10 Oct 2022
الدرس الثالث: معنى الحديث
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (الباب الثاني: في معنى الحديث؛ وفيه مباحث
1- ماهية الحديث والخير والأثر:
اعلم: أن هذه الثلاثة مترادفة عند المحدثين على معنى ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قولًا أو فعلًا أو تقريرًا أو صفة وفقهاء خراسان يسمعون الموقوف أثرًا والمرفوع خبرًا وعلى هذه التفرقة جرى كثير من المصنفين وقال أبو البقاء: الحديث هو اسم من التحديث وهو الإخبار ثم سمي به قول أو فعل أو تقرير نسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويجمع على: "أحاديث" على خلاف القياس. قال الفراء: واحد الأحاديث أحدوثة ثم جعلوه جمعًا للحديث، وفيه أنهم لم يقولوا أحدوثة النبي. وفي الكشاف: "الأحاديث اسم جمع ومنه حديث النبي".
وفي البحر: ليس الأحاديث باسم جمع، بل هو جمع تكسير لحديث على غير القياس كأباطيل، واسم الجمع يأت على هذا الوزن وإنما سميت هذه الكلمات، والعبارات أحاديث كما قال الله تعالى {فليأتوا بحديثٍ مثله} لأن الكلمات إنما تتركب من الحروف المتعاقبة المتوالية، وكل واحد من تلك الحروف يحدث عقيب صاحبه؛ أو لأن سماعها يحدث في القلوب من العلوم والمعاني والحديث نقيض القديم كأنه لوحظ فيه مقابلة القرآن والحديث ما جاء عن النبي والخبر ما جاء عن غيره وقيل بينهما عموم وخصوص مطلق فكل حديث خبر من غير عكس". والأثر: ما روي عن الصحابة ويجوز إطلاقه على كلام النبي أيضًا". اهـ.
وفي التدريب: "يقال أثرت الحديث بمعنى رويته، ويسمى المحدث أثريًّا نسبة للأثر".
وقال الإمام تقي الدين بن تيميه في بعض فتاويه: "الحديث النبوي: هو عند الإطلاق ينصرف إلى ما حدث به عنه -صلى الله عليه وسلم- بعد النبوة، من قوله، وفعله، وإقراره، فإن سنته ثبتت من هذه الوجوه الثلاثة، فما قاله، إن كان خبرًا، وجب تصديقه به، وإن كان تشريعًا إيجابا أو تحريما أو إباحة وجب اتباعه فيه، فإن الآيات الدالة على نبوة الأنبياء، دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقًّا، وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب، والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه". وقد روي أن عبد الله بن عمرو كان يكتب ما يسمع من النبي فقال له بعض الناس: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتكلم في الغضب فلا تكتب كل ما تسمع". فسأل النبي عن ذلك فقال: "اكتب! فوالذي نفسي بيده ما خرج من بينهما إلا حق". يعني شفتيه الكريمتين.
وقد ثبت عن أبي هريرة أنه قال: "لم يكن أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحفظ مني إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب بيده ويعي بقلبه، وكنت أعي بقلبي ولا أكتب بيدي". وكان عند آل عبد الله بن عمرو بن العاص نسخة كتبها عن النبي وبهذا طعن بعض الناس في حديث عمرو بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وقالوا: "إن عنى جده الأدنى محمدًا، فهو مرسل فإنه لم يدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن عنى جده الأعلى فهو منقطع فإن شعيبًا لم يدركه" وأما أئمة الإسلام، وجمهور العلماء فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا صح النقل إليه مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة ونحوهما، ومثل الشافعي وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم قالوا: "الجد هو عبد الله فإنه يجيء مسمى، ومحمد أدركه"، قالوا: "وإذا كانت نسخة مكتوبة من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان هذا أوكد لها وأدل على صحتها"، ولهذا كان في نسخة عمرو بن شعيب من الأحاديث الفقهية، التي فيها مقدرات ما احتاج إليه عامة علماء الإسلام.
