10 Nov 2008
أ: المحسنات المعنوية: 1: التورية
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (محسِّناتٌ معنويَّةٌ
1- التَّوْرِيَةُ: أن يُذْكَرَ لفظٌ لهُ معنيانِ: قريبٌ يَتبادَرُ فَهْمُه
من الكلامِ، وبعيدٌ هوَ المرادُ بالإفادةِ لقرينةٍ خفِيَّةٍ، نحوُ: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}. أرادَ بقولِه: (جَرَحْتُمْ) معناهُ البعيَد، وهوَ ارتكابُ الذنوبِ. وكقولِه:
يا سيِّدًا حازَ لُطْفًا ..... لهُ الْبَرَايا عَبِيدُ
أنتَ الْحُسَينُ ولكنْ ..... جَفَاكَ فينا يَزِيدُ
معنى (يزيدُ) القريبُ أنَّهُ عَلَمٌ، ومعناه البعيدُ المقصودُ أنَّهُ فِعْلٌ مضارعٌ منْ (زادَ) ).
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): ( (محسِّناتٌ معنـويَّــةٌ)
1- التَّوْرِيَةُ (1): أن يُذْكرَ لفظٌ له(2) مَعْنَيانِ(3)؛ قريبٌ(4)
يَتبادَرُ فَهمُه مِن الكلامِ، وبعيدٌ هو المرادُ بالإفادةِ لقرينةٍ
خفيَّةٍ، نحوُ: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ(5) بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ(6)}، أرادَ بقولِه: جَرَحْتُمْ، معناهُ البعيدَ(7) وهو ارتكابُ الذُّنوبِ، وكقولِه:
يا سيِّدًا حازَ لُطْفًا ..... له الْبَرَايَا عَبِيدُ
أنتَ الحسينُ ولكنْ ..... جَفاكَ فينا يَزيدُ
معنى يزيدُ القريبُ أنَّه علَمٌ(8)، ومعناهُ البعيدُ المقصودُ أنه فعْلٌ مضارِعٌ من زادَ).
_____________________ قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ((1) قولُه: (التَّوْريةُ)، ويُقالُ لها
الإيهامُ والتوجيهُ والتخييرُ، ولكنَّ التوريَةَ أَوْلَى في التسميةِ؛
لقُرْبها من مطابَقَةِ المسمَّى؛ لأنَّها لُغةً: مصدرُ وَرَيْتُ الخبرَ
توريةً إذا ستَرْتُه وأظهرتُ غيرَه، كأنَّ المتكلِّمَ يَجعلُه وراءَه بحيثُ
لا يظهَرُ، واصطلاحًا: ما في الكتابِ، وسيأتي توضيحُه. والتوريةُ من أغلى
فنونِ الأدبِ وأعلاها رُتبةً، وسِحرُها يَنفُثُ في القلوبِ، ويَفتحُ بها
أبوابَ عطفٍ ومحبَّةٍ، وما أبرَزَ شمسَها منِ غُيومِ النقدِ إلاَّ كلُّ
ضامِرٍ مهزولٍ، ولا أحرَزَ قَصَباتِ سَبْقِها من المتأخِّرينَ غيرُ
الفحولِ. قال الزَّّمَخْشَرِيُّ، وهو حُجَّةٌ في هذا العلْمِ: ولا ترى
بابًا في البيانِ أدقَّ ولا ألطَفَ من هذا البابِ، ولا أنفعَ ولا أعوَنَ
على تعاطِي تأويلِ المشتَبهاتِ من كلامِ اللَّهِ وكلامِ نبيِّهِ صلَّى
اللَّهُ عليه وسلَّمَ وكلامِ صحابتِه رِضوانُ اللَّهُ عليهم أجمعينَ. فمِن
ذلكَ قولُه تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؛
لأنَّ الاستواءَ على معنييْنِ: أحدُهما، الاستقرارُ في المكانِ وهو المعنى
القريبُ المورَّى به الذي هو غيرُ مقصودٍ؛ لأنَّ الحقَّ تعالى وتَقَدَّسَ
مُنَزَّهٌ عن ذلكَ. والثاني، الاستيلاءُ والمِلكُ، وهو المعنى البعيدُ
المقصودُ الذي وُرِّيَ عنهُ بالقريبِ المذكورِ، انتهى. ومنهُ قولُ النبيِّ
صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حيْنِ سُئِلَ في مجيئِه عندَ خُروجِه إلى
بدْرٍ، فقيلَ لهم: مَن أنتم؟ فلَمْ يُرِدْ أن يُعْلِمَ السائلَ، فقالَ:
"مِنْ مَاءٍ"، أرادَ: إنا مخلُوقونَ من ماءٍ، فوَرَّى عنه بقبيلةٍ يُقالُ
لها ماءٌ. ومنه قولُ أبي بكرٍ رضِيَ اللَّهُ عنه في الهجرَةِ، وقد سُئلَ عن
النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: مَن هذا؟ فقالَ: هادٍ يَهْدِيني.
أرادَ أبو بكرٍ رضِيَ اللَّهُ عنه هادٍ يهْدِيني إلى الإسلامِ، فورَّى عنهُ
بهادي الطريقِ، وهو الدليلُ في السفَرِ. والتوريةُ إجمالاً أربعةُ أنواعٍ:
مجرَّدَةٌ، ومرشَّحةٌ، ومبيَّنةٌ، ومُهيَّأةٌ. وتفصيلاً تسعةُ أنواعٍ.
