الدروس
course cover
الدرس الثامن
12 Oct 2022
12 Oct 2022

1094

0

0

course cover
الصاحبي في فقه اللغة

القسم الثاني

الدرس الثامن
12 Oct 2022
12 Oct 2022

12 Oct 2022

1094

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الثامن


قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب القلب

ومن سنن العرب القلب. وذلك يكون في الكلمة، ويكون في القصّة:

فأمّا الكلمة فقولهم: "جذب، وجبذ" و"بكل، ولبك" وهو كثير وقد صنّفه علماء اللغة، وليس من هذا فيما أظن من كتاب الله جلّ ثناؤه شيءٌ.

وأما الذي في غير الكلمات فقولهم:

كما عصب العلباء بالعود

و:

كما كان الزّناء فريضة الرّجم

و:

كأنّ لون أرضه سماؤه

و:

كأنّ الصفا أوراكها

إنما أراد: كان أوراكها الصّفا.

ويقولون: "أدخلت الخاتم في إصبعي"

و:

تشقى الرّماح بالضّياطرة الحمر

و:

كما بطنت بالفدن السيّاعا

و:

حسرت كفّي عن السّربال

وإنما حسر السّربال عن كفه.

ومثله في كتاب الله جل ثناؤه: {خلق الإنسان من عجلٍ}.

ومنه قوله جلّ ثناؤه: {وحرّمنا عليه المراضع من قبل} ومعلوم أن التحريم لا يقع إلا على من يلزمه الأمر والنّهي، وإذا كان كذا فالمعنى: وحرّمنا على المراضع أن يرضعنه. ووجه تحريم إرضاعه عليهن أن لا يقبل إرضاعهن حتى يرد إلى أمّه.

قال بعض علمائنا: ومنه قوله جل ثناؤه: {فإنّهم عدوٌّ لي إلّا ربّ العالمين} والأصنام لا تعادي أحداً، فكأنّه قال: فإني عدوٌّ لهم. وعداوته لها بغضه إيّاها وبراءته منها.


باب الإبدال

ومن سنن العرب إبدال الحروف وإقامة بعضها مقام بعض، ويقولون "مدحه، ومدهه" و"فرس رفلٌّ. ورفنٌّ".

وهو كثير مشهور قد ألّف فيه العلماء.

فأمّا ما جاء في كتاب الله جل ثناؤه فقوله جل ثناؤه: {فانفلق فكان كلّ فرقٍ} فاللام والراء يتعاقبان كما تقول العرب: "فلق الصبح. وفرقه".

وذكر عن الخليل ولم أسمعه سماعاً أنه قال في قوله جلّ ثناؤه: {فجاسوا} : إنما أراد فحاسوا فقامت الجيم مقام الحاء، وما أحسب الخليل قال هذا ولا أحقّه عنه.


باب الاستعارة

ومن سنن العرب الاستعارة، وهو أن يضعوا الكلمة للشيء مستعارة من موضع آخر فيقولون: "انشقت عصاهم" إذا تفرقوا. وذلك يكون للعصا ولا يكون للقوم. ويقولون: "كشفت عن ساقها الحروب". وفي كتاب الله جلّ ثناؤه: {كأنّهم حمرٌ مستنفرةٌ} يقولون للرجل المذموم: إنما هو حمار. وقال الشاعر:

دفعت إلى شيخ بجنب فنائه ... هو العير إلا أنّه يتكلّم

ومنه قوله جلّ ثناؤه: {التفّت السّاق بالسّاق}.

و{أئنّا لمردودون في الحافرة} أي في الخلق الجديد.

و{بل ران على قلوبهم} وتقول العرب: "ران به النّعاس" أي غلب عليه.

و{لقد خلقنا الإنسان في كبدٍ} أي ضيق وشدة.

و{لنسفعن بالنّاصية}. و{امرأته حمّالة الحطب}.

وقوله جلّ ثناؤه: {فما بكت عليهم السّماء والأرض}.

وتقول العرب: "ناقة تاجرة" يريدون أنها تنفّق نفسها بحسنها.

وقوله جلّ ثناؤه: {ويتخطّف النّاس من حولهم}.

و{ألم تر أنّهم في كلّ وادٍ يهيمون}.

و{ألا إنّما طائرهم عند اللّه} ويراد حظّهم وما يحصل لهم.

والعرب تقول:

فإني لست منك ولست مني ... إذا ما طار من مالي الثمين

أي حصل.

ومنه قوله جل ثناؤه: {أقم الصّلاة} أي ائت بها كما أمرت به.

و{إنّ ربّك أحاط بالنّاس} أي عصمك منهم. رواه شعبة عن أبي رجاء عن الحسن.

