الدروس
course cover
الدرس الثامن: الموضوع ( 2 / 2 )
10 Oct 2022
10 Oct 2022

1094

0

0

course cover
قواعد التحديث

القسم الثاني

الدرس الثامن: الموضوع ( 2 / 2 )
10 Oct 2022
10 Oct 2022

10 Oct 2022

1094

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الثامن: الموضوع ( 2 / 2 )


قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (10- الكلام على حديث من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار:

أعلم أن حديث: "من كذب عليّ... " في غاية الصحة ونهاية القوى حتى أطلق عليه جماعة أنه متواتر ونوزع بأن شرط التواتر استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة وليست موجودة في كل طريق بمفردها أجيب بأن المراد من إطلاق كونه متواترًا رواية المجموع من المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر، وهذا كاف في إفادة العلم، وقد رواه عن أنس العدد الكثير وتواترت عنهم الطرق، ورواه عن علي -رضي الله عنه- ستة من مشاهير التابعين، وثقاتهم والعدد المعين لا يشترط في التواتر بل ما أفاده العلم كاف، والصفات العليّة في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه، ولا سيما قد روي هذا الحديث عن جماعة كثيرين من الصحابة فحكى الإمام أبو بكر الصيرفي في شرحه لرسالة الشافعي أنه قد روي عن أكثر من ستين صحابيا مرفوعا، وقال بعض الحفاظ إنه قد روي عن اثنين وستين صحابيا، وفيهم العشرة المبشرة وقال: "ولا يعرف حديث اجتمع على روايته العشرة المبشرة إلا هذا، ولا حديث يروى عن أكثر من ستين صحابيا إلا هذا" وقال بعضهم إنه رواه مائتان من الصحابة، وقد اعتنى جماعة من الحفاظ بجمع طرقه فقال إبراهيم الحربي إنه ورد من حديث أربعين من الصحابة، وكذا قال أبو بكر البزار وجمع طرقه أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد فزاد قليلا وجمعها الطبراني فزاد قليلًا، وقال أبو القاسم بن منده. رواه أكثر من ثمانين نفسًا، وجمع طرقه ابن الجوزي في مقدمة كتاب الموضوعات فجاوز التسعين، وبذلك جزم ابن دحية ثم جمعها الحافظان يوسف بن خليل الدمشقي، وأبو علي البكري، وهما متعاصران فوقع لك منهما ما ليس عند الآخر، وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة -رضي الله عنهم- وقال ابن الصلاح: "ثم لم يزل عدده في ازدياد، وهلم جرا على التوالي والاستمرار، وليس في الأحاديث ما في مرتبته من التواتر" وقيل لم يوجد في الحديث مثال للمتواتر إلا هذا، وقال ابن دحية قد أخرج من نحو أربعمائة طريق "كذا في عمدة القاري للعيني" وهو خلاصة ما قرره الحافظ ابن حجر في الفتح قال الحافظ في هذا الحديث: "أخرجه البخاري من حديث المغيرة، وعبد الله بن عمرو وواثلة، واتفق مسلم معه على تخريجه عن علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد أيضًا وصح في غير الصحيحين من حديث ثلاثين من الصحابة، وورد أيضًا عن نحو خمسين من غيرهم بأسانيد ضعيفة، وعن نحو من عشرين بأسانيد ساقطة ثم بين رحمه الله من اعتنى بجمعه كما تقدم.

وقوله -صلى الله عليه وسلم: "فليتبوأ مقعده من النار" أي فليتخذ لنفسه منزلا.

