9 Oct 2022
بعثة النبي صلى الله عليه وسلم
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (بسم الله الرّحمن الرّحيم
[خطبة الكتاب]
الحمد الله رب العالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى
الله على محمّد رسوله وعلى آله أجمعين. هذا كتاب اختصرت فيه ذكر النّبي صلّى الله
عليه وسلّم وابتداء نبوته وأول أمره في رسالته ومغازيه وسيرته فيها لأنّي ذكرت
مولده وحاله في نشأته وعيونا من أخباره في صدر كتابي في الصّحابة. وأفردت هذا
الكتاب لسائر خبره في مبعثه وأوقاته صلّى الله عليه وسلّم. اختصرت ذلك من كتاب
موسى بن عقبة وكتاب ابن إسحاق رواية ابن هشام وغيره، وربما ذكرت فيه خبرا ليس
منهما. والنسق كله على ما رسمه ابن إسحاق. فذكرت مغازيه وسيره على التّقريب
والاختصار والاقتصار على العيون من ذلك دون الحشو والتخليط، وإلى الله أرغب [في
العون] على الأمل فيه، والتوفيق لما يرضيه، وهو حسبي لا شريك له).
بابٌ من خبر مبعثه صلّى الله عليه وسلم
أخبرنا أبو محمّدٍ عبد الله بن محمّد بن عبد المؤمن، قال: أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن بكر بن محمّد بن عبد الرّزّاق التّمّار، قال: حدّثنا أبو داود سليمان بن الأشعت السّجستانيّ، قال: حدّثنا محمود بن خالدٍ الدّمشقيّ، قال: حدّثنا عمر بن عبد الواحد، عن الأوزاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرّحمن: أيّ القرآن أنزل أول؟ فقال: سألت جابر بن عبد الله؛ أيّ القرآن أنزل قبل: {يا أيها المدثر} أو {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق} ؟ فقال جابرٌ: ألا أحدّثكم بما حدّثني به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إنّي جاورت بحراءٍ شهرًا فلمّا قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي فلم أر شيئًا، ثمّ نظرت إلى السّماء، فإذا هو على العرش في الهواء، فأخذتني رجفةٌ، فأتيت خديجة، فأمرتهم فدثّروني، ثمّ صبّوا عليّ الماء، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها المدّثّر، قم فأنذر، وربّك فكبّر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر} ".
حدّثنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله قال: حدّثني إسرائيل عن سماك بن حربٍ عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أتى نفرٌ من قريش امرأة كاهنة، قالوا: أخبرينا بأقربنا شبهًا بصاحب هذا المقام، قالت: إن جررتم على السّهلة عباءةً ومشيتم عليها أنبأتكم بأقربكم منه شبهًا، فجرّوا عليها عباءةً، ثمّ مشوا عليها، فرأت أثر قدم محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: هذا والله أقربكم شبهًا، قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنه: فمكثوا بعد ذلك عشرين سنةً، ثمّ بعث محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم.
حدّثنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، قال: حدّثنا سليمان بن معاذٍ الضّبّيّ، عن سماك بن حربٍ، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ بمكّة لحجرًا يسلّم عليّ ليالي بعثت، إنّي لأعرفه الآن، وسنفرد لأعلام نبوته كتابا إن شاء الله.
حدّثنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكر بن داسة، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا إبراهيم بن الحسن الخثعميّ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: [قال] : حدثنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينارٍ أنّه سمع جابر بن عبد الله يقول:
لمّا بنيت الكعبة ذهب عبّاسٌ والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينقلان الحجارة، فقال عبّاسٌ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: اجعل إزارك على رقبتك [يقيك] من الحجارة، ففعل، فخرّ إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السّماء، ثمّ قام وقال: "إزاري إزاري"، فشدّه عليه.
وفي حديث عكرمة عن ابن عبّاسٍ في هذا الخبر، قال:
خرّ محمّدٌ، فانبطح. قال العبّاس: فجئت أسعى إليه، وألقيت عنّي حجري. قال: وهو ينظر إلى السّماء، قلت: ما شأنك؟ قال: فقام وأخذ إزاره، وقال: "نهيت أن أمشي عريانًا". قال ابن عبّاسٍ: قال أبي: فإنّي أكتمها النّاس مخافة أن يقولوا مجنونٌ.
وحدّثنا عبد الله، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ قال حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن منذرٍ الثّوريّ، عن الرّبيع بن خثيمٍ في قوله عزّ وجلّ: {إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنّبيّين من بعده} قال: أوحى [الله] إليه كما أوحى إلى جميع النّبيّين.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها من رواية مالكٍ، رحمه الله، وغيره:
أنّ الوحي كان يأتيه أحيانًا مثل صلصلة الجرس، وأحيانًا يكلّمه الملك، وأحيانا يشتد عليه، فيتفصّد جبينه في اليوم البارد عرقًا.