ومن الاستعارة قولهم: "زالت رحالة سابح" كناية عن المرأة تستعصي على زوجها. قال الشمّاخ:

وكنت إذا زالت رحالة سابحٍ ... شمتّ به حتّى لقيت مثالها

وكانت امرأته نشزت عليه، وذلك قوله:

ألا أصبحت عرسي من البيت جامحاً ... بغير بلاءٍ سيّئٍ ما بدا لها.


باب الحذف والاختصار

ومن سنن العرب الحذف والاختصار، يقولون: "والله أفعل ذاك" يريد لا أفعل. و"أتانا عند مغيب الشمس. أو حين أرادت الشمس. أو حين كادت تغرب" قال ذو الرّمة:

فلمّا لبسن الليل أو حين نصّبت ... له من خذا آذانها وهو جانح

ومنه في كتاب الله جل ثناؤه: {واسأل القرية} أراد أهلّها. و {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ}.

و"بنو فلان يطؤهم الطريق" أي أهله. و"نحن نطأ السماء" أي مطرها.

و {على خوفٍ من فرعون وملئهم} أي من آل فرعون.

و{إذًا لأذقناك ضعف الحياة} أي ضعف عذابها.

و{الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لندخلنّهم في الصّالحين}.

فهاهنا إضمار؛ لأن قائلا لو قال: من عمل صالحا جعلته في جملة الصالحين لم نكن له فائدة- والإضمار هاهنا: لندخلنهم الجنة في زمرة الصالحين.

ومثله: {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} أي فضرب فانفلق.

ومنه {إنّي آمنت بربّكم فاسمعون، قيل ادخل الجنّة} أي: فلما قتل قيل: ادخل الجنة.

ومنه: {وتركنا عليه في الآخرين} أراد الثناء الحسن.

ومنه {فإذا عزم الأمر فلو صدقوا اللّه} معناه: فإذا عزم الأمر كذبوا.


باب الزيادة

قال بعض أهل العلم: إنّ العرب تزيد في كلامها أسماءً وأفعالاً.

أما الأسماء فالاسم والوجه والمثل.

قالوا: فالاسم في قولنا: "بسم الله" إنما أردنا "بالله" لكنه لمّا أشّبه القسم زيد فيه الاسم.

وأما الوجه فقول القائل: "وجهي إليك".

وفي كتاب الله جل ثناؤه: {ويبقى وجه ربّك} ثم قال: الشاعر:

أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل

وأما المثل ففي قوله جلّ ثناؤه: {فأتوا بسورةٍ من مثله} ويقول قائلهم: "مثلي لا يخضع لمثلك" أي: أنا لا أخضع لك. قال الشاعر:

يا عاذلي دعني من عذلكا ... مثلي لا يقبل من مثلكا

وقوله جلّ ثناؤه: {وشهد شاهدٌ من بني إسرائيل على مثله} أي عليه.

وأما الأفعال فقولهم "كاد" في قول الشاعر:

حتّى تناول كلباً في ديارهم ... وكاد يسمو إلى الجرفين فارتفعا

أراد "وسما"، ألا ترى أنه قال: "فارتفع".

وما يزاد أيضاً من الأفعال قول القائل: "لا أعلم في ذلك اختلافاً".

وفي كتاب الله جلّ ثناؤه: {أم تنبّئونه بما لا يعلم في الأرض} أراد والله أعلم: بما ليس في الأرض.

وقد تزاد حروف من حروف المعاني, كزيادة "لا" و"من" وغير ذلك. وقد مضى ذكره بشواهده.


باب التكرار

ومن سنن العرب التكرير والإعادة، إرادة الإبلاغ بحسب العناية بالأمر كما قال الحارث بن عباد:

قرّبا مربط النّعامة منّي ... لقحت حرب وائلٍ عن حيال

فكرّر قوله: "قربا مربط النّعامة مني" في رءوس أبيات كثيرة عناية بالأمر وأراد الإبلاغ في التنبيه والتحذير.

وكذلك قول الأشعر:

وكتيبةٍ لبّستها بكتيبة ... حتى يقول نساؤهم هذا فتى

فكرر هذه الكلمة في رءوس أبيات على ذلك المذهب.

وكتكرير من كرّر:

مهلاً بني عمّنا مهلاً موالينا

وكقول الآخر:

كم نعمة كانت له ... كم كم وكم

فكرّر لفظ "كم" لفرط العناية بقصد تكثير العدد.

قال علماؤنا: فعلى هذه السنة ما جاء في كتاب الله جل ثناؤه من قوله: {فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان}.