يقال تبوأ الدار إذا اتخذها مسكنا وهو أمر معناه الخبر يعني فإن الله يبوئه، وتعبيره بصيغة الأمر للإهانة، ولذا قيل الأمر فيه للتهكم أو التهديد إذ هو أبلغ في التغليظ والتشديد من أن يقال كان مقعدة في النار، ومن ثم كان ذلك كبيرة بل قال الشيخ أبو محمد الجويني إنه كفر يعني لأنه يترتب عليه الاستخفاف بالشريعة، ويؤخذ من الحديث أن من قرأ حديثه وهو يعلم أنه يلحن فيه سواء كان في أدائه أو إعرابه يدخل في هذا الوعيد الشديد لأنه بلحنه كاذب عليه، وفيه إشارة إلى أن من نقل حديثا وعلم كذبه يكون مستحقا للنار إلا أن يتوب لا من نقل عن راو عنه عليه الصلاة والسلام أو رأى في كتاب، ولم يعلم كذبه قال الطيبي: "فيه إيجاب التحرز عن الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه لا يحدث عنه إلا بما يصح بنقل الإسناد" قال ابن حجر: "وما أوهمه كلام شارح من حرمة التحديث بالضعيف مطلقا مردود". اهـ. والظاهر أن مراد الطيبي بقوله: "إلا بما يصح" الصحة اللغوية التي بمعنى الثبوت لا الاصطلاحية، وإلا لأوهم حرمة التحديث بالحسن أيضا، ولا يحسن ذلك ولا يظن به هذا إذ من المعلوم أن أكثر الأحاديث الدالة على الفروع حسان، ومن المقرر أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال فيتعين حمل كلامه على ما ذكرناه، وكلامه أيضًا مشعر بذلك إذ لم يقل: "بنقل الإسناد الصحيح" ولكنه موهم أنه لا بد من ذكر الإسناد وليس كذلك لأن المراد أنه لا يحدث عنه إلا بما ثبت عنه، وذلك الثبوت إنما يكون بنقل الإسناد وفائدته أنه لو روى عنه ما يكون معناه صحيحا، لكن ليس له إسناد فلا يجوز أن يحدث به عنه واللام في الإسناد للعهد أي الإسناد المعتبر عند المحدثين، وإلا فقد يكون للحديث الموضوع إسناد أيضًا قال عبد الله بن المبارك: "الإسناد من الدين ولو الإسناد لقال من شاء ما شاء" قال ابن حجر: "ولكون الإسناد يعلم به بالموضوع من غيره كانت معرفته من فروض الكفاية قيل: "بلغوا عني" يحتمل وجهين: أحدهما اتصال السند بنقل الثقة عن مثله إلى منتهاه لأن التبليغ من البلوغ وهو إنهاء الشيء إلى غايته، والثاني: أداء اللفظ كما سمع من غير تغيير، والمطلوب في الحديث كلا الوجهين". "كذا في مرقاة المفاتيح".

تنبيه: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، في الفتح في شرح حديث البخاري عن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تكذبوا عليّ فإنه من كذب عليّ فليلج النار" معناه: لا تنسبوا الكذب إلي، ولا مفهوم لقوله: "عليّ" لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب. وقد اعتز قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا: "نحن لم نكذب عليه، بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته" وما دروا أن تقويله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى؛ لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية، سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه. ولا يعتد بمن خالف ذلك من الكرامية، حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب، في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة واحتج بأنه كذب له لا عليه، وهو جهل باللغة العربية.

وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت، وهي ما أخرجه البزار من حديث ابن مسعود بلفظ: "من كذب عليّ ليضل به الناس... " الحديث وقد اختلف في وصله وإرساله، ورجح الدارقطني والحاكم إرساله، وأخرجه الدارمي من حديث يعلي بن مرة بسند ضعيف وعلى تقرير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا ليضلّ النّاس}. والمعنى أن مآل أمره إلى الإضلال، أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، فلا مفهوم له كقوله تعالى: {لا تأكلوا الرّبا أضعافًا مضاعفة، ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} فإن قتل الأولاد ومضاعفة الربا والإضلال في هذه الآيات إنما هو لتأكيد الأمر فيها لا اختصاص الحكم". اهـ).  [قواعد التحديث: 285-290]

