما في تشبيهِ فحْمٍ سَرَت النارُ فيه سريانًا يُتَوَهَّمُ فيه الاضطرابُ كاضطرابِ الموجِ ببحرٍ من مِسْكٍ ذائبٍ موجُهُ الذهَبُ الذائبُ؛ إذْ لا شكَّ أنَّ إبرازَ الشيءِ المبتَذَلِ، وهو الفحْمُ المذكورُ، في صورةِ الممتنِعِ عادةً، وهو البحرُ المذكورُ، بِتَخَيُّلِ أنَّهُ كَهُوَ يُوجِبُ غايةَ الاستطرافِ. وإمَّا لإبرازِه وهو شيءٌ تافِهٌ محتَقَرٌ في وصْفِ شيءٍ رفيعٍ لا تَصِلُ إليهِ الأثمانُ كما في تشبيهِ الفحمِ المذكورِ بالبحْرِ المذكورِ أيضًا. وإمَّا لنُدُورِ حضورِ المشبَّهِ به مُطلَقًا في الذهْنِ كما في تشبيهِ الفحْمِ المذكورِ بالبحْرِ المذكورِ أيضًا. وإمَّا لنُدُورِ حضورِ المشبَّهِ به في الذهْنِ عندَ حضورِ المشبَّهِ فيه كما مَرَّ في تشبيهِ البنفْسِجِ بأوائلِ النارِ في أطرافِ كِبريتٍ. وما يَرجِعُ إلى المشبَّهِ به، وتحتَه قسمانِ: إيهامُ أنَّ المشبَّهَ به أَتَمُّ من المشبَّهِ، وهوَ ما اقتَصَرَ عليهِ هنا. وبيانُ الاهتمامِ بالمشبَّهِ به، كتشبيهِ الجائعِ وجهًا كالبدْرِ في الإشراقِ، والاستدارةِ بالرغيفِ، ويُسَمَّى هذا إظهارَ المطلوبِ.
(2) قولُه: (كخَافِيَةِ)، في المختارِ الخَوَافِي ما دونَ الريشاتِ العَشْرِ من مُقَدِّمِ الجناحِ ا.هـ). دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (المبحثُ الثالثُ في أغراضِ التشبيهِ فإنْ تَفُق الأنامَ وأنتَ منهمْ ..... فإنَّ الْمِسكَ بعضُ دمِ الغَزَالِ فإنَّهُ لمَّا ادَّعَى أنَّ الممدوحَ مُبايِنٌ لأصْلِه
بخصائصَ جَعَلَتْهُ حقيقةً منفرِدةً، احْتَجَّ على إمكانِ دعواهُ بتشبيهِه
بالمسْكِ الذي أصْلُه دمُ الغزالِ. كأنَّكَ شمسٌ والملوكُ كواكبُ ..... إذا طَلَعَتْ لم يَبْدُ منْهُنَّ كوكبُ فيها اثنتانِ وأربعونَ حَلُوبَةً ..... سُودًا كخافِيَةِ الغُرابِ الأسْحَمِ إنَّ القُلُوبَ إذا تَنَافَرَ وُدُّها ..... مِثْلُ الزجاجةِ كَسْرُها لا يُجْبَرُ سوداءُ واضحةُ الْجَبِيـ ..... ـنِ كَمُقلَةِ الظَّبْيِ الغَرِيرِ وإذا أَشارَ مُحَدِّثًا فكأنَّه ..... قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أوْ عَجوزٌ تَلْطُمُ وَبَدَا الصباحُ كأنَّ غُرَّتَهُ ..... وجهُ الخليفةِ حينَ يُمتَدَحُ
الغرَضُ من التشبيهِ:
إمَّا بيانُ إمكانِ المشبَّهِ، نحوُ:
وإمَّا بيانُ حالِه، كما في قولِه:
وإمَّا تقريرُ حالِه، نحوُ:
وإمَّا تزيينُه، نحوُ:
وإمَّا تقبيحُه، نحوُ:
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (المبحثُ الثالثُ في أغراضِ التشبيهِ(1) فإن تَفُقِ الأنامَ(5) و(6) أنت منهم(7) ..... فإن المِسْكَ(8) بعضُ دَمِ الغزالِ(9) فإنه لما ادَّعَى(10) أنَّ الممدوحَ مُبايِنٌ لأصلِه بخصائصَ(11)
جَعَلَتْه(12) حقيقةً منفرِدَةً(13) احتَجَّ على إمكانِ دَعْواه(14)
بتشبيهِه(15) بالمِسْكِ الذى أصلُه دمُ الغزالِ(16). وإما بيانُ حالِه(17)، كما(18) في قولِه(19): كأنك شمسٌ والملوكُ كواكبُ ..... إذا طَلَعَتْ(20) لم يَبْدُ(21) منهنَّ كوكبُ(22) فيها اثنتان وأربعون(25) حلوبةً ..... سُوداً كخافِيَةِ الغُرابِ الأسحَمِ(26) إنَّ القلوبَ إذا تَنافَرَ(31) وُدُّها(32) ..... مثلُ الزجاجةِ كَسْرُها لا يُجْبَرُ(33) سوداءُ واضحةُ الْجَبِيـ ..... نِ كمُقلَةِ الظَّبْيِ الغريرِ(42) وإذا أَشارَ محدِّثاً(49) فكأنَّه ..... قِرْدٌ(50) يُقَهْقِهُ(51) أو عجوزٌ تَلْطِمُ(52) وبَدا(57) الصباحُ(58) كأن غُرَّتَه(59) ..... وجهُ الخليفةِ(60) حين يُمْتَدَحُ(61) قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): ((1) المبحثُ الثالثُ في أغراضِ التشبيهِ الأغراضُ جمْعُ غرَضٍ والمرادُ به الأمرُ الباعثُ للمتكلِّمِ في استعمالِ
التشبيهِ، وهو قسمان: أحدُهما أن يكونَ غَرَضًا عائداً إلى المُشبَّهِ،
والثاني أن يكونَ عائداً إلى المُشبَّهِ به، أما الأوَّلُ فهو المشارُ إليه
بقولِه. (2) (الغرضُ من التشبيهِ إما بيانُ إمكانِ) وجودِ (3) (المُشبَّهِ) أي: بيانُ أنَّ المُشبَّهَ
أمْرٌ ممكِنُ الوجودِ, وذلك فيما إذا كان المُشبَّهُ أمْراً غريباً
يُمْكِنُ أن يُدَّعَى استحالةُ وقوعِه لغرابتِه فيُؤْتَى بالتشبيهِ على
طريقِ الدليلِ على إثباتِه، بأن يُشَبَّهَ بأمرٍ مُسَلَّمِ الإمكانِ