فأما تكرير الأنباء والقصص في كتاب الله جل ثناؤه فقد قيلت فيه وجوه. واصح ما يقال فيه أن الله جل ثناؤه جعل هذا القرآن وعجز القوم عن الإتيان بمثله أيةً لصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

ثم بيّن وأوضح الأمر في عجزهم بأن كرر ذكر القصّة في مواضع إعلاماً أنهم عاجزون عن الإتيان بمثله بأي نظم جاء وبأي عبارة عبّر عنه. فهذا أولى ما قيل في هذا الباب).  [الصاحبي في فقه اللغة: 329-343]

هيئة الإشراف

#2

12 Oct 2022

قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب العموم والخصوص

العامّ الذي يأتي على الجملة لا يغادر منها شيئاً. وذلك كقوله جلّ ثناؤه: {خلق كلّ دابّةٍ من ماءٍ} وقال: {خالق كلّ شيءٍ}.

والخاصّ الذي يتحلّل فيقع على شيء دون أشياء. وذلك كقوله جلّ ثناؤه: {وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنّبيّ} وكذلك قوله {واتّقون يا أولي الألباب} فخاطب أهل العقل.

وقد يكون الكلامان متّصلين، ويكون أحدهما خاصاً والآخر عامّاً. وذلك قولك لمن أعطى زيداً درهماً: "أعط عمراً، فإن لم تفعل فما أعطيت" تريد: إن لم تعط عمراً فأنت لم تعط زيداً أيضاً، وذلك غير محسوب لك.

ومثله في كتاب الله جلّ ثناؤه: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} فهذا خاص، يريد: هذا الأمر المجدّد بلّغه، فإن لم تفعل ولم تبلغ هذا فما بلغت رسالته. يريد: جميع ما أرسلت به.

وأمّا العامّ الذي يراد به الخاصّ فكقوله جل ثناؤه حكاية عن موسى عليه السلام: {وأنا أوّل المؤمنين} ولم يرد كلّ المؤمنين؛ لأن الأنبياء قبله قد كانوا مؤمنين. ومثله كثير.

ومنه {قالت الأعراب آمنّا}, وإنّما قاله فريق منهم.

و{الّذين قال لهم النّاس}, إنما قاله نعيم بن مسعود إن الناس أبو سفيان وعيينة بن حصن.

ومنه قوله جلّ ثناؤه: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلّا أن كذّب بها الأوّلون} أراد: الآيات التي إذا كذّب بها نزل العذاب على المكذّبين وكذلك قوله: {ويستغفرون لمن في الأرض} أراد به من المؤمنين لقوله: {ويستغفرون للّذين آمنوا}.

وأما الخاصّ الذي يراد به العامّ فكقوله جل ثناؤه: {يا أيّها النّبيّ اتّق اللّه ولا تطع الكافرين والمنافقين} الخطاب له -صلى الله عليه وسلم- والمراد الناس جميعاً.


باب إضافة الفعل إلى ما ليس بفاعل في الحقيقة

ومن سنن العرب إضافة الفعل إلى ما ليس فاعلاً في الحقيقة، يقولون: "أراد الحائط أن يقع".

وفي كتاب الله جلّ ثناؤه: {جدارًا يريد أن ينقضّ}.

وهو في شعر العرب كثير. قال الشمّاخ:

أقامت على ربعيهما جارتا صفاً ... كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما

فجعل الأثافيّ مقيمةً.

وقال:

وأشعث ورّاد العداد كأنّه ... إذا انشقّ في جوز الفلاة فليق

يصف طريقاً يرد ماء وهو لا ورد له.

ومنه قوله:

كأني كسوت الرّحل أحقب سهوقاً ... أطاع له من رامتين حديق

فجعل الحديث مطيعاً لهذا الحمار لما تمكّن من رعيه، والحديق لا طاعة ولا معصية له.


باب الواحد يراد به الجمع

ومن سنن العرب ذكر الواحد والمراد الجميع، كقوله للجماعة "ضيفٌ" و"عدو" قال الله جلّ ثناؤه: {هؤلاء ضيفي} وقال: {ثمّ يخرجكم طفلًا} وقال: {لا نفرّق بين أحدٍ منهم} والتفريق لا يكون إلا بين اثنين.

ويقولون: "قد كثر الدّرهم والدّينار" ويقولون:

فقلنا: أسلموا إنّا أخوكم

ويقولون:

كلوا في نصف بطنكم تعيشوا

و{يا أيّها الإنسان إنّك كادحٌ} و{يا أيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم}.


باب الجمع يراد به واحدٌ واثنان

ومن سنن العرب الإتيان بلفظ الجميع والمراد واحد واثنان كقوله جلّ ثناؤه: {وليشهد عذابهما طائفةٌ} يراد به واحد واثنان وما فوق.

