2: الجناس
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (2- الْجِنَاسُ: هوَ تشابُهُ اللفظينِ في النطْقِ، لا في المعنى. ويكونُ تامًّا وغيرَ تامٍّ.
فالتَّامُّ: ما اتَّفَقَتْ حروفُه في الهيئةِ والنوعِ والعددِ والترتيبِ. وهوَ متماثِلٌ إنْ كانَ بينَ لفظينِ منْ نوعٍ واحدٍ، نحوُ:
لم نَلْقَ غيرَك إنسانًا يُلاذُ به .... فلا بَرِحْتَ لعينِ الدهْرِ إنسانًا
ومُسْتَوْفًى إنْ كانَ منْ نوعينِ، نحوُ:
فدَارِهِمْ ما دُمْتَ في دَارِهِمْ ..... وأرْضِهِمْ ما دُمتَ في أرْضِهِمْ
ومتشابِهٌ إنْ كانَ بينَ لفظينِ أحدُهما مرَكَّبٌ والآخَرُ مفْرَدٌ واتَّفَقَا في الخطِّ، نحوُ:
إذا مَلِكٌ لمْ يكُنْ ذا هِبَهْ ..... فدَعْهُ فدولَتُهُ ذاهِبَهْ
ومفروقٌ إنْ لمْ يَتَّفِقَا، نحوُ: كلُّكُم قدْ أَخَذَ الـ ..... ـجامَ ولا جَامَ لنا ما الذي ضَرَّ مُديرَ الـ ..... ـجامِ لوْ جَامَلَنَا وغيْرُ التامِّ: ما اخْتَلَفَ في واحدٍ من
الأربعةِ المتقدِّمةِ. وهوَ مُحَرَّفٌ إن اخْتَلَفَ لفظاهُ في هيئةِ
الحروفِ فقطْ، نحوُ قولِه: جُبَّةُ البُردِ جُنَّةُ البَرْدِ ومطرَّفٌ إن اخْتَلَفَا في عددِ الحروفِ فقطْ وكانت الزيادةُ أوَّلًا. ومذيَّلٌ إنْ كانت الزيادةُ آخِرًا، نحوُ: يَمُدُّونَ منْ أَيْدٍ عواصٍ عواصِمِ ..... تَصولُ بأسيافٍ قواضٍ قواضِبِ ومضارِعٌ إن اخْتَلَفا في حرفينِ غيرِ متَبَاعِدَي المخرَجِ، نحوُ: {يَنْهَوْنَ ويَنْئَوْنَ}. ولاحقٌ إنْ تَبَاعَدَا، نحوُ: {إِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لشَدِيدٌ}. وجناسُ قَلْبٍ إن اخْتَلَفَا في ترتيبِ الحروفِ فقطْ، كنيلٍ ولِينٍ، وَسَاقَ وَقَاسَ).
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): ( (محسِّناتٌ لفظيَّةٌ) لم نَلْقَ غيرَكَ(6) إنسانًا يُلاذُ به .... فلا بَرَحْتَ لِعَيْنِ الدهْرِ إنْسَانَا ونحوُ: فدَارِهِمْ(7) ما دُمْتَ في دارِهم .... وأَرْضِهِمْ ما دُمْتَ في أرضِهِم وغيرُ التامِّ، نحوُ: يَمُدُّونَ من أيدٍ(8) عواصٍ عواصِم ..... تَصُولُ بأسيافٍ قَوَاضٍ قواضِبِ ______________________ قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ((1) قولُه: (الجناسُ هو تشابُهُ إلخ)،
قالَ الشيخُ محمَّدُ بنُ بَنِيسَ في شرحِ الهمزيَّةِ: وفائدتُه أنَّ
مماثَلَةَ الألفاظِ تُفِيدُ مَيْلاً وإصغاءً إليها اهـ. أي: النوعُ
المسمَّى بالجِناسِ، بكسْرِ الجيمِ مصدَرُ جانَسَ كقاتَلَ قتالاً
ومقاتَلَةً. قالَ في الخُلاصةِ: * لفَاعلَ الفعالَ والمُفاعلةَ *
والمجانَسةُ مفاعلةٌ من الجِنسِ؛ لأنَّ إحدى الكلمتيْنِ إذا شابَهَت
الأُخرى في النطْقِ وَقَعَ بينَهما مفاعلَةُ الجنسيَّةِ، وقيلَ التجانُسُ
التفاعُلُ من الجنْسِ أيضًا؛ لأنَّه مصدَرُ تَجَانَسَ الشيئانِ إذا دَخَلا
في جِنْسٍ واحدٍ. والجِناسُ لمَّا انْقَسَمَ خمسةَ أقسامٍ، وذلكَ أنَّ
اللفظيْنِ إن اتَّفَقا في كلِّ شيءٍ من أنواعِ الحروفِ وأعدادِها وهيآتِها
وترتيبِها فهو التامُّ، وإن اختَلَفا في الهيئةِ فقطْ فهو المحرَّفُ، وإن
اختلَفَا في زيادةِ بعضِ الحروفِ فهو الناقصُ، وإن اختلَفَا في نوعٍ من
الحروفِ فهو ما يَشْمَلُ المضارِعَ واللاحِقَ، وإن اختلَفَا في ترتيبِ
الحروفِ فهو المقلوبُ، وكان في كلٍّ منها تفصيلٌ يأتي، تَنْزِلُ منزِلَةَ
الجنْسِ الذي يَصْدُقُ على كلِّ واحدٍ من أنواعِه، وهو نوعٌ متوسِّطٌ
بالنِّسبةِ إلى ما فوقَه من أنواعِ البديعِ كالتوريةِ والاستخدامِ
والاستعارةِ والتشبيهِ؛ فلِذَا قالَ علاَّمَةُ عصرِه الشهابُ محمودٌ:
إنَّما يَحسُنُ الجِناسُ إذا قلَّ وأتى في الكلامِ عفوًا من غيرِ كَدٍّ ولا
استكراهٍ ولا بُعدٍ ولا مَيْلٍ إلى جانبِ الرِّكَّةِ ا.هـ. وقالَ الشيخُ
عمرُ بنُ الورديِّ: إذا أَحبَبْتَ نظْمَ الشعْرِ فاخْتَرْ .... لنفسِكَ كلَّ سهْلٍ ذي امتناعِ ولا تَقْصِدْ مجانَسَةً ومَكِّنْ .... قوافِيَهُ وَكِلْهُ إلى الطِّـبـاعِ وقالَ الأسعدُ بنُ مُمَاتَى أيضًا: طبْعُ المجَنِّسِ فيهِ نوعُ قيادةٍ .... أَوَمَا تَرَى تأليفَه للأحرُفِ وقولُه: (تشابُه اللفظيْنِ في النطْقِ)، أي: بهما؛ لكونِ المسموعِ فيهما من الحروفِ مُتَّحِدَ الجنسيَّةِ كُلاّ أو جُلاّ. وقولُه: (لا في المعنى)،
بل اختلافُ المعنى شرطٌ فيه كما دلَّتْ عليهِ الأمثلةُ، فكأنَّه يقولُ: هو
أنْ لا يَشتَبِهَ اللفظانُ إلاَّ في النطْقِ، فيَخْرُجُ ما إذا اشتَبَها
في المعنى فقطْ، نحوُ: الأسدُ والسبْعُ، فإنَّهما اشتَبَها في المعنى دونَ
النطْقِ، بمعنى أنَّ المعنى في هذا هو المعنى في ذاكَ، كما يَخرُجُ
التشابُه في مُجرَّدِ العدَدِ مع اختلافِ الوزْنِ، كضُرِبَ مبنيًّا
للمفعولِ، وعَلِمَ مبنيًّا للفاعلِ، والتشابُه في الوزنِ والعددِ دونَ
النطْقِ كضَرَبَ وقَتَلَ مبنيَّيْنِ للفاعلِ. (2) قولُه: (ما اتَّفَقتْ حروفُه في الهيئةِ إلخ)،
فإنْ كانَ اللفظانِ المتَّفقانِ في جميعِ ما ذُكِرَ من نوعٍ واحدٍ من
أنواعِ الكلمةِ كاسميْنِ أو فعليْنِ أو حرفيْنِ سُمِّيَ مماثِلاً جَرْيًا
على اصطلاحِ المتكلِّمينَ من أنَّ التماثُلَ هو الاتِّحادُ في النوعِ.
فالذي بينَ الفعليْنِ نحوُ: لمَّا قالَ لديْهِم قالَ لهم: عَزَّ من قَنَعَ،
ذَلَّ من طَمَعَ. فقالَ الأوَّلُ: من القيلولةِ، وقالَ الثاني: من
القَوْلِ. والذي بينَ الحرفيْنِ نحوُ: قد يَجودُ الكريمُ، وقد يَعْثُرُ
الجوادُ. فَقَد الأُولى للتكثيرِ، وقد الثانيةُ للتقليلِ. والذي بينَ
الاسميْنِ، إمَّا في جمعيْنِ كقولِه: حُدُقُ الآجالِ آجالُ .... والهَوَى للمرءِ قَتَّالُ فالآجالُ الأوَّلُ جمْعُ أجَلٍ بكسْرِ الهمزةِ، وهو القطيعُ من بقَرِ
الوحشِ، والثاني جمْعُ أجَلٍ بفتحِها وهو أمَدُ العُمْرِ. وإمَّا في
مُفْرَدٍ وجمْعٍ كقولِه: وذي ذِمامٍ وَفَتْ للعهدِ ذِمَّتُه .... ولا ذِمامَ له في مذْهَبِ العرَبِ فالذِّمامُ الأوَّلُ مفرَدٌ بمعنى العهْدِ، والثاني جمْعُ ذِمَّةٍ وهي البئرُ القليلةُ الماءِ. وإمَّا في مفرَدَيْنِ نحوُ: • لم نَلْقَ غيرَك إنسانًا يُلاذُ به ...