لوقوعِه في وجهٍ جامعٍ بينَهما, فيُسَلَّمُ إمكانُ المدَّعَى؛ إذ لو
استحالَ انْتَفى معناه الكُلِّيُّ عن كلِّ فردٍ, فيَلزَمُ انتفاءُ ذلك
الواقعِ وهو محالٌ فيَثْبُتُ المدَّعَى. (4) (نحوُ) قولِ أبي الطَّيِّبِ المتنَبِّي من قصيدتِه التي رَثَى بها والدةَ سيفِ الدولةِ ابنِ حَمْدانَ. (5) (فإن تفُقِ الأنامَ) أي: إن تَعْلُ بالشرفِ
الأنامَ الموجودِين في زمانِك من إنسٍ وجِنٍّ حتى صِرْتَ كأنك جنْسٌ آخَرُ
استُفِيدَ صَيْرُورتُه جنساً آخَرَ من تعميمِ الأنامِ بواسطةِ أن الداخلَ
في الجنسِ لابد أن يساويَه فردٌ منه غالباً. (6) (و) الحالُ أنك. (7) (أنت منهم) أي: بحسبِ الأصلِ؛ لأنك
آدَمِيٌّ بالأصالةِ فلا يُنافي دعوى صيرورتِه جنساً برأسِه، وجوابُ الشرطِ
محذوفٌ أُقيمَ مُقامَه حالُ المُشبَّهِ به, وهو ما أُشيرَ إليه بقولِه. (8) (فإنَّ الْمِسْكَ) أي: إن خرَجْتَ أيُّها الممدوحُ عن جنسِك بكمالِ أوصافِك فلا بُعْدَ في ذلك, ولا استغرابَ؛ لأنك كالْمِسْكِ، والْمِسْكُ في أصلِه. (9) (بعضُ دمِ الغزالِ) وقد خرَجَ عن جنسِه بكمالِ أوصافِه, فحالُك كحالِ الْمِسْكِ. (10) (فإنه لما ادَّعَى) أي: الشاعرُ هذا علَّةً لصحَّةِ التمثيلِ بالبيتِ لكونِ الغرَضِ من التشبيهِ بيانَ إمكانِ المُشبَّهِ. (11) (أن الممدوحَ مبايِنٌ لأصلِه بخصائصَ) أي: صفاتٍ فاضلةٍ. (12) (جعلَتْه) أي: الممدوحَ. (13) (حقيقةً منفرِدةً) أي: بنفسِها ومستقلَّةً برأسِها وكان هذا المدَّعَى في الظاهرِ مما يمكِنُ أن تُدَّعَى استحالتُه. (14) (احتجَّ على إمكانِ دَعْواه) أي: أقامَ الْحُجَّةَ أي: الدليلَ على إثباتِ هذا المدَّعَى وإمكانِه لدفْعِ إنكارِه لغرابتِه. (15) (بتشبيهِه) أي: الممدوحِ. (16) (بالمسْكِ الذي أصلُه دمُ الغزالِ)
بجامعِ فوَقَانِ الأصلِ في كلٍّ، وهذا التشبيهُ ليس مذكوراً صراحةً بل
كِنايةً ذُكِرَ لازِمُه وهو وجهُ الشبَهِ أعني فَوَقَانَ الأصلِ وأُريدَ
الملزومُ وهو التشبيهُ. (17) (وإما بيانُ حالِه) أي: حالِ المُشبَّهِ،
ومعنى ذلك أن يُبَيِّنَ الوصْفَ الذي هو عليه, للجهْلِ به عندَ السامعِ بأن
يُقَرِّرَ بذلك التشبيهِ أيَّةَ حالةٍ وصِفَةٍ كان عليها المُشبَّهُ عندَ
سؤالِ المخاطَبِ ذلك بلفظِه أو بحالِه. (18) (كما) أي: كالبيانِ الكائنِ. (19) (في قولِه) أي: الشاعرِ. (20) (كأنك شمسٌ والملوكُ كواكبُ. إذا طلَعَتْ) أي: الشمسُ. (21) (لم يَبْدُ) أي: لم يَظْهَرْ. (22) (منهن كوكبُ) شبَّهَ المخاطَبَ بالشمسِ
بياناً لحالِه من الظهورِ، وشبَّهَ الملوكَ بالكواكبِ بياناً لحالِهم من
عدَمِ الظهورِ بجانبِه, فيكونُ هذا التشبيهُ لبيانِ حالِ المُشبَّهِ إذا
علِمَ السامعُ حالَ المُشبَّهِ به دونَ المُشبَّهِ، بخلافِ ما لو كان حالُ
المُشبَّهِ معلوماً له قبلَ التشبيهِ فلا يكونُ ذلك التشبيهُ لبيانِ حالِ
المُشبَّهِ؛ لأنها مبيَّنَةٌ ومعلومةٌ, وتَبيينُ المبيَّنِ عَبَثٌ، بل
يكونُ لمدحِه فتدَبَّرْ. (23) (وإما بيانُ مقدارِ حالِه) أي: كَمِّيتِهَا بأن عرَفَ السامعُ صفتَه, ولكن جَهِلَ مَرتَبَتَها من قوَّةٍ وضعْفٍ وزَيْدٍ ونقْصٍ. (24) (نحوُ) قولِ الشاعرِ. (25) (فيها اثنتان وأربعون) نِياقاً. (26) (حَلوبَةً. سُوداً كخافِيَةِ الغُرابِ الأسحَمِ) الخافيةُ تُجمَعُ على خَوَافٍ وهي ما دونَ الرِّيشاتِ العشْرِ من مقدَّمِ الْجَناحِ. (27) (شبَّهَ النُّوقَ السودَ) أي: شبَّهَ الشاعرُ النِّياقَ السودَ أي: المعلومَ أصلُ سوادِها. (28) (بخافِيَةِ الغرابِ بياناً لمقدارِ سوادِها) في الشدَّةِ حيثُ عَلِمَ السامعُ مقدارَ حالِ المُشبَّهِ به دونَ المُشبَّهِ نظيرَ الغرضِ الآنفِ ذِكرُه. (29) (وإما تقريرُ حالِه) أي: حالِ المُشبَّهِ في نفْسِ السامعِ بإبرازِها فيما هي أظهرُ وأقوى. (30) (نحوُ) قولِ الشاعرِ. (31) (إنَّ القلوبَ إذا تَنافَرَ) أي: ذَهَبَ. (32) (وُدُّها) أي: محبَّتُها. (33) (مثلُ الزجاجةِ كسْرُها لا يُجبَرُ) أي: لا يُمكِنُ إصلاحُه (34) (شبَّهَ) الشاعرُ. (35) (تَنافُرَ القلوبِ) وحالُه واضحٌ. (36) (بكسْرِ الزجاجةِ تثبيتًا) أي: قصْدًا لتقريرِه في ذهْنِ السامعِ. (37) (لتعذُّرِ عودتِها) أي: القلوبِ. (38) (إلى ما كانت عليه من ) الأُنْسِ و. (39) (المودَّةِ) كما أن الزجاجةَ المكسورةَ
