9 Oct 2022
الدرس الخامس: حوادث ما بين غزوة بدر وغزوة أحد
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (بعث مشركي قريش عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة إلى النّجاشيّ
وبالإسناد قال الفقيه أبو عمر:
أخبرنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: أنبأنا محمّد بن بكرٍ، قال: أنبأنا أبو داود، قال: أنبأنا ابن السّرح، قال: أنبأنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: بلغني أن مخرج عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة إلى أرض الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين كان بعد وقعة بدر. فلمّا بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مخرجهما بعث عمرو بن أميّة الضمري من المدينة إلى النّجاشيّ بكتاب.
أخبرنا عبد الله بن محمّدٍ، قال: أنبأنا محمّد بن بكرٍ، قال: أنبأنا أبو داود، قال: أنبأنا محمّد بن سلمة المرادي، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن يونس عن ابن شهابٍ، عن أبي بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ، وعن سعيد بن المسيّب، وعن عروة بن الزبير:
أنّ الهجرة الأولى هجرة المسلمين إلى أرض الحبشة، وأنّه هاجر في تلك الهجرة جعفر بن أبي طالبٍ بامرأته أسماء بنت عميسٍ، وعثمان بن عفّان بامرأته رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو سلمة بن عبد الأسد بامرأته أمّ سلمة بنت أميّة، وخالد بن سعيد بن العاص بامرأته. وهاجر فيها رجالٌ من قريشٍ ذوو عددٍ ليس معهم نساؤهم. فلمّا أري رسول الله دار هجرتهم قال لأصحابه: "قد أريت دار هجرتكم: سبخةً ذات نخلٍ بين لابتين" وهي المدينة. فهاجر إليها من كان معه، ورجع رجالٌ من أرض الحبشة حين سمعوا بذلك، فهاجروا إلى المدينة، منهم عثمان بابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو سلمة بامرأته أمّ سلمة وحبس "مكثٌ" بأرض الحبشة جعفر بن أبي طالبٍ، وحاطب بن الحارث، ومعمر بن عبد الله العدويّ، وعبد الله بن شهاب، ورجال ذوو عددٍ من المهاجرين من قريشٍ الّذين هاجروا إلى أرض الحبشة حالت بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحرب. فلمّا كانت وقعة بدرٍ وقتل الله فيها صناديد الكفّار قال كفّار قريشٍ: إنّ ثأركم بأرض الحبشة، فأهدوا النّجاشيّ وابعثوا إليه رجلين من ذوي رأيكم، لعلّه يعطيكم من عنده من قريشٍ، فتقتلونهم بمن قتل منكم ببدرٍ. فبعث كفّار قريشٍ عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، وأهدوا للنّجاشيّ ولعظماء الحبشة هدايا. فلمّا قدما على النّجاشيّ قبل هداياهم، وأجلس معه عمرو بن العاص على سريره. [فكلّم النّجاشيّ فقال: إنّ بأرضك رجالا منّا ليسوا على دينك ولا على ديننا فادفعهم إلينا فقال عظماء الحبشة للنّجاشيّ: صدق، فادفعهم إليه، فقال النّجاشيّ: فلا والله لا أدفعهم حتّى أكلّمهم فأنظر على أيّ شيءٍ هم، فأرسل النّجاشيّ فيهم وأجلس معه عمرو بن العاص على سريره] فقال لهم النّجاشيّ: ما دينكم؟ أنصارى أنتم؟ قالوا: لا. قال: فما دينكم؟ قالوا: ديننا الإسلام، قال: وما الإسلام؟ قالوا: نعبد الله ولا نشرك به شيئًا، قال: ومن جاءكم بهذا؟ قالوا: جاءنا به رجلٌ من أنفسنا قد عرفنا وجهه ونسبه أنزل الله عليه كتابه، فعرفنا كلام الله وصدّقناه. قال لهم النّجاشيّ: فبم يأمركم؟ قالوا: يأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئًا، ويأمرنا أن نترك ما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصّلاة وبالوفاء وبأداء الأمانة وبالعفاف.
قال النّجاشيّ: فوالله إن خرج هذا إلا من المشكاة الّتي خرج منها أمر موسى عليه السّلام، فقال عمرو بن العاص حين سمع ذلك من النّجاشيّ: إنّ هؤلاء يزعمون أنّ ابن مريم إلهك الّذي تعبد عبدٌ. فقال النّجاشيّ لجعفرٍ ومن معه من المهاجرين: ماذا تقولون في عيسى بن مريم؟ قالوا: نقول هو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، وابن العذراء البتول. فخفض النّجاشيّ يده إلى الأرض، فأخذ عودًا وقال: والله ما زاد على ذلك قدر هذا العود. فقال عظماء الحبشة: والله لئن سمعت الحبشة بهذا لتخلعنّك. فقال النّجاشيّ: والله لا أقول في ابن مريم غير هذا القول أبدًا، إنّ الله لم يطع فيّ النّاس حين ردّ إليّ ملكي فأنا أطيع النّاس في الله، معاذ الله من ذلك. أرجعوا إلى هذا هديّته، فوالله لو رشوني دبرًا من ذهبٍ ما قبلته. والدّبر: الجبل، قال الهرويّ: لا أدري عربيٌّ أم لا. ثمّ قال: من نظر إلى هؤلاء الرّهط نظرةً يؤذيهم بها فقد غرم، ومعنى غرم هلك في قوله تعالى: {إنّ عذابها كان غراما} فخرج عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة* وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعث قريشٍ عمرو بن العاص إلى النّجاشيّ، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن أميّة الضّمريّ وكتب معه إلى النّجاشيّ، فقدم على النّجاشيّ، فقرأ كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ دعا جعفر بن أبي طالبٍ والمهاجرين، وأرسل إلى الرّهبان والقسّيسين، فجمعهم، ثمّ أمر جعفرًا يقرأ عليهم القرآن، فقرأ سورة مريم: {كهيعص} وقاموا تفيض أعينهم من الدّمع، فهم الّذين أنزل الله فيهم: {ولتجدنّ أقربهم مودّةً للّذين آمنوا الّذين قالوا إنّا نصارى... } وقرأ عليهم إلى {الشّاهدين}.