البيتَ. وإنْ كانا من نوعيْنِ اسمٍ وفعْلٍ، أو اسمٍ وحرفٍ، أو فعْلٍ
وحرفٍ، سُمِّيَ مستوفًى؛ لاستيفاءِ كلٍّ من اللفظيْنِ أوصافَ الآخَرِ وإن
اختَلَفَا في النوعِ. فالذي بينَ اسمٍ وفعلٍ نحوُ: فَدَارِهِم ما دُمْتَ في
دَارِهِمْ البيتَ. والذي بينَ اسمٍ وحرفٍ نحوُ: رُبَّ رَجُلٍ شَرِبَ رُبَّ
رَجُلٍ آخَرَ، فرُبَّ الأُولى حرفُ جرٍّ، والثانيةُ اسمٌ للعصيرِ
المعلومِ. والذي بينَ حرفٍ وفعْلٍ نحوُ: عَلا زيدٌ على جميعِ أهلِه، أي:
ارتفَعَ عليهم، فعَلاَ الأُولى فعْلٌ، والثانيةُ حرفٌ. وأيضًا إن كانَ أحدُ
لَفْظَيْهِ مركَّبًا والآخرُ مُفْرَدًا ولو تَنزيلاً سُمِّيَ جناسَ
التركيبِ، وهو نوعانِ: متشابِهٌ إن اتَّفَقَ اللفظانِ المفرَدُ والمركَّبُ
في الخطِّ كقولِه: إذا مَلِكٌ لم يكُنْ ذا هِبَةْ ..... فدَعْهُ فدَوْلَتُهُ ذَاهِبَةْ فمعنى ذا هبةٍ الأُولى صاحبُ هِبَةٍ وعطاءٍ، والثاني غيرُ باقيةٍ اسمُ
فاعلِ المؤنَّثِ من ذَهَبَ. وكتابتُهما متَّفِقَةٌ في الصورةِ. ومفروقٌ إنْ
لم يَتَّفِقَا في الخطِّ، وكان المركَّبُ منهما مركَّبًا من كلمتيْنِ
كقولِه: كلُّكم قد أَخَذَ الجا .... مَّ ولا جامَّ لنا ما الذي ضرَّ مديرَ الجا .... مِّ لو جامَلَنا أي عامَلَنا بالجَميلِ، فجامَّ لنا الأوَّلُ مركَّبٌ من اسمِ لا وخبَرِها
وهو الجارُّ والمجرورُ، والثاني مركَّبٌ من فعْلٍ ومفعولٍ، لكنْ عدُّوا
الضميرَ المنصوبَ المتَّصِلَ بمنزِلةِ جُزْءِ الكلمةِ، فصارَ المجموعُ في
حكْمِ المفرَدِ. ومَرْفُوٌّ إن لم يَتَّفِقَا خطًّا، والمركَّبُ منهما
مركَّبٌ من كلمةٍ وبعضِ كلمةٍ أُخْرَى، كقولِكَ: أهذا مُصابٌ أمْ طَعْمُ
صابٍ. فالمُصابُ مفرَدٌ وهو قَصَبُ السكَّرِ، والصابُ جمعُ صابَةٍ وهو
شجَرٌ مُرٌّ، وهو مركَّبٌ من صابٍ والميمِ في طَعْمُ، ولم يَتَّفِقَا
خطًّا. قالَ ابنُ يعقوبَ: ووجْهُ حُسْنِ الجِناسِ التامِّ مُطلَقًا أنَّ
صورتَه صورةُ الإعادةِ، وهو في الحقيقةِ للإفادةِ. قولُه: (في الهيئةِ)،
هيئةِ الحروفِ، وهي كيفيَّةٌ حاصلةٌ لها باعتبارِ حركتِها وسكناتِها،
سواءٌ اتَّفَقتْ أنواعُ الحروفِ أو اختلَفَتْ. وأمَّا هيئةُ الكلمةِ فهي
كيفيَّةٌ حاصلةٌ لها باعتبارِ حركاتِ الحروفِ وسكناتِها وتقديمِ بعضِها على
بعضٍ، ولا يُعتَبَرُ في هيئةِ الكلمةِ حركةُ الحرفِ الأخيرِ ولا سكونُه؛
لأنَّ الحرفَ الأخيرَ عُرْضَةٌ للتغيُّرِ، إذْ هو محلُّ الإعرابِ والوقْفِ،
فلا يُشتَرَطُ اتِّفاقُ الكلمتيْنِ في هيئتِه. وخَرَجَ باتِّفاقِهما في
هيئةِ الحروفِ الجِناسُ المحرَّفُ، وهو ما اختَلَفَ رُكْنَاهُ في هيْئَاتِ
الحروفِ، واتَّفَقا في النوعِ والعدَدِ والترتيبِ لانحرافِ إحدى الهيئتيْنِ
عن الهيئةِ الأُخرى، والحرْفُ المشدَّدُ في بابِ التجنيسِ في حكْمِ
المخفَّفِ، والاختلافُ المذكورُ قد يكونُ بينَ حركتيْنِ كقولِهم: جُبَّةُ
البُرْدِ جُنَّةُ البَرْدِ، فبيْنَ البُردِ بالضمِّ والفتْحِ جِناسٌ
محرَّفٌ. وقد يكونُ بينَ سكونٍ وحركةٍ نحوُ: الجاهلُ إمَّا مُفْرِطٌ أو
مُفَرِّطٌ، ففاءُ مفْرِطٍ الأُولى ساكنٌ، والثاني مفتوحٌ. وقدْ يكونُ بينَ
حركتيْنِ وحركةٍ وسكونٍ معًا، كقولِهم: البِدعةُ شَرْكُ الشِّرْكِ، فشينُ
الأَوَّلِ مفتوحٌ والثاني مكسورٌ، وراءُ الأوَّلِ مفتوحٌ والثاني ساكنٌ. (3) قولُه: (والنوعِ)، المرادُ بالنوعِ هنا
النوعُ اللغويُّ، ولا يُشترَطُ فيه وجودُ أصنافٍ تحتَهُ، أو يُقالُ: إنَّ
كلاّ من الحروفِ التسعةِ والعشرينَ نوعٌ يَرْأَسُهُ تحتَه أصنافٌ، إذ
الألِفُ إمَّا مقلوبةٌ عن واوٍ أو عن ياءٍ، أو أصليَّةٌ. والباءُ إمَّا
مدغَمَةٌ أو لا، مشدَّدةٌ أو لا، وعلى هذا القياسُ. وخرَجَ باتِّفاقِهما في
نوعِ الحروفِ اختلافُهما في حرفٍ واحدٍ لا أكثرَ من حرفٍ، وإلاَّ لمْ
يكُنْ من التجنيسِ في شيءٍ؛ لبُعْدِ ما بينَهما حينئذٍ عن التشابُهِ
الجناسيِّ كلفْظَيْ نَصَرَ ونَكَلَ. والجناسُ الذي اخْتَلَفَ رُكناهُ في
حرفٍ واحدٍ مُضارِعٌ، إن كانَ الحرفانِ المختلِفانِ فيهِ متقارِبَيْنِ في
المخرَجِ سواءٌ كانا في الأوَّلِ نحوُ: بيني وبيْنَكَ ليلٌ دامسٌ وطريقٌ
طِامِسٌ، فإنَّ دالَ دامِسٍ وطاءَ طامِسٍ حرفانِ متباينانِ إلاَّ أنَّهما
متقاربانِ في المَخرَجِ؛ لأنَّهما من اللسانِ مع أصلِ الأسنانِ، وهما في
أوَّلِ اللفظيْنِ. أو كانا في الوسَطِ نحوُ: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ويَنْأَوْنَ عَنْهُ}،
فإنَّ همزةَ يَنْأَوْنَ وهاءَ يَنْهَوْنَ حرفانِ متباينانِ، إلاَّ أنَّهما
متقاربانِ في المخرَجِ إذْ هما حلقيَّانِ، وهما وسَطُ اللفظيْنِ. أو كانا
في الآخِرِ نحوُ قولِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: "الْخَيْلُ
مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، فإنَّ لامَ
الخيلِ وراءَ الخيرِ حرفانِ متباينانِ، إلاَّ أنَّهما متقاربانِ في
المَخرَجِ؛ لأنَّهما من الحنَكِ واللسانِ، وهما في آخِرِ اللفظيْنِ. ولا
حقَّ إنْ لم يكُن الحرفانِ متقارِبَيْنِ في المَخْرَج بلْ كانا
متباعِدَيْنِ فيه سواءٌ كانا في الأوَّلِ نحوُ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}،
فإنَّ هاءَ هُمَزَةٍ ولامَ لُمَزَةٍ متباينانِ ومتباعدانِ في المخرَجِ؛
لأنَّ الهاءَ من أقصى الحلْقِ، واللامَ من طرَفِ اللسانِ، وهما في أوَّلِ
اللفظيْنِ. أو كانا في الوسَطِ نحوُ قولِه تعالى: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}،
فإنَّ هاءَ شهيدٍ ودالَ شديدٍ الأُولى متباينانِ ومتباعدانِ مَخرَجًا؛ إذ
الأُولى من الحلقِّ، والثانيةُ من اللسانِ مع أصولِ الأسنانِ، وهما وسَطُ
اللفظيْنِ. أو كانا في الآخَرِ كقولِ البُحتُريِّ: هل لما فاتَ من تلاقٍ تلافٍ ..... أم لشاكٍ من الصبابةِ شافِي فإنَّ قافَ تلاقٍ وفاءَ تلافٍ متباينانِ ومتباعدانِ مَخرجًا؛ إذ الأُولى من
الحلْقِ، والثانيةُ من الشَّفتيْنِ، وهما في آخِرِ اللفظينِ. (4) قولُه: (والعددِ)، خرَجَ به الجِناسُ
الناقصُ، وهو ما اختَلَفَ رُكْنَاهُ في أعدادِ الحروفِ، بأنْ يكونَ في أحدِ
اللفظيْنِ حرفٌ زائدٌ أو أكثرُ على حروفِ اللفظِ الآخرِ، إذا سقَطَ حصَلَ
الجناسُ التامُّ، والحرفُ الزائدُ في أحدِهما إمَّا الأوَّلُ نحوُ: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}
بزيادةِ الميمِ. وأمَّا الوسَطُ نحوُ: جَدِّي جَهْدِي، بزيادةِ الهاءِ.
وأمَّا الآخِرُ كعواصٍ وعواصِمِ في البيتِ الآتي في الكتابِ بزيادةِ
الميمِ. وربَّما سُمِّيَ هذا القسمُ مطرَّفًا؛ لتطرُّفِ الزيادةِ فيه، أي
لكونِها في الطرَفِ. وزيادةُ أكثرِ من حرفٍ لم يَذْكُروا منهُ إلاَّ ما
كانَ آخِرًا، كقولِ الخنساءِ: إنَّ البُكاءَ هو الشِّفا ..... ءُ من الْجَوى بينَ الجوانِحِ فَزِيدَ في الجوانحِ بعدَ ما يُماثِلُ الجَوى منهُ النونُ والحاءُ. وربَّما
سُمِّيَ هذا النوعُ مُذَيَّلاً؛ لأنَّ الزيادةَ كانتْ في آخِرِه كالذيْلِ. (5) قولُه: (والترتيبِ)، أي: تقديمِ بعضِ
الحروفِ على بعضٍ، وتأخيرِ الأُخَرِ عن البعضِ الأوَّلِ. فتبَيَّنَ من
كلامِ المصنِّفِ أنَّ شرْطَ الجِناسِ التامِّ أربعةٌ: الاتِّفاقُ في أنواعِ
الحروفِ، والاتِّفاقُ في أعدادِها، والاتِّفاقُ في هيئتِها، والاتِّفاقُ
في ترتيبِها. وبهذا يَخْرُجُ الجِناسُ المقلوبُ، وهو ما اتَّفَقَ رُكْنَاهُ
نوعًا وعددًا وهيئةً لا ترتيبًا، بل قُدِّمَ في أحدِهما بعضُ الحروفِ
وأُخِّرَ في الآخَرِ، وهو ضربانِ؛ لأنَّه إنْ وَقَعَ الحرفُ الأخيرُ من
الكلمةِ الأُولى أوَّلَ الثانيةِ والذي قبلَه ثانيًا، وهكذا على الترتيبِ،
سُمِّيَ قلْبَ الكلِّ، نحوُ: حُسامُه فَتْحٌ لأوليائِه حَتْفٌ لأعدائِه.