وقال عروة بن الزّبير: كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها.
وفي حديث عمر رضي الله عنه، قال: كان ينزل عليه الوحي، فيسمع له دويٌّ كدويّ النّحل.
وقد أشبعنا هذا المعنى في كتاب التّمهيد عند ذكر حديث عائشة رضي الله عنها المذكور. والحمد لله.
حدّثنا عبد الله، قال: حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا محمّد بن داود بن سفيان، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ عن الزّهريّ، قال: أخبرني عروة بن الزّبير، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: أول ما بدئ به رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، من الوحي الرّؤيا الصّادقة، ثمّ حبّب إليه الخلاء، فكان يأتي حراءً، فيتحنّث فيه وهو التّعبّد اللّيالي ذوات العدد، ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة، فتزوده لمثلها، حتّى فجأه الحقّ، وهو في غار حراءٍ فجاء الملك فقال: اقرأ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فقلت: "ما أنا بقارئ، فأخذني، فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني، فقال اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني، فغطّى الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني، فغطّني الثّالثة، حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني، فقال: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق} حتّى بلغ {علم الإنسان ما لم يعلم}. قال: فرجع بها ترجف بوادره، حتّى دخل على خديجة فقال: زمّلوني، فزمّلوه، حتّى ذهب [عنه] الرّوع، فقال يا خديجة: ما لي؟ وأخبرها الخبر. وقال: قد خشيت على نفسي"، فقالت له: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله [أبدًا] إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ [وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف] ، وتعين على نوائب الحقّ، ثمّ انطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى بن قصيٍّ، وهو ابن عم أخي أبيها، وكان امرءًا تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ فكتب بالعربيّة من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا [كبيرًا] قد عمي فقالت له خديجة: أي ابن عمّي اسمع من ابن أخيك. فقال ورقة بن نوفلٍ: يا بن أخي ما ترى؟ فأخبره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بما رأى فقال [له] ورقة: هذا الناموس الّذي أنزل على موسى، يا ليتني أكون فيها حيًّا حين يخرجك قومك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أو مخرجيّ هم؟ فقال ورقة بن نوفلٍ: نعم إنّه لم يأت أحدٌ بما جئت به إلا عودي وأوذي وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزّرًا. ثمّ لم يلبت ورقة أن توفّي.
وفتر الوحي فترةً، حتّى حزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيما بلغنا حزنًا شديدًا، غدا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلّما أوفى بذروةٍ كي يلقي بنفسه منها تبدّى له جبريل عليه السّلام فقال: يا محمّد إنّك رسول الله حقًّا، فيسكن لذلك جأشه، وتقرّ نفسه، فإذا [طالت] عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى ذروةً تبدّى له جبريل عليه السّلام، فقال مثل ذلك.
حدّثنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: حدّثنا [أبو] داود، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ. قال أبو داود: وحدّثنا مسدّد بن مسرهدٍ، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال أبو داود: وحدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن ابن إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، دخل حديث بعضهم في بعض. قال: كان لكلّ قبيلٍ من الجنّ مقعدٌ من السّماء يستمعون فيه، فلمّا رموا بالشّهب، وحيل بينهم وبين خبر السّماء قالوا: ما هذا إلا لشيءٍ حدث في الأرض، وشكوا ذلك إلى إبليس، فقال: ما هذا إلا لشيءٍ حدث في الأرض، فائتوني من تربة كلّ أرضٍ، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، يبتغون علم ذلك، فأتوه من تربة كلّ أرضٍ، فكان يشمّها ويرمي بها، حتّى أتاه الّذين توجّهوا إلى تهامة بتربةٍ من تربة مكّة، فشمها، فقال: من ها هنا يحدث الحدث. فنظر، فإذا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد بعث، فانطلقوا فوجدوا رسول الله وطائفةً معه من أصحابه بنخلة عامدين إلى سوق عكاظٍ، وهو يصلّي بهم صلاة الفجر. فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا والله الّذي حال بيننا وبين خبر السّماء، فولّوا إلى قومهم منذرين، فقالوا: يا قومنا إنّا سمعنا قرآنًا عجبا يهدي إلى الرشد. وذكر تمام الخبر.
