10 Nov 2008
الاستخدام والاستطراد والافتنان
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (10- الاستخدامُ: هوَ ذكْرُ اللفظِ بمعنًى، وإعادةُ ضميرٍ عليهِ بمعنًى آخَرَ، أوْ إعادةُ ضميرينِ تُريدُ بثانيهما غيرَ ما أَرَدْتَهُ بأَوَّلِهما.
فالأوَّلُ نحوُ قولِه تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، أرادَ بالشهْرِ الهلالَ، وبضميرِه الزمانَ المعلومَ. والثاني كقولِه:
فسَقَى الغَضَا والساكِنِيهِ وإنْ همُ ..... شَبُّوهُ بينَ جَوانِحِي وضُلُوعِي
الغَضَا: شَجَرٌ بالباديةِ، وضميرُ (ساكنِيه) يعودُ إليه بمعنى مكانِه، وضميرُ (شَبُّوهُ) يَعودُ إليه بمعنى (نارِه).
11- الاستطرادُ: هوَ أنْ يَخْرُجَ
الْمُتَكَلِّمُ من الغَرَضِ الذي هوَ فيهِ إلى آخَرَ لمناسَبَةٍ، ثمَّ
يَرجِعُ إلى تَتْمِيمِ الأوَّلِ، كقولِ السَمَوْءَلِ:
وإنَّا أُناسٌ لا نَرى القتْلَ سُبَّةً ..... إذا ما رأَتْهُ عامِـرٌ وسَلولُ
يُقَرِّبُ حبُّ الموتِ آجالَنا لنا ..... وتَكـرَهُه آجالُهم فتَطُـولُ وما ماتَ منَّا سيِّدٌ حَتْفَ أنْفِه ..... ولا طَلَّ منَّا حيثُ كانَ قتيلُ
فسِياقُ القصيدةِ للفَخْرِ، واستطْرَدَ منهُ إلى هِجاءِ عامرٍ وسَلولَ، ثمَّ عادَ إليهِ.
12- والافتنانُ: هوَ الجمْعُ بينَ فنَّيْنِ
مختلِفَيْنِ؛ كالغَزَلِ والحماسةِ، والمدحِ والهجاءِ، والتعزِيَةِ
والتهنئةِ، كقولِ عبدِ اللَّهِ بنِ همَّامٍ السلوليِّ حينَ دَخَلَ على
يزيدَ، وقدْ ماتَ أبوهُ معاويةُ، وخَلَفَهُ هوَ في الْمُلْكِ: آجَرَكَ
اللَّهُ على الرَّزِيَّةِ، وبارَكَ لكَ في الْعَطِيَّةِ، وأعانَكَ على
الرعيَّةِ؛ فقدْ رُزِئْتَ عظيمًا، وأُعْطِيتَ جَسيمًا، فاشْكُرِ اللَّهَ
على ما أُعْطِيتَ، واصْبِرْ على ما رُزِئْتَ؛ فقدْ فَقَدْتَ الخليفةَ،
وأُعْطِيتَ الخلافةَ، ففارَقْتَ خليلًا، ووُهِبْتَ جليلًا: اصْبِرْ يَزيدُ فقدْ فَارَقْتَ ذا ثِقَةٍ * واشكُرْ حُباءَ الذي بالْمُلْكِ أصْفَاكَ لا رُزْءَ أصْبَحَ في الأقوامِ نَعْلَمُهُ * كما رُزِئْتَ ولا عُقْبَى كَعُقْبَاكَ).
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (5-
الاستخدامُ(1): هو ذِكْرُ اللفظِ(2) بمعنى، وإعادةُ ضميرٍ عليه بمعنًى
آخَرَ، أو إعادةُ ضميرَيْنِ(3) تُريدُ بثانيهِما غيرَ ما أرَدْتَهُ
بأوَّلِهما. فالأوَّلُ (4)، نحوُ قولِه تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، أرادَ بالشهْرِ الهلالَ، وبضميرِه الزمانَ المعلومَ(5). والثاني(6) كقولِه(7):
فسَقَى الغَضَى والساكِنِيِه وإن هُمُو ..... شَبُّوهُ بينَ جَوَانحِي وضُلُوعي
الغَضَى شجرٌ بالباديةِ، وضميرُ ساكنيه يعودُ إليه، بمعنى مكانِه، وضميرُ شَبُّوه يعودُ إليه بمعنى نارِه).
