المجاز العقلي
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (المجازُ العقليُّ
هوَ إسنادُ الفعْلِ أوْ ما في معناهُ إلى غيرِ ما هوَ لهُ عندَ المتكلِّمِ في الظاهِرِ لعَلاقةٍ، نحوُ قولِه:
أشابَ الصغيرَ وأَفْنَى الكبيـ ..... ـرَ كَرُّ الغَداةِ ومَرُّ العَشِيّ
فإنَّ إسنادَ الإشابةِ والإفناءِ إلى كرِّ الغَداةِ، ومرورِ العَشيِّ
إسنادٌ إلى غيرِ ما هوَ له، إذ الْمُشيبُ والْمُفْنِي في الحقيقةِ هوَ
اللَّهُ تعالى.
ومن الْمَجازِ العقليِّ إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى المفعولِ، نحوُ: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}،
وعكْسُه، نحوُ: (سَيْلٌ مُفْعَمٌ)؛ والإسنادُ إلى المصدرِ، نحوَ: (جَدَّ
جَدُّه)، وإلى الزمانِ، نحوُ: (نهارُه صائمٌ)، وإلى المكانِ، نحوُ: (نهرٌ
جارٍ)، وإلى السببِ، نحوُ: (بنى الأميرُ المدينةَ).
ويُعلَمُ ممَّا سَبَقَ أنَّ الْمَجازَ اللُّغَوِيَّ يكونُ في اللفظِ، والْمَجازَ العقليَّ يكونُ في الإسنادِ).
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): ( (المَجازُ العَقْلِيُّ) أشابَ الصغيرَ وأَفْنَى الكبيرَ ..... كرُّ الغداةِ ومَرُّ العشِيّ فإنَّ إسنادَ الإشابةِ والإفناءِ إلى كَرِّ الغداةِ ومرورِ العشيِّ إسنادٌ
إلى غيرِ ما هو له؛ إذ المُشيبُ والمُفني في الحقيقةِ هو اللهُ تعالى. ومن
المجازِ العقليِّ إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى المفعولِ، نحوُ: {عِيشَةٍ
رَاضِيَةٍ} وعكسُه، نحوُ: سبيلٌ مفْعَمٌ، والإسنادُ إلى المصدَرِ، نحوُ:
جَدَّ جِدُّه، وإلى الزمانِ، نحوُ: نهارُه صائمٌ، وإلى المكانِ، نحوُ:
نهْرٌ جارٍ، وإلى السببِ، نحوُ: بنى الأميرُ المدينةَ. ويُعلَمُ ممَّا سَبَقَ أنَّ المجازَ اللغويَّ يكونُ في اللفظِ، والمجازَ العقليَّ يكونُ في الإسنادِ). ______________________ قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ((1) قولُه: (هو إسنادُ الفعْلِ إلخ)، أي:
النِّسبةُ الحاصلةُ من ضمِّ لفظِ الفعْلِ الاصطلاحيِّ لغيرِ ما هو له.
والنِّسبةُ الحاصلةُ من ضمِّ أيِّ لفظٍ ثَبَتَ في معناهُ، أي معنى الفعلِ
التضمُّنِيِّ أو المطابِقِيِّ اللغويِّ، وهو الحدَثُ من مصدَرٍ واسمِ فاعلٍ
واسمِ مفعولٍ وصفةٍ مُشبَّهةٍ واسمِ تفضيلٍ وظرفٍ وجارٍّ ومجرورٍ ونحوِ
ذلكَ لغيرِ ما هو له، كانت النِّسبةُ إنشائيَّةً أوخبريَّةً ثبوتيَّةً أو
سلبيَّةً؛ لأنَّه يُقَدَّرُ فيما فيه سلْبٌ أنَّ الإثباتَ كان قبلَ النفيِ،
فيَصدُقُ على قولِنا: ما ربِحَتْ تجارةُ زيدٍ، أو ما تجارتُه رابحةً، أنَّ
فيه إسنادَ الربحِ في التقديرِ لغيرِ ما هو له وهو التجارةُ، وقولُه: (إلى غيرِ ما هو له)، أي: إلى غيرِ
الفاعلِ الذي هو، أي ذلكَ الفعْلُ أو ما في معناهُ، مبنيٌّ له. ويَتبادَرُ
من هذا أنَّ ذلكَ الغيرَ غيرٌ في الواقعِ وفي نفسِ الأمرِ، فيتناولُ ما
يُطابِقُ الواقعَ والاعتقادَ معًا، كقولِ المؤمنِ: أَنْبَتَ اللَّهُ
البَقلَ، لمَن يَعتقِدُ أنَّ المتكلِّمَ يُضيفُ الإنباتَ للربيعِ، وعَلِمَ
المتكلِّمُ بذلكَ الاعتقادِ فيكونُ علمُه باعتقادِ المخاطَبِ قرينةً صارفةً
للإسنادِ عن ظاهرِه وما يُطابِقُ الواقعَ فقط، كقولِ المعتزِليِّ: خلَقَ
اللَّهُ الأفعالَ كلَّها، لمن يَعرِفُ حالَه، وهو يعتقِدُ أنَّ المخاطَبَ
عالمٌ بحالِه، فيكونُ ذلكَ قرينةً صارفةً للإسنادِ عن ظاهرِه، ولا يَتناولُ
ما يُطابِقُ الاعتقادَ فقط، ولا ما لم يُطابقْ شيئًا منهما، فلمَّا زادَ
قولُه عندَ المتكلِّمِ دخَلَ به ما يُطابِقُ الاعتقادَ فقط، كقولِ الجاهلِ
بالمؤثِّرِ القادرِ: أَنْبَتَ الربيعُ البَقْلَ، لمَن يَعتقدُ أنَّ ذلكَ
القائلَ يُضيفُ الإنباتَ للَّهِ، وعلِمَ ذلكَ القائلُ باعتقادِه، وكان
المطابِقُ لهما باقيًا على دُخولِه في التعريفِ، وخَرَجَ ما طابَقَ الواقعَ
فقط بعدَ أن كانَ داخلاً. ولمَّا زادَ قولَهُ: (في الظاهرِ)، أي: فيما
يُفهَمُ من ظاهرِ حالِ المتكلِّمِ دخلَ به ما طابَقَ الواقعَ فقط، وما لم
يُطابِقْ شيئًا منهما، كقولِكَ: جاءَ زيدٌ، وأنتَ تعلَمُ أنَّه لم يَجِئْ،
وأظْهَرْتَ للمخاطَبِ الكذبَ، ونَصَبْتَ قرينةً على إرادةِ الكذِبِ، وصارَ