والمقصود أن حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا أطلق دخل فيه ذكر ما قاله بعد النبوة وذكر ما فعله فإن أفعاله التي أقر عليها حجة لا سيما إذا أمرنا أن نتبعها كقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلى" وقوله: "لتأخذوا عني مناسككم". وكذلك ما أحله الله له فهو حلال للأمة ما لم يقم دليل التخصيص؛ ولهذا قال: {فلمّا قضى زيدٌ منها وطرًا زوّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرجٌ في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهنّ وطرًا} ولما أحل الله له الموهوبة قال: {وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنّبيّ إن أراد النّبيّ أن يستنكحها خالصةً لك من دون المؤمنين} ولهذا كان النبي إذا سئل عن الفعل يذكر للسائل أنه يفعله ليبين للسائل أنه مباح وكان إذا قيل له قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: "إني أخشاكم لله وأعلمكم بحدوده". ومما يدخل في مسمى حديثه ما كان يقرهم عليه، مثل إقراره على المضاربة التي كانوا يعتادونها، وإقراره لعائشة على اللعب بالبنات، وإقراره في الأعياد على مثل غناء الجاريتين، ومثل لعب الحبشة بالحراب في المسجد، ونحو ذلك وإقراره لهم على أكل الضب على مائدته، وإن كان قد صح عنه أنه ليس بحرام، إلى أمثال ذلك؛ فهذا كله يدخل في مسمى الحديث، وهو المقصود بعلم الحديث فإنه إنما يطلب ما يستدل به على الدين، وذلك إنما يكون بقوله أو فعله أو إقراره، وقد يدخل فيها بعض أخباره قبل النبوة وبعض سيرته قبل النبوة مثل تحنثه بغار حراء ومثل حسن سيرته لأن الحال يستفاد منه ما كان عليه قبل النبوة من كرائم الأخلاق، ومحاسن الأفعال كقول خديجة له: "كلا والله لا يخزيك الله إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف، وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق". ومثل المعرفة فإنه كان أميًّا لا يكتب، ولا يقرأ وإنه كان معروفًا بالصدق، والأمانة، وأمثال ذلك مما يستدل به على أحواله التي تنفع في المعرفة بنبوته، وصدقة فهذه الأمور ينتفع بها في دلائل النبوة كثيرًا ولهذا يذكر مثل ذلك في كتب سيرته كما يذكر فيها نسبه وأقاربه وغير ذلك من أحواله، وهذا أيضًا قد يدخل في مسمى الحديث، والكتب التي فيها أخباره منها كتب التفسير ومنها كتب السيرة، والمغازي ومنها كتب الحديث، وكتب الحديث هي ما كان بعد النبوة أخص، وإن كان فيها أمور جرت قبل النبوة فإن تلك لا تذكر لتوحد وشرع فعله قبل النبوة بل قد أجمع المسلمون على أن الذي فرض على العباد الإيمان بهن والعمل هو ما جاء به بعد النبوة". اهـ). [قواعد التحديث: 85-90]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (2- بيان الحديث القدسي:
قال العلامة الشهاب ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين النووية، في شرح الحديث الرابع والعشرين المسلسل بالدمشقيين وهو حديث أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه تعالى أنه قال: "يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا... " الحديث ما نصه:
"فائدة يعم نفعها، ويعظم وقعها في الفرق بين الوحي المتلو وهو: "القرآن" والوحي المروي عنه -صلى الله عليه وسلم- عن ربه عز وجل، وهو ما ورد من الأحاديث الإلهية وتسمى: "القدسية"؛ وهي أكثر من مائة، وقد جمعها بعضهم في جزء كبير. وحديث: "أبي ذر" هذا من أجلها: اعلم: أن الكلام المضاف إليه تعالى أقسام ثلاثة:
أولها- وهو أشرفها: "القرآن" لتميزه عن البقية بإعجازه من أوجه كثيرة، وكونه معجزة باقية على مر الدهر محفوظة من التغيير، والتبديل وبحرمة سمه لمحدث، وتلاوته لنحو الجنب، وروايته بالمعنى وبتعينه في الصلاة، وبتسميته قرآنا وبأن كل حرف منه بعشر حسنات، وبامتناع بيعه في رواية عند أحمد وكراهته عندنا، وبتسمية الجملة منه آية وسورة وغيره من بقية الكتب، والأحاديث القدسية لا يثبت لها شيء من ذكر فيجوز مسه، وتلاوته لمن ذكر وروايته بالمعنى ولا يجري في الصلاة بل يبطلها، ولا يسمى قرآنا ولا يعطى قارئة بكل حرف عشرا، ولا يمنع بيعه ولا يكره اتفاقًا ولا يسمى بعضه آية ولا سورة اتفاقًا أيضًا.