وإلاَّ سُمِّيَ قلبَ البعضِ نحوُ: اللَّهمَّ استُرْ عَوْراتِنا وآمِنْ
رَوْعاتِنا. وإذا وَقَعَ أحدُ المتجانِسَيْنِ قَلْبًا في أوَّلِ البيتِ،
واللفظُ الآخَرُ في آخرِهِ، سُمِّيَ مَقلوبًا مُجَنَّحًا؛ لأنَّ اللفظيْنِ
بمنزلةِ جَنَاحَي البيتِ، كقولِه: لاحَ أنوارُ الهُدى من .... كفِّه في كلِّ حالِ كما أنَّه إذا وَلِيَ أحدُ المتجانِسَيْنِ بأيِّ تجانُسٍ المتجانِسَ
الآخَرَ سُمِّيَ الجِناسُ مزْدَوَجًا ومُكرَّرًا ومُردَّدًا، نحوُ: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ}،
ونحوُ: تقومُ الساعةُ في ساعةٍ، ونحوُ: هذهِ لكَ جُبَّةٌ وجُنَّةٌ من
البُرْدِ للبَرْدِ، ونحوُ: جَدِّي جَهْدِي، ونحوُ: هذا السيفُ للأعداءِ
والأولياءِ حتْفٌ وفَتْحٌ. (6) قولُه: (لم نَلْقَ غيرَكَ إلخ)، البيتُ
للمعرِّيِّ، والشاهدُ فيه الجمْعُ بينَ إنسانٍ بمعنى الحيوانِ الناطقِ
وبمعنى إنسانِ العينِ، وقد اتَّفَقا هيئةً ونوعًا وعددًا وترتيبًا، وهما من
نوعِ الاسْمِ. (7) قولُه: (فدَارِهِمْ إلخ)، الشاهدُ فيه
الجمْعُ بينَ دَارِهِمْ الأوَّلِ، وهو فعْلُ أمْرٍ من المُداراةِ، ودارِهِم
الثاني هو اسمٌ لمَحَلٍّ لمَثْوَى، وبينَ أَرْضِهِمْ الأوَّلِ وهو فعْلُ
أمْرٍ من الإرضاءِ، وأَرْضِهِمْ الثاني وهو اسمٌ لموضِعِ الاستيطانِ، وقد
اتَّفَقا فيهما هيئةً ونوعًا وعددًا وترتيبًا، فافْهَمْ. قولُه: (وغيرُ التامِّ)،
دخَلَ فيهِ ما يَشْمَلُ المضارِعَ واللاحِقَ، وكذا الجناسَ المحرَّفَ
والمقلوبَ والناقصَ، إلاَّ أنَّه لم يُمَثِّلْ إلاَّ للناقِصِ، والمِثالُ
لا يُخَصِّصُ. (8) قولُه: (يَمُدُّونَ من أَيْدٍ)، البيتُ
لأبي تمَّامٍ، والشاهِدُ في الجمْعِ بينَ عواصٍ وعواصمِ بزيادةِ الميمِ،
ولا اعتبارَ بالتنوينِ في عواصٍ؛ لأنَّه في حُكْمِ الانفصالِ أو بصدَدِ
الزوالِ بسببِ الوقْفِ أو الإضافةِ، وفي الجمْعِ أيضًا بينَ قواضٍ وقواضِبِ
بزيادةِ الباءِ، والمعنى يَمُدُّونَ للضرْبِ يومَ الحرْبِ أيديًا أو
سواعدَ من أيدٍ عواصٍ، أي ضارباتٍ للأعداءِ بالعصا، يعني السيفَ؛ بدليلِ ما
بعدَه عواصمِ أي حامياتٍ وحافظاتٍ للأولياءِ من كلِّ مهْلَكَةٍ ومَذلَّةٍ،
تَصُولُ على الأعداءِ بسيوفٍ قواضٍ بمعنى قواتِلٍ من قَضَى عليه قَتَلَه،
قَواضِبِ أي قواطعِ لكلِّ مضروبٍ بها من الأعداءِ).
13- الجِناسُ: هو تشابُه(1) اللفظَيْنِ في النُّطْقِ لا في المعنى،
ويكونُ تامًّا وغيرَ تامٍّ. (فالتامُّ) ما اتَّفَقَتْ حروفُه في
الهَيْئَةِ(2) والنوعِ(3) والعدَدِ(4) والترتيبِ(5)، نحوُ:
دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (الْجِنَاسُ: هوَ تشابُهُ اللفظينِ في النطْقِ، لا في المعنى. ويكونُ تامًّا وغيرَ تامٍّ. لم نَلْقَ غيرَك إنسانًا يُلاذُ به .... فلا بَرِحْتَ لعينِ الدهْرِ إنسانًا ونحوُ: فدَارِهِمْ ما دُمْتَ في دَارِهِمْ ..... وأرْضِهِمْ ما دُمتَ في أرْضِهِمْ وغيرُ التامِّ نَحْوَ: يَمُدُّونَ منْ أَيْدٍ عواصٍ عواصِمِ ..... تَصولُ بأسيافٍ قواضٍ قواضِبِ).
فالتَّامُّ: ما اتَّفَقَتْ حروفُه في الهيئة،ِ والنوع،ِ والعدد،ِ
والترتيبِ. وهوَ متماثِلٌ إنْ كانَ بينَ لفظينِ منْ نوعٍ واحدٍ، نحوُ:
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (الْمُحسنِّاتُ اللفْظيَّةُ(1) لم نلْقَ(18) غيرَكَ إنساناً(19)ً يُلاذُ به(20)...... فلا بَرِحْتَ لعَيْنِ الدهرِ إنساناً(21) و(22) نحوُ(23): فدَارِهِمْ ما دُمْتَ في دارِهم ..... وأَرْضِهِم ما دُمْتَ في أرضِهمْ(24) و(25) غيرُ التامِّ(26) نحوُ(27): يَمُدُّونَ(28) من أيدٍ عَوَاصٍ(29) عواصِمٍ (30)...... تَصولُ(31) بأسيافٍ قواضٍ(32) قَواضِبِ(33) ). ___________________ قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): ((1) المحسِّناتُ اللَّفظيَّةُ (2) (الجِناسُ) بكسْرِ الجيمِ. (3) (هو) أي: الجِناسُ اصطلاحاً (4) (تشابُهُ اللفظين في النُّطْقِ) بهما بأن يكونَ المسموعُ فيهما مُتَّحِدَ الجنسيَّةِ كُلاّ أو جُلاّ فلا يَكْفي التشابُهُ في فاءِ الكلمةِ أو عينِها أو لامِها. (5) (لا) تشابُهُهما. (6) (في المعنى) بل يَختلفان فيه, فخَرجَ ما
إذا تَشابَها في المعنى فقط كالأسدِ والسَّبُعِ للحيوانِ المفترِسِ أو
تشابَها في اللفظِ والمعنى معاً كالتأكيدِ اللفظيِّ نحوُ: قَدِمَ خالدٌ
قَدِمَ خالدٌ, أو تشابَها في مجرَّدِ العددِ كما في ضَرَبَ وعَلِمَ أو
تشابَها في مجرَّدِ الوزنِ كما في ضَرَبَ وقَتَلَ فلا جِناسَ بينَهما في
الكُلِّ. (7) (ويكونُ) أي: الجِناسُ. (8) (تامًّا وغيرَ تامٍّ) أي: ويَتنوَّعُ إلى هذين النوعين. (9) (فـ) الجِناسُ. (10) (التامُّ ما اتَّفقَتْ حروفُه) أي: حروفُ كلٍّ من اللفظين المتجانسين. (11) (في الهيئةِ) أي: في هيئتِها وهي كيفيَّةٌ
حاصلةٌ لها باعتبارِ حركاتِها وسَكَناتِها وبهذا القيْدِ خرَجَ نحوُ:
البَرْدِ والبُرْدِ بفتحِ الموحَّدةِ من أحدِهما وضمِّها من الآخَرِ
لاختلافِ الهيئةِ التي هي حركةُ الموحَّدَةِ. (12) (والنوعِ) أي: نوعِها وكلُّ حرفٍ من
الحروفِ الهِجائيَّةِ التسعةِ والعشرين نوعٌ برأسِه فالألِفُ نوعٌ والباءُ
نوعٌ وهكذا وبهذا خرَجَ نحوُ: يَفْرَحُ ويَمرَحُ لاختلافِهما في الميمِ
والفاءِ. (13) (و) في. (14) (العددِ) أي: عددِها بأن يكونَ مقدارُ
حروفِ أحدِ المتجانسين هو مقدارَ حروفِ الآخرِ وبه خرَجَ نحوُ: الساقِ
والْمَساقِ لأن الميمَ في الثانيةِ لا يُقابِلُها شيءٌ في الأُولى بل
مزيدةٌ فلم يَتَّفقْ عددُ الحروفِ فيهما. (15) (و) في. (16) (الترتيبِ) أي: ترتيبِها بأن يكونَ
المقدَّمُ والمؤخَّرُ في أحَدِ المتجانسين هو المقدَّمَ والمؤخَّرَ في
الآخرِ, وبه خرَجَ نحوُ: الفتْحِ والحَتْفِ. ثم إن كانا من نوعٍ واحدٍ من
أنواعِ الكلمةِ كاسمَيْن سُمِّيَ جِناساً مماثِلاً. (17) (نحوُ) قولِ الْمَعَرِّيِّ. (18) (لم نَلْقَ ) أي: نحن. (19) (غيرَك إنساناً) أي: شخصاً. (20) (يُلاذُ به) أي: يُلْتَجَأُ إليه. (21) (فلا برِحْتَ لعينِ الدهرِ إنساناً) المرادُ
بالإنسانِ هنا إنسانُ العينِ, وقد اتَّفَقَ مع الإنسانِ الأوَّلِ في
الهيئةِ والنوعِ والعددِ والترتيبِ وهما من نوعِ الاسمِ. (22) (و) إن كانا من نوعين كاسمٍ وفعْلٍ سُمِّيَ جِناساً مُسْتَوْفًى لاستيفاءِ كلٍّ من المتجانسين أوصافَ الآخَرِ وإن اختَلَفا في النوعِ. (23) (نحوُ) قولِ الشاعرِ: إذا رماك الدهرُ في معشَرٍ.... قد أجمَعَ الناسُ على بُغضِهمْ (24) (فدَارِهِم ما دمْتَ في دارِهم = وأَرضِهِمْ ما دمْتَ في أرضِهمْ) فجَمَعَ
بينَ دارِهم الأوَّلِ, وهو فعْلُ أمْرٍ, من الْمُداراةِ ودارِهم الثاني
وهو اسمٌ للمَحَلِّ والمَسْكَنِ وبينَ أرضِهم الأوَّلِ وهو فعْلُ أمْرٍ من
الإرضاءِ وأَرضِهم الثاني وهو اسمٌ لموضِعِ الاستيطانِ من الكُرَةِ
الأرضيَّةِ, وقد اتَّفَقَا فيهما هيئةً ونوعاً وعدداً وترتيباً وهما من
نوعَي الفعلِ والاسمِ. (25) (و) الجِناسُ. (26) (غيرُ التامِّ) هو ما اختَلَفَ فيه اللفظان
في واحدٍ من الأمورِ الأربعةِ المتقدِّمةِ, ثم إن كان اختلافُهما في هيآتِ