التعريفُ متناولاً للأقسامِ الأربعةِ المذكورةِ، أعني ما يُطابِقُ الواقعَ
والاعتقادَ، وما لم يُطابِقْ شيئًا منهما، وما يُطابِقُ الواقعَ فقط، وما
يُطابِقُ الاعتقادَ فقط. دسوقيٌّ بتوضيحٍ. (2) قولُه: (الفعْلِ وما في معناهُ إلخ)،
تَبِعَ الخطيبُ في تخصيصِه المجازَ العقليَّ كالحقيقةِ العقليَّةِ بإسنادِ
الفعلِ أو ما في معناهُ. وعليهِ فَتَثْبُتُ الواسطةُ بينَهما، وفيها على
مذهبِه طريقتانِ: الأُولى، ومَشَى عليها ابنُ يعقوبَ والصبَّانُ
والدُّسوقيُّ، أنَّها إسنادُ الخبرِ ونحوِه مُطلَقًا ولو مُشتقًّا إلى
المبتدأِ ونحوِه، وعلى هذه الطريقةِ فمَبْنَى الحقيقةِ والمجازِ
العقليَّيْنِ على دخولِ النِّسبةِ في مفهومِ المُسْنَدِ حقيقةً أو حُكمًا،
ومَبْنَى الواسطةِ بينَهما على عَدَمِ دخولِها في مفهومِه لا حقيقةً ولا
حكْمًا، فنسبةُ الجملةِ الفعليَّةِ الواقعةِ بينَ أجزائِها في نحوِ: زيدٍ
يَضْرِبُ، تُوصَفُ بهما دونَ نِسبَتِها إلى المبتدأِ لكونِها خارجةً عنهُ،
ونِسبةُ المشتَقِّ إلى ضميرِ المبتدأِ تُوصَفُ بهما دونَ نِسبتِه إلى
المبتدأِ لكونِها خارجةً عنه، والمصدَرُ لقوَّةِ اقتضائِه النِّسبةَ صارَ
في حُكْمِ ما دخلَتْ النِّسبةُ في مفهومِه، والنِّسبةُ التعليقيَّةُ في
الأفعالِ أو ما في معناها ملحقَةٌ بالإسناديَّةِ، وإن كانت خارجةً عن
مدلولاتِها. الطريقةُ الثانيةُ، وتؤخَذُ من ظاهرِ كلامٍ لابنِ قاسمٍ،
أنَّها إسنادُ الخبرِ الجامدِ إلى المبتدأِ. وعليها فمَبْنَى الحقيقةِ
والمَجازِ على عدَمِ اتِّحادِ المُسْنَدِ والمُسْنَدِ إليه حقيقةً أو
تنزيلاً، ومَبنى الواسطةِ على اتِّحادِّهما كذلكَ، فنحوُ: إنَّما هي إقبالٌ
وإدبارٌ، من قبيلِ زيدٌ أسدٌ، فكما أنَّ زيدٌ أسدٌ لا يُعتبَرُ فيه
تَجوُّزٌ عقليٌّ بدَعْوى أنَّ زيدًا تَجَسَّمَ عمَّا تَجَسَّمَ عنه الأسدُ،
بل يُجعلُ تشبيهًا بليغًا بإيهامِ دَعْوى الاتِّحادِ، كذلكَ إنَّما هي
إقبالٌ وإدبارٌ. ولمَّا لم يَجْرِ في النِّسبةِ الاتِّحاديَّةِ التجوُّزُ
العقليُّ ناسَبَ أن تكونَ بمعزِلٍ عن اعتبارِ الحقيقةِ العقليَّةِ فيها،
فخُصَّ اعتبارُ كلٍّ منهما بغيرِها. ومذهَبُ الجمهورِ نفيُ الواسطةِ،
وأَنَّ إسنادَ الخبرِ مُطلَقًا إلى المبتدأِ يكونُ أيضًا حقيقةً عقليَّةً
إن كان لما هو له عند المتكلِّمِ في الظاهرِ، ومَجازًا عقليًّا إن كان
لمُلابسٍ غيرِ ما هو له بتأوُّلٍ. وعلى هذا مَشَى السكَّاكيُّ فعَرَّفَ
الحقيقةَ العقليَّةَ بأنَّها إسنادُ الشيءِ إلى ما هو له عندَ المتكلِّمِ
في الظاهرِ، والمجازَ العقليَّ بأنَّه إسنادُ الشيءِ إلى غيرِ ما هو له
عندَ المتكلِّمِ في الظاهرِ بتأوُّلٍ، والشيءُ أعمُّ من أن يكونَ فِعْلاً
أو ما في معناهُ أو خبرًا جامدًا أو مشتقًّا أو جملةً. (3) قولُه: (لعَلاقةٍ)، هي المشابَهةُ بينَ
المُسْنَدِ إليه المجازيِّ والمُسْنَدِ إليه الحقيقيِّ في مُطلَقِ
الملابَسةِ؛ وذلكَ أنَّ للفعْلِ ملابَساتٍ شتَّى، فيُلابِسُ الفاعلَ من
حيثُ قيامُه به أو وقوعُه منه، والمفعولَ به من حيثُ وقوعُه عليه، والزمانَ
والمكانَ من حيثُ وقوعُه فيهما، والسببَ من حيثُ إنَّه يَحْصُلُ به،
والمصدَرَ من حيثُ إنَّه جزءُ معناهُ، ثمَّ الفعْلُ وما في معناهُ إنْ
بُنِيَا للفاعلِ كان إسنادُ كلٍّ للفاعلِ حقيقةً، ولِمَا عَدَاه مَجازًا؛
لمشابهتِهِ للفاعلِ في مُطلَقِ الملابَسةِ، وإن بُنِيَا للمجهولِ كان
إسنادُ كلٍّ للمفعولِ حقيقةً، ولمَِا عداه مجازًا؛ لمشابهتِه للمفعولِ به
في مُطلَقِ الملابَسةِ. هذا مذهَبُ صاحبِ الكشَّافِ، ووافَقَه الخطيبُ في
إيضاحِه. وظاهرُ كلامِه في تلخيصِه واختارَه العلاَّمَةُ يَاسِينُ: أنَّها
مُلابَسةُ الفعلِ وارتباطُه بالمُسْنَدِ إليهِ الذي ليسَ هو له، ولو
بواسطةِ حرفِ الجرِّ. وعليه فهل لا بدَّ من تَبَيُّنِ الجهةِ بأن يقالَ:
العَلاقةُ ملابَسةُ الفعلِ لذلكَ الفاعلِ المجازيِّ من جهةِ وقوعِه عليه أو
فيه أو به، كما قالوا بعدَمِ كفايةِ اللزومِ والتعلُّقِ عَلاقةً للمجازِ
اللغويِّ، أو يَكفي هنا جعْلُ مُطلَقِ الملابَسةِ عَلاقةً. تَرَدَّدَ في
ذلكَ العلاَّمةُ ياسينُ وجَعَلَ المشابَهةَ عَلاقةً لا يَقتضي كونَ هذا
المجازِ استعارةً؛ لأنَّها لفظٌ استُعْمِلَ في غيرِ الموضوعِ له إلخ.