وذلكَ أنَّ المُجرَّدةَ هي التي لم يُذكَرْ فيها لازمُ الموَرَّى به، وهو
المعنى القريبُ، ولا لازمُ المورَّى عنه، وهو المعنى البعيدُ، حقيقةً، بأنْ
لا يُذكَرَ فيها لازمٌ أصلاً، كما مَرَّ من قولِه تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}،
وقولِه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: "مِنْ مَاءٍ" جوابًا لمن سألَه: ممَّن
أنتم؟ وقولِ أبي بكْرٍ في الهجرةِ: هادٍ يَهديني، جوابًا لمن سألَه عن
النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بقولِه: من هذا؟ أو حكْمًا بأنْ
يُذْكَرَ فيها لازمُ القريبِ ولازِمُ البعيدِ معًا متكافئيْنِ، بحيثُ لم
يَترجَّحْ أحدُهما على الآخَرِ فيَتعارضا ويتساقَطَا حتَّى كأنَّهما لم
يُذْكَرَا، كما في قولِ البُحتُرِيِّ: ووراءَ تَسْدِيةِ الوِشاحِ مَليَّةٌ ..... بالحسْنِ تَمْلُحُ في القلوبِ وتَعْذُبُ فقولُه: (تَمْلُحُ)، يُحتَمَلُ أن يكونَ من
المُلوحةِ، وهو المعنى القريبُ، ولازِمُه تَعذُبُ، ويُحتمَلُ أن يكونَ من
المُلاحةِ، وهو المعنى البعيدُ، ولازِمُه ملِيَّةٌ بالحسْنِ، وقد تَعارَضَ
اللازمانِ. فالمُجرَّدةُ قسمانِ. وأنَّ المرشَّحَةَ هي التي يُذكَرُ فيها
لازِمُ المورَّى به فقطْ، وهو المعنى القريبُ، إمَّا قبلَ لفظِ التوريةِ،
وأعظمُ أمثلتِه قولُه تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}،
فقولُه: بأيدٍ معناهُ القريبُ الجارحةُ، وقد ذُكِرَ لازِمُه وهو البُنيانُ
ترشيحًا قبلَ لفْظِ التوريةِ، والمرادُ منه القدرةُ وعَظمةُ الخالقِ
لتَنزُّهِه سبحانَه وتعالى عن المعنى الأوَّلِ. وإمَّا بعدَ لفظِ التوريةِ،
ومن أمثلتِه قولُه: مُذْ هَمَّتْ من وَجْدِي في خالِها ..... ولم أصِلْ منه إلى اللثْمِ قالتْ: قِفُوا واستَمِعوا ما جَرَى ..... خالي قد هامَ به عَمِّي فمعنى
الخالِ القريبُ خالُ النسَبِ، وقد ذُكِرَ لازِمُه ترشيحًا بعدَ لفظِ
التوريةِ وهو العمُّ، والمرادُ منه المعنى البعيدُ وهو الشامَةُ، أي:
النقطةُ السوداءُ في الخدِّ. فالمرشَّحةُ أيضًا قسمانِ. وأنَّ المبيَّنةَ
هي التي يُذكَرُ فيها لازِمُ المورَّى عنه، ومن أحسَنِ أمثلتِه قولُ شيخِ
شُيوخِ حَماةَ الشيخِ شرَفِ الدِّينِ عبدِ العزيزِ رحِمَهُ اللَّهُ: قالوا: أمَّا في جْلَقَ نُزْهَةٌ ..... تُنسيكَ مَن أنتَ به مُغْرًى يا عاذِلي دونَكَ مِن لَحْظِهِ ..... سهمًا ومن عارِضِه سَطْرَا أي فالمعنى البعيدُ للسهمِ والسطْرِ الموضعانِ المشهورانِ
بمنْتَزَهاتِ دمشقَ، وذِكْرُ النزهةِ بجَلْقَ قبلَهما هو المبيِّنُ لهما،
وأمَّا المعنى القريبُ فسهْمُ اللحظِ وسطْرُ العارِضِ. وإمَّا بعدَ لفظِ
التوريةِ، ومن أمثلتِه البديعةِ قولُه: أرى ذَنَبَ السَّرْحانِ في الأفقِ ساطعًا ..... فهل ممْكِنٌ أنَّ الغزالةَ تَطْلُعُ فالمعنى البعيدُ لذنَبِ السرحانِ أوَّلُ ضوءِ الفجرِ،
وللغزالةِ الشمسُ، وقد بيَّنَ الشاعرُ الأوَّلَ بذكْرِ لازمِه بعدَ قولِه
ساطعًا، والثاني بذكْرِ لازمِه بعدَه بقولِه تَطلُعُ، والمعنى القريبُ
المورَّى به للأوَّلِ ذنَبُ الحيوانِ المعروفِ، وللثاني الحيوانُ المعروفُ.
فالمبيَّنةُ أيضًا قسمانِ. وأنَّ المهيَّأةَ هي التي لا تَقَعُ فيها
التوريةُ إلاَّ باللفظِ الذي قبلَها، أو باللفظِ الذي بعدَها، أو تكونُ
التوريةُ في لفظيْنِ لولا كلٌّ منهما لما تَهيَّأت التوريةُ في الآخَرِ.
فالمهيَّأةُ بهذا الاعتبارِ ثلاثةُ أقسامٍ. ومن أمثلَةِ القسمِ الأوَّلِ
قولُ ابنِ سناءِ المُلْكِ: وسيرُكَ فينا سيرةً عُمَريَّــةً ..... فرَوَّحْتَ عن قلبٍ وأفْرَجْتَ عن كَرْبِ وأظهرْتَ فينا من سَمِيِّكَ سُنَّةً ..... فأظهرْتَ ذلكَ الفـرْضَ من ذلكَ الندْبِ فالمعنى القريبُ للفرْضِ والندْبِ الحُكْمَانِ الشرعيَّانِ،
والبعيدُ لفرْضِ العطاءِ، وللندْبِ صفةُ الرجُلِ السريعِ في قضاءِ
الحوائجِ الماضي في الأمورِ، ولولا ذكْرُ السُّنَّةِ قبلَهما لما تَهيَّأت
التوريةُ فيهما، ولا فُهِمَ من الفرْضِ والندْبِ الحكمانِ الشرعيَّانِ
اللذانِ صحَّتْ بهما التوريةُ. ومنها أيضًا قولُ ابنِ حَجَّةَ موَرِّيًا
ومقتَبِسًا ومكتفِيًا: قالوا وقد فرَّطْتُ في تَصبُّرِي ..... وما بَرَى بوصلِه سِقـامَا اصبِرْ عسى تُسقَى بماءِ ريقِهِ ..... قلتُ لهم يا حَسرتَا على ما فافهَمْ. ومن أمثلةِ القسمِ الثاني قولُ الإمامِ عليٍّ
كرَّمَ اللَّهُ وجهَه في الأشعثِ بنِ قيسٍ: إنَّه كان يَحوكُ الشمالَ
باليمينِ، فالمعنى القريبُ للشمالِ إحدى اليديْنِ، والبعيدُ له جمْعُ
شمْلِه، ولولا ذِكْرُ اليمينِ بعدَهُ لمَّا تنبَّهَ السامعُ لمعنى اليدِ.