هيئة الإشراف

#2

10 Oct 2022

قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (11- بيان أنه ليس كل حديث في باب الترغيب تحدث به العامة:

ترجم لهذا المقصد المهم الإمام البخاري في صحيحه بقوله: "باب من خص بالعلم أقواما دون قوم، كراهية أن لا يفهموا" ثم قال: قال علي -رضي الله عنه- حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ ثم أسند عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ رديفه على الرحل قال: "يا معاذ بن جبل" قال: لبيك يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسعديك! " قال: "يا معاذ" قال: "لبيك يا رسول الله وسعديك! ثلاثًا؛ "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا حرمه الله على النار" وقال: "يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفلا أخبر به الناس فيستبشروا" قال: "إذًا يتكلوا" وأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا.

وروى مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أبا هريرة أن يبشر بذلك الناس، فلقيه عمر فدفعه وقال: ارجع يا أبا هريرة ودخل على أثره فقال: "يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس فخلهم يعملون" فقال: "فخلهم".

وسبق في الثمرة التاسعة في بحث الصحيح شذرة من هذا البحث الجليل فتذكر.

وقد توسع فيه وأجاد صديقنا مؤلف كتاب أشهر مشاهير الإسلام بقوله تحت عنوان ما كل حديث تحدث به العامة، وندم أبي عبيدة على نقله الحديث لعامة الناس ما صورته: "كل مسلم أكتنه كنه الدين الإسلامي، ووقف على حكمه وأسراره، يرى من آياته العظمى في الترغيب، والترهيب، ما لو أحسن استعماله ووضع في موضعه، لكفى لإزعاج النفوس الشريرة عن مواطن الرذيلة مهما التصقت بها وأمعنت فيها، ولجعل النفوس البارة نورًا على نور، وألبسها من الفضيلة لباسًا لا يصيبه بلى، وقد جاء الكتاب الكريم بالترغيب ليكون باعثا للنفوس على العمل الصالح رجاء الثواب الأخروي الذي أعده الله لعباده الصالحين لا ليكون لاستدراج النفوس في مدارج الاستباحة طمعًا في عفو الله لهذا جاء بإزاء الترغيب بالترهيب لترسم على صفحات النفوس صورة العقاب، كما ارتسمت صورة الثواب فيكون لها منها داع إلى الخير يذكرها بالثواب، ويمكن منها الرغبة فيه لا إلى حد الطمع، والغرور ثم الاستدراج في الشرور وزاجر عن الشر يذكرها بالعقاب، ويمكن منها الرهبة منه لا إلى حد الانقطاع إلى تقويم أود النفس وتعطيل وظائف الحياة ولا إلى حد اليأس والقنوط ثم الاسترسال في الشهوات واقتراف المنكرات على ذلك الأساس بني الترغيب والترهيب في الإسلام وكل ما جاء منه في الحديث النبوي فالمراد منه عين ما أراده القرآن، ولكن ما الحيلة وقد أولع كثير من علماء المسلمين بالإفراط في الوعظ ترغيبًا وترهيبًا وحملوا عامة الناس على طريقتهم في فهم الدين فأكثروا من حمل الحديث وروايته دون التفهم له والعلم بمقاصده ووضع كل شيء منه في محله، والتفريق بين صحيحه وموضوعه حتى أغروا العامة بعقيدة الإباحة لكثرة ما يروون لهم من أحاديث الترغيب ولو موضوعه كفضائل الصيام والصلاة وفضائل الشهور والأيام وفضائل التلاوات وجلها -إن لم نقل كلها- من الموضوع الذي تستدرج به العامة للاستباحة لاعتقادهم بأن من صام كذا غفر له من السيئات كذا وكذا ومن تنفل بيوم كذا محيت سيئاته إلى كذا. ولقد بلغ ببعضهم سوء الفهم للدين أن جعلوا لبعض القصائد النبوية من الفضائل ما لم يجعلوه للقرآن فقالوا إن البيت الفلاني منها لشفاء الأسقام، والآخر لمحو الذنوب والآثام والثالث للنجاة من ظلم الحكام فليت شعري إذا اعتقد العامي أن تلاوة بيت من قصيد يكفي لمحو كل ما يقترفه في يومه من الآثام فإلى أية درجة ينتهى فساد أخلاقه وشرور نفسه، وماذا ينفعه القرآن بأوامره ونواهيه ووعده ووعيده وحكمه وأحكامه اللهم إن هذا لغاية الاستهانة بالدين والجهل بمقاصد الإسلام، ومنشؤه اضطراب الأفهام، وتلبس الحقائق بالأوهام منذ أخذ الوضاعون بالكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأدخلوا في الدين ما ليس منه يضاف إليه الإكثار من حمل الحديث على غير تفقه فيه، ووضع له في مواضعه التي أرادها الشارع وقصدها الإسلام، ولو تتبع العلماء سيرة الصحابة الكرام سيما خاصهم الذين لازموا النبي وفهموا هذا الدين حق الفهم لرأوا كيف أنهم كانوا يقلون من رواية الحديث إلا للخاصة، أو ما تعلق منه بالأحكام حتى بلغ بعمر -رضي الله عنه- أنه كان ينهى عن رواية الحديث ويقول: "عليكم بالقرآن" وما ذلك إلا خوف الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كثرت الرواية، والنقل وخوف افتنان العامة بما ليس لهم به علم، وبما لم يتفقهوا فيه من الحديث.