والإسنادُ ليس بلفظٍ، وما وَقَعَ من تسميتِه استعارةً تَخييليَّةً في
قرينةِ المكنيَّةِ عندَ القومِ والخطيبِ فعلى طريقِ النقلِ والاشتراكِ
اللفظيِّ. وقولُ الْفَنَارِيِّ: إنَّ مُجرَّدَ الملابَسةِ المذكورةِ، وإن
كَفَتْ في حرفِ الإسنادِ الذي هو حقُّ ما هو له إلى غيرِه، إلاَّ أنَّ
ملاحَظةَ المشابَهةِ المذكورةِ أدْخَلُ وأتمُّ فيه ا.هـ. يُفِيدُ أنَّ
مُجرَّدَ الملابَسةِ المذكورةِ شرطٌ في الصحَّةِ، والمشابَهةَ المذكورةَ
شرطٌ في الكمالِ، ولا يَبْعُدُ أنَّه أرادَ بهذا جعْلَ الخلافِ في كوْنِ
العَلاقةِ هنا المشابَهةَ أو الملابَسةَ لفظيًّا بحمْلِ الأوَّلِ على شرطِ
الكمالِ، والثاني على شرْطِ الصحَّةِ. وترَكَ المصنِّفُ اشتراطَ القرينةِ
المعبَّرِ عنها في كلامِ السكَّاكيِّ والخطيبِ بالتأوُّلِ لفهمِه من قولِه
عندَ المتكلِّمِ في الظاهرِ. نعَمْ المفهومُ من كلامِ الفناريِّ وغيرِه،
وصرَّحَ به الشَّنَوَانيُّ وغيرُه، أنَّ الشرطَ نصبُها لا مُجرَّدَ
وجودِها، ولا تُشترَطُ هنا المعيَّنةُ لما هو المجازيُّ ولا لما هو
الحقيقةُ، فافْهَمْ. (4) قولُه: (نحوُ قولِه)، أي: الصَّلَتَانُ
العبديُّ الحماسيُّ كما في المُطَوَّلِ نسبةً لعبدِ القيسِ، ونَسبَهُ
الجاحظُ في كتابِ الحيوانِ للصَّلَتَانِ الضبِّيِّ، وقالَ: هو غيرُ
الصَّلَتانِ العبديِّ، وغيرُ الصَّلَتانِ الفهميِّ. والصَّلَتانُ في الأصلِ
الماضي في أمْرِه وشأنِه، ومنه سيفٌ صَلَتَانيٌّ. وفي عروسِ الأفراحِ
أنَّه قولُ الصَّلَتانِ العبديِّ، وقيلَ السعديُّ. وقولُه: أَشابَ الصغيرَ،
أي: أوْجَدَ الشِّيبَ في الصغيرِ، وقولُه: وأَفْنَى الكبيرَ، أي: أوْجَدَ
الفناءَ في الكبيرِ، وقولُه: كَرُّ الغَداةِ، فاعلُ أَشابَ أو أفْنَى،
وكَرُّ الغداةِ رُجوعُها بعدَ ذهابِها بالأمسِ، وقولُه: ومَرُّ العشيِّ،
معطوفٌ على الفاعلِ، ومَرُّ العشيِّ ذهابُها بعدَ حُضورِها، وهذا عبارةٌ عن
تعاقُبِ الأزمانِ، وقولُه: (فإنَّ إسنادَ الإشابةِ والإفناءِ إلخ)،
فيه أنَّه ليس كلُّ إسنادٍ لغيرِ ما هو له مجازًا عقليًّا حتَّى يَنْتُجَ
المطلوبُ، بل لا بدَّ فيه من أن يُعْلَمَ أو يُظَنَّ أنَّ المتكلِّمَ مؤمنٌ
لا يَعتقدُ الظاهرَ ليَتحقَّقَ بذلكَ التأوَّلُ، أي القرينةُ على إرادةِ
خِلافِ الظاهرِ المشترَطِ في المَجازِ، وإلاَّ بأنْ عُلِمَ أو ظُنَّ أنَّه
دَهريٌّ يَعتقدُ ظاهِرَه، وهو تأثيرُ الزمانِ، أو شكَّ في كونِه مؤمنًا أو
دَهريًّا لم يُحمَلْ على الإسنادِ المجازيِّ. نعم قد عُلِمَ هنا أنَّ
الشاعرَ لم يُرِدْ ظاهرَ الإسنادِ، وأنَّه موَحِّدٌ من قولِه بعدَ عِدَّةِ
أبياتٍ من قصيدتِه: ألَمْ تَرَ لُقمانَ أَوْصَى بُنَيَّهُ ..... وأَوْصَيْتَ عمْرًا ونِعْمَ الوَصِيّ ومُرادُه بوِصايةِ لقمانَ قولُه: {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ باللَّهِ} إلخ، ومن قولِه أيضًا: فمِلَّتُنا إنَّنا المسلمــونَ ..... على دِينِ صدِّيقِنـا والنَّبِيّ فإنَّ هذا كلَّه صريحٌ في أنَّه موحِّدٌ. فكان على المصنِّفِ أن يقولَ:
فإنَّ الشاعرَ موحِّدٌ لم يُرْدِ ظاهِرَ إسنادِ الإشابةِ والإفناءِ إلى
كرِّ الغداةِ ومُرورِ العشيِّ، بل أرادَ الإسنادَ لغيرِ ما هو له؛ إذ
المشيبُ إلخ، فافْهَمْ. قولَه: (ويُعلَمُ ممَّا سبَقَ)، توضيحُه أنَّ نحوُ راضيةٍ من قولِه تعالى: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}،
إن اعتُبِرَ فيه أنَّ لفظَ اسمِ الفاعلِ أُريدَ به اسمُ المفعولِ
لِعَلاقةِ التعلُّقِ الاشتقاقيِّ، كان مَجازًا مرسَلاً لُغويًّا، وإن
اعتُبِرَ فيه أنَّ إسنادَ راضيةٍ إلى ضميرِ العِيشةِ لعَلاقةِ المشابَهةِ
بينَ المُلابِسِ الواقعِ عليهِ الرضا والملابِسِ الواقعِ منه الرضا كان
مَجازًا عقليًّا، وقِسْ).
هو إسنادُ الفعْلِ(1)، أو ما في معناهُ(2)، إلى غيرِ ما هو له عندَ المتكلِّمِ في الظاهرِ لعَلاقةٍ(3)، نحوُ قولِه:(4)
دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (المجازُ العقليُّ أشابَ الصغيرَ وأَفْنَى الكبيـ ..... ـرَ كَرُّ الغَداةِ ومَرُّ العَشِيّ فإنَّ إسنادَ الإشابةِ والإفناءِ إلى كرِّ الغَداةِ ومرورِ العَشيِّ إسنادٌ
إلى غيرِ ما هوَ له، إذ الْمُشيبُ والْمُفْنِي في الحقيقةِ هوَ اللهُ
تعالى. ومن الْمَجازِ العقليِّ إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى المفعولِ، نحوُ: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}،
وعكْسُه، نحوُ: (سيلٌ مُفْعَمٌ)؛ والإسنادُ إلى المصدرِ، نحوُ: (جَدَّ
جَدُّه)، وإلى الزمانِ، نحوُ: (نهارُه صائمٌ)، وإلى المكانِ، نحوُ: (نهرٌ
جارٍ)، وإلى السببِ، نحوُ: (بنى الأميرُ المدينةَ). ويُعلَمُ ممَّا سَبَقَ أنَّ الْمَجازَ اللُّغَوِيَّ يكونُ في اللفظِ، والْمَجازَ العقليَّ يكونُ في الإسنادِ).