__________________
قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ((1) قولُه: (الاستخدامُ)، هو لغةً: استِفْعالٌ من الخِدمةِ، واصطلاحًا فيه طريقتانِ: الأُولى لصاحبِ الإيضاحِ ومَن تَبِعَهُ، ومَشَى عليها كثيرٌ من الناسِ منهم المصنِّفُ، حيثُ قال: هو ذكْرُ اللفظِ إلخ. والطريقةُ الثانيةُ للشيخِ بدرِ الدينِ بنِ مالكٍ رحِمَهُ اللَّهُ تعالى في المِصباحِ، وتَبِعَه جماعةٌ: وهي أنَّ الاستخدامَ إطلاقُ لفظٍ مشتَرَكٍ بينَ معنيَيْنِ، ثمَّ الإتيانُ بلفظيْنِ قبلَه أو بعدَه، أو أحدُهما قبلَه والآخَرُ بعدَه، كلٌّ منهما قرينةٌ تَستخدِمُ معنًى من معنى تلكَ اللفظةِ المشتَرَكَةِ. فالطريقتانِ راجعتانِ إلى مقصودٍ واحدٍ، وهو استعمالُ المعنييْنِ بضميرٍ وغيرِ ضميرٍ، فمن هنا قالَ الشيخُ صلاحُ الدينِ الصفَدِيُّ في الفَرْقِ بينَ الاستخدامِ والتوريةِ: المشترَكُ إذا لزِمَ استعمالُه في مفهومَيْهِ معًا فهو الاستخدامُ، وإن لزِمَ استعمالُه في أحدِ مفهومَيْه في الظاهرِ معَ لمْحِ الآخَرِ في الباطنِ فهو التوريةُ اهـ. ومن أعظَمِ شواهدِ الاستخدامِ على طريقةِ ابنِ مالكٍ ومن تَبِعَهُ قولُه تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}؛ فإنَّ لفظةَ كتابٍ يُحتَمَلُ أن يُرادَ بها الأجَلُ المحتومُ، أي الأمَدُ المقدَّرُ، بقرينةِ ذِكْرِ الأجَلِ فيها، وأنْ يُرادَ بها الكتابُ المكتوبُ بقرينةِ ذِكْرِ يَمْحُو بعدهَا، وكذا قولُه من القصيدةِ النباتيَّةِ:
حَوَيْتَ ريقًا نَباتيًّا حَلاَ فَغَدَا ..... يَنْظِمُ الدُّرَّ عُقْدًا من ثَناياكَ
فلفظَةُ نباتيٍّ يُحتمَلُ أن يُرادَ بها السكَّرُ بقرينةِ الريقِ وحلاوتِه، وأنْ يُرادَ بها ابنُ نَباتَةَ الشاعرُ بقرينةِ الدرِّ والنظْمِ والعُقْدِ. وكذا قولُ أبي العلاءِ:
قَصَدَ الدهرُ من أبي حمزةَ الأوَّابِ ..... مَوْلى حِجًى وخَدْنُ اقتصادْ
وفقيهًا أفكارُه شِدْنَ للنُّعما ..... نِ ما لم يَشِدْهُ شِعْرُ زيادْ
فلفظةُ فقيهًا قرينةٌ على إرادةِ أبي حنيفةَ، وشعْرُ زيادٍ، أي: النابِغةِ، قرينةٌ على إرادةِ النعمانِ بنِ المُنذِرِ. ودَعْوَى أنَّ هذا من أمثلَةِ الطريقةِ الأُولى بتقديرِ ما لم يَشِدْهُ له تكلَّفٌ.
(2) قولُه: (ذكْرُ اللفظِ)، أي: الذي له معنيانِ حقيقيَّانِ، أو مجازيَّان، أو أحدُهما حقيقيٌّ والآخَرُ مجازيٌّ، ولا مفهومَ للمعنييْنِ بل الأكثرُ كذلكَ.
(3) وقوله: ( أو إعادةُ ضميرينِ)، أي: أو ضمائرَ، كما في الأطوَلِ. ولا بُدَّ أن يُرادَ بالاسمِ الظاهرِ غيرُ مُفادِ الضميريْنِ، وإلاَّ كان أحدُهما ليسَ استخدامًا. سعدٌ ودسوقيٌّ.
(4) قولُه: (فالأوَّلُ)، أي: عَوْدُ الضميرِ الواحدِ على اللفظِ المشترَكِ بمعنًى آخَرَ، وقولُه: (نحوُ: قولِه تعالى إلخ)، أي: وقولِ القائلِ:
إذا نَزَلَ السماءُ بأرضِ قومٍ ..... رَعَيْنَاهُ وإنْ كانوا غِضابَا
فلفظَةُ السماءِ يُرادُ بها المطَرُ، وهو أحدُ المعنييْنِ، والضميرُ في رَعَيْنَاهُ يُرادُ به المعنى الآخَرُ، وهو النباتُ.
(5) قولُه: (الزمانَ المعلومَ)، أي: من رؤيةِ هلالِ رمضانَ إلى رؤيةِ هلالِ شوَّالٍ كما أشارَ إلى ذلكَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بقولِه: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ" الحديثَ.
(6) قولُه: (والثاني)، أي: عَوْدُ الضميريْنِ على اللفظِ المشترَكِ مرادًا بكلِّ معنًى غيرَ ما أُريدَ بالآخرِ، وغيرَ ما يُرادُ بذلكَ اللفظِ. (7) وقوله: ( كقولِه)، أي: البُحتريِّ. وقولُه: (الغَضَى شجَرٌ بالباديةِ)، أي: حقيقتُه ذلكَ. وقولُه: (يعودُ إليهِ)، أي: إلى الغَضَى. وقولُه: (بمعنى مكانِه)، أي: الوادي مجازًا؛ لكثرةِ نَبْتِه فيه. وقولُه: (بمعنى نارِه)،
أي: مجازًا لقولِهم: جَمْرُ الغَضَى لقوَّةِ نارِهِ. والتمثيلُ بهذا
البيتِ، وكذا بقولِه: إذا نَزَلَ السماءُ بأرضِ قومٍ * رَعَيْناهُ وإن
كانوا غِضابَا)؛ فإنَّ السماءَ مجازٌ في كلٍّ من المطَرِ والنباتِ،
مَبْنِيٌّ على قولِ شُرَّاحِ التلخيصِ بجوازِ كونِ لفظةِ الاستخدامِ
دالَّةً على المعنييْنِ حقيقةً أو مجازًا، أو حقيقةً في أحدِهما مجازًا في
الآخَرِ كما مَرَّ. ولا يُشترَطُ أن يكونَ اشتراكُها اشتراكًا أصليًّا.
وأمَّا على قولِ الشيخِ صفيِّ الدينِ الحِلِّيِّ، وتَبِعَه ابنُ حَجَّةَ،
أنَّ الشرْطَ عندَ علماءِ البديعِ أن يكونَ اشتراكُ لفظِ الاستخدامِ
اشتراكًا أصليًّا، فلا يَظْهَرُ إلاَّ التمثيلُ بقولِ ابنِ الورديِّ جامعًا
بينَ الاستخدامِ في اللفظِ ذي المعنييْنِ وذي المعاني: ورُبَّ غزالةٍ طَلَعَتْ ..... بقلبي وهو مَرْعَاها نَصَبْتُ لها شِباكًا من ..... لُجَيْنٍ ثمَّ صِدْنَاهـا فقالتْ لي وقد صِرْنا ..... إلى عينٍ قَصَدْنَاها بذَلْتَ العينَ فاكْحِلْها ..... بطلعَتِها ومَجْرَاهـا وقولِ بعضِ المتأخِّرِينَ: وللغزالةِ شيءٌ من تلفُّتِه ..... ونورُها من ضِيا خدَّيْه مُكتَسَبُ
فتنَبَّهْ).
دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (الاستخدامُ: هوَ ذكْرُ اللفظِ بمعنًى، وإعادةُ ضميرٍ عليهِ بمعنًى آخَرَ، أوْ إعادةُ ضميرينِ تُريدُ بثانيهما غيرَ ما أَرَدْتَهُ بأَوَّلِهما. فسَقَى الغَضَى والساكِنِيهِ وإنْ همُ ..... شَبُّوهُ بينَ جَوانِحِي وضُلُوعِي الغَضَا: شَجَرٌ بالباديةِ، وضميرُ (ساكنِيه) يعودُ إليه بمعنى مكانِه، وضميرُ (شَبُّوهُ) يَعودُ إليه بمعنى (نارِه) ).
فالأوَّلُ نحوُ قولِه تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، أرادَ بالشهْرِ الهلالَ، وبضميرِه الزمانَ المعلومَ. والثاني كقولِه:
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (الاستخدامُ هو ذكْرُ اللفظِ (1)
(بِـ)(2) معنًى(3) وإعادةُ ضميرٍ عليه(4) (بـِ)(5) معنًى آخرَ(6) أو(7)
إعادةُ ضميرين(8) تُريدُ بثانِيهما(9) غيرَ ما أردتَه بأوَّلِهما(10)،
(فـَ)(11) الأوَّلُ(12) نحوُ قولِه تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(13) أرادَ بالشهرِ الهلالَ(14) وبضميرِه(15) الزمانَ المعلومَ(16)، و(17) الثاني(18) كقولِه(19):
فَسَقَى(20) الغَضَا(21) و(22) الساكِنِيه(23) وإن هُمُو(24) ..... شَبُّوهُ(25) بينَ جَوانِحِي(26) وضُلُوعِي(27)
الغَضَا(28): شجرٌ بالباديةِ(29) وضميرُ ساكنيه يعودُ إليه(30)
بمعنى مكانِه(31) و(32) ضميرُ شبُّوه يعودُ إليه(33) بمعنى نارِه(34) ). ________________________ قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): (
(1) (الاستخدامُ هو ذكْرُ اللفظِ) المشترَكِ بينَ المعنيين سواءٌ كان حقيقيَّين أو مَجازيَّين أو أحدُهما حقيقيٌّ والآخَرُ مَجازيٌّ. (2) (بـ) إرادةِ. (3) (معنًى ) منهما وكذلك اللفظُ المشترَكُ بينَ معانٍ متعدِّدةٍ. (4) (وإعادةُ ضميرٍ عليه) أي: على ذلك اللفظِ. (5) (بـ) إرادةِ. (6) (معنًى آخَرَ) من معنَيَيْهِ أو معانيه. (7) (أو) ذكْرُ اللفظِ بإرادةِ معنًى و. (8) (إعادةُ ضميرين) على ذلك اللفظِ. (9) (تريدُ بثانيهما) أي: بثاني الضميرين معنًى. (10) (غيرَ ما أَردْتَه بأوَّلِهما) أي:
الضميرين فلابدَّ أن يكونَ مُفادُ الضميرين غيرَ مُفادِ الاسمِ الظاهرِ,
وإلا كان أحدُهما ليس استخداماً, وكذلك إعادةُ ضمائرَ تريدُ بأحدِها معنًى
غيرَ ما أَردْتَه بالآخَرِ. (11) (فـ) الوجْهُ. (12) (الأوَّلُ) من الوجهين المذكورين في التعريفِ, وهو أن يُرادَ باللفظِ أحدُ المعنيين أو المعاني, ويُرادَ بالضميرِ معناه الآخَرُ. (13) نحوُ قولِه تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) أراد بالشهرِ الهلالَ أي: هلالَ رمضانَ. (14) (و) أَرادَ. (15) (بضميرِه) أي: بالضميرِ العائدِ إليه في قولِه فليَصُمْهُ. (16) (الزمانَ المعلومَ) الذي هو ظرْفُ الصوْمِ. (17) (و) الوجهُ. (18) (الثاني) منهما وهو أن يُرادَ بأحدِ
ضميريه أو ضمائرِه أحدُ معنيين أو معانيه وبضميرِه الآخَرِ معناه الآخَرُ,
وقد قَدَّمْنا أنه لا بدَّ أن يُرادَ باللفظِ غيرُ مفادِ الضميرين أو
الضمائرِ. (19) (كقولِه) أي: البُحْتُرِيِّ. (20) (فَسَقَى) أي: اللهُ. (21) (الغَضَا) بالغينِ والضادِ المعجمَتَيْن
نوعٌ من شجَرِ الباديةِ, والجملةُ دعائيَّةٌ دَعَا الشاعرُ بها أن يَسْقِيَ