وحدثنا عبيد الله بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: أنبأنا أبو داود، قال: حدّثنا محمّد بن عمرٍو المراديّ، قال: أنبأنا سلمة بن الفضل، حدّثني محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن مسلم بن عبد الله بن شهابٍ الزّهريّ، عن أبي بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ، عن أم سلمة بنت أبي أميّة بن المغيرة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت:
لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جارٍ [النّجاشيّ]، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله عزّ وجلّ لا نؤذى، ولا نسمع شيئًا نكرهه، فلمّا بلغ ذلك قريشًا ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النّجاشيّ فينا رجلين منهم جلدين وأن يهدوا إلى النّجاشيّ ما يستطرف من متاع مكّة، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم، فجمعوا له أدمًا كثيرًا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا إليه هديّةً. ثمّ بعثوا [بذلك] عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بن وائلٍ، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلّما النّجاشيّ فيهم، ثمّ قدّما إلى النّجاشيّ هداياه، ثمّ سلاه أن يسلّمهم إليكما قبل أن يكلّمهم. قالت: فخرجا حتّى قدما على النّجاشيّ ونحن عنده بخير دارٍ، فلم يبق بطريقٌ إلا دفعا إليه هديّته قبل أن يكلّما النّجاشيّ، وقالا لكلّ بطريقٍ: إنّه قد ضوى إلى بلد الملك منّا غلمانٌ سفهاء خالفوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدينٍ مبتدعٍ لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردّهم إليهم، فإذا كلّمنا الملك [فيهم] فأشيروا عليه أن يسلّمهم إلينا ولا يكلّمهم فإنّ قومهم أعلى بهم عينًا يريد أقعد علمًا بهم، العين: العلم ها هنا، أي فوقهم في العلم بهم وأعلى من غيرهم فقالوا لهما: نعم. ثمّ إنّهما قدّما هداياهما إلى النّجاشيّ فقبلها منهما. ثمّ كلّماه، فقالا: أيّها الملك إنّه قد ضوى إلى بلدك منّا غلمانٌ سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، جاءوا بدينٍ ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردّهم عليهم، وهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيءٌ أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النّجاشيّ. فقالت بطارقته حوله: صدقا أيّها الملك، قومهم أعلى بهم عينًا وأعلم بما عابوا عليهم [وعاتبوهم فيه]. فأسلمهم إليهم ليردّاهم إلى بلادهم وقومهم. قالت: فغضب النّجاشيّ، ثمّ قال: لا والله أبدًا لا أسلمهم إليهما ولا يكاد قومٌ جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتّى أدعهم فأسألهم عمّا يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني.
قالت: ثمّ أرسل إلى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدعاهم، فلمّا جاءهم رسوله اجتمعوا وقال لبعضٍ: ما تقولون للرّجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علّمنا الله وما أمرنا به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم كائنًا في ذلك ما هو كائنٌ، فلمّا جاءوه وقد دعا النّجاشيّ أساقفته ونشروا مصاحفهم حوله سألهم، فقال لهم: ما هذا الدّين الّذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحدٍ من هذه الملل؟ قالت: فكان الّذي كلّمه جعفر بن أبي طالبٍ، فقال: أيّها الملك كنّا قومًا أهل جاهليّةٍ، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء إلى الجار ويأكل القويّ منّا الضّعيف. كنّا على ذلك حتّى بعث الله عزّ وجلّ إلينا رسولا منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وأمانته وعفافه، فدعا [نا] إلى الله لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان. وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرّحم وحسن الجوار والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزّور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام. قالت: فعدّد [عليه] أمور الإسلام. وقال: فصدّقناه وآمنّا به، واتّبعناه على ما جاء له عن الله عزّ وجلّ، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئًا، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما حلّل لنا. فعدا علينا قومنا فعذّبونا وفتنونا عن ديننا، ليردّونا إلى عبادة الأوثان [من عبادة الله] وأن نستحلّ ما كنّا نستحلّ من الخبائث. فلمّا قهرونا وظلمونا وضيّقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك وآثرناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيّها الملك. قالت: فقال: هل معك ممّا جاء به عن الله شيءٌ؟ قال جعفرٌ: نعم، فقال له النّجاشيّ: فاقرأه عليّ. فقرأ عليه: {كهيعص}. قالت: فبكى النّجاشيّ حتّى والله اخضلّت لحيته، وبكت أساقفته حتّى اخضلّت لحاهم حين سمعوا ما يتلى عليهم. فقال النّجاشيّ: إنّ هذا والّذي جاء به موسى ليخرج من مشكاةٍ واحدةٍ، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما أبدًا.
قالت: فلمّا خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتين غدا بما أستأصل به خضراءه. قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة، وكان أبقى الرّجلين فينا، لا تفعل، فإنّ لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا، قال: والله لأخبرنّه أنّهم يزعمون أنّ عيسى عبدٌ. قالت: ثمّ غدا عليه من الغد، فقال: أيّها الملك إنّهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيمًا، فأرسل إليهم، فاسألهم عمّا يقولون فيه. قالت: فأرسل إليهم ليسألهم عنه. قالت: ولم ينزل بنا مثلها فاجتمع القوم، ثمّ قال بعضهم لبعضٍ: ماذا تقولون في عيسى إذ سألكم [عنه]؟ قالوا: نقول ما قال الله عزّ وجلّ وما جاءنا به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم كائنًا في ذلك ما هو كائنٌ.