هوَ إسنادُ الفعْلِ أوْ ما في معناهُ إلى غيرِ ما هوَ لهُ عندَ المتكلِّمِ في الظاهِرِ لعَلاقةٍ، نحوُ قولِه:
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (لمَجازُ العَقليُّ(1) أَشَابَ الصغيرَ وأَفْنَى الكبيـ ..... رَ كَرُّ الغَداةِ ومَرُّ العَشِيْ(12) فإنَّ إسنادَ الإشابةِ والإفناءِ إلى كَرِّ الغداةِ ومُرورِ العَشِىِّ
إسنادٌ إلى غيرِ ما هو له(13)؛ إذ الْمُشيبُ والْمُفْنِي في الحقيقةِ(14) هو
اللهُ تعالى(15). ومن المَجازِ العقليِّ إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى المفعولِ(16)، نحوُ: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}(17). وعكسُه(18)، نحوُ: سيْلٌ مُفْعَمٌ(19). والإسنادُ(20) إلى المصدرِ، نحوُ:
جَدَّ جِدُّه(21). و إلى الزمانِ، نحوُ: نهارُه صائمٌ(22). و(23) إلى
المكانِ(24)، نحوُ: نهرٌ جارٍ(25). و(26) إلى السببِ(27)، نحوُ: بَنَى الأميرُ
المدينةَ(28). يُعلَمُ مما سَبقَ أن المَجازَ اللغوِيَّ يكونُ في اللفظِ(29)، والمَجازَ العقليَّ يكونُ في الإسنادِ(30). _____________________ قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): ((1) المَجازُ العقليُّ هو قسيمُ المَجازِ اللُّغويِّ و. (2) (هو إسنادُ) لفظِ. (3) (الفعْلِ) الاصطلاحيِّ. (4) (أو) إسنادُ. (5) (ما في معناه) أي: لفظٍ دالٍ على معنى
الفعلِ التَّضَمُّنِيِّ وهو الحدَثُ؛ لأنه الذي دَلَّ عليه جوهرُ لفظِ
الفعلِ دونَ الزمانِ كاسمِ الفعْلِ والمصدرِ واسْمَي الفاعلِ والمفعولِ
والصِّفَةِ المُشبَّهةِ واسمِ المنسوبِ وأمثلَةِ المبالَغةِ واسمِ التفضيلِ
والظرْفِ والجارِّ والمجرورِ إذا كانا مُستَقرَّيْن لاستقرارِ معنى
العامِلِ فيهما, لا إذا كانا لغْواً. (6) (إلى غيرِ ما هو ) استَقرَّ. (7) (له) أي: إلى شيءٍ مُغايِرٍ للشيءِ الذي
حقُّ ذلك الفعلِ أو ما في معناه أن يُسنَدَ له. هذا قيْدٌ خرَجَ به
الحقيقةُ العقليَّةُ فإنها إسنادُ الفعلِ أو ما في معناه إلى ما هو له
يعني: أنَّ الفعلَ المبنيَّ للمعلومِ وما في حكْمِه كاسمِ الفاعلِ حقُّه أن
يُسنَدَ إلى الفاعلِ لكونِ النسبةِ بطريقِ القيامِ مأخوذةً في مفهومِه,
والفعلُ المبنيُّ للمجهولِ وما في حكمِه كاسمِ المفعولِ حقُّه أن يُسنَدَ
إلى المفعولِ به لكونِ النسبةِ بطريقِ الوقوعِ عليه مأخوذةً في مفهومِه,
فإذا أُسنِدَ الفعلُ في الأوَّلِ إلى فاعلِه, وفي الثاني إلى مفعولِه كان
الإسنادُ إسناداً إلى ما هو له, ويُقالُ له: حقيقةٌ عقليَّةٌ. وأما إذا
أُسنِدَ الفعلُ في الأوَّلِ غيرَ الفاعلِ من مفعولٍ ومصدرٍ وزمانٍ ومكانٍ
وسببٍ لكونِه مُلابِساً له فصارَ ذلك الغيرُ في تَلبُّسِه به كالفاعلِ في
مطلَقِ التلَبُّسِ يكونُ إسنادُ ذلك الفعلِ لذلك الغيرِ للملابَسةِ إسناداً
إلى غيرِ ما هو له, ويُسَمَّى مَجازاً عقليًّا, وكذا الفعلُ في الثاني إذا
أُسنِدَ إلى غيرِ المفعولِ به من فاعلٍ ومصدرٍ وأمثالِهما لشَبَهِه به في
الملابَسةِ يكونُ إسنادُه إليه إسناداً إلى غيرِ ما هو له, ويُسَمَّى
مَجازاً عقليًّا. (8) (عندَ المتكلِّمِ) متعلِّقٌ بعامِلِ له المستَتِرِ الذي هو استَقرَّ, وكذا يَتعلَّقُ به قولُه. (9) (في الظاهرِ) أي: ظاهرِ حالِ المتكلِّمِ
أي: فيما يُفهَمُ من ظاهرِ حالِه، هذان القَيْدان زِيدَا لإفادةِ أنَّ
المعتَبرَ في المَجازِ العقليِّ كونُ المسنَدِ إليه فيه غيرَ ما هو له عندَ
المتكلِّمِ في الظاهرِ سواءٌ كان غيراً في الواقعِ أم لا، فشَمِلَ
التعريفُ أقساماً أربعةً: الأوَّلُ: ما طابقَ الواقعَ والاعتقادَ معاً,
كقولِ المؤمنِ: أنْبَتَ اللهُ البَقْلَ لمخاطِبٍ يَعتقدُ أن المتكلِّمَ
يُضِيفُ الإنباتَ للربيعِ, وعَلِمَ المتكلِّمُ بذلك الاعتقادِ فيكونُ
مَجازاً؛ لأن علْمَه باعتقادِ المخاطَبِ قرينةٌ صارفةٌ للإسنادِ عن ظاهرِه,
والثاني: ما طابَقَ الواقعَ فقط كقولِ المعتزِليِّ: خلَقَ اللهُ الأفعالَ
كلَّها لمن يَعْرِفُ حالَه, وهو يَعتقدُ أنَّ المخاطَبَ عالِمٌ بحالِه
فيكونُ مَجازاً؛ لأن اعتقادَه أنَّ المخاطَبَ عالِمٌ بحالِه قرينةٌ صارفةٌ
للإسنادِ عن ظاهرِه، والثالثُ ما طابَقَ الاعتقادَ فقط كقولِ الجاهلِ:
أنْبَتَ الربيعُ البَقْلَ, والمخاطَبُ يَعتقدُ أن المتكلِّمَ يُضيفُ
الإنباتَ للهِ, وعَلِمَ ذلك المتكلِّمُ باعتقادِه, فيكونُ مَجازاً؛ لأن
علْمَه باعتقادِ المخاطَبِ قرينةٌ صارفةٌ للإسنادِ عن ظاهرِه, والرابعُ: ما
لم يُطابِقْ واحداً منهما كقولِك: جاءَ زيدٌ وأنت تَعلمُ أنه لم يَجِئْ
وأظْهَرْتَ للمخاطَبِ الكَذِبَ, ونَصبْتَ قرينةً على إرادةِ الكَذِبِ. (10) (لعَلاقةٍ) أي: لملاحظةِ مناسَبةٍ مخصوصةٍ,
وهي المشابَهةُ بينَ المسنَدِ إليه الحقيقيِّ والمسنَدِ إليه المَجازيِّ
في الملابَسةِ, أي: في تَعلُّقِ الفعْلِ, أو في معناه بكلٍّ منهما وإن كانت
جهةُ التعلُّقِ مختلِفةً, فالعَلاقةُ التي هي الملابَسةُ معتَبَرةٌ لابدَّ
منها في كلِّ مَجازٍ عقليٍّ من حيث إنها جُعِلَتْ عِلَّةً دونَ غيرِها
بدليلِ الاقتصارِ عليها في مقامِ البيانِ, ولكن هل يَكْفِي في جميعِ أفرادِ
هذا المَجازِ كونُ العَلاقةِ مُطْلَقَ الملابَسةِ, أو لابدَّ أن تُبيَّنَ