ثانيهًا- كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل تغييرها وتبديلها.
ثالثهًا- بقية الأحاديث القدسية وهي ما نقل إلينا آحادًا عنه -صلى الله عليه وسلم- مع إسناده لها عن ربه، فهي من كلامه تعالى فتضاف إليه وهو الأغلب، ونسبتها إليه حينئذ نسبة إنشاء لأنه المتكلم بها أولًا وقد تضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه المخبر بها عن الله تعالى بخلاف القرآن فإنه لا تضاف إلا إليه تعالى فيقال فيه: "قال الله تعالى" وفيها: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يروي عن ربه تعالى" واختلف في بقية السنة هل هو كله يوحى أو لا وآية: {وما ينطق عن الهوى} تؤيد الأول؟ ومن ثم قال -صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه". ولا تنحصر تلك الأحاديث القدسية في كيفية من كيفيات الوحي بل يجوز أن تنزل بأي كيفية من كيفياته كرؤيا النوم، والإلقاء في الروع وعلى لسان الملك، ولراويها صيغتان إحداهما أن يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى فيما رواه عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمعنى واحد". اهـ.
وفي كليات أبي البقاء في الفرق بين القرآن والحديث القدسي: "أن القرآن ما كان لفظه ومعناه من عند الله بوحي جلي، وأما الحديث القدسي، فهو ما كان لفظه من عند الرسول، ومعناه من عند الله بالإلهام أو المنام". وقال بعضهم: "القرآن لفظ معجز، ومنزل بواسطة جبريل، والحديث القدسي غير معجز، وبدون الواسطة، ومثله يسمى بالحديث القدسي والإلهي والرباني" وقال الطيبى: "القرآن هو اللفظ المنزل به جبريل على النبي -صلى الله عليه وسلم- والقدسي إخبار الله معناه بالإلهام أو بالمنام فأخبر النبي أمته بعبارة نفسه، وسائر الأحاديث لم يضفها إلى الله تعالى ولم يروها عنه تعالى". اهـ.
وقال العلامة السيد أحمد بن المبارك رحمه اله تعالى في الإبريز: "وسألته -يعني أستاذه نجم العرفان السيد عبد العزيز الدباغ قدس سره- الفرق بين هذه الثلاثة يعني القرآن والحديث القدسي وغير القدسي فقال قدس سره:
"الفرق بين هذه الثلاثة وإن كانت كلها خرجت من بين شفتيه -صلى الله عليه وسلم- وكلها معها أنوار من أنواره -صلى الله عليه وسلم: أن النور الذي في القرآن، قديم من ذات الحق سبحانه لأن كلامه تعالى قديم والنور الذي في الحديث القدسي من روحه -صلى الله عليه وسلم- وليس هو مثل نور القرآن، فإن نور القرآن قديم، ونور هذا ليس بقديم، والنور الذي في الحديث الذي ليس بقدسي من ذاته -صلى الله عليه وسلم- فهي أنوار ثلاثة، اختلفت بالإضافة، فنور القرآن من ذات الحق سبحانه، ونور الحديث القدسي من روحه -صلى الله عليه وسلم- نور ما ليس بقدسي من ذاته -صلى الله عليه وسلم."
فقلت: "ما الفرق بين نور الروح ونور الذات؟ ".