يَتعذَّرُ جبْرُها بجامِعِ تعذُّرِ العوْدِ إلى ما كان عليه في كلٍّ، وإنما
أفادَ التقريرُ المذكورُ؛ لأن تعذُّرَ العودِ إلى ما كان عليه في الزجاجةِ
أمرٌ حِسِّيٌّ متحقِّقٌ بالشهودِ, والنفسُ بالحسِّيِّ أكثرُ إلْفاً منها
بغيرِه. (40) (وإما تزيينُه) أي: إيقاعُ زينتِه وحسْنِه
في ذهْنِ السامعِ فيَتخيَّلُ أنه كذلك ترغيباً فيه, ولو لم يكنْ في نفسِ
الأمرِ كذلك بأن يُصَوِّرَه للسامِعِ بصورةٍ حسَنةٍ، سواءٌ كانت تُدرَكُ
بالعينِ أو بغيرِها. (41) نحوُ قولِ الشاعرِ في امرأةٍ: (42) (سوداءُ واضحةُ الْجَبينِ كمُقْلَةِ الظبْيِ الغَريرِ) الْمُقْلَةُ
بضمِّ الميمِ: شَحْمَةُ العينِ, أو هي السوادُ والبياضُ منها. والغَريرُ
بفتحِ الغَيْنِ المعجَمَةِ أي: الحسَنُ خَلْقاً بفتحِ الخاءِ المعْجَمَةِ. (43) (شبَّهَ) الشاعرُ. (44) (سوادَها) أي: سوادَ المرأةِ (45) (بسوادِ مُقْلَةِ الظبْيِ) أي: بالسوادِ الكائنِ في مُقْلَةِ الظبْيِ. (46) (تَحسيناً لها) أي: تصويراً للسامعِ
إيَّاها بصورةٍ حسَنةٍ، وإنما أفادَ ذلك؛ لأن السوادَ الذي في مُقْلَةِ
الظبْيِ أوجبَ لها حسْناً، لأن السوادَ في العينِ حسَنٌ بالْجِبِلَّةِ وذلك
لِمَا يُلازِمُه من الصفاءِ العجيبِ، والاستدارةِ مع إحاطةِ لونٍ مخالِفٍ
له غالباً من نفسِ العينِ أو خارجِها. قال في الأطْوَلِ: والتشبيهُ
مبْنِيٌّ على ما قالَ الأصمعيُّ من أن عينَ الظبْيِ وبَقَرِ الوحْشِ في
حالِ الحياةِ كلَّها سوادٌ, وإنما يَظهرُ فيها البياضُ مع السوادِ بعدَ
الموتِ. ا هـ. (47) (وإما تقبيحُه) أي: إيقاعُ قبْحِ
المُشبَّهِ في ذهْنِ السامعِ لتنفيرِه عنه, فيُتخيَّلُ أنه كذلك, ولو لم
يكنْ في نفسِ الأمرِ كذلك بأن يُصوِّرَه بصورةٍ قبيحةٍ. (48) (نحوُ) قولِ الشاعرِ. (49) (وإذا أشارَ محدِّثاً) اسمُ فاعلٍ من التحديثِ حالٌ. (50) (فكأنَّه قرْدٌ) حيوانٌ معروفٌ عندَ العامَّةِ بالسَّعْدَانِ. (51) (يُقَهْقِهُ) أي: يَشتدُّ ضَحِكُه. (52) (أو عجوزٌ تَلْطِمُ) بكسْرِ الطاءِ
المهمَلةِ, أي: تَضرِبُ خدَّها أو صَفْحةَ جسدِها بالكَفِّ مفتوحةً أو
بباطنِ كفِّها، والغرَضُ من التشبيهِ في هذا هو تشويهُ المُشبَّهِ به
وذمُّه (وأما القسمُ الثاني فقد أشارَ إليه بقولِه. (53) (وقد يعودُ الغرَضُ) أي: من التشبيهِ. (54) (إلى المُشبَّهِ به) لفظاً, وإن كان مشبَّهاً معنًى. (55) (إذا عكِسَ طرَفَا التشبيهِ) أي: إذا
جُعِلَ المُشبَّهُ مشبَّهاً به, وبالعكسِ فإن الغرَضَ في ذلك إيهامُ
السامعِ أن المُشبَّهَ به أَتَمُّ من المُشبَّهِ في وجهِ الشبَهِ مع أنه
ليس كذلك في الواقعِ. (56) (نحوُ) قولِ محمَّدِ بنِ وُهَيْبٍ الْحِمْيَرِيِّ في مدْحِ الخليفةِ المأمونِ. (57) (وبَدَا) أي: ظهَرَ. (58) (الصباحُ) أي: الصبْحُ. (59) (كأنَّ غُرَّتَهُ) إضافةُ الغُرَّةِ إلى
الضميرِ للبيانِ, أي: كأنَّ الغُرَّةَ التي هي من الصباحِ؛ لأنَّ الغُرَّةَ
في الأصْلِ بياضٌ في جَبْهةِ الفرَسِ فوقَ الدرهمِ استعارَها الشاعرُ
للضياءِ التامِّ الحاصلِ عندَ الإسفارِ فيكونُ المرادُ بالغُرَّةِ نفسَ
الصباحِ. (60) (وجهُ الخليفةِ) المأمونِ بنِ هارونَ الرَّشِيدِ العباسيِّ. (61) (حينَ يُمْتَدَحُ) أي: حالَ الامتداحِ أعني
قَبولَ المدحِ فوجهُ الخليفةِ هو المُشبَّهُ بالأصالةِ ضرورةَ أن إشراقَ
الصباحِ أقوى ضياءً, وأظهرُ من إشراقِ وجهِ الخليفةِ, لكنْ عَكَسَ التشبيهَ
فجَعلَه مشبَّهاً به؛ ليُوهِمَ أن هذا المُشبَّهَ به لفظاً وهو وجهُ
الخليفةِ أقوى من المُشبَّهِ لفظاً وهو الصباحُ أو غُرَّتِه على قاعدةِ ما
يُفيدُه التشبيهُ بالأصالةِ من كونِ المُشبَّهِ به أقوى من المُشبَّهِ في
وجهِ الشبَهِ. (62) (ومِثلُ هذا) أي: التشبيهِ الذي عُكِسَ طرَفاه. (63) (يُسَمَّى بالتشبيهِ المقلوبِ) وهو الذي
يُجعَلُ فيه المُشبَّهُ الذي هو الناقصُ بالأصالةِ مشبَّهاً به، ويُجعلُ
فيه المُشبَّهُ به الذي هو الكاملُ بالأصالةِ مشبَّهاً، فإذا جُعِلَ كذلك
وَقعَ في وهْمِ السامعِ أن المُشبَّهَ به الناقصَ أَتَمُّ من المُشبَّهِ في
وجهِ الشبَهِ؛ لأن مُقْتَضَى أصلِ تركيبِ التشبيهِ كمالُ المُشبَّهِ به عن
المُشبَّهِ في وجهِ الشبَهِ، ويُسَمَّى أيضاً التشبيهَ المعكوسَ أو
الْمُنْعَكِسَ).