الحروفِ فقط سُمِّيَ جِناساً مُحَرَّفاً كقولِهم: جُبَّةُ البُرْدِ جَنَّةُ
البُردِ أو في أعدادِها سُمِّى جِناساً ناقصاً. (27) (نحوُ) قولِ أبي تمَّامٍ. (28) (يَمُدُّون ) سَواعدَ كائنةً. (29) (من أَيْدٍ عَوَاصٍ) جمْعُ عاصيَةٍ من ضَرَبَه بالعصا, والمرادُ بالعصا هنا السيفُ بدليلِ ما بعدَه, أي: ضارباتٍ بالسيفِ للأعداءِ. (30) (عَواصمٍ) جمْعُ عاصِمةٍ من عَصَمَه إذا حفِظَه أي: حامِياتٍ وحافِظاتٍ للأولياءِ من كلِّ مهْلَكةٍ ومَزَلَّةٍ. (31) (تَصولُ) على الأعداءِ. (32) (بأسيافٍ قَواضٍ) جمْعُ قاضِيَةٍ من قَضَى عليه إذا قَتلَه وحَكمَ عليه بالهلاكِ أي: قواتلَ للأحياءِ وحاكماتٍ عليهم بالهلاكِ. (33) (قواضِبِ) جمْعُ قاضبةٍ من قَضَبَه إذا
قَطَعَه, أي: قواطِعَ لكلِّ ما لاقاها, سواءٌ كان خَشَباً أو حجَراً أو
حديداً, أو من أنواعِها سُمِّيَ جِناساً مضارِعاً إن كان الحرفان اللذان
وقَعَ بينَهما الاختلافُ متقارِبَيْن في الْمَخْرَجِ نحوُ قولِ أبي القاسمِ
الحَريريِّ: بيني وبينَ كِنيِّ ليلٌ دامسٌ وطريقٌ طامِسٌ فإن الدالَ
والطاءَ متقاربان في المَخرَجِ؛ لأنهما من اللسانِ مع أصْلِ الأسنانِ وإلا
فسُمِّيَ جِناساً لاحِقاً نحوُ قولِه تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}
فإنَّ الهاءَ واللامَ متباعدان في المَخرَجِ؛ لأن الهاءَ من أقصى الحلْقِ
واللامَ من طرَفِ اللسانِ. وإن كان اختلافُهما في ترتيبِهما سُمِّيَ جِناسَ
القلْبِ نحوُ قولِ الأحنفِ بنِ قيْسٍ: حُسامُك فيه للأحبابِ فتْحٌ..... ورُمْحُكَ فيه للأعداءِ حَتْفُ فإنك إذا أخذْتَ الفاءَ ثم التاءَ ثم الحاءَ كان فتْحاً وإن أخذْتَ الحاءَ ثم التاءَ ثم الفاءَ كان حتْفاً).
13- الجِناسُ(2) هو:(3) تشابُهُ اللفظَيْن فى النطْقِ(4) لا(5) في المعنى(6)
ويكونُ(7) تامًّا وغيرَ تامٍّ(8) (فـَ)(9) (التامُّ) ما اتَّفَقَتْ
حروفُه(10) في الهيئةِ(11) والنوعِ(12) و(13) والعدَدِ(14) و(15) الترتيبِ(16)،
نحوُ(17)
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل
حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (2- الْجِناسُ: لمْ نَلْقَ غيرَكَ إنسانًا يُلَاذُ بهِ .... فلا بَرَحْتَ لعينِ الدهْرِ إنسانَا فالإنسانُ الأوَّلُ الذي بمعنى البَشَرِ، والإنسانُ الثاني الذي بمعنى
حَدَقَةِ العينِ، قد اتَّفَقَا في نوعِ الاسْميَّةِ في كونِهما
متَّفِقَيْنِ في جميعِ الأوجهِ السابقةِ، فكانَ الْجِناسُ التامُّ بينَهما
مُتماثلًا. ومستوفًى، إنْ كانَ التامُّ من الْجِناسِ بينَ لَفْظَينِ منْ
نوعينِ، أيْ: من اسمٍ وفِعْلٍ، أوْ من اسمٍ وحَرْفٍ، أوْ منْ فِعْلٍ
وحَرْفٍ. فالأوَّلُ نحوَ: فدَارِهِمْ مَا دُمْتَ في دَارِهِمْ ..... وأَرْضِهِمْ مَا دُمْتَ في أَرْضِهِمْ فإنَّ لفْظَ دارِ في قولِه: ( فدَارِهِمْ )، فعْلُ أمْرٍ من الْمُدَارَاةِ، وفي قولِه: (في دَارِهِم)، اسمٌ لِمُسَمًّى معروفٍ . والثاني: كأنْ يُقالَ: ( رُبَّ رَجُلٍ يَشْرَبُ رُبَّ رَجُلٍ آخَرَ )، فإنَّ رُبَّ الأوَّلَ حرْفٌ، ورُبَّ الثاني اسمٌ للعصيرِ المعلومِ . والثالثُ: كقولِكَ: علا زيدٌ على جميعِ أهلِه،
أي: ارْتَفَعَ عليهمْ، فَعَلَا الأوَّلُ فِعْلٌ، والثاني حرْفٌ. ولا
عِبْرَةَ بلامِ الكلمةِ في الهيئةِ؛ لأنَّ هيئتَها عُرْضَةٌ للتغيُّرِ إذْ
هيَ مَحَلُّ إعرابٍ ووَقْفٍ، فلا يُرَدُّ أنَّ هيئةَ عَلَا الفعلِ ليستْ
بِمُتَّفِقَةٍ لهيئةِ على الحرفِ فليسَ بينَهُما جِناسٌ تامٌّ . والمستَوْفَى قِسْمٌ منْهُ، وإنَّما سُمِّيَ هذا القِسْمُ مُسْتَوْفًى؛
لاستيفاءِ كلٍّ من اللفظينِ فيهِ أوصافَ الآخَرِ وإن اختَلَفَ في نوعِ
الكلمةِ. ومتشابِهٌ، إنْ كانَ ذلكَ التامُّ من الْجِناسِ بينَ لفظينِ أحدُهما
مُرَكَّبٌ، بأنْ لا يكونَ مجموعُه كلمةً واحدةً، والآخَرُ مُفْرَدٌ، أيْ
مجموعُه كلمةٌ واحدةٌ، واتَّفَقَا في الخطِّ بأنْ يكونَ ما يُشاهَدُ منْ
هيئةِ مرسومِ المركَّبِ هوَ ما يُشاهَدُ منْ هيئةِ مرسومِ المفرَدِ، نحوَ: ( إذا مَلِكٌ لمْ يكُنْ ذا هِبَةْ )، أيْ: صاحبَ هِبَةٍ وعطاءٍ، ( فَدَعْهُ )، أي: اتْرُكْهُ وابْعِدْ عنهُ ، ( فدَوْلَتُهُ ذَاهِبَةْ )، أيْ: مُنْقَطِعَةٌ غيرُ باقيةٍ. فقولُه: ( ذا هِبَةٍ)
الأوَّلُ مرَكَّبٌ منْ ذا، وهيَ كلمةٌ بمعنى صاحبٍ، ومنْ ( هِبَةٍ )، وهيَ
كلمةٌ أُخرى بمعنى العَطَاءِ، فمجموعُه ليسَ كلمةً واحدةً، بلْ مُرَكَّبًا
منْ كلمتينِ، والثاني مُفْرَدٌ إذْ هوَ اسمُ الفاعِلِ المؤنَّثِ منْ
ذَهَبَ، وهوَ كلمةٌ واحدةٌ، وكتابتُهما متَّفِقَةٌ في الصورةِ، فيُسَمَّى
هذا الْجِناسُ متَشَابهًا لتشابُهِ اللفظينِ في الخطِّ كما تَشَابَهَا في
أنواعِ الاتِّفاقاتِ المتقدِّمَةِ غيرِ الاسميَّةِ والفعليَّةِ
والحرفيَّةِ. ومفروقٌ، إنْ لم يَتَّفِقَا: أي اللفظانِ الْمُفْرَدُ والمرَكَّبُ في
الخَطِّ، هذا إذا شُرِطَ في المفروقِ كونُ أحَدِ المتجانسينِ مرَكَّبًا
والآخَرِ مُفْرَدًا كما هوَ ظَاهِرُ عبارةِ المصنِّفِ، أو اللفظانِ
المتجانسانِ مُطْلَقًا إذا اكْتَفَى في كونِ المفروقِ عَدَمَ اتِّفَاقِ
المتجانسينِ في الخطِّ منْ غيرِ أنْ يَشْتَرِطَ كونَ أحدِهما مرَكَّبًا
والآخَرِ مُفْرَدًا كما يُشْعِرُ بهِ عبارةُ البعضِ، نحوَ: كُلُّكُم قدْ أَخَذَ الـ .... جامَ، ولا جامَ لنا (ما الذي ضَرَّ )، أيْ: أيُّ شيءٍ ضَرَّ، (مُديرَ الجامِ لوْ جَامَلَنَا)،
أيْ: عَامَلَنَا بالجميلِ، يعني: لا ضَرَرَ على مُديرِ الجامِ، وهوَ ساقي
القومِ بالجامِ، في مُعَامَلَتِنَا بالجميلِ بأنْ يُديرَهُ علينا كما
أَدَارَهُ عليكمْ، فاللفظُ الأوَّلُ من المتجانسينِ، وهوَ (جامَ لنا)
مرَكَّبٌ من اسمِ لا وخبرِها، وهوَ المجرورُ معَ حرفِ الجرِّ. والثاني،
أيْ جامَلَنا، مرَكَّبٌ منْ فِعْلٍ ومفعولٍ، وكتابتُهما ليستْ متَّفِقَةً
في الصورةِ، فلو اكْتَفَى في المفروقِ كونَ المتجانسينِ غيرَ متَّفِقَيْنِ
في الخطِّ، ولم يَشْتَرِطْ كونَ أحدِهما مرَكَّبًا والآخَرِ مُفْرَدًا،
كانَ مِثالُ المفروقِ بهذا ظاهرًا، وإنْ شَرَطَ فيهِ معَ عَدَمِ
اتِّفاقِهما في الخطِّ كونَ أحدِهما مُرَكَّبًا والآخَرِ مُفْرَدًا،
لَدَلَّ في المرَكَّبِ منْ فِعْلٍ ومفعولٍ بأنَّهُم لَمَّا عَدُّوا الضميرَ
المنصوبَ المتَّصِلَ بمنزلةِ جزءِ الكلمةِ صارَ ذلكَ المرَكَّبُ في حُكْمِ
المفرَدِ فصَحَّ التمثيلُ بهذا المفروقِ معَ هذا الشرْطِ أيضًا. وإنَّما
سُمِّيَ هذا القِسمُ باسمِ المفروقِ؛ لأنَّ اللفظينِ فيهِ افْتَرَقا في
صورةِ الكتابةِ . وغيرُ التامِّ من الْجِناسِ ما: أيْ لفظُ المتجانسينِ اخْتَلَفَ في واحدٍ
من الأربعةِ الْمُتَقَدِّمَةِ معَ الاستواءِ في الثلاثةِ الباقيةِ. وهوَ:
أي الْجِناسُ الغيرُ التامِّ: مُحَرَّفٌ، إن اخْتَلَفَ لفظاهُ في هيئةِ الحروفِ فقطْ، أيْ: واتَّفَقَا في النوعِ والعددِ والترتيبِ، نحوَ قولِه: (جُبَّةُ الْبُرْدِ)، أي: الْجُبَّةُ المأخوذةُ من البُرْدِ، أي الصوفِ، (جُنَّةُ)، أيْ: وقايةُ ، (الْبَرْدِ).