جهتُها بأن يقالَ: العَلاقةُ ملابَسةُ الفعلِ للفاعلِ المَجازيِّ من جهةِ
وقوعِه عليه, أو فيه, أو به, وهذا هو الأقربُ كما قالوا في المَجازِ
اللغويِّ: إنه لا يَكْفي أن يَجْعَلَ اللزومَ أو التعلُّقَ عَلاقةً, بل
فرْداً منه, وكذا لابدَّ من قرينةٍ صارفةٍ عن أن يكونَ الإسنادُ لما هو له,
وهي إما لفظيَّةٌ، كقولِ أبي النَّجْمِ: مَيَّزَ عنه قُنْزُعاً عن قُنْزُعِ ..... جَذْبُ الليالي أَبْطئِي أو أَسْرِعِي فإنَّ إسنادَ مَيَّزَ إلى جذْبِ الليالي مَجازٌ عقليٌّ, والقرينةُ عليه
قولُه بعدَ أفناه قِيلُ اللهِ للشمسِ: اطْلُعِي, أي: إرادتُه تعالى,
فإسنادُ الإفناءِ إلى إرادتِه تعالى يَدُلُّ على أن التمييزَ فعلُه تعالى،
أو معنويَّةٌ كاستحالةِ قيامِ المسنَدِ بالمسنَدِ إليه المذكورِ في عبارةِ
المتكلِّمِ على وجهِ البَداهةِ عقْلاً، نحوُ قولِك: محبَّتُكَ جاءتْ بي
إليك. أصْلُه نفسي جاءتْ بي إليك لأجلِ المحبَّةِ فالمحبَّةُ سببٌ داعٍ إلى
المجيءِ, لا فاعلَ له فإسنادُ المجيءِ إلى المحبَّةِ مَجازٌ لعَلاقةِ
المشابَهةِ بينَ المحبَّةِ والنفسِ من حيث تَعلُّقُ المجيءِ بكلٍّ منهما,
والقرينةُ استحالةُ قيامِه بها, أو عادةٌ نحوُ: هزَمَ الأميرُ الْجُندَ
فإسنادُ هَزْمِ الجُنْدِ إلى الأميرِ مَجازٌ, والقرينةُ استحالةُ صدورِ
الهزْمِ عنه وحدَه عادةً, وكصدورِ الإسنادِ من الموحِّدِ الذي يَعتقدُ أنَّ
اللهَ واحدٌ. (11) (نحوُ قولِه) أي: الصَّلَتَانُ العَبْدِيُّ الْحَمَاسيُّ. (12) (أَشابَ الصغيرَ وأَفنَى الكبيرَ كَرُّ الغداةِ ومَرُّ العَشِيِّ) أي: كُرورُ الأيامِ ومرورُ الليالي تَجْعَلُ الصغيرَ كبيراً, والطفلَ شابًّا والشيخَ فانياً. (13) (فإن إسنادَ الإشابةِ والإفناءِ إلى كَرِّ الغداةِ ومرورِ العَشيِّ إسنادٌ إلى غيرِ ما هو له) فيكونُ مَجازاً عقليًّا, هذا على فرْضِ علْمِ حالِ قائلِه, وأنه مؤمنٌ. (14) (إذ الْمُشِيبُ والْمُفْنِي في الحقيقةِ) عندَ المؤمنِ. (15) (هو اللهُ تعالى) لا غيرُه, والقرينةُ على ذلك صدورُه من المؤمنِ الموحِّدِ. (16) (ومن المَجازِ العقليِّ إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى المفعولِ) به لكونِه واقعاً عليه. (17) (نحوُ عيشةٍ راضيةٍ) فإسنادُ راضيةٍ وهو
مَبْنِيٌّ للفاعلِ إلى الضميرِ المستترِ, أعني: ضميرَ العِيشةِ, وهو مفعولٌ
به, مَجازٌ عقليٌّ ملابستُه المفعوليَّةُ, والقرينةُ الاستحالةُ
العقليَّةُ، وأصلُ هذا التركيبِ عيشةٌ راضٍ صاحبُها, فالرضا كان بحسَبِ
الأصلِ مسنَداً للفاعلِ الحقيقيِّ, وهو الصاحبُ, ثم حُذِفَ الفاعلُ
وأُسْنِدَ الرضا إلى ضميرِ العيشةِ, وقيل: عيشةٌ رُضِيَتْ. لما بينَ
الصاحبِ والعيشةِ من المشابَهةِ في تعلُّقِ الرضا بكلٍّ, وإن اختلَفَتْ
جهةُ التعلُّقِ؛ لأن تعلُّقَه بالصاحبِ من حيث الحصولُ منه وبالعيشةِ من
حيث وقوعُه عليها, فصارَ ضميرُ العيشةِ فاعلاً ثم اشتُقَّتْ من رُضِيَتْ
راضيةٌ وأُسنِدتْ إلى المفعولِ. (18) (وعكسُه) أي: إسنادُ ما بُنِيَ للمفعولِ إلى الفاعلِ لكونِه واقعاً منه. (19) (نحوُ: سيلٌ مُفْعَمٌ) أي: مملوءٌ فإسنادُ
مُفْعَمٍ, وهو مبْنِيٌّ للمفعولِ إلى ضميرِ السيْلِ, وهو فاعلٌ, مَجازٌ
عقليٌّ مُلابَستُه الفاعليَّةُ, والقرينةُ الاستحالةُ العقليَّةُ, وأصلُ
التركيبِ أفعَمَ السيلُ الواديَ, أي: مَلأَه, فالإفعامُ كان بحسَبِ الأصلِ
مُسْنَداً للفاعلِ الحقيقيِّ, وهو السيلُ ثم بُنِيَ أَفْعَمَ للمفعولِ
واشتُقَّ منه اسمُ المفعولِ, وأُسنِدَ لضميرِ الفاعلِ الحقيقيِّ وهو
السيْلُ بعدَ تقديمِه. (20) (والإسنادُ) أي: إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ. (21) (إلى المصدرِ نحوُ: جَدَّ جِدُّه) أي:
اجتهادُه وأصلُ التركيبِ جدَّ الجادُّ جِدًّا أي: اجتَهدَ اجتهاداً؛ لأن
حقَّ الفعْلِ, وهو جَدَّ أن يُسنَدَ للفاعلِ الحقيقيِّ, وهو الشخصُ, لا
للجِدِّ نفسِه, وإسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى الزمانِ لكونِه واقعاً فيه,
فأَشبَهَ الفاعلَ الحقيقيَّ في مُلابسةِ الفعلِ لكلٍّ منهما. (22) (نحوُ: نهارُه صائمٌ) فإن النهارَ مَصُومٌ فيه, والصائمُ فيه هو الإنسانُ. (23) (و) إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ. (24) (إلى المكانِ) لكونِه واقعاً فيه. (25) نحوُ: (نهرٌ جارٍ) فإن الجاريَ هو الماءُ, لا النهرُ الذي هو مكانُ جَرْيِه. (26) (و) إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ. (27) (إلى السببِ) الآمِرِ. (28) (نحوُ: بَنَى الأميرُ المدينةَ) فإن
البانيَ حقيقةً هو العُمَّالُ, لا الأميرُ الذي هو سببٌ آمِرٌ, وكذا السببُ
الغائيُّ يُسنَدُ إليه أيضًا مَجازاً نحوُ: ضرَبَ التأديبَ ونحوُ قولِه
تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} فإن القيامَ في الحقيقةِ لأهلِ الحسابِ, ولكن لأجلِه فكانَ الحسابُ عِلَّةً غائيَّةً وسبباً مآلِيًّا. (29) (ويُعلَمُ مما سَبقَ أن المَجازَ اللغويَّ يكونُ في اللفظِ) فهو اللفظُ المستعمَلُ في غيرِ ما وُضِعَ له إلخ. (30) (والمَجازُ العقليُّ يكونُ في الإسنادِ) فهو إسنادُ الفعلِ أو ما في معناه إلى غيرِ ما هو له إلخ).
