10 Oct 2022
الدرس السابع: الموضوع ( 1 / 2 )
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (48- الكلام على الحديث الموضوع وفيه مباحث:
1- ماهية الموضوع:
"هو الكذب المختلق المصنوع" أي كذب الراوي في الحديث النبوي بأن يروي عنه ما لم يقله، متعمدًا لذلك). [قواعد التحديث: 249]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (2- حكم روايته:
اتفقوا على أنه تحرم روايته مع العلم بوضعه، سواء كان في الأحكام أو القصص والترغيب ونحوها، إلا مبينا وضعه؛ لحديث مسلم عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين" ورواه الإمام أحمد وابن ماجه روي الكذابين على صيغة التثنية، والكاذبين بالجمع). [قواعد التحديث: 249]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (3- معرفة الوضع والحامل عليه:
ذكر المحدثون أمورًا كليه، يعرف بها كون الحديث موضوعا؛ منها: اشتماله على مجازفات في الوعد والوعيد، ومنها: سماجة الحديث وكونه مما يسخر منه، مثل ما يروى في وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنها مناقضته لما جاءت به السنة الصريحة، ومنها أن يكون باطلا في نفسه، فيدل بطلانه على وضعه، ومنها: أن لا يشبه كلام الأنبياء، بل لا يشبه كلام الصحابة، ومنها أن يشتمل على تواريخ الأيام المستقبلة، ومنها: أن يكون بكلام الأطباء أشبه، ومنها أن تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه، ومنها: مخالفته لصريح القرآن، ومنها: أحاديث صلوات الأيام والليالي، ومنها اقترانه بقرائن يعلم بها أنه باطل.
وقد استقصى المصنفون في الموضوعات إيراد الأمثلة المتوافرة لكل ما ذكر فليرجع إليها وسيأتي نوع تفصيل لها قريبًا.
قال الحافظ في شرح النخبة: "الحكم بالوضع إنما هو بطريق الظن الغالب" لا بالقطع؛ إذ قد يصدق الكذوب، لكن لأهل العلم بالحديث ملكة قوية يميزون بها ذلك، وإنما يقوم بذلك منهم من يكون اطلاعه تاما، وذهنه ثاقبًا وفهمه قويا، ومعرفته بالقرائن الدالة على ذلك متمكنة وقد يعرف الوضع بإقرار واضعه".
ثم قال: "ومن القرائن التي يدرك بها الوضع، ما يؤخذ من حال الراوي، كما وقع للمأمون بن أحمد، أنه ذكر بحضرته الخلاف في كون الحسن سمع من أبي هريرة أولا فساق في الحال إسناده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: سمع الحسن من أبي هريرة وكما وقع لغياث بن إبراهيم حيث دخل على المهدي فوجده يلعب بالحمام فساق في الحال إسنادًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال سمع الحسن من أبي هريرة، وكما وقع لغياث بن إبراهيم حيث دخل على المهدي فوجده يلعب بالحمام فساق في الحال إسنادًا إلى النبي أنه قال: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر -أو جناح- " فزاد في الحديث: "أو جناح" فعرف المهدي أنه كذب لأجله فأمر بذبح الحمام.
ومنها: ما يؤخذ من حال المروي، كأن مناقضًا لنص القرآن، أو السنة المتواترة، أو الإجماع القطعي أو صريح العقل حيث لا يقبل شيء من ذلك التأويل ثم المروي تارة يخترعه الواضع، وتارة يأخذ كلام غيره كبعض السلف الصالح أو قدماء الحكماء أو الإسرائيليات أو يأخذ حديثا ضعيف الإسناد فيركب له إسنادًا صحيحًا ليروج والحامل للواضع على الوضع إما عدم الدين، كالزنادقة، أو غلبة الجهل كبعض المتعبدين، أو فرط العصبية، كبعض المقلدين، أو اتباع هوى بعض الرؤساء، أو الإعراب لقصد الاشتهار، وكل ذلك حرام بإجماع من يعتد به. إلا أن بعض الكرامية وبعض المتصوفة، نقل عنهم إباحة الوضع في الترغيب والترهيب، وهو خطأ من فاعله نشأ عن جهل لأن الترغيب والترهيب من جملة الأحكام الشرعية. واتفقوا على أن تعمد الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكبائر وبالغ أبو محمد الجويني فكفر من تعمد الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم". اهـ.
وقال حجة الإسلام الغزالي في الإحياء: "وقد ظن ظانون، أنه يجوز وضع الأحاديث في فضائل الأعمال، وفي التشديد في المعاصي، وزعموا أن القصد منه صحيح، وهو خطأ محض؛ إذ قال -صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ متعمدًا، فليتبوأ مقعدة من النار" وهذا لا يترك إلا لضرورة، ولا ضرورة إذ في الصدق مندوحة عن الكذب ففيما، ورد من الآيات، والأخبار كفاية عن غيرها، وقول القائل إن ذلك قد تكرر على الأسماع، وسقط وقعه، وما هو جديد فوقعه أعظم فهذا هوس إذ ليس هذا من الأعراض التي تقاوم محذور الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى الله تعالى ويؤدي فتح بابه إلى أمور تشوش الشريعة فلا يقاوم خير هذا شره أصلا، والكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن الكبائر التي لا يقاومها شيء نسأل الله العفو عنه وعن جميع المسلمين". اهـ.
ورأيت لبعض فضلاء العصر مقالة غراء في هذا الموضوع، لا بأس بإيرادها تعزيزًا للمقام، قال رعاه الله: "الحديث الموضوع، هو المختلق المصنوع المنسوب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زورًا وبهتانًا، وهو أشد خطرًا على الدين، وأنكى ضررًا بالمسلمين، من تعصب أهل المشرقين والمغربين؛ لأنه يطرف الملة الحنيفية عن صراطها المستقيم، ويقذف بها في غياهب الضلالات حتى ينكر الرجل أخاه والولد أباه وتطير الأمة شعاعًا وتتفرق بدادًا بدادًا لالتباس الفضيلة وأفول شمس الهداية وانشعاب الأهواء وتباين الآراء.
وإن تفرق المسلمين إلى شيعة ورافضة وخوارج ونصيرية... إلخ لهو أثر قبيح من آثار الوضع في الدين. ولقد قام الحفاظ الثقات، وكادوا يزهقون الروح بضبطهم الحديث حفظًا وكتابة تلقينا، ومازوا الخبيث من الطيب، وقشعوا سحب اللبس فتلألأ نور اليقين".