فقال -رضي الله عنه: "الذات خلقت من تراب، ومن التراب خلق سائر العباد؛ والروح من الملأ الأعلى، وهم أعرف الخلق بالحق سبحانه، وكل واحد يحن إلى أصله فكان نور الروح متعلقا بالحق سبحانه ونور الذات متعلقًا بالخلق؛ فلذات ترى الأحاديث القدسية تتعلق بالحق سبحانه وتعالى بتبيين عظمته أو لإظهار رحمته أو بالتنبيه على سعة ملكه وكثرة عطائه فمن الأول حديث: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم... " إلى آخره وهو حديث أبي ذر في مسلم. ومن الثاني حديث: "أعددت لعبادي الصالحين... " الحديث.
ومن الثالث حديث: "يد الله ملأى، لا يغيضها نفقه، سحاء الليل والنهار... " إلخ وهذه من علوم الروح في الحق سبحانه، وترى الأحاديث التي ليست بقدسية تتكلم على ما يصلح البلاد، والعباد بذكر الحلال، والحرام والحث على الامتثال بذكر الوعد والوعيد". هذا بعض ما فهمت من كلامه -رضي الله عنه- والحق أني لم أوف به، ولم آت بجميع المعنى الذي أشار إليه.
فقلتك: "الحديث القدسي من كلام الله عز وجل أم لا؟ ".
فقال: "ليس هو من كلامه وإنما هو من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم:".
فقلت: "فلم أضيف للرب سبحانه فقيل فيه: "حديث قدسي" وقيل فيه: "فيما يرويه عن ربه"، وإذا كان من كلامه عليه السلام فأي رواية له فيه عن ربه وكيف نعمل مع هذه الضمائر في قوله: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم... " إلخ وقوله: "أعددت لعبادي الصالحين... " وقوله: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر... "؟ فإن هذه الضمائر لا تليق إلا بالله فتكون الأحاديث القدسية من كلام الله تعالى وإن لم تكن ألفاظها لإعجاز ولا تعبدنا بتلاوتها".
فقال -رضي الله عنه- مرة: "إن الأنوار من الحق سبحانه تهب على ذات النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى تحصل له مشاهدة خاصة -وإن كان دائمًا في المشاهدة- فإن سمع من الأنوار كلام الحق سبحانه، أو نزل عليه ملك فذلك هو: "القرآن"؛ وإن لم يسمع كلامًا، ولا نزل عليه ملك فذلك وقت الحديث القدسي. فيتكلم عليه الصلاة والسلام ولا يتكلم حينئذ إلا في شأن الربوبية بتعظيمها، وذكر حقوقها، ووجه إضافة هذا الكلام إلى الرب سبحانه أنه كان مع هذه المشاهدة التي اختلطت فيها الأمور حتى رجع الغيب شهادة، والباطن ظاهرًا فأضيف إلى الرب وقيل فيه: "حديث رباني"، وقيل فيه: "فيما يرويه عن ربه عز وجل"؛ ووجه الضمائر، أن كلامه عليه السلام، خرج على حكاية لسان الحال التي شاهدها من ربه عز وجل. وأما الحديث الذي ليس بقدسي فإنه يخرج مع النور الساكن في ذاته عليه السلام الذي لا يغيب عنها أبدًا، وذلك أنه عز وجل أمد ذاته عليه السلام بأنوار الحق كما أمد جرم الشمس بالأنوار المحسوسة فالنور لازم للذات الشريفة لزوم نور الشمس لها.
وقال مرة أخرى: "وإذا فرضنا محمومًا دامت عليه الحمى على قدر معلوم وفرضناها تارة تقوى حتى يخرج بها عن حسه، ويتكلم بما لا يدري وفرضناها مرة أخرى تقوى، ولا تخرجه عن حسه ويبقي على عقله، ويتكلم بما يدري فصار لهذه الحمى ثلاثة أحوال قدرها المعلوم، وقوتها المخرجة عن الحس وقوتها التي لا تخرج عن الحس فكذا الأنوار في ذاته عليه السلام فإن كانت على القدر المعلوم فما كان من الكلام حينئذ فهو الحديث الذي ليس بقدسي، وإن سطعت الأنوار وشغلت في الذات حتى خرج بها عليه السلام عن حالته المعلومة فما كان من الكلام حينئذ فهو كلام الله سبحانه، وهذه كانت حالته عليه السلام عند نزول القرآن عليه، وإن سطعت الأنوار ولم تخرجه عن حالته عليه السلام فيما كان من الكلام حينئذ قيل فيه: حديث قدسي".