ومن أمثلةِ القسمِ الثالثِ قولُ عمرِو بنِ أبي رَبِيعةَ المخزوميِّ: أيُّها المنكِحُ الثريَّا سُهَيْلاً ..... عمَّرَكَ اللَّهُ كيفَ يَلتقيانِ هيَ شاميَّةٌ إذا ما استقَلَّتْ ..... وسُهيلٌ إذا أستقلَّ يَمـانِي فالمعنى البعيدُ للثريَّا بنتُ عليِّ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ
الحَرِثِ بنِ أُميَّةَ الأصغرِ، والقريبُ ثريَّا السماءِ، والمعنى البعيدُ
لسُهيلِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ، وقيلَ كان رجلاً مشهورًا من اليمنِ،
والقريبُ النجمُ المعروفُ، ولولا ذكْرُ الثريَّا التي هي النجمُ لم
يَتنبَّه السامعُ لسُهيلٍ، وكلُّ واحدٍ منهما صالحٌ للتوريةِ، والتوريةُ
هنا لا تَصلُحُ أن تكونَ مرشَّحةً ولا مُبيَّنةً؛ لأنَّ الترشيحَ
والتَّبْيِينَ لا يكونُ كلٌّ منهما إلاَّ بلازِمٍ خاصٍّ، والفرْقُ بينَ
اللفظِ الذي تَتهيَّأُ به التوريةُ، واللفظِ الذي تَترشَّحُ به، واللفظِ
الذي تَتبيَّنُ به، أنَّ الذي تَقعُ به التوريةُ مُهيَّأةً لو لم يُذكَرْ
لمَّا تَهيَّأَت التوريةُ أصلاً، واللفظُ المرشَّحُ والمبيَّنُ لو لم
يُذكَرَا لكانت التوريةُ موجودةً، وإنَّما الأوَّلُ مقَوٍّ، والثاني
بمنزِلةِ تجريدِ الاستعارةِ، فافْهَمْ ا.هـ. ملخصًّا من شرْحِ بديعيَّةِ
ابنِ حَجَّةَ مع تغييرٍ ما. (2) قولُه: (أن يُذكَرَ لفظٌ إلخ)، أي: أن يَذكُرَ المتكلِّمُ لفظًا مفردًا. (3) وقوله: ( لهُ معنيانِ)، أي: أو أكثرُ، كما
في الأطْوَلِ، فهو أخَذَ بالأقلِّ، وسواءٌ كانَ المعنيانِ حقيقيَّيْنِ، أو
مجازيَّيْنِ، أو أحدُهما حقيقيًّا والآخرُ مجازيًّا، لا يُعتبَرُ بينَهما
لزومٌ وانتقالٌ من أحدِهما للآخَرِ. وبهذا تَمتازُ التوريةُ عن المجازِ
والكنايةِ، ويُعلمُ أنَّ التوريةَ ليستْ من إيرادِ المعنى بطرُقٍ مختلفةٍ
في وضوحِ الدَّلالةِ حتَّى تكونَ من علْمِ البيانِ. نعمْ إذا كانَ
المعنيانِ مجازيَّيْنِ أو أحدُهما مجازيًّا كانت من علْمِ البيانِ
بالنِّسبةِ إلى المعنى الحقيقيِّ لهما أو لأحدِهما، وأمَّا بالنِّسبةِ إلى
المعنى الذي هو توريةٌ بالقياسِ إليه فلا؛ إذْ لا عَلاقةَ بينَهما، ولا
انتقالَ من أحدِهما إلى الآخَرِ. دسوقيٌّ عن عبدِ الحكيمِ. (4) وقوله: ( قريبٌ إلخ)، أي: لكثرةِ استعمالِ
اللفظِ فيه، فتكونُ دَلالتُه عليه ظاهرةً، وقولُه: (وبعيدٌ)، أي: لا
يَتبادرُ فَهْمُه من اللفظِ لقلَّةِ استعمالِ اللفظِ فيه، فتكونُ دَلالتُه
عليه خفيَّةً، وقولُه: (هو)، أي: البعيدُ
المرادُ، أي مرادُ المتكلِّمِ بالإفادةِ، أي بإفادةِ اللفظِ له، إلاَّ
أنَّه وَرَّى عنهُ بالمعنى القريبِ؛ ليَتوَهَّمَ السامعُ قبل النظَرِ
للقرينةِ الخفيَّةِ أنَّ المرادَ القريبَ وليس كذلكَ، فكأنَّ المعنى
القريبَ ساترٌ للبعيدِ، والبعيدُ خلفَهُ، وبه صَارَت التوريةُ من
المحسِّناتِ المعنويَّةِ، فإنَّ إرادةَ المعنى المقصودِ تحتَ السَّتْرِ
كالصورةِ الحسِّيَّةِ، ومن هنا سُمِّيَ هذا النوعُ إيهامًا، فلو كان
المعنيانِ متساويَيْنِ في الفَهْمِ لم يكُنْ توريةً بل إجمالاً، وقولُه:
(لقرينةٍ)، أي: مانِعةٍ من إرادةِ المعنى القريبِ، وهي التي تُنْصَبُ
لإرادةِ المعنى البعيدِ فقط على المشهورِ؛ إذ لوْلاها لم يُفْهَمْ من
اللفظِ إلاَّ القريبُ، فيَخرُجُ اللفظُ عن التوريةِ. والذي يُفيدُه كلامُ
العلاَّمَةِ الأميرِ في شرحِه على غَرَامِي صحيحٌ صِحَّةُ إرادةِ
المعنيَيْنِ معًا في التوريةِ، وكذلكَ يُؤْخَذُ من قولِ الجلالِ على عُقودِ
الجُمانِ. والفرقُ بينَ التوريةِ والاستعارةِ أنَّ مع الاستعارةِ قرينةٌ
تَصرِفُ اللفظَ لها، وتَجعلُ المعنى البعيدَ قريبًا، والتوريةُ ليستْ
كذلكَ، والغالِبُ عليها الترشيحُ بما يُبعِدُ إرادةَ المَجازِ ا.هـ. قالَ
الشيخُ الإِبْياريُّ في سُعودِ المَطالِعِ: ورُبَّما يُؤيِّدُ هذا جَعْلُهم
قولَه تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وقولَه: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}
من التوريةِ المبنيَّةِ على الكنايةِ، أي أنَّ جملةَ الكلامِ توريةٌ
مبنيَّةٌ على الكنايةِ، كما فَصَّلوهُ في الكلامِ على التوريةِ في حواشي
التلخيصِ، فلعلَّهما طريقتانِ في التوريةِ، وإن لم تكُن الثانيةُ قديمةً
فلا ضَيْرَ في إحداثِها ا.هـ. وقولُه: (خفيَّةٍ)، أي: لأجْلِ أن يَذهَبَ
وهْمُ السامعِ ولو غَيْرَ مخاطَبٍ قبلَ التأمُّلِ إلى إرادةِ المعنى
القريبِ، فلو كانت القرينةُ واضحةً لم يكُن اللفظُ توريةً؛ لعدَمِ سَتْرِ
المعنى القريبِ للبعيدِ، بل ولا مجازًا ولا كنايةً لعدَمِ العَلاقةِ بينَ