وقال قتادة في قوله جلّ ثناؤه: {إن نعف عن طائفةٍ منكم نعذّب طائفةً}: كان رجلاً من القوم لا يمالئهم على أقاويلهم في النبي صلى الله عليه وسلم ويسير مجانباً لهم فسمّاه الله جلّ ثناؤه طائفة وهو واحد.

ومنه: {إنّ الّذين ينادونك من وراء الحجرات}, كان رجلاً نادى "يا محمّد! إنّ مدحي زينٌ وإنّ شتمي شين" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلك! ذاك الله جل ثناؤه".

وقال: {فقد صغت قلوبكما} وهما قلبان.

وقال: {بم يرجع المرسلون} وهو واحد يدلّ عليه قوله جلّ ثناؤه: {ارجع إليهم}.


باب آخر

العرب تصف الجميع بصفة الواحد كقوله جلّ ثناؤه: {وإن كنتم جنبًا} فقال جنباً وهم جماعة.

وكذلك قوله جلّ ثناؤه: {والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ}.

ويقولون: قوم عدل ورضىً".

قال زهير:

وإن يشتجر قوم يقل سرواتهم ... هم بيننا فهم رضىً وهم عدل

وربما وصفوا الواحد بلفظ الجميع فيقولون: "برمةٌ أشعارٌ" و"ثوب أهدام" و"حبل أحذاقٌ" قال:

جاء الشتاء وقميصي أخلاق ... شراذمٌ يضحك منه التّوّاق

فأخبرني علي بن إبراهيم عن محمد بن فرح عن سلمة عن الفرّاء قال: التّوّاق ابنه.

ومن الباب: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه}, إنما أراد المسجد الحرام.

ويقولون: "أرض سباسب" يسمّون كل بقعة منها "سبسباً" لاتّساعها.

ومن الجمع الذي يراد به الاثنان قولهم: "امرأة ذات أوراكٍ ومآكم".


باب مخاطبة الواحد بلفظ الجميع

ومن سنن العرب مخاطبة الواحد بلفظ الجميع، فيقال للرجل العظيم "انظروا في أمري".

وكان بعض أصحابنا يقول: إنما يقال هذا لأنّ الرّجل العظيم يقول: "نحن فعلنا" فعلى هذا الابتداء خوطبوا في الجواب. قال الله جلّ ثناؤه: {قال ربّ ارجعون}.


باب آخر

العرب تذكر جماعة وجماعة، أو جماعة وواحداً، ثم تخبر عنهما بلفظ الاثنين. يقول الأسود:

إن المنيّة والحتوف كلاهما ... يوفي المخارم يرقبان سوادي

وقال آخر:

ألم يحزنك أنّ حبال قيس ... وتغلب قد تباينتا انقطاعا

وقد جاء مثله في القرآن: قال الله تبارك اسمه: {أنّ السّماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما}.


باب مخاطبة الواحد خطاب الجمع إذا أريد بالخطاب هو ومن معه

قال الله جلّ ثناؤه: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ}.

فخوطب -صلى الله عليه وسلم- بلفظ الجميع لأنه أريد هو وأمّته.

وكان ابن مسعود يقرأ: "ارجعوا إليهم" مدرههم.


باب تحويل الخطاب من الشاهد إلى الغائب

العرب تخاطب الشاهد، ثم تحول الخطاب إلى الغائب. وذلك كقول النّابغة:

يا دار ميّة بالعلياء فالسّند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد

فخاطب ثم قال: "أقوت".

وفي كتاب الله جلّ ثناؤه: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم}.

وقال: {وما آتيتم من زكاةٍ تريدون وجه اللّه فأولئك هم المضعفون}.

قال: {ولكنّ اللّه حبّب إليكم الإيمان} وقال في آخر الآية: {أولئك هم الرّاشدون}.

ومنه قوله:

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةٌ ... لدينا ولا مقليّةٌ إنّ تقلّت.


باب تحويل الخطاب من الغائب إلى الشاهد

وقد يجعلون خطاب الغائب للشاهد، قال الهذليّ:

يا ويح نفسي كان جدّه خالدٍ ... وبياض وجهك للتراب الأعفر

فخبّر عن خالد ثم واجه فقال: "وبياض وجهك".

ومنه:

شطت مزار العاشقين فأصبحت ... عسراً عليّ طلابك ابنة مخرم).  [الصاحبي في فقه اللغة: 344-357]

هيئة الإشراف

#3

12 Oct 2022

قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب مخاطبة المخاطب

ثم جعل الخطاب لغيره أو يخبر عن شيء ثم يجعل الخبر المتصل به لغيره

قال الله جلّ ثناؤه: {فإن لم يستجيبوا لكم} الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال للكفار: {فاعلموا أنّما أنزل بعلم اللّه} يدلّ على ذلك قوله جلّ ثناؤه: {فهل أنتم مسلمون}.