قال أبو داود: وحدّثنا وهب بن بقيّة، عن خالدٍ، قال أبو داود: حدثنا محمّد بن العلاء عن ابن إدريس، كلاهما عن حصينٍ، عن عامرٍ الشّعبيّ، قال:
لمّا بعث النّبي صلّى الله عليه وسلّم رجمت الشّياطين بنجومٍ لم تكن ترجم بها من قبل، فأتوا عبد يا ليل ابن عمرٍو الثّقفيّ فقالوا: إنّ النّاس قد فزعوا وأعتقوا رقيقهم وسيّبوا أنعامهم لما رأوا في النّجوم، فقال لهم: وكان رجلا أعمى: لا تعجلوا وانظروا، فإن كانت النّجوم الّتي تعرف فهو عند فناء النّاس، وإن كانت لا تعرف فهو من حدث، فنظروا، فإذا هي نجومٌ لا تعرف. فقالوا: هذا أمرٌ حدث، فلم يلبثوا حتّى سمعوا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
أخبرنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: حدّثنا أبو داود سليمان بن الأشعت، قال: أخبرنا أبو عاصم خسيس بن أصرم، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال: أخبرني أبو سلمة، عن جابر، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحدّث عن فترة الوحي، قال: "بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السّماء، فرفعت رأسي، فإذا الملك الّذي جاءني بحراءٍ جالسًا على كرسيٍّ بين السّماء والأرض فجثثت منه رعبًا، فرجعت، فقلت: زمّلوني دثّروني" فأنزل الله عزّ جلّ: {يا أيها المدثر} إلى قوله: {والرّجز فاهجر} وهي الأوثان.
وقال شعبة عن مغيرة، عن إبراهيم النّخعيّ: نزلت عليه {يا أيها المدثر} وهو في قطيفةٍ.
وقال شيبان، عن الأعمش، عن إبراهيم: أوّل سورةٍ أنزلت
عليه: {اقرأ باسم ربك الّذي خلق}.
وهو قول عائشة وعبيد بن عميرٍ ومحمّد بن عبّاد بن جعفرٍ والحسن البصريّ وعكرمة ومجاهدٍ والزهريّ). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 27-35]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (باب [ذكر] دعاء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قومه وغيرهم
إلى دين الله والدّخول في الإسلام، وذكر بعض ما لقي [منهم] من الأذى وصبره في ذلك على البلوى صلّى الله عليه وسلّم
[دعوة الرّسول قومه وغيرهم إلى الإسلام].
قال الله عز وجل: {قم فأنذر} وقال عز وجل: {فاصدع بما تؤمر}.
أخبرنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ [قال حدّثنا أبو داود] قال: حدّثنا محمّد بن يحيى بن فارسٍ، قال: حدّثني محمّد بن كثيرٍ الصّنعانيّ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن عروة عن عائشة قالت: ثمّ دعا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، إلى الإسلام سرًّا [وجهرًا] وهجر الأوثان، فاستجاب له من شاء من الأحداث والكهول وضعفة النّاس، حتّى كثر من آمن به وصدّقه، وكفّار قريشٍ غير منكرين لما يقول، يقولون إذا مرّ عليهم: إنّ غلام بني هاشمٍ هذا ويشيرون إليه ليكلّم، زعموا، من السّماء. فكانوا على ذلك حتّى عاب آلهتهم الّتي كانوا يعبدون، وذكر هلاك آبائهم الّذين ماتوا كفّارًا، فغضبوا لذلك وعادوه. فلمّا ظهر الإسلام وتحدّث به المؤمنون أقبلوا عليهم يعذّبونهم ويؤذونهم، يريدون بذلك فتنتهم عن دينهم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تفرّقوا في الأرض، فقالوا: أين نذهب يا رسول الله؟
فقال: ها هنا، وأشار بيده نحو أرض الحبشة. فهاجر إليها ناس ذوو عدد، منهم من هاجر بنفسه، ومنهم من هاجر بأهله.
أخبرنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ ومحمّد بن المثنّى، قال ابن المثنّى: حدّثنا محمّد بن عبد الله الأنصاريّ، وقال ابن بشّارٍ: أخبرنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا محمّد بن عمرٍو، عن محمّد بن المنكدر، عن ربيعة بن عبّادٍ الدّؤليّ، قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذي المجاز يطوف بالنّاس، ويتّبعهم في منازلهم، يدعوهم إلى الله، يقول: إنّ الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، ورجلٌ خلفه يقول: يا أيّها النّاس هذا ينهاكم أن تدينوا دين آبائكم، فلا يصدّنّكم عن دينكم ودين آبائكم فقلت: من هذا؟ قالوا: عمّه أبو لهبٍ.