المعنى القريبِ والمعنى البعيدِ. وبالجملةِ فالتوريةُ على الطريقةِ الأُولى
التي مَشَى عليها المصنِّفُ، وهي المشهورةُ، تُبايِنُ الكنايةَ والمجازَ
الذي منه الاستعارةُ؛ لعدَمِ وجودِ العَلاقةِ فيها بخلافِهما. وعلى
الطريقةِ الثانيةِ تُبايِنُ المَجازَ؛ لعدَمِ وجودِ العَلاقةِ والقرينةِ
المانِعةِ فيها بخلافِه، وتُبايِنُ الكنايةَ لعدَمِ وُجودِ العَلاقةِ فيها
بخلافِ الكنايةِ، فافْهَمْ واللَّهُ أعلَمُ. (5) قولُه: (نحوُ: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ}
إلخ)، أي: يَقْبِضُ أرواحَكم عندَ النَّوْمِ بِناءً على أنَّ في ابنِ آدمَ
رُوحَيْنِ: رُوحُ الحياةِ وهي لا تَخرُجُ إلاَّ بالموتِ، ورُوحُ التمييزِ
وهي تَخرُجُ بالنومِ فتُفارِقُ الجسَدَ فتَطوفُ بالعالَمِ وتَرَى المناماتِ
ثمَّ تَرجِعُ إلى الجسَدِ عندَ اليَقظةِ. أو يَقْطَعُ تَعَلُّقَ أرواحِكم
ببواطِنِكم بِناءً على أنَّه ليسَ في ابنِ آدمَ إلاَّ رُوحٌ واحدةٌ يكونُ
لهُ بحسْبِها ثلاثةُ أحوالٍ: حالةُ يقظةٍ، وحالةُ نومٍ، وحالةُ موتٍ، فَبِاعتبارِ تَعلُّقِها بظاهرِ
الإنسانِ وباطنِه تَعلُّقًا كاملاً تَثبُتُ له حالةُ اليَقظةِ، وباعتبارِ
تَعلُّقِها بظاهرِ الإنسانِ فقطْ تَثبُتُ له حالةُ النومِ، وباعتبارِ
انقطاعِ تَعلُّقِها عن الظاهرِ والباطنِ تَثبُتُ له حالةُ الموتِ، ومعنى
ثمَّ يَبعثُكم على الأوَّلِ بردِّ أرواحِكم، وعلى الثاني برَدِّ
تَعلُّقِها، فاستَعْمَلَ التوفِّي مجازًا مرسَلاً في النومِ؛ لأنَّه قبْضٌ
أو قطْعٌ في الجملةِ، أو استُعيرَ التوفِّي من الموتِ للنومِ لما بينَهما
من المشارَكةِ في عدَمِ ظهورِ الفعْلِ، ويَبْعَثُكُمْ ترشيحٌ باعتبارِ أنَّ
المتبادَرَ منه في عُرْفِ الشرْعِ إحياءُ الموتى في الآخرةِ، فافْهَمْ
ا.هـ. ملخَّصًا من الجُمَلِ بزيادةٍ. (6) قولُه: ({وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}، أي: ما كسَبْتُم فيه، خَصَّ الليلَ بالنومِ، والنهارَ بالكسْبِ، جرْيًا على المعتادِ، وإلاَّ فقد يُعْكَسُ. (7) قولُه: (أرادَ بقولِه: جَرَحْتُمْ، معناهُ البعيدَ إلخ)، أي: لا معناهُ القريبَ، وهو الجَرْحُ واحدُ الجُروحِ، أي شَقُّ الجلْدِ، بقرينةِ {ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، أي: فيُجازِيكم به، فوَرَّى بالمعنى القريبِ عن المعنى المُرادِ توريةً مُجرَّدةً. (8) قولُه: (أنَّه عَلَمٌ)، أي: لابنِ
سيِّدِنا مُعاويةَ، عامَلَهُ اللَّهُ بما يَستحِقُّه، لكنْ لولا ذِكْرُ
الحسينِ قبلَه لَمَا فُهِمَ من يزيدَ المعنى القريبُ المذكورُ الذي صحَّتْ
به التوريةُ، وقولُه: (والمعنى البعيدُ المقصودُ إلخ)، أي: بقرينةِ
السياقِ).
دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (محسِّناتٌ معنويَّةٌ يا سيِّدًا حازَ لُطْفًا ..... لهُ الْبَرَايا عَبِيدُ أنتَ الْحُسَينُ ولكن ..... جَفَاكَ فينا يَزِيدُ ْ معنى (يزيدُ) القريبُ أنَّهُ عَلَمٌ، ومعناه البعيدُ المقصودُ أنَّهُ فِعْلٌ مضارعٌ منْ (زادَ) ).
التَّوْرِيَةُ: أن يُذْكَرَ لفظٌ لهُ معنيانِ: قريبٌ يَتبادَرُ فَهْمُه من
الكلامِ، وبعيدٌ هوَ المرادُ بالإفادةِ لقرينةٍ خفِيَّةٍ، نحوُ: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}. أرادَ بقولِه: (جَرَحْتُمْ) معناهُ البعيَد، وهوَ ارتكابُ الذنوبِ. وكقولِه:
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (المحسِّناتُ المعنويَّةُ(1) يا سيِّداً حازَ(17) لُطْفاً ..... له البرايا(18) عبيدُ(19) أنت الحُسَيْنُ(20) ولكنْ ..... جَفَاكَ فينا يَزيدُ(21) معنى يزيدُ القريبُ أنه عَلَمٌ(22)، ومعناه البعيدُ المقصودُ(23) أنه فعْلٌ مضارِعٌ من زادَ(24) ). _____________________ قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): (
(1) المحسِّناتُ المعنويَّةُ (2) (التَّوْرِيَةُ) لغةً مصدرُ وَرَّيْتُ الخبرَ تَوْرِيَةً إذا ستَرْتَه وأَظهرتَ غيرَه. واصطلاحاً. (3) ( أن يُذْكرَ لفظٌ له معنيان) سواءٌ كانا
حقيقيَّين أو مَجازيَّين, أو أحدُهما حقيقيًّا, والآخرُ مَجازيًّا لا
يُعتبرُ بينَهما لزومٌ وانتقالٌ من أحدِهما للآخَرِ، أحدُهما. (4) (قريبٌ) أي: إلى الفَهْمِ. (5) (يَتبادَرُ فهمُه من الكلامِ) لكثرةِ استعمالِ اللفظِ فيه. (6) (و) المعنى الآخرُ. (7) (بعيدٌ) عن الفهْمِ؛ لقلَّةِ استعمالِ اللفظِ فيه. (8) (هو) أي: المعنى البعيدُ. (9) (المرادُ بالإفادةِ) أي: بإفادةِ اللفظِ له. (10) (لقرينةٍ) أي: اعتمادٍ في هذه الإرادةِ على قرينةٍ مانعةٍ من إرادةِ القريبِ. (11) (خَفِيَّةٍ) ولو بالنسبةِ للسامعين