ثم قال: "ورب سائل يقول: إني ساغ للمسلمين أن يضعوا في دينهم ما ليس منه؟ فالجواب أن أسباب الوضع كثيرة؛ منها: غفلة المحدث؛ أو اختلاط عقله في آخر حياته؛ أو التكبر عن الرجوع إلى الصواب بعد استبانة الخطأ لسهو مثلًا. ومنهم قوم وضعوا الأحاديث لا يقصدون إلا الترغيب والترهيب، ابتغاء وجه الله فيما يزعمون؛ وآخرون وضعوها انتصارًا لمذهبهم؛ ومنهم طائفة أهمتهم أنفسهم، فاختلقوا ما شاءوا للتقرب من السلاطين والأمراء، أو لاستمالة الأغنياء إلى الإعطاء. ومن هذا الصنف القصاص الذين انتحلوا وظيفة الوعظ والتذكير في المساجد والمجامع وأخذوا يهدمون من أركان هذا الدين لفلس يقتنونه أو حطام خبيث يلتهمونه".
قال: ولقد شاهدت منهم في المسجد الحسيني رجلًا بيده رقاع صغيرة، فيها دعاء يقول: إنه دعاء موسى، وإن من قرأه أو حمله تسقط عنه الصلوات المفروضة، والزحام حوله شبيه بزحام الحشر، حتى لا تكاد ترى إلا عمائم وطرابيش وبرانس وخمرًا، وأيديا ممتدة بفلوس أو دراهم، وهو في بهرة حلقهم، كأنه أبو زيد السروجي يوزع الرقاع، ويجمع المتاع، ويخلب الأسماع، حتى كاد يبيح للمتصدقين والمتصدقات، كل ما دخل تحت الحرمة، وشمله اسم النهي، هذا، وقد بلغني أن بعضهم نبه شيخ الجامع الأزهر والسادات إلى إزالة هذا المنكر من مسجد سبط الرسول، فأجاب بأن: هذا تجسس، والله يقول: {ولا تجسّسوا} ولا أدري هذا صح عنه، من الذي أخطأ؟ أهو أم عمر بن الخطاب الذي كان يطرد القصاصين أمثال هؤلاء من المساجد، مع أنهم لم يكونوا بهذه المثابة من التغرير والتضليل؟
ولنرجع إلى الوضاع، فمنهم زنادقة قصدوا إفساد الشريعة والتلاعب بالدين، {يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره} فعملوا على لبس الحق بالباطل، وخلط السم بالترياق، وهيئت لهم الفرص في الأزمان الغابرة مجالًا فسيحًا لهذا البهتان، حتى شحنوا الأذهان وسودوا الدفاتر وأفعموا الكتب بمفتريات: {ما أنزل اللّه بها من سلطان}. وقد سرى هذا الداء في كتب التفسير والسير والتاريخ، وتلقتها العامة عن سلامة صدر، إما لشهرة المعزو إليه، أو لاستبعاد كذبه على الرسول -صلى الله عليه وسلم- فخبطوا وحادوا عن الجادة: {وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا}.
ثم قال: "ولست أعجب من العامة وصنعهم هذا، ولكن العجب العجاب، من أهل العلم الذين يرون هذا المنكر رأي العين صباحًا ومساء، ويتأولون له كأنما أعمال هؤلاء السوقة وحي سماوي متشابه، يجب تأويله في رأي العلماء المتأخرين اللهم ألهمنا السداد، ووفقنا إلى سبيل الرشاد!
"والداهية الدهياء، أن الناس الآن، أخذت تروي الأحاديث من غير إجازة ولا تلقين، وحول العلماء وجهتهم إلى فروع الفقه، وآلات التفسير والتوحيد وانصرفوا عن الحديث إلا ما كان منه قراءة على سيل التبرك! فراجت سوق الأراجيف المعزوة للدين، واختلط الباطل بالحق فمهدوا بهذا للطاغين على الدين سبلا كان عذراء، وخططا كانت وعثاء فلا تكاد ترى حمارًا أو حوذيًّا أو خادما أو طاهيا أو أكارًا أو قصارًا أو كناسًا أو رشاشا إلا وهو يستشهد في كل عمل من أعماله بالحديث، سواء صح معناه ولفظه أم لم يصح. فإذا جلست في مرتاض أو ناد أو سوق أو حانوت أو محفل عرس أو مأتم سمعت من خلطهم وخبطهم في الدين ما تخرج لأجله النفوس من العيون وتمشي له القلوب في الصدور وربما كان في مجلسهم عالم فيسأل عند اختلافهم فلا يجيب إلا: "بأظن كذا! "؛ "ويمكن أن يكون كذا" والورع يقول: "لا أدري! " أو: "حتى أراجع الصحاح! " وقد يكون الحديث مشهورًا بين كل الطبقات، وهو موضوع! فيظن أنه صحيح لشهرته، خصوصا على ألسنة بعض المشايخ فيفتي بأنه صحيح وهناك الطامة الكبرى!.
ثم قال: "الغرض إحياء السنة، وإماتة البدعة. ودرء المطاعن الأجنبية بشيء ليس من ديننا، وذلك بالوقوف على طائفة من الأحاديث الموضوعة التي يستدل بها الناس على عقيدة أو حكم أو فضيلة أو النهي عن رذيلة ليتميز الخبيث من الطيب، ويبتعد حملة القرآن وخطباء المنابر ووعاظ المساجد من رواة الأكاذيب المضادة للشرع والعقل باسم الدين وهم لا يشعرون، وفي مقدمة ذلك الأحاديث المشهورة على ألسنة العامة، والخاصة في احتجاجهم، وأمرهم ونهيهم فإن ضررها عظيم، وخطبها جسيم وذلك كحديث: "حب الوطن من الإيمان" الذي لا يفهم منه بعد التأويل والتحليل إلا الحث على تفرق الجامعة الإسلامية التي ننشد الإيمان" الذي لا يفهم منه بعد التأويل والتحليل إلا الحث على تفرق الجامعة الإسلامية التي ننشد ضالتها الآن فإنه يقضي بتفضيل مسلمي مصر مثلا على من سواهم وإن من في الشام يفضل إخوته هناك على غيرهم وهكذا وهو الانحلال بعينه والتفرق المنهي عنه والله يقول: {إنّما المؤمنون إخوة}، ولم يقيد الأخوة بمكان ويقول: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}، وأقل ما فيه تفويت فضيلة الإيثار ومن ذلك: "شاوروهن وخالفوهن" إلى غير ذلك.