قالت: فلمّا دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال جعفر بن أبي طالبٍ؛ نقول فيه الّذي جاء [نا به نبيّنا عليه السّلام: عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. قالت: فضرب النّجاشيّ بيده إلى الأرض وأخذ منها عودًا، وقال: ما عدا عيسى بن مريم ممّا قلت هذا المقدار. قال: فتناخرت بطارقته حين قال ما قال: فقال: وإن نخرتم. ثمّ قال لجعفرٍ وأصحابه؛ اذهبوا فأنتم شيومٌ بأرضي -والشّيوم: الآمنون- من سبّكم غرم، ثمّ قال: ما أحبّ أن لي دبر ذهب [و] أنّي آذيت واحدًا منكم، والدّبر بلسان الحبشة: الجبل. ردّوا عليهما هديّتهما فلا حاجة لنا فيها. فوالله ما أخذ الله منّي الرّشوة حين ردّ إليّ ملكي فآخذ الرّشوة [فيه] وما أطاع النّاس في فأطيعهم فيه. قال: فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به. فأقمنا عنده بخير دارٍ وخير جارٍ. قالت: فوالله إنّا لعلى ذلك إذ نزل به رجلٌ من الحبشة ينازعه في ملكه. قالت: فوالله ما علمنا حزنًا قطّ كان أشد من حزن حزنّاه عند ذلك خوفًا أن يظهر ذلك الرّجل على النّجاشيّ، فيأتينا رجلٌ لا يعرف من حقّنا ما كان النّجاشيّ يعرف منه. وسار إليه النّجاشيّ وبينهما عرض النّيل. قالت: فقال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من يخرج حتّى يحضر وقعة القوم ثمّ يأتينا بالخبر؟ فقال الزّبير بن العوّام: أنا أخرج. قالت: وكان من أحدث القوم سنًّا، قالت: فنفخوا له قربةً، فجعلها في صدره ثمّ سبح عليه حتّى خرج إلى ناحية النّيل الّتي بها ملتقى القوم، ثمّ انطلق حتّى حضرهم. قالت: فدعونا الله عزّ وجلّ للنّجاشيّ بالظّهور على عدوّه والتّمكين له في بلاده، فوالله إنّا لعلى ذلك متوقّعون لما هو كائنٌ إذ طلع الزّبير يسعى ويلوّح بثوبه ويقول: ألا أبشروا فقد ظهر النّجاشيّ وأهلك الله عدوّه ومكّن له في بلاده. قالت: فوالله ما علتنا فرحةٌ قطّ مثلها. قالت: ورجع النّجاشيّ سالمًا وأهلك الله عدوه، واستوثق له أمر الحبشة، فكنّا عنده في خير منزلٍ حتّى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة.
قال الفقيه الحافظ أبو عمر رضي الله عنه:
هؤلاء قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة ثمّ هاجروا إلى المدينة، وجعفر وأصحابه بقوا بأرض الحبشة إلى عام خيبر. وقد قيل إن إرسال قريش إلى النّجاشيّ في أمر المسلمين المهاجرين إليها كان مرّتين في زمانين: المرة الواحدة كان الرّسول مع عمرو بن العاص عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي. والمرة الثّانية كان مع عمرو بن العاص عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي. وقد ذكر الخبر بذلك كله ابن إسحاق وغيره، وذكروا ما دار لعمرو مع عمارة بن الوليد من رميه إيّاه في البحر وسعي عمرو به إلى النّجاشيّ في بعض وصوله إلى بعض حرمه أو خدمه، وأنه ظهر ذلك في ظهور طيب الملك عليه، وأن الملك دعا بسحرة، ونفخوا في إحليله، فتشرد ولزم البريّة وفارق الإنس، وهام حتّى وصل إلى موضع رام أهله أخذه فيه، فلمّا قربوا منه فاضت نفسه ومات. هذا معنى الخبر. قال أبو عمرو: ولم أر لإيراده على وجهه معنى اكتفاء بما كتبناه في الكتاب، ولأن ابن إسحاق قد ذكره بتمامة. والله الموفق للصّواب). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 131-138]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (غزوة بني سليم
ولم يقم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد منصرفه عن بدر إلّا سبعة أيّام، ثمّ خرج بنفسه الكريمة يريد بني سليم، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة العفاري، وقيل: ابن أم مكتوم، فبلغ ماء يقال له الكدر، فأقام عليه ثلاث ليال ثمّ انصرف ولم يلق أحدا). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 139]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (غزوة السويق
ثمّ إن أبا سفيان [بن حرب] لما انصرف فل بدر آلى أن يغزو رسول لله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج في مائتي راكب حتّى أتى العريض في طرف المدينة، فحرق أصوارا من النّخل، وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له وجدهما في حرث لهما، ثمّ كرّ راجعا.
ثمّ نفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون في أثره، واستعمل على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر. وبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرقرة الكدر. وفاته أبو سفيان والمشركون، وقد طرحوا سويقا كثيرا من أزوادهم، يتخففون بذلك، فأخذه المسلمون، فسميت غزوة السويق: وكان ذلك في السّنة الثّانية من الهجرة بعد بدر بشهرين وأيّام.
قال المصنّف رضي الله عنه:
ولعمر، رضي الله عنه، حديث حسن في غزوة قرقرة الكدر، يقال إن عمران بن سوادة قال له وهو خليفة: إن رعيتك تشكو منك عنف السّياق وقهر الرّعية، فدق على الدرة وجعل يمسح سيورها، ثمّ قال: قد كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قرقرة الكدر، فكنت أرتع فأشبع وأسقي فأروى، وأكثر الزّجر، وأقل الضّرب، وأردّ العنود، وأزجر العروض، وأصم اللّفوت، وأسم بالعصا، وأضرب باليد، ولولا ذلك لأعذرت أي تركت، فضيعت. يذكر حسن سياسته حينئذٍ. والعنود: الحائد. والعروض: المستصعب من الرّجال والدّواب. والقرقرة: الأرض الواسعة الملساء. والكدر: طيور غبرٌ كأنّها القطا). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 140]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (غزوة ذي أمر
وأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة بقيّة ذي الحجّة، ثمّ غزا نجدا يريد غطفان، واستعمل على المدينة عثمان بن عفّان، فأقام صلّى الله عليه وسلّم بنجد صفرا كله، ثمّ انصرف، ولم يلق حربًا). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 140]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (غزوة بحران
فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة ربيعا الأول، ثمّ غزا يريد قريشًا، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فبلغ بحران، معدنا بالحجاز، ولم يلق حربًا. فأقام هنالك ربيعا الآخر وجمادى الأولى من السّنة الثّالثة. ثمّ انصرف إلى المدينة). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 141]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (غزوة بني قينقاع
ونقض بنو قينقاع من اليهود عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فخرج إليهم صلّى الله عليه وسلّم وحاصرهم حتّى نزلوا على حكمه. فشفع فيهم عبد الله بن أبي بن سلول، ورغب في حقن دمائهم، وألح على رسول الله وتعلق به حتّى أدخل يده في جيب درعه، فقال: "أرسلني"، فقال: والله لا أرسلك حتّى تحسن إليّ في موالي: أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع تريد أن تحصدهم في غداة واحدة. وكان حصاره صلّى الله عليه وسلّم لهم خمس عشرة ليلة واستخلف على المدينة في تلك المدّة [أبا لبابة] بشير بن عبد المنذر.