هو إسنادُ(2) الفعلِ(3) أو(4) ما في معناه(5) إلى غيرِ ما هو(6) له (7)
عندَ المتكَلِّمِ(8) في الظاهرِ(9) لعَلاقةٍ(10)، نحوُ قولِه(11):
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري
قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل
حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (الْمَجَازُ العقليُّ
هوَ إسنادُ الفعْلِ أوْ إسنادُ ما: أيْ لفظٍ هوَ في معناهُ، كاسمِ
الفاعلِ،واسمِ المفعولِ،والصفةِ المُشَبَّهَةِ،واسمِ التفضيلِ. إلى غيرِ
ما هوَ لهُ: أيْ إلى غيرِ شيءِ ذلكَ الفعْلِ أوْ معناهُ مَبْنِيٌّ لهُ،
يعني غيرَ الفاعلِ في الْمَبْنِيِّ للفاعلِ،وغيرِ المفعولِ بهِ في
الْمَبْنِيِّ للمفعولِ.ولكنَّ المرادَ بذلكَ الغيرِ ليسَ ما هوَ غيرٌ في
الواقعِ،ولا ما هوَ غيرٌ عندَ المتكلِّمِ في الحقيقةِ، بلْ ما هوَ غيرٌ
عندَ التكلُّمِ في الظاهِرِ، أيْ فيما يُفْهَمُ منْ ظاهِرِ حالِه باعتبارِ
نَصْبِه قرينةً على أنَّهُ غيرُ ما هوَ لهُ في اعتقادِه،ولكنْ لا
مُطْلَقًا، بلْ لعَلاقةٍ بيْنَ ذلكَ الغيرِوبيْنَ ما هوَ لَهُ،وإنَّما
نُسِبَ هذا الْمَجَازُ إلى العَقْلِ،وسُمِّيَ مَجازًا عقْلِيًّا؛ لأنَّ
تَجاوُزَهُ مَحَلَّه إنَّما هوَ بتَصَرُّفِ العقْلِ وعمَلِه منْ دونِ
مَدْخَلِيَّةِ اللغةِ. بخلافِ الْمَجَازِ اللُّغويِّ فإنَّ تَجاوُزَه
إيَّاهُ؛ لأنَّ الواضِعَ جَعَلَ مَحَلَّهُ غيرَ هذا المعنى،ولهذا يَصيرُ: (
أَنْبَتَ الربيعُ الْبَقْلَ )، من الْمُوَحَّدِ مَجازًا،ومن الدهريِّ
حقيقةً؛ لتَفَاوُتِ عَمَلِ عَقْلِهِما لا لتَفَاوُتِ الوَضْعِ عندَهم، نحوَ
قولِه: ( أَشَابَ الصغيرَ )، أيْ: أَوْجَدَ الشَّيْبَ في الصغيرِ، (
وأَفْنَى الكبيرَ )، أيْ: أَوْجَدَ الفَنَاءَ في الكبيرِ، ( كَرُّ
الغَدَاةِ )، أيْ: رُجُوعُها بعدَ ذهابِها، ( ومَرُّ العَشِيِّ )، أيْ:
ذهابُها بعدَ حضورِها،والمرادُ بهما تعاقُبُ الأزمانِ؛ فإنَّ إسنادَ
الإشابةِ والإفناءِ إلى كَرِّ الغَدَاةِ ومُرورِ العَشِيِّ إسنادٌ إلى غيرِ
ما هوَ لهُ؛ إذ الْمُشِيبُ والْمُفْنِي في الحقيقةِ هوَ اللَّهُ تعالى،
هذا مِمَّا لا شُبْهَةَ فيهِ، لكنَّ الثابتَ بهذا ليسَ إلَّا كونُ هذا
الإسنادِ لغيرِ ما هوَ لهُ بِحَسَبِ الواقعِ، لا لغيرِ ما هوَ لهُ بحسَبِ
اعتقادِ المتكلِّمِ؛ لاحتمالِ أنَّ قائلَه دَهْرِيٌّ يَعتقِدُ تأثيرَ
الزمانِ، فلا يُحْمَلُ هذا على الْمَجَازِ ما لم يَعْمَلْ بقرينةِ إنَّ
قائلَهُ لم يَعتقِدْ ظاهِرَهُ، فإنَّهُ لوْ لمْ تكُنْ قرينةٌ على إرادةِ
خِلافِ الظاهِرِ كانَ الإسنادُ حقِيقِيًّا؛ لكونِه إسنادًا إلى ما هوَ لهُ
عندَ المتكلِّمِ في الظاهِرِ .
ومن الْمَجَازِ العقليِّ إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى المفعولِ، نحوَ: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}،
فإنَّ الراضيةَ مَبْنِيَّةٌ للفاعلِ،وأُسْنِدَتْ إلى ضميرِ المفعولِ
بهوهوَ عِيشةٌ؛ لأنَّها مَرْضِيَّةٌ،والراضِي إنَّما هوَ صاحبُها .
وعكسُه، أيْ إسنادُ ما بُنِيَ للمفعولِ إلى الفاعلِ، نحوَ: سيلٌ مُفْعَمٌ،
بفتْحِ العينِ، أيْ: مَمْلُوءٌ، يقالُ: أَفْعَمْتُ الإناءَ مَلَأْتُه،
فالْمُفْعَمُ مَبْنِيٌّ للمفعولِوأُسْنِدَ إلى ضميرِ الفاعلِ وهوَ السيلُ؛
لأنَّهُ الْمَالِي، والمملوءُ إنَّما هوَ الوادِي .
والإسنادُ، أيْ إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى المصدَرِ، نحوَ: جَدَّ
جِدُّه، فإنَّ الْجِدَّ مَصْدَرٌ أُسْنِدَ إليه الفعْلُ المبنيُّ للفاعلِ .
وإسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى الزمانِ، نحوَ: نهارُه صائمٌ؛ فإنَّ النهارَ
مَصُومٌ فيهِوزمانٌ للصوْمِ،وقدْ أُسْنِدَ إليه الصائمُ الذي بُنِيَ
للفاعلِ .
وإسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى المكانِ، نحوَ: نَهْرٌ جارٍ، فالجاري هوَ الماءُ، والنهْرُ مكانٌ لجرَيَانِه .
وإسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى السبَبِ، نحوَ: بَنَى الأميرٌ المدينةَ،
فإنَّ الأميرَ الذي أُسْنِدَ إليهِ الفعْلُ سببٌ آمِرٌ للبناءِ،والبانِي
حقيقةً هوَ العَمَلَةُ .
ويُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ منْ تعريفِ قِسْمَي الْمَجَازِ اللُّغَوِيِّ
والعَقْلِيِّ أنَّ الْمَجَازَ اللُّغَوِيَّ يكونُ في اللفظِ،والْمَجَازَ
العَقْلِيَّ يكونُ في الإسنادِ الذي هوَ أمْرٌ يُدْرَكُ بالعقْلِ).