وقال مرة: "إذا تكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان الكلام بغير اختياره، فهو: "القرآن"، وإن كان باختياره، فإن سطعت حينئذ أنوار عارضة، فهو الحديث القدسي وإن كانت الأنوار الدائمة فهو الحديث الذي ليس بقدسي ولأجل أن كلامه لا بد أن تكون معه أنوار الحق سبحانه كان جميع ما يتكلم به -صلى الله عليه وسلم- وحيًا يوحى وباختلاف أحوال الأنوار افترق إلى الأقسام الثلاثة والله أعلم".
قال السيد أحمد بن المبارك: "فقلت هذا كلام في غاية الحسن ولكن ما الدليل على أن الحديث القدسي ليس من كلامه عز وجل؟ ".
فقال -رضي الله عنه: "كلامه تعالى لا يخفى" فقلت: "بكشف؟ " فقال -رضي الله عنه: "بكشف وبغير كشف، ولك من له عقل، وأنصت للقرآن ثم أنصت لغيره أدرك الفرق لا محالة. والصحابة -رضي الله عنهم- أعقل الناس، وما تركوا دينهم الذي كانت عليه الآباء إلا بما وضح من كلامه تعالى، ولو لم يكن عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ما يشبه الأحاديث القدسية ما آمن من الناس أحد، ولكن الذي ظلت له الأعناق خاضعة هو القرآن العزيز الذي هو كلام الرب سبحانه وتعالى.
فقلت له: "ومن أين لهم أنه كلام الرب تعالى وإنما كانوا على عبادة الأوثان، ولم تسبق لهم معرفة بالله عز وجل، حتى يعلموا أنه كلامه وغاية ما أدركوه أنه كلام خارج عن طوق البشر فلعله من عند الملائكة مثلًا؟".
فقال -رضي الله عنه: "كل من استمع القرآن، وأجرى معانيه على قلبه علم علمًا ضروريًّا أنه كلام الرب سبحانه فإن العظمة التي فيه والسطوة التي عليه ليست إلا عظمه الربوبية، وسطوة الألوهية والعاقل الكيس إذا استمع لكلام السلطان الحادث ثم استمع لكلام رعيته، وجد لكلام السلطان نفسًا به يعرف حتى إنا فرضناه أعمى، وجاء إلى جماعة يتكلمون والسلطان معمور فيهم، وهم يتناوبون الكلام لميز كلام السلطان من غيره بحيث لا تدخله في ذلك ريبة هذا في الحادث مع الحادث فكيف بكلام القديم، وقد عرف الصحابة -رضي الله عنهم- من القرآن ربهم عز وجل وعرفوا صفاته وما يستحقه من ربوبيته، وقام لهم سماع القرآن في إفادة العلم القطعي به عز وجل مقام المعاينة والمشاهدة وحتى صار الحق سبحانه عندهم بمنزلة الجليس ولا يخفى على أحد جليسه؟ ".
ثم نقل ابن المبارك كلام أستاذه المنوه به، في ما يعرف به كلامه تعالى فانظره، وما نقلنا بحثه المذكور إلا لنفاسته لأنه منزع بديع ينشرح له القلب والله العليم). [قواعد التحديث: 90-96]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (3- ذكر أول من دون الحديث:
قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري: "اعلم -علمني الله وإياك- أن آثار النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تكن في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونة في الجوامع، ولا مرتبه لأمرين:
أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم، خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم.
وثانيهما: لسعة حفظهم وسيلان أذهابهم، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار، وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار.
فأول من جمع ذلك: "الربيع بن صبيح" و"سعيد بن أبي عروبة" وغيرهما. وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة، فدونوا الأحكام.