وذكر ابن إسحاق عن عاصم بن عمر وعبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما قدم المدينة وادعته اليهود وكتب عنه وعنهم كتابا، وألحق كل قوم بحلفائهم، وشرط عليهم فيما شرط أن لا يظاهروا عليه أحدا. فلمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بدر أتاه بنو قينقاع، فقالوا له: يا محمّد لا يغرك من نفسك أن نلت من قومك ما نلت، فإنّه لا علم لهم بالحرب، أما والله لو حاربتنا لعلمت أن حربنا ليس كحربهم وأنا لنحن النّاس*.
قال ابن إسحاق: وكان أول من نقض العهد بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وغدر من يهود بنو قينقاع. فسار إليهم رسول الله وحاصرهم في حصونهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكمه صلّى الله عليه وسلّم). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 141-142]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (البعث إلى كعب بن الأشرف
ولما اتّصل بكعب بن الأشرف -وهو رجل من نبهان من طيى وأمه من بني النّضير- قتل صناديد قريش ببدر قال: بطن الأرض خير من ظهرها. ونهض إلى مكّة، فجعل يرثي قتلى قريش، ويحرض على قتال النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وكان شاعرًا. ثمّ انصرف إلى موضعه فلم يزل يؤذي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويدعو إلى خلافه ويسب المسلمين حتّى آذاهم.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من لي بابن الأشرف فإنّه يؤذي الله ورسوله والمؤمنين؟ " فقال له محمّد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا أقتله إن شاء الله، قال: "فافعل إن قدرت على ذلك". فمكث محمّد بن مسلمة أيّامًا مشغول النّفس بما وعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من نفسه في قتل ابن الأشرف، وأتى أبا نائلة سلكان بن سلامة بن وقش وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش والحارث بن أوس بن معاذ وأبا عبس بن جبر، فأعلمهم بما وعد به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قتل ابن الأشرف، فأجابوه إلى ذلك، وقالوا: كلنا يا رسول الله نقتله. ثمّ أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله إنّه لا بد لنا أن نقول، فقال: "قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل" *.
ثمّ قدموا إلى كعب بن الأشرف أبا نائلة، فجاءه وتحدث معه ساعة، وتناشدا الشّعر. وكان أبو نائلة يقول الشّعر أيضا، فقال له أبو نائلة: يا بن الأشرف إنّي جئت في حاجة أذكرها لك فاكتم عليّ، قال: أفعل. قال: إن قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة، وقطعت عنّا السبل حتّى ضاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا. فقال كعب: أنا ابن الأشرف أما والله لقد كنت أحدثك يا بن سلامة أن أمركم سيصير إلى هذا. فقال له سلكان: إنّي أريد أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك ونحسن في ذلك، قال: أترهنوني أبناءكم أو نساءكم، قال: لقد أردت أن تفضحنا، أنت أجمل العرب فكيف نرهنك نساءنا؟! وكيف نرهنك أبناءنا فيعير أحدهم، فيقال: رهن وسقٍ ورهن وسقين؟! إن معي أصحابا على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم، فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء -وأراد أبو نائلة أن لا ينكر السّلاح عليهم إذا أتوه- قال: إن في الحلقة لوفاءً. فرجع أبو نائلة إلى أصحابه فأخبرهم الخبر. وأمرهم أن يأخذوا السّلاح ويأتوا رسول الله، ففعلوا واجتمعوا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فمشى بهم إلى بقيع الغرقد. ثمّ وجههم، وقال: "انطلقوا على اسم الله، اللهمّ أعنهم". ورجع عنهم فنهضوا -وكانت ليلة مقمرة- حتّى انتهوا إلى حصنه. فهتف أبو نائلة -وكان كعب حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفة، فأخذت امرأته بناحيتها، وقالت: إنّك امرؤ محاربٌ، وإن أهل الحرب لا ينزلون في مثل هذه السّاعة! فقال: إنّه أبو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني. فقالت: والله إنّي لأعرف في صوته الشّرّ، فقال لها كعب: لو دعي الفتى إلى طعنة أجاب فنزل فتحدث معهم ساعة، ثمّ قالوا له: يا بن الأشرف لو رأيت أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقيّة ليلتنا قال: إن شئتم، فخرجوا يتماشون. ثمّ إن نائلة مس فود رأسه بيده ثمّ شمها، وقال: ما رأيت كالليلة طيبا أعطر، ثمّ مشى ساعة وعاد لمثلها، حتّى اطمأن، ثمّ مشى ساعة وعاد لمثلها وأخذ بفودي رأسه، وقال: اضربوا عدو الله، فضربوه بأسيافهم، فصاح صيحة منكرة سمعها أهل الحصون، فأوقدوا النيران، واختلفت سيوفهم فلم تعمل شيئا. قال محمّد بن مسلمة: فذكرت مغولا في سيفي حين رأيت أسيافهم لا تغني، فأخذته -وقد صاح عدو الله صيحة أسمعت كل حصن حوله- فوضعته في ثنته ثمّ تحاملت عليه حتّى بلغت عانته، فوقع عدو الله ميتا.
وأصاب الحارث بن أوس يومئذٍ جرحٌ في رجله أو في رأسه ببعض سيوف أصحابه، فتأخر، ونجا أصحابه وسلكوا على دور بني أميّة بن زيد إلى بني قريظة إلى بعاث إلى حرّة العريض. وانتظروا هنالك صاحبهم حتّى وافاهم. فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في آخر اللّيل وهو يصلّي، فأخبروه، فتفل في جرح الحارث بن أوس، فبرئ. وأطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين على قتل اليهود. وحينئذٍ أسلم حويصة بن مسعود وقد كان أسلم أخوه محيصة قبله). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 142-145]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (غزوة أحد
فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة بعد قدومه من بحران جمادى الآخرة ورجبا وشعبان ورمضان، فغزته كفار قريش في شوّال سنة ثلاث، وقد استمدوا بحلفائهم والأحابيش من بني كنانة. وخرجوا بنسائهم لئلّا يفروا عنهن. وقصدوا المدينة، فنزلوا قرب أحد على جبل على شفير الوادي بقناة مقابل المدينة.
فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في منامه أن في سيفه ثلمة وأن بقرًا له تذبح وأنه أدخل يده في درع حصينة. فتأولها أن نفرا من أصحابه يقتلون وأن رجلا من أهل بيته يصاب وأن الدرع الحصينة المدينة. فأشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه أن لا يخرجوا إليهم وأن يتحصنوا بالمدينة فإن قربوا منها قاتلوهم على أفواه الأزقّة. ووافق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على هذا الرّأي عبد الله بن أبي بن سلول، وأبى أكثر الأنصار إلّا الخروج إليهم ليكرم الله من شاء منهم بالشّهادة. فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عزيمتهم دخل بيته، فلبس لأمته، وخرج، وذلك يوم الجمعة، فصلى على رجل من بني النجار مات ذلك اليوم يقال له مالك بن عمرو، وقيل: بل اسمه محرز بن عامر. وندم قوم من الّذين ألحوا في الخروج وقالوا: يا رسول الله إن شئت فارجع، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتّى يقاتل".
فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ألف من أصحابه، واستعمل ابن أم مكتوم على الصّلاة لمن بقي بالمدينة من المسلمين، فلمّا سار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نحو أحد انصرف عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلث النّاس مغاضبا، إذ خولف رأيه، فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام، فذكّرهم الله والرجوع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأبوا عليه، فسبهم، ورجع عنهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونهض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمسلمين، وذكر له قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود، فأبى عليهم. وسلك على حرّة بن حارثة، وشق أموالهم حتّى مشى على مال لمربع بن قيظي وكان ضرير البصر فقام يحثو التّراب في وجوه المسلمين ويقول: إن كنت رسول الله فلا يحل لك أن تدخل حائطي وأكثر من القول. فابتدره أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليقتلوه، فقال عليه السّلام: "فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر". وضربه سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل بقوسه فشجّه في رأسه. ونفذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى نزل الشّعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره إلى أحد، ونهى النّاس عن القتال حتّى يأمرهم. وسرحت قريش الظّهر والكراع في زروع المسلمين بقناة. وتعبأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للقتال، وهو في سبعمائة، وقيل: إن المشركين كانوا ثلاثة آلاف فيهم مائتا فارس، وقيل: كان في المسلمين يومئذٍ خمسون فارسًا. وكان رماة المسلمين خمسين رجلا. وأمّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرّماة عبد الله بن جبر أخا بني عمرو بن عوف وهو أخو خوات بن جبير، وعبد الله يومئذٍ معلم بثياب بيض، فرتبهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلف الجيش، وأمره بأن ينضح المشركين بالنّبل لئلّا يأتوا المسلمين من ورائهم. وظاهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذٍ بين درعين، ودفع اللّواء إلى مصعب بن عمير أحد بني عبد الدّار وأجاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذٍ سمرة بن جندب الفزاريّ ورافع بن خديج ولكل واحد منهما خمس عشرة سنة. وكان رافع راميا. ورد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذٍ عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وعرابة بن أوس وزيد بن أرقم وأبا سعيد الخدريّ، ثمّ أجازهم كلهم -عليه السّلام- يوم الخندق. وقد قيل إن بعض هؤلاء إنّما رده يوم بدر وأجازه يوم أحد. وإنّما رد من لم يبلغ خمس عشرة سنة وأجاز من بلغها. وجعلت قريش على ميمنتهم في الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم في الخيل عكرمة بن أبي جهل. ودفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيفه إلى أبي دجانة الأنصاريّ سماك بن خرشة السّاعديّ وكان شجاعا يختال في الحرب. وكان أبو عامر المعروف بالرّاهب وسماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الفاسق واسمه عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النّعمان أحد بني ضبيعة وهو والد حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة -قد ترهب وتنسك في الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام غلب عليه الشّقاء، ففر عن المدينة إذ نزلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مباعدا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومبغضا فيه وخرج إلى مكّة في جماعة من فتيان الأوس، وشهد يوم أحد مع الكفّار، ووعد قريشًا بانحراف قومه إليه، فكان أول من خرج للقاء المسلمين في عبدان أهل مكّة والأحابيش. فلمّا نادى قومه وعرفهم بنفسه قالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق، فقال: لقد أصاب قومي بعدي شرّ، ثمّ قاتل المسلمين قتالا شديدا.
وكان شعار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد: أمت أمت. وأبلى يومئذٍ عليّ وحمزة وأبو دجانة وطلحة بلاء حسنا، وأبلى أنس بن النضرة يومئذٍ بلاء حسنا وكذلك جماعة من الأنصار أبلوا وأصيبوا يومئذٍ مقبلين غير مدبرين. وقاتل النّاس قتالا شديدا ببصائر ثابتة، فانهزمت قريش، واستمرت الهزيمة عليهم، فلمّا رأى ذلك الرّماة قالوا: قد هزم أعداء الله فما لقعودنا ها هنا معنى. فذكّرهم أميرهم عبد الله بن جبير أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إيّاهم بأن لا يزولوا فقالوا: قد انهزموا ولم يلتفتوا إلى قوله، وقاموا. ثمّ كرّ المشركون وولى المسلمون وثبت من أكرمه الله منهم بالشّهادة. ووصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقاتل دونه مصعب بن عمير حتّى قتل رضي الله عنه، وجرح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السّفلى بحجر وهشمت البيضة [على] رأسه صلّى الله عليه وسلّم وجزاه عن أمته بأفضل ما جزى به نبيا من أنبيائه عن صبره. وكان الّذي تولى ذلك من النّبي عليه السّلام عمرو بن قمئة اللّيثيّ وعتبة بن أبي وقاص. وقد قيل إن عبد الله بن شهاب جدّ الفقيه محمّد بن مسلم بن شهاب هو الّذي شج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جبهته. وأكبّت الحجارة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى سقط في حفرة كان أبو عامر الراهب قد حفرها مكيدة للمسلمين، فخر عليه السّلام على جنبه، فأخذ عليّ بيده، واحتضنه طلحة حتّى قام. ومصّ مالك بن سنان -والد أبي سعيد الخدريّ- من جرح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدّم. ونشبت حلقتان من حلق المعفر في وجهه صلّى الله عليه وسلّم، فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح وعض عليهما بثنيتيه، فسقطتا، وكان الهتم يزينه. وأعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّاية -حين قتل مصعب بن عمير- عليّ بن أبي طالب.
