10 Nov 2008
ب: الاستعارة الأصلية والتبعية
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (وتَنْقَسِمُ
الاستعارةُ إلى أصْلِيَّةٍ، وهيَ ما كانَ فيها المستعارُ اسْمًا غيرَ
مُشْتَقٍّ، كاستعارةِ (الظلام) لـ(الضلال)، و(النورِ) لـ(الهُدى).
وإلى تَبعِيَّةٍ، وهيَ ما كان فيها المستعارُ فعْلًا، أوْ حرفًا، أو اسمًا
مُشْتَقًّا، نحوُ: (فلانٌ ركِبَ كَتِفَيْ غَرِيمِه)، أيْ لازَمَه
مُلازَمَةً شديدةً، وقولِه تعالى: {أُولَـئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ}، أيْ: تَمَكَّنُوا من الحصولِ على الهدايةِ التامَّةِ، ونحوُ قولِه:
ولئن نَطَقْتُ بشكْرِ بِرِّكَ مُفْصِحًا ..... فلسانُ حالي بالشِّكايةِ أَنْطَقُ
ونحوُ: أَذَقْتُه لِباسَ الموتِ، أيْ: أَلْبَسْتُه إِيَّاه).
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (وتَنقسِمُ
الاستعارةُ إلى أصليَّةٍ (1)، وهي ما كان فيها المستعارُ اسمًا غيرَ
مشتَقٍّ، كاستعارةِ الظلامِ للضلالِ، والنورِ للهُدى. وإلى تبعيَّةٍ، وهي
ما كان فيها المستعارُ فعْلاً(2) أو حرفًا أو اسمًا مشتقًّا(3). نحوُ:
ركِبَ فلانٌ كَتِفَيْ غَريمِهِ(4)، أي لازَمَه مُلازمةً شديدةً، وقولِه
تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِن رَبِّهِمْ}(5) أي تَمَكَّنوا من الحصولِ على الهدايةِ التامَّةِ، ونحوُ قولِه:
ولَئِنْ نَطَقْتُ بشُكْرِ برِّكَ مفصِحًا ..... فلسانُ حالي بالشِّكَايةِ أَنْطَقُ
أي أدَلُّ).
__________________________
قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ((1) قولُه: (وتَنقسـِمُ الاستعارةُ إلى أصليَّةٍ إلخ)،
ظاهرةٍ، سواءٌ كانت تصريحيَّةً أو مكنيَّةً، وهو كذلكَ. فالمكنيَّةُ
الأصليَّةُ ما كان مسمَّاها، سواءٌ قلتَ: إنَّه لفظُ المشبَّهِ به، أو لفظُ
المشبَّهِ، أو لفظُ التشبيهِ المضمَرِ في النفسِ، اسمًا جامدًا غيرَ
مشتَقٍّ، نحوُ: أنشبَت المنيَّةُ أظفارَها بزيدٍ؛ فإنَّ مسمَّاها الذي هو
السبعُ المحذوفُ المرمـوزُ إليه بالأظفارِ، أو المنيَّةُ والتشبيهُ
المضمَرُ في النفسِ، اسمٌ جامدٌ غيرُ مشتَقٍّ، والتبعيَّةُ ما كان
مُسمَّاها اسمًا مشتقًّا أو اسمًا مبهَمًا، أعنِي الضميرَ أو اسمَ الإشارةِ
أو اسمَ الموصـولِ، نحوُ: أعجَبَني إراقةُ الضاربِ دمَ زيدٍ، فيُقالُ على
مذهَبِ الجمهورِ: شَبَّهَ في النفسِ الضربَ الشديدَ بالقتلِ في شدَّةِ
الإيذاءِ، واستُعيرَ القتلُ له في النفسِ، ورُمِزَ إليه بإراقةِ الدمِّ،
واشتُقَّ منه قاتلٌ بمعنى: ضاربٌ ضربًا شديدًا، أو فَسَرَى التشبيهُ لحدثي
الوصفَيْنِ، فاستُعيرَ القاتلُ للضـاربِ، وطُوِيَ ورُمِزَ له بلازمِه وهو
إراقةُ الدمِ. وعلى مَذهَبِ السكَّاكِيِّ شَبَّهَ الضرْبَ بالقتلِ،
وادَّعَى أنَّه من جنسِه، فصارَ للقتلِ فردَانِ؛ حقيقيٌّ وادِّعائيٌّ، وهو
الضرْبُ المدَّعَى أنَّه قتلٌ، واستُعيرَ الضربُ من معناهُ للقتْلِ
الادِّعائيِّ، واشتُقَّ منهُ ضاربٌ بمعنى قاتلٍ ادِّعاءً، وعلى مذهَبِ
الخطيبِ شَبَّهَ في النفسِ الضربَ بالقتْلِ، فَسَرَى التشبيهُ إلى ما في
ضِمْنَيِ الوصفَيْنِ. ونحوُ: هذا المالُ العَسِرُ المنالِ مطلوبٌ منكَ
الاجتهادُ في السَّيْرِ إليه، ونحوُ: أعْجَبَني تَكلُّمُ ما عندَكَ من
الدوابِّ، وكقولِك لجليسِك المشغولِ قلبُه عنكَ: أنتَ مطلوبٌ منكَ أن
تَسيرَ الآنَ إلينا، فتقولُ على مذهَبِ السلَفِ: شَبَّهَ مُطلَقَ مخاطَبٍ
بمطلَقِ غائبٍ، فَسَرَى التشبيهُ للجزئيَّاتِ، واستُعيرَ بالبِناءِ على
ذلكَ ضميرُ الغائبِ للمخاطَبِ، وحذَفْتَه وذَكَرْتَ المخاطَبَ ورَمَزْتَ
إلى المحذوفِ بذكْرِ لازِمِه مُثبَتًا للمخاطَبِ، وهو طلَبُ السـيرِ منهُ
إليكَ. وعلى مذهَبِ السكَّاكِيِّ، شَبَّهَ المطلَقَ بالمطلَقِ، وادَّعَي
أنَّ للمشبَّهِ به فـرْدَيْنِ؛ حقيقيًّا وهو مطلَقٌ غائبٌ، وادِّعائيًّا
وهو مُطلَقٌ مخاطَبٌ ادُّعِيَ أنَّه غائبٌ، واستُعيرَ مُطلَقٌ مخاطَبٌ
لمطلَقٍ غائبٍ ادِّعائيٍّ، واستُعمِلَ الضمـيرُ الموضوعُ لجُزْئِيٍّ من
جزئيَّاتِ مُطلَقٍ مخاطَبٍ في جزئِيٍّ من جُزئيَّاتِ مطلَقٍ غائبٍ
ادِّعائيٍّ. وعلى مذهَبِ الخطيبِ، شَبَّهَ المطلَقَ بالمطلَقِ في النفسِ،
فَسَرَى التشبيهُ للجزئيَّاتِ، وقِسْ على ذلكَ. نعمْ لا تَجْرِي المكنيَّةُ
في الفعلِ واسمِه، ولا في الحرْفِ، خلافًا لمن وَهِمَ في ذلكَ؛ لأنَّ
المكنيَّةَ لا بدَّ فيها من إثباتِ لازمِ المشبَّهِ به للمشبَّهِ، ووضْعِ
الفعلِ واسمِه والحـرفِ على أن لا يَثْبُتَ لمعناها شيءٌ بِوَجْهٍ ما، لا
بإسنادٍ إليه، ولا بإيقاعٍ عليه، ولا بإضافةٍ إليه، كما لا يَخْفَى
أَنْبَابِيٌّ على البيانيَّةِ.
(2) قولُه: (وهو ما كانَ فيها المُستعارُ فِعْـلاً إلخ)،
أمَّا وجهُ كونِها تبعيَّةً في الحرْفِ، فهو أنَّ الحرفَ موضوعٌ لمعنًى
غيرِ مستقِلٍّ بنفسِه لا يَصلُحُ للموصوفيَّةِ التي يَقتضيها التشبيهُ الذي
تُبْنَى عليه الاستعارةُ، من حيثُ إنَّه لا يَتحقَّقُ إلاَّ باتِّصافِ
طرَفَيْهِ بوجهِ الشبَهِ الذي هو المعنى الجامعُ بينَهما، وعليه فلا
تَتأتَّى الاستعارةُ في الحرفِ إلاَّ إذا جَرَى التشبيهُ أوَّلاً في
مُتعلِّقِ معناهُ الكلِّيِّ المعبَّرِ به عنه كالظرفيَّةِ لـ (في)،
والاستعلاءِ لـ (ِعَلى)، ألا تَرَى أنَّ مطلَقَ الظرفيَّةِ مثلاً ليسَ هو
معنى في، وإلاَّ كانت اسمًا لا حرفًا، بلْ معناها ظرفيَّةٌ خاصَّةٌ بظرفٍ
ومظروفٍ خاصَّيْنِ، ثمَّ يَسْرِي التشبيهُ من مُتعلِّقِه إلى معناهُ
الخاصِّ، فيُستعارُ من معناهُ الخاصِّ الحقيقيِّ إلى معناهُ الخاصِّ
المجازيِّ، فافْهَمْ. وأمَّا وجهُ كونِها تبعيَّةً في الفعلِ فهو أنَّ
معناهُ ملاحظٌ فيه النِّسبةُ إلى فاعلِ ما، فإذا كان معناهُ متوقِّفًا على
غيرِه لا يَصْلُحُ للموصوفيَّةِ فلا يَصلُحُ للاستعارةِ إلاَّ إذا أُجْرِيَ
التشبيهُ أوَّلاً بينَ معنى المصدَرَيْنِ الحقيقيِّ والمجازيِّ ثمَّ
يَسْرِي منه إلى ما في ضِمْنَي الفِعليْنِ، ثمَّ يُستعارُ الفعلُ من معناهُ
الحقيقيِّ إلى معناهُ المجازيِّ على ما للعصامِ، أو بعدَ تشبيهِ
المصدَرَيْنِ يُستعارُ لفظُ المشبَّهِ به للمشبَّهِ، ثمَّ يُشتَقُّ منه
الفعلُ على ما للقومِ، فافهَمْ. وأمَّا وجهُ كونِها تبعيَّةً في الاسمِ
المشتقِّ فهو أنَّ المقصودَ منه الحدَثُ لا الذاتُ، وحَدَثُه ملاحَظٌ فيه
النِّسبةُ إلى فاعلٍ أو نائبِه، فيكونُ باعتبارِ ذلكَ غيرَ صالحٍ
للموصوفيَّةِ، فلا يَصلُحُ للاستعارةِ إلاَّ إذا أُجْرِيَ التشبيهُ أوَّلاً
بينَ معنى المصدَرَيْنِ نظيرَ ما قيلَ في الفعْلِ، فافْهَمْ.