سُمِّيَ بذلك لأن المتكلِّمَ وَرَّى عن المعنى المرادِ وستَرَه بالمعنى
القريبِ فيَتوهَّمُ السامعُ لأوَّلِ وهْلَةٍ أنه مُرادٌ, وليسَ كذلك,
ويُسَمَّى أيضاً بالإيهامِ والتخيُّلِ؛ لأنَّ فيه خفاءَ المرادِ وإيهامَ
خلافِه. هذَا وتكونُ التوريةُ أيضاً في لفظٍ له معانٍ أكثرُ من معنيين كما
في الأطوَلِ, وخرَجَ بتقييدِ كونِ المعنى المرادِ بعيداً ما لو كان
المعنيان متساويين في الفهْمِ فلا يُسَمَّى توريةً, بل إجمالاً, وخرَجَ
بالقرينةِ ما إذا لم تكنْ ثَمَّ قرينةٌ أصْلاً؛ فإنه لا يُفهَمُ إلا
القريبُ, ويَخْرُجُ اللفظُ عن كونِه تَوْرِيَةً، وخرَجَ بتقييدِها بالخفاءِ
ما لو كانت القرينةُ واضحةً، فإنَّ المعنى يَصيرُ قريباً بها, وإن كان
بعيداً في أصلِه, ولا يكونُ اللفظُ حينئذٍ توريةً لعدَمِ سَتْرَ المعنى
القريبِ للبعيدِ. (12) (نحوُ) قولِه تعالى: (13) ({وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ})
أي: يَقبِضُ أرواحَكم عندَ النومِ بِناءً على أن لابنِ آدمَ رُوحَيْنِ؛
رُوحَ الحياةِ وهي لا تَخرجُ إلا بالموتِ ورُوحَ التمييزِ وهي تَخرجُ
بالنومِ ثم تَرجِعُ إلى الجسدِ عندَ اليقظةِ. (14) ({وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}) أي: ما كَسَبْتُمْ فيه من الذنوبِ والآثامِ. (15) (أرادَ بقولِه جَرَحْتُمْ معناه البعيدَ, وهو ارتكابُ الذنوبِ) مع أن معناه القريبَ شَقُّ الجلدِ, وليس ذلك مُرَاداً، بقرينةِ قولِه في آخِرِ الآيةِ {ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: في ليلِكم ونهارِكم. (16) (وكقولِه) أي: الشاعرِ. (17) (يا سيِّداً حازَ) أي: حصَّلَ ونالَ. (18) (لطْفاً له الْبَرَايا) أي: الخلائقُ جمْعُ الْبَريَّةِ وهي الخلْقُ. (19) (عبيدٌ) أي: خدَمٌ خاضعون. (20) (أنت الحسينُ) ابنُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ سِبْطُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. (21) (ولكنْ جفاكَ فينا يَزيدُ) من الزيادةِ. (22) (معنى يَزيدُ القريبُ أنه علَمٌ) أي:
لشخصٍ هو يزيدُ الأوَّلُ ابنُ معاويةَ بنِ أبي سفيانَ؛ لأن ذكْرَ الحسينِ
لازِمٌ لكونِ يزيدَ اسماً, ولكنَّه ليس مراداً بقرينةِ المقامِ. (23) (ومعناه البعيدُ المقصودُ) للشاعرِ. (24) (أنه فعْلٌ مضارِعٌ من زادَ) ضِدِّ نَقَصَ).
التَّوْرِيَةُ(2) أن يُذكَرَ لفظٌ له معنيان(3): قريبٌ(4) يَتبَادَرُ
فَهْمُه من الكلامِ(5)، و(6) بعيدٌ(7) هو(8) المرادُ بالإفادةِ(9)
لقرينةٍ(10) خفيَّةٍ(11)
نحوُ(12): {وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ(13) وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ(14) } أرادَ بقولِه جَرَحْتُمْ معناه البعيدَ, وهو ارتكابُ الذنوبِ(15)، وكقولِه(16):
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل
حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (1- التَّوْرِيَةُ: أنْ يُذْكَرَ لفظٌ لهُ مَعْنَيَانِ؛ أحدُهما قريبٌ يَتَبَادَرُ فَهْمُه من
الكلامِ، والآخَرُ بعيدٌ وهوَ بخلافِه، أيْ: لا يَتَبَادَرُ فَهْمُه من
الكلامِ، والبعيدُ منْ مَعْنَيَيْهِ هوَ المرادُ بالإفادةِ، ثمَّ لا بُدَّ
أنْ يكونَ إرادةُ البعيدِ لقرينةٍ خَفِيَّةٍ، إذْ لوْ لم تكُنْ قرينةٌ على
إرادتِه أَصْلًا لم يُفْهَمْ،ولمْ يكُنْ مُرادًا بالإفادةِ، فيَخْرُجُ
اللفظُ عن التَّوْرِيَةِ، وإنْ كانتْ ثَمَّةَ قرينةٌ ظاهِرَةٌ على إرادتِه
صارَ قريبًا بها، وإنْ كانَ بعيدًا في أصْلِه فيَخْرُجُ عنْ معنى التوريةِ
أيضًا . وإنَّما سُمِّيَ هذا النوعُ بالتَّوْرِيَةِ؛ لأنَّ فيهِ سَتْرَ
المعنى البعيدِ بالقريبِ. يا سَيِّدًا حـازَ لُطْفًا ..... لهُ الْبَرَايَـا عَبِيــدُ
والتَّوْرِيَةُ في الأصْلِ مَصْدَرُ وَرَّى الْخَبَرَ إذا سَتَرَهُ وأَظْهَرَ غيرَهُ .
ثمَّ التوريةُ قِسمانِ:
الأُولَى مُجَرَّدَةٌ، وهيَ التي لم تُجَامِعْ شيئًا مِمَّا يُلَائِمُ المعنى القريبِ، نحوَ: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ }؛
فإنَّ الْجَرْحَ لهُ مَعنيانِ: قريبٌ، وهوَ الذي يُعَبَّرُ عنه
بالفارسيَّةِ ( بخسته كردن )، وبعيدٌ: وهوَ ارتكابُ الذنوبِ، والمرادُ منهُ
ههنا المعنى البعيدُ. كما قالَ: أَرادَ بقولِه: {جَرَحْتُمْ} معناهُ البعيدَ، وهوَ ارتكابُ الذنوبِ، ولم يُقْرَنْ بهِ شيءٌ مِمَّا يُلائِمُ المعنى القريبِ، فكانَ هذا من الْمُجَرَّدَةِ.