فلَفْظُ البُرْدِ والبَرْدِ قد اخْتَلَفَا في هيئةِ الحروفِ بسببِ
الاختلافِ في حَرَكَةِ الباءِ؛ لأنَّها في الأوَّلِ ضَمَّةٌ وفي الثاني
فتحةٌ، معَ كونِهما متَّفِقَيْنِ في النوعِ والعددِ والترتيبِ، فسُمِّيَ
هذا التجنيسُ مُحَرَّفًا؛ لانحرافِ هيئةِ أحَدِ اللفظينِ عنْ هيئةِ الآخَرِ
. ومُطَرَّفٌ، إن اخْتَلَفَا في عددِ الحروفِ
فقطْ، بأنْ يكونَ في أحَدِ اللفظينِ حرفٌ زائدٌ لا مُقابِلَ لهُ في اللفظِ
الآخَرِ، وكانت الزيادةُ أوَّلًا، أيْ: في الطرَفِ الأوَّلِ من اللفظِ
المجانِسِ. وإنَّما سُمِّيَ هذا مُطَرَّفًا لتَطَرُّفِ الزيادةِ وكونِها في
الطرَفِ، نحوَ: إنْ كانَ فِرَاقُنَا معَ الصُّبْحِ بَدَا..... لا أَسْفَرَ بعدَ ذلكَ صُبْحٌ أَبَدَا فالهمزةُ في أَبَدًا زائدةٌ في الطرَفِ الأوَّلِ، والباقي مُجانِسٌ لمجموعِ المقابِلِ، أيْ بَدَا، فكانَ من المطرَّفِ . ومُذَيَّلٌ، إنْ كانت الزيادةُ آخِرًا، أيْ في آخِرِ اللفظِ المجانِسِ؛ لكونِها في ذيلِه، نحوَ: ( يَمُدُّونَ منْ أَيْدٍ )، أيْ: يَمُدُّونَ سواعدَ كائنةً منْ أيْدٍ، فمفعولُ يَمُدُّونَ محذوفٌ، وقولُه: ( منْ أَيْدٍ ) صفةٌ لمفعولٍ محذوفٍ، وكلمةُ (مِنْ) فيهِ للتبعيضِ؛ إذ السواعِدُ بعضُ الأيدي، (عواصٍ)، جَمْعُ عاصيةٍ منْ عَصَاهُ بمعنى ضَرَبَه بالعَصَا، لكنَّ المرادَ بالْعَصَا ههنا السيفُ بدليلِ ما بعدَهُ ، (عواصمِ)، جمْعُ عاصمةٍ منْ عَصَمَه: حَفِظَهُ ، (تَصولُ بأسيافٍ قواضٍ)، جمْعُ قاضيةٍ منْ قَضَى بكذا: حَكَمَ بهِ، (قواضِبِ)،
جَمْعُ قاضِبَةٍ منْ قَضَبَهُ إذا قَطَعَهُ، والمعنى: أنَّهُم يَمُدُّونَ
سواعدَ منْ أيْدٍ عَاصِيَاتٍ، أيْ ضَارباتِ الأعداءِ بالسيفِ، عَاصِماتٍ
أيْ حافظاتٍ للأولياءِ منْ كلِّ مُهْلِكَةٍ، صائلاتٍ على الأقرانِ بسيوفٍ
قَوَاضٍ، أيْ حاكماتٍ على الأعداءِ بالهلاكِ، قواضِبَ أيْ قاطعةٍ لرِقابِ
الأعداءِ . فعَوَاصٍ وعواصِمَ متساويانِ إلَّا في زيادةِ الميمِ في آخِرِ الثانِي،
وكذا قواضٍ وقواضبَ متساويانِ إلَّا في زيادةِ الباءِ آخِرًا في الثانِي،
ولا عِبْرَةَ بالتنوينِ في عواصٍ وقواضٍ؛ لأنَّهُ في حُكْمِ الانفصالِ، أوْ
بصَدَدِ الزوالِ بالوَقْفِ أو الإضافةِ أوْ غيرِ ذلكَ، ولَعَلَّهُ لم
يَذْكُرْ في أقسامِ الاختلافِ في عددِ الحروفِ ما كانت الزيادةُ في
وَسَطِه، نحوَ: جَدِّي وجَهْدِي، بفتْحِ الجيمِ فيهما معَ زيادةِ الهاءِ في
وسَطِ الثاني؛ لِعَدَمِ اشتهارِه بالاسمِ الخاصِّ . ومضارِعٌ، إن اخْتَلَفَا في نوعِ الحروفِ فقطْ،
بأنْ يَشْتَمِلَ كلٌّ من اللفظينِ المتجانسينِ على حرفٍ لم يَشْتَمِلْ
عليهِ الآخَرُ منْ غيرِ أنْ يكونَ مَزِيدًا، وكانَ ذلكَ الاختلافُ في
حرفينِ غيرِ مُتَبَاعِدَي الْمَخْرَجِ، كأنْ يكُونَا حَلْقِيَّيْنِ أوْ
شَفَوِيَّيْنِ، نحوَ: {يَنْهَوْنَ وَيَنْأَوْنَ}؛ فإنَّهُما مختلِفانِ في
الهاءِ والهمزةِ، وهما غيرُ مُتَبَاعِدَي المخْرَجِ؛ إذْ هما حرفانِ
حَلْقِيَّانِ. وإنَّما سُمِّيَ هذا التجنيسُ تجنيسَ المضارَعَةِ؛
لمضارَعَةِ الْمُبَايِنِ من اللفظينِ لصاحبِه في الْمَخْرَجِ. ولاحِقٌ، إنْ تَبَاعَدَا في المخْرَجِ؛ لكونِ أحَدِ اللفظينِ مُلْحَقًا بالآخَرِ في الْجِناسِ باعتبارِ جُلِّ الحروفِ، نحوَ: {إِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لشَدِيدٌ }،
فشهيدٌ وشديدٌ بينَهما جِناسُ الإلْحاقِ لاتِّحادِ نوعِ حروفِهما إلَّا
الهاءُ والدَّالُ، وهما متباعدانِ في المخْرَجِ؛ لأنَّ الهاءَ منْ أَقْصَى
الحلْقِ، والدالَ من اللسانِ معَ أُصولِ الأسنانِ . وجِناسُ قَلْبٍ، إن اخْتَلَفَا في ترتيبِ
الحروفِ فقطْ، بأنْ يُقَدَّمَ في أحَدِ اللفظينِ بعضُ الحروفِ، ويُؤَخَّرَ
ذلكَ البعضُ في اللفظِ الآخَرِ، واتَّفَقَا في النوعِ والعددِ والهيئةِ، (
كنِيلٍ ولِينٍ )؛ فإنَّهُما قد اخْتَلَفَا في ترتيبِ الحروفِ ؛ لأنَّ ما
كانَ في أَحَدِ اللفظينِ مُقَدَّمًا صارَ مُؤَخَّرًا في الآخَرِ، وما كانَ
مؤخَّرًا فيهِ صارَ مقَدَّمًا في الآخَرِ، فعَكَسَ ترتيبَ الحروفِ؛ ولذا
سُمِّيَ ذلكَ النوعُ من الْجِناسِ القَلْبَ، وكذلكَ مثلُ: سَاقَ وقَاسَ ؛
فإنَّ اختلافَ أحدِهما بالآخَرِ ليسَ إلَّا في ترتيبِ الحروفِ ؛ لأنَّهُ
قَدَّمَ في أحدِهما ما أُخِّرَ في الآخَرِ من الحروفِ. ولمْ يَعْتَبِرُوا
في القلْبِ تغيُّرَ الحرْفِ الوَسَطِ، فوقوعُ الألِفِ ههنا والياءِ في
المثالِ الأوَّلِ في مكانِهما لا يَضُرُّ في وجودِ القلْبِ).