"أبو عبيدة بن الجراح"، كان من خيرة الصحابة وعلى جانب من التفقه في الدين والورع والتقوى دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن يسميه أمين هذه الأمة وقد سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا ربما لم يسمعه منه أحد من الصحابة، أو سمعه بعض الخاصة فرأى هذا الأمين أن يطوى هذا الحديث بين الجوانح ويضن به، على العامة كما ضن به عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأن عقول العامة يلامسها الاغترار، ونفوسهم يلامسها الضعف وحب الشهوات فهم بالوعيد أولى وبإلزامهم ظواهر الشرع أخرى، ولكن لما ألجأته الضرورة القصوى وهو محصور مع المسلمين في حمص، ورأى منهم فتورا عن الحرب لا لوهن في نفوسهم، أو جبن أصابهم كلا! وإنما هو لرهبة الخالق التي تمكنت من أفئدتهم وقلوبهم وإخافتهم من الموت، لا لذاته، بل لما بعده، فقام فخطب فيهم وتلا عليهم ذلك الحديث وهو: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة" استحثاثا لهممهم، وتخفيفا لروعهم مما بعد الموت، رجاء رحمه الله وعفوه عن ذنوب اقترفوها مما دون الشرك إذا تابوا، وأنابوا قال لهم هذا وهو يظن أن هذا الحديث لا يتعدى أسماعهم لاعتقاده أنهم إذا خرجوا لمكافحة الروم لا يبقى منهم أحد يحدث به، أو يلابس نفسه أثر منه لكثرة من كان على حصارهم من جند الروم، ولما تم الظفر للمسلمين ونجوا من براثن العدو ندم على أن حدثهم بذلك الحديث وخشي من أن يعلق في نفوسهم شيء منه مع أنه علقه على التوبة، فقام وخطب فيهم فقال: لا تتكلوا ولا تزهدوا في الدرجات فلو علمت أنه يبقى منا أحد لم أحدثكم بهذا الحديث. وتالله إن قومًا بلغ بهم الإيمان الصادق، واليقين الثابت ذلك المقام مقام الرهبة من الله ومن الوقوف بين يدي قدرته بعد الموت لقوم عامتهم أعلم بالدين وأخلص في اليقين من خاصتنا ذلك العصر وماذا يشترط في المحدثين وحملة علوم الدين؟ ألا يشترط الوقوف على مقاصد الإسلام، والتفقه في الحديث والعلم بحالة الخاطبين واجتناب الغلو معهم في الترغيب والترهيب، ومراعاة ما يلابس عقولهم من القوة والضعف وأنى يتيسر هذا وقد نتج عن كثرة الرواية وحمل الحديث بلا تفقه فيه زيغ العقول عن مقاصد الشرع واجتراء الكذابين على وضع الحديث، وشحن الكتب الإسلامية بما لا يرضاه الله والرسول وهو ما كان يحذره عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولهذا نهى في عصره الذي هو خير العصور عن الإكثار من رواية الحديث فما بالك بما يلي عصره من العصور؟