والثانيةُ مُرَشَّحَةٌ: وهيَ التي تُجَامِعُ شيئًا مِمَّا يُلائِمُ المعنى القريبَ، نحوَ: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ }؛
فإنَّ المرادَ بِالْيَدِ في الآيةِ ليسَ معناها القريبَ الذي هوَ
الجارِحَةُ المخصوصةُ؛ لاستحالةِ الجارحةِ عليهِ سبحانَه، بل المرادُ بها
على ما هوَ رَأْيُ عامِّةِ المفسِّرينَ معناها البعيدُ، وهوَ الْقُوَّةُ
والقُدْرَةُ، وقدْ قُرِنَ بها ما يُلائِمُ المعنى القريبَ الذي هوَ
الجارحةُ،وهوَ قولُه تعالى: { بَنَيْنَاهَا }؛ إذ البِنَاءُ يُلائِمُ اليدَ بمعنى الجارِحَةِ. وكقولِه:
أنتَ الْحُسَيْنُ ولَكِنْ ..... جَفَــاكَ فَينا يَزِيدُ
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ) قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (أبدأ هذه المحسنات بالسرد،فقال: أولها التورية.
والتورية مشتقة من وري الزند, إذا كثرت ناره، أو وري المخ، إذا كثر, فهي
مشتقة من الكثرة، ومنه اشتقاق الورىللبشر لكثرتهم، فالورى معناه: الكثيرون. إن جاد بالعين حين أعمى هواه ..... وعينه فانثنى بلا عينين (إن جاد بالعين) أي: بالذهب والفضة, ((حين أعمى هواه)) عينه الباصرة (فانثنى بلا عينين)انثنى أي: رجع بلا عينين . وهذا النوع المشترك اللفظي سبب من أسباب الخفاء, كما
هو معلوم في أصول الفقه, وأما الترادف فهو عكسه باستعمال الألفاظ
المتعددةللمعنى الواحد، كهذا العضو يسمى رقبة، ويسمى عنقا، ويسمى جيداً،
وغير ذلك مما يطلق عليه، فالرقبة والعنق والجيد كلها بهذا المعنى. قال: أن ينكر لفظ له معنيان: قريب يتبادر فهمه من الكلام, أي: يتبادر إلى الذهن. وضعيف هو المراد بالإفادة لقرينة خفية تدل على ذلك,
فيقصد المعنى الأبعد لا المعنى الأقرب، وذلك مثل قول الله تعالى: {وهو الذي
يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار}. فالجرح في اللغة يطلق على الشق، قال: جرح فلان فلاناً،
إذا اشق إهابه، شق جلده, ولكنه يطلق أيضاً على اقتراف الأمر وارتكابه,
فيقولون كلام جارح, أي: مؤثر في النفس, ومن ذلك قول الشاعر: جراحات السنان لها التئام ..... ولا يلتام ما جرح اللسان. فقوله تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار}.
جرحتم هنا لا يقصد به المعنى القريب، الذي هو شق الجلد، بل يقصد بها ما
اقترفتم، وارتكبتم من الأمور في النهار، فيقصد بها المعنى البعيد، أراد
بقوله: ‘‘جرحتم‘‘ معناه البعيد, وهو ارتكاب الذنوب, وكذلك قول الشاعر: يا سيداً حاز لطفا له البرايا عبيد ..... أنت الحسين ولكن جفاك فينا يزيد فيزيد يتبادر إلى الذهن أنه علم، وبالأخص عند ذكر
الحسين يتذكر الإنسان يزيد بن معاوية، لكن لا يقصد ذلك هنا، بل يقصد هنا
يزيد فعل مضارع، من زاد يزيد، معنى يزيد القريب أنه علم اسم رجل، ومعناه
البعيد المقصود هنا أنه فعل مضارع، من زاد يزيد. ترى القوم فيها بين عال ونازل ..... ومضطرب مثنى ثلاث وواحداً. وهو
هنا لا يصف الإبل وأهلها, فقال: "ترى القوم فيها بين عال ونازل" وهذا من
مصطلح الحديث، العالي والنازل، "ومضطرب" المضطرب:هو مصطلح الحديث, (مثنى
ثلاث وواحداً)كذلك: إذا روَّحوها حدثوا عن غريبها ..... تذاكرَ طلاب العلوم الشواردَ فهذا روى عمن رآها تواتر ..... وهذا روى عمن رآها مفارداً هذا من مصطلح الحديث،ومصطلح الأصول أيضاً،التواتر
والمفارد ؛ فهو تورية، كونه استعمله في معناه الأصلي اللغوي لا في معناه
الاصطلاحي المعروف ومن ذلك قولك لمن بلغه مساعدتك لعدوه،تقول له: والله ما
عضدته، فعضد في اللغة تستعمل بمعنى المساعدة، يقال: عضده, أي: قوي عضده،
لكن لها معنىً آخر، وهو ضربه على العضد، وكذلك قولك: إذا أردت أن تكتم عن
إنسان أنك رأيت آخر, فسألك هل رأيت فلاناً؟ فتقول: ما رأيته, فرأيته معناها
المتبادر: أنك ما رأيته بالبصر, لكنك أنت تقصد أنك ما ضربته على الرئة,
فرأه وكلاه معناها: أصاب رئته وكليته, ومن ذلك قول الشاعر: فكلي بعضها وبعضاً رآه ..... وانبرى في اختفاء المصباح (فكلىبعضها) أصابها الكلى, (وبعضاً) رآه أصابه في
الرئة, فتقول: ما رأيته, وتقصد بذلك أنك ما ضربته في الرئة, وقد أخرج أبو
داود في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((في المعاريض مندوحة عن الكذب)).
(في المعاريض)وهي هذا النوع من الكلام, التورية، (مندوحة عن الكذب)، أي:
طريق يفر فيه الإنسان من الكذب, فلا يكذب, لكنه يذهب إلى معنى آخر لا
يتبادر إلى الذهن, وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في غزوة بدر حين
مرَّة على قوم فسألهم من أنتم؟ فقالوا: مدلج فقالوا: من أنت؟ فقال: نحن
من ماء. فجعل الرجل يقول: أمن ماء العراق أم من ماء نجد؟! نحن من ماء، وظن
أنها اسم قبيلة، وهذا فعلاً اسم لقبيلة معروفة، والنبي صلى الله عليه وسلم
أراد أن الله تعالى خلق كل حي من الماء: {وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} فجعل الرجل يقول: أمن ماء العراق أم من ماء نجد؟! وكان النبي صلى الله عليه وسلم ربما استعمل هذه
التورية في بعض الأحوال, كقوله لعمته صفية -رَضِي اللهُ عَنْهُا- حين سألته
أن يعطيها جملاً, قال: ((لأحملنك على ابن الناقة)).