اللهُ الشجرَ الْمُسَمَّى بالغضا بحيث يَنزلُ الأحِبَّاءُ في ظِلالِه. (22) (و) سقَى اللهُ. (23) (الساكِنِيهِ) أي: الساكنين في الغضا بمعنى المكانِ النابتِ فيه, ثم بيَّنَ الشاعرُ أنه طَلَبَ لهم السَّقْيَ وإن عَذَّبُوه فقالَ. (24) (وإن هُمُو) بإشباعِ الميمِ أي: أَطلُبُ لهم السَّقْيَ قضاءً لحقِّ الصُّحبةِ في الحالةِ أنهم. (25) (شَبُّوه) أي: أوقَدُوا الغضا بمعنى النارِ التي تَتوقَّدُ؛ لأنها تَتعلَّقُ بشجرِ الغضا. (26) (بينَ جَوَانحي) جمْعُ جانحةٍ, وهي العظْمُ مما يلي الصدرَ, كِنايةً عن القلْبِ. (27) (وضُلوعي) جمْعُ ضِلَعٍ, وهو العظْمُ مما يلي الظهْرَ, ولعَلَّ الصوابَ بينَ جوانحَ وقلوبٍ؛ لأن البيتَ من قصيدةٍ يائيَّةٍ. (28) (الغضا) المذكورُ أوَّلاً في البيتِ مرادٌ به. (29) (شجرٌ بالبادِيَةِ و) الضميرُ الأوَّلُ وهو (30) (ضميرُ ساكِنِيهِ يَعودُ إليه) أي: إلى الغَضَا. (31) (بمعنى مكانِه)؛ إذ قد يُطلَقُ الغَضَا على المكانِ النابِتِ فيه مَجازاً (32) (و) الضميرُ الثاني وهو (33) (ضميرُ شَبُّوه يَعودُ إليه) أي: إلى الغَضَا. (34) (بمعنى نارِه) أي: النارِ الموقَدةِ فيه إذ
يُقالُ لها: الغَضَا مَجازاً أيضاً لتَعلُّقِها به. ثم إن شَبَّ نارِ
الغَضَا في قلْبِ الشاعرِ عبارةٌ عن تعذيبِه بالحُبِّ وإذايتِه به, فكأنَّ
أحشاءَه تَحْتَرِقُ من شدَّتِه وإذابتِه كما تَحترِقُ بنارِ الغَضَا. هذا
وظاهرُ كلامِ الكتابِ أنَّّّ الاستخدامَ قاصرٌ على الضميرِ وليس كذلك, بل
يكونُ أيضًا باسمِ الإشارةِ وبالتمييزِ فالأوَّلُ كما في قولِه: رأَى العَقيقَ فأَجْرَى ذاك ناظِرَهُ ..... مُتَيَّمٌ لَجَّ في الأشواقِ خاطِرُهُ فإنه أرادَ بالعَقيقِ أوَّلاً المكانَ, ثم أعادَ عليه اسمَ الإشارةِ بمعنى الدمِ. والثاني كما في قولِه: حَكَى الغزالُ طلْعةً ولَفْتةْ ..... مَن ذا رآه مُقْبِلاً ولا افْتُتِنْ أَعْذَبُ خَلْقِ اللهِ رِيقاً وفَماً ..... إن لم يكنْ أحقَّ بالحسْنِ فَمَنْ فإنه أرادَ بالغزالِ أوَّلاً الشمسَ بقرينةِ ذكْرِ الطَّلْعةِ, ثم ذكَرَ التمييزَ وهو لفتةٌ, وأرادَ به المحبوبَ).
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل
حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (10- الاستخدامُ: هوَ ذِكْرُ اللفظِ الذي لهُ مَعْنَيَانِ أوْ أكثرُ، سواءٌ كانتْ
حقيقيَّةً، أوْ مَجَازيَّةً، أوْ بعضُها حقيقيَّةً وبعضُها مَجَازِيَّةً،
بمعنى منْ تلكَ المعانِي، واستعمالُه فيه، وإعادةُ ضميرٍ عليهِ، أيْ على
ذلكَ اللفظِ، لكِنْ لا باعتبارِ إرادةِ ذلكَ المعنى الذي أُريدَ، بلْ
بمعنًى آخَرَ منْ جملةِ معاني ذلكَ اللفظِ، أوْ ذِكْرُ اللفظِ بمعنًى
وإعادةُ ضميرينِ إليه بالمعاني الأُخَرِ بحيثُ تريدُ بثانيهما، أيْ بثاني
الضميرينِ، معنًى غيرَ ما أَرَدْتَهُ بأَوَّلِهما، وغيرَ ما أَرَدْتَهُ
باللفظِ أيضًا، وإلَّا لمْ يكُنْ أحدُ الضميرينِ استخدامًا، والكلامُ في
الضميرِ العائدِ على وجهِ الاستخدامِ . فَسَقَى الغَضاءُ الساكنِيِهِ وإنْ هُمُ ..... شَبُّوهُ بينَ جَوَانِحِي وضُلُوعِي الغَضَا شَجَرٌ بالبَادِيَةِ، وضميرُ ساكِنِيهِ يعودُ إليه بمعنى مكانِه؛
إذْ يُطْلَقُ عليهِ الغَضَا مَجازًا، وضميرُ شَبُّوهُ، أيْ: أَوْقَدُوهُ ،
يعودُ إليه بمعنى نارِه؛ إذ يُقالُ لها: غَضَا، أيضًا على سبيلِ
الْمَجَازِ؛ لتَعَلُّقِها به، والجوانِحُ جمْعُ جانِحَةٍ، وهيَ العَظْمُ
مِمَّا يَلِي الصدْرَ، فقولُه : (وَضُلُوعِي )، منْ عَطْفِ التفسيرِ. وهذا،
أيْ قولُه: بينَ جوانحي وضُلُوعي، كنايةٌ عن القَلْبِ، وشَبُّ النارِ في
القلْبِ عبارةٌ عنْ إيذاءِ شِدَّةِ الْحُبِّ، فقدْ ذَكَرَ في هذا البيتِ
الغَضَا بمعنى الشجَرِ، ثمَّ أعادَ إليهِ الضميرَ أوَّلًا بمعنى المكانِ