الغرضُ من التشبيهِ إما بيانُ إمكانِ(2) المشبَّهِ(3)،
نحوُ:(4)
وإما تقريرُ حالِه(29)، نحوُ(30):
وإما تقبيحُه(47)، نحوُ(48):
__________________________
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل
حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (* المبحثُ الثالثُ في أغراضِ التشبيهِ * كأنَّكَ شمسٌ والملوكَ كواكبٌ ...... إذا طَلَعْتَ لم يَبْدُ منهنَّ كَوْكَبُ فإنَّ وصْفَ الشمسِ،وهوَ عدَمُ ظهورِ الكواكبِ عندَ ظهورِها، لَمَّا كانَ
بَيِّنًا ومعلومًا للسامِعِ، شَبَّهَ الممدوحَ بها لبيانِ أنَّ حالَهُ
بالنِّسبةِ إلى سائرِ الملوكِ كحالِ الشمْسِ بالنِّسبةِ إلى الكواكبِ . وإمَّا بيانُ مِقدارِ حالِه، يعني إذا عَرَفَ أحدٌ حالَ
المُشَبَّهِ،وَجَهِلَ مِقْدَارَ هذه الحالِ في القوَّةِ
والضعْفِ،والزيادةِ والنُّقصانِ، فإنَّكَ تُبَيِّنُ لهُ ذلكَ بتَشبيهِه
بما هوَ في مَرتَبَةٍ خاصَّةٍ لتلكَ الحالِ من الشدَّةِ والضَّعْفِ، فيكونُ
غَرَضُكَ منْ إيرادِ التشبيهِ بيانَ ذلكَ الْمِقْدَارِ، نحوَ: ( فيها )،
أيْ: في قبيلةِ المحبوبةِ، ( اثنتانِ وأربعونَ حَلُوبَةً )، أيْ: مَحلوبةً،
( سُودًا )، أشارَ بهذا الوَصْفِ إلى أنَّهُم يُسْرِعُونَ في السَّيْرِ؛
فإنَّ سُودَ الإبِلِ تَصْبِرُ على العَطَشِ أكثرَ منْ غيرِها، ( كخَافِيَةِ
الغُرابِ )، الخافيةُ: واحدُ الخَوافِي، وهيَ الرِّيشَاتُ التي تَخْفَى
عندَما يَضُمُّ الطائرُ جَنَاحَيْهِ، ( الأسْحَمِ )، أي: الأسودِ. فلما
كانَ حالُ سوادِ النُّوقِ السُّودِ مَعلومًا، ولكنْ جُهِلَ مِقدارُ تلكَ
الحالِ منْ شِدَّةٍ أوْ ضَعْفٍ، شَبَّهَ النُّوقَ السُّودَ بخافِيَةِ
الغرابِ في شِدَّةِ سوادِها؛ بيانًا لِمِقدارِ سوادِها، أيْ سوادِ النُّوقِ
السودِ . وإمَّا تقريرُ حالِه،وإنَّما لمْ يَقُلْ ههنا: وإمَّا بيانُ تقريرِ حالِه،
بإيرادِ لفظِ البيانِ كما قالَ فيما سَبَقَ ؛ لأنَّ التقريرَ ليسَ شيئًا
خارِجًا عن البيانِ، بلْ هوَ نوعٌ منهُ،وهوَ البيانُ على وَجْهِ
التَّمَكُّنِ. والحاصلُ أنَّ الغَرَضَ من التشبيهِ قدْ يكونُ تقريرَ حالِ
المُشَبَّهِ في ذِهْنِ السامعِ، وتمكينَها في نفسِه بسببِ إلحاقِه بأمرٍ
وُجِدَتْ فيهِ تلكَ الحالُ على وَجْهٍ أَظْهَرَ وأَقْوَى، نحوَ: إنَّ القلوبَ إذا تَنَافَرَ َوُدُّها ..... مِثْلُ الزجاجةِ كَسْرُها لا يُجْبَرُ شَبَّهَ تَنَافُرَ القلوبِ بكسْرِ الزجاجةِ؛ لأنَّ عدَمَ جَبْرِ هذا
الكَسْرِ،وعدَمَ عَوْدِ الزجاجةِ إلى ما كانتْ عليهِ أمْرٌ حِسِّيٌّ
مُتَحَقَّقٌ بالشهودِ، فأَتَى بتشبيهِ تَنَافُرِ القلوبِ بهذا الكَسْرِ
تقريرًاوتثبيتًا لتَعَذُّرِ عودتِها إلى ما كانتْ عليهِ من الْمَوَدَّةِ؛
لأنَّ النفْسَ بالْحِسِّيِّ أكثرُ إِلْفًا منها بغيرِه، فيَحْصُلُ بهذا
التشبيهِ منْ تقريرِ تَعَذُّرِ العَوْدِ للقلوبِ إلى الْمَوَدَّةِ ما لا
يَحْصُلُ بغيرِه . وإمَّا تَزْيينُه، أيْ إيقاعُ زينةِ المُشَبَّهِ في عينِ السامِعِ،
وتصويرُه بصورةٍ حَسَنَةٍ لهُ؛ ترغيبًا فيهِ لا بيانَ الزَّيْنِ الكائنِ
فيه، ولذا لمْ يُورِدْ لفظَ البيانِ، نحوَ: سوداءُ واضحةُ الْجَبِينِ ..... كمُقْلَةِ الظَّبْيِ الغَريرِ فإنَّهُ شَبَّهَ سوادَها بسوادِ مُقْلَةِ الظَّبْيِ تحسينًا لها،وتصويرًا
بصورةٍ حَسَنَةٍ عندَ السامعِ؛ فإنَّ السوادَ الكائنَ في مُقْلَةِ
الظَّبْيِ مُسْتَحْسَنٌ طبعًا . وإمَّا تَقْبِيحُه، أيْ إيقاعُ قُبْحِ المُشَبَّهِ في ذِهْنِ السامعِ
بإلحاقِه بما تَحَقَّقَ فيهِ القُبْحُ عندَهُ لِيَتَنَفَّرَ عنهُ، نحوَ: وإذا أَشارَ مُحَدِّثًا فكأنَّهُ ..... قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أوْ عَجُوزٌ تَلْطُمُ شَبَّهَ الْمَهْجُوَّ حالةَ تحديثِه بقِرْدٍ حالةَ القَهْقَهَةِ، أوْ بعجوزٍ حالةَ لَطْمِ وَجْهِهَا؛ تقبيحًا لهُ وتنفيرًا عنه . وقدْ يعودُ الغَرَضُ إلى المُشَبَّهِ بهِ إذا عُكِسَ طَرَفا التشبيهِ بأنْ
يُجْعَلَ ما هوَ مُشَبَّهٌ في نفسِ الأمْرِ وناقصٌ بالأصالةِ مُشَبَّهًا
به، ويُجْعَلُ ما هوَ مُشَبَّهٌ بهِ فيها وكاملٌ بالأصالةِ مُشَبَّهًا؛
لإيهامِ كونِ المُشَبَّهِ الذي جُعِلَ مُشَبَّهًا بهِ أَتَمَّ من
المُشَبَّهِ بهِ الذي جُعِلَ مُشَبَّهًا؛ لأنَّ مُقْتَضَى أصْلِ تركيبِ
التشبيهِ كونُ المُشَبَّهِ بهِ في الكلامِ أكْمَلَ من المُشَبَّهِ فيعودُ
الغَرَضُ إلى ما جُعِلَ مُشَبَّهًا بهِ لفظًا، نحوَ: (وَبَدَا)، أيْ: ظَهَرَ الصباحُ، (كأنَّ غُرَّتَه)، أيْ: بياضَ الصبْحِ
وإشراقَه، ( وَجْهُ الخليفةِ حينَ يُمْتَدَحُ )، فوجْهُ الخليفةِ مُشَبَّهٌ
بغُرَّةِ الصباحِ في الحقيقةِ، لكنَّ الشاعِرَ عَكَسَ التشبيهَ قَصْدًا
إلى ادِّعاءِ أنَّهُ أكمَلُ منْ غُرَّةِ الصباحِ في الضياءِ على قاعدةِ ما
يُفيدُه التشبيهُ منْ كونِ المُشَبَّهِ بهِ في الكلامِ أقوى من المُشَبَّهِ
في وجهِ الشَّبَهِ. ومثلُ هذا يُسَمَّى بالتشبيهِ المقلوبِ، ووجهُه
ظاهِرٌ؛ لأنَّهُ يُجْعَلُ فيهِ الناقصُ في وجهِ الشبَهِ مُشَبَّهًا به،
والكاملُ فيهِ مُشَبَّهًا، وهوَ قَلْبٌ لِمَا هوَ الأصْلُ في التشبيهِ منْ
كمالِ المُشَبَّهِ بهِ عن المُشَبَّهِ في وجهِ الشبَهِ).