ومما هو جدير بالعناية قصص المولد النبوي الذي اشتمل كثير من الخيال الشعري، والأحاديث التي وضعها المطرون الغلاة كحديث: "لولاك ما خلقت الأفلاك" وقولهم: "إن الميم من اسمه الشريف تدل على كذا والدال على كذا" إلى آخر تصرفات الخيال ووصفهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بضروب من الغزل لا تليق إلا بمتخذات أخدان، مما يحل مقام النبوة عنه، وتنفر طبيعة الجلال منه؛ وكروايتهم من المعجزات ما ليس له أصل، كحديث الضب، وأن الورد من عرقه إلى آخر ما ينسبونه للمناوي، ولا أظنه إلا مصطنعا باسم الشيخ رحمه الله ورضي عنه" انتهى ملخصا). [قواعد التحديث: 250-258]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (4- مقالة في الأحاديث الموضوعة في فضيلة رجب:
نبه بعض الفضلاء ذلك في مقالة نشرها في مجلة نصحًا لخطباء المنابر المغفلين، وللوعاظ والقصاص البله فقال ما نصه: "كم اختلق الكذابون على النبي -صلى الله عليه وسلم- وكم وضعوا الأباطيل والمناكير، وركبوا الأسانيد الملفقة، وأسهبوا وأطنبوا، وبالغوا في التحذير والترهيب، وشددوا، وسهلوا على حسب ما تسول لهم أنفسهم، ولم يخشوا خالقا يعلم سرهم وعلانيتهم، فيجازيهم بمقاعد في النار يتبوءونها جزاء افترائهم واختلاقهم وتجرئهم على وضع الأحاديث التي: {ما أنزل اللّه بها من سلطان} وقد قال الحافظ سهل بن السري: "قد وضع أحمد بن عبد الله الجوربياري، ومحمد بن عكاشة الكرماني، ومحمد بن تميم الفريابي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من عشرة آلاف حديث. وقال حماد بن زيد: "وضعت الزنادقة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعة آلاف حديث". وقال بعضهم: "سمعت ابن مهدي يقول لميسرة بن عبد ربه: من أين جئت بهذه الأحاديث، من قرأ كذا فله كذا ومن صام كذا فله كذا؟ قال: وضعتها أرغب الناس فيها!! " وقيل لأبي عصمة بن أبي مريم المروزي: "من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة، سورة وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت الناس أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة!! " ومما يوجب الأسف أن يرى الإنسان تلك الموضوعات، والمناكير، والأباطيل قد انتشرت في الكتب انتشارًا زائدًا، ورواها الخلف عن السلف وشحنت بها كتب الوعظ، والإرشاد ودواوين الخطباء حتى إنك لا تطالع ديوانًا من الدواوين المتداولة بين خطبائنا إلا وترى فيه من فظائع الأكاذيب على نبينا عليه الصلاة والسلام ما يستوجب العجب وما ذاك إلا لذهاب علماء الحديث ودخولهم في خبر كان وعدم اعتناء أهل عصرنا به.
ومن أفظع هذه الأباطيل، الأحاديث التي تروى في فضيلة رجب وصيامه، فأغلب الدواوين نراها مشحونة بها. ونحن نأتي بتلك الأباطيل التي اختلقها الوضاعون، ليحذرها العموم، ويعرفها خطباء المنابر والوعاظ والقصاص، فيجتنبوها ولا ينسبوها إليه عليه الصلاة والسلام؛ حذرًا من الوقوع في الإثم، وفرارًا من الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- فنقول:
حديث: "فضل رجب على الشهور، كفضل القرآن على سائر الكلام؛ وفضل شهر شعبان على الشهور، كفضلى على سائر الأنبياء؛ وفضل شهر رمضان، كفضل الله على سائر العباد" موضوع قاله الحافظ ابن حجر؛ ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة.
وقولهم: "أكثروا من الاستغفار في رجب، فإن لله في كل ساعة منه عتقاء من النار؛ وإن لله مدائن لا يدخلها إلا من صام رجب" موضوع وفي إسناده: "الإصبغ بن نباتة" ليس بشيء قاله السيوطي في اللآلئ المصنوعة.
وقولهم: "رجب شهر الله وشعبان شهري... إلخ" أورده الصاغاني في الموضوعات.
ومنها: "فضيلة ليلة أول جمعة من رجب، والصلاة الموضوعة فيها المسماة بليلة الرغائب".
وقولهم: "في رجب يوم وليلة، من صام ذلك اليوم، وقام تلك الليلة، كان له من الأجر كمن صام مائة سنة، وقام سنة وهي لثلاث بقين من رجب في ذلك اليوم بعث الله محمدًا نبيًّا" موضوع قاله السيوطي في النكت البديعات.
وقولهم: "من صام يومًا من رجب، وقام ليلة من لياليه بعثه الله آمنا يوم القيامة ومر على الصراط، وهو يهلل أو يكبر" موضوع وفي إسناده: "إسماعيل بن يحيى" كذاب.
وقولهم: "من أحيى ليلة من رجب، وصام يومًا منه أطعمه الله من ثمار الجنة، وكساه من حلل الجنة، وسقاه من الرحيق المختوم" موضوع، وفي إسناده: "حصين بن مخارق" كان يضع الحديث قاله السيوطي في اللآلئ المصنوعة.
وقولهم رجب من الأشهر الحرم وأيامه مكتوبة على أبواب السماء السادسة؛ فإذا صام الرجل منه يومًا وجرد صومه بتقوى الله، نطق الباب، ونطق اليوم وقال: "يا رب! اغفر له! " وإذا لم يتم صومه بتقوى الله لم يستغفرا له، وقالا: "خدعتك نفسك" موضوع وفي إسناده: "إسماعيل بن يحيى" كذاب قاله السيوطي.
وقولهم: "رجب شهر الله الأصم المنبتر الذي أفرده تعالى لنفسه، فمن صام منه يومًا إيمانًا واحتسابًا، استوجب رضوان الله الأكبر.. إلخ" موضوع وفي إسناده "عصام بن طليق" قال ابن معين ليس بشيء، وأبو هارون العبدي متروك.