(3) قولُه: (فِعْلاً أو حرْفًا أو اسمًا مُشتقًّا)،
بَقِيَ رابعٌ، وهو اسمُ الفعْلِ. ووجْهُ كونِ الاستعارةِ فيه تبعيَّةً
إمَّا ما سَبَقَ في الفعْلِ بِناءً على القولِ بأنَّ مدلولَه معنى الفعْلِ
أو لفظُه من حيثُ دَلالتُهُ على معناهُ، لا من حيثُ هو لفظٌ. وإمَّا كونُ
الحدَثِ الذي هو مدلولُه بِناءً على أنَّ مدلولَه معنى المصدَرِ ليسَ
موضوعًا لأنْ يُحْكَمَ عليه، بل لأنْ يُحْكَمَ به، فلا يَجْرِي فيه
التشبيهُ المستَدْعَى للحكْمِ عليه أصالةً؛ فلذلكَ أُجْرِيَ التشبيهُ
أوَّلاً في المصدَرِ كذا قيلَ، ولكنَّ الظاهرَ أنَّ حكمَه على هذا القولِ
حكْمُ المصدَرِ في كونِ استعارةِ كلٍّ تبعيَّةً، كما يُشيرُ إليه كلامُ
العلاَّمةِ الأميرِ، فتأمَّلْ أَنْبَابِيٌّ. وخامسٌ، وهو الاسمُ، المبْهَمُ
أعْنِي الضميرَ أو اسمَ الإشارةِ واسمَ الموصولِ على قولِ معَرِّبِ
فارسيَّةِ العصامِ، وبه يُشْعِرُ كلامُ عبدِ الحكيمِ. ووجْهُ تبعيَّةِ
الاستعارةِ فيه قيلَ أمْرَانِ: أحدُهما، أنَّ معناهُ جُزئيٌّ، والأصليَّةُ
مختصَّةٌ بالكُلِّيِّ الجامِدِ. وثانيهما أنَّه لا يَتِمُّ انفهامُ معناهُ
الجزئيِّ إلاَّ بضَمِّ ضَميمةٍ إليه كالمرْجِعِ والتكلُّمِ والخِطابِ
والصلَةِ والإشارةِ الحسيَّةِ ولو تقديرًا، كأنْ يكونَ مرجِعُ الضميرِ غيرَ
مصرَّحٍ به، بل يكونُ معلومًا من السياقِ مَثلاً. وهذهِ أمورٌ خارجيَّةٌ
عن مفهومِه لا توجَدُ إلاَّ عندَ التركيبِ والاستعمالِ، ولا يتأتَّى
التشبيهُ في معناهُ الجزئيِّ لعدَمِ فهْمِ تلكَ الأمورِ الخارجيَّةِ عن
معناهُ الجزئيِّ عندَ التشبيهِ؛ فلذا لم يُعتَبَر التشبيهُ أوَّلاً إلاَّ
في كلِّيَّاتِ مفهوماتِ المُبهَماتِ الجزئيَّةِ، وكانت الاستعارةُ في
الأسماءِ المبهَمةِ تبعيَّةً وإن كانت معانيها مقصودةً لذاتِها يُحْكَمُ
عليها وبها، وقيلَ: هو أنَّه في تأويلِ المشتقِّ، فهذا في تأويلِ مُشارٍ
إليه، وأنا في تأويلِ متكلِّمٍ، وأنتَ في تأويلِ مخاطَبٍ، والذي قامَ في
تأويلِ القائمِ، وقِسْ، فتكونُ الاستعارةُ فيها كالمشتقَّاتِ تابعةً
لاستعارةِ المصادِرِ. وقد شَنَّعَ معاويةُ على جعْلِ الاستعارةِ في مثلِ
ذلكَ تبعيَّةً، وأطالَ في البيانِ، فعليكَ بالتأمُّلِ والإمعانِ
أَنْبَابِيٌّ، مثلاً في استعارةِ هيهاتَ لمعنى عَسُرَ إمَّا أنْ تقولَ
شَبَّهَ العُسْرَ بالبُعدِ، واستُعيرَ البُعدُ للعسيرِ، واشْتَقَّ من
البُعدِ بمعنى العُسْرِ، وجَعَلَ هيهاتَ بمعنى بَعُدَ المستعارِ لمعنى
عَسُرَ، وإمَّا أن تقولَ شَبَّهَ مُطلَقَ العُسْرِ بمُطلَقِ البُعدِ في
مَنْعِ التحصيلِ وعدَمِ النَّيْلِ مَثلاً، فَسَرَى التشبيهُ إلى
فَردَيْهما؛ إمَّا اللذيْنِ في ضِمْنَيْ بَعُدَ وعَسُرَ، وإمَّا اللذيْنِ
في ضِمْنَيْ هيهاتَ وعَسُرَ، واستُعِيرَ بِناءً على هذا التشبيهِ الحاصلِ
بالسِّرايةِ إمَّا بَعُدَ لِعَسُرَ، وجَعَلَ هيهاتَ بمعنى بَعُدَ المستعارِ
لمعنى عَسُرَ، وإمَّا هيهاتَ نفسُه من معنى بَعُدَ لمعنى عَسُرَ تَقليلاً
للكُلفةِ. ومَثلاً في استعارةِ لفظِ هذا الأمرِ معقولٌ، تقولُ: شَبَّهَ
مُطلَقَ المعقولِ بمُطلَقِ المحسوسِ في قَبولِ التمييزِ والتعيينِ، فسَرَى
التشبيهُ إلى جزئيَّاتِه، فاستُعيرَ لفظُ هذا الموضوعِ لجُزْئَي المشبَّهِ
به الذي سَرَى إليه التشبيهُ من كِلَيْهِ لجُزْئَيِ المشبَّهِ الذي قُصِدَ
المبالَغةُ في بيانِ تعيينِه. ومَثلاً في استعارَ لفظَ أَنْتِ بكسْرِ
التاءِ لخطَابِ المذكَّرِ تقولُ شَبَّهَ مُطلَقَ مخاطَبٍ فيه تَخَنُّثٌ
بمطلَقِ مخاطَبَةٍ فيها تَخَنُّثٌ بجامعِ مطلَقِ التخنُّثِ وعدَمِ الشهامةِ
في كلٍّ، فسَرَى التشبيهُ إلى جُزئيَّاتِهما، فاستُعيرَ لفظُ أنتِ بكسرِ
التاءِ من المخاطَبِ المؤنَّثِ الجزئيِّ الذي سَرَى إليه الشبيهُ من
كِلَيْهِ للمخاطَبِ المذكَّرِ الجزئيِّ الذي قُصِدَ المبالَغةُ في بيانِ
تخنُّثِه وعدَمِ شهامتِه. وتقولُ في استعارةِ لفظِ أنتَ بفتحِ التاءِ
لخِطابِ المؤنَّثِ شَبَّهَ مُطلَقَ مخاطَبةٍ فيها شهامةٌ وعدَمُ تَخَنُّثٍ
بمطلَقِ مخاطَبٍ فيه ذلكَ بجامِعِ مطلَقِ الشهامةِ وعدَمِ التخنُّثِ في
كلٍّ، فسَرَى التشبيهُ إلى جزئيَّاتِهما، فاستُعيرَ لفظُ أنتَ بفتحِ التاءِ
من المخاطَبِ المذكَّرِ الجزئيِّ الذي سَرَى إليه التشبيهُ من كِلَيْهِ
للمخاطَبةِ المؤنَّثةِ الجزئيَّةِ التي قُصِدَ المبالَغةُ في بيانِ
شَهامتِها وعدَمِ تَخَنُّتِها، وعلى هذا قيامُ استعارةِ لفظِ الذي للأُنثى
لشَبَهِها به في الشهامةِ وعدَمِ التخنُّثِ، واستعارةِ لفظِ التي للمذكَّرِ
لشَبَهِه بها في التخَنُّثِ وعدَمِ الشهامةِ، والمرادُ الاسمُ المشتَقُّ
ولو تأويلاً، فيَشملُ المصغَّرَ والمنسوبَ. ففي نحوِ استعارةِ رُجَيْلٍ
للكبيرِ المُتعاطِي ما لا يَليقُ به، واستعارةِ قُرَشِيٍّ للمتخلِّقِ
بأخلاقِ قريشٍ، إمَّا أنْ تقولَ: شَبَّهَ تَعاطِي ما لا يَليقُ والتخلُّقَ
بأخلاقِ قريشٍ بالصغَرِ والانتسابِ إليهم، واستُعيرَ الصغَرُ والانتسابُ
للتعاطي والتخلُّقِ، واشْتُقَّ الصغيرُ والمنتسِبُ إلى قريشٍ بمعنى
المُتعاطِي ما لا يَليقُ والمتخلِّقِ بأخلاقِ قريشٍ من الصغَرِ والانتسابِ،
بمعنى التعاطي والتخلُّقِ، وجُعِلَ رُجَيْلٌ وقُرَشِيٌّ بمعنى المتعاطِي
والمتخلِّقِ، وإمَّا أنْ تقولَ: شَبَّهَ مُطلَقَ تَعاطي ما لا يَليقُ،
ومُطلَقَ التخلُّقِ بأخلاقِ قريشٍ، بمطلَقِ الصِّغَرِ ومطلقِ الانتسابِ
إليهم، فسَرَى التشبيهُ إلى فَرْدَي المشبَّهِ والمشبَّهِ به اللذيْنِ في
ضِمْنَيْ مُتعاطِي ما لا يَليقُ ورُجَيْلٌ، وضِمْنَيْ متَخَلِّقٍ
وقُرَشِيٍّ، واستُعيرَ بِناءً على التشبيهِ الحاصلِ بالسِّرايةِ لفظُ
رُجيلٍ للمتعاطِي ما لا يَليقُ، ولفظُ قُرَشِيٍّ للمتخلِّقِ بأخلاقِ
قُرَيْشٍ. قولُه: (فِعْلاً)، أقسامُ استعارتِه ثمانيةٌ: الأوَّلُ،
استعارتُه باعتبارِ مادَّتِه فقطْ، أي: حروفِه الدالَّةِ على الحدَثِ، كما
في استعمالِ قَتَلَ في معنى ضَرَبَ شديدًا، فيُقالُ: شَبَّهَ مُطلَقَ
الضربِ الشديدِ بمطلَقِ القتْلِ، فسَرَى التشبيهُ منهما إلى الضربِ الشديدِ
والقتلِ اللذيْنِ في ضِمْنَيْ ضَرَبَ وقَتَلَ، فصارَ هذا الضربُ الشديدُ
الجزئيُّ الضِّمْنِيُّ بسببِ السرايةِ مشبَّهًا، والقتلُ الجزئيُّ
الضِّمْنِيُّ مشبَّهًا به، واستُعيرَ بِناءً على هذا التشبيهِ الحاصلِ
بالسرايةِ لفظُ قَتَلَ لمعنى ضَرَبَ شديدًا. القِسمُ الثاني: استعارتُه
باعتبارِ الهيئةِ فقطْ من حيثُ دَلالتِها على الزمانِ فقطْ، كما في
استعارةِ الفعْلِ الماضي للمستقبَلِ في نحوِ قولِه تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}،
فيُعْتَبَرُ حينئذٍ إمَّا تشبيهُ مطلَقِ الزمانِ المستقبَلِ بمطلَقِ
الزمانِ الماضي في مطلَقِ تحقُّقِ الوقوعِ في كلٍّ وسَرَيَانِه إلى
الزمانييْنِ الجزئيَّيْنِ اللذيْنِ في ضِمْنِ فتَحْنَا ونَفتَحُ، فيُستعارُ
بِناءً على هذا التشبيهِ الحاصلِ بالسرايةِ لفظُ فتَحَ لمعنى نَفْتَحُ.