الغَرَضُ من التشبيهِ إمَّا بيانُ إمكانِ المُشَبَّهِ، وذلكَ إذا كانَ
المُشَبَّهُ أَمْرًا غَرِيبًا رُبَّمَا يُدَّعَى الاستحالةُ فيهِ، فيُؤْتَى
بتشبيهِه بما هوَ مُسَلَّمُ الإمكانِ؛ ليَثْبُتَ بهِ إمكانُ المُشَبَّهِ،
نحوَ: ( فإنْ تَفُق الأَنَامَ )، أيْ: بصِفاتِك الفاضلةِ التي تَتَنَاهى
إلى حدٍّ تصيرُ بها أنْتَ كأنَّكَ مُبايِنٌ للأنامِومنفرِدٌ منهم، (وأنتَ
منهم )، أيْ: والحالُ أنَّكَ منهم بحسَبِ الحقيقةِ؛ لكونِكَ آدَمِيًّا
بالأصالةِ، فلا بُعْدَ في ذلكَ، (فإنَّ الْمِسْكَ) في أصْلِه (بعضُ دَمِ
الغَزَالِ)، وقدْ صارَ بكمالِ أوصافِه خارجًا عنْ جِنْسِه مُبَايِنًا لهُ،
فأنت مثلُ الْمِسكِ،وحالُك كحالِه،وهذا التشبيهُ وإنْ لم يُذْكَرْ في
البيتِ صراحةً، لكنَّهُ فُهِمَ منهُ ضِمْنًا،والمقصودُ منهُ إثباتُ إمكانِ
الْمُشبَّهِ؛ فإنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أنَّ الممدوحَ مبايِنٌ لأصلِه
بخصائصَ وصفاتٍ، جَعَلَتْهُ تلكَ الخصائصُ والصفاتُ حقيقةً منفرِدَةً،
وكانَ ذلكَ مِمَّا يُسْتَغْرَبُ جِدًّا،ويُمْكِنُ أن يُدَّعَى استحالتُه،
احْتَجَّ على إمكانِ دَعْوَاهُ بتشبيهِه بالْمِسْكِ الذي أصْلُه دمُ
الغزالِ،ومعَ ذلكَ صارَ هوَ مُبَايِنًا لأصلِه،وشيئًا مُنْفَرِدًا
بنفسِه،وهذا مِمَّا لا يَشُكُّ في إمكانهِ أحَدٌ لوقوعِه، فيُسَلِّمُ
إمكانَ الدَّعْوىولا يَشُكُّ في إمكانِه أيضًا .
وإمَّا بيانُ حالِه بأنَّهُ على أيِّ وَصْفٍ من الأوصافِ، وهذا إنَّما
يكونُ إذا عَلِمَ السامِعُ حالَ المشبَّهِ به،وجَهِلَ حالَ المشبَّهِ،
فيُؤْتَى بالتشبيهِ ليَتَقَرَّرَ بهِ حالُ المشبَّهِ، كما في قولِه:
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ) قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (المبحث الثالث: في أغراض التشبيه * مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا * هذا زعم ودعوى، فهو يزعم أن هذا الفرس لنشاطه وقوته
وسرعته مكر ومفر في نفس الوقت، (مقبل مدبر معًا) يقبل ويدبر في وقت واحد،
فتقول: هذا مستحيل جمع الأضداد، فيقول: * كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ * فأتى بالتشبيه ليبين لك أن هذا ممكن، (كجلمود صخر) وهو
الصخر الكبير، (حطه السيل من عل) أي: من أعلى الجبل، فينزل في سرعة هائلة
ويبقى دائماً في استدارة، فهو مقبل مدبر في نفس الوقت، فهذا يسمى بيان
الإمكان، فالتشبيه هنا جُلب لبيان الإمكان، لبيان أن الأمر يمكن. وكذلك قول أبي الطيب المتنبي: فإن تفق الأنام وأنت منهم ..... فإن المسك بعض دم الغزال وهذا في غير التشبيه فلم يذكر أداة التشبيه هنا قال:
(فإن تفق الأنام وأنت منهم) هو زعم أن سيف الدولة فاق الورعة الناس كلهم في
زمانه، فقيل له: كيف يفوقهم وما هو إلا رجل منهم؟ فقال: (فإن المسك بعض دم
الغزال) فالمسك الذي يتطيب به هو في الأصل بعض دم الغزال، خرج من صرته
فكان فيما يسمى بالفأرة فأرة المسك، فهو في الأصل بعض دمه لكن الله شرَّفه
عليه، فهذا يسمى بيان الإمكان. وكذلك قول الآخر في مرثية أحد العلماء يصف قبره يقول: فإما كنت شبرا فيك بحر ..... وطود شامخ عذب بهي فذا القرآن يجمعه جفير ..... صغير الحجم تمثيل جلي يقول لهذا القبر: (فإما كنت شبرا) عرضه شبر فقط، ومع ذلك فيه بحر وجبل. فإما كنت شبراً فيك بحر وطود شامخ عذب بهي (عذب) في وصف البحر فماؤه عذب، و (بهي) أي جميل في وصف
الجبل، وصف الطود، فهذه دعوى عظيمة يشق تسليمها، فأتى بما يدل على الإمكان
فقال: فذا القرآن يجمعه جفير ..... صغير الحجم تمثيل ثجلي القرآن أكبر شيء في هذه الدنيا، هو كلام الله، وحاوٍ
لكل العلوم، ومستوعب لها، ولا تفنى عجائبه ولا يبيد، ومع ذلك يحمله جفير
صغير، فهذا تمثيل فقط، تمثيل جلي. ومن نوادر أبي تمام، أنه حين امتدح الخليفة بقصيدته السينية المشهورة، قال فيها: إقدام عمرو في سماحة حاتم ..... في حلم أحنف في ذكاء إياس فقال بعض الحاضرين: كيف تشبه الخليفة؟ بهؤلاء وليس أحد منهم خليفة، فكلهم دون الخليفة، فعاد للبيت فقال: إقدام عمرو في سماحة حاتم ..... في حلم أحنف في ذكاء إياس لا تنكروا ضربي له من دونه مثلا ..... شروداً في الندى والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره ..... مثلا من المشكاة والنبراس هذا على وجه البديهة فالله قد ضرب الأقل لنوره ..... مثلاً من المشكاة والنبراس الله تعالى يقول: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة} وهذا التشبيه لا يقصد به أن نور الله محصور كنور المصباح في المشكاة أبداً، بل نقصد به التفهيم فقط، لتفهم أنت انتشار النور. يا شيخ يسمى ضميناً نعم لكن في الآية تشبيه حقيقي؛ لأنه ذكرت فيه الأداة: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة}
السائل في الأبيات فلم يعد تشبيه الشيخ: في الأبيات تشبيه ضمني؛لأنه أضاف،
إقدام عمرو معناه إقدامه كإقدام عمرو، وهذا من التشبيه المؤكد؛ لأنه حذفت
فيه الأداة وأضيف فيه الإقدام إلى عمرو، المقصود إقدامه هو كإقدام عمرو،
كأنه إقدام عمرو، وعمرو المقصود به عمرو بن معد يكرب رضي الله عنه. فإنه
لما ادعى أن الممدوح مباين لأصله بخصائص جعله حقيقة منفردة، بخصائص جعلته
حقيقة منفردة عن الناس، احتج على إمكان دعواهم بتشبيهه بالمسك الذي أصله دم