النابِتِ فيهِ شَجَرُ الْغَضَا مَجازًا، ثمَّ أَعَادَ إليه الضميرَ ثانيًا
بمعنى النارِ الْمُوقَدَةِ فيهِ مَجازًا أيضًا، فهذا هوَ الوجهُ الثاني من
الوجهينِ المذكورَينِ للاستخدامِ. 11- الاستطرادُ: هوَ أنْ يَخْرُجَ المتكلِّمُ من الغرَضِ الذي هوَ فيهِ كغَزَلٍ أوْ فَخْرٍ
أوْ وَعْظٍ أوْ غيرِها إلى غَرَضٍ آخَرَ لمناسَبَةٍ بينَ الغرضينِ، وجهةٍ
جامعةٍ مقبولةٍ بينَهما، ثمَّ يَرْجِعُ إلى تَتْمِيمِ الغرَضِ الأوَّلِ،
كقولِ السَّمَوْءَلِ، على وَزْنِ فَعَوْلَلْ: (وإنَّا أُناسٌ لا نَرَى القتْلَ سُبَّةً )، السُّبَّةُ ما يُسَبُّ بهِ،
كما أنَّ الْخُدْعَةَ ما يُخْدَعُ بهِ، وأَصْلُ السبِّ القطْعُ، ثمَّ
استُعْمِلَ في الشَّتْمِ والعارِ، (إذا ما رَأَتْهُ عامِرٌ وسَلولُ)،
قَبيلتانِ، يقولُ : إذا حَسِبَ هؤلاءِ القتْلَ عارًا عَدَّهُ عَشِيرتِي
فَخْرًا، (يُقَرِّبُ حبُّ الموتِ)، أيْ: حُبُّنَا للموتِ، (آجَالَنا لنا
وتَكْرَهُهُ آجالُهم فتَطُولُ)، يُشيرُ بهِ إلى أنَّهُم يَغْتَبِطُونَ
لاقتحامِهم المنايا، وأنَّ عامِرًا وسَلُولًا يُعَمِّرُونَ
لِمُجَانَبَتِهُم الشرَّ؛ كراهةً للموتِ وحُبًّا للحياةِ، (وما ماتَ منا
سَيِّدٌ حَتْفَ أَنْفِهِ) ، يُقالُ: ماتَ فلانٌ حَتْفَ أنفِه، إذا ماتَ
مِنْ غيرِ قَتْلٍ ولا ضَرْبٍ، (ولا طَلَّ منَّا)، أيْ: لمْ يَبْطُلْ دَمُ
قتيلٍ منَّا، يُقالُ: طَلَّ دمُه إذا بَطَلَ ولم يُطْلَبْ به، وقدْ طَلَّهُ
فلانٌ: أَبْطَلَه، (حيثُ كانَ قَتِيلُ)، والمعنى: إنَّا لا نَمُوتُ،
ولكِنْ نُقتَلُ، ودمُ القتيلِ مِنَّا لا يَبْطُلُ، ولا يَذْهَبُ هَدَرًا. فسياقُ القَصيدةِ للفَخْرِ، وهوَ الْغَرَضُ الأصلِيُّ للمتكلِّمِ، ثمَّ
انْتَقَلَ واسْتَطْرَدَ منهُ إلى هِجاءِ عامِرٍ وسلولٍ ببيانِ أنَّهُما
ضِدَّانِ لِعَشِيرَتِه في الشجاعةِ ؛ ليَظْهَرَ منْ هذا شجاعةُ عَشيرتِه
زيادةَ ظُهورٍ لِمَا تَقَرَّرَ أنَّ الأشياءَ تَتَبَيَّنُ بأَضدادِها، ثمَّ
عادَ إليهِ، أيْ إلى بيانِ الفخْرِ الذي هوَ الغَرَضُ الأصليُّ لهُ . 12- الافتنانُ: هوَ الْجَمْعُ بينَ فَنَّيْنِ، أيْ: نوعينِ، من المعاني مختلِفينِ،
كالغَزَلِ والْحَمَاسةِ، فإنَّ الأوَّلَ عبارةٌ عنْ محادَثَةِ النساءِ
ومُرَاوَدَتِهُنَّ، والثاني عن الشجاعةِ، وهما فَنَّانِ مختلِفانِ، وكذا
حالُ الْمَدْحِ والهجاءِ، والتَّعْزِيَةِ والتهنئةِ ؛ فإنَّ الهجاءَ نوعٌ
مختلِفٌ لنوعِ المدْحِ، والتهنئةَ نوعٌ مُغَايِرٌ لنوعِ التعزيةِ، فالكلامُ
الذي اجْتَمَعَ فيهِ مِثلُ هَذَيْنِ النوعينِ يُسَمَّى مُفْتِنًا، وذلكَ
الجمْعُ افتنانًا، كقولِ عبدِ اللَّهِ بنِ هَمَّامٍ السَّلُوليِّ حينَ
دَخَلَ على يَزِيدَ، وقدْ ماتَ أبوهُ معاويةُ، وخَلَفَهُ هوَ في الْمُلْكِ:
آجَرَكَ اللَّهُ على الرَّزِيَّةِ، بالفتْحِ والياءِ الْمُشَدَّدَةِ:
الْمُصيبةِ، وبَارَكَ لكَ في الْعَطِيَّةِ، وأَعانَكَ على الرَّعِيَّةِ،
فقدْ رُزِئْتَ عَظِيمًا، وأُعْطِيتَ جَسِيمًا، فاشْكُرِ اللَّهَ على ما
أُعْطِيتَ، واصْبِرْ على ما رُزِئْتَ؛ فقدْ فَقَدْتَ الخليفةَ، وأُعْطِيتَ
الخلافةَ، ففَارَقْتَ خليلًا، ووُهِبْتَ جَليلًا: اصْبِرْ يزيدُ فقدْ فارَقْتَ ذا ثِقَةٍ ..... واشكُرْ حُبَاءَ الذي بالْمُلْكِ أَصْفَاكَ لا رُزْءَ أَصْبَحَ في الأقوامِ نَعْلَمُهُ ..... كما رُزِئْتَ ولا عُقْبَى كعُقْبَاكَ فهذا الكلامُ قد اشْتَمَلَ على نوعٍ من الافتنانِ؛ لأنَّهُ جَمَعَ فيهِ
بينَ التَّعْزِيَةِ على موتِ أبيهِ، والتهنئةِ على خِلافتِهِ، وهما
فَنَّانِ مختلِفانِ).