"ذكر الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر القرطبي الأندلسي في كتابه: "جامع بيان العلم وفضله" في باب ذكر من ذم الإكثار من الحديث دون التفهم له والتفقه فيه ما نصه: "عن ابن وهب قال سمعت سفيان بن عيينة يحدث عن بيان عن عامر الشعبي عن قرظة بن كعب قال: خرجنا نريد العراق فمشى معنا عمر إلى حرار فتوضأ، فغسل اثنتين ثم قال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قالوا: نعم، نحن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشيت معنا فقال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جودوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امضوا وأن شريككم فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا قال: نهانا عمر بن الخطاب".

ثم قال ابن عبد البر بعد هذا بقليل ما نصه: "قول عمر، إنما كان لقوم لم يكونوا أحصوا القرآن فخشي عليهم الاشتغال بغيره عنه؛ إذ هو الأصل لكل علم. هذا معنى قول أبي عبيدة في ذلك ثم قال أيضًا إن نهيه عن الإكثار، وأمره بالإقلال من الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما كان خوف الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخوفًا من أن يكونوا مع الإكثار يحدثون بما لم يتيقنوا حفظه ولم يعوه؛ لأن ضبط من قلت روايته أكثر من ضبط المستكثر، وهو أبعد من السهو والغلط الذي لا يؤمن مع الإكثار، فلهذا أمرهم عمر من الإقلال من الرواية". اهـ).  [قواعد التحديث: 290-294] 

هيئة الإشراف

#3

10 Oct 2022

قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (12- وجوب نعرف الحديث الصحيح من الموضوع:

لمن يطالع المؤلفات التي لم تميز بين صحيح الأحاديث وسقيمها:

قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى في مكتوبة لجماعة العارف الجليل الشيخ عدي بن مسافر رحمه الله تعالى في بعض فصوله: وأنتم -أصلحكم الله- قد من الله عليكم بالانتساب إلى الإسلام الذي هو دين الله وعافاكم مما ابتلي به من خرج عن الإسلام من المشركين وأهل الكتاب وعافاكم بانتسابكم إلى السنة من أكثر البدع المضلة مثل كثير من بدع الروافض والجهمية والخوارج والقدرية، بحيث جعل عندكم من البغض لمن يكذب بأسماء الله وصفاته وقضائه، وقدره أو يسب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما هو من طريقة أهل السنة والجماعة. وهذا من أكبر نعم الله على من أنعم عليه بذلك، فإن هذا تام الإيمان وكمال الدين؛ ولهذا أكثر فيكم من أهل الصلاح والدين ما لا يوجد مثله في طرائف المبتدعين وفيكم من أولياء الله المتقين من له لسان صدق في العالمين فإن قدماء المشايخ الذين كانوا فيكم مثل الملقب بشيخ الإسلام أبي الحسن علي بن أحمد بن يوسف القرشي الهكاري، وبعده الشيخ العارف القدرة عدي بن مسافر الأموي، ومن سلك سيبلهما فيهم من الفضل والدين والصلاح والاتباع للسنة ما عظم الله به أقدارهم ورفع به منارهم.