الغزال. وإما بيان حاله، إما بيان حال المشبه فقط: أعجبك وصفه فأردت بيانه للناس فشبهته كما في قول الشاعر وهو النابعة: كأنك شمس والملوك كواكب ..... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب فشبه النعمان بن المنذر بالشمس، وشبه غيره من الملوك بالكواكب، والشمس إذا طلعت أخفت نور الكواكب جميعاً فلم يبد منها أي كوكب. كأنك شمس والملوك كواكب ..... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب والرواية المعروفة: فإنك شمس والملوك كواكب ..... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب وحينئذ يكون التشبيه مؤكدا؛ لأنه حذفت أداته، ومثل هذا قول أبي حيان في وصف تسهيل الفوائد لابن مالك: ألا إن تسهيل الفوائد في النحو ..... كتاب جليل كل نادرة يحوي فما الكتب إلا أنجم هو شمسها ..... سناهن يمحى عندها أيما محو كذلك قول الزمخشري في تفسيره الكشاف قال: فالكتب كالداء والكشاف كالشافي وبيان الحال في هذا النوع من مقاصد البلغاء، ولذلك يقول أحد الشعراء: أمختاُر إلا تزجرن محالفاً لكم ..... كان في صنع الجميل مخالفا فلا يك إلا حيث كنت فأنتما ..... جناحا ذباب ذاك داء وذا شفا هما رجلان أحدهما ابن عم الآخر، وأحدهما جواد كريم والآخر (مداخلة غير مسموعة) نعم فالشاعر يخاطب هذا الكريم فيقول: أمختار إلا تزجرن محالفا لكم ..... كان في صنع الجميل مخالفا فلا يك إلا حيث كنت فأنتما ..... جناحا ذباب ذاك داء وذا شفا كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم الذبابة، فذكر جناحي
الذبابة هنا تمثيل فقط، على أنهما يجتمعان في أصلٍ وشتان بينهما، فهذا
شفاء وهذا داء. وهذا نظير قول أبي الطيب المتنبي في معركة سيف الدولة مع الأعراب من بني عمه قال: تفرقهم وإياه السجايا ..... ويجمعهم وإياه النجار النجار النسب، يجمعهم وإياه، لكن تفرقهم وإياه
السجايا، وإما ببيان مقدار حاله، أن يبين مقدار حاله، خال المشبه وذلك مثل
قول... نعم (مداخلة غير مسموعة) بيان حال المشبه ذكرناه. (كأنك شمس والملوك كواكب) فقصد فقط بيان حاله هو في
ترفعه عن الملوك ورفعة منزلته عليهم، فبين ذلك بالشمس بتشبيهه بالشمس؛ فإن
الشمس تزيل ضوء الكواكب فكذلك هو يزيل مكانة الملوك، وإما مقدار حاله، أي
بيان مقدار حاله، كتشبيه اللون الأسود بلون الغراب؛ لبيان شدة سواده كما في
حديث عائشة: (كأن على رؤوسهم الأغربة) الأغربة جمع غراب، وذلك لشدة
السواد. ومثل هذا قول عنترة: فيها اثنتان وأربعون حلوبة ..... سوداً كخافية الغراب الأسحم كخافية الغراب الأسحم، والخافية هي الجناح الأسفل من
أجنحة الغراب فلا تغير لونه الشمس، فهو شديد السواد، الجناح الأعلى ربما
غيرت لونه الشمس، والجناح الأسفل الخافية لا يتغير لونه فهو أشد سواداً من
غيره، كذلك قال: سوداً كخافية الغراب الأسحم، شبه النوق السود بخافية
الغراب بيانا لمقدار سوادها، وإما لتقرير حاله، نحو: إن القلوب إذا تنافر ودها ..... مثل الزجاجة كسرها لا يجبر فتشبيه القلوب هنا بالزجاج، ووجه الشبه أن الزجاج إذا
انكسر لا يجبر، فكذلك القلوب إذا انكسرت لا تجبر، فقال: إن القلوب إذا
تنافر ودها، حصلت بينها النفرة بالكلية، مثل الزجاجة كسرها لا يجبر، وهذا
شأن أهل الجاهلية، أما أهل الإسلام فإذا تنافرت القلوب بسبب أمر دنيوي يعود
إصلاحها بسبب أمر ديني، فما كسرته الدنيا يجبره الدين. ونحو هذا قول الشاعر: الخِّل كالماء يبدي لي ضمائره ..... مع الصفاء ويخفيها مع الكدر الخل، خليلك كالماء يبدي لي ضمائره أي: كل ما فيه مع
الصفاء، ويخفيها مع الكدر إذا تكدر، أخفى ضمائره أخفى ما عنده، شبه تنافر
القلوب بكسر الزجاجة؛ تشبيها، تثبيتاً لتعذر عودتها إلى ما كانت عليه من
المودة. وإما لتزيينه فالكلام كالسحر يزين القبيح ويقبح الحسن، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة)) وقال الشاعر: تقول هذا مجاج النحل تمدحه ..... وإن تعظ قلت يا قيء الزنابير مدحا وذما وذات الشيء واحدة ..... فعل البيان يُري الظلماء كالنور من ذلك قول الشاعر: سوداء واضحة الجبين ..... كمقلة الظبي الغرير أراد أن يمدح جارية سوداء، أن يمدح سوادها، والسواد
غير محبوب إلى النفوس لكنه أراد أن يحببه إلى النفوس فقال: كمقلة، أي كعين
الظبي الغرير، والظبي أحسن ما فيه الغزال أحسن ما فيه مقلته أي عينه، وأحسن
ما فيها سوادها، فلذلك شبه لونها هي بسواد عين الظبي الذي هو أحسن ما فيه؛
ليكون هذا داعيا إلى محبة السواد، شبه سوادها بسواد مقلة الظبي؛ تحسيناً
لها. أو عكس ذلك وهو التقبيح نحو: وإذا أشار محدثا فكأنه ..... قرد يقهقه أو عجوزاً تلطم في شعر أبي الطيب المتنبي في هجائه، ذكر أن هذا الرجل
المهجو إذا أشار، فشبهه بالقرد في أسوء حاله، في حال قهقهته عندما تنكمش
أعصاب وجهه، أو عجوز تلطم، تمارس التجميل فتطلي داخل فمها باللون الأحمر أو
نحو ذلك، فهذا غاية في القبح، ولذلك قال: وإذا أشار محدثا فكأنه ..... قرد يقهقه أو عجوز تلطم فهذا لتقبيحه، وذلك مثل قول حماد لمجرد في هجائه لبشار بن برد: ويا أقبح من قرد ..... إذا ما عمي القرد قال: إنه أقبح من القرد إذا كان القرد أعمى نعم. وقد يعود الغرض إلى المشبه به فلا يكون التشبيه راجعا
إلى المشبه، الأصل أن التشبيه يقصد به المشبه لا المشبه به؛ فالمشبه به أمر
معلوم بين الناس، والمشبه هو الذي جُهل مقدار وصفه، أو جُهل حاله، لكن
العكس أيضا قد يحصل، ويسمى حينئذ تشبيها معكوسا، إذا عُكس طرفي التشبيه،
مثل: وبدى الصباح كأن غرته ..... وجه الخليفة حين يُمتدح (وبدى
الصباح كأن غرته) أي: كأن غرة الصباح وجه الخليفة حين يُمتدح، الصباح
معروف لدى كل الناس، ووجه الخليفة ليس معروفا لدى كل الناس، فالأصل أن يشبه
وجه الخليفة بالصباح ليعرف، لكنه قلب التشبيه؛ زعما أن وجه الخليفة معروف
لدى كل الناس وأنه أشهر من غرة الصباح فقال: وبدى الصباح كأن غرته ..... وجه الخليفة حين يُمتدح ومثل هذا يسمى بالتشبيه المقلوب كما ذكر).