وقولهم خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل رجب بجمعه فقال: "أيها الناس! إنه قد أظلكم شهر عظيم، شهر رجب، شهر الله الأصم تضاعف فيه الحسنات وتستجاب الدعوات، وتفرج فيه الكربات، لا ترد للمؤمن فيه دعوة؛ فمن اكتسب فيه خيرًا ضوعف له فيه أضعافًا مضاعفة فعليكم بقيام ليله وصيام نهاره = إلخ" موضوع ذكره السيوطي.
وقولهم: "من صام من رجب يومًا تطوعًا، أطفأ صومه ذلك اليوم غضب الله، وأغلق عنه أبواب النار = الخ" موضوع؛ ذكره السيوطي وقال: إسناده ظلمات بعضها فوق بعض". انتهت المقالة.
ثم اعترض بعض الناس على من نشرها في مجلته وقال: "إن كانت هذه الأحاديث موضوعة كما قال الكاتب، فما الغرض منها إلا الترغيب في العبادة التي يثاب فاعلها على كل حال! وحينئذ يكون بيان كيفية وضعها وتكذيب واضعيها تثبيطًا غير محمود عن عبادة الله".
فأجاب ناشرها بقوله: "إن نشر مثل هذه الرسالة كان واجبًا؛ ومن أفضل ضروب العبادة إعلام المسلمين بأن هذا الحديث موضوع، إن كان كذلك، وصحيح إن كان سنده صحيحًا سواء كان مغزى الحديث مما ندبت إليه الشريعة بوجه عام أو مما نهت عنه وكاتب الرسالة لم يحكم بوضع حديث من عندياته، وإنما ذكر أقوال أئمة الحديث والحفاظ حتى ذكر قول الحافظ السيوطي في سند حديث من تلك الأحاديث أنه ظلمات بعضها فوق بعض مبالغة في إنكار سند الحديث، وعدم الاعتداد به. وهناك غرض لأئمة الحديث، في بيان صحته وضعفه، أسمى من غرض الترغيب في العبادة والصيام والقيام: ألا وهو غرض تحرير الشريفة الغراء، وصونها عن الدخيل فيها، خيرًا كان أو شرًّا؛ لأنه إذا تطرق للحديث الكذب فيه بنية حسنة، تطرقه كذلك نبيه سيئة وانهار بناء الشريعة المحمدية بكثرة ما يتخللها من الأجنبي عنها، وأي شر أعظم مما يطرأ على الشريعة الغراء لو أرخى العنان لوضاع الأحاديث، يضعون كيف شاءوا دون أن يميز الصدق من الكذب في رواياتهم، ثم من هو الذي يقبل من المعترضين أن يكتب باسمه الكتاب ما شاءوا من أفكار وأقوال ولو كانت حسنة مقبولة في حد ذاتها؟ بل من يصدق أن يقوم أحد من الناس ويفتري على وزير أو مدير قرارًا أو منشورا يصدره بإمضائه، ولا يعد عابثا بالنظام، متوجبًا التأديب أو على الأقل التكذيب؟ أو من يتصور أنه يلفق صورة أمر عال، مهما كان موضعه وينشره كأنه صادر من السلطان ولا يعاقب على فعله هذا فأي مسلم بعد هذا يسوغ أن يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" لذلك نحن نشرنا رسالة الفاضل الذي أسند كل ما قال فيها للسلف الصالح من أئمة الحديث وحفاظه شاكرين همته، مثنين عليه بما هو أهله معتبرين عمله هذا من خير أعمال العبادة التي يتقرب بها إلى الله في مثل شهر رجب المبارك، مؤملين أن يحذو الفضلاء الباحثون حذوه، ولا خوف من ذلك على الناس أن تثبط هممهم عن عبادة الله، فإن الله عز وجل، قد أتم شريعته قبل أن يأخذ رسوله إلى الرفيق الأعلى، فهي لا ينقصها شيء يحتاج وضاعو الحديث المفترون على الله وعلى رسوله أن يتموه وعلى القراء أن يفقهوا مقاصد الكتاب في هذا الباب والله الموفق والمعين.
ثم أجاب ناشرها أيضًا بقوله في محاورة ثانية: "لم يقصد كاتب الرسالة في بيان الأحاديث الموضوعة التي سردها تثبيط همم الناس عن العبادة، وإنما أراد بيان عدم صحة تلك الأحاديث التي اعتاد بعض الخطباء العناية بذكرها عند دخول مثل شهر رجب المبارك، ويحسبونها من أصول الدين، وليست منه في شيء تلك الأحاديث التي أسندت للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقال أئمة الحديث السالفون وحفاظه المحققون إنها موضوعة مفتراة عليه.
فقد قال كاتب الرسالة: "ونحن نأتي بتلك الأباطيل التي اختلقها الوضاعون ليحذرها العموم، ويعرف خطباء المنابر والوعاظ، والقصاص فيجتنبوها، ولا ينسبوها إليه عليه الصلاة والسلام حذرًا من الوقوع في الإثم وفرارًا من الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم... إلخ" وهذا صريح في أنه إنما ينصح الخطباء والوعاظ، ليعدلوا عن ارتكاب الكذب في إرشاد العامة، إلى ما هو الصدق فيه، والخير كله مع الصادقين.
ثم قال: "وقد بلغ حد التهافت على بيان أسرار الشريعة الغراء، عند بعض خطباء الجمع على المنابر، أن جعلوا للفظه "ر ج ب" حروفا مقطعة، مدلولات أخرى. فالراء لمعنى والجيم لآخر، والباء لغيرهما مع أن هذه الحروف ذاتها موجودة في كل كلمة ثلاثية تركبت منها كجرب، وبرج ورجب أسماء مسميات أخرى، وهلم جرا. بل لا ينكر عاقل أن الدخيل في الأحاديث، قد كان منه ما أضر بالجامعة الإسلامية وجوهر الدين الحنيفي، ضررًا بليغًا، لو قيس بما نتجته الأحاديث الموضوعة لمثل الترغيب في العبادة من الحسنات، لرجح عليها رجحانا مبينًا فكيف لا يكون سد هذا الباب مهمًا، وكيف لا يكون في الأمة، وعاظ ومرشدون يبيتون الصدق من الكذب، والغث من السمين في كل وقت وليس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقت مخصوص، وأشد ما يطلب ذلك في الظروف التي يكون فيها الأمر والنهي أبلغ تأثيرًا في النفوس ولهذا اختار صاحب رسالة الأحاديث الموضوعة أن يبين ما يختص منها بشهر رجب في الوقت الذي يصدع الخطباء فيه بمواعظهم له، والله يوفق الجميع لما فيه الخير، والصواب وهو الهادي إلى سبيل الرشاد".