وإمَّا تشبيهُ مُطلَقِ الفتْحِ في المستقبَلِ بمُطلَقِ الفتْحِ في الماضي،
واستعارَ لفظَ الثاني للأوَّلِ، فيُشتَقُّ الفعلُ من المصدَرِ المستعارِ.
وإمَّا تشبيهُ مُطلَقِ الفتْحِ في المستقبَلِ بمُطلَقِ الفتْحِ في الماضي،
وسَرَيانُ التشبيهِ إلى ما في ضِمْنَيْ فَتَحْنَا و نَفتَحُ، فيُستعارُ
بِناءً على هذا التشبيهِ الحاصلِ بالسرايةِ لفظُ فتَحْنا لمعنى نَفتَحُ.
القسمُ الثالثُ: استعارتُه باعتبارِ الهيئةِ من حيثُ دَلالتُها على
النِّسبةِ، كما في استعمالِ هَزَمَ الأميرُ الجُندَ في معنى هَزَمَ الجيشُ
الجندَ، على ما للعَضُدِ، ويَلزَمُه أن لا يقولَ بالمجازِ العقليِّ. نعمْ
له أن يُسَمِّيَ هذا القسمَ من المجازِ اللغويِّ مجازًا عقليًّا؛ لأنَّ
التجوُّزَ فيه باعتبارِ أمْرٍ معقولٍ يُدرَكُ بالعقْلِ، وهو الإسنادُ،
فيُعتبَرُ حينئذٍ إمَّا تشبيهُ النِّسبةِ السببيَّةِ المُطلَقةِ بالنِّسبةِ
الفاعليَّةِ المُطلَقةِ في شدَّةِ احتياجِ الفعلِ إليهما، أو في كمالِ
الملابَسةِ وقوَّتِها، وسَريانِ التشبيهِ إلى النسبتيْنِ الجزئيَّتيْنِ
اللتيْنِ في ضِمْنَيْ هَزَمَ المُسْنَدِ إلى الفاعلِ الحقيقيِّ، وهزَمَ
المُسْنَدِ إلى السببِ، فيُستعارُ بناءً على هذا التشبيهِ الحاصلِ
بالسرايةِ هزَمَ من النِّسبةِ الفاعليَّةِ للنسبةِ السببيَّةِ، وإمَّا
تشبيهُ الهزْمِ المنسوبِ إلى السببِ مُطلَقًا بالهزْمِ المنسوبِ إلى
الفاعلِ مُطلَقًا، واستعارةُ لفظِ الثاني لمعنى الأَوَّلِ، فيُشتقُّ هَزَمَ
في هزَمَ الأميرُ الجنْدَ من المصدَرِ المستعارِ. وإمَّا تشبيهُ الهزْمِ
المنسوبِ إلى السببِ مُطلَقًا بالهزْمِ المنسوبِ إلى الفاعلِ مُطلَقًا،
وسريانُ التشبيهِ إلى ما في ضِمْنَيْ هزَمَ المُسْنَدِ إلى السببِ وهزَمَ
المُسْنَدِ إلى الفاعلِ، فيستعارُ بِناءً على هذا التشبيهِ الحاصلِ
بالسرايةِ هزَمَ من النِّسبةِ الفاعليَّةِ للنسبةِ السببيَّةِ، وما ذهَبَ
إليه العضُدُ في نحوِ هزَمَ الأميرُ الجندَ هو أحَدُ أقوالٍ ستَّةٍ فيه.
والثاني: ما سيأتي من مذْهَبِ الجمهورِ من أنَّ التجوُّزَ فيه في أمْرٍ
معنويٍّ فقط، وهو إسنادُه لغيرِ مَن هو له لملابَسةٍ بينَهما. والثالثُ
مذهَبُ ابنِ الحاجبِ: أنَّ التجوُّزَ فيه في أمْرٍ لفظيٍّ هو الفعلُ
باعتبارِ الحدَثِ بأن يُجعَلَ الهزْمُ بمعنى الأمْرِ به. والرابعُ مذْهَبُ
السكَّاكيِّ: أنَّ التجوُّزَ فيه في أمرٍ لفظيٍّ هو المُسْنَدُ إليه بجعْلِ
الأميرِ مستعارًا للجيشِ الادِّعائيِّ بقرينةِ نِسبةِ الهزْمِ إليه على
طريقِ المكنيَّةِ عندَه. والخامسُ مذهَبُ الشيخِ عبدِ القاهرِ: أنَّ
التجوُّزَ فيه في الهيئةِ التركيبيَّةِ بأنْ تُشبَّهَ هيئةُ تدبيرِ الأميرِ
في كسْرِ العدوِّ وأمرُه بتحصيلِ الآلاتِ بهيئةِ كسْرِ الجيشِ للعدوِّ
وملاقاتِهم له، ويُستعارُ التركيبُ الدالُّ على الثاني للأوَّلِ بِناءً على
أنَّ الأصلَ هزَمَ الجيشُ الجندَ؛ لأنَّ هذا هو اللفظُ الدالُّ على
الهيئةِ المشبَّهِ بها، فحُذِفَ الجيشُ اتِّكالاً على ظهورِه، وذُكِرَ
الأميرُ قرينةً للتجوُّزِ. وعلى هذه الأقوالِ فالتجوُّزُ فيه بمعنى جَعْلِ
الشيءِ في غيرِ موضعِه بتأوُّلٍ. والسادسُ لبعضِهم، أنَّ التجوُّزَ فيه
بمعنى خلافِ الأصلِ بحذفِ المضافِ، والأصلُ هزَمَ جيشُ الأميرِ، فاعرِفْ
ذلكَ. القسْمُ الرابعُ: استعارتُه باعتبارِ مادَّتِه وهيئتِه من حيثُ
الزمانُ فقطْ، كقَتْلِ زيدٍ عمْرًا بمعنى يضْرِبُه ضربًا شديدًا. القسمُ
الخامسُ: استعارتُه باعتبارِ مادَّتِه وهيئتِه من حيثُ النِّسبةُ فقط،
كقَتَلَ الأميرُ زيدًا بمعنى ضرَبَه خَدَمَتُهُ ضربًا شديدًا، ونُسِبَ
للأميرِ لكونِه الآمِرَ. القِسمُ السادسُ: استعارتُه باعتبارِ المادَّةِ
والهيئَةِ منْ حيثُ الزمانُ والنِّسْبةِ معًا، كقتلِ الأميرِ زيدًا بمعنى
سيضربُه خَدَمَتُهُ ضربًا شديدًا. القسْمُ السابعُ: استعارتُه باعتبارِ
الهيئةِ فقط من حيثُ الزمانُ والنِّسبةُ معًا، كقَتْلِ الأميرِ العدوَّ
بمعنى سيقتلُه خَدَمَتُهُ. وإجراءُ الاستعارةِ في هذه الأقسامِ الأربعةِ
ظاهرٌ من جرَيَانِها في الأقسامِ الثلاثةِ قبلَها بطريقِ المقايَسةِ.
القسمُ الثامنُ: استعارتُه من الحدَثِ المتحقِّقِ في الماضي إلى الحدَثِ
المفروضِ فيه ليُرَتِّبَ على المفروضِ ما يُرتِّبُ على المحقَّقِ، كما
استخرَجَهُ الخفاجيُّ من تقريرِ صاحبِ الكشَّافِ لقولِ عُمَرَ رضِيَ
اللَّهُ عنهُ لأبي مُوسى الأشعريِّ في كاتبِه النصرانيِّ: ماتَ النصرانيُّ
والسلامُ، بقولِه يعني: هَبْ أنَّه قد ماتَ فما كنتَ صانعًا فاصنَعْهُ
الساعةَ واستغْنِ عنهُ بغيرِه ا.هـ. وهو صريحٌ في أنَّ استعمالَ الألفاظِ
في معانيها الفرضيَّةِ مجازيٌّ ولا يَظهَرُ إلاَّ على القولِ بأنَّ
مدلولاتِ الألفاظِ الأمورُ الخارجيَّةُ فيُعتبرُ بَعْدَ تشبيهِ الحدثِ
المفروضِ في الماضي بالحدَثِ المحقَّقِ فيه بجامعِ تَرَتُّبِ العزْلِ
والاستغناءِ على كلٍّ إمَّا استعارَةُ لفظِ المصدرِ من المحقَّقِ للمفروضِ،
ثمَّ يُشتقُّ ماتَ من المصدرِ المستعارِ، وإمَّا سَريانُ التشبيهِ لما في
ضمْنَي الفعليْنِ، واستعارةُ ماتَ من الحدَثِ المحقَّقِ في الماضي للحدثِ
المفروضِ فيه، وإمَّا على القولِ بأنَّ مدلولاتِ الألفاظِ الأمورُ
الذهنيَّةُ، فلا يَظهرُ إلاَّ إذا جُعِلَ من قبيلِ استعمالِ الكلِّيِّ في
فردِه من حيثُ خُصوصُه مجازًا مرسَلاً علاقتُه العامِّيَّةُ لا استعارةً،
كالإنسانِ في زيدٍ من حيثُ تشخُّصُه لا من حيثُ كونُه فردًا، فافْهَم.
وقالَ بعضُهم: الذي يُفيدُه قولُ صاحبِ الكشَّافِ المذكورُ: أنَّ قولَ
عُمَرَ رضِيَ اللَّهُ عنهُ ماتَ خبرٌ استُعْمِلَ في إنشاءٍ، فيكونُ من
المجازِ المركَّبِ لعَلاقةِ غيرِ المشابَهةِ كما سيأتي.