قال: الغرض من التشبيه إما بيان إمكان المشبه، فقد
يزعم الإنسان زعما فيحتاج إلى إظهار ذلك الزعم على أنه يمكن أن يقع، فيأتي
بما يدل على الإمكان، وذلك في التشبيه وفي غيره، فمن ذلك قول امرئ القيس:
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (شرح البلاغة
الدرس السادس عشر:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين – أما بعد الدرس السادس عشر :
قال المؤلفون رحمهم الله تعالى : ( المبحث الثالث : في أغراض التشبيه ) .
الغرض من التشبيه إما بيان إمكان المشبه نحو :
فـإن تــفق الأنـام وأنـت مـنهـم فإن المسك بعض دم الغزال
فإنه لما ادعى أن الممدوح مباين لأصله بخصائص جعلته حقيقة منفردة احتج على إمكان دعواه بتشبيهه بالمسك الذي أصله دم الغزال).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (بسم الله الرحمن الرحيم ،
الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسوله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه
ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد : فهذا الموضوع عن أغراض التشبيه وهو
المبحث الثالث من مباحث درس التشبيه في هذا الكتاب . أغراض التشبيه هي
الغاية التي يتحقق من خلالها بناء أسلوب التشبيه فالغاية من استعمال
التشبيه متعددة بحسب مراد المتكلم ولكنّ البلاغيين صنفوها من خلال
استقرائهم لبعض الشواهد والأمثلة التي تدخل في ذلك . أول هذه الأغراض هي
بيان إمكان المشبه : واستشهدوا لذلك يقول أبي الطيب في مدح سيف الدولة :
فـإن تــفوق الأنـام وأنـت مـنهـم فإن المسك بعض دم الغزال
يلحظ هنا أن التشبيه ليست غايته تشبيه سيف الدولة بدم الغزال وإنما الغاية
هنا أن بيان أن سيف الدولة هو من الأنام من الناس ومع ذلك فاق الناس فكيف
يكون منهم وقد فاقهم ولذلك هذا الأمر لأن فيه غرابة لابد أن يبحث الشاعر عن
علة تؤيد الادعاء الذي ادعاه فهذا غالباً لا يأتي إلا في المعاني
والتشبيهات الغريبة فإذا كان التشبيه بحث الشاعر عن ما يؤيد صدق دعواه
ولذلك قال إن المسك بعض دم الغزال هنا يقول المسك والناس كلهم يعرفون منزلة
المسك ومحبة الناس له هو جزء من دم الغزال فإذا كان المسك وهو جزء من دم
الغزال قد فاق دم الغزال فأنت جزء من الأنام ومثل الأنام ومن الأنام ومع
ذلك فقتهم ، ولهذا كان غرض الشاعر في هذا الحالة هو بيان إمكان المشبه ،
المشبه هو المقصود أصلاً بعملية التشبيه وهو تفوق سيف الدولة على الأنام
قابله تفوق سيف الدولة على الأنام وهو منهم من فئتهم قابله تفوق المسك على
دم الغزل وهو جزء من ذلك الدم).
القارئ : (وإما بيان حاله ، كما في قـوله :
كأنـك شـمـس والمـلـوك كـواكـب إذا طلعت لم يبدُ منهنّ كوكب).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا لا يأتي في التشبيهات
الغربية وإنما يأتي في ما كان غالباً يجهله السامع أو المتلقي ويستشهد
البلاغيون على ذلك بقول النابغة في النعمان :
كأنـك شـمـس والمـلـوك كـواكـب إذا طلعت لم يبدُ منهنّ كوكب
هنا في بيان منزلة الممدوح وهو النعمان بين الأمراء والملوك ،
يقول : إذا كان أنت ملك وهناك من يحمل هذه الصفة ملك ولكنك أنت بمنزلة
الشمس وبقية الملوك بمنزلة الكواكب ، وفرق يدرك بين ما تتميز به الشمس عن
الكواكب في إنارتها وقوة ضوئها واستدارتها ووضوحها وهو يريد أن يلحق
النعمان بهذا التشبيه ولهذا هو يبين حالته فكأنه يريد أن يبين حالة الممدوح
للناس).
القارئ : (وإما بيان مقدار حاله نحو :
فيـها اثنـتـان وأربــعـون حـلوبة سوداً كخافية الغراب الأسحم
شبه النوق السود بخافية الغراب بياناً لمقدار سوادها).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: ( (هو كان بالإمكان أن يشبه
النوق بالغراب فقط لكن اختيار خافية الغراب وذكر الاسحم الغراب الأسحم
شديد السواد هذا دليل على أنه يريد أن يبيّن مقدار درجة السواد وليس فقط
السواد ، يعني ليست المسألة مسألة اللون وإنما درجة اللون أيضاً واختياره
للخوافي يعني الريش الصغير الذي يختفي عند ضم الجناح ولا غالباً لا تتسلط
عليه الشمس فتخفف من حدة سواده ، وهذا يدل على أن الشاعر يريد أن يبين
مقدار ذلك التشبيه).
القارئ: (وإما تقرير حاله نـحو :
إن القـلوب إذا تـنـافــر ودهــا مثل الزجاجة كسرها لا يجبر
( شبه تنافر القلوب بكسر الزجاج تثبيتاً لتعذر عودتها إلى ما كانت عليه من المودة ) ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا الغرض من قول الشاعر صالح بن عبد القدوس :
إن القـلوب إذا تـنـافــر ودهــا مثل الزجاجة كسرها لا يجبر
الحقيقة القصيدة بائية ولكن يبدو أن المؤلفين وغيرهم من
البلاغيون اجتهدوا في تغيير القافية بدل لا يشعب إلى لا يجبر حتى تكون
الصورة واضحة للقارئ ويسهل عليه أن يعرف الغرض عدم القدرة على جبر الكسر ،
هنا عندنا المشبه هو تنافر القلوب والمشبه به هو كسر الزجاج والجامع بين
الأمرين أن الزجاج إذا انكسر يصعب أن يعود كما كان فمثل ذلك القلوب وأنها
إذا تنافرت فإنه يصعب أن تعود كما كانت إلا إذا كان الإيمان قوياً ولذلك
لابد من التنبيه على مثل هذه المسألة ؛ لأن هذا رأي الشاعر لكن ليس ضربت
لازب بأن يكون قد يتنافر قلبان في وقت من الأوقات لكن حينما يحكم صاحبا
القلبين الإسلام وما يحث عليه من عدم حمل الضغينة على المسلم فإنه يعود
القلب وكما أن القلب يعود في حالة الإيمان القوي والرفقة الصادقة فكذلك
الزجاج الآن وفي عصرنا الحاضر صار يُعاد وإن انكسر فإنه يُعاد ولكنه من
رؤية الشاعر بأنه هذه الصورة وتلك الصورة متشابهتان في أن تقرير الحال
المسألة ليس ما يقوله الشاعر متفق عليه لكنه واقع عند كثير من الناس إذا
تنافرت القلوب فيصعب أن تعود إلى ما كانت عليه إلا إذا استثنينا من رأى أن
يتقرب إلى الله بإزالة ما في نفسه من ضغينة وقصة الصحابي الذي يبيت وليس في
قلبه غل لأحد معروفة فالمسألة الغرض من التشبيه هنا هو تقدير الحال).