وأقول: رأيت لشيخ الإسلام ابن تيميه قدس سره في كتابه: "اقتضاء الصراط المستقيم" تطرقًا لهذا المبحث الجليل، قال قدس سره: "شهر رجب، أحد الأشهر الحرم". وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا دخل شهر رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان" ولم يثبت عن النبي في فضل رجب حديث آخر، بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كذب والحديث إذا لم يعلم أنه كذب فروايته في الفضائل أمر قريب أما إذا علم كذبه فلا يجوز روايته إلا مع بيان حاله لقوله -صلى الله عليه وسلم: "من روى عني حديثًا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". نعم، روي عن بعض السلف في تفضيل العشر الأول من رجب بعض الأثر وروي غير ذلك فاتخاذه موسما بحيث يفرد بالصوم مكروه عند الإمام أحمد وغيره، كما روي عن عمر بن الخطاب وأبي بكرة وغيرهما من الصحابة -رضي الله عنهم- وروى ابن ماجه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صوم رجب، وهل الإفراد المكروه أن يصومه كله، أو أن يقرن به شهر آخر؟ فيه للأصحاب وجهان والله أعلم". اهـ). [قواعد التحديث: 258-265]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (5- فتوى الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله في خطيب لا يبين مخرجي الأحاديث:
قال في فتاواه الحديثية ما نصه: "وسئل -رضي الله عنه- في خطيب يرقى المنبر في كل جمعة، ويروي أحاديث كثيرة، ولم يبين مخرجيها، ولا رواتها فما الذي يجب عليه؟ فأجاب بقوله: ما ذكره من الأحاديث في خطبه من غير أن يبين رواتها، أو من ذكرها، فجائز بشرط أن يكون من أهل المعرفة في الحديث أو بنقلها من مؤلفه كذلك؛ وأما الاعتماد في رواية الأحاديث على مجرد رؤيتها في كتاب ليس مؤلفه من أهل الحديث، أو في خطب ليس مؤلفها كذلك فلا يحل ذلك! ومن فعله عزر عليه التعزير الشديد. وهذا حال أكثر الخطباء فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث حفظوها، وخطبوا بها من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحاديث أصلًا أم لا فيجب على حكام كل بلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك، ويجب على حكام بلد هذا الخطيب منعه من ذلك إن ارتكبه". ثم قال: "فعلى هذا الخطيب أن يبين مستنده في روايته فإن كان مستندًا صحيحًا فلا اعتراض عليه وإلا ساغ الاعتراض عليه بل وجاز لولي الأمر -أيد الله به الدين وقمع بعدله المعاندين- أن يعزله من وظيفة الخطابة زجرًا له عن أن يتجرأ على هذه المرتبة السنية بغير حق" انتهى ملخصا). [قواعد التحديث: 265-266]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (6- ما جاء في نهج البلاغة من وجوه اختلاف الخبر وأحاديث البدع:
سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عما في أيدي الناس من أحاديث البدع واختلاف الخبر فقال: "إن في أيدي الناس حقًّا وباطلًا وصدقًا وكذبًا، وناسخًا، وممسوخًا وعامًّا، وخاصًّا ومحكمًا، ومتشابها وحفظًا ووهمًا، ولقد كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عهده حتى قام خطيبًا فقال: "من كذب عليّ متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار" وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس:
رجل منافق مظهر للإيمان، متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج، يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متعمدا فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدقوا قوله ولكنهم قالوا صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى وسمع منه، ولقف عنه فيأخذون بقوله وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك ثم بقوا بعده عليه وعلى آله السلام فتقربوا إلى الأئمة فولوهم الأعمال، وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا وإلا من عصم الله فهو أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا لم يحفظه على وجهه، فوهم فيه ولم يعرف كذبا، فهو في يديه، ويرويه ويعمل به ويقول: "أنا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم" فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوا منه ولو علم أنه كذلك لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا يأمر به، ثم نهى عنه وهو لا يعلم؛ أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ فلو علم أنه منسوخ لرفضه ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه
وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله مبغض للكذب خوفًا من الله وتعظيمًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يهم بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه فحفظ الناسخ فعمل به وحفظ المنسوخ فجنب عنه وعرف الخاص والعام، فوضع كل شيء موضعه، وعرف المتشابه ومحكمه وقد كان يكون من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكلام له وجهان فكلام خاص وكلام عام فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله به، ولا عنى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه وما قصد به، وما خرج من أجله وليس كل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كان يسأله ويستفهمه حتى إن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي الطارئ فيسأله عليه السلام حتى يسمعوا وكان لا يمر بي من ذلك شيء إلا سألت عنه. وحفظته فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم". اهـ). [قواعد التحديث: 267-269]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (7- بيان ضرر الموضوعات على غير المحدثين وأن الدواء لمعرفتها الرسوخ في الحديث:
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن المرتضى اليماني في كتابه: "إيثار الحق" في خلال البحث عن كون معظم ابتداع المبتدعين من أهل الإسلام راجعًا إلى هذين الأمرين الواضح بطلانهما وهما: الزيادة في الدين والنقص منه، ما نصه: "من أنواع الزيادة في الدين، الكذب فيه عمدًا، وهذا الفن يضر من لم يكن من أئمة الحديث والسير والتواريخ، ولا يتوقف على نقدهم فيه بحيث لا يفرق بين ما يتواتر عند أهل التحقيق، وبين ما يزوره غيرهم وليس له دواء إلا إتقان هذا الفن، والرسوخ فيه وعدم المعارضة لأهله بمجرد الدعاوي الفارغة، وهو علم صعب يحتاج إلى طول المدة، ومعرفة علوم الحديث، وعدم العجلة بالدعوى، وإن كان جليًّا في معناه فإن الرسوخ فيه بعيد عن حصول العلم الضروري بأحوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحوال السلف بحيث يعلم دينهم بالضرورة. مثل ما يعلم مذهب المعتزلة والأشعرية كذلك يطول البحث في علم الكلام ويعلم ما يختلفون فيه وما لا يختلفون فيه، وما يمكن القدح فيه من المنقولات المشهورة، وما لا يمكن من غير تقليد ولا أقل من معرفة مثل علوم الحديث للحاكم في ذلك وهذا عندي هو الفائدة العظمي في الرسوخ في علم الحديث، وليس الفائدة العظمي فيه معرفة أحاديث الأحكام، في فروع الحلال والحرام، كما يظن ذلك من يقتصر على قراءة بعض المختصرات في ذلك، ويكتفي به في هذا العلم الجليل. ولأمر ما كان أئمة الحديث الراسخون أركان الإيمان في الثبوت عند الفتن والامتحان". اهـ.