فالأوَّلُ من الوجهينِ المذكورينِ، وهوَ أنْ يُذْكَرَ اللفظُ ويُرادُ بهِ
أحَدُ المعنَيَيْنِ، وبضميرِه معناهُ الآخَرُ، نحوَ قولِه تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }؛
فإنَّهُ سبحانَهُ أَرَادَ بالشهْرِ الهلالَ. ولعلَّ وجهَ هذه الإرادةِ
أنَّهُ لوْ أُريدَ بهِ الزمانُ المعلومُ لمْ يَتَرَتَّبْ عليهِ الأمْرُ
بالصومِ ؛ لأنَّ شهودَ الشهْرِ بتمامِه إنَّما يكونُ بعْدَ انقضائِه، ولا
معنًى لترتُّبِ وجوبِ الصوْمِ فيهِ بعدَ انقضائِه، وأرادَ بضميرِه العائدِ
إليهِ في ( فَلْيَصُمْهُ ) الزمانَ المعلومَ، وهوَ ظاهِرٌ جِدًّا؛ فقدْ
أُريدَ بلفظِ الشهْرِ معنًى، وأُرِيدَ بضميرِه معنًى آخَرُ، فهذا من
الوجْهِ الأوَّلِ .
والوجهُ الثاني، وهوَ أن يُذْكَرَ اللفظُ ويُرَادُ بهِ معنًى، وبأحدِ
ضَمِيرَيْهِ معنًى يُغايِرُه، وبضميرِه الآخَرِ معنًى يُغَايِرُهما،
كقولِه:
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ) قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (كذلك
من ضروب المحسنات المعنوية الاستخدام, والاستخدام هو: أن يستعمل المشترك
فيعاد الضمير على أحد معانيه، وأصله طلب الخدمة، يقال: استخدمه, أي:
استعمله في الخدمة، فكأنك استخدمت هذا الضمير فنقلته عن معناه الأصلي إلي
معنى آخر، لذلك قال: فسقى الغضا والساكنيه وإن هم ..... شبوه بين جوانحي وضلوعي الغضا شجر ناره بطيئة، بالخمود، واسم مكان أيضاً يسمى الغضا، فهو هنا يقصد المكان بقوله: (فسقى الغضا) أي: هذا المكان (والساكنيه) أي: الذين
يسكنونه. أي: سقاهم الله، (وإن هم شبوه) أي: الغضا الذي هو الشجر (بين
جوانحي وضلوعي) وذلك بما أكسبوه من الحزن، فكأن في قلبه ناراً تتأجج،
والعرب يعبرون عن الجوى القلبي والحزن بالنار في داخل القلب، ومن أبلغ ما
قيل في ذلك قول ابن جريج رحمة الله: قلب تقطع فاستحال نجيعاً ..... فجرى فسال مع الدموع دموعا رُدت إلى أحشائه زفراته ..... فقبضن منه جوانحا وضلوعا عجبا لنار أضرمت في صدره ..... فاستُنبطت من جفنه ينوبعا لهب يكون إذا توقد في الحشى ..... قيظا ويظهر في الجفون ربيعا هذا عجيب جداً، فيقول: إن من العجائب أن النار إذا
اتقدت في صدره خرج الماء من عينه، فالواقع أن هذا الحزن لهب، فإذا كان في
الداخل في الصدر, كان ناراً, وإذا كان في الخارج كان ماء، (لهب يكون إذا
توقد في الحشى قيظاً)، مثل القيظ الذي هو الحر الشديد, (ويظهر في الجفون
ربيعا) أي: مطراً, وهذا أيضاً فيه مقابلة بين القيظ الذي هو في الصيف، وبين
الربيع الذي هو في فصل الربيع، وقد عدَّل هذا المعنى أحد الشعراء عندنا
بقوله: كأن عيني وقلبي بعدكم طرفا ..... غصن من البانة الخضراء(غير مسموع) يسيل جانبه ماء إذا اشتعلت ..... نار مؤججة في الجانب الثاني الغصن الأخضر إذا أوقدت النار في جانبه خرج الماء من جانبه الآخر، فهو يقول: كأن عيني وقلبي بعدكم طرفا ..... غصن من البانة الخضراء(غير مسموع) أي: أخضر مرتوٍ يسيل جانبه ماء إذا اشتعلت ..... نار مؤججة في الجانب الثاني. فالماء يسيل من العين ..... إذا اشتعلت النار في القلب يسيل جانبه ماء إذا اشتعلت ..... نار مؤججة في الجانب الثاني . فسقى الغضا والساكنيه وإن هم ..... شبوه بين جوانحي وضلوعي. فقال:
الغضا شجر بالبادية، لا الغضا المقصود به هنا مكان معروف، وضمير الساكنيه
يعود إليه، إلى ذلك المكان، بمعنى مكانه المقصود أي: المكان، وضمير شبوه،
أي: إلى حطب الغضاء, أوقدوه، بمعنى ناره (بين جوانحي وضلوعي).
هو ذكر اللفظ بمعنى، اللفظ المقصود به هنا المشترك
(واللفظ) أي: المشترك، بمعنى, وإعادة ضمير عليه بمعنى آخر, أو إعادة ضميرين
تريد بثانيهما غير ما أردته بأولهما، فمن الأول قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} فالشهر يطلق على الهلال, ويطلق على ثلاثين يوماً من الزمن، على قطعة الزمن المعروفة, فاستعمل هنا الشهر للهلال: {من شهد منكم الشهر} للهلال {فليصمه}
أي: للقطعة الزمنية, لا للهلال نفسه، أراد بالشهر الهلال في المرة الأولى,
وبالضمير، وبضميره الزمان المعلوم, الذي هو قطعة الزمان التي تسمى شهراً.