وقال: {فمن ربّكما يا موسى}.

وقال: {فلا يخرجنّكما من الجنّة فتشقى}.

وقريب من هذا الباب أن يبتدأ الشيء ثم يخبر عن غيره كقول شدّاد بن معاوية:

ومن يك سائلاً عنّي فإني ... وجروة لا ترود ولا تعار

و"جروة" فرسه، فالمسألة عنه والخبر عن غيره.

وقال الأعشى:

وإن امرأ أسرى إليك ودونه ... من الأرض موتاة ويهماء سملق

لمحقوقةٌ أن تستجيبي لصوته ... وأن تعلمي أنّ المعان موفّق

وقد جاء في كتاب الله جلّ ثناؤه ما يشبه هذا وهو قوله جلّ ثناؤه: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئين والنّصارى والمجوس والّذين أشركوا} فبدأ بهم ثم قال: {إنّ اللّه يفصل بينهم} بدأ بهم ثم حوّل الخطاب.

ومنه قول القائل:

لعلّي إن مالت بي الريح ميلةً ... على ابن أبي ذبّان أن يتندّما

فذكر نفسه وترك وأقبل على غيره، كأنه أراد: لعل ابن أبي ذبّان أن يتندم إن مالت بي الريح عليه.

ومثله في كتاب الله جلّ ثناؤه: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن} فخبّر عن الأزواج وترك الذين.

ومثله:

بني أسدٍ إن ابن قيس وقتله ... بغير دمٍ دار المذلّة حلّت

فترك ابن قيس وخبّر عن القتل، كأنه قال: قتل ابن قيس ذلّ.


باب الشيئين ينسب الفعل إليهما وهو لأحدهما

وينسبون الفعل إلى اثنين وهو لأحدهما. وفي كتاب الله جل ثناؤه: {فلمّا بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما} وكان النسيان من أحدهما لأنه قال: {إنّي نسيت الحوت}.

وقال: {مرج البحرين يلتقيان} ثم قال: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان}، وإنما يخرجان من الملح لا العذب.

وينسبون الفعل إلى الجماعة وهو لواحد مهم. قال الله جلّ ثناؤه: {وإذ قتلتم نفسًا} وإنما كان القاتل واحداً.


باب نسبة الفعل إلى أحد اثنين وهو لهما

قال الله جلّ ثناؤه: {وإذا رأوا تجارةً أو لهوًا انفضّوا إليها} وإنما انفضوا إليهما.

وقال الله جلّ ثناؤه: {واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه}.

وقال: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرة}.

ثم قال: الشاعر:

إنّ شرخ الشباب والشّعر الأسـ ... ـود ما لم يعاص كان جنونا

وقال آخر:

نحن بما عندنا وأنت بما عنـ ... ـدك راضٍ والرأي مختلف.


باب أمر الواحد بلفظ أمر الاثنين

تقول العرب: "افعلا ذاك" ويكون المخاطب واحداً. أنشد الفرّاء:

فقلت لصاحبي لا تحبسانا ... بنزع أصوله واجدزّ شيحا

وقال آخر:

فإن تزجراني يا ابن عفّان أنزجر ... وإن تدعاني أحم عرضاً ممنعا

وقال الله جلّ ثناؤه: {ألقيا في جهنّم} وهو خطاب لخزنة النّار والزّبانية. قال: ونرى أن أصل ذلك أنّ الرّفقة أدنى ما يكون ثلاثة نفر فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ألا ترى أن الشعراء أكثر الناس قولاً "يا صاحبي" و"يا خليليّ".


باب الفعل يأتي بلفظ الماضي وهو راهنٌ أو مستقبل وبلفظ المستقبل وهو ماضٍ

قال الله جلّ ثناؤه: {كنتم خير أمّةٍ} أي: أنتم.

وقال جلّ ثناؤه: {أتى أمر اللّه} أي: يأتي.

ويجيء بلفظ المستقبل وهو في المعنى ماضٍ. قال الشاعر:

ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني ... فمضيت عنه وقلت لا يعنيني

فقال: "أمرّ" ثم قال: "مضيت".

وقال:

وما أضحي ولا أمسيت إلا ... رأوني منهم في كرفان

وفي كتاب الله جل ثناؤه: {فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل}.

وقال: {واتّبعوا ما تتلو الشّياطين} أي ما تلت.