قولُه: (أو حرفًا)، اعلمْ أنَّ الحرفَ إن كانَ له معنًى واحدٌ فقط كلَمْ
كان فيه حقيقةً، وفي غيرِه مجازًا تبعيًّا، وإن كان لمعانٍ متعدِّدةٍ
مُتبادَرةٍ منه كان فيه من قبيلِ استعمالِ المشترَكِ فيما وُضِعَ له على
التحقيقِ، وفي غيرِها مجازًا تبعيًّا، إن كان الحرفُ من غيرِ حروفِ الجرِّ
والجزْمِ والنصبِ، وإلاَّ بأن كان منها، فالكوفيُّونَ على جوازِ نيابةِ
بعضِها عن بعضٍ بلا شذوذٍ، وفي اتِّفاقِهم على أنَّها في غيْرِ المتبادَرِ
منها حقيقةً، أو اختلافِهم في أنَّها في غيرِ المتبادَرِ حقيقةً أو مجازًا،
قولاَ الأميرِ والصبَّانِ. ثالثُها قولُ الخُضَرِيِّ: إنَّها في غيرِ
المتبادَرِ مجازٌ عندَهم وعندَ بعضِ المتأخِّرينَ. والبصريُّون على منْعِ
نيابةِ بعضِها عن بعضٍ وحمْلِ ما وَرَدَ منهُ على التجوُّزِ في غيرِ
الحرفِ، كجعْلِ الفعلِ في نحوِ: وقد أحسَنَ بي، مضمَّنًا معنى لَطَفَ،
والجُذُوعِ في قولِه تعالى: {لأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ}
استعارةً بالكنايةِ بتشبيهِها في النفسِ بالظرفِ الحقيقيِّ بجامعِ
التمكُّنِ وفي تخييلٍ، أو على التجوُّزِ في الحرفِ شذوذًا. قولُه: (أو
اسمًا مشتقًّا)، بما أنَّ الاسمَ المشتقَّ مُطلَقًا يَدلُّ على الحدَثِ
بمادَّتِه، وعلى الذاتِ والنِّسبةِ بهيئتِه، تكونُ أقسامُ استعارتِه أيضًا
سبعةً: الأوَّلُ، استعارتُه باعتبارِ مادَّتِه فقط، كما في استعارةِ لفظِ
القاتلِ لمعنى الضاربِ ضربًا شديدًا، أو لفظِ المَرْقَدِ اسمِ مكانِ
الرقودِ لمعنى المماتِ اسمِ مكانِ الموتِ، بأن يُعتبَرَ بَعْدَ تشبيهِ
الموتِ بالرقودِ بجامِعِ تَعَطُّلِ القُوى البدنيَّةِ وانعزالِها عن
أعمالِها الطبيعيَّةِ لكلٍّ إمَّا استعارةُ الرقودِ للموتِ واشتقاقُ
المرقَدِ من الرقودِ المستعارِ للموتِ، وإمَّا سريانُ التشبيهِ لما في
ضِمْنَي المَرْقَدِ والمماتِ، واستعارةُ الأوَّلِ للثاني بِناءً على
التشبيهِ الحاصلِ بالسرايةِ. القسمُ الثاني: استعارتُه باعتبارِ الهيئةِ
فقط من حيثُ دَلالتُها على الذاتِ فقط، كما في استعارةِ المِرْقَدِ بكسرِ
الميمِ اسمِ آلةٍ لمعنى المَرقدِ بفتحِها اسمِ مكانٍ قَصْدًا للمبالَغةِ في
وصْفِ مكانِ الرقودِ بأنَّ له دخلاً عظيمًا في إرقادِ كلِّ مَن استقرَّ به
بحيثُ كأنَّه يَتوسَّطُ بينَ الحدثِ الذي هو الرقودِ وفاعلِه الذي هو
الراقدُ في اتِّصافِه به توسُّطَ الآلةِ بأن يُعتبَرَ تشبيهُ المكانِ
مُطلَقًا بالآلةِ مُطلَقًا، وسريانُه إلى ما في ضِمْنَي المَرقَدِ بالفتْحِ
والمِرقَدِ بالكسْرِ، واستعارةُ لفظِ الثاني لمعنى الأوَّلِ بِناءً على
التشبيهِ الحاصلِ بالسرايةِ، أو يُعتبَرُ بَعْدَ تشبيهِ الرقادِ المتعلِّقِ
بالمكانِ لحصولِه فيه بالرُّقَادِ المتعلِّقِ بالآلةِ لتوَسُّطِها بينَه
وبينَ فاعلِه، إمَّا استعارةُ لفظِ الرقادِ المتعلِّقِ بالآلةِ لمعْنَى
الرُّقادِ المتعلِّقِ بالمكانِ، ويُشتقُّ من المستعارِ المِرْقَدِ بكسْرِ
الميمِ. والحقُّ أنَّ الحدثَ المتعلِّقَ بالآلةِ الذي هو المشبَّهُ به
مغايرٌ بالذاتِ للحدَثِ المتعلِّقِ بالمكانِ الذي هو المشبَّهُ، فتَمَّ
القياسُ. وإمَّا سَريانُ التشبيهِ لما في ضِمْنَي المشتقَّيْنِ، أعني
المَرقدَ بفتْحِ الميمِ والمِرقدَ بكسْرِها، واستعارةُ الثاني لمعنى
الأوَّلِ بِناءً على التشبيهِ الحاصلِ بالسرايةِ. القسمُ الثالثُ:
استعارتُه باعتبارِ الهيئةِ فقط من حيثُ النِّسبةُ فقط، نحوُ: الأميرُ
هازمٌ للجنْدِ؛ لأنَّ نِسبةَ اسمِ الفاعلِ هي نِسبةُ الحدَثِ المفهومِ منه
لمَن قامَ به، وهو الذاتُ المفهومةُ منه أيضًا، وقد تَجوزُ فيه من تلكَ
النِّسبةِ إلى النِّسبةِ للسببِ بأن اعتُبِرَ تشبيهُ النِّسبةِ السببيَّةِ
المُطلَقةِ بالنِّسبةِ الفاعليَّةِ المُطلَقةِ في شدَّةِ احتياجِ الحدَثِ
إليهما مثلاً، وسريانِه إلى ما في ضِمْنَي الوصفيْنِ، أعني هازِمٌ
المُسْنَدُ إلى الفاعلِ الحقيقيِّ وهازمٌ المُسْنَدُ إلى السببِ، واستعارةُ
هازمٍ من النِّسبةِ الفاعليَّةِ الجزئيَّةِ للنِّسبةِ السببيَّةِ
الجزئيَّةِ، أو اعتُبِرَ بعدَ تشبيهِ الهزْمِ المنسوبِ إلى السببِ مُطلَقًا
بالهزْمِ المنسوبِ إلى الفاعلِ مُطلَقًا، إمَّا استعارةُ لفظِ الثاني
للأوَّلِ ويُشتَقُّ من المستعارِ الوصفُ، وإمَّا سريانُ التشبيهِ إلى
الهزْمِ المنسوبِ إلى السببِ، والهزْمِ المنسوبِ إلى الفاعلِ الجزئيَّيْنِ
اللذيْنِ في ضِمْنَيْ هازِمٌ المُسْنَدِ إلى السببِ وهازمٌ المُسْنَدِ إلى
الفاعلِ، واستعارةُ هازمٌ من النِّسبةِ الفاعليَّةِ للنسبةِ السببيَّةِ
بِناءً على التشبيهِ الحاصلِ بالسرايةِ، فافْهَمْ.
القسمُ الرابعُ: استعارتُه باعتبارِ المادَّةِ الدالَّةِ على الحدَثِ
والهيئةِ من حيثُ دَلالتُها على خُصوصِ الذاتِ كاستعارةِ مِقتَل بكسرِ
الميمِ لمعنى المَضرِبِ بفتحِها أي مكانِ الضربِ الشديدِ الذي كأنَّه آلةٌ
في حُصولِه.
القِسمُ الخامسُ: استعارتُه باعتبارِ المادَّةِ الدالَّةِ على الحدَثِ
والهيئةِ من حيثُ دَلالتُها على خصوصِ النِّسبةِ، كما في نحوِ: الأميرُ
قاتلُ زيدٍ، بمعنى أنَّ خَدَمَتَهُ ضاربُوهُ ضربًا شديدًا.
القسمُ السادسُ: استعارتُه باعتبارِ المادَّةِ الدالَّةِ على الحدَثِ
والهيئةِ من حيثُ دَلالتُها على الذاتِ والنِّسبةِ معًا، كاستعارةِ
مِقْتَلِ بكسرِ الميمِ لمعنى الضاربِ ضربًا شديدًا، أيِ الآمرِ بالضربِ
الشديدِ الذي كأنَّه آلةٌ في حصولِه.
القسمُ السابعُ: استعارتُه باعتبارِ الهيئةِ فقط من حيثُ دَلالتُها على
الذاتِ والنِّسبةِ معًا كاستعارةِ مِقتلِ بكسرِ الميمِ لمعنى القاتِلِ، أي
الآمرِ بالقتلِ الذي كأنَّه آلةٌ في حصولِ القتْلِ. هذا خُلاصةُ ما في
رِسَالَتَي البَيَانيَّةِ الملخَّصَةِ من بيانيَّةِ الصبَّانِ وحاشيةِ
الأَنْبَابِيِّ عليها، وإنْ أردْتَ زيادةَ تحقيقٍ فعليكَ بمراجعةِ حاشيةِ
الأَنْبَابِيِّ معَ بيانيَّةِ الصبَّانِ، فافهَمْ.
(4) قولُه: (نحوُ: ركِبَ فلانٌ كَتِفَيْ غريمِه)،
ويُقالُ في إجرائِها على مذهَبِ القومِ: شبَّهَ اللزومَ الشديدَ بالركوبِ
بجامعِ السلطةِ والقهْرِ، واستُعِيرَ لفظُ المشبَّهِ به وهو الركوبُ
للمُشبَّه وهو اللزومُ، ثمَّ اشتُقَّ من الركوبِ بمعنى اللزومِ رَكِبَ
بمعنى لزِمَ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ، وأمَّا على
مذهبِ العصامِ فيُقالُ: شبَّهَ اللزومَ بالركوبِ بجامعِ السلطةِ والقهْرِ،
فسَرَى التشبيهُ من معنى المصدَرَيْنِ الذي هو الحدَثُ المُطلَقُ إلى معنى
الفِعلَيْنِ الذي هو الحدَثُ المقيَّدُ بالزمَنِ الماضي، ثمَّ اسْتُعِيرَ
بناءً على التشبيهِ الحاصلِ بطريقِ السِّرايةِ والتَّبَعِ رَكِبَ لمعنى
لَزِمَ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ.