دخل حديث بعضهم في بعضٍ، ورواه زيد بن أسلم، عن محمّد بن المنكدر مثله [روي من وجوهٍ كلها صحاح] ). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 36-37]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): ( [أول النّاس إيمانًا بالله ورسوله]
قال الفقيه أبو عمر رضي الله عنه:
فكان أول من آمن بالله ورسوله فيما أتت به الآثار وذكره أهل السّير والأخبار منهم ابن شهاب وغيره، وهو قول موسى بن عقبة ومحمّد بن إسحاق ومحمّد بن عمر الواقديّ وسعيد بن يحيى بن سعيد الأموي وغيرهم، خديجة بنت خويلد زوجته صلّى الله عليه وسلّم، وأبو بكر الصّديق، وعلي بن أبي طالب، واختلف في الأول منهما، فروي عن حسان بن ثابت وإبراهيم النّخعيّ وطائفة: أبو بكر أول من أسلم. والأكثر منهم يقولون عليّ. وقد ذكرنا القائلين بذلك والآثار الواردة في بابه من كتاب الصّحابة. وروي عن ابن عبّاس القولان جميعًا. واختلفوا في سنّ عليّ يومئذٍ، فقيل: ثماني سنين، وقيل: عشر سنين، وقيل: اثنتا عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة سنة. قاله الحسن البصريّ وغيره. وقال ابن إسحاق: كان أوّل ذكرٍ ممّن آمن بالله وصدق رسول الله فيما جاء به من عند الله عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهو ابن عشر سنين يومئذٍ.
قال، أي ابن إسحاق: ثمّ أسلم زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب الكلبيّ قلت: شراحيل -قاله ابن هشام- مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: ثمّ أسلم أبو بكر بن أبي قحافة، واسم أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة.
قال أبو عمر: ثمّ أسلم خالد بن سعيد بن العاصي، وأسلمت معه امرأته: أمينة بن خلف بن أسعد الخزاعيّة، وبلال وعمار بن ياسر وأمه سميّة، وصهيب بن سنان النمري المعروف بالرومي، وعمرو بن عبسة السّلميّ ورجع إلى بلاد قومه، وعمرو بن سعيد بن العاصي.
ثمّ أسلم بدعاء أبي بكر الصّديق عثمان بن عفّان، والزّبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرّحمن بن عوف.
ثمّ أسلم أبو عبيدة الجراح، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وعثمان بن مظعون، ثمّ أخواه: قدامة وعبد الله، وابنه: السّائب بن عثمان بن مظعون، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأسماء بنت أبي بكر الصّديق، وعائشة بنت أبي بكر الصّديق، وهي صغيرة، وفاطمة بنت الخطاب أخت عمر بن الخطاب زوج سعيد بن زيد، وعمير بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وأخوه عتبة بن مسعود، وسليط بن عمرو العامري، وعيّاش بن أبي ربيعة المخزومي، وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخربة التميمية، ومسعود بن ربيعة بن عمرو القاري من بني الهون بن خزيمة وهم القارة، وخنيس بن حذافة بن قيس بن عدي السّهمي، وعبد الله جحش الأسدي). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 38-39]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (تتمّة السّابقين إلى الإيمان برسول الله صلّى الله عليه وسلّم
وحمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس، وعامر بن ربيعة العنزي من عنز بن وائل -قال ابن هشام: عنز بن وائل من ربيعة- حليف الخطاب بن نفيل وأبو أحمد بن جحش الأعمى وحاطب بن الحارث بن معمر الجمحي وامرأته بنت المجلل العامرية وحطاب بن الحارث أخوه وامرأته فكهية بنت يسار وأخوهما معمر بن الحارث بن معمر الجمحي والمطلب بن أزهر بن عبد عوف الزّهريّ وامرأته رملة بنت أبي عوف السهمية، والنحام واسمه نعيم بن عبد الله العدوي وعامر بن فهيرة أزدي من الأزد أمه فهيرة مولاة أبي بكر الصّديق وحاطب بن عمرو بن شمس بن عبد ود العامري أخو سليط بن عمرو وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة واسمه مهشم بن عتبة فيما قال ابن هشام وواقد بن عبد الله بن عبد مناف [بن عرين] -فيما قال ابن هشام- ابن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة الحنظلي التّميمي حليف بني عدي بن كعب، وأبو ذر جندب بن جنادة ولكنه رجع إلى بلاد قومه فتأخرت هجرته، وإياس وخالد وعاقل وعامر بنو البكير بن عبد يا ليل بن ناشب من بني سعد بن ليث حلفاء بني عدي، والأرقم بن أبي الأرقم واسم أبي الأرقم عبد مناف بن أبي جندب واسم أبي جندب أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
وأسلم حمزة بن عبد المطلب، وكان سبب إسلامه أن أبا جهل شتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتناوله وحمزة غائب في صيد، وكان راميا كثير الصّيد، فلمّا انصرف قالت له امرأته: يا أبا عمارة: ماذا لقي ابن أخيك من أبي جهل؟ شتمه وتناوله وفعل وفعل، قال: فهل رآه أحد؟ قالت: نعم أهل ذلك المجلس عند الصّفا. فأتاهم وهم جلوس وأبو جهل فيهم، فجمع على قوسه يديه، فضرب بها رأس أبي جهل، فدق سيتها.