وقال العارف الشعراني قدس سره في العهود الكبرى: "أخذ علينا العهد العام من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا نتهور في رواية الحديث بل نتثبت في كل حديث نرويه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نرويه عنه إلا إن كان لنا به رواية صحيحة"
ثم قال قدس سره: "واعلم يا أخي أن أكثر من يقع في خيانة هذا العهد المتصوفة الذين لا قدم لهم في الطريق فربما رووا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما ليس من كلامه لعدم ذوقهم، وعدم فرقانهم بين كلام النبوة، وكلام غيرها، وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله يقول إنما قال بعض المحدثين: أكذب الناس الصالحون لغلبة سلامة بواطنهم فيظنون بالناس الخير، وأنهم لا يكذبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمرادهم بالصالحين المتعبدون الذي لا غوص لهم في علم البلاغة، فلا يفرقون بين كلام النبوة، وغيره بخلاف العارفين فإنهم لا يخفى عليهم ذلك". اهـ). [قواعد التحديث: 269-270]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (8- هل يمكن معرفة الموضوع بضابط من غير نظر في سنده؟
سئل الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية: هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟ فقال: "هذا سؤال عظيم القدر، وإنما يعرف ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، وخلطت بلحمه، ودمه وصار له فيها ملكة، واختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهديه فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه، ويدعو إليه ويحبه ويكرهه ويشرعه للأمة بحيث كأنه مخالط له عليه الصلاة والسلام بين أصحابه الكرام فمثل هذا يعرف من أحواله وهديه وكلامه وأقواله وأفعاله وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز ما لا يعرفه غيره، وهذا شأن كل متبوع مع تابعه، فإن للأخص به، الحريص على تتبع أقواله وأفعاله، من العلم بها، والتمييز بين ما يصح أن ينسب إليه وما لا يصح، ليس كمن لا يكون كذلك. وهذا شأن المقلدين مع أئمتهم، يعرفون من أقوالهم ونصوصهم ومذاهبهم وأساليبهم ومشاربهم ما لا يعرفه غيرهم". ثم أورد جملة مما روي في ذلك "انظر الموضوعات لملا علي القاري".
وقال ابن دقيق العيد: "كثيرًا ما يحكمون بالوضع باعتبار أمور ترجع إلى المروي، وألفاظ الحديث. وحاصلة يرجع إلى أنه حصلت لهم لكثرة محاولة ألفاظ النبي -صلى الله عليه وسلم- هيئة نفسانية وملكة قوية عرفوا بها ما يجوز أن يكون من ألفاظ النبوة وما لا يجوز".
وقد روى الخطيب عن الربيع بن خيثم التابعي الجليل قال: "إن للحديث ضوءًا كضوء النهار يعرف وظلمة كظلمة الليل تنكر".
ونحوه قول ابن الجوزي: "الحديث المنكر يقشعر منه جلد طالب العلم، وينفر منه قلبه" يعني الممارس لألفاظ الشارع الخبير بها وبرونقها وبهجتها). [قواعد التحديث: 270-272]
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (9- بيان أن للقلب السليم إشرافا على معرفة الموضوع:
قال أبو الحسن علي بن عروة الحنبلي في "الكواكب":
فصل: القلب إذا كان نقيًّا نظيفًا زاكيًا، كان له تمييز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، والهدي والضلال، ولا سيما إذا كان قد حصل له إضاءة وذوق من النور النبوي، فإنه حينئذ تظهر له خبايا الأمور، ودسائس الأشياء والصحيح من السقيم ولو ركب على متن ألفاظ موضوعة على الرسول إسناد صحيح، أو على متن صحيح إسناد ضعيف لميز ذلك وعرفه، وذاق طعمه وميز بين غثه وسمينه وصحيحة وسقيمه فإن ألفاظ الرسول لا تخفى على عاقل ذاقها، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسه المؤمن فإنه ينظر بنور الله". رواه الترمذي من حديث أبي سعيد وقال جماعة من السلف في قوله تعالى: {إنّ في ذلك لآياتٍ للمتوسّمين} أي للمتفرسين، وقال معاذ بن جبل "إن للحق منارًا كمنار الطريق". وإذا كان الكفار لما سمعوا القرآن في حال كفرهم قالوا: "إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمورق وإن له لثمرة، وإن له في القلوب لصولة ليست بصوله مبطل! " فما الظن بالمؤمن التقي النقي، الذي له عقل تام عند ورود الشبهات، وبصر نافذ عند ورود الشهوات؟ قال بعض السلف: "إن العبد ليهم بالكذب فأعرف مراده قبل أن يتمم" وقد قال تعالى: {ولتعرفنّهم في لحن القول} وقد كان عمر بن الخطاب له حظ من ذلك كقصته مع سواد بن قارب وغيره. فإن القلب الصافي له شعور بالزيغ والانحراف في الأفعال والأعمال. فإذا سمع الحديث عرف مخرجه من أين، وإن لم يتكلم فيه الحفاظ وأهل النقد. فمن كانت أعماله خالصة لله موافقة للسنة ميز بين الأشياء، كذبها وصدقها، بشواهد تظهر له على صفحات الوجوه وفلتات الألسنة. قال شاه الكرماني: "من عمر باطنة بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة، وغض بصره عن المحارم، وعود نفسه أكل الحلال لم تخطئ له فراسة فالله سبحانه هو الذي يخلق الرعب والظلمة في قلوب الكافرين، والنور والرهان في قلوب المتقين، ولهذا ذكر الله آية النور عقيب غض النظر، وكف النفس عن المحارم. وكذلك إذا كان العبد صدوق اللسان، كان أقوى له وأتم على معرفة الأكاذيب والموضوعات فإن الجزاء من جنس العمل، فيثيب الله الصدوق ويجد للكذب مضاضة ومرارة ينبو عنها سمعه ولا يقبلها عقله".