(5) قولُه: ({أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ})،
بِناءً على أنَّ (على) هنا مُستعارةٌ من الاستعـلاءِ الحسِّيِّ للاستعلاءِ
المعنويِّ، ويُقالُ في إجرائِها: شبَّهَ مُطلَقَ ارتباطٍ بينَ مهدِيٍّ
وهُدًى بمُطلَقِ ارتباطٍ بينَ مستَعْلٍ ومستعلًى عليه بجامِعِ التمكُّنِ في
كلٍّ، فسَرَى التشبيهُ منُ الكلِّيَّيْنِ للجزئيَّاتِ، ثمَّ اسْتُعِيرَ
على مِن جُزْئِيٍّ من جزئيَّاتِ المُشبَّهِ به لجُزْئِيٍّ من جزئيَّاتِ
المُشبَّهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ. وفيه أنَّ على
هنا حقيقةٌ لا مجازٌ، لِمَا نَقَلَهُ العلاَّمَةُ الخُضَريُّ عن المحقِّقِ
الدَّمامينيِّ من أنَّ (على) للاستعلاءِ، وهو حقيقيٌّ إن كانَ العلوُّ على
نفسِ المجرورِ حسًّا نحوُ: زيدٌ على السطْحِ، أو معنى: {كَفَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ}، ومجازيٌّ إن كان العلوُّ على ما يَقرُبُ من المجرورِ، نحوُ: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى}، أي: هاديًا. ا.هـ.
ولا شكَّ أنَّ على هنا للعلوِّ على نفسِ المجرورِ معنًى، فالمناسبُ التمثيلُ بنحوِ {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى}،
وإجراءُ الاستعارةِ فيه أن يُقالَ: شبَّهَ مُطلَقَ ارتباطٍ بينَ مستعْلٍ
وما يَقْرُبُ من المستَعْلَى عليه بمُطلَقِ ارتباطٍ بينَ المستعلِي ونفسِ
المستعلَى عليه بجامعِ مُطلَقِ التمكُّنِ في كلٍّ، فسَرَى التشبيهُ من
الكلِّيَّيْنِ إلى الجزئيَّاتِ، ثمَّ استعيرَتْ (على) مِن جُزْئِيٍّ من
جزئيَّاتِ المُشبَّهِ به لجُزْئِيٍّ من جُزْئيَّاتِ المُشبَّهِ على طريقِ
الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ).
دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (وتَنْقَسِمُ
الاستعارةُ إلى أصْلِيَّةٍ، وهيَ ما كانَ فيها المستعارُ اسْمًا غيرَ
مُشْتَقٍّ، كاستعارةِ (الظلام) لـ(الضلال)، و(النورِ) لـ(الهُدى). ولئن نَطَقْتُ بشكْرِ بِرِّكَ مُفْصِحًا ..... فلسانُ حالي بالشِّكايةِ أَنْطَقُ ونحوُ: أَذَقْتُه لِباسَ الموتِ، أيْ: أَلْبَسْتُه إِيَّاه).
وإلى تَبعِيَّةٍ، وهيَ ما كان فيها المستعارُ فعْلاً، أوْ حرفًا، أو اسمًا
مُشْتَقًّا، نحوُ: (فلانٌ ركِبَ كَتِفَيْ غَرِيمِه)، أيْ لازَمَه
مُلازَمَةً شديدةً، وقولِه تعالى: {أُولَـئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ}، أيْ: تَمَكَّنُوا من الحصولِ على الهدايةِ التامَّةِ، ونحوُ قولِه:
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (وتَنقسمُ
الاستعارةُ(1) إلى(2) أصليَّةٍ, وهي ما كان فيها(3) المستعارُ اسماً(4)
غيرَ مُشتَقٍّ(5) كاستعارةِ الظلامِ للضلالِ والنورِ للهُدى(6). ولئن نطَقْتُ بشكْرِ بِرِّكَ(16) مُفصِحاً(17) ..... فلسانُ حالي بالشِّكايةِ(18) أَنطَقُ(19) أي أدَلُّ(20) ). ________________________ قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): ((1) (وتَنقسِمُ الاستعارةُ) باعتبارِ اللفظِ المستعارِ سواءٌ كانت تصريحيَّةً أو مَكْنيَّةً. (2) (إلى) قسمين إلى: (3) (أصليَّةٍ, وهي ما كان فيها) اللفظُ. (4) (المستعارُ اسْماً) جامداً. (5) (غيرَ مشتَقٍّ) بأن كان صادقاً على كثيرين
من غيرِ اعتبارِ وصْفٍ من أوصافِه, سواءٌ كان اسمَ عينٍ أو اسمَ معنًى
فالأوَّلُ نحوُ الأسدِ من قولِك رأيتُ أسداً في الحمَّامِ أي: رجلاً شجاعاً
فشَبَّهَ الرجلَ الشجاعَ بالحيوانِ المفترِسِ بجامِعِ الْجَراءةِ في كلٍّ,
ثم استُعيرَ اسمُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ على طريقِ الاستعارةِ
التصريحيَّةِ الأصليَّةِ؛ لأن الأسدَ اسمٌ جامدٌ لعينٍ, وهو حقيقةُ
الحيوانِ المعلومِ و. (6) (كاستعارةِ الظلامِ للضلالِ والنورِ للهُدَى) في قولِه تعالى: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}
وقد تَقدَّمَ تقريرُ الاستعارةِ فيه والثاني نحوُ القتْلِ من قولِك هذا
قتْلٌ أي: ضرْبٌ شديدٌ فشَبَّهَ الضرْبَ الشديدَ بالقتْلِ بجامِعِ نهايةِ
الإذايةِ في كلٍّ ثم استُعيرَ اسمُ المُشبَّهِ به للمشَبَّهِ على طريقِ
الاستعارةِ التصريحيَّةِ الأصليَّةِ؛ لأن القتْلَ اسمٌ جامدٌ لفعْلٍ هو
سببُ خروجِ الحياةِ. وسواءٌ كان في الاستعارةِ التصريحيَّةِ كالأمثلةِ
المذكورةِ أو في الاستعارةِ المَكْنيَّةِ نحوُ: أظفارُ المنيَّةِ نَشَبَتْ
بفلانٍ فشُبِّهَت المنيَّةُ بالسَّبُعِ بجامِعِ الاغتيالِ في كلٍّ؛ ثم
استعيرَ اسمُ السَّبُعِ للمنيَّةِ وحُذِفَ ورُمِزَ إليه بشيءٍ من لوازمِه
وهو الأظفارُ على طريقِ الاستعارةِ المَكْنيَّةِ الأصليَّةِ؛ لأن اللفظَ
المستعارَ فيه وهو السَّبُعُ اسمٌ جامدٌ غيرُ مشتَقٍّ لِعَيْنٍ, وإنما
سُمِّيَتْ أصليَّةً – نسبةً للأصلِ بمعنى الكثيرِ الغالبِ – لكثرةِ
أفرادِها في الكلامِ بخلافِ أفرادِ التبعيَّة ويَدُلُّ على ذلك أن كلَّ
استعارةٍ تَبعيَّةٍ, معها أصليَّةٌ, ولا عَكْسَ, أو بمعنى ما كان
مُسْتَقِلاّ لِجَرَيانِها واعتبارِها أوَّلاً من غيرِ توقُّفٍ على تقَدُّمِ
استعارةٍ أخرى أو بمعنى ما يَنْبَنِي عليه غيرُه لكونِها أصلاً لتبعيَّةٍ
مبنِيَّةٍ على استعارةٍ أخرى. (7) (وإلى تَبعيَّةٍ وهي ما كان فيها) اللفظُ (8) (المستعارُ فعْلاً) سواءٌ كان له مصدرٌ أو
لا, كيَذَرُ ويَدَعُ ونِعْمَ وبِئْسَ, وسواءٌ كان مُجَرَّداً عن الحرفِ
المصدريِّ أو مقترِناً به نحوُ: يُعْجِبُني أن تَقتُلَ كذلك؛ لأن
الاستعارةَ للَّفْظِ المصرَّحِ به, وقالَ العِصامُ: في الفارسيَّةِ
الْمُقْتَرِنُ بالحرفِ المصدريِّ استعارتُه أصليَّةٌ نَظَراً للتأويلِ
بمصْدَرٍ. (9) (أو حرْفاً) سواءٌ كان له معنًى واحدٌ فقط
كَلَمْ فيكونُ فيه حقيقةً وفي غيرِه مَجازاً تبعيًّا أو كان له معانٍ
متعدِّدةٌ متبادَرةٌ منه فيكونُ من قبيلِ المشترَكِ اللفظيِّ فيما وُضِعَ
له على التحقيقِ وفي غيرِها مَجازاً تَبَعيًّا إن كان الحرفُ من غيرِ حروفِ
الجرِّ والجزمِ والنصبِ، وإلا بأن كان منها فالبصريُّون على منْعِ نيابةِ
بعضِها عن بعضٍ, ويُحْمَلُ ما وَردَ منه على التجوُّزِ في غيرِ الحرْفِ. (10) (أو اسْماً مشتَقًّا) من الأسماءِ
المشتَقَّاتِ من المصدَرِ, وهي اسما الفاعلِ والمفعولِ والصفةُ المُشبَّهةُ
واسمُ التفضيلِ وأسماءُ الزمانِ والمكانِ والآلةِ والتصغيرِ والاسمُ
المنسوبُ, فهذه ثلاثةُ مواضعَ تَجرِي التصريحيَّةُ في جميعِها, ولا تَجري
المَكْنيَّةُ إلا في الاسمِ المشتَقِّ فقط، أما وجهُ كَوْنِ الاستعارةِ
تَبعيَّةً في الفعلِ فلأن معناه مُلاحَظٌ فيه النسبةُ إلى فاعلٍ ما، وهذا
المعنى متوقِّفٌ على غيرِه لا يصلُحُ للموصوفيَّةِ فلا يَصلُحُ للاستعارةِ
إلا إذا أُجْرِيَ التشبيهُ أوَّلاً بينَ معنى المصدَرَيْن الحقيقيِّ
والمَجازيِّ، ثم يُستعارُ لفظُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ, ثم يُشتَقُّ منه
الفعلُ كما هو مذهبُ السلفِ أو بعدَ إجراءِ تشبيهِ المصْدَرَيْن يَسْرِي