فظنت أنه سيعطيها فصيلاً حماراً صغيراً, فقالت: لا يحملني ابن الناقة,
فالجمل ما هو إلا ابن الناقة, ويروى كذلك أنه دخلت عليه عجوز, فسألته أن
يسأل الله لها الجنة, فقال:((إن الجنة لا تدخلها عجوز)).
وهذا تورية, المقصود به أن أهل الجنة جميعاً يبعثون على سن الثالثة
والثلاثين, فليس فيهم عجائز, ويظهر هذا قوله للأعراب, كانوا إذا أتوه
يسألونه متى الساعة؟ فينظر إلى أصغرهم, فيقول: ((لا يموت هذا حتى تقوم الساعة)) فالمقصود بذلك ساعته هو الخاصة به, أي: قيامته الصغرى, فإذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته).
وهي في الاصطلاح:أن يذكر لفظٌ، لفظه واحد ومعانيه
متعددة كثيرة, فيُقصد به المعنى الخفي, لا المعنى المعروف, المعنى الذي لا
يتبادر إلى الذهن؛ لذلك قال: أن يذكر لفظ له معنيان.
واللغة العربية يستعمل فيها اللفظ الواحد لمعان
متعددة, ويسمى ذلك بمشترك اللفظ, ويستعمل فيها اللفظان فأكثر للمعنى الواحد
فيسمى ذاك بالمترادفات؛ فإذن في اللغة اشتراك وترادف, فالاشتراك أن يستعمل
اللفظ الواحد لعدة معان, كالعين يطلق على العين الباصرة، وعلى الجاسوس،
وعلى عين الشمس، وعلى عين الماء، وعلى عين النقد أي: الذهب والفضة, كل ذلك
يسمى عيناً،فهو من المشترك اللفظي كقول الحريري
ومن التوريات التورية بمصطلحات العلوم، أن يوري
الإنسان بمصطلح معروف في علم من العلوم، وهذا مما يُكثر منه المتأخرون،
كقول جدي رحمة الله:
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (محسنات معنوية:
أولاً : التورية: أن يُذكر لفظ له معنيان قريب يتبادر فهمه من الكلام وبعيد هو المراد بالإفادة لقرينة خفية، نحو: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} أراد بقوله: (جرحتم) معناه البعيد وهو ارتكاب الذنوب، وكقوله:
يا ســيداً حــاز لطفـاً لـه البـرايا عـبيـد أنت الحسين ولكن جفاك فينا يزيد
معنى (يزيد) القريب أنه عَلَمٌ، ومعناه البعيد المقصود أنه فعل مضارع من زاد).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (التورية جعلها المؤلفون أول
المحسنات المعنوية وهي تعتمد على أن يذكر المتكلم أو الكاتب لفظاً يحتمل
معنيين له معنيان من حيث دلالة اللغة يحتمل هذين المعنيين ولكن هناك نسبة
في قضية هذين المعنيين واحد منهم قريب إلى الذهن والمعنى الثاني بعيد إلى
الذهن أي يتبادر إلى الذهن المعنى الأول ولا ينبته إلى المعنى الثاني إلا
بعد تأمل ولابد من وجود قرينة تحدد المعنى الذي يريده المتكلم؛ لأن المتكلم
لابد أن يقصد معنىً محدداً فحينئذٍ تحديد المعنى المراد والمعنى الآخر
الذي يحتمله اللفظ ولكنه ليس بمراد إذاً التورية بمعنى الإخفاء في اللغة
ورى بالشيء بمعنى أخفاه وإذا تكلم المتكلم بمثل هذا اللفظ فكأنه أخفى معنىً
وأظهر أخفى معنى أخفى معنى يريده وأظهر معنى لا يريده.
واستشهاد المؤلفين بالآية الكريمة أخف من استشهاد بعض المؤلفين
أو كثير من البلاغيين في آية الاستواء وإن كان يحمد للمؤلفين الاستشهاد
بقول الله عز وجل: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} إلا
أن بعض المؤلفين -وفقهم الله- حاول تتبع الشواهد التي استشهد بها
البلاغيين في التورية لينفي وقوع التورية في القرآن الكريم ولعل قول الله
عز وجل: {الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان}
أقرب من هذه الآية إلى التصور لأن الشمس والقمر كوكبان بعدهما ذكر النجم
ثم الشجر ويتبادر إلى ذهن القارئ حينما يقرأ الشمس ثم القمر ثم النجم أنها
كلها تدور في فلك الأجرام السماوية العلوية وحينما يأتي الشجر بعد النجم
يصحح الفهم الذي سار عليه القارئ؛ لأن الله سبحانه وتعالى حينما قال: {الشمس والقمر}
ذكر كوكبين علويين ثم النجم والشجر ذكر مخلوقين ونباتين سفليين والنجم
المقصود به النبات الذي لا ساق له ولذلك لأن كلمة النجم تحتمل النبات الذي
لا ساق له وتحتمل في الوقت نفسه الجرم السماوي المنير في السماء في الفضاء
فهو يحتمل معنيين فالأول دل عليه لفظ الشمس والقمر والثاني دل عليه النجم
وحينما تتأمل الآية لابد من النظر إلى ثنائية الصورة صورة تمثل الكواكب
الفضائية الشمس والقمر وصورة تمثل ما يسبح لله عز وجل مما في الأرض من
النبات سواء كان ذا ساق أو غير ساق.
ويقول المؤلفون الشاهد في الآية الكريمة كلمة (جرحتم) فأراد بـ
(جرحتم) معناه البعيد وهو ارتكاب الذنوب ؛ ولأن الجـرح لـه معنيان شق
الجلد ومنه الجروح التي تصيب الناس من خلال الآلات الحادة أو في المعارك
والجرح الذي هو ارتكاب الذنوب وهو المراد.
إذاً كلمة (جرحتم) لها معنيان إما أنها شق الجيوب وهذا هو الذي
يتبادر من كلمة جرحتم أول الأمر وليس له هنا معنى مراد في الآية وإنما
المراد هو ارتكاب الذنوب الذي يعلم الله وهو يعلم كل شيء سواء كان شق جلود
أو ارتكاب ذنوب، لكن ارتكاب الذنوب هو المقصود في هذه الآية.