والنوع الثاني قول الشاعر:
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الدرس الثاني والعشرون:
قال المؤلفون – رحمهم الله تعالى -: (عاشراً الاستخدام هو ذكر اللفظ
بمعنىً وإعادة ضمير عليه بمعنى آخر أو إعادة ضميرين تريد بثانيهما غير ما
أردته بأولهما.
فالأول نحو قوله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } (أراد بالشهر الهلال وبضميره الزمان المعلوم).
والثاني كقوله:
فسـقـى الغــضـا والسـاكـــنيـه وإن هم شبوه بين جوانحي وضلوعي
الغضا: شجر بالبادية، وضمير ساكنيه يعود إليه بمعنى مكانه وضمير شبوه يعود إليه بمعنى ناره).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الاستخدام لون نادر الوقوع والشواهد التي يذكرها البلاغيون ليست كثيرة وإن كانت بعضها فيه خفاء ولا يظهر ولكن الغرض هو أن يذكر اللفظ بمعنى ويعود عليه ضميران يكون أحد هذين الضميرين يعود إلى معنى والضمير الثاني يعود إلى معنىً آخر.
وذكر المؤلفون قول الله عز وجل: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } هنا الشهر المراد به الهلال أو الزمان المعلوم.
(فليصمه) ليس المقصود به الهلال وإنما يراد بالزمان الشهر وهو شهر رمضان. وقول البحتري:
فسـقـى الغــضـا والسـاكـــنيـه وإن هم شبوه بين جوانحي وضلوعي
هنا الغضا والنار ( شبوه ) هذه تعود إلى الغضا وهـو الشجر المعروف لـه خاصية النار القوية. والضمير في ساكنيه يعود إليه بمعنى مكان الغضا وضمير (شبوه) يعود إليه بمعنى ناره، إذاً عندنا ضميران يعودان على لونين لكن لا الآية الكريمة الشاهد فيها واضح ولا البيت يكون أوضح من قول جرير:
إذا نــزل الســمـاء بأرض قــــوم رعيناه وإن كانوا غضاباً
هنا السماء لها معنيان المطر والنبات الضمير في (رعيناه) يعود إلى أحد هذين المعنيين وهو النبات لأن المطر لا يرعى وإنما يرعى ما يكون بعد ذلك. ومما يقال من الطرائف يحكى أن ابن الجوزي سئل في مجلس أيهما أفضل أبو بكر أم علي رضِي اللهُ عن صحابة الرسول صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فقال عبارة يقولون إن المجلس كان فيه سنة وفيه رافضة قال: (من كانت ابنته تحته) تحتمل أن المقصود أبو بكر رضِي اللهُ عَنْه؛ لأن بنت أبو بكر تحت الرسول صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم عائشة رضوان الله عليها.
وتحمل علي رضِي اللهُ عَنْه لأن بنت الرسول صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فاطمة تحت علي رضي الله عن الجميع وأرضاهم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
فهذا لون من الاستخدام الغرض منه الضمير تحويل الضمير يعني الكلمات ليست لها علاقة، العلاقة قضية الضمير والضمير كما هو معروف في العربية رمز لا يفسره إلا مرجعه الضمير هو الذي يفسره).
القارئ: (الحادي عشر: الاستطراد: هو أن يخرج المتكلم من الغرض الذي هو فيه إلى آخر لمناسبة ثم يرجع إلى تتميم الأول، كقول السموأل:
وإنــا أنـاس لا نــرى القــتـل ســبـة إذا ما رأته عامرٌ وسلول
يقــرب حــب الـمـوت آجـالـنا لــنـا وتكرهه آجالهم فتطول
وما مــات منـا ســيـد حــتـف أنـفـه ولا طُلَّ منا حيث كان قتيل
فسياق القصيدة للفخر واستطرد منه إلى هجاء عامر وسلول ثم عاد إليه).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا واضح في الأبيات الثلاثة أنه يتكلم عن أنفسهم فدائماً في غرض الفخر يظهر التكلم سواء كان ضمير التكلم المفرد أو ضمير التكلم الجمعي (نحن) وهنا (وإنا أناس لا نرى القتل سبة إذا ما رأته) طبعاً هو يمدح في الشطر الأول نفسه وقومه ولكن هنا: (إذا ما رأته عامر وسلول) هنا يعرض بعامر وسلول بأنها ترى القتل سبة؛ ولذلك فهي تخشاه ولا تفعله هذا لون من التعريض بهؤلاء.
(يقــرب حــب الـمـوت آجـالـنا لــنـا وتكرهه آجالهم فـ...)
هنا مقابلة بين تقريب الموت لآجالهم لهم، وكراهة عامر وسلول الموت فتطول آجالهم.
ثم عاد مرة ثانية ليمدح ويفخر بنفسه وقومه:
(وما مــات منـا ســيـد حــتـف أنـفـه ولا طلّ منا حيث كان قتيل)
هنا عاد مرة وهذا الاستطراد معروف عند الأدباء والبلاغيين لأنه الخروج من المعنى الذي كان يتحدث للمتكلم إلى معنى آخر يستدعيه لابد أن تكون هناك مناسبة بين الموضوع الذي خرج إليه والموضوع المتحدث فيه ثم يعود مرة ثانية؛ لأن بعض البلاغيين يجعل المتكلم أحياناً إذا خرج ولم يعد يسميه الخروج ولا يسميه الاستطراد.
فالاستطراد أن يتوسط كلام ذكر عرضاً لمناسبة بين كلامين متصلين في معنىً معين).
القارئ: (الثاني عشـر: الافتتان: هو الجمع بين فنين مختلفين كالغزل والحماسة والمدح والهجاء والتعزية والتهنئة كقول عبد الله بن همام السلولي حين دخل على يزيد وقد مات أبوه معاوية وخلفه هو في الملك:
(أجـارك الله على الرزية، وبارك لك في العطية، وأعانك على الرعية فقد رزئت عظيماً، وأعطيت جسيماً، فاشكر الله على ما أعطيت، وأصبر على ما رزئت، فقد فقدت الخليفة، وأعطيت الخلافة، ففارقت خليلاً ووهبت جليلاً).