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ) قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (ثم
قال: المجاز العقلي، وهذا كما ذكرنا ليس من علم البيان، وإنما هو من علم
المعاني، وهو إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له، أي: إلى غير
فاعله،عند المتكلم في الظاهر, عند المتكلم أي: في اعتقاد المتكلم،في الظاهر
أي: في التركيب، لعلاقة أي: بينهما بين الذي أسند إليه الفعل وبين ذلك
الفعل، سواء كانت مفعولية أو ملابسة، وذلك مثل قول الشاعر: أشاب الصغير وأفنى الكبير ..... كر الغداة ومر العشي. أشاب الصغير وأفنى الكبير ..... كر الغداة............. هذا الفعل وهو حصول الشيب للصغير وحصول الفناء في
الكبير من الناس، من فعل من ؟ من فاعله الله سبحانه وتعالى, فلا خالق لشيء
من الكون سواه، لكن المتكلم نسب هذا الفعل إلى كر الغداة ومر العشي، أي:
رجوع الغداة ومشي العشي، أي: للزمان، فنسبه إلى الدهر، والعرب ينسبون الشيء
إلى الدهر، يقصدون به نسبته إلى الله، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن سب الدهر فقال: ((لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله)). أي: أنهم يطلقون
الدهر، ويقصدون به الفاعل، فلذلك إذا تضجروا من الدهر فإنما يتضجرون من
قدر الله، فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الدهر، ونظير هذا قول
أبي النجم العجلي: ميز عنه قنزعا عن قنزع ..... جذب الليالي أبطئي أو أسرعي فجعل جذب الليالي هو الذي طلع رأسه، ميز عنه قنزعا عن
قنزع: أزال عنه حسنات الشعر، والواقع أن الله هو الذي أزال عنه ذلك بقدرته
وإرادته، لكنه هو نسب هذا للسبب فقط، فهو يعلم أن الله هو الفاعل، والدليل
في الأول أن صاحب القصيدة الأولى يقول في آخرها: فملتنا أننا المسلمون ..... على دين صديقنا والنبي فهذا دليل على أنه مؤمن، يعلم أن كر الغداة ومر العشي
ليس هو الذي يتصرف في الكون، والثانية أيضاً الدليل على أنه لا يعتقد أن مر
الليالي هو الذي أزال شعر رأسه قوله: الحمد لله العلي الأجلل الواسع الفضل الكريم المجزل في أول القصيدة, دل هذا على أنه مؤمن فإن إسناد
الإشابة والإفناء إلى كر الغداة ومرور العشي إسناد إلى غير ما هو له, أي:
إلى غير فاعله، أن المشيب والمفني في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى،
والمتكلم يعتقد ذلك؛ لأنه مؤمن، فقد قال: فملتنا أننا المسلمون ..... على دين صديقنا والنبي ومن المجاز العقلي إسناد ما بني للفاعل إلى المفعول,
وذلك مثل قولك: عيشة راضية فالعيشة لا ترضى، وإنما يرضى فيها، أو يرضى
عنها، فتقول: عيشة مرضية في الأصل ل0كنك تسميها عيشة راضية، كما قال ذلك
الله تعالى في كتابه. وكذلك عكسه, وهو مثل: سيل مفعم، فالسيل هو الماء
الجاري، ومفعم أي: مملوء، والماء لايملئ وإنما المقصود مُفْعِمٌ للأودية
أي: مالئ لها، فتقول: مفعم بصيغة اسم المفعول، وفي في الأصل كان ينبغي أن
يقال: بصيغة اسم الفاعل، وكذلك ليل سارٍ، فالليل لا يسري، وإنما يقصد أنه
مسري فيه والإسناد للمصدر كذلك مثل: جَدَّ جده, جد جده،الجد لا يجد؛ لأن
الجد هو المصدر، لكن جده وجدا, فأسند الفعل إلى المصدر، وكذلك إلى الزمان
كـ "نهاره صائم, وليله قائم" فالليل ليس قائما، والنهار ليس صائما، لكن هو
صام في النهار حتى كأن النهار صام من طول صيامه،هو، وقام في الليل حتى كأن
الليل قام من طول قيامه هو، وكذلك إلى المكان، كقولهم: نهر جار. فالنهر لا
يجري؛ لأن النهر وادي، وإنما يجري فيه الماء .وكذلك إلى السبب (غير مسموع)
أن يبني بالمسجد، بنيت مسجداً، المقصود بذلك تسببت في بنائه، ودفعت النقود
لمن يبنيه، ليس معناه أنك باشرت بناءه، وكذلك هزم الأمير الجيش، فالأمير لم
يباشر هزيمة الجيش بكامله وحده، لكن المقصود أن جيش الأمير هزم الجيش، بنى
الأمير المدينة. ويعلم مما سبق أن المجاز اللغوي يكون في اللفظ، وأن
المجاز العقلي يكون في الإسناد، والإسناد من علم المعاني، وما يتعلق
بالألفاظ يكون من علم البيان، فهذا المجاز الذي كنا نتحدث الآن فيه: هو
المجاز العقلي الذي هو من علم المعاني، والمجاغز الأول الذي كنا فيه هو
المجاز اللفظي الذي هو من علم البيان).
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (المجاز العقلي : هو إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له عند المتكلم في الظاهر لعلاقة نحو قوله :
أشــاب صـغيـر وأفـنـى الكبـيـر كر الغـداة ومر العشي).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا لون من المجاز ليس
مجازاً في اللغة ، وفي الألفاظ ، وإنما هو مجاز في الإسناد ، ولذلك وصف
بالعقل لأن المجاز فيه ليس في لفظ يمكن تحديده ، ويقال : ( المجاز في كذا )
وإنما هو في إسناد هذا اللفظ إلى غير ما هو له . ولذلك لاحظ أن التعريف لم
يقل استعمال اللفظ في غير ما وضع كما هو الحال في تعريف المجاز اللغوي
بشقيه : الاستعارة والمجاز المرسل ، وإنما هو إسناد بدأ التعريف بقـوله :
هو إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له عند المتكلم في الظاهر
لعلاقة . العلاقة لابد منها ( في الظاهر وعند المتكلم ) هذه إشارة إلى
مسألة القرينة وضربوا لذلك مثالاً بقول الشاعر :
أشــاب صـغيـر وأفـنـى الكبـيـر كر الغـداة ومر العشي
فهنا كل الألفاظ المستعملة في غير ما وضعت له ، كل الألفاظ
مستعملة في ما وضعت له ( أشاب ، والصغير ، وأفنى والكبير ، وكر الغداة ،
ومر العشي ) كلها مستعملة في معانيها الأصلية التي وضعت له .
وإنما المجاز يكمن في إسناد حصول الشيب للصغير إلى كر الغداة يعني مرور الأيام .
هل مرور الأيام هو التي تسبب الإشابة ؟
الحقيقة إن المشيب في الحقيقة هو الله عز وجل ، ولكنّ مرور
الأيام هي زمن ذلك الزمن الذي يكون مجالاً لحصول الشيب لهذا الصغير وفناء
الكبير . فالمسألة في قضية المجاز ليست في استعمال لفظ في غير ما وضع له
وإنما في إسناد لفظ الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له).
القارئ : (فإن إسناد الإشابة والإفناء إلى كر الغداة ومرور العشي إسناد إلى غير ما هو له ، إذ المشيب والمفني في الحقيقة هو الله تعالى .
ومن المجاز العقلي إسناد ما بني للفاعل إلى المفعول ، نحو : { عيشة راضية } وعكسه نحو: (سيل مفعم) ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا أيضاً من ما يسمى علاقات المجاز العقلي ما يأتي على صيغة والمراد صيغة أخرى ، مثل إسناد ما بني للفاعل للمفعول ، مثل : { عيشة راضية } ، العيشة لا ترضى وإنما مرضية ، إذاً ذكر راضية والمقصود مرضية ، العيشة تكون مرضية ، عكسه : { سيل مَفْعَم }
وهو مُفْعِم السيل ، مفعم هو الذي يملأ المكان وليس هو المفعم . إذاً هنا
يقول الفاعلية والمفعولية هنا العلاقة تسمى العلاقة الفاعلية والعلاقة
المفعولية بناءً على اللفظ المذكور . { عيشة راضية }، اللفظ المذكور على اسم الفاعل إذاً العلاقة تكون الفاعلية ، بناءً على
تحديد ذكر اللفظ ، اللفظ المذكور هو الذي يعتمد في تحديد نوع العلاقة).