ولما قدم وفد هوازن على النبي -صلى الله عليه وسلم- مسلمين وسألوه أن يرد عليهم سبيهم ومالهم قال لهم: "أحب الحديث إلى أصدقه" ولهذا كان كعب بن مالك، بعد أن عمي، إذا تلكم الرجل بين يديه بالكذب يقول له: "اسكت، إني لأجد من فيك رائحة الكذب! " إذا سمع حديثا مكذوبا، عرف كذبه وذلك أنه أجمع الصدق لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما قدم من غزوة تبوك وأنزل الله عز وجل {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين} فإن الله سبحانه يلهم الصادق الذكي معرفة الصدق من الكذب كما في الحديث: "الصدق طمأنينة، والكذب ريبة" وقال لوابصة: "استفت قلبك" وقد ترك النبي أمته على البيضاء ليلها كنهارها، وهذا من أدل الأشياء على ما قلنا.
وإنما يؤتى الإنسان ويدخل الزيف عليه والباطل من نقص متابعته للرسول، بخلاف المؤمن المحسن المتبع له في أقواله وأفعاله فإن أقوال الرسول عليها جلالة ولها ناموس، ولقد رأيت رجلا إذا سمع حديثا مرويا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان ليس مما قاله يرده ويقول: "هذا موضوع أو ضعيف أو غريب" من غير أن يسمع في ذلك بشيء فيكشف عنه، فإذا هو كما قال وكان قل أن يخطئ في هذا الباب فإذا قيل له من أين لك هذا؟ يقول كلام الرسول عليه جلالة وفيه فحولة ليست لغيره من الناس وكذلك كلام أصحابه وكنت أكشف عما يقول فأجده غالبًا كما قال، وكان من أتبع الناس للسنة وأقلاهم للبدع والأهواء وكذلك كان يقع هذا كثيرًا، فإن الدين هو فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه، فمن تلبس في باطنه بالإخلاص والصدق، وفي ظاهره بالشرع لانت له الأشياء ووضحت على ما هي عليه عكس حال أهل الضلال والبدع الذين يتكلمون بالكذب والتحريف، فيدخلون في دين الله ما ليس منه وانظر ألفاظ القرآن لما كانت محفوظة منقولة بالتواتر لم يطمع مبطل ولا غيره في إبطال شيء منه ولا في زيادة شيء بخلاف الحديث فإن المحرفين والوضاعين تصرفوا فيه بالزيادة والنقصان والكذب والوضع في متونه وأسانيده، ولكن أقام الله به من ينفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ويحميه من وضع الوضاعين فبينوا ما أدخل أهل الكذب والوضع فيه وأهل التحريف في معانيه كمن صنف في الصحيح كالبخاري ومسلم وابن خزيمة وكذلك أهل المساند كمسند أحمد ونحوه وكمالك وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم من تكلم على الحديث، وكذلك الذين تكلموا على الرجال وأسانيدها: كيحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى القطان وشعبة وسفيان وابن معين وابن المدايني وابن مهدي وغيرهم فهؤلاء وأمثالهم أهل الذب عن أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عكس حال من صنف كتبًا فيها من الموضوعات شيء كثير، وهو لا يميز ولا يعرف الموضوع والمكذوب من غيره فيجيء الغر الجاهل فيرى حديثًا في كتاب مصنف فيغتر به وينقله وهؤلاء كثير أيضًا مثل مصنف كتاب: "وسيلة المتعبدين" الذي صنفه الشيخ عمر الموصلي ومثل: "تنقلات الأنوار" للبكري الذي وضع فيه من الكذب ما لا يخفى على من له أدنى مسكة عقل، بل قد أنكر العلماء على أهل التصوف كثيرًا مما ذكروه في كتبهم من الأحاديث التي يعلمون أنها من الموضوعات، ومن تفاسير آيات يعلمون أنها مخالفة مع أنهم قوم أحبوا الأعمال، وكذلك أهل التفسير يضعون في تفاسيرهم أحاديث مكذوبة، وكذلك كثير من الفقهاء يستدلون في كتبهم على المسائل بأحاديث ضعيفة أو مكذوبة، ومن لم يميز يقع في غلط عظيم فالله المستعان، وقد فرق الله بين الحق والباطل بأهل النور والإيمان والنقد العارفين بالنقل والذائقين كلام الرسول بالعقل، وقد صنفوا في ذلك كتبًا في الجرح والتعديل فهذا العلم مسلم لهم ولهم فيه معارف وطرق يختصون بها. وقد قال الإمام أحمد: "ثلاثة علوم ليس لها أصل: المغازي والملاحم والتفسير" ومعنى ذلك أن الغالب عليها أنها مرسلة وكذلك: "قصص الأنبياء" للثعلبي فيها ما فيها. والمقصود أن الصادق تمر به أحاديث يقطع قلبه بأنها موضوعة أو ضعيفة.
قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية: "القلب المعمور بالتقوى إذا رجح بمجرد رأيه فهو ترجيح شرعي" قال: "فمتى ما وقع عنده وحصل في قلبه ما يظن معه أن هذا الأمر أو هذا الكلام أرضى الله ورسوله كان ترجيحًا بدليل شرعي، والذين أنكروا كون الإلهام ليس طريقا إلى الحقائق مطلقا أخطئوا؛ فإذا اجتهد العبد في طاعة الله وتقواه، كان ترجيحه لما رجح أقوى من أدلة كثيرة ضعيفة فإلهام هذا دليل في حقه، وهو أقوى من كثير من الأقيسة الضعيفة والموهومة والظواهر والاستصحابات الكثيرة التي يحتج بها كثير من الخائضين في المذاهب والخلاف وأصول الفقه. وقد قال عمر بن الخطاب: "اقربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون فإنهم تتجلى لهم أمور صادقة" وحديث مكحول المرفوع: "ما أخلص عبد العبادة لله تعالى أربعين يومًا إلا أجرى الله الحكمة على قلبه، وأنطق بها لسانه" وقال أبو سليمان الداراني: "إن القلوب إذا أجمعت على التقوى جالت في الملكوت، ورجعت إلى صاحبها بطرف الفوائد من غير أن يؤدي إليها عالم علما" وقد قال النبي: "الصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء" ومن معه نور وبرهان وضياء كيف لا يعرف حقائق الأشياء من فحوى كلام أصحابها، ولا سيما الأحاديث النبوية فإنه يعرف ذلك معرفة تامة لأنه قاصد العمل فتتساعد في حقه هذه الأشياء مع الاقتداء ومحبة الله ورسوله حتى إن المحب يعرف من فحوى كلام محبوبه مراده تلويحًا لا تصريحًا:
والعين تعرف من عيني محدثها = إن كان من حزبها أو من أعاديها
وقد قيل:
إنارة العقل مكسوف بطوع هوى = وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا
وفي الحديث الصحيح: "لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها" ومن كان توفيق الله له كذلك، فكيف لا يكون ذا بصيرة نافذة ونفس فعالة، وإذا كان الإثم والبر في صدور الخلق له تردد وجولان فكيف حال من الله سمعه وبصره، وهو في قلبه. وقد قال ابن مسعود: "الإثم حزاز القلوب" وقد قدمنا أن: "الكذب ريبة والصدق طمأنينة" فالحديث الصدق تطمئن إليه النفس ويطمئن إليه القلب وأيضًا فإن الله فطر عبادة على الحق فإذا لم تستحل الفطرة، شاهدت الأشياء على ما هي عليه فأنكرت منكرها، وعرفت معروفها. قال عمر: "الحق أبلج لا يخفى على فطن" فإذا كانت الفطرة مستقيمة على الحقيقة منورة بنور القرآن تجلت لها الأشياء على ما هي عليه في تلك المرايا، وانقشعت عنها ظلمات الجهالات فرأت الأمور عيانًا مع غيبها عن غيرها، وفي السنن والمسند، وغيره عن النواس بن سمعان عن النبي قال: "ضرب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران، وفي السورين أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وداع يدعو على رأس الصراط، وداع يدعو من فوق فالصراط المستقيم هو الإسلام، والستور المرخاة حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله فإذا أراد العبد أن يفتح بابًا من تلك الأبواب ناداه المنادى يا عبد الله لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه؛ والداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي فوق الصراط، واعظ الله في قلب كل مؤمن" فقد بين هذا الحديث العظيم الذي من عرفه انتفع به انتفاعًا بالغًا إن ساعده التوفيق، واستغنى به عن علوم كثيرة أن في قلب كل مؤمن واعظًا والوعظ هو الأمر والنهى والترغيب والترهيب، وإذا كان القلب معمورًا بالتقوى انجلت له الأمور وانكشفت بخلاف القلب الخراب المظلم قال حذيفة بن اليمان: "إن في قلب المؤمن سراجًا يزهر"
وفي الحديث الصحيح: "إن الدجال مكتوب بين عينيه: "كافر" يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ" فدل على أن المؤمن يتبين له ما لا يتبين، ولا سيما في الفتن وينكشف له حال الكذاب الوضاع على الله ورسوله. فإن الدجال أكذب خلق الله مع أن الله يجري على يديه أمورًا هائلة، ومخاريق مزلزلة؛ حتى إن من رآه افتتن به؛ فيكشفها الله للمؤمن حتى يعتقد كذبها وبطلانها. وكلما قوي الإيمان في القلب قوي انكشاف الأمور له، وعرف حقائقها من بواطلها، وكلما ضعف الإيمان ضعف الكشف. وذلك مثل السراج القوي والسراج الضعيف في البيت المظلم ولهذا قال بعض السلف في قوله: {نورٌ على نورٍ} قال: "هو المؤمن ينطق بالحكمة المطابقة للحق، وإن لم يسمع فيها بالأثر، فإذا سمع فيها بالأثر، كان نورًا على نور" فالإيمان الذي في قلب المؤمن يطابق نور القرآن فالإلهام القلبي تارة يكون من جنس القول والعلم، والظن أن هذا القول كذب وأن هذا العمل باطل وهذا أرجح من هذا وأصوب، وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فيهم أحد فعمر". والمحدث هو الملهم المخاطب في سره، وما قال عمر لشيء إني لأظنه كذا وكذا إلا كان كما ظنه وكانوا يرون أن السكينة تنطق على قلبه ولسانه أيضًا، فإذا كانت الأمور الكونية تنكشف للعبد المؤمن لقوة إيمانه يقينًا وظنًّا فالأمور الدينية كشفها له أيسر بطريق الأولى فإنه إلى كشفها أحوج فالمؤمن تقع في قلبه أدلة على الأشياء لا يمكنه التعبير عنها في الغالب فإن كل أحد لا يمكنه إبانه المعاني القائمة بقلبه فإذا تكلم الكاذب بين يدي الصادق عرف كذبه من فحوى كلامه فتدخل عليه نخوة الحياء الإيماني فتمنعه البيان، ولكن هو في نفسه قد أخذ حذره منه، وربما لوح أو صرح به خوفًا من الله وشفقة على خلق الله فيحذرون من روايته أو العمل به، وكثير من أهل الإيمان والكشف يلقي الله في قلبه أن هذا الطعام حرام، وأن هذا الرجل كافر، أو فاسق، أو ديوث، أو لوطي، أو خمار، أو مغن، أو كاذب من غير دليل ظاهر بل بما يلقي الله في قلبه، وكذلك بالعكس يلقي في قلبه حجة لشخص، وأنه من أولياء الله تعالى وأن هذا الرجل صالح وهذا الطعام حلال، وهذا القول صدق فهذا وأمثاله لا يجوز أن يستبعد في حق أولياء الله المؤمنين المتقين، وقصة الخضر مع موسى هي من هذا الباب، وأن الخضر علم هذه الأحوال المغيبة بما أطلعه الله عليه، وهذا باب واسع يطول بسطه وقد نبهنا فيه على نكت شريفة تطلعك على ما وراءها. والمقصود: أن الحديث الموضوع يعرف كونه موضوعًا إما بإقرار واضعه أو بركاكة لفظه أو غير ذلك. وقد أشرنا فيما كتبنا فيما تقدم أن أهل الإيمان والتقوى والصدق والإخلاص لهم اطلاعات وكشف وفراسات وإلهامات يلقيها الله في قلوبهم يعرفون بها صدق الصادق وكذب الكاذب ووضع الوضاعين وصحيح الأخبار وكاذبها، وقد كان أبو سليمان الداراني يسمي أحمد بن عاصم الأنطاكي: "جاسوس القلب" لحدة فراسته فعليك يا أخي بالصدق وإياك والكذب فإنه يجانب الإيمان، والله سبحانه أعلم بالصواب وإليه المنقلب والمآب والحمد لله رب العالمين" انتهى كلام الإمام ابن عروة الحنبلي الدمشقي، رحمه الله تعالى). [قواعد التحديث: 272-285]