وقال آخر:

وندمان يزيد الكأس طيباً ... سقيت إذا تغوّرت النجوم

ومثله: {وقالت اليهود والنّصارى نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه قل فلم يعذّبكم} المعنى: فلم عذّب آباءكم بالمسخ والقتل? لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بأن يحتجّ عليهم بشيء لم يكن، لأن الجاحد يقول: إني لا أعذّب, لكن احتج عليهم بما قد كان.


باب المفعول يأتي بلفظ الفاعل

تقول: "سرّ كاتم" أي مكتوم.

وفي كتاب الله جل ثناؤه: {لا عاصم اليوم من أمر اللّه} أي لا معصوم و {من ماءٍ دافقٍ} و{عيشةٍ راضيةٍ} أي مرضيٍ بها. و{جعلنا حرمًا آمنًا} أي مأموناً فيه.

ويقول الشاعر:

إنّ البغيض لمن يمل حديثه ... فانقع فؤادك من حديث الوامق

أي الموموق.

ومنه:

أناشر لا زالت يمينك أشرة

أي: مأشورة.

وزعم ناس أنّ الفاعل يأتي بلفظ المفعول به. ويذكرون قوله جلّ ثناؤه: {إنّه كان وعده مأتيًّا} أي: آتياً.

قال ابن السّكيت: ومنه "عيشٌ مغبون" يريد أنه غابن غير صاحبه.


باب آخر:

ومن سنن العرب وصف الشيء بما يقع فيه أو يكون منه، كقولهم: "يومٌ عاصف" المعنى: عاصف الرّيح. قال الله جلّ ثناؤه: {في يومٍ عاصفٍ} فقيل: عاصف لأنّ عصوف ريحه يكون فيه.

ومثله: "ليلٌ نائم" و"ليل ساهر" لأنه ينام فيه ويسهر.

قال أوس:

خذلت على ليلةٍ ساهره ... بصحراء شرجٍ إلى ناظره

وقال ابن برّاق:

تقول سليمى لا تعرّض لتلفةٍ ... وليلك من ليل الصعاليك نائم

ومثله:

لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى ... ونمت وما ليل المطيّ بنائم

ويقولون: "لا يرقد وساده" وإنما يريدون متوسّد الوساد.


باب معاني أبنية الأفعال في الأغلب الأكثر

أول ذلك فعّلت يكون بمعنى التكثير. نحو {غلّقت الأبواب}. وبمعنى "أقفلت" نحو "خبّرت. وأخبرت".

ويكون مضادّاً لأفعلت نحو "أفرطت": جزت الحدّ. و"فرطت": قصّرت. ويكون بنيةً لا لمعنى نحو: "كلّمت".

ويكون فعلت: نسبت كقولك: "شجّعته. وظلّمته": نسبته إلى الشجاعة والظلم.

وأما أفعل فيكون بمعنى "فعلت" تقول: "أسقيته وسقّيته": قلت له "سقياً لك".

ويكون بمعنى: "فعلت" نحو "محضته الودّ. وأمحضته".

وقد يختلفان نحو: "أجبرته على الشيء" و"جبرت العظم".

وقد يتضادّان نحو: "نشطت العقدة": عقدتها. و"أنشطتها" إذا حللتها.

وفاعل يكون من اثنين. نحو "ضارب".

ويكون فاعل بمعنى "فعل" نحو: "قاتلهم الله" و"سافر".

ويكن بمعنى "فعّل" نحو "ضاعف. وضعّف".

وتفاعل يكون من اثنين، نحو "تخاصما" وتجادلا.

ويكون من واحد، نحو "ترآءى له".

ويكون إظهاراً لغير ما هو عليه، نحو "تغافل": أظهر غفلةً وليس بغافل.

وتفعّل يكون لتكلّف الشيء وليس به، نحو "تشجّع. وتعقّل".

ويكون بمعنى "تفاعل" نحو "تعطّى. وتعاطى".

ويكون لأخذ الشيء نحو: "تفقّه وتعلّم".

ويكون بنية نحو "تكلّم".

ويكون "تفعّل" بمعنى "أفعل" نحو تعلّم بمعنى أعلم. قال الشاعر:

تعلّم أنّ بعد الشرّ خيراً ... وأنّ لهذه الغمر انقشاعاً

وأما استفعل فيكون بمعنى التكلف، نحو "تعظّم. واستعظم" و"تكبر. واستكبر".

ويكون استفعل بمعنى الاستدعاء والطلب نحو: "استوهب".

ويكون بمعنى "فعل" نحو: "قرّ. واستقرّ".

وأمّا افتعل فيكون بمعنى فعل، نحو: "شوى. واشتوى".

ويكون بمعنى حدوث صفةٍ فيه نحو: "افتقر".

وأمّا انفعل فهو فعل المطاوعة. نحو: "كسرته. فانكسر".