القارئ : (والإسناد إلى المصدر نحو :
( جد جدّه ) ، وإلى الزمان نحو : ( نهاره صائم ) ، وإلى المكان نحو : (
نهر جارٍ ) ، وإلى السبب ، نحو : ( بنى الأمير مدينة ) ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذه أيضاً من علاقات المجاز
العقلي ، الإسناد إلى المصدر ( جد جده ) الأصل في التعبير : (جد الإنسان
جده ) ولكن تحويل الجد ليكون المصدر هو الذي يقوم ، هذا هو لون من إسناد
الفعل أو ما في معنى الفعل إلى غير ما هو له . وإلى الزمان ( نهاره صائم )
الحقيقة ليس النهار هو الذي يصوم وإنما الإنسان هو الذي يصوم والنهار زمن
الصيام ولذلك العلاقة هي الزمانية كما كانت العلاقة المصدرية في قوله : (
جد جده ) .
والعلاقة تكون المكانية ( نهر جارٍ ) النهر هو الشق في الأرض
المنخفض الذي يجري فيه الماء، وبهذا لا يكون النهر هو الذي يجري بهذه
التسمية ؛ لأن النهر هو المكان والمكان لا يجري وإنما الذي يجري هو الماء .
إذاً النهر مجريٌّ فيه ، ولذلك كلمة جاري مجاز عقلي ، أسند الجريان إلى
المكان بينما الذي يجري هو الماء . وإلى السبب حينما نقول : ( بنى الأمير
المدينة ) الأمير لم يتول بنفسه البناء ، كان السبب في البناء لأنه أمر به).
القارئ : (ويعلم مما سبق أن المجاز اللغوي يكون في اللفظ والمجاز العقلي يكون في الإسناد).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (وهذا هو الفرق بين لوني المجاز ، المجاز اللغوي يكون في استعمال اللفظ ، اللفظ موضوع لمعنى واستعمل في معنى آخر .
أما المجاز العقلي فتكون المعاني فيه بمعانيها الأصلية لكن
الإسناد هو الذي يكون متجوزاً فيه ، ولهذا كان تسمية البلاغيين له بالمجاز
العقلي .
وهنا أنبه إلى أن كثير من البلاغيين يجعل المجاز العقلي في علم
المعاني لأنه يتحدث عن الإسناد والحديث عن الإسناد له علاقة بقضية التركيب
، والتركيب من مباحث علم البيان ، ولكن بعض البلاغيين ينظر إلى مسألة كونه
مجازاً والمجاز يعني يدرس في موضعٍ واحد وهو هذا الموضوع في علـم البيان
...
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ؛؛؛؛).
القارئ : (بارك الله فيــك ..).
الكشاف التحليلي
المجاز العقلي
· تعريفه:إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له عند المتكلم في الظاهر لعلاقة.
§ شرح التعريف
§ خرج بهذا التعريف الحقيقة العقلية؛ لأنها إسناد الفعل أو ما في معناه إلى ما هو له
° التفريق بين الحقيقة العقلية والمجاز العقلي
§ شمل هذا التعريف أربعة أقسام:
° الأول:ما طابقَ الواقعَ والاعتقادَ معاً,
كقولِ المؤمنِ: أنْبَتَ اللهُ البَقْلَ لمخاطِبٍ يَعتقدُ أن المتكلِّمَ
يُضِيفُ الإنباتَ للربيعِ, وعَلِمَ المتكلِّمُ بذلك الاعتقادِ فيكونُ
مَجازاً
° الثاني: ما طابَقَ الواقعَ فقط كقولِ
المعتزِليِّ: خلَقَ اللهُ الأفعالَ كلَّها لمن يَعْرِفُ حالَه, وهو يَعتقدُ
أنَّ المخاطَبَ عالِمٌ بحالِه فيكونُ مَجازاً
° الثالثُ :ما طابَقَ الاعتقادَ
فقط كقولِ الجاهلِ: أنْبَتَ الربيعُ البَقْلَ, والمخاطَبُ يَعتقدُ أن
المتكلِّمَ يُضيفُ الإنباتَ للهِ, وعَلِمَ ذلك المتكلِّمُ باعتقادِه,
فيكونُ مَجازاً
° والرابعُ: ما لم يُطابِقْ واحداً منهما
كقولِك: جاءَ زيدٌ وأنت تَعلمُ أنه لم يَجِئْ وأظْهَرْتَ للمخاطَبِ
الكَذِبَ, ونَصبْتَ قرينةً على إرادةِ الكَذِبِ.
§ العلاقة هنا هي المشابهة بين المسند إليه الحقيقي والمسند إله المجازي
° لا بد من العلاقة في كل مجاز عقلي
§ هل يَكْفِي في جميعِ أفرادِ هذا المَجازِ كونُ العَلاقةِ مُطْلَقَ الملابَسةِ, أو لابدَّ أن تُبيَّنَ جهتُها؟
§ لا بد من قرينة صارفة أن يكون الإسناد لما هو له، والقرينة إما:
° لفظيَّةٌ كقولِ أبي النَّجْمِ: مَيَّزَ عنه قُنْزُعاً عن قُنْزُعِ جَذْبُ الليالي أَبْطئِي أو أَسْرِعِي
- القرينة هنا قوله بعدها:أفناه قِيلُ اللهِ للشمسِ: اطْلُعِي
° أو معنويَّةٌ: كاستحالةِ قيامِ المسنَدِ بالمسنَدِ إليه المذكورِ في عبارةِ المتكلِّمِ على وجهِ البَداهةِ عقْلاً
- نحوُ قولِك: محبَّتُكَ جاءتْ بي إليك. أصْلُه نفسي جاءتْ بي
إليك لأجلِ المحبَّةِ فالمحبَّةُ سببٌ داعٍ إلى المجيءِ, لا فاعلَ له
فإسنادُ المجيءِ إلى المحبَّةِ مَجازٌ لعَلاقةِ المشابَهةِ بينَ المحبَّةِ
والنفسِ من حيث تَعلُّقُ المجيءِ بكلٍّ منهما القرينةُ استحالةُ قيامِه
بها.
° أو عادة:ٌ نحوُ: هزَمَ الأميرُ الْجُندَ فإسنادُ هَزْمِ الجُنْدِ إلى الأميرِ مَجازٌ
- القرينةُ هنا استحالةُ صدورِ الهزْمِ عنه وحدَه عادةً
§ مثال على المجاز العقلي:أَشابَ الصغيرَ وأَفنَى الكبيرَ كَرُّ الغداةِ ومَرُّ العَشِيِّ، وتوضيح المثال
- مثال على من المَجازِ العقليِّ بإسنادِ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى المفعولِ:{عيشة راضية}
- مثال على المجاز العقلي بإسنادِ ما بُنِيَ للمفعولِ إلى الفاعلِ لكونِه واقعاً منه: سيلٌ مُفْعَمٌ
- مثال على المجاز العقلي بإسناد ما بني للفاعل إلى المصدر:جدَّ جِدُّه
- مثال على المجاز العقلي بإسناد ما بني للفاعل إلى المكان:نهر جار
- مثال على المجاز العقل بإسناد ما بني للفاعل إلى السبب:بنى الأمير المدينة
- مثال على المجاز العقل بإسناد ما بني للفاعل إلى السبب الغائي:ضرب التأديبُ
- مثال على المجاز العقلي بإسناد ما بني للفاعل إلى الزمان: نهار صائم
° يتضح مما سبق أن المجاز اللغوي يكون في اللفظ والمجاز العقلي يكون في إسناد الفعل
° معنى مرسل أي مُطلَقُ عن التقييدِ بعَلاقةٍ مخصوصةٍ.