اصـبــر يــزيـدُ فقـد فـارقـت ذا ثـقـةٍ واشكر حـبـاءَ الذي بالملك أصفاك
لا [ غير واضح ] فـي الأقـــوام نـعـلـمـه كما رزئت ولا عقبى كعقباك).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الافتتان هذه كلمة تدل على البراعة والقدرة، المتكلم يجمع بين معانٍ لا يستطيع كل أحد أن يجمع بينها نتيجة تقابل في التعزية والتهنئة.
التهنـئة في مناسبة ليست بسعيدة، والتهنئة بمناسبة سعيدة فكيف يستطيع المتكلم أن يجمع بين هذين الأمرين فهذا يسمونه من الافتتان. وكلمة الافتتان كلمة عامة لكن بعضهم يجعل الإدماج هنا يعني ما ذكرناه قبل قليل في الإدماج هو الجمع بين معنيين ليس شرطاً أن يكونا متقابلين، كما جمع عبد الله بن همام السلولي حين دخل على يزيد في وفاة معاوية رضِي اللهُ عَن الجميع، فهو سيعزي في معاوية، وسيهنئ يزيد بالولاية فذلك جمع بين أمرين متقابلين حين قال: أجارك الله على الرزية، وبارك لك في العطية (هذه الأولى تعزية والثانية تهنئة).
(وأعانك على الرعية، فقد رزئت عظيماً، وأعطيت جسيماً، فاشكر الله على ما أعطيت واصبر على ما رزئت، فقد فقدت الخليفة، وأعطيت الخلافة) أيضاً هذا فيه تجنيس كما سنعرف، الخليفة والخلافة.
(ففارقت خليلاً ووهبت جليلاً) أيضاً خليلاً وجليلاً فيها جناس كما سنعرف إن شاء الله تعالى.
ومنه ما مر قبل قليل الغزل مع الفخر بالنفس في البيتين اللذين أشرت إليهما آنفاً).
الكشاف التحليلي عناصر الدرس:
· الاستخدام:
§ الاستخدام لغة استفعال من الخدمة
§ تعريفه: هو ذكْرُ اللفظِ بمعنًى وإعادةُ ضميرٍ عليه بمعنًى آخرَ أو إعادةُ ضميرين تُريدُ بثانِيهما غيرَ ما أردتَه بأوَّلِهما
§ شرح التعريف
° مثال: ما يُرادَ باللفظِ : أحدُ المعنيين أو المعاني, ويُرادَ بالضميرِ معناه الآخَرُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
° مثال: ما يُراد بأحدِ ضميريه أو
ضمائرِه أحدُ معنيين أو معانيه وبضميرِه الآخَرِ معناه الآخَرُ: فسقى الغضا
والساكنيه وإن همُ * شبوه بين جوانحي وضلوعي
° تنبيه: ظاهرُ كلامِ الكتابِ أنَّ الاستخدامَ قاصرٌ على الضميرِ وليس كذلك, بل يكونُ أيضًا باسمِ الإشارةِ وبالتمييزِ
- مثال اسم الإشارة: رأَى العَقيقَ فأَجْرَى ذاك ناظِرَهُ * مُتَيَّمٌ لَجَّ في الأشواقِ خاطِرُهُ
- مثال التمييز: حَكَى الغزالُ طلْعةً ولَفْتةْ * مَن ذا رآه مُقْبِلاً ولا افْتُتِنْ
§ في معنى الخدمة اصطلاحاً طريقتان:
° الأولى: لصاحبِ الإيضاحِ ومَن تَبِعَهُ، ومَشَى عليها كثيرٌ من الناسِ منهم المصنِّفُ، حيثُ قال: هو ذكْرُ اللفظِ إلخ.
° الثانيةُ : للشيخِ بدرِ الدينِ بنِ
مالكٍ رحِمَهُ اللَّهُ تعالى في المِصباحِ، وتَبِعَه جماعةٌ: وهي أنَّ
الاستخدامَ : إطلاقُ لفظٍ مشتَرَكٍ بينَ معنيَيْنِ، ثمَّ الإتيانُ بلفظيْنِ
قبلَه أو بعدَه، أو أحدُهما قبلَه والآخَرُ بعدَه، كلٌّ منهما قرينةٌ
تَستخدِمُ معنًى من معنى تلكَ اللفظةِ المشتَرَكَةِ.
- الطريقتانِ راجعتانِ إلى مقصودٍ واحدٍ: وهو استعمالُ المعنييْنِ بضميرٍ وغيرِ ضميرٍ،
- من شواهد الاستخدام على طريقة ابن مالك ومن تَبِعَهُ قولُه تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}
- مثال الاستخدام لمن اشترط في لفظ الاستخدام أن يكون اشتراكاً
أصليا. وللغزالةِ شيءٌ من تلفُّتِه * ونورُها من ضِيا خدَّيْه
مُكتَسَبُ
· الاستطراد:
§ معنى الاستطراد:أنْ
يَخْرُجَ المتكلِّمُ من الغرَضِ الذي هوَ فيهِ كغَزَلٍ أوْ فَخْرٍ أوْ
وَعْظٍ أوْ غيرِها إلى غَرَضٍ آخَرَ لمناسَبَةٍ بينَ الغرضينِ، وجهةٍ
جامعةٍ مقبولةٍ بينَهما، ثمَّ يَرْجِعُ إلى تَتْمِيمِ الغرَضِ الأوَّلِ
° مثاله: وإنا أناس لا نرى القتل سبة * إذا ما رأته عامر وسلولُ
· الافتنان:
§ تعريفه: هو الجمع بين نوعين مختلفين من المعاني، كالغزل والحماسة
° مثاله: اصْبِرْ يزيدُ فقدْ فارَقْتَ ذا ثِقـَةٍ واشكُرْ حُبَاءَ الذي بالْمُلْكِ أَصْفَاكَا