ثم قال: "والشيخ عدي قدس الله روحه، عقيدته المحفوظة عنه، لم يخرج فيها عن عقيدة من تقدم من المشايخ الذين سلك سبيلهم، كالشيخ عبد الواحد الشيرازي، وكشيخ الإسلام الهكاري ونحوهما. وهؤلاء المشايخ لم يخرجوا في الأصول الكبار عن أصول أهل السنة، والجماعة بل كان لهم من الترغيب في أصول أهل السنة، والدعاء إليها والحرص على نشرها، ومنابذة من خالفها مع الدين والفضل والصلاح ما رفع الله به أقدارهم، وأعلى منارهم وغالب ما يقولونه في أصولها الكبار جيد مع أنه لا بد وأن يوجد في كلامهم وكلام نظرائهم من المسائل المرجوحة والدلائل الضعيفة كأحاديث لا تثبت ومقاييس لا تطرد ما يعرفه أهل البصيرة وذلك أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا سيما المتأخرون من الأمة الذين لم يحكموا معرفة الكتاب والسنة والفقه فيهما ويميزوا بين صحيح الأحاديث وسقيمها وناتج المقاييس وعقيمها مع ما ينضم إلى ذلك من غلبة الأهواء وكثرة الآراء وتغلظ الاختلاف والافتراق وحصول العداوة والشقاق، فإن هذه الأسباب ونحوها مما يوجب قوة الجهل والظلم اللذين نعت الله بهما الإنسان في قوله: {وحملها الأنسان إنّه كان ظلومًا جهولًا} فإذا منّ الله على الإنسان بالعلم والعدل، أنقذه من هذا الضلال. وقد قال سبحانه: {والعصر، إنّ الإنسان لفي خسرٍ، إلّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر}. وقد قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}. وأنتم تعلمون -أصلحكم الله- أن السنة التي يجب اتباعها، ويحمد أهلها ويذم من خالفها هي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمور الاعتقادات وأمور العبادات وسائر أمور الديانات. وذلك إنما يعرف بمعرفة أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه في أقواله وأفعاله، وما تركه من قول وعمل ثم ما كان عليه السابقون والتابعون لهم بإحسان، وذلك في دواوين الإسلام المعروفة مثل صحيحي البخاري ومسلم وكتب السنن مثل سنن أبي داود والنسائي وجامع الترمذي وموطأ الإمام مالك، ومثل المسانيد المعروفة كمثل مسند الإمام أحمد وغيره ويوجد في كتب التفاسير والمغازي وسائر كتب الحديث جملها وأجزائها من الآثار ما يستدل ببعضها على بعض، وهذا أمر قد أقام الله له من أهل المعرفة من اعتنى به حتى حفظ الله الدين على أهله، وقد جمع طوائف من العلماء الأحاديث والآثار المروية في أبواب عقائد أهل السنة مثل حماد بن سلمة وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم في طبقهم ومنها ما بوب عليه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم في كتبهم، ومثل مصنفات أبي بكر الأثرم وعبد الله بن أحمد وأبي بكر الخلال وأبي القاسم الطبراني وأبي الشيخ الأصبهاني وأبي بكر الآجري وأبي الحسن الدارقطني وأبي عبد الله بن منده وأبي القاسم اللالكائي وأبي عبد الله بن بطة وأبي عمر الطلمنكي وأبي نعيم الأصبهاني وأبي بكر البيهقي وأبي ذر الهروي، وإن كان يقع في بعض هذه المصنفات من الأحاديث الضعيفة ما يعرفه أهل المعرفة.

"وقد يروي كثير من الناس في الصفات وسائر أبواب الاعتقادات وعامة أبواب الدين أحاديث كثيرة تكون مكذوبة موضوعة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي قسمان:

منها ما يكون كلامًا باطلًا لا يجوز أن يقال فضلًا عن أن يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم.