ثمّ قال: خذها بالقوس، ثمّ أخرى بالسّيف، أشهد أنه رسول الله وأن ما جاء به حق من عند الله. وسمي من يومئذٍ أسد الله.
ثمّ عمر بن الخطاب، أسلم بعد أربعين رجلا واثنتي عشرة امرأة، فعز الإسلام وظهر بإسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 39-40]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): ( [ذكر بعض ما لقي الرّسول وأصحابه من أذى قومه وصبرهم على ذلك]
ولما أعلن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدّعاء إلى الله تعالى نابذته قريش، ورموه بالبهتان، وجاهروا في عداوته، وأظهروا البغضاء له، وآذوه. وآذوا من اتبعه، بكل ما أمكنهم من الأذى. فأما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأجاره عمه أبو طالب، ومنع منه. وكذلك أجار أبا بكر قومه، ثمّ أسلموه فأجاره ابن الدغنة. وأجار العاصي بن وائل عمر بن الخطاب.
أخبرنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمّد بن المثنّى، قالا: حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، قال: حدّثنا زائدة بن قدامة، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد الله، قال: كان أوّل من أظهر إسلامه سبعةٌ: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو بكرٍ، وعمّارٌ، وأمّه سميّة، وصهيبٌ، وبلالٌ، والمقداد. فأمّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنعه الله بعمّه أبي طالبٍ، وأمّا أبو بكرٍ فمنعه الله بقومه، وأمّا سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشّمس، فما منهم إلا من واتاهم فيما أرادوا وأوهمهم بذلك إلا بلالٌ، فإنّه هانت عليه نفسه في الله عزّ وجلّ، وهان على قومه فأخذوه، وأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكّة، وهو يقول: أحدٌ، أحدٌ.
وعن مجاهدٍ مثله سواءً، وزاد في قصّة بلالٍ: وجعلوا في عنقه حبلا، ودفعوه إلى الصّبيان يلعبون به، حتّى أثّر في عنقه، ثمّ ملّوه فتركوه. قال ابن عبد البرّ: وقد ذكرنا خبره بأكثر من هذا في بابه من كتاب الصّحابة. ولم يذكر ابن مسعودٍ ولا مجاهدٌ في هذا الخبر خديجة ولا عليًّا، وهما أوّل من أسلم عند أكثر أهل العلم، لأنّهما كانا في بيت رسول الله، ومن كان في بيته كان في جوار عمّه. ومع ذلك فإنّه لم يظهر إلى قريشٍ منهما ذلك، فلم يؤذيا. وهؤلاء السّبعة ظهر منهم ذلك، فلقوا الأذى الشّديد من قومهم فقصد بهذا الحديث إلى الخبر عنهم.
حدّثنا عبد الله، قال: حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا سليمان، قال: حدّثنا عمرو بن عثمان ومحمود بن خالدٍ وحسين بن عبد الرّحمن، قالوا: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن الأوزاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث التّيميّ، عن عروة بن الزّبير، قال:
سألت عبد الله بن عمرو بن العاص، قلت: أخبرني بأشدّ شيءٍ صنعه المشركون برسول الله، قال: نعم، بينما رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيطٍ، فوضع ثوبه في عنق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخنقه به خنقًا شديدًا. قال: فأقبل أبو بكرٍ حتّى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن رسول الله، وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربّي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربكم.
ورواه بشر بن بكرٍ [أيضًا] عن الأوزاعيّ بإسناده مثله*. وروى بشر بن بكر، عن الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدّثني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء، فذكر مثله، وعند عمر بن عبد الواحد، عن الأوزاعيّ عن هذا الإسناد أيضا في هذا الخبر، وعن إسماعيل بن سمّاعة أيضا مثله، عن الأوزاعيّ بهذا الإسناد في هذا الخبر. وعن الوليد بن مزيد، عن الأوزاعيّ في هذا الخبر الإسناد الأول. وروى محمّد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص هذا الخبر بمعناه، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص هذا الخبر بمعناه، وزاد فيه، فقال: "يا معشر قريش والّذي نفسي بيده لقد أرسلني ربّي إليكم بالذبح".
ورواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص بمعنى حديث يحيى بن أبي كثير وحديث محمّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو.
حدّثنا عبد الله، قال: حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا محمّد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة: أنّ محمّد بن أبي عبيدة، حدّثهم عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنسٍ، قال:
لقد ضربوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى غشي عليه، فقام أبو بكرٍ، فقال: "ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربّي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم" فقالوا: هذا ابن أبي قحافة المجنون). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 41- 43]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): ( [المجاهرون بالظلم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكل من آمن به]
قال الفقيه أبو عمر رضي الله عنه: وكان المجاهرون بالظلم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكل من آمن به من بني هاشم عمّه أبا لهب وابن عمه أبا سفيان بن الحارث.
ومن بني عبد شمس: عتبة وشيبة ابني ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأبا سفيان بن حرب، وابنه حنظلة، والحكم بن أبي العاص بن أميّة، ومعاوية بن العاص بن أميّة.
ومن بني عبد الدّار: النّضر بن الحارث.
ومن بني أسد بن عبد العزّى: الأسود بن المطلب، وابنه زمعة، وأبا البختري العاصي بن هشام.
ومن بني زهرة: الأسود بن [عبد] يغوث الزّهريّ.
ومن بني مخزوم: أبا جهل بن هشام، وأخاه العاصي بن هشام، وعمهما الوليد بن المغيرة، وابنه أبا قيس بن الوليد بن المغيرة، وابن عمه قيس بن الفاكه بن المغيرة، وزهير بن أبي أميّة بن المغيرة أخا أم سلمة، وأخاه عبد الله بن أبي أميّة، والأسود بن عبد الأسد أخا أبي سلمة، وصيفي بن السّائب.
ومن بني سهم: العاص بن وائل، وابنه عمرو بن العاص، وابن عمه الحارث بن قيس بن عدي، ومنبها ونبيها ابني الحجّاج.
ومن بني جمح: أميّة وأبيًّا ابني خلف بن وهب بن حذافة بن جمح السّهمي، وأنيس بن معير أخا أبي محذورة، والحارث بن الطّلاطلة الخزاعيّ.
وعدي بن الحمراء الثّقفيّ.
فهؤلاء كانوا أشد على المؤمنين مثابرة بالأذى، ومعهم سائر قريش، فمنهم من يعذبون من لا منعة له ولا جوار من قومه، ومنهم من يؤذون. ولقي المسلمون من كفار قريش وحلفائهم من العذاب والأذى والبلاء عظيما، ورزقهم الله من الصّبر على ذلك عظيما ليدخر لهم ذلك في الآخرة ويرفع به درجاتهم في الجنّة، والإسلام في كل ذلك يفشو ويظهر في الرّجال والنّساء.
وأسلم الوليد بن الوليد بن المغيرة، وسلمة بن هشام أخو أبي جهل، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وجماعة، أراد الله هداهم.
وأسرف بنو جمح على بلال بالأذى والعذاب، فاشتراه أبو بكر الصّديق منهم، واشترى أمه حمامة، فأعتقهما. وأعتق عامر بن فهيرة، وأعتق خمسا من النّساء: أمّ عبيس، وزنيرة، والنهدية وابنتها، وجارية لبني عدي بن كعب كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يعذبها على الإسلام قبل أن يسلم. وروى أن أبا قحافة قال لابنه أبي بكر: يا بني أراك تعتق قوما ضعفاء، فلو أعتقت قوما جلداء يمنعونك. فقال: يا أبت إنّي أريد ما أريد، فقيل إن فيه نزلت: {وسيجنّبها الأتقى، الّذي يؤتي ماله يتزكى... } إلى آخر السّورة.
حدّثنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا يحيى بن خلف: قال: حدّثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {أرأيت الّذي ينهى عبدًا إذا صلّى} قال: أبو جهل ينهى محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم. {فليدع ناديه} : أهل مجلسه. {سندع الزّبانية} قال: الملائكة.
حدّثنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدّثنا سليمان بن حبّان، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال:
صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجاء أبو جهلٍ، فقال: ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فزجره، فقال: يهدّدني محمّدٌ وقد علم أنّ ما بها رجلٌ أكثر ناديًا منّي، فأنزل الله عزّ وجلّ: {فليدع ناديه، سندع الزّبانية}.
قال ابن عبّاسٍ: والله لو دعا ناديه لأخذته الملائكة والعذاب). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 44- 46]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): ( [المستهزئون]
قال أبو عمر رضي الله عنه: وكان المستهزئون الّذين قال الله فيهم: {إنّا كفيناك المستهزئين} عمّه أبا لهب، وعقبة بن أبي معيط، والحكم بن أبي العاصي، والأسود بن المطلب بن أسد أبا زمعة، والأسود بن عبد يغوث، والعاصي بن وائل، والوليد بن المغيرة، والحارث بن غيطلة السّهمي ويقال له ابن الغيطلة.