و"شويت اللحم. فانشوى". قال:

قد انشوى شواؤنا المرعبل ... فاقتربوا من الغداء فكلوا).  [الصاحبي في فقه اللغة: 358-371]

هيئة الإشراف

#4

12 Oct 2022

قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب الفعل اللازم والمتعدي بلفظ واحد

تقول: "كسب زيدٌ المال. وكسبه غيره". و"هبط. وهبط غيره". و"جبرت اليد. وجبرتها".

ويكون فعل بمعنيين متضادّين نحو: "بعت الشيء" و"بعته": اشتريته. و"رنوت الشيء" أرخيته وشددته. و"شعبت الشيء" جمعته وفرّقته.


باب البناء الدال على الكثرة

البناء الدالّ على الكثرة "فعول, وفعّال" نحو: "ضروب. وضرّاب" وكذلك "مفعال" إذا كان عادةً نحو: "معطار" و"امرأة مذكار" إذا كانت تلد الذّكور وكذلك "مئناث" في الإناث.


باب الأبنية الدالة في الأغلب الأكثر على معان وقد تختلف

يقولون: ما كان علي فعلان دلّ على الحركة والاضطراب نحو: "النّزوان. والغلبان".

وفعلان يجيء في صفات تقع من جوع وعطش نحو: "عطشان. وغرثان" أو ما يضادّ ذلك نحو: "ريّان. وسكران".

وفعل يكون في الوجع نحو "وجع. وحبط" أو ما أشبهه من فزعٍ.

ويجيء من هذا فعيل نحو: "سقيم".

ويكون من الباب "بطرٌ. وفرحٌ" وهذا على مضادّة وجع وسقم.

قالوا: الصفات بالألوان تأتي على أفعل نحو "أحمر. وأسود".

والأفعال منها على "فعل" مثل "صهب". وعلى "فعل" نحو "صدئ". وعلى "أفعالّ" مثل "احمارٌ".

وكذلك العيوب والأدواء تكون على "أفعل" نحو: "أزرق. وأعور". وأفعالها على "فعل" نحو "عور. وشتر".

ويكون الأدواء على فعال نحو: "القلاب. والخمار".

والأصوات أكثرها على هذا نحو: "الدّعاء. والصّراخ". وللأصوات باب آخر على فعيل نحو "الهدير. والضّجيج".

وفعالة يأتي أكثره على ما يفضل عن الشيء ويسقط منه نحو "النّحاتة".

وفعالة في الصناعات "كالتجارة والنّجارة".

ويكون الفعال في الأشياء كالعيوب: "كالنّفار والشّماس". وفي السّمات: نحو "العلاط والخباط"، وفي بلوغ الأشياء نهايتها: نحو "الصّرام والجزاز".

وتكون الصفات اللازمة للنفوس على فعيل نحو: "شريف وخفيف"، وعلى أضدادها: نحو "وضيع وكبير وصغير".

هذا هو الأغلب وقد يختلف في اليسير.


باب الفرق بين ضدّين بحرف أو حركة

الفرق بين ضدّين بحرف قولهم: "يدوي" من الداء و"يداوي" من الدواء.

و"يخفر" إذا أجار و"يخفر" إذا نقص: من خفر وأخفر، وهو كثير.

وما كان فرقه بحركة فقولهم: "لعنه" إذا أكثر اللعن و"لعنة" إذا كان يلعن.

و"هزأة" و"سخرة. وسخرة".


باب التوهم والإيهام

من سنن العرب التوهم والإيهام وهو أن يتوهم أحدهم شيئاً ثم يجعل ذلك كالحق. ومنه قولهم: "وقفت بالربع أسأله" وهو أكمل عقلاً من أن يسأل رسماً يعلم أنه لا يسمع ولا يعقل لكنه تفجع لما رأى السّكن قد رحلوا وتوهّم أنه يسأل الربع أن انتووا؟.

وذلك كثير في أشعارهم، قال:

وقفت على ربع لميّة ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه

وأسأل حتى كاد مما أبثّه ... تكلّمني أحجاره وملاعبه

وتوهم وأوهم أنّ ثمّ كلاماً ومكلّما.

وبيّن ذلك لّبيدٌ بقوله:

فوقفت أسألها وكيف سؤالنا ... صمّاً خوالد ما يبين كلامها

ومن الباب قوله:

لا تفزع الأرنب أهوالها

إنما أراد: ليس بها أرنب يفزع.

وكذلك:

على لا حبٍ لا يهتدى لمناره

إنما أراد: لا منار به.