والقسم الثاني: من الكلام، ما يكون قد قاله بعض السلف، أو بعض العلماء، أو بعض الناس ويكون حقًّا أو مما يسوغ فيه الاجتهاد أو مذهبًا لقائله فيعزى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا كثير عند من لا يعرف الحديث مثل المسائل التي وصفها الشيخ أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري وجعلها محنة يفرق فيها بين السني والبدعي وهي مسائل معروفة عملها بعض الكذابين، وجعل لها إسنادًا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعلها من كلامه؛ وهذا يعلمه من له أدنى معرفة أنه مكذوب مفترى، وهذه المسائل وإن كان غالبها موافقًا لأصول السنة ففيها ما إذا خالفه الإنسان، لم يحكم بأنه مبتدع مثل أول نعمة أنعم بها على عبده فإن هذه المسألة فيها نزاع بين أهل السنة والنزاع فيها لفظي؛ لأن مبناها على أن اللذة يعتقبها ألم، هل تسمى نعمة أم لا؟ وفيها أيضًا أشياء مرجوحة.

والواجب: أن يفرق بين الحديث الصحيح والحديث الكذب، فإن السنة هي الحق دون الباطل، وهي الأحاديث الصحيحة دون الموضوعة. فهذا أصل عظيم لأهل الإسلام عمومًا ولمن يدعي السنة خصوصًا. اهـ).  [قواعد التحديث: 295-298]

هيئة الإشراف

#4

10 Oct 2022

قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (13- بيان أنه لا عبرة بالأحاديث المنقولة في كتب الفقه والتصوف؛ ما لم يظهر سندها وإن كان مصنفها جليلا:

قال العلامة ملا علي القاري في رسالة الموضوعات: "حديث: من قضى صلاته من الفرائض في آخر جمعة من رمضان، كان ذلك جابرًا لكل صلاة فاتته في عمره إلى سبعين سنة" باطل قطعا، ولا عبرة بنقل صاحب النهاية وغيره من بقية شراح الهداية، فإنهم ليسوا من المحدثين ولا أسندوا الحديث إلى أحد من المخرجين. اهـ.

وقال السيوطي في مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود، على حديث: "نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم... " فإن قلت: "إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يسرح لحيته كل يوم مرتين، قلت: لم أقف على هذا بإسناد، ولم أر من ذكره إلا الغزالي في الإحياء؛ ولا يخفى ما فيه من الأحاديث التي لا أصل لها". اهـ.

وظاهر أنهم لم يوردوا ما أوردوا مع العلم بكونه موضوعًا، بل ظنوه مرويا. ونقد الآثار من وظيفة حملة الأخبار؛ إذ لكل مقام مقال ولكل فن رجال).  [قواعد التحديث: 298-300]

 

قال محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ): (14- الرد على من يزعم تصحيح بعض الأحاديث بالكشف بأن مدار الصحة على السند:

في فتاوى العلامة الشيخ عليش رحمه الله ما مثاله: "وسئل عن حديث يس لما قرئت له" هل هو صحيح وما يترتب على من شنع على من أنكر صحته أفيدوا الجواب؛ فأجاب بما نصه: "الحمد لله؛ نص الحافظ السخاوي في كتابه: "المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة" على أن هذا الحديث لا أصل له، وكذلك سيدي محمد الزرقاني في مختصره، ويترتب على هذا المشنع المذكور الأدب الشديد لتجرئه على التكلم بغير علم، والظاهر من حال هذا الرجل أنه جاهل جاف غليظ الطبع لم يخالط أحدًا من أهل العلم، ومثل هذا يخشى عليه مقت الله تعالى لخوضه في الأحاديث بغير معرفة إذ من له معرفة لا ينكر المنصوص، وشدة الجهل وضعف العقل وعدم الديانة توجب أكثر من ذلك والله أعلم.