وكان جبريل مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض وقفاته معه، فمر بهما من المستهزئين الوليد بن المغيرة والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن غيطلة، والعاصي بن وائل، واحدًا بعد واحد. فشكاهم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، إلى جبريل، فأشار إليه جبريل عليه السّلام، وقال: كفيتكهم. فهلكوا بضروب من البلاء والعمى قبل الهجرة.
وفيما لقي بلال وعمار والمقداد وخباب وسعد بن أبي وقاص وغيرهم ممّن لم تكن له منعة من قومه من البلاء والأذى ما يجمل أن يفرد له كتاب، ولكنّا نقف في كتابنا عند شرطنا، وبالله توفيقنا.
فلمّا اشتدّ بالمسلمين البلاء والأذى وخافوا أن يفتنوا عن دينهم، أذن الله لهم في الهجرة إلى أرض الحبشة، وقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "سيروا إليها فإن لها ملكا لا تظلمون عنده"). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 47]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (باب ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة
قال أبو عمر: أخبرنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا محمّد بن داود بن سفيان. وحدّثنا خلف بن سعيدٍ، قال: حدّثنا أحمد بن خالدٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة، قال: فلمّا كثر المسلمون وظهر الإيمان أقبل كفّار قريش على من آمن من قبائلهم يعذبونهم ويؤذونهم ليردوهم عن دينهم. قال: فبلغنا أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال لمن آمن به: "تفرقوا في الأرض، فإن الله تعالى سيجمعكم". قالوا: إلى أين نذهب؟ قال: "ها هنا"، وأشار بيده إلى أرض الحبشة، فهاجر إليها ناس ذوو عدد، منهم من هاجر بأهله، ومنهم من هاجر بنفسه، حتّى قدموا أرض الحبشة.
قال الفقيه أبو عمر رضي الله عنه: فكان أول من خرج من المسلمين فارًّا بدينه إلى أرض الحبشة عثمان بن عفّان، معه امرأته رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقد قيل إن أول من هاجر إلى الحبشة أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخو سهيل بن عمرو. وقيل: هو سليط بن عمرو.
وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة هاربا عن أبيه [بدينه] ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو مراغمة لأبيها فارة عنه بدينها، فولدت له بأرض الحبشة محمّد بن أبي حذيفة صنو الزبير بن العوام. ومصعب بن عمير، وعبد الرّحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد معه امرأته أم سلمة بنت أبي أميّة.
وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم العدوية.
وأبو سبرة أبي رهم العامري، وامرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو، وسهيل بن بيضاء، وهو سهيل بن وهب بن ربيعة الفهري.
ثمّ خرج بعدهم جعفر بن أبي طالب، ومعه امرأته أسماء بنت عميس، فولدت له هناك بنيه: محمّدًا وعبد الله وعونا.
وعمرو بن سعيد بن العاص بن أميّة، ومعه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أميّة بن محرث بن شقّ بن رقبة بن مخدج الكنانية، وأخوه خالد بن سعيد بن العاص، معه امرأته أميّة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن يثيع الخزاعيّة، فولدت له هناك ابنه سعيدا وابنته أم خالد واسمها آمنة بنت خالد.
وعبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي، وأخوه عبيد الله بن جحش، معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فتنصّر هناك، ومات نصرانيّا مرتدا عن دينه.
وقيس بن عبد الله حليف لبني أميّة بن عبد شمس، معه امرأته بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب.
ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي حليف لبني العاص بن أميّة.
وعتبة بن غزوان بن جابر المازني، من بني مازن بن منصور أخي سليم بن منصور، حليف بني نوفل بن عبد مناف.
ويزيد بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد، وعمرو بن أميّة بن الحارث بن أسد، والأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد. وطليب بن عمير بن وهب بن أبي كبير بن عبد قصي وسويبط بن سعد بن حرملة، ويقال حريملة، بن مالك العبدري.
وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدّار العبدري، معه امرأته [أم] حرملة بنت عبد الأسود بن جذيمة بن الأقيش بن عامر بن بياضة بن يثبع بن جعثمة بن سعيد بن مليح بن عمرو من خزاعة، وابناه عمرو بن جهم وخزيمة بنت جهم.
وأبو الرّوم بن عمير أخو مصعب بن عمير، وفراس بن النّضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدّار، وعامر بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص.