فصنف الإمام مالك: "الموطأ" وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز، ومزحه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين، ومن بعدهم وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح بمكة، وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي بالشام، وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي خاصة وذلك على رأس المائتين فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا وصنف أسد بن موسى الأموي سندا وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا".
"ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك آثرهم فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وعثمان بن شيبة وغيرهم من النبلاء".
"ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معًا كأبي بكر بن أبي شيبة".
"ولما رأى البخاري هذه التصانيف ورواها، وجدها جامعة للصحيح والحسن، والكثير منها يشمله التضعيف، فحرك همته لجمع الحديث الصحيح وقوى همته لذلك ما سمعه من أستاذه الإمام إسحاق بن راهويه حيث قال لمن عنده والبخاري فيهم: "لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم" قال البخاري: "فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح". اهـ.
قال السيوطي: "وهؤلاء المذكورون في أول من جمع، كلهم من أثناء المائة الثانية، وأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز". وأفاد الحافظ في الفتح أيضًا: أن أول من دون الحديث ابن شهاب بأمر عمر بن عبد العزيز كما رواه أبو نعيم من طريق محمد بن الحسن عن مالك قال: "أول من دون العلم ابن شهاب -يعني الزهري-" وأخرج الهروي في ذم الكلام من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الله بن دينار قال: "لم يكن الصحابة، ولا التابعون يكتبون الأحاديث إنما كانوا يؤدونها لفظًا ويأخذونها حفظًا إلا كتاب الصدقات والشيء اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الاستقصاء حتى خيف عليه الدروس وأسرع في العلماء الموت أمر عمر بن عبد العزيز أبا بكر الحزمي فيما كتب إليه أن انظر ما كان من سنة أو حديث فاكتبه".
وقال مالك في الموطأ، رواية محمد بن الحسن: "أخبرنا يحيى بن سعيد، أن عمر بن عبد العزيز، كتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم أن: "انظر ما كان من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو سنة أو حديث أو نحو هذا فاكتبه لي فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء" علقه البخاري في صحيحه، وأخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان بلفظ كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق: "انظروا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاجمعوه".
وروى عبد الرزاق عن ابن وهب سمعت مالكا يقول: "كان عمر بن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار يعلمهم السنن، والفقه، ويكتب إلى المدينة يسألهم عما مضى، وأن يعملوا بما عندهم، ويكتب إلى أبي بكر بن حزن أن يجمع السنن ويكتب بها إليه" فتوفي عمر وقد كتب ابن حزم كتبا قبل أن يبعث بها إليه. اهـ). [قواعد التحديث: 97-101]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (4- بيان أكثر الصحابة حديثا وفتوى:
في التقريب وشرحه: "أكثرهم -يعني الصحابة- حديثا، أبو هريرة، روى خمسة آلاف وثلائمائة وأربعة وسبعين حديثا؛ وروى عنه أكثر من ثمانمائة رجل وهو أحفظ الصحابة أسند البيهقي عن الشافعي أنه قال: "أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره". وروى ابن سعد أن ابن عمر كان يترحم عليه في جنازته ويقول: "كان يحفظ على المسلمين حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- "ثم عبد الله بن عمر روى ألفي حديث وستمائة وثلاثين حديثًا ثم أنس بن مالك روى ألفين، ومائتين وستة وثمانين حديثًا ثم ابن عباس روى ألفا وستمائة وستين حديثًا. ثم جابر بن عبد الله روى ألفًا وخمسمائة وأربعين حديثًا. ثم أبو سعيد الخدري سعد بن مالك روى ألفًا ومائة وسبعين حديثًا. ثم عائشة الصديقة أم المؤمنين روت ألفين ومائتين وعشرة وليس في الصحابة من يزيد حديثه على ألف غير هؤلاء وإياهم عني من أنشد:
سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا = من الحديث عن المختار خير مضر
أبو هريرة، سعد، جابر، أنس = صديقة، وابن عباس، كذا ابن عمر
وأما أكثرهم فتوى فقال ابن حزم: "أكثرهم فتوى مطلقا عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت وعائشة".
قال: "ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم".