وأظهر ذلك قول الجعدي:

سبقت صياح فراريجها ... وصوت نواقيس لم تضرب

وقال أبو ذؤيب:

متفلّقٌ أنساؤها عن قانئ ... كالقرط صاوٍ غبره لا يرضع

أو هم أنّ ثمّ غبراً، وإنما أراد: لا غبر به فيرضع.


باب البسط في الأسماء

العرب تبسط الاسم والفعل فتزيد في عدد حروفهما، ولعل أكثر ذلك لإقامة وزن الشعر وتسوية قوافيه، وذلك قول القائل:

وليلةٍ خامدة خمودا ... طخياء تغشي الجدي والفرقودا

فزاد في "الفرقد" الواو وضم الفاء لأنه ليس في كلامهم "فعلولاً" ولذلك ضم الفاء.

وقال في الزيادة في الفعل:

لو أنّ عمراً همّ أن يرقودا

ومنه:

أقول إذ خرّت على الكلكال

أراد "الكلكل".

وفي بعض الشعر "فانظور" أراد: "فانظر" وهذا قريبٌ من الذي ذكرناه في الخزم والزيادة التي لا معنى لها.


باب القبض

ومن سنن العرب القبض محاذاةً للبسط الذي ذكرناه، وهو النقصان من عدد الحروف كقول القائل:

غرثى الوشاحين صموت الخلخل

أراد الخلخال.

وكذلك قول الآخر: "وسرحٌ حرجج" أراد "حرجوجاً" وهي الضامر. ويقولون: "درس المنا" يريدون "المنازل"

و:

كأنما تذكى سنابكها الحبا

أراد نار الحباحب.

وقال أبو النجم:

"أمسك فلان عن فل".

أراد عن فلان.

و:

ليس شيء على المنون بخال

أي: بخالد.

ويقولون:

أسعد بن مالٍ ألم تعجبوا

وإنما أراد مالكاً.

وقال آخر:

وكادت فزارة تشقى بنا ... فأولى فزارة أولى فزارا

وقال أوس وهو الذي يسميه النحويون "الترخيم":

تنكّرت منّا بعد معرفة لمي

أراد: لميس.

وهذا كثير في أشعارهم.

وما أحسب في كتاب الله جل ثناؤه شيئا منه، إلا أنه روي عن بعض القرأة أنه قرأ: "ونادوا يا مال" أراد "يا مالك" والله أعلم بصحة ذلك.

وربما وقع الحذف في الأول نحو قوله:

بسم الذي في كل سورة سمه

أراد "اسمه".

و"لاه ابن عمك" أراد: لله ابن عمّك.


باب المحاذاة

معنى المحاذاة: أن يجعل كلامٌ بحذاء كلام، فيؤتى به على وزنه لفظاً وإن كان مختلفين فيقولون: "الغدايا والعشايا" فقالوا: "الغدايا" لانضمامها إلى "العشايا".

ومثله قولهم: "أعوذ بك من السّامّة واللامّة" فالسّامّة من قولك: "سمّت" إذا خصّت و"اللامة" أصلها "ألمت" لكل لما قرنت بالسّامّة جعلت في وزنها.

وذكر بعض أهل العلم أن من هذا الباب كتابة المصحف، كتبوا: {واللّيل إذا سجى} بالياء وهو من ذوات الواو لمّا قرن بغيره مما يكتب بالياء.

قال: ومن هذا الباب في كتاب الله جل ثناؤه: {ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم} فاللام التي في "لسلّطهم" جواب "لو" ثم قال: {فلقاتلوكم} فهذه حوّذيت بتلك اللام، وإلاّ فالمعنى: لسلّطهم عليكم فقاتلوكم.

ومثله: "لأعذّبنّه عذاباً شديداً" أو "لأذبحنّه" فهما لاما قسم ثم قال: "أو ليأتينّي" فليس ذا موضعّ قسم, لأنه عذر للهدهد, فلم يكن ليقسم على الهدهد أن يأتي بعذر، لكنّه لمّا جاء به على أثر ما يجوز فيه القسم أجراه مجراه، فكذا باب المحاذاة.

قال: ومن الباب "وزنته فاتزن. وكلته فاكتال" أي استوفاه كيلاً ووزناً.

ومنه قوله جلّ ثناؤه: {فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها} تستوفونها لأنها حق للأزواج على النساء.

ومن هذا الباب الجزاء على الفعل بمثل لفظه، نحو: {إنّما نحن مستهزئون، اللّه يستهزئ بهم} أي يجازيهم جزاء الاستهزاء. و {مكروا ومكر اللّه} و {يسخرون منهم سخر اللّه منهم} و{نسوا اللّه فنسيهم} و{وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها}.

ومثل هذا في شعر العرب قول القائل:

ألا لا يجهلن أحدٌ علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا).  [الصاحبي في فقه اللغة: 372-385]