والمطلب بن أزهر بن عبد عوف، معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة السهمية، ولدت له هناك عبد الله بن المطلب.
وعبد الله بن مسعود الهذليّ، وأخوه عتبة بن مسعود، والمقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراني، ويقال له المقداد بن الأسود لأن الأسود بن عبد يغوث الزّهريّ تبناه وهو حليف له.
والحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة، ومعه امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة، فولدت له هناك موسى وزينب وعائشة وفاطمة.
وعمرو بن عثمان بن عمرو التّيميّ عم طلحة، وشماس بن عثمان بن الشريد المخزومي واسمه عثمان بن عثمان، وهبّار بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال المخزومي، وأخوه عبد الله بن سفيان، وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وعيّاش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، ومعتب بن عوف بن عامر الخزاعيّ، يعرف بمعتب بن حمراء حليف بني مخزوم، والسائب بن عثمان بن مظعون، وعماه قدامة وعبد الله ابنا مظعون.
وحاطب وحطاب ابنا الحارث بن معمر الجمحي، ومع حاطب زوجه فاطمة بنت المجلل العامرية، ولدت له هناك محمّدًا والحارث ابني حاطب، ومع حطاب زوجه فكيهة بنت يسار.
وسفيان بن معمر بن حبيب الجمحي، ومعه ابناه جابر وجنادة ابنا سفيان، وأمهما حسنة، وأخوهما لأمّهما شرحبيل بن حسنة، وهو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع الكنديّ وقيل إنّه من بني الغوث بن مر أخي تميم بن مر.
وعثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة بن جمح، وخنيس بن حذافة بن قيس بن عدي السّهمي، وأخواه قيس وعبد الله ابنا حذافة، ورجل من تميم اسمه سعيد بن عمرو كان أخا بشر بن الحارث بن قيس بن عدي لأمه.
وهشام بن العاص بن وائل أخو عمرو بن العاص، وعمير بن رئاب بن حذيفة السّهمي، وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي السّهمي، وإخوانه: الحارث بن الحارث ومعمر بن الحارث وسعيد بن الحارث، والسائب بن الحارث، وبشر بن الحارث، ومحمية بن جزء الزبيديّ حليف بني سهم.
ومعمر بن عبد الله بن نضلة العدوي من بني عدي بن كعب وعروة بن عبد العزي ابن حرثان العدوي وعدي بن نضلة بن عبد العزّى العدوي. وابنه النّعمان بن عدي، ومالك بن ربيعة بن قيس العامري وامرأته عمرة بنت أسعد بن وقدان بن عبد شمس العامرية، وسعد بن خولة من أهل اليمن حليف لبني عامر بن لؤي، وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزّى العامري، وعبد الله بن سهيل بن عمرو العامري، وعماه: سليط بن عمرو، والسكران بن عمرو، ومع السّكران بن عمرو امرأته سودة بنت زمعة.
وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري، وعمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر، وعياض بن زهير بن أبي شدّاد الفهري، وعثمان بن عبد غنم بن زهير بن أبي شدّاد. وسعد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر الفهري.
وقد جاء في بعض الأثر، وقاله بعض أهل السّير، أن أبا موسى الأشعريّ كان فيمن هاجر إلى أرض الحبشة، وليس كذلك، ولكنه خرج في طائفة من قومه مهاجرا من بلده باليمن، يريد المدينة، فركبوا البحر، فرمتهم الرّيح بالسفينة الّتي كانوا فيها إلى أرض الحبشة، فأقام هنالك حتّى قدم مع جعفر بن أبي طالب.
ولما نزل هؤلاء بأرض الحبشة أمنوا على دينهم وأقاموا بخير دار عند خير جار. وطالبتهم قريش عنده، فكان ذلك سبب إسلامه على ما نورده بعد إن شاء الله.
وأقام بمكّة من كان له من عشيرته منعة. فلمّا رأت قريش أن الإسلام يفشو وينتشر اجتمعوا فتعاقدوا، على بني هاشم وأدخلوا معهم بني المطلب، ألا يكلموهم ولا يجالسوهم ولا يناكحوهم ولا يبايعوهم. واجتمع على ذلك ملؤهم، وكتبوا بذلك صحيفة، وعلقوها في الكعبة. فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب كلهم كافرهم ومؤمنهم، فصاروا في شعب أبي طالب محصورين مبعدين مجتنبين، حاشا أبا لهب وولده فإنّهم صاروا مع قريش على قومهم، فبقوا كذلك ثلاث سنين إلى أن جمع الله قلوب قوم من قريش على نقض ما كانت قريش تعاقدت فيه على بني هاشم وبني المطلب). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 48-52]