وصار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت راية الأنصار. وشد حنظلة الغسيل بن أبي عامر على أبي سفيان بن حرب، فلمّا تمكن منه حمل شدّاد بن الأسود اللّيثيّ -وهو ابن شعوب- على حنظلة، فقتله وكان جنبا فغسلته الملائكة، أخبر بذلك جبريل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخبر رسول الله بذلك أصحابه، وقال: "كان حنظلة قد قام من امرأته جنبا فغسلته الملائكة".
وقتل صاحب لواء المشركين، فسقط لواؤهم، فرفعته عمرة بنت علقمة الحارثية للمشركين فاجتمعوا إليه، وحملوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكرّ دونه نفر من الأنصار، قيل سبعة، وقيل عشرة، فقتلوا كلهم، وكان آخرهم عمار بن يزيد بن السكن أو زياد بن السكن. وقاتل يومئذٍ طلحة قتالا شديدا، وقاتلت أم عمارة الأنصاريّة، وهي نسيبة بنت كعب قتالا شديدا، وضربت عمرو بن قمئة بالسّيف ضربات فوقاه درعان كانتا عليه وضربها عمرو بالسّيف فجرحها جرحا عظيما على عاتقها. وترس أبو دجانة بظهره عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنبل يقع فيه وهو لا يتحرّك، وحينئذٍ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسعد بن أبي وقاص: "ارم فداك أبي وأمي". وأصيبت يومئذٍ عين قتادة بن النّعمان الظفري فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعينه على وجنته، فردها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده وغمزها فكانت أجمل عينيه وأصحّهما.
وانتهى أنس بن النّضر، وهو عم أنس بن مالك، يومئذٍ إلى جماعة من الصّحابة قد ألقوا بأيديهم، فقال [لهم] : ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال لهم: ما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ثمّ استقبل النّاس، ولقي سعد بن معاذ فقال له: يا سعد والله إنّي لأجد ريح الجنّة من قبل أحد، فقاتل حتّى قتل، رضي الله عنه، وجد به أزيد من سبعين جرحا من بين ضربة وطعنة ورمية فما عرفته إلّا أخته ببنانه، ميزته، وجرح يومئذٍ عبد الرّحمن بن عوف نحو عشرين جراحة بعضها في رجله، فعرج منها -رحمه الله- إلى أن مات.
وأول من ميز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الجولة كعب بن مالك الشّاعر، فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أنصت. فلمّا عرفه المسلمون مالوا إليه وصاروا حوله ونهضوا معه نحو الشّعب، فيهم أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزّبير والحارث بن الصمّة الأنصاريّ وجماعة من الأنصار. فلمّا أسند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الشّعب أدركه أبيّ بن حلف الجمحي، فتناول صلّى الله عليه وسلّم الحربة من الحارث بن الصمّة، ثمّ طعنه بها في عنقه، فكرّ أبيٌّ منهزمًا، فقال له المشركون: والله ما لك من بأس، فقال: والله لو بزق عليّ لقتلني، أليس قد قال: "بل أنا أقتله". وكان قد أوعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القتل بمكّة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "بل أنا أقتلك". فمات عدو الله من ضربة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرجعه إلى مكّة بموضع يقال له: سرف.
وملأ عليّ درقته من ماء المهراس وأتى به رسول الله ليشربه، فوجد فيه رائحة، فعافه وغسل به من الدّم وجهه، ونهض إلى صخرة من الجبل ليعلوها، وكان عليه درعان وكان قد بدن، فلم يقدر [أن] يعلوها، فجلس له طلحة، وصعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ظهره، ثمّ استقل به طلحة حتّى استوى على الصّخرة. وحانت الصّلاة، فصلى جالسا والمسلمون وراءه قعودا.
روى سفيان الثّوريّ ومعمر بن كراعٍ عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جدّه، عن سعد بن أبي وقّاصٍ، قال: رأيت عن يمين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعن شماله رجلين عليهما ثيابٌ بيضٌ يوم أحدٍ لم أرهما قبل ولا بعد وانهزم قوم من المسلمين يومئذٍ، منهم عثمان بن عفّان، فعفا الله عنهم ونزل فيهم: {إنّ الّذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشّيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم... } الآية وكان الحسيل بن جابر العبسي -وهو اليمان والد حذيفة بن اليمان- وثابت بن وقش شيخين كبيرين قد جعلا في الآطام مع النّساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه: ما بقي من أعمارنا؟! فلو أخذنا سيوفنا ولحقنا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلّ الله يرزقنا الشّهادة. وفعلا ذلك، فدخلا في جملة المسلمين. فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما الحسيل فظنه المسلمون من المشركين فقتلوه خطأ، وقيل إن الّذي قتله عتبة بن مسعود. وكان حذيفة يصيح والمسلمون قد علوا أباه: أبي أبي! ثمّ تصدق بديته على المسلمين.
وكان مخيريق أحد بني ثعلبة بن الفطيون من اليهود قد دعا اليهود إلى نصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال لهم: والله إنّكم لتعلمون أن نصر محمّد عليكم حق، فقالوا له: إن اليوم السبت، فقال: لا سبت لكم. وأخذ سلاحه، ولحق برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقاتل معه حتّى قتل، وأوصى أن ماله لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فيقال إنّ بعض صدقات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة من مال مخيريق.