منه إلى ما في ضِمْنَي الفعلين, ثم يُستعارُ الفعلُ من معناه الحقيقيِّ إلى
معناه المَجازيِّ وهذا هو مذهبُ العِصامِ. (11) (نحوُ: ركِبَ فلانٌ كَتِفي غَريمِه. أي: لازَمَه ملازَمةً شديدةً) ويُقالُ
في إجراءِ الاستعارةِ فيه على مذهبِ السلفِ: شَبَّهَ اللُّزومَ الشديدَ
بالركوبِ بجامِعِ السُّلْطةِ والقهرِ والغَلَبةِ في كلٍّ, واستُعيرِ لفظُ
المُشبَّهِ به, وهو الركوبُ, للمشبَّهِ, وهو اللزومُ, ثم اشْتُقَّ من
الركوبِ بمعنى اللزومِ, رَكِبَ بمعنى لَزِمَ, على طريقِ الاستعارةِ
التصريحيَّةِ التبعيَّةِ، ويقالُ على مذهبِ العِصامِ: شبَّهَ اللزومَ
بالركوبِ بجامعِ السلطةِ والقهْرِ والغَلَبَةِ في كلٍّ, فسَرَى التشبيهُ من
معنى المصدَرَيْنِ الذي هو الْحَدَثُ المطلَقُ إلى معنى الفعلين الذي هو
الحَدَثُ المقَيَّدُ بالزَّمَنِ الماضي, ثم استُعيرَ رَكِبَ لمعنى لَزِمَ
على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ. (12) (و) أما وجهُ كونِها تبعيَّةً في الحرفِ
فلأن معناه غيرُ مستقِلٍّ بنفسِه فلا يَصلُحُ للموصوفيَّةِ التي يَقتضيها
التشبيهُ أعني لا يَتأتَّى كونُه مشبَّهاً ومشبَّهاً به أو محكوماً عليه
ومحكوماً به فلا تَتأتَّى الاستعارةُ فيه إلا إذا أَجْرَى التشبيهَ أوَّلاً
في متعلِّقِ معناه الكُلِّيِّ كالظرفيَّةِ لِفِي, ثم يَسْرِي التشبيهُ من
متعلِّقِه إلى معناه الخاصِّ فيُستعارُ من معناه الخاصِّ الحقيقيِّ إلى
معناه المَجازيِّ نحوُ. (13) (قولِه تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ. أي: تَمَكَّنُوا من الحصولِ على الهدايةِ التامَّةِ})
يُقالُ في إجراءِ الاستعارةِ فيه: شَبَّهَ مُطلَقَ ارتباطٍ بينَ مَهْديٍّ
وهدًى بمطلَقِ ارتباطٍ بينَ مُسْتَعْلِي ومُسْتَعْلًى عليه بجامِعِ
التمكُّنِ في كلٍّ, فسَرَى التشبيهُ من الكلِّيَّيْن إلى الجزئيَّاتِ, ثم
استُعِيرَتْ على من جُزْئِيٍّ من جُزئيَّاتِ المُشبَّهِ به لِجُزْئِيٍّ من
جزئِيَّاتِ المُشبَّهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ. (14) (و) أما وجْهُ كونِها تبعيَّةً في الاسمِ
المشتَقِّ فلأن معناه وهو الحدَثُ ملاحَظٌ فيه النسبةُ إلى الفاعلِ أو
نائبِه فلا يكونُ باعتبارِ ذلك صالحاً لموصوفيَّةٍ فلا يَصلُحُ للاستعارةِ
إلا إذا أُجْرِيَ التشبيهُ أوَّلاً بينَ معنى المصدَرَيْنِ, نظيرَ ما
تَقدَّمَ في الفعْلِ وذلك في التصريحيَّةِ. (15) (نحوُ قولِه) أي: الشاعرِ: (16) ( ولئِنْ نطَقْتُ بشكْرِ بِرِّكَ) أي: بشكْرِ إحسانِك وعطفِك, متعلِّقٌ بقولِه. (17) (مُفْصِحاً) منصوبٌ على الحاليَّةِ، أي:
ولئن نطقْتُ بلسانِ المقالِ حالَ كوني مُفْصِحاً بشكْرِ بِرِّكَ، وجوابُ
الشرطِ محذوفٌ أي: فلا يكونُ لسانُ مقالي أقوى من لسانِ حالي أُقيمَ
مُقامَه لازِمُه، وهو قولُه: (18) (فلسانُ حالي بالشكايةِ) مُتعلِّقٌ بقولِه: (19) (أَنْطَقُ) أي: فلسانُ حالي أنطَقُ بالشِّكايةِ منكَ؛ لأن ضُرَّكَ أكثرُ من بِرِّكَ. (20) (أي أدَلُّ) يُقالُ في تقريرِ الاستعارةِ
فيه: شُبِّهَت الدَّلالةُ الواضحةُ بالنطقِ بجامعِ إيضاحِ المعنى وإيصالِه
للذهْنِ في كلٍّ واسْتُعِيرَ النطْقُ للدَّلالةِ الواضحةِ, واشْتُقَّ من
النطقِ بمعنى الدَّلالةِ الواضحةِ اسمُ التفضيلِ ((أَنْطَقُ)) بمعنى ((أدَلُّ))
على سبيلِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبَعيَّةِ. وأما مثالُ المَكْنيَّةِ
التبَعيَّةِ في المشتَقِّ. فقولُك: يُعْجِبُني إراقةُ الضاربِ دمَ الباغِي.
ويُقالُ في إجراءِ الاستعارةِ فيه: شَبَّهَ الضرْبَ الشديدَ بالقتلِ
بجامعِ شدَّةِ الإيذاءِ في كلٍّ, واسْتُعِيرَ القتلُ للضرْبِ الشديدِ,
واشتُقَّ من القتلِ بمعنى الضرْبِ الشديدِ قاتَلَ بمعنى ضَارَبَ ضرْباً
شديداً, ثم حُذِفَ ورُمِزَ له بشيءٍ من لوازمِه, وهو الإراقةُ على سبيلِ
الاستعارةِ المَكْنيَّةِ التبَعيَّةِ هذا وبَقِيَ من مواضعِ التبعيَّةِ
موضعان: أحدُهما اسمُ الفعْلِ ولا يكونُ إلا في التصريحيَّةِ, لا فرْقَ
بينَ أن يكونَ اسمَ فعْلٍ مشتَقٍّ أو غيرِ مشتَقٍّ فالأوَّلُ نحوُ: نَزَالِ
بمعنى انْزِلْ تريدُ به ابْعُدْ, فتقولُ في إجراءِ الاستعارةِ: شَبَّهَ
معنى البُعْدِ بمعنى النزولِ بجامعِ مطلَقِ المفارَقةِ في كلٍّ, واستُعيرَ
لفظُ النزولِ لمعنى البُعدِ, واشتُقَّ منه نَزَالِ بمعنى ابْعُدْ. والثاني:
نحوُ: صَهْ بمعنى اسْكُتْ عن الكلامِ تريدُ به اتْرُكْ فعْلَ كذا فتقولُ
في إجراءِ الاستعارةِ شَبَّهَ ترْكَ الفعْلِ بمعنى السكوتِ عن الكلامِ
بجامعِ مطلَقِ التَّرْكِ في كلٍّ, واستُعيرَ لفظُ السكوتِ لمعنى تَرْكِ,
الفعْلِ واشتُقَّ منه اسْكُتْ بمعنى اتْرُك الفعلَ، وعَبَّرَ بدَلَ اسكُتْ
بصَهْ. والموضِعُ الثاني الاسمُ المبهَمُ أعني الضميرُ واسمُ الإشارةِ
واسمُ الموصولِ, ويكونُ في التصريحيَّةِ والمَكْنيَّةِ، فمثالُ الأُولى:
استعارةُ هذا لأمرٍ معقولٍ، فتقولُ في إجرائِها: شَبَّهَ مطلَقَ المعقولِ
بمطلَقِ المحسوسِ بجامِعِ قَبولِ التمييزِ والتعيينِ في كلٍّ فسَرَى
التشبيهُ إلى جزئيَّاتِه فاستُعِيرَ لفظُ هذا الموضوعِ لِجُزْئَي
المُشبَّهِ به لِجُزْئَي المُشبَّهِ على سبيلِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ.
ومثالُ الثانيةِ قولُك لِجَلِيسِك المشغولِ عنك: أنتَ مطلوبٌ منك أن تسيرَ
إلينا الآنَ فتقولُ في إجراءِ الاستعارةِ فيه: شَبَّهَ مطلَقَ مخاطَبٍ
بمطلَقِ غائبٍ, فسَرَى التشبيهُ للجزئيَّاتِ, واستُعيرَ اللفظُ الدالُّ على
الثاني, وهو ضميرُ الغائبِ للمخاطَبِ, ثم حُذِفَ وذُكِرَ المخاطَبُ
ورُمِزَ إلى المحذوفِ بذكْرِ لازِمِه, وهو طلبُ السيرِ منه إليك.
فتَحَصَّلَ مما تَقدَّمَ أن هذه الاستعارةَ سُمِّيَتْ تَبَعيِّةً؛ لأن
جريانَها في الأفعالِ والأسماءِ المشتَقَّاتِ وأسماءِ الأفعالِ تابعٌ
لجريانِها أوَّلاً في الجوامدِ, أي: لاستعارةٍ أخرى في المصادرِ, ولأن
جريانَها في الحروفِ والأسماءِ المبهمَةِ تابعٌ لجريانِها في كلِّيَّاتِ
معانيها أي: لاستعارةٍ أخرى في متعلِّقِ معانيها).
وإلى تَبعيَّةٍ وهي ما كان فيها(7) المستعارُ فعْلاً(8) أو حرفاً(9) أو
اسماً مشتَقًّا(10)، نحوُ: رَكِبَ فلانٌ كَتِفَيْ غَريمِه. أي لازَمَه
مُلازَمةً شديدةً(11)، و(12) قولِه تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} أى تَمَكَّنُوا من الحصولِ على الهدايةِ التامَّةِ(13)،
و(14) نحوُ قولِه(15):
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري
قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل
حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (وتَنقَسِمُ الاستعارةُ إلى:
أصْلِيَّةٍ، وهيَ ما كانَ فيها اللفظُ المستعارُ اسمًا غيرَ مُشْتَقٍّ،
سواءٌ كانَ اسمَ جنسٍ كاستعارةِ الظلامِ للضَّلالِ، والنورِ للَّهُدَى، أوْ
عَلَمًا مَشْهُورًا بنوعِ وَصْفِيَّةٍ، كاستعارةِ لفظِ حاتمٍ لرجلٍ كريمٍ
في قولِكَ: ( رأيتُ اليومَ حاتمًا ) .