القارئ: (وإما تزين نحو :
ســوداء واضـحــة الجـبيــن كمقلة الظبي الغريري
شبه سوادها بسواد مقلة الظبي تحسيناً لها).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (العرب السواد عندهم لون
البشرة غير مرغوب وإن كان السواد في لون الشعر مرغوباً لكن هنا تشبيه
المرأة السوداء وهي من الألوان التي لا يفضلها العرب بصورة جميلة يفضلها
العرب وهي مقلة الظبي ، عين الظبي سوداء ولذلك اختياره لهذا التشبيه إنما
هو لتحسين الصورة التي ينفر منها بعض العرب مع أن السواد فيه ما في البياض
أيضاً من جمال لكن الشاعر ينطلق من بيئته).
القارئ : (وإما تقبيحه نحو :
وإذا أشــار مـحـدثـاً فـكـأنـه قرد يقهقه أو عجوز تَلْطِمُ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا من تصوير الأمور بصورة
يراد تقبيحها يتحدث عن ذلك الخطيب ، وإذا أشار أو متكلم وإذا أشار محدثاً
وهو يصف رجلاً يتحدث فيقول هو صورته وهو يتحدث تشبه صورة القرد وهو يقهقه
يرفع صوته أو العجوز التي تلطم . الغرض من هذا التشبيه هو تقبيح صورة ذلك
المتحدث عنه أو المهجو).
القارئ : (وقد يعود الغرض إلى المشبه به إذا عكس طرفا التشبيه نحو :
وبــدأ الصــبــاح كــأن غـرتـه وجـه الخليفة حين يمتدح
ومثل هذا يسمى بالتشبيه المقلوب).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الأصل في التشبيه أن يلحق
المشبه بالمشبه به وقد يعكس ذلك لغرض وهو ادعاء أن المشبه قد بلغ منزلة
أعلى في وضوحها من المشبه به لأن الأصل هو أن يكون المشبه به أوضح وأكثر
ظهوراً وبياناً للناس من المشبه ولذلك يلحق المشبه بالمشبه به وإذا عكس
جُعل المشبه مشبه به والعكس مثل قول محمد الحميري في مدح المأمون :
وبــدأ الصــبــاح كــأن غـرتـه وجـه الخليفة حين يمتدح
هنا المشبه هو الصباح والمشبه به هو وجه الخليفة حين يسمع المدح
والناس تعرف بأن الصباح في ظهوره وبيانه وصفائه وإشراقه هو أوضح وأكثر عند
الناس من وجه الخليفة حيث يمتدح ولكن الشاعر يريد المبالغة في وصف إشراق
وجه الخليفة ولهذا عكس التشبيه وجعله من التشبيه المقلوب).
القارئ : (انتهى الدرس السادس عشر وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..).
الكشاف التحليلي
عناصر الدرس الثاني عشر :
· المبحثُ الثالثُ : في أغراضِ التشبيهِ
§ معنى الأغراض: -جمع غرض:الأمر الباعث للمتكلم في استعمال التشبيه
· أقسام غرض التشبيه:أن يكون عائداً إلى المشبه، أن يكون عائداً إلى المشبه به
§ القسم الأول:أن يكون عائداً إلى المشبه:
° الغرض الأول:بيان إمكان وجود المشبه، ومثاله قول المتنبي:فإن تفق الأنام وأنت منهم * فإن المسك بعض دم الغزال
×
° الغرض الثاني:بيان حال المشبه، ومثاله:كأنك شمس والملوك كواكب * إذا طلعت لم يبد منهن كوكبُ
° الغرض الثالث:بيان مقدار حال المشبه، ومثاله:فيها اثنتان وأربعون حلوبةً * سوداً كخافية الغراب الأسحمِ
° الغرض الرابع:تقرير حال المشبه، ومثاله:إن القلوب إذا تنافر ودها * مثل الزجاجة كسرها لا يشعب
° الغرض الخامس:تزيين المشبه، ومثاله:سوداء واضحة الجبين * كمقلة الظبي الغرير
° الغرض السادس:تقبيح المشبه، ومثاله:وإذا أشار محدثاً فكأنه * قرد يقهقه أو عجوز تلطمُ
°الغرض السابع -لم يذكره المؤلف-: استطراف المشبه؛ وذلك من جهات:
- إما لإبرازِه في صورةِ الممتنِعِ عادةً كما في تشبيهِ فحْمٍ
سَرَت النارُ فيه سريانًا يُتَوَهَّمُ فيه الاضطرابُ كاضطرابِ الموجِ ببحرٍ
من مِسْكٍ ذائبٍ موجُهُ الذهَبُ الذائب
- وإمَّا لإبرازِه وهو شيءٌ تافِهٌ محتَقَرٌ في وصْفِ شيءٍ
رفيعٍ لا تَصِلُ إليهِ الأثمانُ كما في تشبيهِ الفحمِ المذكورِ بالبحْرِ
المذكورِ
- وإمَّا لنُدُورِ حضورِ المشبَّهِ به مُطلَقًا في الذهْنِ كما في تشبيهِ الفحْمِ المذكورِ بالبحْرِ المذكورِ
- وإمَّا لنُدُورِ حضورِ المشبَّهِ به في الذهْنِ عندَ حضورِ
المشبَّهِ فيه كما في تشبيهِ البنفْسِجِ بأوائلِ النارِ في أطرافِ كِبريتٍ.
§ القسم الثاني:أن يكون عائداً إلى المشبه به:
° هذا النوع يعود إلى المشبه به لفظاً وإن كان مشبهاً به، وذلك بعكس طرفي التشبيه:
- مثاله: وبدا الصباح كأن غرته * وجه الخليفة حين يمتدحُ
° يسمى هذا بالتشبيه المقلوب ، أو المعكوس ، أو المنعكس
° وله أغراض:
- الغرض الأول: إيهامُ أنَّ المشبَّهَ به أَتَمُّ من المشبَّهِ، وهوَ ما اقتَصَرَ عليهِ هنا.
- الغرض الثاني: وبيانُ الاهتمامِ بالمشبَّهِ به، كتشبيهِ
الجائعِ وجهًا كالبدْرِ في الإشراقِ، والاستدارةِ بالرغيفِ، ويُسَمَّى هذا
إظهارَ المطلوبِ
- فائدة في معنى الخافية: الخوافي ما دون الريشات العشر من مقدم الجناح).