قال: "وليهم عشرون أبو بكر، وعثمان، وأبو موسى، ومعاذ، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وأنس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسلمان، وجابر، وأبو سعيد، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وعمران بن حصين، وأبو بكر، وعبادة بن الصامت، ومعاوية، وابن الزبير، وأم سلمة".
قال: "ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير".
قال: "وفي الصحابة نحو مائة وعشرين نفسًا، يقلون في الفتيا جدا، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة أو المسألتان أو الثلاث، كأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي طلحة والمقداد... " وسرد الباقين.
وقال الإمام محمد بن سعد في الطبقات: قال محمد بن عمر الأسلمي: "إنما قلت الرواية عن الأكابر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنهم ماتوا قبل أن يحتاج إليهم وإنما كثرت عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب لأنهما وليا فسئلا، وقضيا بين الناس وكل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا أئمة يقتدى بهم ويحفظ عنهم ما كانوا يفعلون ويستفتون فيفتون وسمعوا أحاديث فأدوها فكان الأكابر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقل حديثًا عنه من غيرهم مثل أبي بكر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي بن كعب وسعد بن عبادة، وعبادة بن الصامت وأسيد بن حضير، ومعاذ بن جبل ونظرائهم فلم يأت عنهم من كثرة الحديث مثل ما جاء عن الأحداث من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عباس، ورافع بن خديج وأنس بن مالك والبراء بن عازب، ونظرائهم لأنهم بقوا وطالت أعمارهم في الناس فاحتاج الناس إليهم ومضى كثير من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنهم من لم يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا ولعله أكثر له صحبة ومجالسة وسماعًا من الذي حدث عنه ولكنا حملنا الأمر في ذلك منهم على التوقي في الحديث، وعلى أنه لم يحتج إليه لكثرة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى الاشتغال بالعبادة والأسفار في الجهاد في سبيل الله حتى مضوا ولم يحفظ عنهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء". اهـ). [قواعد التحديث: 101-103]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (5- ذكر صدور التابعين في الحديث والفتيا:
وهم المعروفون بالفقهاء السبعة من أهل: المدينة سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير، وخارجه بن زيد بن ثابت، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار الهلالي هكذا عدهم أكثر علماء أهل الحجاز، وجعل ابن المبارك سالم بن عبد الله بن عمر بدل أبي سلمة وجعل أبو الزناد بدلهما أبا بكر بن عبد الرحمن وعدهم ابن المديني اثني عشر وزاد إسماعيل أخا خارجة وسالمًا وحمزة وزيدًا أو عبيد الله وبلالًا بدل عبد الله بن عمر وأبان بن عثمان وقبيصة بن ذؤيب.
وعن الإمام أحمد بن حنبل: "أفضل التابعين ابن المسيب، قيل له: فعلقمة والأسود؟ قال: هو وهما".
وعنه أيضًا: "لا أعلم فيهم مثل أبي عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم ولقمة ومسروق".
وعنه أيضًا: "ليس أحد أكثر فتوى في التابعين من الحسن، وعطاء كان عطاء مفتي البصرة". كذا في التقريب وشرحه). [قواعد التحديث: 103-104]
الباب الثالث: في بيان علم الحديث
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (الباب الثالث: في بيان علم الحديث
وفيه مسائل
1- ماهية علم الحديث؛ رواية ودراية وموضوعه وغايته:
قال عز الدين بن جماعة: "علم الحديث علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن وموضوعه السند، والمتن وغايته معرفة الصحيح من غيره".
وقال ابن الأكفاني: "علم الحديث الخاص بالرواية علم يشتمل على نقل أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها. وعلم الحديث الخاص بالدراية علم يعرف منه حقيقة الرواية وشروطها، وأنواعها، وأحكامها، وحال الرواة وشروطهم وأصناف المرويات وما يتعلق بها".