وكتب على هذا السؤال أيضًا الشيخ إبراهيم السقاء خطيب الأزهر ما نصه: "الحمد لله؛ قرر الشعراني في كتابه البدر المنير، نقلًا عن الحافظ السخاوي، أن الحديث بهذا اللفظ لا أصل له ثم قال، وهو عند جماعة الشيخ إسماعيل اليمني قطعي". اهـ.

فهذا مما اختلف فيه الناس فلا يليق أن يرد على من أنكر صحته، فإن السخاوي أنكرها، ولا يليق أن يرد على من قرره، فإن بعض الناس قد قرره كما سمعته عن الشعراني وفضل: "يس" وكونها لقضاء الأغراض الدنيوية والأخروية، لا يتوقف على هذا الحديث فإنه قد وردت به أحاديث أخر.

هذا ما فتح الله به".

الفقير: إبراهيم السقاء الشافعي عفى عنه.

قال جامع فتاوى الشيخ عليش رحمه الله ولما اطلع على هذا الجواب شيخنا أبو يحيى "يعني الشيخ عليشا" كتب عليه ما نصه: "الحمد لله؛ من المعلوم لكل أحد أن الأحاديث لا تثبت إلا بالأسانيد لا بنحو الكشف، وأنوار القلوب فما نقله الشعراني عن جماعة سيدي إسماعيل اليمني إن كان المراد صحة اللفظ كما فهم المفتي توقف الأمر على السند، وإلا رد القول على قائله كائنا من كان ودين الله لا محاباة فيه، والولاية والكرامات لا دخل لها هنا إنما المرجع للحفاظ العارفين بهذا الشأن، والحديث عندهم متفق على أنه لا أصل له فقد ذكره ملا علي قاري وقال: قال السخاوي: لا أصل له، وقال في خطبة كتابه إنه لا يذكر الحديث الثابت، ولا المختلف في، وضعه وإن كان المراد صحة معناه كما هو اللائق بتحسين الظن بالسادة فهذا أمر قريب لأن من صح توكله وصدق إخلاصه إذا دعا الإله أجابه خصوصًا إذ توسل بالقرآن ويقع مثل هذا في كلام الحفاظ فقد قال أبو بكر بن العربي لما تكلم على حديث: "سورة المائدة نعمت الفائدة" أنا أقول سورة المائدة نعمت الفائدة لكن اللفظ لم يرد". اهـ.

إلا أن هذا غير ما نحن فيه فتعقب هذا المفتي على السخاوي بآخر عبارة الشعراني في غير محله؛ لأنه مبني على ما فهم من إرادة صحة اللفظ وقد علمت أنه لا يصح لتوقفه على السند ولم يوجد؛ إذ لو وجد لعرفه الحفاظ، وذكروا الحديث في كتبهم.

وقوله: "فهذا مما اختلف فيه" فيه ما فيه ويرده كلام ملا علي. وقوله: "ولا يليق الرد على من قرره" كأن مراده المفتي الأول، وهو لم يرد على من قرر، إنما رد على من تكلم بلا علم وخاض بغير معرفة، والرد على هذا متعين وكأنه لم يفهم ألفاظ من رد عليه، كما أنه لم يفهم مراد من ردبه، وكما أنه لم يفهم السؤال حيث قال وفضل: "يس" إلخ فإن فضل جميع القرآن لا نزاع فيه بين المسلمين وقوله: "هذا ما فتح الله به لم أفهم معناه فإنه إذا لم يحقق مراد من يتعقب بكلامه، ولا يتدبر السؤال ولم يفهم ألفاظ من رد عليه مع كون الرد فضولًا؛ لأنه إنما سئل عما في السؤال وأما في جواب المجيب فلا فبأي شيء وقع الفتح، وإن كان هذا غاية ملكة هذا الرجل، فإنا لله قد كنت أظن أن تحت القبة شيخا والله أعلم". اهـ. كلام الشيخ عليش).  [قواعد التحديث: 300-303]