ويمثل المؤلفون – رحمهم الله – بقول الشاعر:
يا ســيداً حــاز لطفـاً لـه البـرايا عـبيـد أنت الحسين ولكن جفاك فينا يزيد
وهذا طبعاً أرجو أن يتأمل السامع الكريم ما في هذا من تبدل
بعض أسلافنا الذين ينبغي أن نحترم الخيرين والطيبين منهم وذكر ما يتصل من
أمرٍ بين الحسين وما يقع بينه وبين بعض التابعين والصحابة رضوان الله عليهم
ينبغي أن ننـزه ألسنتنا عن الخوض في هذا المجال وأيضاً المبالغة التي
ذكرها الشاعر في قوله: (يا سيداً حاز لطفاً له البرايا عبيد) وهذا كونه
يجعل واحداً من خلق تكون البرايا كلها له عبيد هذا من المبالغات الذميمة
التي لا يحسن.
الشاهد هنا أن كلمة (يزيد) لها معنيان:
أ- يزيد بن أبي سفيان وهو الاسم الذي رشح هذه
الدلالة هي كلمة الحسين هي التي جعلت كلمة يزيد يتبادر الذهن فيها إلى يزيد
بن أبي سفيان – رحم الله الجميع ورضي عنهم.
ب- ولكن المعنى الذي يريده من الزيادة يريد أن
يقول (يزيد جفاك) فالجفى يزيد ولا ينقص فهو مقابل النقص هذه التورية في
كلمة (يزيد) جانبها معنوي وليس جانباً لفظياً لأن المعنى هو المقصود سواء
في الآية الكريمة أو في هذا البيت).
الكشاف التحليلي
§ المحسنات المعنوية كثيرة؛ ذكر منها هنا أربعة وعشرين
· أولاً: التورية:
§ شرف باب التورية وكلام أهل العلم فيه
° من تورية النبي صلى الله عليه وسلم: ما روي أنه قال: (نحن من ماء) وقول أبي بكر عنه:"هاد يهديني الطريق"
§ من أسمائها:الإيهامُ والتوجيهُ والتخييرُ، ولكنَّ التوريَةَ أَوْلَى
§ التورية لغة::مصدرُ وَرَّيْتُ الخبرَ تَوْرِيَةً إذا ستَرْتَه وأَظهرتَ غيرَه.
§ التَّوْرِيَةُ اصطلاحاً:أن يُذكَرَ لفظٌ له معنيان:قريبٌ يَتبَادَرُ فَهْمُه من الكلامِ، وبعيدٌ هو المرادُ بالإفادةِ لقرينةٍ خفيَّةٍ
° شرح التعريف
° محترزات التعريف:
- خرج بتقييد كون المعنى المراد بعيداً: ما لو كان المعنيان متساويين في الفهم؛ فلا يسمى تورية، بل إجمالا
- وخرَجَ بالقرينةِ ما إذا لم تكنْ ثَمَّ قرينةٌ أصْلاً؛ فإنه لا يُفهَمُ إلا القريبُ
- وخرَجَ بتقييدِها بالخفاءِ ما لو كانت القرينةُ واضحةً، فإنَّ المعنى يَصيرُ قريباً بها
° مثاله : {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار}
° مثال آخر : أنت الحسين ولكن * جفاك فينا يزيد
° ولع المتأخرون بأنواع من التورية، ومنها التورية بالمصطلحات.
§ التورية إجمالاً أربعة أنواع:مجردة، ومرشحة، ومبينة، ومهيأة
§ التورية تفصيلاً تسعة أنواع:
° المجردة وهي التي لم يُذكَرْ فيها لازمُ الموَرَّى به، وهو المعنى القريبُ، ولا لازمُ المورَّى عنه، وهو المعنى البعيدُ، وهي قسمان:
- القسم الأول:ألا يذكر فيها لازم المورى به ولا المورى عنه حقيقة بأن لا يذكر فيها أصلاً؛ كقوله:(هادٍ يهديني)
- القسم الثاني:ألا يذكر فيها لازم
المورى به ولا المورى عنه حكماً، بأنْ يُذْكَرَ فيها لازمُ القريبِ ولازِمُ
البعيدِ معًا متكافئيْنِ، فيتساقطان؛ ومثاله:ووراءَ تَسْدِيةِ الوِشاحِ
مَليَّةُ * بالحسْنِ تَمْلُحُ في القلوبِ وتَعْذُبُ
° المرشحة وهي التي لم يذكر فيها لازم المورى به فقط، وهي قسمان:
- القسم الأول: إن ذكر فيها لازم المورى به فقط قبل التورية
- القسم الثاني: إن ذكر فيها لازم المورى به فقط بعد التورية، ومثاله:..خالي قد هامَ به عَمِّي
° المبنية:هي التي يُذكَرُ فيها لازِمُ المورَّى عنه؛ وهي قسمان:
- القسم الأول:ذكره قبل لفظ التورية، ومثاله:يا عاذِلي دونَكَ مِن لَحْظِهِ * سهمًا ومن عارِضِه سَطْرَا
- القسم الثاني:ذكره بعد لفظ التورية، ومثاله:أرى ذَنَبَ السَّرْحانِ في الأفقِ ساطعاً * فهل ممْكِنٌ أنَّ الغزالةَ تَطْلُعُ؟
° المهيأة، هي التي لا تَقَعُ فيها
التوريةُ إلاَّ باللفظِ الذي قبلَها، أو باللفظِ الذي بعدَها، أو تكونُ
التوريةُ في لفظيْنِ لولا كلٌّ منهما لما تَهيَّأت التوريةُ في الآخَرِ،
وعلى هذه فهي ثلاثة أقسام:
- القسم الأول:ألا تَقَعُ فيها التوريةُ إلاَّ باللفظِ الذي قبلَها، ومثاله:فأظهرت ذاك الفرض من ذلك الندبِ
- القسم الثاني:ألا تقع التورية إلا باللفظِ الذي بعدَها، ومثاله:كان يحوك الشمال باليمينِ
- القسم الثالث:أن تكونُ التوريةُ في لفظيْنِ لولا كلٌّ منهما لما تَهيَّأت التوريةُ في الآخَرِ؛ ومثاله:أيها المنكح الثريا سهيلاً
° الفرْقُ بينَ اللفظِ الذي تَتهيَّأُ به التوريةُ، واللفظِ الذي تَترشَّحُ به، واللفظِ الذي تَتبيَّنُ به
° تمتاز التورية عن المجاز والكناية بجواز كون المعنيين
حقيقيَّيْنِ، أو مجازيَّيْنِ، أو أحدُهما حقيقيًّا والآخرُ مجازيًّا، لا
يُعتبَرُ بينَهما لزومٌ وانتقالٌ من أحدِهما للآخَرِ.
° الفرق بين التورية والاستعارة أنَّ مع الاستعارةِ قرينةٌ
تَصرِفُ اللفظَ لها، وتَجعلُ المعنى البعيدَ قريبًا، والتوريةُ ليستْ كذلكَ