بكسْرِ الجيمِ في الأصْلِ مَصْدَرُ جانَسَ، نحوَ قاتَلَ قِتالًا. وفي
الاصطلاحِ: هوَ تشابُهُ اللَّفْظَيْنِ في النطْقِ والتلفُّظِ فقطْ، لا في
المعنى وَحْدَه، نحوَ: ( أَسَدٌ وسَبْعٌ ) للحيوانِ الْمُفْتَرِسِ .
ولا فيهِ وفي اللفظِ جميعًا، كالتأكيدِ اللفظيِّ، نحوَ: قامَ زيدٌ قامَ
زيدٌ؛ فإنَّ التشابُهَ المذكورَ في الْجِناسِ لا بُدَّ فيهِ من اختلافِ
المعنى كما دَلَّتْ عليهِ الأمثلةُ الآتيةُ.
ويكونُ الْجِناسُ تامًّا وغيرَ تامِّ. فالتامُّ من الْجِناسِ: أيُّ لفْظٍ
اتَّفَقَتْ حروفُه معَ حروفِ لفْظٍ آخَرَ في الأمورِ الأربعةِ:
الأوَّلُ: في الهيئةِ، أيْ: في هيئةِ الحروفِ
الحاصلةِ باعتبارِ الحرَكاتِ والسكَنَاتِ، فنحوَ: البَرْدُ بفتْحِ الباءِ،
والبُرْدِ بضمِّها، ليسَ بينَهما جِناسٌ تامٌّ؛ لاختلافِ حركة ِ الباءِ .
والثاني: في النوعِ، أيْ: في نوعِ الحروفِ،
بأنْ يكونَ كلُّ حرفٍ في أحَدِ اللفظينِ هوَ في الآخَرِ، وإنَّما أَوْرَدَ
لفظَ النوعِ تَنبيهًا على أنَّ كلَّ حرفٍ من الحروفِ الهجائيَّةِ التسعةِ
والعشرينَ نوعٌ برأسِه ؛ فالأَلِفُ نوعٌ تَحْتَهُ أصنافٌ؛ لأنَّها إمَّا
أَصْلِيَّةٌ أوْ مَقلوبةٌ عنْ واوٍ أوْ عنْ ياءٍ، والباءُ كذلكَ؛ لأنَّها
إمَّا مُدْغَمَةٌ أوْ مُشَدَّدَةٌ أوْ لا، وعلى هذا القياسُ ، وهذا
يَخْرُجُ عن التامِّ نحوَ: يَفْرَحُ، ويَمْرَحُ؛ لكوْنِهما مختلِفَينِ في
الميمِ والفاءِ.
والثالثُ: في العَددِ، بأنْ يكونَ مِقدارُ حروفِ
أحَدِ اللفظينِ هوَ مِقدارُ حروفِ اللفظِ الآخَرِ، فيَخرُجُ نحوَ:
(السَّاقُ والمَسَاقُ)؛ لأنَّ الميمَ في الثاني لا يُقابِلُها شيءٌ في
الأوَّلِ، فلمْ يَتَّفِقْ عددُ الحروفِ في اللفظينِ .
والرابعُ: في الترتيبِ، بأنْ يكونَ الْمُقَدَّمُ
والمؤخَّرُ في أحَدِ اللفظينِ هوَ الْمُقَدَّمَ والمؤخَّرَ في الآخَرِ،
فيَخْرُجُ نحوَ: ( الْحَتْفُ والفَتْحُ )؛ لاختلافِهما في الترتيبِ .
وهوَ، أي التامُّ من الْجِناسِ، مُتماثِلٌ إنْ كانَ بينَ لفظينِ منْ نوعٍ
واحدٍ منْ أنواعِ الكلمةِ التي هيَ الاسمُ والفعلُ والحرفُ ، كأنْ يكُونَا
اسْمَيْنِ أوْ فِعْلَيْنِ أوْ حَرْفَيْنِ، وإنَّما سُمِّيَ هذا
بالمُتَمَاثِلِ جَرْيًا على اصطلاحِ المتكلِّمينَ منْ أنَّ التماثُلَ هوَ
الاتِّحادُ في النوعِ نحوَ:
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ) قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (ثم
انتقل إلى المحسنات اللفظية، وهي تتعلق بالألفاظ ذاتها، فمنها الجناس، وهو
تشابه اللفظين في النطق، أن يكون اللفظان بينهما تشابه في النطق لا في
المعنى. ويكون الجناس تاما وغير تام، فالجناس التام؛ إذا اتفقت الحروف في
الهيئة والنوع والعدد والترتيب، إذن أربعة أمور: اتفقت في الهيئة، واتفقت
في النوع، واتفقت في العدد، واتفقت في الترتيب، وذلك مثل قول الشاعر: لم نلق غيرك إنسانا يلاذ به ..... فلا برحت لعين الدهر إنسانا فإنسان
وإنسان، الحروف هي هي تماماً على نفس الهيئة، وبنفس النوع، الهيئة، أي:
الوزن، والنوع أي نوع الحروف الهمزة ثم النون ثم السين ثم الألف ثم النون
ثم الألف وهكذ، والعدد كذلك نفس العدد، والترتيب نفس الترتيب، فهذا يسمى
البديع.. أقصد الجناس التام، الجناس التام. ويذكر عن علي رضي الله عنه أنه كتب إلى أحد عماله: غَرَّك عِزُّك فصار
قصارى، ذَلك ذُلَّك فاخش فاحش فِعْلك فَعَلك تؤتى بهذا. فكل كلمتين
تتشابهان تماما في الكتابة، ولم تكن إذ ذاك النقط موجوداً، فهذا على عدد
الحروف لكن يختلف الوزن وأيضاً يختلف النقط، فهو نوع آخر من أنواع الجناس،
كذلك قول الشاعر: يقينا ذاك شنفريُ .... على العلات مصطحب يقينا (على
العلات مصطحب يقينا) فيقينا الأولى ويقينا الثانية معناهما مختلف، فيقينا
الأولى فعل مضارع، وقاه يقيه يقنا ذاك خلق هي فاعل يقيناً ويقينا الثانية
في آخر البيت معناه يقيناً، فهي مصدر، فاختلفا في المعنى واتفقا في اللفظ
تماماً، وكذلك قولهم: فدارهم ما دمت في دارهم ..... وأرضهم ما دمت في أرضهم دارهم فعل أمر من المداراة، (ما دمت في دارهم) أي: في بلدتهم، (وأرضهم) فعل أمر من الإرضاء، (ما دمت في أرضهم)
أي: مكانهم، فدارهم ودارهم اتفقتا في الحروف واختلفتا في المعنى، وكذلك
أرضهم وأرضهم، اتفقتا في الحروف واختلفتا في المعنى، وهذا كثيرا ما يستعمله
الشعراء في قوافيهم، وهو حسن جدا في القوافي ومن ذلك قول شيخي: خلو النفوس وحبها أجناسها ...... وبلادها واستجلبوا إناسها نهوا أناساً ما تلائم أرضهم ..... ونحب أرضا ما نلائم ناسها فإذا أتينا الأرض لم نتناسهم ..... وإذا أتينا الناس لم نتناسها كالظبية العجماء نغص عيشها ..... ألا تضم قرينها وكناسها لم نسه عن ذاك الخليط ولا نرى .... ذاك الخليط لفضله عن ناسها فكل بيت فيه ناسها، لكن كل واحدة تختلف عن الأخرى تماماً في المعنى. أما غير التام فما اختل فيه واحد من هذه الأمور الأربعة، وذلك مثل قول أبي الطيب المتنبي: يمدون من أيدٍ عواص عواصم .....تصول بأسياف قواض قواضب فعواصٍ
وعواصم الفرق بينهما في الحرف الآخر فقط، الميم زادت على عواصم، وكذلك
قواض وقواضب، اجتمعتا في كل الحروف إلا في الباء، فالباء في قواضب زادت على
قواضٍ في الكلمة السابقة، والمقصود هنا بالعواص أي: أن أيديهم شجاعة لا
تتحمل الطاعة في كل الأوامر، وعواصم أي تعصم الحريم فتبيض عن الجمار، (تصول بأسياف قواضٍ) أي تقضي على الناس تقتلهم، (قواضب) أي قاطعة).