وكان الحارث بن سويد بن الصّامت منافقا لم ينصرف مع عبد الله بن أبي في حين انصرافه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جماعته عن غزاة أحد، ونهض مع المسلمين، فلمّا التقى المسلمون والمشركون بأحد عدا عليّ المجذر بن ذياد البلوي وعلى قيس بن زيد أحد بني ضبيعة، فقتلهما وفر إلى الكفّار -وكان المجذر قد قتل في الجاهليّة سويد بن الصّامت والد الحارث المذكور في بعض حروب الأوس والخزرج- ثمّ لحق الحارث بن سويد مع الكفّار بمكّة، فأقام هناك ما شاء الله، ثمّ حينه الله فانصرف إلى المدينة إلى قومه. وأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبر من السّماء، نزل جبريل عليه السّلام، فأخبره أن الحارث بن سويد قد قدم فانهض إليه، واقتص منه لمن قتله من المسلمين غدرا يوم أحد. فنهض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى قباء في وقت لم يكن يأتيهم فيه، فخرج إليه الأنصار أهل قباء في جماعتهم وفي جملتهم الحارث بن سويد وعليه ثوب مورس فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عويم بن ساعدة، فضرب عنقه وقال الحارث: لم يا رسول الله؟ فقال: "بقتلك المجذر بن ذياد وقيس بن زيد". فما راجعه بكلمة وقدمه عويمر، فضرب عنقه. ثمّ رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم ينزل عندهم.
وكان عمرو بن ثابت بن وقش من بني عبد الأشهل يعرف بالأصيرم يأبى الإسلام. فلمّا كان يوم أحد قذف الله الإسلام في قلبه للّذي أراد من السّعادة به. فأسلم وأخذ سيفه ولحق بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقاتل حتّى أثبت بالجراح ولم يعلم أحد بأمره. ولما انجلت الحرب طاف بنو عبد الأشهل في القتلى يتلمسون قتلاهم، فوجدوا الأصيرم وبه رمق لطيف، فقالوا: والله إن هذا الأصيرم ما جاء به؟ لقد تركناه وإنّه لمنكر لهذا الأمر. ثمّ سألوه: يا عمرو ما الّذي جاء بك إلى هذا المشهد؟ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله، ثمّ قاتلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [حتّى أصابني ما ترون. فمات من وقته، فذكروه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم] فقال: "هو من أهل الجنّة". ولم يصل صلاة قطّ.
وكان في بني ظفر رجل لا يدرى ممّن هو يقال له قزمان أبلى يوم أحد بلاء شديدا، وقتل يومئذٍ سبعة من وجوه المشركين، وأثبت جراحا، فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأمره، فقال: "هو من أهل النّار". وقيل لقزمان: أبشر بالجنّة، فقال: بماذا؟ وما قاتلت إلّا عن أحساب قومي. ثمّ لما اشتدّ عليه ألم الجراح أخرج سهما من كنانته، فقطع به بعض عروقه، فجرى دمه حتّى مات، ومثل بقتلى المسلمين. وأخذ النّاس ينقلون قتلاهم بعد انصراف قريش، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يدفنوا في مضاجعهم بدمائهم وثيابهم لا يغسلون). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 145-152]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (ذكر من استشهد من المهاجرين يوم أحد
حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورضي [الله] عن حمزة، قتله وحشي بن حرب مولى طعيمة بن عدي بن نوفل، وقيل: مولى جبير بن مطعم بن عدي، وأعتقه مولاه لقتله حمزة. وكان وحشي حبشيًّا يرمي بالحربة رمي الحبشة ثمّ أسلم، وقتل بتلك الحربة مسيلمة الكذّاب يوم اليمامة. وعبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي حليف بني عبد شمس وهو ابن عمّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دفن مع حمزة في قبر واحد. وقد ذكرنا خبره عند ذكره في [كتاب] الصّحابة. ويعرف بالمجدع في الله لأنّه تمنى ذلك قبل الدّخول في القتال يوم أحد فقتل وجدع أنفه وأذنه وجعلا في خيط. ومصعب بن عمير قتله ابن قمئة اللّيثيّ. وشماس بن عثمان واسمه عثمان بن عثمان. وشماس لقب أربعة من المهاجرين). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 153]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (تسمية من استشهد من الأنصار يوم أحد
استشهد يومئذٍ من الأوس ثمّ من بني عبد الأشهل: عمرو بن معاذ أخو سعد بن معاذ، والحارث بن أوس بن معاذ ابن أخي سعد بن معاذ، والحارث بن أنس بن رافع، وعمارة بن زياد بن السكن. وسلمة وعمرو ابنا ثابت بن وقش، وأبوهما ثابت بن وقش، وأخوه رفاعة بن وقش، وصيفي بن قيظي، وخباب بن قيظي، وعباد بن سهل، واليمان بن جابر والد حذيفة بن اليمان واسمه حسيل حليف لهم من عبس، وعبيد بن التيهان، وحبيب بن زيد، وإياس بن أوس بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن زعوراء بن جشم بن عبد الأشهل.
ومن بني ظفر: زيد بن حاطب بن أميّة بن رافع.
ومن بني عمرو بن عوف ثمّ من بني ضبيعة بن زيد: أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن يزيد، وحنظلة والغسيل بن أبي عامر الراهب بن صيفي بن النّعمان.
ومن بني عبيد بن زيد: أنيس بن قتادة.
ومن بني ثعلبة [بن] عمرو بن عوف: أبو حبّة بن عمرو بن ثابت وهو أخو سعد بن خيثمة لأمه، وعبد الله بن جبير بن النّعمان أمير الرّماة.
ومن بني السّلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس: خيثمة والد سعد بن خيثمة. ومن حلفائهم من بني العجلان: عبد الله بن سلمة.
ومن بني معاوية بن مالك: سبيع بن حاطب بن الحارث، ومالك بن أوس حليف لهم.
ومن بني خطمة واسم خطمة عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس: عمير بن عدي ولم يكن يومئذٍ في بني خطمة مسلم غيره في قول بعضهم. وقد قيل إن الحارث بن عدي بن خرشة بن أميّة بن عامر بن خطمة ممّن استشهد يومئذٍ.
واستشهد يوم أحد من الخزرج ثمّ من بني النجار: عمرو بن قيس بن زيد بن سواد، وابنه قيس بن عمرو، وثابت بن عمرو بن زيد، وعامر بن مخلد، وأبوه هبيرة بن الحارث بن علقمة، وعمرو بن مطرف، وإياس بن عدي، وأوس بن ثابت أخو حسان بن ثابت وهو والد شدّاد بن أوس، وأنس بن النّضر بن ضمضم عم أنس بن مالك، وقيس بن مخلد من بني مازن بن النجار، وكيسان عبد لهم.