قال السيوطي: "فحقيقة الرواية نقل السنة ونحوها وإسناد ذلك إلى من عزى إليه بتحديث وإخبار وغير ذلك؛ وشروطها: تحمل راويها لما يرويه بنوع من أنواع التحمل، من سماع أو عرض أو إجازة ونحوها، وأنواعها الاتصال والانقطاع، ونحوهما وأحكامها القبول، والرد وحال الرواة العدالة والجرح وشروطهم في التحمل وفي الأداء سيأتي نبذة منه وأصناف المرويات المصنفات من المساند والمعاجم والأجزاء وغيرهم، وما يتعلق بها: هو معرفة اصطلاح أهلها"). [قواعد التحديث: 105-106]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (2- المقصود من علم الحديث:
قال الإمام النووي قدس الله سره في شرح خطبة مسلم ما نصه: "إن المراد من علم الحديث، تحقيق معاني المتون، وتحقيق علم الإسناد والمعلل، والعلة عبارة عن معنى في الحديث خفي يقتضي ضعف الحديث مع أن ظاهره السلامة منها، وتكون العلة تارة في المتن، وتارة في الإسناد وليس المراد من هذا العلم مجرد السماع، ولا الإسماع ولا الكتابة بل الاعتناء بتحقيقه، والبحث عن خفي معاني المتون، والأسانيد والفكر في ذلك ودوام الاعتناء به، ومراجعة أهل المعرفة به ومطالعة كتب أهل التحقيق فيه، وتقييد ما حصل من نفائسه، وغيرها فيحفظها الطالب بقلبه ويفيدها بالكتابة ثم يديم مطالعة ما كتبه، ويتحرى التحقيق فيما يكتبه، ويتثبت فيه فإنه فيما بعد ذلك يصير معتمدًا عليه، ويذاكر بمحفوظاته من ذلك من يشتغل بهذا الفن سواء كان مثله في المرتبة أو فوقه أو تحته فإن بالمذاكرة يثبت المحفوظ، ويتحرر ويتأكد ويتقرر، ويزداد بحسب كثرة المذاكرة، ومذاكرة حاذق في الفن ساعة أنفع من المطالعة، والحفظ ساعات بل أيامًا، وليكن في مذاكرته متحريًا الإنصاف قاصدًا الاستفادة والإفادة غير مترفع على صاحبه بقلبه ولا بكلامه ولا بغير ذلك من حاله، مخاطبًا له بالعبارة الجميلة اللينة فبهذا ينمو علمه، وتزكو محفوظاته والله أعلم" اهـ). [قواعد التحديث: 107-108]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (3- حد المسند والمحدث والحافظ:
كثيرًا ما يوجد في الكتب تلقيب من يعاني الآثار بأحدها، فيظن من لا وقوف له على مصطلح القوم ترادفها وجواز التلقيب بها مطلقًا، وليس كذلك.
بيانه أن المسند: "بكسر النون" هو من يروي الحديث بإسناده، سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد روايته، وأما المحدث فهو أرفع منه بحيث عرف الأسانيد والعلل، وأسماء الرجال. وأكثر من حفظ المتون وسماع الكتب الستة والمسانيد والمعاجم والأجزاء الحديثية، وأما الحافظ فهو مرادف للمحدث عند السلف.
وقال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس: "المحدث في عصرنا، من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع بين رواته، وأطلع على كثير من الرواة والروايا في عصره، وتميز في ذلك حتى عرف فيه حظه واشتهر فيه ضبطه فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه، وشيوخ طبقة بعد طبقة بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله فهذا هو الحافظ، وأما ما يحكى عن بعض المتقدمين من قولهم كنا لا نعد صاحب حديث من لم يكتب عشرين ألف حديث في الإملاء فذلك بحسب أزمنهم!".
وقال الإمام أبو شامة: "علوم الحديث الآن ثلاثة أشرفها: حفظ متونه ومعرفة غريبها وفقهها، والثاني حفظ أسانيدها ومعرفة رجالها وتمييز صحيحها من سقيمها، والثالث جمعه وكتابته وسماعه وتطريقه وطلب العلو فيه".
قال الحافظ ابن حجر: "من جمع هذه الثلاث كان فقيها محدثًا كاملًا ومن انفرد باثنين منها كان دونه" كذا في التدريب). [قواعد التحديث: 109-110]