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ) دروس البلاغة لفضيلة الشيخ محمد الصامل حفظه الله الدرس الرابع والعشرون القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلفون –رحمهم الله تعالى-: ثانيًا: 2- الْجِنَاسُ: هوَ تشابُهُ اللفظينِ في النطْقِ، لا في المعنى). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله محمد بن
عبد الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعد؛ لم نَلْقَ غيرَك إنسانًا يُلاذُ به فلا بَرِحْتَ لعينِ الدهْرِ إنسانَا). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الجناس
التام له أصناف أن بكون متماثلًا، المصطلح متماثل وهو تفريع للجناس التام،
ويخص المتماثل بأن بالجناس الذي يقع بين لفظين من نوعٍ واحد، يعني أن يكون
اللفظان اسمين، أو فعلين، أو حرفين؛ ويستشهد المؤلفون بقول الشاعر: لم نَلْقَ غيرَك إنسانًا يُلاذُ به ......فلا بَرِحْتَ لعينِ الدهْرِ إنسانَا الشاهد في قول الشاعر هو قول كلمة: إنسان
في الشطر الأول، وإنسان في آخر الشطر الثاني، فكلا الكلمتين من نوع الاسم
إنسان، والمراد به جنس "جنس البشر" في الشطر الأول، وفي الكلمة الأخيرة في
الشطر الثاني المراد به إنسان العين. وينبه هنا إلى المبالغة غير المقبولة في قول الشاعر: لم نَلْقَ غيرَك إنسانًا يُلاذُ به فالذي
يلاذ به ويلتجأ إليه حقيقةً هو الله عز وجل، ولكن يُحمل هذا على مبالغة
الشعراء في الاستعانة بما يستطيعه الإنسان بما هو في قدرته. فالشاهد البلاغي هنا:
هو لورود كلمتين إنسان، ورود كلمتين متشابهتين في النطق هنا إنسان وهناك
إنسان النطق واحد، لكن المعنى مختلف الأول جنس البشر، والثاني إنسان العين. ويلحظ هنا: التشابه في كل الجوانب الأربعة في
هيئة الكلمة، يلحظ حتى في الجانب الإعرابي هذه منصوبة وتلك منصوبة، والنوع
من حيث الاسم هنا اسم وهناك اسم، والعدد عدد الحروف واحد، والترتيب كذلك
ترتيب الحروف واحد، فإذًا هذا اللون يسمى الجناس المتماثل). القارئ: (ومُسْتَوْفًى، إنْ كانَ منْ نوعينِ، نحوَ: فدَارِهِمْ ما دُمْتَ في دَارِهِمْ .......وأرْضِهِمْ ما دُمتَ في أرْضِهِمْ). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (المستوفى هو جزءٌ من الجناس التام، ولكنه يقع بين كلمتين من نوعين
مختلفين، يعني نوع الكلمة في الاسم، والثانية فعل، كما ورد في البيت
المستشهد به (فدَارِهِمْ) هنا الفاء طبعًا لا تدخل في الشاهد، (دَارِهِمْ) كأنه فعل أمر وهو طلب المداراة، (ما دُمْتَ في دَارِهِمْ)؛ الدار هي المنزل، إذًا الكلمة الأولى دارهم وهي فعل، في دارهم وهي اسم المنزل، وكذلك في الشطر الثاني: (وأرْضِهِمْ) أي طلب الإرضاء أو الأمر بالإرضاء، (ما دُمتَ في أرْضِهِمْ)؛ في المكان الذي هم فيه. إذًا هنا اتفاقٌ بين الكلمتين في النطق، ولكن
المعنى يختلف إضافةً إلى أن إحدى الكلمتين تنتمي إلى جنس الفعل، والثانية
تنتمي إلى جنس الاسم، وهذا ما يسمى بالمستوفى مع اتفاقهما، اتفاق الكلمتين
في الهيئة، والنوع، والعدد، والترتيب هو متفقة، لكنها اختلفت في انتماء
واحدة لجنس الاسم واحدة لجنس الفعل، ولذلك يسمى هذا اللون مستوفى). القارئ: (ومتشابِهٌ، إنْ كانَ بينَ لفظينِ أحدُهما مرَكَّبٌ والآخَرُ مفْرَدٌ واتَّفَقَا في الخطِّ، نحوَ: إذا مَلِكٌ لمْ يكُنْ ذا هِبَةْ .......فدَعْهُ فدولَتُهُ ذَاهِبَةْ). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (والمتشابه وهذا مصطلح أطلقه البلاغيون على لونٌ من الجناس التام، لكنه يقع
بين لفظين أحدهما يختلف عن الآخر من حيث إنه مركبُ من كلمتين، والآخر مركب
مفرد؛ يعني كلمة واحدة، فالمركب من كلمتين كأن يكون مضاف ومضاف إليه. مثل الشاهد الذي أورده المؤلفون –رحمهم الله-: (إذا مَلِكٌ لمْ يكُنْ ذا هِبَةْ)؛
يعني صاحب هبة وهذه الكلمة مكونة من كلمتين مضاف ومضاف إليه، (ذا هِبَةْ)؛
صاحب هبة، (فدَعْهُ فدولَتُهُ ذَاهِبَةْ)؛ من الذهاب هذه ذاهبة كلمة
واحدة. فالكلمتان في نطقهما ذا هبة وذاهبة، متشابهتان
ولكن الأولى أصلها مكونٌ من كلمتين من مضاف ومضاف إليه، والثانية كلمة
مفردة، فهنا يكون هذا الجناس التام من نوع المتشابه، وخصه البلاغيون بما
كان إحدى الكلمتين مكونة من مركب تركيب يكون بالإضافي، أو المزجي، أو غير
ذلك... وهنا إضافي، وتكون الكلمة الأخرى مفردة، وشرط أن يكون فيه اتفاق في
الخط؛ لأن أحيانًا يكون اتفاق في النطق، ولكن يختلف الخط، وهذا ما سيأتي
بعد قليل). القارئ: (ومفروقٌ، إنْ لمْ يَتَّفِقَا، نحوَ: كلُّكُم قدْ أَخَذَ الـ ..... ـجامَ ولا جَامَ لنا ما الذي ضَرَّ مُديرَ الـ ......ـجامِ لوْ جَامَلَنَا). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هنا قول: ومفروق هذا هو المصطلح الخاص بهذا اللون من الجناس، ومفروقٌ، إن
لم تتفق الكلمتان في الخط، النطق هذا يشترط من حيث البدء؛ لأنه لابد أن
تتفق الكلمتان في النطق؛ لأن الكلمتين لابد من اتفاقهما في النطق
واختلافهما في المعنى هذا شرطٌ أساسي، لكن اختلاف الخط أو اتفاق الخط هذا
يحصر الموضوع في المتشابه والمفروق. فالمتشابه مرّ بنا أنها ذا هبة وذاهبة متشابه
الخط فيهما والهيئة كتابتهما متشابهة، أما المفروق فإذا كانت هيئة الكلمتين
تختلف وتفترق عن الثانية، فاستشهد المؤلفون بقولهم: كلُّكُم قدْ أَخَذَ الـ .......ـجامَ ولا جَامَ لنا الجام هو الكأس يقول: كلُّكُم أخذ الكأس ونحن لا كأس لنا، كأنه يقول: (ولا جَامَ لنا)؛ يعني لا كأس لنا نشرب به. ما الذي ضَرَّ مُديرَ الـ ـجامِ لوْ جَامَلَنَا يلحظ (ولا جَامَ لنا)، والثانية: (لوْ جَامَلَنَا) باستبعاد ولا ولو حتى تكون: (جَامَ لنا)، (لوْ جَامَلَنَا)، الكلمة الثانية: (لوْ جَامَلَنَا) من المجاملة، فهي كلمة تختلف في خطها عن الكلمة السابقة، (ولا جَامَ لنا)؛ لا كأس لنا، : (لوْ جَامَلَنَا)؛ من المجاملة. ويلحظ هنا: أن في المفروق أنه لابد الوضع يختلف في قضية المفرد والمركب؛ لأن (ولا جَامَ لنا) هنا لا كأس لنا كلمتان،(لوْ جَامَلَنَا)؛
أيضًا هذا فعلٌ وفاعلُ فهي تتكون من جملة، ليست فقط من مفرد، ولكن تركيز
البلاغيين على مسألة اختلاف الخط هو الذي دعاهم إلى الاستشهاد بهذا البيت). القارئ:
( (وغيْرُ التامِّ): ما اخْتَلَفَ في واحدٍ من الأربعةِ المتقدِّمةِ. وهوَ
مُحَرَّفٌ إن اخْتَلَفَ لفظاهُ في هيئةِ الحروفِ فقطْ، نحوَ قولِه: جُبَّةُ البُرْدِ .....جُنَّةُ البَرْدِ). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (بدأ المؤلفون بذكر جِناس غير التام، وعرفوه بأنهما اختلفوا في واحد من
الأربعة إذا كان الاختلاف في الهيئة، أو النوع، أو العدد، أو الترتيب؛
طبعًا إذا اختلف واحد لابد أن يكون الباقي موجودًا؛ حتى لا يكون الاختلاف
بين الكلمتين كثيرًا، وإنما يكون الاختلاف في شيءٍ واحد. وبدئوا بالمحرف وهو اتفاق الكلمتين في النوع،
والعدد، والترتيب، ولكن الاختلاف يكون في الهيئة "هيئة الكلمة" اللي هي
الضبط أو الجناس "صيغة الكلمة" وضبطها كقولهم: جُبَّةُ البُرْدِ .....جُنَّةُ البَرْدِ في الكلمتين معًا، في (جُبَّةُ، وجُنَّةُ) وإن كانت كلمة (جُبَّةُ، وجُنَّةُ) سيأتي الحديث عنها باعتبار أنها اختلاف حرف وليس، لكن (البُرْدِ) هو البرد، (البُرْدِ) الرداء، (البَرْدِ) هو شدة البرودة، فهنا يكون الاختلاف بين الكلمتين: بين كلمة (البُرْدِ و البَرْدِ) فاتفقتا في الحروف، ولكن الاختلاف هنا في ضبط هذه الحروف وهي الصيغة والاشتقاق، ولذلك يسمى محرفًا). القارئ: (ومطرَّفٌ إن اخْتَلَفَا في عددِ الحروفِ فقطْ وكانت الزيادةُ أوَّلًا). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (وهذا من التقسيمات التي يحرص عليها البديعيون كثيرًا أن يضعوا لكل شاهدٍ
مصطلحًا خاصًا به، المطرف وجعله مقابل المطرف المزيل، كما سيأتي بعد قليل،
فجعلوا المطرف في اختلاف الكلمتين في عدد الحروف فقط، وكانت الزيادة أولًا
الكلمة الزائدة هي التي تأتي أولًا، والكلمة الناقصة تأتي ثانيًا. وإذا كانت العكس يكون له مصطلح آخر، كما سيأتي
بعهد قليل، ومثلوا لذلك مثلًا لم يذكروا مثالًا، لكن يذكر البلاغيون لذلك
قول الله عز وجل: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ(29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ(30)﴾[القيامة29-30] الساق والمساق، هنا اتفاقٌ في مجموعة من الحروف،
واختلفت كلمة مساق عن كلمة ساق بزيادة حرف الميم؛ مع أن الحرف الزائد هو،
أو الكلمة التي زاد فيها هي الكلمة الثانية، كما سيأتي بعد قليل). القارئ: (ومذيَّلٌ إنْ كانت الزيادةُ آخِرًا، نحوَ: يَمُدُّونَ منْ أَيْدٍ عواصٍ عواصِمِ .....تَصولُ بأسيافٍ قواضٍ قواضِبِ). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (وهذا مقابل كما أسلفت للمطرف، ولورود كلمتين: الكلمة الأولى: هي الناقصة. والكلمة الثانية: هي التي فيها زيادة الحرف. إذا الاتفاق هي مجموعة من الحروف، وواحدة من
الكلمتين وزادت حرفًا، وإذا كانت الكلمة الزائدة هي الثانية تسمى مزيل؛
لأنها كانت زيلًا للكلمة، ومثالها: (عواصٍ وعواصِمِ)، (منْ أَيْدٍ عواصٍ عواصِمِ) فالثانية زادت حرف الميم، وكذلك: (قواضٍ قواضِبِ)؛ في آخر البيت، فالثانية زادت حرف الباء). القارئ: (ومضارِعٌ إن اخْتَلَفا في حرفينِ غيرِ متَبَاعِدَي المخرَجِ، نحوَ: {يَنْهَوْنَ ويَنْأَوْنَ} ). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا
المصطلح الثالث للجناس غير التام، وهو إذا كان الاختلاف في حرفين غير
متباعدي المخرج، غير متباعدي المخرج يعني الكلمتان فيهما حرفٌ غير متشابه،
لكن إن كانا الحرفان من نوعٍ غير متباعد المخرج يسمى مضارعا ومضار بالنظر
إلى إحدى الكلمتين {يَنْهَوْنَ ويَنْأَوْنَ}، للهمزة والهاء من حروف الحلقية، ولذلك هما متقاربا المخرج، ولهذا جعل مضارعًا لتشابه مخرج الحرفين المختلفين). القارئ: (ولاحقٌ إنْ تَبَاعَدَا، نحوَ: ﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ(7)وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ(8)﴾[العاديات7-8]). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (التباعد
بين مخرجا الحرفينالمختلفين يجعله من اللاحق فهو ألحق بالمضارع، كأنه يلحق
إلحاقًا بالمضارع، ولذلك اختاروا له مصطلح اللاحق ومثاله:﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ(7)وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ(8)﴾[العاديات7-8]، الدال والهاء في شهيد وشديد هما المختلفان، ولذلك كانا من نوع اللاحق). القارئ: (وجناسُ قَلْبٍ إن اخْتَلَفَا في ترتيبِ الحروفِ فقطْ، كنيلٍ ولِينٍ، وَسَاقَ وَقَاسَ). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا القسم الأخير مما ذكره المؤلفون في أنواع الجناس غير التام، وهو ما
يعتمد على مسألة الترتيب؛ لأنهم ذكروا لكل واحدٍ من الأمور الأربعة التي
يتفق فيها الجناس التام، ذكروا ما يخالفه، فذكروا قضية جناس القلب إذا
اختلفا في ترتيب الحرف فقط. لكن ليست قضية الاختلاف مطلقة، وإنما أن تكون
الثانية عكس الأولى؛ حتى تكون قلب الأولى؛ لأن لو اختلفا لذلك لما كانا
بينهما ذلك التشابه؛ لأنه إذا كانت الكلمة رباعية واختلفت الحروف فيها،
فربما لا يكون هناك تشابه بين هاتين الكلمتين، لكن جعلوا هذا اللون من
جِناس القلب إذا كانت الكلمة الثانية قلبًا مشابهًا في نوع الحروف، ولكن في
ترتيب الحروف أختل الترتيب، فكانت الثانية قلب للأولى مثل: كنيلٍ ولِينٍ، وَسَاقَ وَقَاسَ. ويلجأ كثير من البلاغيين إلى
وضع المصطلحات دون الإكثار من الشواهد؛ لأنهم يفترضون مثل هذه الافتراضات،
وربما لا يكون لهذا الافتراض الشواهد المتاحة من كلام العرب، ولهذا يعني
يركزون على جانب المصطلح، وجانب التحديد العقلي، لكن الجانب التطبيقي ليس
بذاك).
القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم
فهذا الموضوع هو امتدادٌ للموضوع السابق، وهو
الحديث عن أصناف البديع، والحديث هنا عن الجناس، وعرفه المؤلفون -رحمهم
الله- بأنه تشابه اللفظين في النطق لا في المعنى، إذًا يعتمد هذا اللون
البديعي على ورود كلمتين متشابهتين، لكن التشابه ينحصر في اللفظ بأن يكونا
من جنسٍ واحد، لكن لابد أن يكون لكل واحدةٍ من الكلمتين معنى يختلف عن معنى
الأخرى).
القارئ: (ويكونُ تامًّا وغيرَ تامٍّ، فالتَّامُّ: ما اتَّفَقَتْ حروفُه في الهيئةِ والنوعِ والعددِ والترتيبِ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الجناس ينقسم قسمين رئسين:
أن يكون الجناس تامًا، وهو إذا تشابهت الكلمتان
في أمور أربعة: (هيئة الكلمة، ونوع الكلمة، وعدد حروف الكلمة، وترتيب هذه
الحروف)؛ فهذه الأمور الأربعة إذا اتفقت وتشابهت يكون الجناس حينئذٍ تامًا.
ثم هذا التام ينقسم إلى مجموعة من الأقسام بحسب
ما يرد فيه من أنواع الكلمات؛ لأن الكلمة يمكن أن تختلف عن الأخرى في بعض
المظاهر التي حين يتأمل القارئ أو المتلقي هذه الكلمة، يجد أنها تنتمي إلى
صنفٍ آخر غير الصنف الذي تنتمي إليه الكلمة الأولى، وهذا ربما يتضح بشكلٍ
أكثر مع التمثيل.
أما غير التام: فهو الذي لا تتفق فيه الكلمة في هذه الأمور الأربعة، فإذا أختل واحدٌ منها صار الجناس غير تامٍ).
القارئ: (وهوَ متماثِلٌ، إنْ كانَ بينَ لفظينِ منْ نوعٍ واحدٍ، نحوَ:
الكشاف التحليلي عناصر الدرس: حُدُقُ الآجالِ آجالُ ..... والهَوَى للمرءِ قَتَّالُ - مثال الاسمين في مفرد وجمع: وذي ذِمامٍ وَفَتْ للعهدِ ذِمَّتُه ..... ولا ذِمامَ له في مذْهَبِ العرَبِ · لم نَلْقَ غيرَك إنسانًا يُلاذُ به ..... فلا برحت لعين الدهر إنسانا فدارهم ما دمت في دارهم ..... وأرضهم ما دمت في أرضهم إذا مَلِكٌ لم يكُنْ ذا هِبَةْ ..... فدَعْهُ فدَوْلَتُهُ ذَاهِبَةْ ما الذي ضرَّ مديرَ الجا ...... مِّ لو جامَلَنا جُبَّةُ البُرْدِ .....جَنَّةُ البُردِ . إنَّ البُكاءَ هو الشِّفا ...... ءُ من الْجَوى بينَ الجوانِحِ حُسامُك فيه للأحبابِ فتْحٌ ...... ورُمْحُكَ فيه للأعداءِ حَتْفُ لاحَ أنوارُ الهُدى من ..... كفِّه في كلِّ حالِ
المحسنات اللفظية:
· الجناس:
§ الجناس: مصدر جانس؛ تَجَانَسَ الشيئانِ إذا دَخَلا في جِنْسٍ واحدٍ.
§ الجناس اصطلاحا: تشابه اللفظين في النطق لا في المعنى
§ خرج بالتعريف:
° ما إذا تَشابَها في المعنى فقط : كالأسدِ والسَّبُعِ للحيوانِ المفترِسِ .
° أو تشابَها في اللفظِ والمعنى معاً : كالتأكيدِ اللفظيِّ نحوُ: قَدِمَ خالدٌ قَدِمَ خالدٌ.
° أو تشابَها في مجرَّدِ العددِ :كما في ضَرَبَ وعَلِمَ .
° أو تشابَها في مجرَّدِ الوزنِ :كما في ضَرَبَ وقَتَلَ فلا جِناسَ بينَهما في الكُلِّ.
§ فائدة الجناس: أنَّ مماثَلَةَ الألفاظِ تُفِيدُ مَيْلاً وإصغاءً إليها
° الجناس نوع متوسط بالنِّسبةِ إلى ما فوقَه من أنواعِ البديعِ كالتوريةِ والاستخدامِ والاستعارةِ والتشبيهِ
° وجْهُ حُسْنِ الجِناسِ التامِّ مُطلَقًا أنَّ صورتَه صورةُ الإعادةِ، وهو في الحقيقةِ للإفادةِ.
- إنَّما يَحسُنُ الجِناسُ إذا قلَّ وأتى في الكلامِ عفوًا من غيرِ
كَدٍّ ولا استكراهٍ ولا بُعدٍ ولا مَيْلٍ إلى جانبِ الرِّكَّةِ
§ أقسام الجناس:
§ القسم الأول:الجناس التام:
° الجناس التام:ما اتَّفَقَتْ حروفُه في الهيئةِ والنوعِ والعدَدِ والترتيبِ
- المقصود بالهيئة::الكيفيَّةُ الحاصلةُ لها باعتبارِ حركاتِها وسَكَناتِها فخرَجَ نحوُ: البَرْدِ والبُرْدِ
- المقصود بالنوع أي نوع الحرف، فخرَجَ نحوُ: يَفْرَحُ ويمرح
- المقصود بالعدد أن يكون مقدارُ حروفِ أحدِ المتجانسين هو مقدارَ حروفِ الآخرِ وبه خرَجَ نحوُ: الساقِ والْمَساقِ
- المقصود بالترتيب:أن يكونَ المقدَّمُ والمؤخَّرُ في أحَدِ
المتجانسين هو المقدَّمَ والمؤخَّرَ في الآخرِ, فخرَجَ نحوُ: الفتْحِ
والحَتْفِ
° أنواع الجناس التام:
° النوع الأول:الجناس المماثل، وهو أن يكون من نوع واحد من أنواع الكلمة؛ كاسمين
- مثال الفعلين:لمَّا قالَ لديْهِم قالَ لهم
- مثال الحرفين:قد يَجودُ الكريمُ، وقد يَعْثُرُ الجواد
- مثال الاسمين في جمعين:
- مثال الذي بينَ اسمٍ وحرفٍ:رُبَّ رَجُلٍ شَرِبَ رُبَّ رَجُلٍ آخَرَ، فرب الثانية اسمٌ للعصيرِ المعلومِ.
- مثال الذي بينَ حرفٍ وفعْلٍ: عَلا زيدٌ على جميعِ أهلِه
° النوع الثاني: الجناس المستوفى، وهو أن يكون من نوعين كاسم وفعل
- مثاله:
وهو أضرب:
- الضرب الأول:متشابِهٌ:إن اتَّفَقَ اللفظانِ المفرَدُ والمركَّبُ في الخطِّ كقولِه:
§ القسم الثاني:الجناس غير التام:
° الجناس غيرُ التامِّ : هو ما اختَلَفَ فيه اللفظان في واحدٍ من الأمورِ الأربعةِ المتقدِّمةِ, ، وهو أنواع:
° النوع الأول:الجناس المحرف:إن كان اختلافُهما في هيآتِ الحروفِ فقط، مثاله:
- يدخل فيما سبق:المطرف وهو كانت الزيادة في طرفه، ومثاله:عواصٍ عواصمِ
- يدخل فيما سبق: المذيل وهو ما كانت الزيادة أكثر من حرف، ولم يذكروا منهُ إلاَّ ما كانَ آخِرًا، كقولِ الخنساءِ:
° النوع الرابع:الجناس اللاحق إن كان الحرفان اللذان وقَعَ بينَهما الاختلافُ غير متقارِبَيْن في الْمَخْرَجِ، ومثاله:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}
° جناس القلب:وإن كان اختلافُهما في ترتيبِهما، ومثاله:
° إن كان الخلاف في أكثر من حرف لم يكن من الجناس
§ يدخل فيما سبق: الجناس المزدوج أو المردد أو المكرر،
إذا وَلِيَ أحدُ المتجانِسَيْنِ بأيِّ تجانُسٍ المتجانِسَ الآخَرَ، مثاله: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ}
§ من أمثلة الجناس ما روي عن علي:غَرَّك عِزُّك فصار قصارى ذَلك ذِلَّك فاخش فاحش فِعْلك فَعَلك تهدى بهذا).