ومن بني الحارث بن الخزرج: خارجة بن زيد أبي زهير، وسعد بن الرّبيع بن عمرو بن أبي زهير ودفنا في قبر واحد، وأوس بن الأرقم بن زيد بن قيس أخو زيد بن أرقم.
ومن بني الأبجر وهم بنو خدرة: مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدريّ، وسعيد بن سويد بن قيس بن عامر، وعتبة بن ربيع بن رافع.
ومن بني ساعدة بن كعب بن الخزرج: ثعلبة بن سعد بن مالك، وثقف بن فروة بن البدن، وعبد الله بن عمرو بن وهب بن ثعلبة، وضمرة حليف لهم من جهينة.
ومن بني عوف بن الخزرج ثمّ من بني سالم: عمرو بن إياس، ونوفل بن عبد الله، وعبادة بن الخشخاش، والعبّاس بن عبادة بن نضلة، والنعمان بن مالك بن ثعلبة، والمجذر بن ذياد البلوي حليف لهم. ودفن النّعمان والمجذر وعبادة في قبر واحد. ومن بني سواد بن مالك: مالك بن إياس.
ومن بني سلمة: عبد الله بن عمرو بن حرام اصطبح الخمر ذلك اليوم ثمّ قتل آخر النّهار شهيدا ثمّ نزل تحريم الخمر بعد، وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام دفنا في قبر واحد كان صهرين وصديقين متآخيين، وابنه خلاد بن عمرو بن الجموح، وأبو أسيرة مولى عمرو بن الجموح.
ومن بني سواد بن غنم: سليم بن عمرو بن حديدة، ومولاه عنترة، وسهل بن قيس بن أبي كعب.
ومن بني زريق بن عامر: ذكوان بن عبد قيس، وعبيد بن المعلّى بن لوذان.
وجميعهم سبعون رجلا، واختلف في صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على شهداء أحد ولم يختلف عنه في أنه أمر أن يدفنوا بثيابهم ودمائهم ولم يغسلوا). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 153-156]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): ( [تسمية من قتل من كفار قريش يوم أحد]
وقتل من كفار قريش يوم أحد اثنان وعشرون رجلا، منهم من بني عبد الدّار أحد عشر رجلا: طلحة، وأبو سعيد، وعثمان بنو أبي طلحة، واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدّار. قتل طلحة بن أبي طلحة عليٌّ، وقتل أبا سعيد بن أبي طلحة سعد بن أبي وقاص وقال ابن هشام: بل قتله عليّ، وعثمان بن أبي طلحة قتله حمزة. ومسافع والحارث والجلاس وكلاب بنو طلحة المذكور. قتل مسافعا والجلاس عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وقتل كلابا والحارث قزمان وقيل: بل قتل كلابا عبد الرّحمن بن عوف. وأرطاة بن [عبد] شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدّار قتله حمزة، وأبو يزيد بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدّار أخو مصعب بن عمير قزمان، والقاسط بن شريح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدّار قتله قزمان، وصؤاب أبي طلحة. واختلف في قاتل صؤاب، فقيل قزمان، وقيل عليّ، وقيل سعد، وقيل أبو دجانة.
ومن بني أسد بن عبد العزّى رجلان: عبد الله حميد بن زهير بن الحارث بن أسد قتله عليّ، وسباع بن عبد العزّى الخزاعيّ حليف بني أسد.
ومن بني مخزوم أربعة: هشام بن أبي أميّة بن المغيرة أخو أم سلمة أم المؤمنين، والوليد بن العاص بن هشام بن المغيرة، وأميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة، وخالد بن الأعلم حليف لهم.
ومن بني زهرة: أبو الحكم بن الأخنس بن شريق حليف لهم قتله عليّ.
ومن بني جمح رجلان: أبيّ بن خلف قتله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو عزة واسمه عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضرب عنقه صبرا، وذلك أنه منّ عليه يوم بدر وأطلقه من الأسر بلا فداء، وأخذ عليه أن لا يعين عليه فنقض العهد وغزاه مع المشركين يوم أحد، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " [والله] لا تمسح عارضيك بمكّة تقول: خدعت محمّدًا مرّتين" وأمر به فضربت عنقه.
ومن بني عامر بن لؤي رجلان: عبيدة بن جابر قتله ابن مسعود. وشيبة بن مالك). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 156- 157]
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البَرِّ النَّمريُّ (ت: 463هـ): (غزوة حمراء الأسد
وكانت وقعة أحد يوم السبت للنّصف من شوّال من السّنة الثّالثة من الهجرة. فلمّا كان من الغد يوم الأحد أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالخروج في إثر العدو، وعهد أن لا يخرج معه إلّا من حضر المعركة، فاستأذنه جابر بن عبد الله في أن يفسح له في الخروج معه، ففعل وكان أبوه عبد الله بن عمرو بن حرام ممّن استشهد يوم أحد في المعركة.
فخرج المسلمون على ما بهم من الجهد والقرح، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرهبًا للعدو، حتّى بلغ موضعا يدعى حمراء الأسد على رأس ثمانية أميال من المدينة فأقام به يوم الإثنين، والثّلاثاء، والأربعاء، ثمّ رجع إلى المدينة. قال ابن إسحاق: وإنّما خرج بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرهبًا للعدو وليظنوا أن بهم قوّة وأن الّذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم.
وكان معبد بن أبي معبد الخزاعيّ قد رأى خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين إلى حمراء الأسد، ولقي أبا سفيان وكفار قريش بالرّوحاء، فأخبرهم بخروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طلبهم، ففت ذلك في أعضاد قريش، وقد كانوا أرادوا الرّجوع إلى المدينة، فكسرهم خروجه صلّى الله عليه وسلّم، فتمادوا إلى مكّة.
وظفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في خروجه بمعاوية بن المغيرة بن العاص بن أميّة، فأمر بضرب عنقه صبرا، وهو والد عائشة أم عبد الملك بن مروان). [الدرر في اختصار المغازي والسير: 158]