وإنَّما سُمِّيَتْ هذه الاستعارةُ أَصْلِيَّةً؛ لكونِها بالأَصالةِ منْ
غيرِ ابْتِنَائِها على استعارةٍ أُخرى، بخلافِ التَبَعِيَّةِ التي
بَيَّنَها بقولِه: ( وَإِلَى تَبَعِيَّةٍ، وهيَ ما كانَ فيها الْمُستعارُ
فِعْلًا أوْ حَرْفًا أو اسْمًا مُشْتَقًّا )؛ فإنَّها تَتَوَقَّفُ
وتُبْتَنَى على استعارةٍ أُخْرَى، فإنَّ استعارةَ فعْلٍ لفِعْلٍ آخَرَ،
واستعارةَ اسمٍ مُشْتَقٍّ لِمُشْتَقٍّ آخَرَ، إنَّما هما باعتبارِ استعارةِ
مَصْدَرِ الأَوَّلَيْنِ لِمَصْدَرِ الأَخِيرَيْنِ، واستعارةَ حرفٍ لحرفٍ
آخَرَ إنَّما هيَ باعتبارِ استعارةِ مُتَعَلِّقِ معنى الحرْفِ الأَوَّلِ
لِمُتَعَلِّقِ معنى الحرْفِ الآخِرِ، ففي قولِه نحوَ: ( فلانٌ رَكِبَ
كَتِفَيْ غَرِيمِه )، أيْ: لازَمَه مُلَازَمَةً شديدةً، يُقَدَّرُ التشبيهُ
أوَّلًا بينَ مَصْدَرَيْ هذينِ الفِعْلَيْنِ بأنْ يُجْعَلَ مَصْدَرُ
الثاني، أي الْمُلازمَةُ، مُشَبَّهًا،ويُجْعَلُ مَصْدَرُ الأوَّلِ، أي
الركوبُ، مُشَبَّهًا بهِ بجامِعِ القَهْرِ والتَّمَكُّنِ، ثمَّ يُستعارُ
للملازَمَةِ لفظُ الركوبِ، ثمَّ يُشْتَقُّ من الركوبِ الْمُسْتَعَارِ
فِعْلُ رَكِبَ، فتكونُ الاستعارةُ في المصدرِ أصْلِيَّةً؛ لأصالتِها
وأَوَّلِيَّتِها، وفي الفِعْلِ تَبَعِيَّةً؛ لفَرْعِيَّتِها وتَأَخُّرِها،
وهذا هوَ الحاصِلُ لِمَا في الحاشيةِ منْ قولِه: ( ويُقالُ في إِجْرَائِها
.... إلخ ) .
وفي قولِه تعالى: { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ }،
أيْ: تَمَكَّنُوا من الحصولِ على الهدايةِ التامَّةِ، يُقَدَّرُ التشبيهُ
أوَّلًا بينَ التَّعَلُّقِ الذي للمَهْدِيِّ بالْهُدَى،وبينَ مُطْلَقِ
الاستعلاءِ الذي هوَ مُتَعَلِّقُ معنى كلمةِ على؛ لأنَّ المرادَ
بِمُتَعَلِّقاتِ معاني الحروفِ على ما قالُوا هوَ ما يُعَبَّرُ عنها عندَ
تفسيرِ معانيها، مثلَ قولِنا: مِنْ معناها ابتداءُ الغايةِ،وفي معناها
الظَّرْفِيَّةُ، فيُجْعَلُ ذلكَ التَّعَلُّقُ الذي بينَ الْمَهْدِيِّ
والْهُدَى مُشَبَّهًا،والاستعلاءُ الذي هوَ مُتَعَلِّقُ معنى كلمةِ على
مُشَبَّهًا به،ووجهُ الشبَهِ بينَهما ما لَابَسَ كُلًّا منهما من
التَّمَكُّنِ والتَّسَلُّطِ .
ويَتْبَعُ هذا التشبيهَ التشبيهُ بينَ الْجُزْئِيَّيْنِ منهما، ثمَّ
يُستعارُ كلمةُ على الموضوعةُ للجُزْئِيِّ المخصوصِ من الاستعلاءِ
للتَّعَلُّقِ الخاصِّ الْجُزْئِيِّ منْ مُطْلَقِ التَّعَلُّقِ بينَ
الْمَهْدِيِّ والْهُدَى، فيكونُ الاستعارةُ في الاستعلاءِ الكُلِّيِّ الذي
هوَ متَعَلِّقُ معنى على أصلِيَّةً، وفي الاستعلاءِ الجزئيِّ الذي هوَ معنى
على تَبَعِيَّةً .
وهذا هوَ التفصيلُ لِمَا في الحاشيةِ منْ قولِه: ( ويقالُ في إجرائِها شَبَّهَ مُطْلَقَ ارتباطِ ..........) إلخ .
وفي نحوَ قولِه: ( ولَئِنْ نَطَقْتُ بشُكْرِ بِرِّكَ )، أيْ: بشُكْرِ
إحسانِكوَعَطْفِكَ حالَ كَوْنِي (مُفْصِحًا)، (فلسانُ حالي بالشِّكايَةِ
أنْطَقُ )، أيْ: أَدَلُّ، يُقَدَّرُ التشبيهُ أوَّلًا للدَّلالةِ بالنطْقِ
بأنْ يُجْعَلَ دَلالةُ حالِ إنسانٍ على شيءٍ مُشَبَّهًا، ونُطْقُ الناطقِ
مُشَبَّهًا به،ووجهُ الشبَهِ بينَهما اتِّضاحَ المدلولِ،والمعنى
للذِّهْنِ بكلٍّ منهما، ثمَّ يُعتبرُ استعارةُ لفظِ النُّطقِ للدَّلالةِ،
ثمَّ يُشْتَقُّ من النطْقِ الْمُستعارِ الصفةُ الْمُشتَّقَةُ، أيْ:
أَنْطَقُ، فتكونُ الاستعارةُ في المصدَرِ أصليَّةً، وفي الصفةِ
الْمُشْتَقَّةِ تبعيَّةً .
وفي نحوَ: ( أَذَقْتُهُ لِباسَ الموتِ )، أيْ أَلْبَسْتُهُ إيَّاهُ،
يُعْتَبَرُ التشبيهُ أوَّلًا بينَ مَصدرِ الفعْلِ الأوَّلِ، وهوَ
الإذاقةُ،وبينَ مصدَرِ الفعْلِ الثاني، أي الإلباسِ، بأنْ يُجعَلَ
الإذاقةُ مُشَبَّهًا بالإلباسِ، ثمَّ يُستعارَ لفظُ المُشَبَّهِ بهِ، أي
الإلباسُ، للمُشَبَّهِ، أي الإذاقةِ، ثمَّ يُحْذَفُ لفظُ المُشَبَّهِ
بهويُرْمَزُ إليه بلازِمِه الذي هوَ اللِّباسُ على طريقِ الاستعارةِ
الْمَكْنِيَّةِ، ثمَّ يُشْتَقُّ من الإلباسِ الْمُستعارِ منهُ أَلْبَسْتَ
بمعنى أَذَقْتَ، فتكونُ الاستعارةُ في الْمَصْدَرِ استعارةً مَكْنِيَّةً
أَصْلِيَّةً،وفي الفعْلِ استعارةً مَكْنِيَّةً تَبَعِيَّةً،وهذا هوَ
الحاصلُ لِمَا قالَ في الحاشيةِ: (ويقالُ في إجرائِها شُبِّهَتِ الإذاقةُ
...... إلخ )، فهذا أيضًا مثالٌ لكونِ الاستعارةِ في الفعْلِ تبعيَّةً كما
أنَّ الْمِثالَ الأوَّلَ، أيْ قولَه: ( نحوَ: رَكِبَ فُلانٌ كَتِفَيْ
غَرِيمِه )، مثالٌ لهُ، إلَّا أنَّ الاستعارةَ التَّبَعيَّةَ هناكَ
تصريحيَّةٌ، وههنا مَكْنِيَّةٌ).
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ) قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (وتنقسم
الاستعارة كذلك إلى أصلية؛ وهي: ما كان فيها المستعار اسماً غير مشتق,
وإلى استعارة تبعية؛ وهي: ما كان المستعار فيها اسماً مشتقاً, أو فعلاً, أو
حرفاً أو نحو ذلك. أكل ما رمت جيشا فانثنى هرباً ..... ترحلت بك في آثاره الهمم عليك هزمهم في كل معترك ..... وما عليك بهم عار إذا انهزموا فالمقصود لازمه ملازمة شديدة، ومن ذلك قول الله تعالى: {أولئك على هدى من ربهم}فالاستعارة
هنا أين هي؟! في على، فعلى حرف معناه: الاستعلاء، فلما لزم الهدى استعير
لهم، كأنهم ركبوه، كأنهم ركبوا الهدى، كأن الهدى طريق، وكأنهم يسيرون عليه,
فاستعيرت ((على))، فلم نقل: أولئك في هدى من ربهم. قلنا: أولئك على هدى من
ربهم, فالمستعار هنا حرف, وهو ((على)), أصلها للاستعلاء, واستعيرت هنا
لمعنى في, ليدل ذلك على الاستعارة, على تشبيههم بمن يسير على طريق, أي:
تمكنوا من الحصول على الهداية التامة, ومثل ذلك قول الشاعر: ولئن نطقتُ بشكر برك مفصحاً ..... فلسان حالي بالشكاية أنطَق أي: أدل عليها، فأنطق هنا استعارة؛ لأن لسان الحال لا
ينطق, لسان الحال لا ينطق, إنما ينطق لسان المقال, لكنه استعار له النطق,
بمعنى: الدلالة, أنه يدل على الشكاية).
فالاستعارة الأصلية هي ما كان فيها المستعار اسماً غير مشتق, كاستعارة الظلام للضلال, وكاستعارة النور للهدى: {لتخرج الناس من الظلمات إلى النور}.
فهذا النوع يسمى أيضاً استعارة أصلية؛ لأنه مجرد أخذ اسم عرفت تسمية شيء
به ونقله إلى شيء آخر, كإطلاق السيارة على المركوب المعروف اليوم, وهو
استعارة, تشبيهاً لها في الأصل بالقافلة التي يسير فيها الناس, وتحمل
أزوادهم, وتجارتهم, وبضائعهم, فنقلتَ لفظ السيارة الذي يطلق على القافلة
إلى هذا المركوب الجديد, فهو مجرد نقل، فهذا يسمى استعارة أصلية .
أما الاستعارة التبعية فقال: وإلى تبعية، وهي ما كان
المستعار فعلاً أو حرفاً أو اسماً مشتقاً، نحو:"ركب فلان كتفي عزيمة" أقصد "
ركب فلان كتفي غريمه" . المقصود هنا لزمه وأحرجه, فشبهتَ ملازمته له
بركوبه لكتفيه, وكذلك ‘‘ركب فلان عزيمته‘‘. فجعلتَ العزيمة كأنها أمر يركب,
كما قال أبو الطيب المتنبي:
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (وتنقسم الاستعارة إلى أصلية : وهي ما كان فيها المستعار اسماً غير مشتق ، كاستعارة الظلام للضلال والنور للهدى).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا التقسيم ليس باعتبار
ذكر المستعار له والمستعار منه والمشبه والمشبه به وإنما نوع اللفظ
المستعار ، نوع اللفظ المستعار إن كان اسماً غير مشتق فيسمونه استعارة
أصلية ؛ لأن هذا هو الأصل. الأصل في اللفظ أن يكون بهذا الشكل ، وإن كان
اسماً مشتقاً أو حرفاً أو فعلاً فإنه يكون تبع الشق الثاني الذي يسمونه
تبعية كما سنعرف بعد قليل ؛ لأن الأصل في الكلام عندهم هو المصدر . وكما
مثل المؤلفون: الظلام والضلال والنور والهدى . هنا لأنه اسم جنس وجاء على
الأصل ولهذا سميت الاستعارة فيه أصلية بناءاً على نوع اللفظ المذكور).
القارئ: (وإلى تبعية وهي ما كان
منها المستعار فعلاً أو حرفاً أو اسماً مشتقاً نحو: ( فلان ركب كتفي غريمه
) أي لازمة ملازمة شديدة ، وقوله تعالى: { أولئك على هدىً من ربهم } أي تمكنوا من الحصول على الهداية التامة . ونحو قوله :
ولئـن نـطقـت بشـكـر برك مفصحاً فلسان حالي بالشكاية أنطق
ونحو: ( أذقته لباس الموت ) أي ألبسته إياه). ولئـن نـطقـت بشـكـر برك مفصحاً فلسان حالي بالشكاية أنطق
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (فالتبعية أكثر أصنافاً من
الأصلية ؛ لأنها متعددة ، فما كان اللفظ فيها فعل فهو من التبعية لأنهم
يقولون : الفعل تابع للمصدر ، وهذه قضية خلافية لغوية معروفة، أو كان
حرفاً مثلاً ما كان من الفعل كقولهم : ( فلان ركب كتفي غريمه ) لا يقصدون
الركوب المعروف حقيقة الركوب ، وإنما هو يعني دلالة على أنه تمكن من خصمه .
تمكن من خصمه ولازمه ملازمة شديدة لا يذكر كما يتمكن الراكب من فرسه إذا
ركب عليها .
وقد يكون حرفاً كقوله: { أولئك على هدىً من ربهم } على هنا تفيد الفوقية وهنا للتنبيه على الهدى التامة فما كان الشيء عليه فقد غمره وأحاط به وشمله .
ومثل قوله:
الكشاف التحليلي
·وتنقسم الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار إلى قسمين: أصلية وتبعية
§ القسم الأول الأصلية:وهي ما كان فيها المستعار اسماً غير مشتق
° سواء كان اسم عين، ومثاله:رأيت أسداً في الحمام، أو اسم معنى، ومثاله:هذا قتل، أي ضرب شديد
° وسواء كان استعارة تصريحية، ومثاله:رأيت أسداً في الحمام، أو مكنية، ومثاله:أظفار المنية نشبت بفلان
° سبب تسميتها أصلية:
- إما نسبة للأصل بمعنى الكثير الغالب، لكثرة أفرادها في الكلام.
- أو بمعنى ما كان مستقلا لجريانها واعتبارها أولاً من غير توقف على استعارة أخرى
- أو بمعنى ما يبنى عليه غيرها لكونها أصلاً لتبعية مبنية على استعارة أخرى
§ القسم الثاني التبعية:وهي ما كان فيها المستعار فعلاً أو حرفاً أو اسماً مشتقاً
° شرح التعريف
° وجه كون الاستعارة تبعية في الفعل.
- مثال الاستعارة في الفعل تبعية تصريحية:ركِبَ فلانٌ كَتِفي غَريمِه. أي: لازَمَه ملازَمةً شديدةً
- مثال كونِ الاستعارةِ في الفعْلِ تبعيَّةً مكنية:أَذَقْتُهُ لِباسَ الموتِ
° وجه كون الاستعارة تبعية في الحرف
- مثاله:{أولئك على هدى من ربهم}
- الكلام في (على) ومتى تكون حقيقة أو مجازاً
° وجه كون الاستعارة تبعية في الاسم المشتق
- مثال الاستعارة التصريحية التبعية في المشتق:ولئن نطقت بشكر برك مفصحاً * فلسان حالي بالشكاية أنطق
- مثال الاستعارة المكنية التبعية في المشتق:يُعْجِبُني إراقةُ الضاربِ دمَ الباغِي
° بقي من مواضع التبعية موضعان:اسم الفعل، والاسم المبهم
° الموضع الأول اسم الفعل، ولا يكون إلا في التصريحية، ولا فرق بينَ أن يكونَ اسمَ فعْلٍ مشتَقٍّ أو غيرِ مشتَقٍّ .
- مثال اسم الفعل المشتق:نزال، أي ابعد
- مثال اسم الفعل غير المشتق:صه
° الموضع الثاني:الاسم المبهم، أي الضمير واسم الأشارة واسم الموصول:
- مثاله في التصريحية: استعارةُ هذا لأمرٍ معقول
- مثال المكنية:قولُك لِجَلِيسِك المشغولِ عنك: أنتَ مطلوبٌ منك أن تسيرَ إلينا الآنَ
° سبب تسمية هذه الاستعارة تبعية
§ أقسام استعارة الفعل ثمانية:
° القسم الأول:استعارته باعتبار مادته فقط؛ مثاله:استعمال قتل في معنى ضرب شديداً
° القِسمُ الثاني: استعارتُه باعتبارِ الهيئةِ فقطْ من حيثُ دَلالتِها على الزمانِ فقطْ، وبيان ذلك، ومثاله:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}.
° القسم الثالث:استعارتُه باعتبارِ الهيئةِ من حيثُ دَلالتُها على النِّسبةِ، كما في استعمالِ هَزَمَ الأميرُ الجُندَ في معنى هَزَمَ الجيشُ الجندَ
- تنبيه:في المسألة ستة أقوال، وما ذكر فهو قول العضد.
° القسْمُ الرابعُ: استعارتُه باعتبارِ مادَّتِه وهيئتِه من حيثُ الزمانُ فقطْ، كقَتْلِ زيدٍ عمْرًا بمعنى يضْرِبُه ضربًا شديدًا.
° القسمُ الخامسُ: استعارتُه باعتبارِ
مادَّتِه وهيئتِه من حيثُ النِّسبةُ فقط، كقَتَلَ الأميرُ زيدًا بمعنى
ضرَبَه خَدَمَتُهُ ضربًا شديدًا، ونُسِبَ للأميرِ لكونِه الآمِرَ.
° القِسمُ السادسُ: استعارتُه باعتبارِ
المادَّةِ والهيئَةِ منْ حيثُ الزمانُ والنِّسْبةِ معًا، كقتلِ الأميرِ
زيدًا بمعنى سيضربُه خَدَمَتُهُ ضربًا شديدًا.
° القسْمُ السابعُ: استعارتُه باعتبارِ الهيئةِ فقط من حيثُ الزمانُ والنِّسبةُ معًا، كقَتْلِ الأميرِ العدوَّ بمعنى سيقتلُه خَدَمَتُهُ.
- وإجراءُ الاستعارةِ في هذه الأقسامِ الأربعةِ ظاهرٌ من جرَيَانِها في الأقسامِ الثلاثةِ قبلَها بطريقِ المقايَسةِ.
° القسمُ الثامنُ: استعارتُه من الحدَثِ
المتحقِّقِ في الماضي إلى الحدَثِ المفروضِ فيه ليُرَتِّبَ على المفروضِ ما
يُرتِّبُ على المحقَّقِ، كما استخرِج من قولِ عُمَرَ لأبي مُوسىفي كاتبِه
النصرانيِّ: ماتَ النصرانيُّ والسلامُ
§ تحقيق مسألة الاستعارة في الحرف.
§ أقسام استعارة الاسم المشتق سبعة:
° الأول:استعارتُه باعتبارِ مادَّتِه فقط، كما في استعارةِ لفظِ القاتلِ لمعنى الضاربِ ضربًا شديدًا
° القسمُ الثاني: استعارتُه باعتبارِ
الهيئةِ فقط من حيثُ دَلالتُها على الذاتِ فقط، كما في استعارةِ المِرْقَدِ
-بكسرِ الميمِ اسمِ آلةٍ- لمعنى المَرقدِ -بفتحِها اسمِ مكانٍ- قَصْدًا
للمبالَغةِ في وصْفِ مكانِ الرقودِ
° القسمُ الثالثُ: استعارتُه باعتبارِ الهيئةِ فقط من حيثُ النِّسبةُ فقط، نحوُ: الأميرُ هازمٌ للجنْدِ؛
° القسمُ الرابعُ: استعارتُه باعتبارِ
المادَّةِ الدالَّةِ على الحدَثِ والهيئةِ من حيثُ دَلالتُها على خُصوصِ
الذاتِ كاستعارةِ مِقتَل بكسرِ الميمِ لمعنى المَضرِبِ بفتحِها
° القِسمُ الخامسُ: استعارتُه باعتبارِ
المادَّةِ الدالَّةِ على الحدَثِ والهيئةِ من حيثُ دَلالتُها على خصوصِ
النِّسبةِ، كما في نحوِ: الأميرُ قاتلُ زيدٍ، بمعنى أنَّ خَدَمَتَهُ
ضاربُوهُ ضربًا شديدًا.
° القسمُ السادسُ: استعارتُه باعتبارِ
المادَّةِ الدالَّةِ على الحدَثِ والهيئةِ من حيثُ دَلالتُها على الذاتِ
والنِّسبةِ معًا، كاستعارةِ مِقْتَلِ بكسرِ الميمِ لمعنى الضاربِ ضربًا
شديدًا، أيِ الآمرِ
° القسمُ السابعُ: استعارتُه باعتبارِ
الهيئةِ فقط من حيثُ دَلالتُها على الذاتِ والنِّسبةِ معًا كاستعارةِ
مِقتلِ بكسرِ الميمِ لمعنى القاتِلِ، أي الآمرِ بالقتلِ الذي كأنَّه آلةٌ
في حصولِ القتْلِ.